الطريق إلى الوحدة الشعبية
الطريق إلى الوحدة الشعبية
دعوة لبناء الجسور بين
الاتجاهين القومي والاسلامي
عيد الدويهيس
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
وبعد، أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة فإن هذا الكتاب محاولة للسير في طريق الوحدة الشعبية تطرقت فيه إلى قضايا تسبب تفرقنا وحذرت منها وتطرقت إلى قضايا توحدنا فدعوت لها وفي اعتقادي أن تحقيق التعاون والوحدة عملية مستحيلة إذا لم نفهم لماذا نحن مختلفون؟ وما هي نقاط الاختلاف وكيف نحسم الاختلافات الجذرية ونقوم بترشيد الاختلافات الاجتهادية وأعتقد أن الوصول لذلك يتطلب الآتي:
(1) الالتزام بالقرآن والسنة التزاما صحيحا ليس به تطرف المتطرفين ولا إفراط المفرطين.
(2) بناء الجسور بين الحكومات والاتجاه القومي والاتجاه الإسلامي.
(3) استخدام العلم والمنطق في تحقيق الأساسين السابقين.
فلنؤمن أنه لا بديل لطريق الوحدة إلا طريق التفرق والضعف ولقد سرنا في هذا الطريق ولمسنا نتائجه وأتوقع أن ما سوف نراه أشد بكثير مما رأينا إن لم ننتبه من غفلتنا. ولا بد أن أشير إلى أنني مررت في هذا الكتاب على قضايا كثيرة مرورا سريعا وقد يسبب ذلك بعض سوء الفهم لما كتبت أو عدم اقتناع لما توصلت إليه من نتائج، ومروري السريع هذا لم يكن هروبا من أدلة المخالفين بل كان هدفه اختصار الكتاب.
وتناول الفصل الأول بعض المفاهيم الأساسية عن الإسلام والتي بدونها يستحيل تحقيق الوحدة الفكرية أما الفصل الثاني فهو عبارة عن مقالات تدعو لبناء الجسور بين الحكومات والاتجاهين القومي والإسلامي وحاولت في هذه الطبعة التي تأتي بعد حوالي خمس سنوات على الطبعة الأولى أن أوضح بعض الأفكار بمزيد من الشرح ولا شك أن الوحدة موضوع طويل ومتشعب وبحاجة إلى كتب ومناقشات فهو مرتبط بأفكار وأنظمة وتاريخ وأحداث وقوى مختلفة وقد حاولت أن أركز على قضيتين أساسيتين قد تكونا أهم ما خرجت به كمواطن عربي له قراءات في الواقع وفي الاتجاهات والأفكار الموجودة في الأمة والقضيتان هما ضرورة الالتزام بالإسلام الصحيح وضرورة إقناع المخلصين بالتعاون الجاد وذلك لأن التحديات التي تواجهنا هي تحديات هائلة لن نتمكن من التغلب عليها متفرقين وهناك بعض الملاحظات العامة أحببت أن أذكرها وهي:
أولاً: أن هذا الكتاب ليس مدعوما من جماعة أو حزب أو حكومة فأنا لا أتحدث باسم أحد بل أتحدث بقناعتي الشخصية التي حرصت أن تكون نابعة من الإسلام ومصالح الأمة ولم أحاول أن أجامل على حساب ما أؤمن به.
ثانياً: مع أن هذا الكتاب عبارة عن اقتناع شخصية إلا أن كثيراً من أفكاره هي ما دعا لها بعض عقلاء الأمة.
ثالثاً: أغلب ما طرحت في هذا الكتاب هو خطوط رئيسة وأفكار عامة ومع أنني حاولت قدر الإمكان أن أكون واضحاً وأنفي استنتاجات خاطئة قد يستنتجها البعض إلا أنني أتوقع أن يحدث بعض ذلك.
رابعاً: ابتعدت عن الدخول في مناقشة أفكار وأقوال وأفعال وتاريخ كل من الاتجاهين القومي والإسلامي لاقتناعي بأن المهم هو بناء المستقبل لا محاكمة الماضي وبناء المستقبل يحتاج إلى الالتزام بالإسلام والتعاون بين القوى الرئيسة فإذا كان هذا هو ما نحتاجه فلنعمله فإنه بحاجة إلى جهود كبيرة.
خامساً: حتى يسير قطار التعاون فإننا لا ننصح بالوقوف طويلا لإرضاء أو إقناع من تنكروا لإسلامهم وعروبتهم وهم كثيرون ليسوا منا ولا نحن منهم. فنحن نخاطب القوميون الإسلاميون لا القوميون العلمانيون ونخاطب الإسلاميون الحقيقيون لا الإسلاميون المتطرفون.
وأخيراً أحب أن أشكر كل من ساعدني في إخراج هذا الكتاب إلى حيز الوجود خاصة وأن مساعدتهم كان لها أثر كبير في صدوره وأهدي هذا الكتاب إلى كل مخلص أيا كانت عقيدته وأيا كانت أرضه وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة خلقا كثيرا وأن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأسأل كل من انتفع بشيء منها أن يدعو لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين.
عيد بطاح الدويهيس
الكويت – 25 رجب 1413 هـ
18 يناير 1993م
الفصل الأول
النظرية قبل التطبيق
هل يمكن أن نحل المشاكل التي تواجهنا لمجرد أننا نريد حلها، أي هل تكفي النية والإخلاص لحل المشاكل أم لا بد من معرفة وعلم؟ وهل يمكن أن يعالج المريض دون معرفة طبية؟ طبعا نحن نعرف الإجابة، فلا يكفي أن تحب المريض وتخلص له ليشفى، ولكن لابد من المعرفة الطبية. فالتعامل مع المرض "المشكلة" بدون علم قد يقتل المريض أو يزيد حالته سوءا. هذا الخطأ القاتل كررناه كثيرا وما زلنا نكرره. وهذا الخطأ يظهر بصورة واضحة في عبارة الرئيس جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة حين قال:
"لقد كان أعظم الملامح في تجربتنا الفكرية والروحية أننا لم ننهمك في النظريات بحثا عن حياتنا وإنما انهمكنا في حياتنا ذاتها بحثا عن النظريات". وأقول ليس هذا أعظم ملامح التجربة الناصرية بل أحد أخطائها، ولو ضربنا مثلا على ذلك لاتضحت الصورة أكثر، فلو فرضنا أن سيارة تعطلت وحاول سائقها إصلاحها دون معرفة علمية أو خبرة عملية في تصليح السيارات، فهل بإمكانه تحديد نوع العطل وكيفية إصلاحه ومعرفة النظريات ذات العلاقة؟
إنه بالتأكيد لن يستطيع. ولكن لو فرضنا أنه حاول أن يتعامل مع المشكلة فأخذ يعبث ببعض الأجزاء وإصلاح ما يظن أنه سبب العطل، أن المشكلة في الغالب ستزداد سوءا لأنه قد يدمر بعض الأجزاء السليمة وقد تحترق بعض الأسلاك الكهربائية نتيجة عدم معرفته بالتوصيلات الكهربائية الصحيحة والخلفيات النظرية لها. وهذا هو المتوقع ومن لا يصدق فليحاول إصلاح جهاز تلفزيونه إذا
تعطل أو ساعته وسيعرف النتيجـة. هـذا طبعـا مثـال مـادي ولكنـه ينطبـق
في مجالات السياسة والعقيدة والاقتصاد. ومما يذكر هنا أن سيدة دعت سمكريا لإصلاح خلل في الأدوات الصحية في منزلها فلما جاءها: قال: إذا كان زوجك قد حاول إصلاح العطل فلم يستطع فأجري عشرة دنانير، أما إذا لم يتعامل مع المشكلة فأجري ديناران. الفكرة هنا هي أن محاولة الزوج إصلاح الخلل ستؤدي غالباً إلى زيادته مما يجعل العامل يصلح العطل وما أفسده الزوج بمحاولاته ومن هنا نقول أن الانهماك في النظريات والمعارف ليس عملية ترف عقلي أو إضاعة وقت بل هي الخطوة الأولى والأساسية التي لابد منها لكي يمكن على أساسها التعامل مع المشاكل والقضايا بأسلوب سليم. إن محاولة حل المشاكل بدون أسس نظرية سليمة كمحاولة بناء بيت بدون أساس.
وإذا كان التخصص في مجال الطب يتطلب سبع سنين من الدراسة والسهر فلا شك أن التخصص في علاج مشاكل الأمة بحاجة إلى سنين طويلة من التأمل والتفكير وقبل أن نبدأ بإصلاح الأمة علينا أن نتذكر هذه الحكمة القيمة: "للإنسان ثلاث طرق ليكون ماهرا حسن التصرف، طريق التبصر والفكر وهذا هو الأسلم والأصوب. وطريق التقليد وهذا هو الأسهل وطريق التجربة وهذا هو الأكثر مرارة" . قال الدكتور عبد الملك الحمر في "الندوة الفكرية الأولى لرؤساء الجامعات الخليجية العربية": "حين نحاول أن نحدد موقفنا من الحياة ككل وحين نسأل أنفسنا من نحن؟ وماذا نريد؟ وأين نسير؟ وكيف نجابه تحديات الحياة ومشكلاتها؟ وبالتالي نعلن وجهة نظرنا أو فلسفتنا مقابل ما في العالم من تيارات فكرية ومجتمعية بل ونلتزم بما نعلن فكرا وقولا وفي هذا السياق يكون انتماؤنا لمجموعة من القيم الحضارية لتجعل بدورها حياتنا نظاما فيه اتساق وفيه تكامل. فدور الجامعة وبالتالي خطة التنمية أن تعمل على كسر هذا الطوق الذي نعايشه من الخليط الحضاري وفيه ما فيه من التبعية والتناقض والإحباط والتخلف".
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بداية الطريق فالنظرية قبل التطبيق والذين يحاولون التعامل مع الواقع دون الإجابة على هذه الأسئلة يخطئون. فالنظرية الصحيحة ستعطي حلولا صحيحة لمشاكلنا، ولنحذر أن تمنعنا مرارة الواقع وعمق الجروح عن التفكير الهادئ فالعلم قبل العمل.
الوحدة الفكرية أولاً
إن آراء البشر في العقائد والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كثيرة ومتنوعة ومتناقضة، فدور الشعب في الحكم قضية مختلف فيها، والاعتقاد بوجود الله قضية ثانية وما صفات الله وأوامره قضية ثالثة.
والنظرة إلى قضايا الزواج والطلاق تختلف من مجتمع إلى آخر، ودور العمال والمال في الاقتصاد قضية غير متفق عليها. والقضايا المختلف عليها كثيرة جدا، وهذا الاختلاف يولد الشقاق والتفرق والعداوة. أما الاتفاق في المفاهيم فمن شأنه إيجاد التعاون والوحدة. أن اختلاف الآراء ظاهرة صحية حينما يكون حول الفروع والجزئيات، أما عندما يكون حول الأصول والأساسيات فإنه اختلاف مدمر. فلا يمكن أن يتفق مسلم وزنديق على بناء دولة قوية لأنهما إن اتفقا على محاربة الاستعمار الأجنبي فإنهما لن يتفقا على شكل نظام الحكم وأساسيات الاقتصاد ومعاني الحرية والعدل. ولابد أن يؤمن من يحرص على الوحدة والعزة والسعادة بمبادئ يتخذها دستورا للوحدة ومصدراً لعقائده وأساسا لنظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك بهدف إيجاد التجانس بين الناس وحل الاختلافات المدمرة على هدي هذه المبادئ. وهذا هو ما يحدث بالفعل، فالشيوعيون يرجعون إلى آراء ماركس ولينين للاستشهاد (بصواب) آرائهم. أما المسلمون الذين يفهمون الإسلام الفهم الصحيح فيرجعون في اختلافاتهم للكتاب والسنة.
إذا كان هذا هو الحال فلابد أن نبحث عن فكر (ايدولوجية وفلسفة ونظام) صحيح يربطنا بالعلم والواقع والحقائق حتى نتمكن به من إقناع العقول والقلوب كي نستطيع جمع شمل العرب.
ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن أهم المبادئ المشهورة والمطروحة على الساحة العالمية هي الإسلام والشيوعية والرأسمالية والنصرانية. ولو فكرنا بطريقة علمية بحتة وحاولنا أن نصل للحقيقة المجردة وهذه رحلة صعبة لأن هناك الكثير جدا من التشويه وسوء الفهم لهذه المبادئ فبعض الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم هي أحاديث موضوعة تخالف القرآن نفسه بل أن تفسير بعض آيات القرآن الكريم وهي التي جاءت بلسان عربي مبين نجد لها تفسيرات غريبة عند الصوفية والخوارج وغيرهم. باختصار شديد لابد من النظرة العلمية المجردة لكل مبدأ وفصل ذلك عن حسن أو سوء تطبيق هذه المبادئ عند المنتمين لها. ولأن الخلاف بين هذه المبادئ في قضايا كثيرة فعلينا أن نناقش أساسيات هذه المبادئ لأن النقاش في الفرعيات يطول ولا يؤدي إلى نتيجة حاسمة.
فالاختلاف بين الإسلام والشيوعية يتمثل أساسا في أن الشيوعيين لا يؤمنون بوجود إله لهذا الكون في حين أن المسلمين يعتبرون ذلك هو الحقيقة الأولى، فأين الحق في هذه القضية ولنقول للجميع:
والدعاوي مالم تقيموا عليها
بينات أبناؤها أدعياء
ولنطالب المسلمين والشيوعيين بإعطاء أدلة تثبت أن قولهم هو الصحيح. والملحدون والشيوعيون يقولون أن دليلهم الفكري هو أننا لا نرى الله فهو أذن غير موجود. ولنتساءل الآن هل دليلهم مبنى على العقل والمنطق أم أنه دليل غير مقبول. ولنسألهم أين بحثتم عن الله، وما الأماكن التي بحثتم عن الله فيها فلم تجدوه ولم تشاهدوه؟ وهل بحثتم في الكرة الأرضية؟ نعم، تستطيعون أن تقولوا ذلك. هل بحثتم عنه في المجموعة الشمسية؟ نعم، تستطيعون أن تقولوا ذلك ولكنكم نسيتم أو تناسيتم حقيقة علمية مادية وهي أن في هذا الكون عشرات الآلاف من النجوم والكواكب لم تبحثوا فيها عن الله ويكفي أن نعرف أن في هذا الكون نجوما تبعد عن الأرض أكثر من عشر ملايين سنة ضوئية والسنة الضوئية أطول بكثير من السنة العادية بمعنى أنه لو خرج ضوء من أحد هذه النجوم البعيدة في هذه اللحظة سيصل إلى الكرة الأرضية بعد أكثر من ثلاثين مليون سنة عادية، فهل بحث الشيوعيون في هذه الأماكن ولم يجدوا الله ولم يشاهدوه؟ الشيوعيون
مثلهم كمثل من بحث عن فرد في جامعة الكويت، فلما لم يجده قال أن هذا الشخص غير موجود في الكرة الأرضية كلها. فهل هذا الكلام علمي أو منطقي؟؟
أذن فالدليل الفكري الذي يبني عليه الشيوعيون كلامهم دليل مرفوض وغير صحيح، ثم أن الله سبحانه وتعالى ليس مخلوقاً نبحث عنه هنا أو هناك بل هو خالق هذا الكون بما فيه من كواكب ونجوم وبشر. إن الله جبار قادر قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (67) (سورة الزمر).
والآن تعالوا لنسأل الذين يؤمنون بوجود الله عن دليلهم الفكري. وسنجد لديهم دليلين أولهما:
أن هناك خالقا لكل شيء منظم فعندما نشاهد طائرة أو سيارة أو تلفاز نعرف أن هناك من صنع ذلك فالطائرة بها خزان للوقود وعجلات للإقلاع والهبوط ومحركات وأماكن مكيفة وأجهزة كهربائية لقياس الارتفاع والضغط فالطائرة عبارة عن نظام متكامل يوجد تنسيق بين أجهزتها، وهذه الطائرة لم توجد صدفة لأن البشرية خلال عصورها كلها لم تجد طائرة تكونت بالصدفة ولا حتى سيارة أو دراجة بخارية أو هوائية. فلابد أن يكون هناك صانع لكل نظام متكامل دقيق. ولو قارنا الطائرة بالأرض أو الكون لوجدنا أن الأرض أكثر نظاما فالإنسان أكثر تعقيدا ودقة من الطائرة فلابد أن يكون هناك من صنع هذا الإنسان. والكون يسير وفق نظام دقيق متوازن. قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ {4}) (سورة الملك).
باختصار، لابد أن يكون هناك من صنع هذا الكون، والشواهد في الكون كثيرة فلننظر في الأفاق. قال الله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (53) (سورة فصلت). وقال الله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (11) (سورة لقمان).
والدليل الفكري الثاني على وجود الله تعالى وجود الأنبياء ومعجزاتهم، فالمسلمون واليهود والمسيحيون هم ممن شاهد معجزات الرسل فمن عاصر عيسى عليه السلام شاهد كيف أحيا عيسى الموتى بأذن الله. والمسلمون عندهم معجزة القرآن. إذن فلابد أن تكون هناك قوة خلف هذه المعجزات ألا وهي قوة الله.
من هذا النقاش الفكري نصل إلى أن المبدأ الشيوعي لا يستند إلى الدليل الفكري في حين أن الذين يؤمنون بوجود الله لديهم دليلان صحيحان. فإذا كنا قد حسمنا الصراع الفكري مع الشيوعية بإثباتنا أن أسسها غير صحيحة فإن هناك مجموعات أخرى لا تزال تختلف حول الحقائق الفكرية الأخرى وإن كانت تؤمن بوجود الله، ومن هؤلاء المسيحيون والهندوس وبعض الفلاسفة ومشركو العرب وغير هؤلاء.
وهكذا تسقط الشيوعية في امتحان العقل والمنطق ولكن تبقى حقوق العمال والفقراء واجبا على كل إنسان شريف.
ولا نريد أن نناقش الاختلاف بين الإسلام والرأسمالية والمسيحية بالتفصيل فهذا نقاش يطول وليس ذلك هدف هذا الكتاب ولكن نختصر القول في أن الدليل على صحة الإسلام وصدق محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم. هذا الكتاب الذي تحدى ويتحدى كل إنسان على أن يأتي بمثله. فإذا كان محمد هو الذي ألف القرآن كما يزعم البعض فألفوا أنتم قرآنا آخر، ألا تعرفون قواعد اللغة العربية، ألا تعرفون البلاغة والاستعارة والكناية، فلماذا عجزتم؟
عجزوا لأن القرآن من عند الله وليس من عند محمد. قال الله تعالى (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (سورة البقرة 23).
وقال الله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (سورة هود 13). وهناك دليل علمي مادي من القرآن قال تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (88) (سورة النمل).
فمن أين يعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الجبال تتحرك لأن الأرض تدور خاصة وأن اكتشاف دوران الأرض عملية تمت قبل حوالي خمسمائة سنة في حين أن القرآن نزل على محمد قبل حوالي أربعة عشر قرنا.
والآن وبعد أن أثبتنا أن الأسس التي بنى عليها الإسلام تستند إلى الدليل الفكري الصحيح نستطيع أن نقول أن الطريق للوصول إلى الحقائق الفكرية هو القرآن والسنة وبناء على هذين المصدرين علينا أن نبني تصوراتنا العقائدية ومناهجنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فالقرآن لا ينبغي أن ينحصر دوره في المساجد أو في أمور العزاء بل هو منهج للحياة وبناء على حقائق الكتاب والسنة والواقع نقول:
(1) أن المسيحية دين سماوي ولكن حرفها أهلها وعقدوها حتى أصبح العقل البشري الواعي لا يقبل بعض تصوراتها.
(2) الشيوعية لم تأت نتيجة بحث فكري سليم، ولكنها أتت كرد فعل لاضطهاد العمال وظلمهم من قبل الإقطاعيين والرأسماليين، وحارب الشيوعيون الدين لأن رجال الكنيسة كانوا يخدرون الفقراء ويكبتون ثورتهم عن طريق إقناعهم أن الدنيا للأغنياء وأن الآخرة للفقراء.
(3) ضل بعض الفلاسفة لأنهم استخدموا أسلوب التفكير المادي في المواضيع الفكرية، فلو فكرنا مائة سنة فلا يمكن أن نعرف لماذا خلقنا الله؟ ولم لم يقل لنا الرسل ذلك لما عرفنا الإجابة على هذا السؤال، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صفات الله سبحانه وتعالى وأوامره. وأسلوب التفكير المادي جعل للفلاسفة فتاوى كثيرة في الإلهيات، فمنهم من قال أن هناك إله واحد ومنهم من قال أن هناك اله للجمال واله للشر واله للخير وهكذا ضلوا وأضلوا.
(4) من الخطأ أن نقول أن جميع التصورات الاقتصادية والاجتماعية في الرأسمالية والشيوعية هي تصورات خاطئة بل فيها حق وباطل أما الإسلام فهو حق كله.
(5) لا شك أن أوروبا وأمريكا واليابان وروسيا دول متقدمة تقدما هائلا في الجوانب التكنولوجية والمادية وفي الأسلوب العلمي للوصول للحقائق المادية، ولكنها في نفس الوقت دول متخلفة تخلفا هائلا في الجوانب الفكرية والأيدلوجية وفي الأسلوب العلمي للوصول إلى الحقائق الفكرية، (1) والأدلة كثيرة، نذكر منها هذا الدليل الطريف:
أراد شباب فرنسي أن يخطب فتاة يابانية فسأل شيخا يابانيا: هل تظن أن أهلها سيرفضونني بسبب جنسيتي، فأجابه الشيخ: أنهم سيرفضون طلبك بسبب سلالتك، فأنتم حسب تقاليدكم من سلالة القرود وهي حسب تقاليدنا سليلة آلهة الشمس.
(6) الالتزام بالإسلام لا يمنع إطلاقا استيراد بعض الأفكار والقوانين والسياسات والنظم من الشرق والغرب والتي يكون في تطبيقها خير للناس وفائدة، بل هو يدعو لذلك، فما قالوه وفعلوه هو حصيلة تجارب كثيرة للإنسان على هذه الأرض فلنستفد مما نجحوا فيه ولنتجنب ما فشلوا فيه، فالحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق الناس بها.
قال ابن عقيل: "السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وأن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح وأن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة"(2).
وقال ابن القيم "فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فإذا ظهرت إمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره"(3).
(7) تطبيق النظام الإسلامي ليس هدفه قطع يد السارق أو رجم الزاني بل هدفه الأساسي هو بناء حياة سعيدة تطبق فيها شريعة الله التي تهدف إلى تحرير الإنسان من كل عبودية إلا عبوديته لله سبحانه وتعالى، فهو تحرير للإنسان من عبودية الأحزاب والحكومـات والأفـراد والرؤسـاء والملـوك والعلمـاء والشهـوات،
وهـي شريعـة تهـدف إلـى تبصيـر الإنسـان وتعليمـه الحقائـق
الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة والإيديولوجيات، وفيها إجابات صحيحة عن السؤال الكبير الذي كثيرا ما نتجاهله ألا وهو: لماذا خلق الله البشر؟ وباختصار شديد الهداية والسعادة والنصر والوحدة الحقيقية قضايا مستحيلة في ظل منهج غير مرتبط بإله هذا الكون. وان تنصروا الله ينصركم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
قال ابن القيم "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها"(4).
(8) اتخاذ الإسلام كمنهج سيبعدنا عن استخدام مصطلحات اليمين واليسار والتقدمية والرجعية والديمقراطية والاشتراكية والليبرالية والاشتراكية الديمقراطية واستخدام المصطلحات التي لها أكثر من معنى هو ضياع فكري. فالمصطلحات في الإسلام لها معان محددة وتصنيف الناس حسب القواعد الإسلامية أعدل وأرحم وأوضح. فهناك شروط لاستخدام مسميات المؤمن والمشرك والمنافق والشهيد والخائن والعميل وإذا التزمنا بهذه الشروط ستقل الاتهامات وسنبني بيئة جيدة تساهم في تجميع الناس وتوحيدهم.
(9) لا تنتهي رحلتنا بأن نصل إلى الحقائق فهذا لا يكفي ولابد من تطبيق هذه الحقائق فالحقائق لا فائدة منها إن لم تطبق وانتماؤنا للإسلام لا فائدة منه لا في الدنيا ولا في الآخرة أن لم يلازمه عمل، قال الله سبحانه وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (5) (سورة الجمعة).
فكما أن الحمار لا يستفيد من الكتب إذا حملها فإن الإنسان لا يستفيد من الحقائق إذا لم يطبقها والمثل مضروب للمسلمين حتى يتعظوا ولا يكونوا كاليهود. فهل نتعظ ؟
قال ابن تيمية:
"أن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة" وقال "أن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام"( ).
(10) معرفة الحقائق الفكرية والإيمان بها والحرص على تطبيقها لا يكفي واحيانا يكون خطرا إذا لم نعرف طبيعة الواقع الذي ستطبق عليه هذه الحقائق ومعرفة الواقع قضية مهمة جدا فنحن نعرف أن الحق هو أن يتم قطع يد السارق لكي نحافظ على أموال الناس ولكننا نجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع يد من سرق في عام الرمادة، وذلك لأن الفقر هو الذي دفع الناس للسرقة. وفي هذا العصر نحن بحاجة إلى فهم صحيح للواقع قبل أن نطبق الحقائق الفكرية في الكتاب والسنة وعلينا الآن أن نتعرف على الواقع عن طريق دراسات علمية وأن نحذر التطبيق الخاطئ للإسلام لأنه يهدم ولا يبني.
(11) إن سعي الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات للالتزام بالإسلام سيحدث تجانساً بين النظم السياسية التي نتبناها والفلسفة العقائدية التي ننطلق منها والأهداف التربوية التي ندرسها لأبنائنا والأعراف والأخلاق التي نتعامل بها والمصطلحات التي نستخدمها وعندما نصل إلى هذا الوضع أي الوحدة الفكرية سيكون الحديث عن التعاون والتكامل والوحدة أكثر واقعية من أحلام اليقظة التي نعيشها الآن.
أي إسلام نريد؟
قد يتساءل البعض لقد احترنا في معرفة الإسلام الصحيح فما أكثر الفرق والدول والأحزاب والجماعات قديما وحديثا التي تدعي أنها على حق وغيرها على باطل وقد تصل الحيرة عند بعض الباحثين عن الإسلام الصحيح إلى الاقتناع بأن الفكر الإسلامي هو فكر ضبابي لا قواعد له ولا أسس فكثير من القضايا حولها اختلاف وكل فريق يقدم أدلة من القرآن الكريم أو السنة أو أقوال العلماء على صحة رأيه وفهمه نقول لهؤلاء إن الإسلام الصحيح يمكن الوصول إليه ولكن لمعرفته لابد من دراسة، فكما أن من لا يدرس الطب سيحتار في معرفة الأمراض وأعراضها وأدويتها فكذلك سيضيع في فهم الإسلام من لم يدرسه حتى لو كان مثقفا في السياسة أو الاقتصاد وللإجابة على سؤال أي إسلام نريد؟ نقول:
أولا: الإسلام الصحيح مصدره القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة وهذان المصدران متوفران وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة خير فهم وتطبيق للإسلام ولقد كتب العلماء الكتب الكثيرة التي تبين هذا الإسلام وتتناول الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بالشرح والتفسير ونقصد بالعلماء هنا من اتفقت الأمة على علمهم وإخلاصهم مثل ابن عباس ومالك وأبو حنيفه والشافعي وأحمد بن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثير وهؤلاء هم جمهور العلماء ولا توجد بينهم اختلافات جذرية وإنما توجد اختلافات اجتهادية والاختلاف الاجتهادي ليس مرضا ولا دليل تفرق بل هو دليل حرية رأي وتفكير وهو اختلاف في الفرعيات وليس الأساسيات ويخطئ من يعتقد أن على المسلمين أن يتفقوا على كل كبيرة وصغيرة وفي كل موضوع
فهذا مستحيل عقلا ومنطقا لاختلاف العقول والخبرات وقد اختلف الصحابة حول قضايا اجتهادية كثيرة فالاختلاف الاجتهادي ظاهرة صحية ولكن التعصب له هو الظاهرة المرضية.
ثانيا: إذا درسنا القرآن والسنة سنعرف أي إسلام نريد؟ وسنعرف أن هناك فرقا وجماعات وأحزابا قديما وحديثا لا تلتزم بهذا الإسلام مع رفعها لشعارات إسلامية ولكن الشعارات شيء والحقائق شيء آخر فمثلا الخوارج لم يدرسوا الإسلام ويفهموه كما فهمه الصحابة وخاصة في قضايا الإيمان والكفر ولهذا كفروا بعض المسلمين وقاتلوهم وفي عصرنا هذا نجد بعض الشباب يعتزلون الناس أو يدعون للعنف أو يتكلمون في قضايا التكفير بغير علم ولو فهموا الإسلام الصحيح لدعوا بالحكمة والموعظة الحسنة ولعرفوا حرمة دماء الناس فكثرة من يدعي انتماءه لهذا الدين من فرق وأحزاب وجماعات وأفراد ليس دليلا على أن الإسلام الصحيح مجهول بل دليل على أن هؤلاء ضائعون والاختلاف مع هؤلاء ظاهرة صحية لأنه اختلاف جذري، فلابد أن نحرص على بقاء حقائق القرآن والسنة واضحة، والواجب شرعا فتح باب الحوار العلمي الهادئ وهذا ما فعله الأمام على بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج فلم يضطهدهم أو يمنعهم من أبداء آرائهم مع تطرفها بل قال كلمته الحكيمة هم أحرار ما لم يرفعوا علينا سلاحاً.
ثالثا: الائمة الأربعة رحمهم الله لم يأتوا بإسلام جديد بل إسلامهم هو الإسلام الصحيح واختلافاتهم هي اختلافات اجتهادية في قضايا فرعية وأيضا كثير من الحركات الإصلاحية قديما وحديثا مع اختلاف مسمياتها واجتهاداتها فهي لم تأتي بإسلام جديد بل إسلامها هو الإسلام الصحيح وفي عصرنا هذا زادت معرفتنا بالإسلام الصحيح زيادة كبيرة فكل يوم يمر نزداد به علما فقد زادت الكتب الإسلامية خلال الخمسين سنة الماضية زيادة هائلة وإن كان في بعضها ضعف وأخطاء فبإمكان أي مسلم اليوم أن يشتري بأقل من خمسة دنانير كويتية مختصر صحيح مسلم للمنذري ليقرأ أكثر من ألفي حديث صحيح ومع زيادة الوعي
بالإسلام ضعف التعصب للمذاهب وتنبه المسلمون إلى خطورة الأحاديث الموضوعة والضعيفة وتم إنصاف المرأة في كثير من القضايا وغير ذلك كثير.
رابعا: البعض يسأل أي إسلام نريد؟ لاعتقاده أننا يجب أن نبحث في كتب الفقه عن حل لمشاكلنا وقضايانا ونقول لهؤلاء نحن ملزمون فقط بالقرآن والسنة ولسنا ملزمين بكل الاجتهادات القديمة وهذا جانب قد يغيب عن البعض ومن الأسئلة التي هي بحاجة إلى اجتهادات جديدة ما أنظمة الشورى التي تناسب كل بلد من بلادنا؟ وكيف يتم تطبيق الزكاة في عالم التجارة والمال العصري؟ وغير ذلك كثير فالإسلام فيه حلول لمشاكلنا هذا صحيح إذا فهمنا أن الإسلام يدعو للبحث والدراسة والتفكير والتشاور ضمن قواعده وأساسياته. قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد في كتابه القيم "حوار لا مواجهة": "والطاعة الواجبة على المسلم إنما هي طاعة الشريعة وليس طاعة الفقه ورجاله" وقال: "أن الذين يضعون الفقه والشريعة في إطار واحد يصفونه كله بأنه "التشريع الإسلامي" الذي لابد من تطبيقه بحذافيره كلها يرتكبون خطأ فادحا في حق الإسلام وفي حق الناس فهم يدخلون على الإسلام ما ليس منه".
خامساً: البعض يعتقد أن على المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة وحزبا واحداً ودولة واحدة ما دام عندنا إسلام صحيح واحد ونقول لا شك إن كانوا دولة واحدة فهذا أفضل وأقوى ولكن إذا تعذر ذلك فليكونوا دولاً متعاونة لا متنافرة، أما بالنسبة للجماعات والأحزاب فنقول ليس مطلوبا شرعاً أن يتوحدوا في جماعة أو حزب فالآراء الاجتهادية تختلف من فرد إلى فرد ومن مجموعة إلى مجموعة أخرى وهذا اختلاف طبيعي وصحي متى كان بعيدا عن التعصب فليزدد عدد الأحزاب والجماعات ولتتنافس في عمل الخير وتتعاون عليه وليعبر من يشاء عن آرائه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضمن جماعة أو حزب أو جمعية وللأسف أننا مازلنا لا نلتزم بالإسلام الصحيح فكل رأي لا نقتنع به نحارب صاحبه فما دام الفرد أو
الجماعة أو الحزب لم يخالف الإسلام فليقل آراءه فإن أصاب في اجتهاده فله أجران وأن أخطأ فله أجر وننبه هنا إلى أن الأحزاب في الدول الديمقراطية تختلف في قضايا كثيرة وتنتقد بعضها بشدة بكلام صريح وأحياناً ساخرٍ أو جارحٍ ومع هذا فهم يلتزمون بطرق حسم هذه الاختلافات سواء بالتصويت بالمجالس النيابية أو بالاستفتاء أو بالمحاكم أو غير ذلك.
سادساً: الإسلام الصحيح هو فكر ومنهج ونظام له ضوابط وأسس وبه مرونة في قضايا تحتاج المرونة لاختلاف البشر والظروف والدول وبه قضايا ليس بها مرونة بل هي حق أو باطل والمسلمون الملتزمون به متفقون على قضايا أكثر بكثير من عدد القضايا التي يتفق عليها الرأسماليون والشيوعيون أو غيرهم فالاختلافات الجذرية موجودة في الشيوعية والرأسمالية لأسباب مختلفة في حين أن المسلمين متفقون على قضايا كثيرة في السياسة والاقتصاد بل هم متفقون على كيف نصلي ونصوم ونتزوج ونوزع الميراث وما معنى الزهد والمعصية والطاعة وغير ذلك كثير، نقول هذا لأن البعض يعتقد أن المناهج غير الإسلامية واضحة وأن أهلها متفقون ونقول ليس الأمر كذلك فالمناهج عندهم ضبابية في جوانب كثيرة وهم متفرقون أكثر منا حتى لو كان عند بعضهم استقرار سياسي.
سابعاً: المنهج الإسلامي الصحيح متوفر لو بحثنا عنه ودرسناه وقد نعرفه جميعاً كبيرنا وصغيرنا ومع هذا نبقى متفرقين لأن تفرق المسلمين اليوم ليس سببه الوحيد أنهم لا يعرفون الإسلام الصحيح بل إن جزءاً كبيراً منه سببه أنهم لا يلتزمون بما يعرفون من الإسلام فالمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأفراد والجماعات والأحزاب والدول هي التي تحرك الكثيرين فالمفاهيم الجاهلية والشهوات والمصالح هي التي تفرق المسلمين وصدق من قال "ما اختلفت هذه الأمة في ربها ورسولها ودينها ولكنها اختلفت في الدينار والدرهم" طبعا نحن لا نتوقع أمة مثالية ولكننا نقول ما نحصده الآن في واقعنا من خير وشر هو ما زرعناه جميعاً وهو ما نستحق قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
العلاقة بين الإسلام والواقع
من سمات هذا العصر ازدياد الاهتمام بالمصالح الاقتصادية للأفراد والشعوب زيادة كبير وزيادة الاهتمام بالأحداث السياسية ونتائجها ومن ناحية أخرى فقد ضعف إلى درجة كبيرة الاهتمام بالمبادئ والأخلاق وعندما أصبح للعقائد والأخلاق دور ثانوي أو لا دور على الإطلاق في تقييمنا للأفراد والجماعات والأحزاب والدول سهل على الفتن أن تنتشر بيننا وأصبح من المنطق أن ينتشر فينا الضعف والتفرق وذلك لأن الاختلافات متنوعة الجذور وأشدها وأعظمها ضررا خطر الاختلاف العقائدي وليس غريبا أن يكون للعقائد الدور الأكبر والأخطر في حياة الشعوب لأن العقائد هي المنبع الرئيسي للتربية والثقافة والأفكار الرئيسية والقوانين الاقتصادية وما اختلافات العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي في أساسه إلا اختلاف عقائدي منبعه اختلاف العقيدة الشيوعية عن العقيدة الرأسمالية فالمنطلقات العقائدية والفكرية تؤثر تأثيراً قويا في حركة المجتمع فكلما كانت العقائد صحيحة والتزم بها صلحت المجتمعات فالعلاقة بين العقيدة والواقع علاقة وثيقة.
وهناك سياسيون لا يهتمون بالقضايا العقائدية والاجتماعية والتربوية ظنا منهم أن أصلاح المجتمع يعتمد اعتماداً كلياً على النجاح الاقتصادي والسياسي فيفاجأ هؤلاء بأمراض كثيرة مثل النفاق والكسل والحسد والأنانية والفسق والتآمر ولا نريد أن نذكر أمثلة لحالات واقعية فالتاريخ الحديث والقديم به الكثير الذي يثبت أن إصلاح المجتمعات إصلاحاً حقيقيا وكليا وليس سطحيا وجزئيا لابد فيه من حلول شاملة للقضايا العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحديث
في موضوع العلاقة بين الإسلام والواقع يطول وسأحاول في النقاط التالية أن أتطرق لجوانب منه:
(1) لا شك أن للمصالح والأهواء دوراً كبيراً في سلوك الأفراد والجماعات والقبائل والطبقات والشعوب ولأن دور المصالح مهم وجدنا لها وزنا كبيراً في النظرية الشيوعية والواقع الغربي وبما أن مصالحنا مختلفة ومتعارضة في أحيان كثيرة وبما أننا نترك قيادة نفوسنا لهذه المصالح لذا نجد أنفسنا مختلفين مع الآخرين وذلك لأن مصلحة المؤجر هي غير مصلحة المستأجر ومصلحة قبيلة في انتخابات فرعية هي ضد مصالح القبائل الأخرى ومصلحة أصحاب المصنع ليست هي مصلحة العمال والإسلام جاء بنظام يؤدي إلى ترشيد دور المصالح فيعطي كل ذي حق حقه ويمنع منعا باتا أن تحرك الإنسان مصالحه بل لابد من الالتزام بالمبدأ"العقيدة" المترجم في دستور وقوانين تحقق مصلحة المجتمع وهذا الالتزام واجب وبناء على هذا الالتزام تصبح الواسطة حراما مع أنها تحقق مصالح للبعض ويصبح الربا مرفوضا مع ما فيه من مصالح للمرابين وهكذا فالحق أحق أن يتبع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "يجب على كل من ولى شيئا من أمر المسلمين أن يستعمل فيما تحت يده من كل موضع أصلح من يقدر عليه فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابه بينهما أو ولاء عتاقه أو صداقه أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين". فالإسلام عالج قضية المصلحة بمنهج عادل سمح بوجود مصالح مشروعة وجعلها تتحرك بخطوط متوازية لا متعارضة وبدون الإسلام تصبح مشكلة المصالح بدون حل عادل فالأقوى هو الذي يسيطر وحتى ندرك جزءاً من عظمة الإسلام لنتأمل في الظلم والانحراف الذي أحدثتهما عبودية المصلحة في الأفراد والأحزاب والدول فالفرق شاسع بين من جعلوا دينهم هو مبدأهم وأخلاقهم وقانونهم وبين من جعلوا مصالحهم وأهواءهم وآراءهم وشهواتهم هي دستورهم
وأخلاقهم ومبدؤهم قال تعالى "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" نعم صار أمرهم فرطاً.
(2) العلم أحد أعمدة الإصلاح فالعلم نور والله سبحانه وتعالى جعل طلب العلم عبادة ولقد قيل أن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما. ولكن تركوا لنا حقائق كثيرة نجدها في القرآن والسنة وبناء على نور هذه الحقائق نستطيع أن نبني أسرا سعيدة ودولا عادلة وأمما قوية فالإسلام يعلمنا علم العدل وعلم الوحدة وعلم العقيدة وعلم الأخلاق وغير ذلك ويحذرنا من الضلال والجهل والفتوى بغير علم والظنون واتهام الناس دون أدلة فالعلم يجب أن يعطي مكانة عظيمة في أي أمة تسعى للوحدة وهو ضروري لكل إنسان لأنه غذاء للعقل ولو حرصنا على غذاء عقولنا كما نحرص على غذاء بطوننا لا نحلت مشاكل كثيرة قد يكون هذا الكلام بديهيا ولكن المتأمل في بعض أوضاعنا يدرك أن أحد أسباب فشل الإصلاح كان النقص الحاد في بعض فروع العلم فمن قرأ الواقع بصورة خاطئة عاش في واد والأمة في واد ومن تكلم في الدين بجهل أساء ولم يصلح ومن قرأ ثقافة الغرب بصورة خاطئة استورد شرها وترك خيرها. فالعلم هو العمود الفقري للإصلاح لأنه نور يضيء عقولنا قال تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فكيف نبني أمة ونحن لا نعرف الفرق بين التوحيد والشرك وبين العدل والظلم وبين الحلال والحرام وبين الانتماء والعنصرية وبين الزهد والتصوف وبين الحريات والفوضى، ومن الخطأ أن نعتقد أن هذه الأمور معروفة بالصورة المطلوبة ولو كان الأمر كذلك لما اختلف كثير من المخلصين وعموما فالبناء على نور علم حقائق القرآن والسنة ليس كالبناء في ظلام جهل الآراء والظنون والأهواء والعواطف.
(3) عندما يركز الإسلام على الإيمان فإنه يركز على قضية أساسية لها علاقة بالواقع فالإيمان القوى ليس هو الدافع للصلاة والصيام فقط بل هو أيضاً الدافع
للأمانة والصدق وإتقان العمل والكسب الحلال والإيثار والصدقات والزكاة
وكل خير أليست هذه الأمور مهمة جدا لحياة أي مجتمع والإيمان
القوي هو الرادع عن الظلم وسفك الدماء وقبول الرشاوى والتعصب بشتى أنواعه وانتشار مثل هذه الأمور في أي أمة يجعل من المستحيل عليها أن تكون قوية وعزيزة ومصيبة كبرى أن نعتبر الإيمان والأخلاق الفاضلة قضايا ثانوية أو هامشية وأن نعتبر الجانب السياسي في الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات هو وحدة المهم وكثيرا ما دخلت الكوارث على الأمة من هذا الاقتناع ولو حسبنا خسائر الأمة المعنوية والمادية من النفاق والغش والظلم والرشاوى والسرقات والتعصب والحسد والفسق..الخ. لوجدناها خسائر هائلة وهذا وضع طبيعي لأننا عندما نقبل الانحراف عن القوانين العقائدية والأخلاقية والعبادية فقد حكمنا على آمال نهضتنا بالفشل المؤكد فالتمسك يجب أن يكون بكل أجزاء الدستور والمسلم الملتزم يحاول أن يلتزم بكل الدستور الإسلامي بقدر ما يستطيع بل يحرص على زيادة هذا الالتزام لعلمه أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي فغياب الإيمان أو ضعفه هو منبع كل شر ووجود الإيمان وقوته هو منبع كل خير والتناسب هنا طردي فكلما زاد إيمان أمة زاد الخير فيها والمحبة والتعاون والرحمة .. الخ، وكلما ضعف إيمانها زاد البخل والحسد والتنافر والشقاق والجشع والنفاق والكسل .. الخ.
وخلاصة القول أن العلاقة بين الإسلام والواقع علاقة وثيقة فحقائق الإسلام تعلمنا أننا إذا أردنا أصلاح الواقع فلابد من ترشيد المصالح ولابد من العلم والإيمان والأخلاق الفاضلة وبدون نور حقائق الإسلام لن نفهم كيف يسير واقعنا ولن نعرف كيف نصلحه.
الإسلام والوحدة أو العلمانية والتفرق
لقد كان من نتيجة الاستعمار الثقافي الذي ابتليت به أمتنا أن أصبح كثير منا يعرف عن نظريات وأيدلوجيات الشرق والغرب أكثر مما يعرف عن مفاهيم الإسلام العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتّبنى عدد غير قليل من مثقفينا بصورة أو بأخرى أفكارا كثيرة متعارضة مع مبادئ الإسلام وتعكس التبعية للغرب والشرق، وقد اتخذت هذه الأفكار مسميات مختلفة كالاشتراكية والليبرالية والديمقراطية واليمين واليسار والحرية والتقدمية والعلمانية. ومن الطبيعي أنه ليس كل ما تحت هذه المسميات من أفكار مرفوض كلية، ولكن هناك أفكار ومفاهيم اختبأت وراء بعض المصطلحات السابقة وهي متعارضة مع الإسلام، وكثير من الأفكار المرفوضة لم تستطيع ان تنمو في التربة العربية ولم تحظ بمكانه في قلوب الناس مما أدى إلي عزلة أصحاب هذه الأفكار من المثقفين عن مجتمعهم، ولا يزال بعض هؤلاء مستمرا في خداع نفسه بتوهمه أن الفشل الحالي لأفكاره هو فشل مؤقت وأن المستقبل لها.
ومن الأفكار الخطرة التي تمت الدعوة إليها فكرة العلمانية، وهذه الفكرة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الشديد. فظاهر هذه الفكرة هو أن نعالج أمورنا بالأسلوب العلمي والعقل أما باطنها فسنوضح خطورته وضلاله. وأعتقد أصحاب هذه الدعوة إن العلمية تتطلب عدم الالتزام بالإسلام، حيث أن هذا الالتزام كما يزعمون يؤدي إلي التخلف العلمي أو في أحسن الأحوال الجمود
الفكري والتعصب والتناقض مع الحضارة. والدعوة للعلمانية نشأت لأسباب مختلفة منها:
(1) تأثر مثقفينا بالفكر الغربي الذي استقر الفهم فيه على أن هناك تناقض بين العلم والدين، ففصل الدين عن الدولة في الغرب فيه جزء من الصواب والمنطق لأن فهم رجال الكنيسة للمسيحية يشوبه كثير من التشوه، ولكن هذا ليس واقعنا، فالحقائق الموجودة في الإسلام هي العلم نفسه، فالإسلام هو منبع الحقائق المتعلقة بالالهيات والشرائع والإنسان وهو تصحيح لحقائق اخطأ في تفسيرها وفهمها علماء اليهودية والمسيحية فالحق هو أن يعبد الله وحده ولا شريك له من نبي أو ولي أو عالم، والحق أن الربا نظام محرم، والحق أن يحرم الخمر والمخدرات، وهكذا فكل شيء يدعو له العقل والمنطق دعا له الإسلام. والقرآن الكريم فيه الكثير من الآيات التي هي عبارة عن مناقشات عقلية أوردت الأدلة على وجود الله واستهزأت بالذين يعبدون أصناما لا تنفع ولا تضر ودعت للتأمل في الحياة وحقائقها. فإذا كان الإسلام حقائق علمية عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية فلماذا نفصله عن الحياة؟ ألان عقولنا ستكتشف ذات يوم أن الشورى جريمة أو أن الزكاة كارثة أو أن السجود لخالق هذا الكون العظيم سطحية وتخلف أو أن الزنى فضيلة وحرية؟ حقا ما أضعف الإنسان المكابر وما أجهله. إننا هنا نتحدث عن الإسلام الصحيح ولا نتحدث عن تفسيرات وخرافات قالت بها طوائف محسوبة على الإسلام والمسلمين أو حتى قال بها بعض العلماء المحترمين.
إن عقولنا هي التي أرشدتنا إلي أن لهذا الكون خالقا وهي التي أقنعتنا بان هذا الخالق اختار من بني البشر رسلا ليقوموا بتوصيل رسالاته. فإذا وصلتنا هذه الرسالات صافية نقية لم يحدث فيها تزوير؟ فالواجب ان نقرأها ونفهمها ونطبقها ونتخذها مصدرا لدساتيرنا وقوانينا. ولعل من أجمل ما قيل لتوضيح هذه الحقيقة قول محمد إقبال: "أنه كان من الطبيعي أن يكون محمد عليه السلام هو آخر الأنبياء لأنه بعد أن أسلم البشرية إلى عقلها لم يعد هناك مجال بعد لنبوة جديدة ورسالة جديدة"(1).
(2) اقتنع البعض أن الإسلام دين صحيح، ولكنهم فهموه على أن دائرة عمله تقتصر على الصلاة والزكاة والصوم، وهذا فهم خاطئ، لأن دائرة عمل الإسلام أوسع من ذلك بكثير، إذ هي تشمل العدل والشورى والجهاد فهو أيدلوجية سياسية متكاملة. وتأكيد هذه الحقيقة ليس بحاجة إلي كثير من الأدلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم حارب عرب الجاهلية لأنهم رفضوا النظام السياسي الإسلامي ورفضوا أن تستمد قوانينهم من شريعة الله ولو كانت عملية تطبيق الإسلام اختيارية لما حاربهم ولو كان الإسلام صلاة وصوما فقط لما انطلق المسلمون في عهد الرسول والخلفاء الراشدين لحرب الروم والفرس. وكلمة دين بالعربية تعني المنهج والفكر والنظام والعبادة التي يتبناها مجتمع ما والإسلام بهذا المعنى هو دين، ويوضح هذا المعنى أمر الله لنبيه والمسلمين من بعده في سورة الكافرون حيث يقول للكافرين "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين" وقال تعالى "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"(18) " إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ "(19)" هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ (20)" (سورة الجاثية)" ويقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد "أما قضية فصل الدين عن الدولة بمعني أقصاء الدين عن أن يكون له دور في تنظيم أمور المجتمع فإنها المكون الرئيسي من مكونات العلمانية الذي لا يسع مسلما قبوله(2) ". ويقول الأستاذ فهمي هويدي "لا نريد أن نسال هل نطبق الشريعة أم لا؟ فألأمر ليس فيه خيار للمسلم الملتزم" (3) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو أتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر" (4) ومن أصر بعد كل هذا على اعتبار الإسلام صلاة وصوما وأخلاقا نقول له قوله تعالى : "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "(85) (سورة البقرة).
(3) كانت دعوة البعض إلي العلمانية انطلاقا من محاولة لإرضاء جميع الأطراف،
فكأنه يقول: لا تغضبوا فنحن لا نريد أن نلتزم بأحكام الإسلام أو المسيحية وهذه المساواة غير صحيحة وغير عادلة، فإرضاء الأقليات غير الإسلامية لا يتم برفض النظام الإسلامي لأن تطبيق النظام الإسلامي واجب لا يمكن يتنازل عنه المسلمون ولا يوجد حل وسط في هذه القضية فإما نظام الإسلام أو أنظمة الكفر ومن المستحيل أن يترك المسلمون نظامهم الإسلامي لأن هذا حق الله لا يحق لهم أن يتنازلوا عنه وإذا تنازلوا عنه فقد أصبحوا كفارا. ولقد حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ينتسبون للإسلام عندما رفضوا الالتزام ببعض جوانب النظام الإسلامي. وكيف تكون المساواة عادلة عندما يكون مفهوما عدم تطبيق نظام الإسلام في أمة غالبيتها الساحقة مسلمون؟ فكأننا نقول هنا تعالوا نختار نظاما رأسماليا لأمة غالبيتها الساحقة شيوعيون لأن فيها أقلية من البوذيين. المساواة بين المسلمين وغيرهم قضية مطلوبة ومجالها واسع جدا ولكن بالتأكيد فإنها ليست مساواة مطلقة، فلا يمكن أن يكون الخليفة مسيحيا. وفي روسيا وأمريكا فإن من لا يؤمن بأيدلوجية النظام ومبادئه لا يمكن أن يسمح له بقيادة هذا النظام. وكما أن النظام الشيوعي يطبق في روسيا على جميع الأفراد سواء كانوا شيوعيين أو غير شيوعيون فكذلك يجب أن يطبق النظام الإسلامي على جميع العرب سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أما العقيدة الإسلامية فلا تفرض بالقوة إذ لا إكراه في الدين أما عبارة "الدين لله والوطن للجميع" فإنها مقبولة إذا قصد بها أن الله هو الذي سيحاسبنا على عقائدنا ومبادئنا وهو أعلم بمن ضل وبمن اهتدى وواجبنا أن نعيش حريصين على مصلحة أوطاننا وأن لا يكون اختلاف عقائدنا سببا في تمزيق الأوطان أو في التلاعب بالحقوق والواجبات. أما إذا كان المقصود بها أنه لا دخل للدين في شؤون الوطن وقوانينه ونظمه التربوية والثقافية والسياسية وأن الدين علاقة بين الإنسان وربه فقط فهذا المعنى مرفوض وباختصار فأن التنازل عن تطبيق النظام الإسلامي أمر مستحيل في أمة عربية حملت راية التوحيد للبشرية فكيف نتوقع منها أن ترضى بالكفر في عقر دارها؟
(4) أن الاختلاف في الأسس والمبادئ هو اختلاف خطر ولا مجال للحلول الوسط فيه، فلا التقاء أبدا بين الإسلام والرأسمالية أو الإسلام والشيوعية، والأمم الواعية عليها أن تختار هويتها الفكرية والسياسية، ولا توجد هوية صحيحة ومناسبة لأية أمة تريد الحق والخير غير الهوية الإسلامية، ولا يمكن أن نخرج من ضعفنا اليوم كأمة إذا استمرينا بدون هويه وإذا تركنا شبابنا تتقاذفه مختلف الأفكار والأيدلوجيات من شيوعية ورأسمالية وعلمانية وبهائية وغير ذلك، فهذا اختلاف مدمر لأنه اختلاف غير اجتهادي فكل طرف ينظر إلي الطرف الآخر على أنه ذو مبادئ باطلة لا يمكن الالتقاء معها في نظام أو وحدة أو حتى تعاون شامل. وهذا طبيعي مهما ازداد الوعي في الأمة ومهما تعلمنا والذي يظن أن هذا الطريق سيؤدي إلي امتزاج هذه المبادئ لينشأ نظام جديد تقبله العقول والقلوب مخطئ لأنه لا التقاء بين هذه المبادئ ولأن كلا من هذه المبادئ كل لا يتجزأ ولابد أن تؤخذ أفكارها كحزمة متكاملة حتى تعمل. ففصل الدين عن الدولة لا يعطينا هوية جديدة واضحة المعالم نتحد ضمن لوائها وذلك لأن العلمانية ليست منهجا أو أيدلوجية كالشيوعية أو الإسلام أو الرأسمالية فالاستمرار في السير بالمنهج العلماني يفرق ولا يوحد ويخطئ من يعتقد أن العلمانية ستكشف الحقائق للناس وستبين لهم الحق من الباطل والصواب من الخطأ، والدليل على ذلك أن العلمانية أوصلت الغرب للرأسمالية وأوصلت الشرق للشيوعية وهما مبدآن متناقضان وكلاهما يدعي أنه أهتدى إلي الحق وإلي ما يفيد الناس وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك فعلا فكيف ستكون طريقنا إلي الوحدة؟ وعلينا أن نتذكر أن الفلاسفة في كل زمان هم أكثر الناس استخداما للأسلوب العقلي المجرد من الاسترشاد بحقائق الكتب السماوية وهذا ما جعلهم أكثر الناس تفرقا وجدلا وليس وحدة وحكمة وذلك لأن أسلوبهم "العلماني" لم يوصلهم إلي حقائق واضحة بل أوصلهم إلي آراء متناقضة يختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ.
(5) إن تطبيق النظام الإسلامي لا يعني إقامة دولة دينية بالمفهوم الغربي، فلا
يوجد في الإسلام رجال دين يتكلمون باسم الله ، ومصطلح رجال الدين هو مصطلح غربي لا ينطبق على واقعنا، فالدولة الإسلامية لا يحكمها علماء الإسلام بل يحكمها من يختاره الشعب. ومطلوب من هؤلاء أن يلتزموا بالإسلام ويطبقونه، والدولة الإسلامية لم تكن يوما ما محتكره من قبل علماء، لم يحدث هذا في عهد الخلافة الراشدة أو غيرها وإذا كان هناك من تبنى العلمانية لسوء فهم للنظام الإسلامي فهناك أيضا من تبناها بعد أن رأى نماذج سيئة من الدعاة تعاني من تخلف عقلي أو جمود فكري، ان علينا أن نفرق بين الدعاة فردا كانوا أو جماعة أو دولة وبين الدعوة. فالكل يستطيع أن يدعو للإسلام سواء عرفه أو لم يعرفه وسواء كان قدوة حسنة أو لم يكن. ومن فضل الله علينا أن مفاهيم الإسلام هي اليوم أوضح كثيرا عما كانت عليه قبل خمسين عاما ولكن هذا لا يمنعنا أن نذكر أن الإسلام المشوه لا يزال موجودا في الساحة ولا يزال البعض يطرح الإسلام بصور لم يأمر بها الله ورسوله، حتى أن أحد عقلاء المفكرين عندما ضاق بما رآه من انحراف بعض الدعاة المخلصين قال لهم جادا "إذا أردتم أن تخدموا الإسلام فأذهبوا إلي بيوتكم وأغلقوها عليكم"
ومن المفاهيم الخاطئة أيضا تصور أن القوانين الإسلامية سيتم تطبيقها بين ليلة وضحاها وهذا تصور خاطئ فلابد من تربية الأجيال وتصحيح العقائد وسد منافذ الفساد والفقر. فالتدرج في التطبيق عملية مقبولة وسليمة ولكن المرفوض هو رفض مبدأ تطبيق النظام الإسلامي. ولابد من التوضيح هنا أن الإسلام المشوه لا يحارب إلا بالإسلام الصحيح أما محاربته بالعلمانية فهي عملية فاشلة لأن طريقة تفكير أصحابها وسلوكهم غير قادرة على اختراق الأدلة التي يقدمها أصحاب الفكر المشوه وما فعله العلمانيون هو في الواقع هروب من المشكلة وتجاهلها ولكن تجاهل المشكلة لا يحلها. أننا نقول بكل ثقة أنه لا يمكن أن يواجه الإسلام المشوه للخوارج والمتطرفين والمتصوفين غير التوكل على الله واستخدام الأدلة من الكتاب والسنة.
(6) إن اللجوء للعلمانية ورفض النظام الإسلامي ليس علاجا للظلم الذي
أصاب بعض الأقليات غير المسلمة في بعض الفترات لأن هذا الظلم راجع للحكومات والحكام وليس للإسلام. فكما أن المسيحية بريئة من جرائم الاستعمار والحروب العالمية التي حدثت بأيدي من ينتسبون لها فكذلك الحال بالنسبة للإسلام. ولا شك أن المسلمين وخاصة في الفترات المظلمة من تاريخهم تعرضوا لكثير من الظلم، فالقبائل العربية في الجزيرة العربية عاشت في حروب حتى بداية القرن العشرين والكبت السياسي شعور يحس به المواطن العربي المسلم وغير المسلم فظلم الحكام والحكومات يصيب الشعب بجميع فئاته مسلمين وغير المسلمين ولا شك أن الحريات السياسية التي كانت متاحة للأقليات غير المسلمة في لبنان أفضل من المتاحة للأكثرية المسلمة في بقية الدول العربية.
فإذا كانت وضع الأقليات في نظرها سيء فلا شك أن وضع الأكثرية المسلمة هو أكثر سوءا ولا ينطبق هذا على المجال السياسي فقط بل ينطبق أيضا على المستوى المعيشي للفرد. إن اللجوء للعلمانية لن ينصف الأقلية بل سيثير غضب الأكثرية المسلمة لأن قضية العلمانية مرفوضة. ولتكن المعادلة المطروحة هي حكم الأكثرية وحقوق الأقلية، ويعلم المسيحيون العرب أكثر من غيرهم أننا لا نكن لهم حقدا ولا ننوي بهم شرا ولو لم يكن الأمر كذلك لما عاشوا بيننا كل هذه القرون. وكان من المنطق ان نعاملهم كما عامل الاسبان المسيحيون المسلمين في الأندلس أو كما عامل الفرنسيون الجزائريين المسلمين خلال حرب الاستقلال، ولكن العدل يفرض علينا أن نحكم بالحق ولا نأخذ البريء بالمذنب وحتى اليهود فإننا لا نكن لهم عداء كأفراد، ولو لم يغتصبوا فلسطين ويشردوا أهلنا لما عاديناهم قال الأستاذ عبد الرحمن عبد الخالق:
"ولا شك إن الإسلام من خلال شريعته المطهرة لم يطارد غير المسلمين لكفرهم بل حاربهم لعداوتهم وحربهم ولما تخلوا عن العدوان والأذى
فإن غير المسلمين عاشوا في بلاد الإسلام معززين مكرمين، التكريم
اللائق بهم وهذه المسألة هي من أخطر ما تواجه الدعوة الإسلامية في الوقت الحاضر وإن لم يعالجها الشباب بما تمليه المصالح الشرعية بعيدا عن الهوى والجهل
والتعصب فإن الريح ستعصف ببناء الإسلام وستكون هذه الطوائف هي أعظم فتنة وبلاء على أمة الإسلام" ( ).
وفي الختام نذكر أن عرب الجاهلية كانوا يعبدون أصناما لا تضر ولا تنفع أما اليوم فبعض عرب القرن العشرين يعبدون صنم العلمانية وهو صنم يضر ولا ينفع.
ماذا يريد المسلمون؟
أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان الحرية الكاملة في اختيار طريقه في الحياة وبين له أن الالتزام بالإسلام هو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة وأن رفض الإسلام واعتناق العقائد الباطلة هو طريق الخسران والضياع في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً البشر جميعا في شخص آدم وحواء " قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى"(123) " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"(124) (سورة طه).
إن الفرد حر في اختيار طريقه في الحياة وكذلك الشعوب والأمم حرة في اختيارها بين منهج الإسلام ومناهج الكفر وحسب هذا الاختيار وهذه الحرية سيكون الثواب والعقاب وما ربك بظلام للعبيد. إن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين فلا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين ولو شاء لهدى الناس أجمعين. وعلينا أن نقتنع كمسلمين أن نهضة الأمم وتوفيق الله لها لا يتأتى إن لم تختر الأمة الإسلام عن اقتناع ويكون لديها استعداد للتضحية وحمل هذه الرسالة السماوية، وهذا يعني أن الإسلام كمنهج لا يفرض بالقوة حتى على من يدعون انتماءهم للإسلام كالشعوب والأمم الإسلامية وذلك لأن فرض الإسلام بالقوة يعارض مبدأ حرية الاختيار للشعوب، فإذا كانت الشعوب عازفة عن تطبيق الإسلام فلا يمكن تطبيقه حتى لو وصلت أحزاب وجماعات إسلامية مخلصة إلى الحكم عن طريق انقلاب أو ثورة أو انتخاب وتطبيق الإسلام لا يفرض بالقوة أو من أعلى وذلك
لأن كثيرا من فرائض الإسلام لا تعتبر أعمالا صالحة ان لم تكن
هناك نية لعملها، فالعقائد الصحيحة بالإمكان فرض تدريسها ولكن لا يمكن
فرض الاقتناع بها، والصلاة لا أجر لمن يؤديها إذا أداها نتيجة ضغط الحكومة الإسلامية وكثير من الجوانب الاجتماعية والأخلاقية لا يمكن فرضها بقانون، والحكومات لا تملك عادة إلا عناصر محدودة من الترغيب والترهيب لا يمكن أن تحدث انقلابا جوهريا في حياة الشعوب فكيف يمكنها عمل الانقلاب الإسلامي؟ ان على أهل الحق أن يسعوا لنشر حقائق الإسلام وتوضيحها ومحاربة الباطل ولكن عليهم أيضا ان يدركوا أن الاختيار الأخير هو للشعوب.
ودور الشعب لا يقتصر فقط على الاختيار بين منهج الإسلام ومناهج الكفر بل يحدد أيضا حجم ما يطبق من الإسلام في حالة ارتضائه منهج التوحيد كعقيدة ومبدأ ونظام فهناك علاقة وثيقة بين رأي الشعب وعدد ونوع القوانين التي يرتضي تطبيقها فكما أن التطبيق الفردي للإسلام يختلف من مسلم إلي آخر بل يختلف لدى المسلم الواحد من فترة إلي أخرى ويدخل في معادلة التطبيق العلم بالإسلام والصراع بين الشهوات والإيمان وكلما زاد الإيمان والعمل الصالح، والإيمان يزيد وينقص كما يقول العلماء، كان حصاد الثمرات الإسلامية الطيبة أقرب فما ينطبق على الفرد ينطبق أيضا على الشعوب.
قال تعالى " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" (96) (سورة الإسراء).
وحصاد الثمرات المرة للمعصية مرتبط أيضاً بإرادة الشعوب فإذا تمردت الشعوب وعصت فالشقاء هو نصيبها قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (16) سورة الإسراء.
ولعل من الأدلة الواضحة على أن للشعوب دورا أساسيا في درجة ما يطبق من الإسلام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذا قال: بعثني رسول الله فقال"انك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(1).
إن مقدار ما يطبق من الإسلام مرتبط بدرجة استعداد الشعب لهذا التطبيق وقبوله ولذلك كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة فإن هم أطاعوا لذلك. لقد وعى المسلمون أنهم أحرار في أمور كثيرة وعلموا أن عبوديتهم لله لا تعني خضوعاً أعمى لحاكم أو حكومة ولا تعني ألا دور لهم في مسيرة الحياة ولم يشعروا أبد أن دور الشعب هو بدعه غربية كما يشعر بعض الذين أصابهم الجمود الفكري والسياسي.
إن للشعب المسلم دورا كبيرا في تحديد مسيرة الأمة فالحكومة في النظام الإسلامي تكتسب شرعيتها من قضيتين أساسيتين، أولهما تطبيق الشريعة الإسلامية وثانيهما رضاء المسلمين بها واختيارهم لها وإذا كانت معرفة الشريعة ليست مشكلة صعبه إلا أن معرفة رأي الأغلبية المسلمة هو بالفعل مشكلة حقيقية وهو الباب الذي دخل منه الضعف السياسي إلي الدولة الإسلامية. لقد كان الشعب في عهد الخلافة الراشدة هو الذي يحدد اختيار الخلفاء وهذه العملية تمت بإشكال مختلفة جميعها حققت في جوهرها حرية اختيار الشعب للخليفة. ولحرص المسلمين على الالتزام بدور الشعب بدأوا يواجهون مشكلة سياسية رئيسية عندما أصبحت هناك صعوبة فعلية في قضية معرفه ماذا يريد المسلمون؟ هذه المشكلة واجهتهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ولا تزال تواجههم حتى يومنا هذا وذلك لأنه قبل مقتل عثمان كان المسلمون في المدينة هم الممثلون للأمة الإسلامية. طبعا نحن لا نجهل وجود مسلمين خارج المدينة المنورة ولكن لأسباب فنية لم يكن ممكنا إدخال جميع المسلمين في عملية اختيار الخليفة فالمسافة بين المدينة والبصرة كانت تقطع في شهر وعملية الانتخاب الحديثة لم تكن تجري في ذلك الوقت في ديار المسلمين ولا في غيرها ولكن بمرور الأيام وانتقال الصحابة إلي مختلف ديار الإسلام وظهور قوى شعبية كبيرة في كثير من الأمصار الإسلامية بدأت المدينة المنورة تفقد قوتها السياسية وبدأت الفتن السياسية والعقائدية وأصبح الحل العسكري هو الحل المنطقي للاختلافات السياسية وهدأت الأمور قليلا ثم انفجرت مرة أخرى بعد موت يزيد بن معاوية فأهل مكة اختاروا عبد الله بن الزبير خليفة وأهل الشام اختاروا مروان بن الحكم، أي أنه صار في العالم الإسلامي بيعتان وخليفتان ولكن
أي هذين الخليفتين تؤيده الأغلبية لا أحد يستطيع أن يعرف وهكذا حدثت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى وأيضا كان الحسم العسكري هو الحل.
والمشكلة ليست فقط في معرفة رأي أغلبية المسلمين في عملية اختيار الحاكم بل هي أيضا في معرفة رأيهم في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تواجه المجتمع المسلم وعندما غابت القنوات الصحيحة التي توضح اختيار الأغلبية في القضايا المهمة تعرض النظام السياسي الإسلامي أو بتعبير أكثر صحة تعرض المسلمون لضربة لم يستطيعوا أن يضعوا لها علاجا في كثير من الدول الإسلامية.
هذا الوضع السيئ جعل القرارات المهمة تصدر عن عقول قليلة لتدفع الأغلبية نتائجها الايجابية والسلبية وفي الغالب تكون سلبية. وأصبحت حرية الرأي نوعا من الترف بعد أن كانت حقا لا جدال فيه.
ونرجو إلا يفهم من قولنا انه عندما ضعف دور الشعب او ألغى لم ير المسلمون غير الضعف والتفكك والاستبداد في جميع عصورهم ماعدا عهد الخلافة الراشدة فهذا غير صحيح بل أن الجوانب المضيئة والمشرفة كانت كثيرة وخاصة في خلافة بني أمية وصدر من خلافة بني العباس وجزء من خلافة بني عثمان وذلك لأن بقية عناصر المنهج الإسلامي كانت لا تزال فعالة في نفوس المسلمين لفترات من هذه القرون، والجوانب المضيئة في تاريخنا كثيرة، فالمسلمون في عهد بني أمية حققوا من الفتوحات أضعاف ما تم تحقيقه في عهد الخلافة الراشدة والعلم في عهد بني العباس له دور مهم ومقدر، وبنو عثمان كانوا الند لأوروبا بكاملها لعدة قرون. ويذكر التاريخ أن العديد من أمراء أوروبا تحالفوا ضد العثمانيين في سنة 796هـ (1394م) ونصر الله المسلمين بقيادة السلطان بايزيد الصاعقة ووقع عدد كبير من أمراء أوربا وأشرافها في الأسر، ولكن بايزيد أفرج عنهم بعد أن أقسموا أمامه إلا يعودوا إلي محاربة المسلمين ثانية ثم عاد فأحلهم من قسمهم قائلا: "إذا رغبتم في العودة لحربنا فتعالوا حينما تريدون فو الله لاشيء أحب إلينا من محاربة جميع نصارى أوروبا والانتصار عليهم"(2).
ولقد مكن الله سبحانه وتعالى للمسلمين حتى وصل الأمر إن قال الخليفة
العباسي هارون الرشيد مخاطبا السحابة: "أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني".
ما قصدناه هو أن أفضل تطبيق للإسلام هو ما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ثم أخذ الالتزام يتراوح بين انخفاض وارتفاع وكل ارتفاع وانخفاض ليس مرتبط بالإسلام، فالإسلام واضح ولكنه مرتبط بالمسلمين واستعدادهم للتضحية والشورى فهو اختيار المسلمين وليس اختيار الإسلام.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نعيد إحياء دور الشعب في حياة المسلمين؟
والجواب في اعتقادنا يتمثل في إيجاد مجالس نيابية وأحزاب سياسية، فالأحزاب السياسية هي تنظيم للقوة الشعبية وهي القناة التي يصل منها صوت الشعوب للحكومات والحزب الأقوى هو الذي يجب أن توكل له مهمة إدارة الحكم، ان الأحزاب كالحكومات منها الصالح ومنها الطالح ولابد من وضع شروط تعمل على ترشيد بناء الأحزاب السياسية للمسلمين ومما أراه مطلوبا ألا يفتح باب الانتماء لهذه الأحزاب على مصراعيه بل لابد من وضع شروط تمنع تدميرها أو إجهاضها، ومن هذه الشروط أن يكون هناك حد أدنى من التعليم للمنتمين لهذه الأحزاب وان يكون في كل حزب ممثلون للعلماء والمحامين والعمال والتجار والمعلمين وغيرهم حتى يكون هناك توازن بين القوى الشعبية.
ومن الغريب أننا نجد أن بعض المنتمين للاتجاه الإسلامي يسقطون دور الشعب ولا يؤمنون بالتعدية الحزبية للمسلمين بل أن بعض هؤلاء يعتقد ان إنشاء الأحزاب السياسية عملية محرمة شرعاً، ان هؤلاء جميعاً يوجهون من حيث لا يشعرون ضربه قوية للمسلمين ويخدمون معاقل الاستبداد دون أن يكلفوا المستبدين حتى ثمن هذه الخدمة..(
الديمقراطية هي الشورى
يشوه بعض المتدينين الإسلام عندما يقتنعون أو يصرحون بأن الإسلام ضد الديمقراطية وهذا الاعتقاد يؤدي عمليا إلي تدمير النظام السياسي الإسلامي كله لأن الشورى في اعتقادنا هي الديمقراطية وهؤلاء يريدون نظام حكم دون شورى لأن الشورى في اعتقادهم دون انتخابات ودون حرية رأي ودون التزام برأي الأغلبية، فماذا بقي أذن من الشورى؟
قال الدكتور عبد الحميد إسماعيل الأنصاري "ومن مقتضى المشاورة الحقة أن تجري أمور المسلمين وفق ما يتقرر بالإجماع أو الأكثرية" وعندما نقول أن الشورى هي الديمقراطية فنحن لا ننطلق من قناعات شخصية لا أدلة لها من الشرع بل هناك أدلة شرعية تثبت وجوب الشورى وهناك اجتهاد إسلامي له أدلته الشرعية في مطالبته بأن تكون الشورى ملزمة أي وجوب أن تخضع القرارات السياسية والاقتصادية .. الخ إلى رأي الأغلبية ومن يرغب في التعرف على هذا الاجتهاد وأدلته يمكنه الرجوع إلي كتاب الشورى وأثرها في الديمقراطية – دراسة مقارنه للدكتور عبد الحميد الأنصاري وكتاب الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي للأستاذ عبد الرحمن عبد الخالق، وهدفي من هذا المقال التطرق إلي شبهات حول موضوع الشورى والديمقراطية والتي من أهمها:
(1) جوهر الديمقراطية هو في مبدأين أساسيين: الأول حكم الأغلبية والثاني شرعية المعارضة، وهذا المبدآن إسلاميان مائه بالمائة وهما من أساسيات الشورى فالقول بأن الشورى ملزمة معناه حكم الأغلبية وهذا المبدأ ليس غريبا عن الساحة الإسلامية بل له أدلته ويمكن الرجوع لها في الكتابين
اللذين ذكرناهما أعلاه وكذلك الأمر في شرعية المعارضة فهذا المبدأ يتطلب (الإيمان) بالحقوق والحريات العامة والتي هي جزء أساسي من الإسلام فلماذا يصر البعض على أن الشورى شيء والديمقراطية شيء آخر ويفتعل اختلافا غير موجود.
(2) مادام جوهر الشورى والديمقراطية واحدا فأن هذا التشابه يعطينا الحق بأن نقول أن التشابه يصل بينهما إلي تسعين بالمائة لأن الاختلاف في الأشكال والنماذج العملية بين النموذج الغربي والنموذج الإسلامي هو اختلاف اجتهادي أي فرعي وليس أساسياً أي أنه بإمكاننا استخدام كثير من النماذج الغربية لأنها لا تتعارض إطلاقا مع ديننا فالانتخابات وتكوين الأحزاب وعدد المجالس الشعبية وصلاحيتها.. الخ يتم التعامل معها بحسب ملاءمتها لأوضاعنا السياسية. قال الأستاذ أبو الأعلى المودوي رحمه الله- وهو عالم إسلامي كبير – "ولاشك أن طرق الانتخاب في هذا الزمان هي أيضا من الطرق المباحة بشرط أن لا تستعمل فيها الحيل والوسائل المرذولة" وإذا اقتنعنا بذلك فقد نقتنع بأن التشابه بين الشورى والديمقراطية يصل إلي مائة بالمائة. وقد يقول قائل بأن المجالس الشعبية في الغرب قد تؤدي إلي إباحة المحرمات ونقول أن هذا التلوث الغربي ليس جزءا من نظام الديمقراطية بل مصدره العقائد العلمانية فنحن لا نناقش النظام الغربي كله بل نناقش جزءا منه أسمه الديمقراطية ونقول أن هذا الجزء يشابه الشورى والتي هي جزء من النظام الإسلامي.
(3) قد نختلف في الأشكال والنماذج السياسية الأصلح لمجتمعاتنا ولكن لا يجوز أن نختلف على أن مقياس كفاءة هذه الأشكال هو درجة ترجمتها لحكم الأغلبية وللحريات العامة أي درجة ترجمتها للإسلام، فكم مجلسا ننتخب؟ وهل نختار التعددية الحزبية أم لا؟ وما هو أفضل .. الانتخاب المباشر أو غير المباشر؟ وأيهما أحسن الانتخاب الفردي أم الانتخاب بالقائمة؟ كل هذه الاختيارات
جائزة وتفضيل بديل على آخر في أي بلد مسلم يجب أن يرتبط بظروف
كل بلد ومصالحة ودرجة تمثيله لحكم الأغلبية وللحريات العامة،
ومن فضل الله سبحانه وتعالى علينا أن أعطانا مرونة في النظام الإسلامي السياسي لأن الأوضاع تختلف من بلد إلي آخر ولكن طبعا لا توجد مرونة في وجوب الشورى أو وجوب الالتزام بالحرية فالمرونة الإسلامية تسمح لنا باستيراد بعض الأشكال الغربية أو أجزاء منها والمسألة لا تحتاج لأدلة شرعية تبيح الاستيراد لأنه لا توجد أدلة تمنع ذلك فالحكمة ضالة المؤمن والصالح من ثمار العقل الإنساني يحق لنا قطفه وهذا ليس تقليداً أعمى وإيمانناً بصواب عقائدنا ونظامنا الإسلامي قضية لا يتطرق لها شك ولكن هذا لا يعني أن الغرب لم ينجح نجاحا كبيرا في أجزاء من العدل والشورى والمساواة وبالتالي لا يجوز لنا بل حرام علينا أن نصف هذا النجاح بأنه كفر ومرفوض ويتعارض مع ديننا بل هو كما قلنا جزء من ديننا ورحم الله ابن القيم رحمة واسعة الذي قال كلمات عظيمة حول هذا الموضوع في كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين حيث قال "فإن الله أرسل رسله وأنزل كتابه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فإذا ظهرت إمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فتم شرع الله ودينه ورضاه وأمره"
(4) عرف الرئيس الأمريكي لينكولن الديمقراطية: "بأنها حكم الشعب بالشعب وللشعب" وهذا التعريف يستدل به بعض المتدينين لرفض الديمقراطية فالحكم في الإسلام لله وليس للشعب وهذا التعريف ليس صحيحاً في اعتقادنا وهو تفسير حرفي وليس واقعياً وهو اختصار للديمقراطية يصلح للعقلية الغربية وللشرح وليس للمحاكمة والصحيح أن نعرفها بأنها الالتزام برأي الأغلبية في مجالس منتخبة من الشعب في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الضروري أن نذكر ان القضية ليس تعارضا بين حكم الله وحكم الأغلبية بل هي بين حكم الأغلبية وحكم الأقلية وبالتالي فالذين يعارضون حكم الأغلبية في ظل التزام الأغلبية بأحكام الإسلام يدافعون عن حكم الأقلية من حيث لا يشعرون ويدافعون عن الإستبداد
الذى أضر بالمسلمين أشد الضرر لأنهم يتركون القرارات السياسية
والاقتصادية في يد أقلية قد تصغر حتى تصبح فردا وقد تكون أقلية فاسدة أو
جاهلة واحتمال جودتها في الغالب يكون قليلا ولا شك أن حكم الأقلية يساهم في تعطيل عقول وطاقات ملايين المسلمين ويصنع بيئة النفاق ويفتح المجال للصراعات بين قوى الأمة المختلفة ويستنزف أموالا طائلة للحفاظ على كراسي الحكم فكل تكتل هو أقلية وكل أقلية من الطبيعي أن تبقي قلقة فلا شرعية لها إلا القوة في حين أن هناك أغلبية واحدة لن تتصارع لأنه لا يوجد غيرها.
(5) يرجع الجزء الأكبر من ضياع الحقائق في موضوع الشورى والديمقراطية إلي أن كثيرين من المتحدثين في هذا الموضوع يجهلون الديمقراطية ويجهلون الشورى ويجهلون مقدار الضرر الذي أصاب المسلمين نتيجة الآراء التي تشجع بحسن نية الاستبداد وحججه والمسلمون اليوم بحاجة ماسة إلي الالتزام بالشورى التزاما صحيحا وتبني وبسرعة نماذج شوريه محددة وواضحة مناسبة لكل بلد مسلم فمن لا يلتزم بالشورى فعلياً لا يلتزم بالإسلام وان صام وصلى فيكفي ما نسمع من الإشادة بالشورى نظريا وتدميرها عمليا فأكبر ملحد مستعد لرفع شعارات الإسلام وبناء المساجد إذا كان هذا هو الإسلام ويجب في اعتقادنا أن تكون الشورى على رأس أولويات العمل الإسلامي فالتركيز على جزيئات إسلامية وإهمال كليات إسلامية كالشورى مرض مصاب به كثير من الأفراد والجماعات ويكفي ما نجد من رفض لحرية الرأي وإلغاء لدور الشعوب بحجج منها أثارة الفتن والشقاق مع أن المتأمل في واقعنا يعرف أن غياب حرية الرأي وغياب دور الشعوب أوقعنا في فتن كثيرة ومزق الأمة شر تمزيق والحل هو أن نلتزم بالإسلام كعقائد وشورى وعبادات فالمدخل لإصلاح أوضاع المسلمين في اعتقادنا هو الوعي العقائدي والوعي السياسي والعقيدة الإسلامية الصحيحة معروفة وتحتاج نشرها في حين أن الوعي السياسي مجهول وغير موجود في عقول كثيرة.
(6) عندما نقول أن الشورى هي الديمقراطية فهذا لاقتناعنا بأن جوهرهما واحد ولكن هذا الاقتناع ليس معناه أن الديمقراطية الغربية بحذافيرها هي نموذج
نقتدي به أو مرجع لنتحاكم له وإلا فنحن كافرون بالديمقراطية فالحكم على أنظمة الحكم والشورى يكون بالرجوع إلي القرآن والسنة وإلي الفقه الإسلامي وإلي واقع المسلمين اليوم وما يصلح له. نقول هذا لآن البعض يقول أن النظام الديمقراطي الغربي هو في اعتقاده الأسلم والأصوب ولا تعصب فيه وهو عقلاني ولا يتجاهل الأقليات وغير ذلك من الاتهامات الباطلة التي يتهم بها النظام الإسلامي وهؤلاء يرفضون الإسلام بصورة غير مباشرة ومع هذا يريدون ان ينجحوا في مجتمع له عقائده ونظامه وعواطفه الإسلامية. وردنا على هؤلاء أن حدود مفاهيم وأشكال وصلاحيات الديمقراطية أي الشورى يجب أن تكون متكاملة ومنسجمة مع بقية أجزاء النظام الإسلامي فلا نقلد النموذج الغربي للديمقراطية تقليداً أعمى فالهدف الذي يجب أن نسعى له هو تطبيق نظام إسلامي يكون من أساسياته، أن الحكم للأغلبية والديمقراطية هي جزء من نظام وليست نظاماً متكاملاً فقد توجد الديمقراطية في نظام رأسمالي أو إسلامي أو إشتراكي أو قد لا توجد بل حسب اقتناعنا وفهمنا للنظام الإسلامي هي جزء لا يتجزأ منه في حين أنها قد لا تكون كذلك بالنسبة للنظام الراسمالي أو الاشتراكي، وما دامت الديمقراطية جزءاً من نظام فإعتبارها نظام خطأ علمي والظن بأنها ستشفي جميع أمراض مجتمعاتنا وهم كبير. ولنفترض أن دعاة الديمقراطية وصلوا لحكم دولة ما فهل سيطبقون الفلسفة الرأسمالية أو الاشتراكية أو الإسلامية في الاقتصاد وما هي القوانين الاجتماعية التي سوف تطبق؟ وما هو موقفهم من العقائد و الطوائف والفرق القديمة والحديثة؟ وماذا يكتب في مناهجهم عنها؟ وما هو موقفهم من قضايا كثيرة جداً. وما نريد أن نصل إليه هو أن المجتمع لابد له من نظام متكامل له عقائده وشريعته وأخلاقه واقتناعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وليس صحيحاً أننا سنصل إلي عقائدنا وقوانينا المناسبة من خلال الديمقراطية فإذا اختارت الأغلبية قوانين رأسمالية فلنطبقها وإذا تغيرت هذه الأغلبية بعد سنوات واختارات قوانين إسلامية فلنطبقها فهذا ليس صحيحاً وليس عملياً فالديمقراطية الغربية تعيش في ظل
نظام رأسمالي واختلاف حزب العمال عن حزب المحافظين هو في درجة
الرأسمالية وليس هو اختلاف بين الاشتراكية والرأسمالية، أي أن ثوابت النظام الرأسمالي مستمرة في بريطانيا والديمقراطية لها حدود. وتحول روسيا من نظام اشتراكي إلي نظام رأسمالي عملية زلزلت كيان الدولة فإذا كان هذا الزلزال حدث لأنهم مضطرون له بعد أن ثبت عندهم فشل الاشتراكية، فلماذا نتبنى مختارين تطرفا ديمقراطيا سيجعل انقلاب مجتمعاتنا رأساً على عقب مرتبطاً بنتائج الانتخابات فإذا نجحت أغلبية رأسمالية شجعنا الربا، وإذا نجحت أغلبية إسلامية طبقنا الزكاة وحاربنا الربا وهكذا ومثل هذا الوضع سيجعل كل طاقات الشعب أو الأمة مركزة على الانتخابات فالصراع الانتخابي سيكون كارثة متكررة لأن نتائجه ستؤثر على العقائد والأنظمة والقوانين والمصالح بصورة كبيرة جداً ولن يؤدي وضع كهذا إلى نمو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي ولن يؤدي إلى استقرار وعدم الاستقرار هو الطريق إلي الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية فالفوضى الديمقراطية أن صح التعبير ستكون أسوأ من الاستبداد.
(7) تختلف حكوماتنا وشعوبنا في نظرتها لقضايا الشورى ومن المهم أيجاد أنواع من الشورى تناسب كل بلد، وأعتقد أن من الحكمة أن يكون هناك تدرج في هذه القضية ومن أسس النجاح أن تبتعد بعض قوى المعارضة عن المزايدات والنقد الشخصي وان يحرص كل حزب أن يكون ممثلا حقيقيا لأغلبية الشعب وليس لإتجاه معين أو طبقة وان يكون هناك حد أدنى من التعليم للمرشحين والناخبين وهذا في اعتقادي لا يتعارض مع المساواة فلنأخذ ما يناسبنا ولا نقلد الغرب والشرق ومن الضروري أيضا أن تدعم المجالس النيابية بأجهزة من المستشارين والمتخصصين وبالدراسات العلمية الجادة. والعمود الفقري للشورى هو الصدق في الاقتناع بها والحرص عليها وهذا الصدق يفرض أن نتعامل بأخلاق عالية التي من أساسياتها أن الهدف هو الإصلاح والتطوير وليس المحاكمة والعقاب فعندما نحرص أن نكون دعاة لا قضاة وأطباء لا جلادين وواقعين لا مثاليين سنصل بإذن الله إلي حوار علمي رفيع المستوى فالعقلية التي تنظر للشورى على أنها حلبة ملاكمة والأفضل هو من يهزم الآخر بالضربة القاضية أو النقاط عقلية يجب أن
ترفض بشدة، فقوى الشعب يجب أن تجتمع لتبني لا لتتصارع.
(8) قال عبد الرحمن الكواكبي:
أن الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولا من الحريق، أعظم تخريبا من السيل، أذل للنفوس من السؤال( ) .
المعاصي حصادها السراب والندم
القرآن الكريم كتاب نور وهداية وعلم وهو الحق الذي يرشدنا لفهم الأمور علي واقعها الصحيح ومن الحقائق القرآنية أن الطاعات هي منبع كل خير ونعمة وسعادة، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: "فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفارا(10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً (12) سورة نوح، وقال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه..." (3)سورة الطلاق، وقال تعالى: "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" (63) سورة الأنفال.
ومن الحقائق القرآنية أن الذنوب هي منبع كل شر ومصيبة وشقاء قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير(30) سورة الشورى، وقال تعالى: "فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا" وقال تعالى: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجزء به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا" (123) سورة النساء.
وقال تعالى: "ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلي يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون (14) سورة المائدة وجاء في سنن ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب انه قال: كنت عاشر رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: "يا معشر المهاجرين
خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله من كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم" وكثيرون وللأسف تكاسلوا عن الطاعات وتساهلوا في المعاصي وظنوا أنه لا أثر لذلك وهيهات قال ابن القيم: "فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا شك أن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي"، وإحدى مصائبنا اليوم أننا أصبحنا نعتقد أن النجاح يتحقق في الحرب والتجارة والإدارة والزراعة والصناعة بالأخذ بالأسباب المادية فقط أما الأسباب الإيمانية فلا علاقة لها بذلك وهذا يخالف بوضوح الفهم الصحيح للآيات والحديث أعلاه ولقد حصدنا وحصدت البشرية كلها آثار البعد عن الالتزام بالإسلام الصحيح هذه الآثار تمثلت في انتشار الظلم والفقر والحروب وحب المال والمناصب وكثرة المشاكل الاجتماعية كالطلاق والخيانة والأمراض النفسية والجنسية وغير ذلك كثير ونسينا أن الإسلام لم يأت ليضيق علينا حياتنا أو يعذبنا بل جاء لينظمها بشريعته ويسقيها بأخلاقه وينير طريقها بعقائده، فإذا كان الحصول علي تأييد مسؤول أو دولة عظمي يعني قوة ومكسباً ونجاحاً فلا شك أن النجاح الحقيقي هو في طاعة الله علي علم وبصيرة لأنه ارتباط بالقوة العظمى في الوجود التي لا تقارن إطلاقا مع أي قوة أخرى فالله سبحانه وتعالى يحي ويميت ويعز ويذل ويرزق ويمنع وهو على كل شيء قدير، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ناصر لمن خذل ولا خاذل لمن نصر ولو آمنا فعلا بأسماء الله وصفاته لعملنا على أساس أن الفلاح والنجاح والعزة هي في طاعته فالله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة وفي قصص أنبيائه أدلة قاطعة على ذلك فهو نصرهم في هذه الدنيا وخذل أعدائهم في هذه الدنيا فذكر الله والصلاة والدعاء
وقراءة القرآن والزكاة وصلة الرحم والزهد الصحيح والمال الحلال كل هذا وغيره
له ثمرات دنيوية وأخروية عظيمة علي الفرد والمجتمع ونقول بصورة
عامة أن الأمة ابتعدت كثيراً عن الإسلام فالصلاة التي هي عمود الدين لا يلتزم بها كثيرون فكيف يحق لنا أن نتوقع أن يستجيب الله لدعائنا أو ينصرنا في فلسطين أو يرزقنا والله سبحانه وتعالى يقول "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا" (59) سورة مريم وكما قيل فأن هذه الآية تنطبق إلي درجة كبيرة علي واقعنا فلقد أضعنا الصلاة واتبعنا شهوات الجسد والنفس وتحققت النتيجة التي توضحها الآية الكريمة إلا وهي الغواية بمعني الضياع وعدم الاهتداء فكم سرنا وراء قادة وأحزاب وجماعات وأفكار وشهوات فلم نحصد غير السراب والندم والقلق والإحباط وكم وضعنا ثقتنا في أعداء بدوا لنا في صورة الأصدقاء وكم تفاءلنا بأمور وإحداث فوجدنا أننا بتفاؤلنا كنا مخطئين وكما نعرف أننا بحاجة إلي قوة مادية وتطور علمي علينا أن نعرف أننا بحاجة إلي عودة حقيقية لله سبحانه وتعالى فإن لله قوانين تبين طريق النصر وطريق الهزيمة وهذه القوانين تعمل مثلنا تعمل قوانينه المادية التي تحكم الشمس والقمر والحياة، وترك الصلاة ليس انحرافاً بسيطاً عن الإسلام فقد قال رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم"العهد الذي بينا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ومع أن العلماء اختلفوا حول هذا الكفر وهل يخرج من ملة الإسلام أم لا فأيا كانت الإجابة فهو أمر خطير جدا، وقال الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة في كتابه رسالة الصلاة "فاعرف نفسك يا عبد الله وأعلم أن حظك من الإسلام وقدر الإسلام عندك بقدر حظك من الصلاة وقدرها عندك واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك" وقال الأمام أحمد "وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة وليصلين أقوام لا أخلاق لهم" ، وجاء الحديث: "أن اول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن قبلت منه صلاته تقبل منه عمله وأن ردت عليه صلاته رد سائر عمله" فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غداً من إعمالنا فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام فكل شيء ذهب آخره فقد ذهب جميعه" نعم أيها الإمام فكل شيء ذهب آخره فقد ذهب جميعه وقد يقول قائل هل تريد مجتمعاً كمجتمع الصحابة وأقول لا، ولكنني أريد مجتمعاً به على الأقل الحد الأدنى المتوقع من كل
مسلم لأننا أصبحنا نرى المعاصي والذنوب هي القاعدة والطاعة هي الاستثناء فنحن نشاهد عقائد وأنماط اجتماعية يحق لمن يشاهد أن يتساءل هل نحن مسلمون؟ فمثلا الانتماء للقبيلة أو العائلة أو لطبقة أو لمصلحة أصبح السائد أما مبدأ أن المسلمون سواسية فهو فقط كلام نظري نكفر به عند أول تطبيق عملي، فلنحذر أشد الحذر من الذنوب والمعاصي فهي منبع شقائنا فالإسلام ليس أسماء وشعارات بل هو مبادئ وعبادات وأعمال وأخلاق ولنفهم أن الله غفور رحيم بالصورة التي فهمها الصحابة والصالحون وليس بالصورة التي تجعلنا نتكاسل عن الطاعات ونتساهل بالمعاصي قال ابن القيم رحمه الله "وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه فضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وانه لا يرد باسه عن القوم المجرمين ومن اعتمد علي العفو مع الإصرار علي الذنب فهو كالمعاند" وقال معروف: "رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق" .
الفصل الثاني
الأهداف الضبابية
هناك خطأ شائع نقع فيه عندما نحاول تحديد أهدافنا التربوية أو السياسية أو الشاملة فكثير ما نقول ان هدفنا هو بناء الإنسان الحر الواعي وقد نقول أحيانا أن المطلوب بناء المواطن الصالح. وهذا هدف ضبابي بل هو في لغة العلم هدف عام جدا واعتقد شخصيا أنه ليس هدفا لأن الهدف مهما كان عاما فيجب أن يكون واضحا وهذا هدف غير واضح.
وكلنا طبعا نريد بناء الإنسان الحر الواعي ولكن ما هي مواصفات هذا الإنسان؟ سيكتشف من يحاوله الإجابة علي هذا السؤال أن عبارة الإنسان الواعي عبارة غامضة وهدف غير محدد. وإذا كان الهدف غير محدد يعلم الإداريون والمخططون أن الوصول له عملية مستحيلة لأن المطلوب غير معروف فلا يمكن وضع خطط وسياسات والقيام بإصلاح جزئي أو شامل للوصول إلي شيء غير معروف فلو سألت شيوعياً من هو الإنسان الحر الواعي؟ لأجاب بأنه كل فرد يؤمن بالشيوعية. ولو سألت رأسماليا لأجاب بأنه من يؤمن بالرأسمالية، ولو سألت المهتمين بالفكر والسياسة في عالمنا العربي لوجدت إجابات كثيرة ومتناقضة لهذا السؤال قد لا يكون بينهما من التناقض ما بين إجابة الشيوعي والرأسمالي إلا أنها تظل إجابات متناقضة بدرجة كبيرة لا يمكن معها أبدا أن نصل إلي تحديد دقيق وواضح للإنسان العربي الذي نريد.
فهل الإنسان الحر الواعي هو الإنسان المتدين أو هو الإنسان اللامتدين؟
وما هي نوع العلاقة بين هذا الإنسان وبين حكومته؟ وهل هي علاقة ولاء مطلق
أو عداء مطلق أو شيء بين هذا وذاك؟ وكيف سيتعامل هذا الإنسان مع الأيدلوجيات والأفكار الكثيرة والمتناقضة التي يعج بها هذا العالم؟ وهناك أسئلة كثيرة جدا عندما نطرحها سنتأكد بالفعل أن معنى الإنسان الحر هو معنى غامض جدا وغموض الهدف يعنى الضياع من أول الطريق وما ينطبق علي الإنسان الحر ينطبق على الإنسان الديمقراطي وذلك لأن الإنسان الديمقراطي هو أيضاً هدف غامض فالإنسان الديمقراطي هو إنسان يحترم حرية الرأي ويؤمن بحكم الأغلبية ولكن ماذا عن بقية أفكار هذا الإنسان أنها مجهولة تماما ولو أعدنا طرح الأسئلة السابقة وغيرها لوصلنا إلي الإقناع بأننا لا نعرف شكل البناء الذي نريده.
الإنسان الحر هو هدفنا وهو الهدف الذي سعى له الأنبياء عليهم السلام فلنسع لأن نتخذ الأهداف الدقيقة الواضحة التي وضعها الأنبياء للمواطن الصالح وللدولة الصالحة كأهداف لنا، والظاهر أننا لا نريد حتى أن نعرف هذه الأهداف ومن ابتعد عن النور الإلهي يضل ولا شك لقد تجاهلنا أهمية الأهداف الدقيقة الواضحة، ولكن من المؤكد ان تجاهل المشكلة لا يحلها والهروب من وضع حلول للقضايا المختلف عليها ليس حلا وستبقى جوانب كثيرة من مسيرتنا كحكومات وشعوب غير محددة وعدم التحديد يجعلها منبعا دائما للاختلاف ورافدا من روافده الأساسية ولقد تجاهلنا في الستينات تحديد أهداف دقيقة لمسيرتنا كأمة وقد تجمع المخلصون على اختلافهم على أهداف عامة وظن المخلصون أنهم متفقون وقاب قوسين أو أدنى من نهضة عربية شاملة ولم يدرك أغلب هؤلاء أن الاتفاق على أهداف عامة وشعارات جميلة هو في حقيقته نوع من الاختلاف الذي بدأ يظهر واضحا بعد أن تم ترجمة الأهداف العامة من الأطراف المختلفة إلي سياسات متناقضة وقوانين متعارضة وتفسيرات متنوعة. فظهر الانشقاق والتفرق للجميع وظن البعض أنه تفرق بعد وحدة وتشتت بعد تجمع ولكن حقيقة الأمر أنه حالة تفرق موجودة في أمتنا منذ زمن طويل ولا تزال هذه الحالة مستمرة فالأقوى هو الذي يفسر الأهداف العامة كما يشاء ولا عجب من ذلك فالأمة غير واعية بمعنى أنها لا تعرف ما تريد ولو عرفت لصعب على أي فرد أو حكومة أو حزب أو مفكر أن يحيد عن أهداف واضحة ومحددة تتبناها الأمة.
فهل نبدأ بوضع أهداف واضحة ودقيقة لصورة الإنسان الذي نريد والأمة التي نريد؟ اسأل الله أن يوفقنا لذلك.
والقول بأن الإسلام هو الحل أيضاً هدف غامض؟ فما هو الإسلام الصحيح هل هو إسلام الشورى أو إسلام الاستبداد؟ وهل هو الإسلام الأمريكي أو الإسلام الروسي وهل هو إسلام الجماعات الإسلامية أو إسلام الحكومات؟ وكيف سيتم تطبيق شعار الإسلام هو الحل في قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
أرجو إن لا يفهم البعض أن الأهداف المفصلة الواضحة ستغرقنا في بحر من الجزئيات والتفاصيل فليس هذا أسلوبا عمليا أو صحيحا ولكن ما ندعو إليه هو أن يكون شكل بناء الإنسان المقترح والأمة المطلوبة واضحا وحاسما وخاصة في القضايا الكبيرة المختلف حولها سواء كانت هذه القضايا اجتهادية أو غير اجتهادية ونطالب بالوضوح هنا حتى في القضايا الاجتهادية التي يكون الاختلاف حولها اختلافا مضرا. ولا شك أن الأهداف التي نضعها والأساليب التي نتبعها يجب أن تخضع قبل أن نتبناها إلي اختبار علمي نتأكد منه أن أهدافنا إسلامية صحيحة، وأن أساليبنا في الوصول إليها أساليب منطقية عملية. وعند بناء النموذج المطلوب للإنسان العربي وللأمة العربية سيكون من السهل علينا أن نعرف مِن من هذه الأمة أفرادا أو حكومات أو أحزابا أو جماعات، يسير مع أهدفنا ومن ينحرف عنها وذلك لأن أهدافنا لم تعد أهدافا غامضة يفسرها من يشاء كيفما شاء بحسن نية أو بسوئها لتحقيق مصالح شخصية أو إشباع عنصرية إقليمية وغير ذلك .
إذا كانت الدساتير في أغلب أجزائها خطوطا عامة تفهم بأكثر من صورة فإن القوانين تعطينا صورة أوضح عن شكل الدولة وفلسفتها وذلك لأننا بدأنا ندخل في التفاصيل وبدأنا بعد استخدام الميكروسكوب الفكري نملك المقدرة على معرفة أجزاء كثيرة لا تظهر بالعين المجردة وبدأنا نقتنع أن مئة لوحة متشابهة من على بعد تختلف عندما ندفق في التفاصيل اختلافا شديدا.
ونكرر ما كتبنا فلعل كثرة التكرار توضح المقصود ونقول أن الاتفاق
على أهداف عامة ليس اتفاقا لأن المتفقين يبدأون في الاختلاف مباشرة بعد اتفاقهم
الغامض وذلك لأن الأهداف الصغيرة للمتفقين التي تعكس فلسفتهم ومصالحهم تبدأ في بذر بذور الاختلاف، وكلما مر الوقت وجد جزء من المتفقين أنفسهم مضطرين للخروج العلني أو السري من مسيرة الوحدة فالنوايا الصادقة وحدها لا تكفي لقد أيد الأخوان المسلمون والشيوعيون والبعثيون الرئيس جمال عبد الناصر في بداية ثورة 23 يوليو ولكن مع مرور الوقت بدأ هذا التأييد يضعف حيث ظهر أن هناك فلسفات متعارضة ومصالح متصادمة وأهداف متناقضة وأولويات مختلفة.
فبدأ أصحاب الأفكار والمبادئ والمصالح يخرجون فريقا فريقا، بل أصبح بعضهم أعداء لثورة يوليو وأصبحت ثورة يوليو عدوة لهم وذلك لأن اتفاقهم لم يكن في البداية على أسس واضحة ومحددة فهل نقوم بطرح أطروحات للوحدة دقيقة واضحة يعرف مؤيدها ماذا يؤيد؟ ويعرف معارضها ماذا يعارض ومن الأفضل لنا أن تكون هناك أطروحات عديدة بشرط أن تعكس جميعها بأهدافها التفصيلية انتماء هذه الأمة للإسلام والسعي الفعلي والعملي والواقعي لوحدة عربية.
نسأل الله أن يوفقنا لذلك.
المطلوب بناء الجسور بين الاتجاهين
القومي والإسلامي
يعيش العالم العربي اليوم حالة ضعف شديد، فالاختلافات العقائدية والسياسية مزقت الأمة إلي دول وأحزاب وجماعات وأفراد لا تجمعهم أهداف مشتركة ولا يتفقون على أسلوب. وبأسهم بينهم شديد وعلى عدوهم ضعيف. ونتيجة لهذا التمزق أصبح الوطن العربي يعيش مجاعات غير محسوسة، فأكثر من نصف ما نأكل نستورده من الخارج وأصبح التخلف الإداري والمتمثل في الروتين والواسطة والإهمال وضعا طبيعيا ومسلما به وأصبح التخلف العلمي والتكنولوجي نقطة ضعف قاتلة. فنحن لا نملك تكنولوجيا البناء والزراعة والأقمشة أما عن تكنولوجيا السلاح والمواصلات والاتصالات والبتر وكيماويات والالكترونيات فلا تسل.
هذا هو واقعنا اليوم، فنحن متفرقون كبشر، ومتخلفون كصناعة وعلم وإذا أضفنا إلي هذا الواقع مكر الأعداء بنا والجري وراء المصالح الخاصة لجزء غير قليل منا وانعدام الحريات في أغلب دولنا.. إذا أضفنا كل هذا وغيره سنصل إلي نتيجة منطقية إلا وهي لا أمل لهذه الأمة في عز ونصر وتقدم إلا بأن تعمل جادة وبأكبر قدر من التعاون بين الاتجاهات المخلصة والحكومات لتصحيح هذا الوضع الذي يزداد سوءا كل يوم ولا توجد في الوقت الحاضر بشائر حقيقية لنهضة قريبة، فالضعف المنتشر في الأمة له أسبابه التي لم تعالج حتى الآن. ولكن لا ييأس من رحمة الله وتوفيقه إلا القوم الكافرون. ولعل أول وأهم خطوة في طريق
النهضة هو وضع حلول للاختلافات العقائدية والسياسية، وحين ننجح في ذلك سنكون
قادرين- بإذن الله- على تكوين قوة قادرة على إحداث التطور العلمي والعدل السياسي والتقدم الاقتصادي، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من إقناع القوى الشعبية أولا والحكومات ثانيا بضرورة الأخذ بالأساسين التاليين: أولا: الالتزام قولا وعملا بالإسلام الصحيح. ثانيا: ضرورة التعاون بين الاتجاهين الإسلامي والقومي.
كان الجزء الأول من هذا الكتاب هو بيان لبعض الخطوط العريضة للأساس الأول، ونضيف لذلك أنه لا ينبغي أن ينبع التزامنا بالإسلام من انه المبدأ الذي ورثناه، بل يجب أن يكون من اقتناع كامل بأنه المبدأ الصحيح والوحيد الذي يحتوي علي الحقائق الفعلية عن الكون والإنسان والحياة وأن نظامه هو النظام الذي يرضاه الله ويناسب الإنسان ويسعده، فدعك من المتشدقين بالعلم والتفكير العلمي، فو الله لو حكمنا عقولنا ووضعنا الإسلام والشيوعية والرأسمالية والمسيحية وغير ذلك من المبادئ والأديان لوجدنا أن الإسلام هو أصحها وأشملها وأنسبها لحياة البشر. وكيف لا يكون كذلك وهو منهج موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن أكثر مثقفي اليوم شوهت لهم مفاهيم الإسلام أو خدعوا بجوانب مضيئة في العالم الغربي أو الشرقي كاتخاذ الغرب الحرية هدفا، واتخاذ الشرق العدل هدفا فهم قد أصابوا في أشياء وأخطئوا في أشياء أخرى والغرب اليوم يشكو من عبادة المال وتفكك الأسرة، والملل والقلق، والشرق يشكو من الفقر والاستبداد والتخلف التكنولوجي. وعندما نقتنع بأن النظرية الإسلامية هي النظرية الصحيحة سنكون قد وضعنا أول أسس النجاح ألا وهو العلم الصحيح، والمعلومات المفيدة، وإذا أخلصنا في نياتنا وفي سعينا لأن نكون أمة مسلمة الأهداف والأساليب علينا أن نلتزم بالإسلام الصحيح خاصة وأن في الساحة اليوم أنواعا من الإسلام وكلما اقتربنا من الكتاب والسنة كلما كنا أقرب للصواب. والإسلام الصحيح ليس مجهولا إذا سرنا على منهج الخلفاء الراشدين والتزمنا بالخطوط الرئيسية لعلماء الأمة المخلصين كمالك والشافعي وابن تيمية وغيرهم ممن اتفق عرب المشرق والمغرب على احترامهم وصدقهم. وبهذه الطريقة سنحسم اختلافات كثيرة في فهم الإسلام ونظمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الأساس الثاني لبناء الأمة هو ضرورة اقتناع المخلصين بأن بناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي قضية مهمة والاختلاف بين هذين الاتجاهين هو اختلاف وهمي في بعض جوانبه وفي جوانب أخرى يرجع إلي أخطاء سياسية وفكرية من كلا الاتجاهين. في بداية الخمسينات كان الضباط الأحرار والأخوان يعملون معا ثم حدث الخلاف وكان حول قضية جانبية وهي: "من" يحكم مصر؟ كما قال الشيخ سيد سابق (1). ونتيجة أخطاء سياسية وفكرية من كلا الجانبين واستخدام العنف والعنف المضاد صبغ هذا الخلاف بصبغة سياسية وفكرية ودفع كلا الاتجاهين ضريبة باهظة، فالاتجاه القومي حوصر فكريا وأصبح له أعداء بين علماء الإسلام وطلبة الجامعات، والاتجاه الإسلامي حوصر سياسيا وأصبح له أعداء في وسط المثقفين وعندما يتصادم أكبر اتجاهين في الأمة فإنها تتحطم وتتمزق. وكان من نتائج هذا الخلاف أن كلا من الاتجاهين لم يستطيع أن يحقق الحد الأدنى من الأهداف المطلوبة. فكلا الاتجاهين له خبرات وجذور شعبية وله خصم له هذه الصفات نفسها. إن خلافا من هذا النوع لا يحسم بالتصفية السياسية والجسدية ولعل حالة مصر توضح هذه الحقيقة. وحتى لا يساء فهم عملية بناء الجسور أو نتهم بالخيالية نود توضيح النقاط التالية:
أولاً: هذه ليست دعوة للتوفيق بين المدارس الفكرية القومية والإسلامية، فهذه عملية مستحيلة بل أن التوفيق بين المدارس المحسوبة على الفكر الإسلامي عملية مستحيلة فلا يمكن مثلا التوفيق بين شطحات الصوفية وخرافاتهم وفهم ابن تيمية للكتاب والسنة، بل هي دعوة لجميع العقلاء لترك مدارسهم الفكرية وتعصبهم لمفكريهم والبحث عن الإسلام الصحيح وتطبيقه، والإسلام الصحيح موجود في الكتاب والسنة وما اتفق عليه علماء الأمة المخلصون. وبهذه الطريقة سنوفر علينا كثيرا من الوقت الذي نضيعه في نقاشات شبه بيزنطية في المفاضلة بين آراء المدارس الفكرية وما أكثر هذه الآراء. فلنختصر النقاش ولننطلق للعمل. ولاشك أن الالتزام بالإسلام الصحيح يفرض إعلان حرب فكرية على كل الأفكار المتطرفة والملحدة الموجودة في المدارس الفكرية الإسلامية والقومية. وهذا دخول في الاختلاف من أوسع أبوابه ولا مجال للتنازل عن أي جزء من المبدأ الإسلامي. وهذه الحرب الفكرية ضرورة لابد منها للوصول إلى توحيد الأفكار الرئيسية التي تؤمن بها الأغلبية، ولابد من التوضيح بأنها
وأن كانت حربا فكرية فهي تتجنب قدر الإمكان الأفراد الحاملين للأفكار الخاطئة. أي أن هدفها هو تدمير تلك الأفكار وكسب أصحابها وخاصة إذا كانوا من المخلصين الواعين. وهذا هو الطريق الوحيد لتوحيد دساتيرنا وأفكارنا ونظمنا وقوانيننا، وألا سنبقى مختلفين ومتفرقين للأبد وإذا كان هذا ما ندعو إليه فلسنا بحاجة إلى أدلة من كتابات بعض مفكري الاتجاهين الإسلامي والقومي والتي توضح أنه لا مجال للالتقاء بين هذين الاتجاهين وأقوال الرجال سواء كانوا أذكياء أو أغبياء لا تهمنا وليست هي ما ندعو الناس لأتباعه فهم بشر يصيبون ويخطئون ولا يمكن أن نعرف أين أصاب هؤلاء الحقيقة وأين أخطأوا في فهم قضايا الإسلام والوحدة والواقع إن لم ندرس الإسلام من جديد ونفهمه فهما صحيحا، وعلينا أن نقول كما قال الإمام مالك رحمه الله "كل رجل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر" يعني النبي صلي الله عليه وسلم .
ثانيا: إذا كان الجانب الفكري لا يحتمل أي حلول وسط أو أي توجهات توفيقية بل هو حرب فكرية لا مجاملة فيها فإن الجانبين السياسي والبشري بحاجة إلي توجهات توفيقية وبناء الجسور بين أفراد وجماعات الاتجاهين القومي والإسلامي بحاجة إلي اللين والتسامح وحسن الظن بالناس وإقامة علاقات شخصية بين القيادات القومية والإسلامية وتناسي الجروح التي سببها كل اتجاه للاتجاه الآخر، وكذلك نحن بحاجة لتعليم شبابنا أن اللين هو المطلوب في التعامل مع الاتجاه الأخر، فاللين غالبا ما يثمر الخير أما العنف فغالبا ما يثمر الشر، واختلاف الآراء مهما كان شديدا يجب إلا يفسد للود قضية، فالاختلافات الكبيرة تصبح باللين والحكمة صغيرة أو تجمد آثارها والخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة فمن
لا يكون هدفه الانتقام أو حب المناصب من السهل أن يتفق مع الآخرين ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فقد كسب لدعوة الإسلام بصبره وتسامحه وكرمه وحلمه الكثير فالمعاملة الطيبة لا تعني التنازل عن المبادئ والقيم بل هي جزء من المبادئ السامية وهذا غاندي تعامل بأخلاق رفيعة فكسب حب واحترام الشعب الهندي على اختلاف عقائده وآرائه بل كسب حب واحترام الغالبية من أعدائه الانجليز وفي نفس الوقت لم يتنازل عن مبادئه، إننا ندرك أن القضايا التي نختلف عليها كثيرة وكبيرة ولكننا ندرك أيضا أن لدينا المنهج الإسلامي لحل هذه القضايا ولدينا مخلصين كثيرين وعقلاء فلنستشيرهم ولنرض بما يتفقون عليه حتى لو لم نقتنع ببعضه فأهمية الجماعة أهم من بعض اقتناعاتنا ولنتأكد بأن كثيراً من القضايا المختلف حولها لم تعالج حتى الآن بطريقة علمية هادئة.
ومن الأسباب المهمة التي تدعونا للتوفيق واللين أنه ما زال الرأسماليون وأشباههم يستظلون بالعباءة الإسلامية، والشيوعيون وأشباههم يستظلون بالعباءة القومية، وهؤلاء ليس من صالحهم أن يحدث تقارب بين الممثلين الحقيقيين للاتجاهين القومي والإسلامي لأن ذلك يهدد مصالحهم وأفكارهم.
ثالثا: إن عملية بناء الجسور ليست بالمستحيلة إذا توكلنا على الله سبحانه وتعالى وأخذنا بالأسباب الإيمانية والمادية وأدركنا أنها عملية تدريجية وبحاجة إلي حكمة وصبر وعلم وعمل وسنوات قبل حصاد النتائج فإذا كنا نريد تعاونا جاداً أو وحدة فنحن قادرون بإذن الله على ذلك فنجاحنا وفشلنا هو قرارنا فالصعوبات مهما كبرت فسنتغلب عليها بإذن الله لأن لدينا إمكانيات فكرية واقتصادية وبشرية وسياسية هائلة فإذا حدث تجاوب مني ومنك ومن كثيرين سنحقق خطوات كبيرة بإذن الله أما إذا لم يحدث تجاوب إلا من القلة فقد يظل موضوع التعاون أو الوحدة من المستحيلات لعقود أو لقرون فإذا استمر المؤذن يؤذن للصلاة وقلة
فقط تتوجه لتصلي فثقوا أنه لا أمل إطلاقاً ليس في تعاون جاد بل لا أمل في
سعادة أو عزة أو نصر لأن الله سبحانه وتعالى يقول " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" فنحن بهذه الحالة لم نأخذ بأحد الأسباب الإيمانية الرئيسية.
الجبهة التكنولوجية
إن التحديات والأخطار الخارجية غالبا ما تجعل عقلاء أية أمة يتناسون بعض خلافاتهم لأن الخطر الخارجي عدو مشترك للجميع ونحن نعيش اليوم هزيمة علمية وتكنولوجية مريرة لا تتمثل نتائجها في عدم قدرتنا على صنع سلاحنا في عالم لا يعترف إلا بالقوة بل وصل أثرها حتى لطعامنا وكسائنا فنحن غير قادرين على استغلال مواردنا الزراعية الاستغلال الأمثل مما أدى إلي زيادة ما نستورده من غذاء كل عام. وحتى تتضح الصورة على الجبهة التكنولوجية فلندع الأرقام تتحدث:
(1) تصرف الولايات الأمريكية أكثر من 80 ألف مليون دولار سنويا على الأبحاث العلمية لتطوير صناعاتها "المتطورة" في حين أننا لا نصرف على البحث العلمي في الوطن العربي أكثر من 500 مليون دولار ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين ما صرفته أمريكا أو روسيا خلال الثلاثين سنة الماضية لاتضح الفارق الكبير بين واقعنا وواقعهم .
(2) الدول المتقدمة تكنولوجيا هي غالباً دول كبيرة بعدد سكانها وموحدة سياسيا واقتصاديا ومتطورة إداريا وصناعيا وهذه بيئة مثالية تؤهلها للتقدم العلمي وأما نحن فبيئتنا العلمية قاحلة بسبب التفرق السياسي والاقتصادي والتخلف الإداري ويكفي أن نقول أن الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا يعادل الناتج المحلي لجميع الدول العربية مجتمعة والمقصود بالناتج المحلي قدرة البلد على أنتاج مختلف البضائع والخدمات.
(3) تراكمت الخبرة الصناعية في الدول المتقدمة عبر عشرات العقود من السنين نتيجة تجارب الصواب والخطأ في شركات صناعية عملاقة تزيد ميزانيات
بعضها عن ميزانيات دول وتم مع مرور السنين بناء مئات الجامعات ويكفي أن نعرف أن عدد الجامعات بمدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية أكثر من عدد الجامعات بدول مجلس التعاون الخليجي.
إن هذا التخلف التكنولوجي لا يضعفنا عسكريا وسياسيا واقتصاديا فحسب بل أنه يهدد استقرار مجتمعاتنا من الداخل إذ كيف تستقر شعوب لن تجد ما تأكل. وليت أهل السياسة والفكر ينتبهون لخطورة هذه الجبهة خاصة أن قرار التقدم التكنولوجي هو قرار سياسي اقتصادي وليس قرارا علميا- فنيا فالعلماء العرب والأجانب متوفرون في كل مكان والمعرفة العلمية متاحة ويمكن شراؤها وإذا تعذر شراؤها يمكن الحصول عليها بوجود العلماء، ولكن المسألة بشكل عام ليست بهذه البساطة فلابد من موارد مالية وصبر وعمل ومعاناة وسنين طويلة من التعلم من خلال التجربة ومن التوصيات والاقتراحات التي نراها مناسبة في هذا المقام ما يلي:
(1) يجب إعطاء الأولوية لاكتساب التكنولوجيا في مجال الغذاء والسكن والملبس والسلاح وما يرتبط بهذه التكنولوجيا من تكنولوجيات مساندة فنحن لسنا في حاجة ماسة لصناعة السيارات الخاصة وأجهزة التلفزيون والفيديو والعطور والساعات وغير ذلك من الكماليات.
(2) ليس من اليسير تطبيق أسلوب التخطيط المركزي لنقل التكنولوجيا إذ أن الدول العربية كثيرة العدد وغير متحدة، ولن تتمكن أية دولة عربية منفردة من السير في الطريق التكنولوجي. هذه مسألة والمسألة الأخرى المرتبطة بها أن التكنولوجيا تعيش وتنمو وتثمر على يد الشركات الضخمة وليس على يد الحكومات، فالحكومات غير مؤهلة لاحتضان التكنولوجيا وتنميتها وتطويرها فدور الحكومات هو دور المخطط والمساند لنمو هذه الشركات عن طريق توفير الحماية الاقتصادية والقانونية لها وكذلك فإن دور معاهد البحث العلمي والجامعات دور مساند لعملية نقل التكنولوجيا وينبغي أن تبدأ هذه الشركات حكومية أو مشتركة ثم تؤول ملكيتها بعد ذلك إلي القطاع الخاص ويستفاد من الأموال المحصلة في تأسيس شركات أخرى وهذا ما فعلته اليابان في بداية تصنيعها ولابد من فتح باب العمل لهذه الشركات في جميع أو
أغلب الدول العربية حتى يكون لها سوق يحقق ربحا وهذا يتطلب حل صعوبات عديدة تعيق تحرك الشركات عبر الحدود العربية.
(3) الشركات التي ندعو لها شركات عربية ضخمة لأنه لا مكان للشركات الصغيرة التي لن تستطيع الصمود ولابد كذلك من إيجاد أكثر من شركة تعمل في نفس المجال حتى يتميز الصالح من الطالح من هذه الشركات أما إذا كان لدينا حصان واحد فسيكون الأول في كل سباق حتى لو قطع مئة متر في مئة ساعة ونقول أن هذه الشركات بحاجة لمساندة قوية جدا من الحكومات لسنوات طويلة حتى تستطيع الوقوف على أقدامها فالصعوبات كثيرة وبالتالي فالدعم يجب أن يكون كبيرا فالمنافسة الخارجية التي ستتعرض لها هذه الشركات حادة بل مدمرة وليس من المعقول أن تكون شركاتنا في بداية إنشائها قادرة على العمل بنفس كفاءة الشركات الأجنبية التي لديها خبرة هائلة في التصنيع والتسويق والإدارة والبحث العلمي.
(4) من الضروري أن نعرف أن التخصص العلمي والصناعي والتعليمي قضية لابد منها حتى نتمكن من إقامة صناعات جيدة والتخصص ضروري لأن الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة لكل دولة عربية أو مجموعة دول محدودة جدا فمن الخطأ تشتيتها في مجالات كثيرة فكل صناعة رئيسية في العالم، يقف خلفها مئات الآلاف من العلماء والمهندسين والفنيين والعمال والإداريين فالخبرة في تسويق الأسماك وتصنيعها أو صناعة سفن الصيد كلها أمور مترابطة وبحاجة إلي إمكانيات كبيرة ومع أننا لا نعيش في الوطن العربي ضمن وحدة سياسية إلا أن بإمكاننا أن نحقق حدا أدنى من التنسيق الاقتصادي فتتخصص دول في صناعات النفط ودول أخرى في صناعة الغذاء وهكذا تختار كل دولة ما تعتقد أن بإمكانها أن تجيده ومن الضروري جداً أن تعتبر كل دولة أي صناعة عربية هي صناعة محلية بحاجة إلي حماية ورعاية بل لا أبالغ إذا قلت أن المطلوب هو إلغاء استخدام جملة "صناعة محلية" لأننا ان لم نتعامل من منظور قومي في قضايا الاقتصاد فإن الزمن سيلغي كل صناعة "محلية" مهما وفرنا لها من حماية ورعاية لأنها لن تستطيع العيش في عالم من العمالقة.
حكاية الرجل الفرنسي
يُروى أنه في الحرب العالمية الثانية عندما كانت ألمانيا تحتل فرنسا ركب رجل فرنسي وضباط ألماني وأمراه عجوز وفتاة جميلة في عربة أحد القطارات. ولما دخل القطار نفقا مظلما سمع الجميع صوت قبلة ثم صوت صفعة شديدة، وبعد خروج القطار من النفق كانت آثار الصفعة واضحة على وجه الضابط الألماني والآن ماذا حدث؟
لقد ظن الضابط الألماني أن الرجل الفرنسي قبل الفتاة فظنت الفتاة أن الضابط هو الذي قبلها وظنت العجوز أن الفتاة صفعت الضابط بعد أن قبلها وظنت الفتاة أن الضابط قبل العجوز فصفعته وطبعا كان كل واحد يعتقد أن تفسيره لما حدث هو الصحيح ولكن الحقيقة هي أن الرجل الفرنسي قبل يده ثم صفع الضابط الألماني وواصل القطار رحلته والكل يعتقد انه عرف الحقيقة التي لم يعرفها إلا الرجل الفرنسي. وأخشى أن يمر القطار العربي على محطات السنين والآلام والكثيرون منا مقتنعون بحقائق خاطئة وعلينا أن نلاحظ في هذه الحكاية ان ظلام النفق حجب الحقيقة عن ثلاثة أرباع الحاضرين مع أنهم كانوا متواجدين في مركز الحدث.
فهل نتواضع ونبدأ الشك فيما نعتقد أنه حقائق فوق الشبهات هذه عملية صعبة ولكن لابد منها. وهل نتذكر عندما نتخاصم ونختلف حكاية الرجل الفرنسي؟ وليتنا نستفيد من هذه الحكاية في التمييز بين الحقائق وبين الظنون ولكن لدينا وللأسف تربة خصبة تتحول فيها الاتهامات والظنون بسرعة إلي حقائق يقينية. ولو اخترنا عشرة مفكرين عرب لوجدنا أغلبهم متهمين فهذا ملحد وهذا
متطرف وهذا علماني وهذا تاجر طماع وهذا فقير حسود وهكذا. والتزوير في الحقائق لم يقتصر على الأفراد بل تجاوز ذلك للأحداث السياسية والتاريخية والأفكار والمبادئ ولو احتكمنا للإسلام والعقل وهذا مالا نفعله غالبا لاكتشفنا كثير من التزوير في أفكارنا ومبادئنا. فليس لدينا للأحداث التاريخية أشرطة فيديو توضح دقائقها وكذلك بالنسبة للأحداث السياسية فأحداث الخمسينات بدأت تتضح صورتها الآن بعد أن تكلم الكثيرون ولا زلنا وللأسف نتصرف بدرجة عالية من الثقة فكل شيء عندنا معروف وواضح وكأن آراءنا السياسية حصيلة تفكير علماء توفرت لهم كمية هائلة من المعلومات الصحيحة مع أنها في الواقع لا تزيد عن قراءة جرائد وسماع بعض الاذاعات والشائعات أما عن تزوير الحقائق الفكرية فحدث ولا حرج فقد أصبح بعض مسلمي هذا القرن يعتقدون أن الإيمان بالله يعني فقط الإيمان بوجود الله كأنهم لا يعلمون أن كفار قريش كانوا يؤمنون بذلك. فما أكثر ما ننحرف عن التوحيد في تصوراتنا وأقوالنا وأفعالنا دون أن نشعر.
إن من أخلاق أهل العلم التروي في إصدار الأحكام لأنهم علموا أن الوصول إلي قناعات صحيحة عملية لا تتم إلا بعد معاناة واجتهاد فالتسرع في اتهام الناس وتأويل الأحداث هو أحد أبواب الضلال ولهذا السبب سخر أحد العقلاء من الذين يفتون في قضايا اجتهادية بتسرع عجيب فقال: "إن هؤلاء يفتون في قضايا لو حدثت في عهد عمر لجمع لها أهل بدر"(2). ولذلك وجدنا كبار العلماء مع رفعة قدرهم وغزارة علمهم لا يتعصبون لرأيهم فهذا الشافعي يقول: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". أما قائلنا فيقول "رأيي حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ولو دقق صاحبنا فيما يقول لوجد أن من أصدر عليهم أحكاما بالنفاق والجهل والشيوعية والعمالة والتطرف وغير ذلك لم يتح لهم محاكمة عادلة ولم يستمع إلي دفاعهم كأنه لا يدري أن من حق الحقيقة عليه أن يؤمن بان المتهم بريء حتى تثبت إدانته والمحزن أنه يعرف هذه الحقيقة ويزعم أنه حريص على العدل ولكنة لا يشعر
أنه ينحرف عنها انحرافا كاملا كأنه يظن أن تطبيقها محصور فقط بالمحاكم الرسمية.
وداء الاتهامات السيئة قد استشرى حتى أصبحنا لا نحكم على الناس بظاهرهم وتصرفاتهم وأقوالهم بل بعكسها وقد يكون الفعل حسنا ولكننا ندعي بسذاجة أن النية سيئة كأننا شققنا قلب الفاعل ورأينا هذه النية السيئة في البطين الأيمن. بعد كل هذا أدعوكم جميعا حرصا على الحقائق الفعلية وحفاظا على حقوق الناس إلي إسقاط جميع الاتهامات فالمتهمون الذين أصدرتم عليهم أحكامكم لم يحاكموا وبالتالي فقد تكون كثير من قناعاتكم خاطئة ويجب أن تعلموا أيها المحترمون أن اتهاماتكم أدت إلي سجن المتهمين وسجنتكم أنتم أيضا فأنتم متهمون عند المتهمين وهذا الوضع سبب فرقتكم وأضعف أمتكم. إني أعلم أيها السادة أن طلبي هذا سيؤدي إلي إخراج بعض المجرمين من سجونهم ولكني واثق أنه سيؤدي إلي الافراج عن كثير من الأبرياء وهو تطبيق للإسلام الذي دعا إلي صون دماء الناس وأعراضهم وحفظها من الظنون والأوهام.
وأخيراً فإنني لست اريد أن أصل إلي اقناعكم بأن كل ما نعرفه ونعتقد به هو غير صحيح ولكنني أريد أن أصل إلي أن اقتناعنا بأننا نعرف الكثير من الحقائق هو اقتناع خاطئ وأننا لابد أن نراجع جميع قناعاتنا واعتقادتنا بتجرد وموضوعية لئلا يكون حالنا كأبطال حكاية الرجل الفرنسي وإذا أصر البعض بعد كل هذا الحديث على اتهام الناس وتصنيفهم نقول لهم قبل أن نيأس منهم أن هناك حكاية أخرى قد تقنعهم اسمها حكاية فوزية البورجوازية جاءت في كتاب للكاتب المصري الساخر أحمد رجب عنوانه "كلام فارغ".
الصحوة الإسلامية في بدايتها
لا يوجد لدينا لأسباب كثيرة يطول الحديث عنها شك في أن المستقبل للإسلام ولكن نؤمن أيضا أن هذا المستقبل سيتأخر إذا ظننا أننا نعيش الآن صحوة إسلامية، والأصوب أن ندرك أن هناك بداية لصحوة إسلامية، فلا تزال معرفتنا بالإسلام الصحيح محدودة ولا زال تطبيقنا لهذا الإسلام تطبيقا ضعيفا. فأخلاق وسلوك الغالبية العظمى منا بعيدة عن الحد الأدنى المتوقع من كل مسلم بل نذهب إلى أكثر من ذلك لنقول إنه حتى هذه البداية بحاجة إلى تصحيح مسار في بعض جوانبها وإلا فإنها ليست بداية لصحوة إسلامية فمثالية الإسلام وصحته لاتعني أبدا مثالية الصحوة الإسلامية، فأهل الصحوة هم بشر يصيبون ويخطئون في فهم الإسلام والواقع ونضيف إلى ذلك أننا نعتقد وبصراحة أن أشد الأخطار التي تواجه هذه الصحوة تأتي من داخلها وليست من خارجها. ومن أبرز هذه الأخطار ما يلي:
(1) استخدام العنف سواء ضد الحكومات أو ضد الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى، وهذا العنف في الغالبية العظمى ليس جهاداً أو شجاعة بل تهور وجنون وسفك لدماء كثير من المسلمين وقليل من المجرمين وفتح جروح على أمة لا ينقصها كثرة الجروح، ولنتذكر أن الخوارج بجهلهم بالإسلام أضروا الأمة الإسلامية وقتلوا الإمام علي بن أبي طالب وهم يظنون أنه من المرتدين عن الإسلام وأنهم هم أهم الإسلام والحق وأن من خالفهم هم أصحاب الجاهلية والهوى.
إن أعظم الجهاد كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة حق عند سلطان جائر وهذه دعوة سلمية وكلمة حق طيبة ليس فيها من العنف شيء والدعوة السلمية ليس سببها الخوف من الحكومات أو جبن الدعاة بل هي التزام بالكتاب والسنة ومعرفة بحرمة دماء الناس مسلمين وغير مسلمين، والدعوة يجب أن تبقى سلمية حتى لو جار الحكام وسجنوا الدعاة وعذبوهم وقتلوهم فالدعوة السلمية مبدأ يجب ألا يحيد عنه الدعاة إلا في حالات استثنائية ولنعلم أن الله سبحانه وتعالى قال في الحديث القدسي:
"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" والله قادر متى شاء أن يأخذ كل ظالم أخذ عزيز مقتدر. وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
(2) هناك احتكار للإسلام من بعض الأفراد والجماعات فهؤلاء جعلوا أنفسهم أوصياء على الإسلام دون أن يختارهم علماء وجعلوا أنفسهم أوصياء على الشعوب دون أن تبايعهم الشعوب وهم يتصرفون أحيانا كأنهم السلطة السياسية الشرعية وأحياناً أخرى يتصرفون كأنهم مجلس لكبار علماء المسلمين فكل من خالفهم في رأي اجتهادي اتهموه بمعادة الإسلام والمسلمين وشككوا في دينه وأخلاقه. وليعلم هؤلاء أن الإسلام- ولله الحمد - لا يتجسد في أحد ولا يحق لأحد أن يحتكره خاصة وأن الاتجاه الإسلامي به أفراد وجماعات وأحزاب ولا يحق لأي كان أن يتكلم باسم جميع هؤلاء دون انتخاب. والمسلمون ليسوا موجودين في الاتجاه الإسلامي وحده بل موجودون في الاتجاه القومي وفي بقية أفراد الأمة فليس لهؤلاء وصاية سياسية على الأمة وكذلك ليس لهم وصاية فكرية على الإسلام.
(3) أن يبتعد الدعاة إلى الله عن الانغلاق والعزلة، فمن الضروري جدا أن يكونوا مطلعين على ثقافات مختلف الاتجاهات وكذلك على تجارب الأمم الأخرى. إن الانعزال عن المجتمع يساعد على بناء بيئة التطرف بأنواعه المختلفة فلابد من إقامة العلاقات الشخصية مع الجميع ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلم يمنعه إسلامه من الجلوس مع الكفار وأهل الكتاب وأن يتعامل معهم في بيع وشراء وهذه العلاقات الشخصية ساهمت كثيرا في اعتناق الناس للإسلام، فإذا كانت هذه حالة الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين
فلماذا تكون علاقة البعض مع من ينتمي للإسلام علاقة سيئة في كثير من جوانبها، فهي في أحسن الأحوال علاقة مقطوعة. وأن أولى الناس اليوم بالانفتاح عليهم هم الاتجاهات القومية الأصيلة. فليكن التقرب لهذه الاتجاهات والتعرف عليها والتعاون معها هو أحد الأهداف الرئيسية للمخلصين من الاتجاه الإسلامي، فالتفرق ضعف والاتحاد قوة.
(4) لا تعطي الجماعات الإسلامية دروس العلم حقها من الاهتمام والتقدير فالشباب المسلم لا ينقصه الحماس للإسلام ولكن ينقصه التفقه في الدين، فالجهل في العقيدة الإسلامية جهل شائع، أما الجهل في الأمور السياسية والاقتصادية فحدث عنه ولا حرج، ولهذا نجد البعض – وللأسف – يطلق مسميات الكفر والجاهلية والعبودية دون أن يعي جيدا ماذا يقول. فليترك الشباب مسميات الكفر والجاهلية لعلماء الإسلام وليحذروا أشد الحذر من القول في دين الله بدون علم فإن ذلك ينفر الناس من الإسلام ومنهم، ولقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل عندما أطال في صلاته وهو إمام لجماعة فقال له: "يا معاذ أفتان أنت" أي انك باطالة صلاتك تكره الناس في الصلاة والإسلام فماذا نقول عمن يرمي الناس في وجوههم بالكفر أو يتشدد في بعض السنن كقيام الليل ويجعلها فرائض. ان المعرفة بالإسلام لا تكون بكثرة القراءة بل بجودة ما تقرأ.
(5) تنشغل بعض الجماعات الإسلامية بأمور ذات أولوية منخفضة وتهمل أولويات عالية يفرضها الإسلام والواقع، والمطلوب أن يعيد الاتجاه الإسلامي ترتيب أولوياته ومن الأولويات التي يجب أن تحظى باهتمام كاف تلك التي دعا لها استاذنا الدكتور أحمد كمال أبو المجد في مجلة العربي في عدد مايو 1987 حيث قال:
"في ضوء استقراء الواقع الاجتماعي والسياسي للعرب والمسلمين نستطيع أن نقدم اجتهادا جديدا لأولويات العمل الإسلامي المعاصر مقررين أن على رأس هذه الأولويات أمور ثلاثة كل ما عداها يأتي بعدها في سلم الأولويات الأولي: المشاركة مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى في دفع أخطار التبعية السياسية والاقتصادية عن العرب والمسلمين.
ووضع هذا الأمر في المرتبة الأولى في سلم الأولويات يرجع إلى أسباب عديدة منها أنه لا قيمة – اليوم – لجهد يبذل في إصلاح المسار الداخلي للمجتمع إذا كان كيانه كله يتعرض للخضوع والتبعية لقوى دولية كبرى وهو نوع من التبعية جديد في صورته، فريد في حجمه، مخيف مفزع في آثاره ونتائجه، ولا يجوز بحال قياسه على صورة الاستعمار القديم أو الجديد حيث كانت الدول المستعمرة (بفتح الميم) تحتفظ بكيانها الداخلي في أكثر الأحيان. وتظل تنتظر لحظة تاريخية مواتية. يتخلص فيها الشعب من مستعمريه ويستأنف مسيرته من جديد.
أما التبعية الجديدة فإن مداخلها متعددة، أولها الضعف العسكري للدول العربية والإسلامية، واتجاه كثير منها إلى طلب الحماية من الدول الكبرى في وجه أخطار أقلها حقيقي، وأكثرها مصطنع وموهوم، وثانيها الاعتماد شبه الكامل على عدد محدود من الدول الكبرى في تزويد الشعوب العربية والمسلمة بالجانب الأكبر من غذائها وكسائها ودوائها. وهو اعتماد متصاعد يحمل في ثناياه اسباب استمراره، واستقراره كصورة ثابتة للعلاقات بين الدول الدائنة والدول المدينة، وهي صورة من شأنها وضع استقلال الدول المدينة – بجوانبه المختلفة تحت رحمة الدول الدائنة ومن شأنه كذلك تصاعد حجم التبعية مع زيادة حجم المديونية، وانتقالها من ميدان إلى ميدان ومعنى هذا ان الدول الدائنة المتبوعة سوف يكون لها بالضرورة قول ورأي في أخطر الشئون الداخلية للدول التابعة وأدقها، ومن هنا يغدو مصير حركات النهضة والانبعاث، وتحديد المصادر الأساسية لتلك لنهضة داخلا بدوره في دائرة نفوذ الدولة المتبوعة، متأثرا برغبتها، وأهداف سياستها ولهذا تغدو مشاركة الحركة الإسلامية لقوى المجتمع الأخرى في دفع أخطار تلك التبعية جديرة بموقع الصدارة بين أولويات العمل الإسلامي وهي مشاركة من شأنها فوق ذلك أن تبني جسور عديدة مع تلك القوى، وأن تفتح أمام الحركة الإسلامية أبوابا للمشاركة في سائر ميادين العمل الاجتماعي غير منعزلة ولا مقطوعة عن التيار الرئيسي لحركة المجتمع".
من أساسيات الوحدة
كثير من المشاكل لها حلول ولكن كثيرا ما نتحدث عن المشكلة وقليلاً ما نفكر بالحل ونطبقه ولهذا تبقى الكثير من قضايانا بدون حل والاختلافات هي احدى الصعوبات التي نواجهها وبما أن الاختلافات لم تأت من فراغ كما يقولون فإن الاتفاقات لاتأتي من فراغ أيضًا وأسباب الاختلافات سواء ما يتعلق منها بقضايا الوحدة والتعاون أو أي قضية أخرى هي أسباب كثيرة منها اختلاف العقيدة والمصلحة والخبرة وقلة الدراسات العلمية والتعصب للرأي وما من شأنه بإذن الله أن يقلل جزء من اختلافاتنا أن نبتعد عن:-
(1) الضبابية الفكرية والسياسية:-
من الضروري أن توضح الجماعات والأحزاب والحكومات أهدافها وبرامجها ومواقفها في كتب قليلة مكتوبة بطريقة مفصلة وواضحة وصريحة وليس بكلام يداعب العواطف ويعطي آمالاً عريضة كما هو حاصل اليوم فالغالبية منا ليست ضد الإسلام والوحدة والعروبة والتعاون والحرية ولكن مع هذا نحن مختلفون لأن للإسلام مفاهيم مختلفة وللوحدة أساليب متنوعة وللحرية معان متناقضة. باختصار نحن بحاجة لتحديد البصمات الفكرية والسياسية والاقتصادية لكل تكتل فكري وسياسي حتى نتعاون على الأشياء المتفق عليها وينصح بعضنا البعض في الأشياء المختلف حولها وحتى نعرف على الأقل لماذا نحن مختلفون؟ وإذا لم تكون هناك بصمات واضحة فلا يلام الناس في ظل الظلام الإعلامي إذا صدقوا أن هذا متطرف وذاك شيوعي والآخر علماني والرابع عميل والخامس معقد.
(2) الدكتاتوريات الشعبية:-
إن أغلب القوى المنتمية اليوم لكلا الاتجاهين القومي والإسلامي هي عبارة عن تكتلات دكتاتورية لاتقبل أي نقد والمضحك المبكي أن النفور من كل رأي مخالف ليس فقط عقدا حكومية بل هو أيضا عقد تعاني منها القوى الشعبية فهناك بالفعل دكتاتوريات شعبية، والمفروض في أمة التوحيد ألا يكون هناك شيء مقدس غير كلام الله وكلام رسوله ولكن ما حدث بالفعل ان كل انتقاد لحزب أو جماعة أو زعيم أو كتاب أو مفكر أو سياسي أو رأي أو برنامج أو دولة ينظر إليه أصحاب الشأن نظرة عداء.
إن الدكتاتوريات الشعبية تظهر واضحة في الغالبية العظمى من المجلات والجرائد التي تصدر داخل وخارج الوطن العربي لأن الآراء والاجتهادات فيها تصب جميعا في رأي الجهة الشعبية المشرفة على إصدارها وإذا كانت هناك مساحة صغيرة للرأي المخالف فهي من باب تجميل الوجه الدكتاتوري وليس إيمانا بمبدأ، فالحكمة كل الحكمة ان يكون هناك حوار علمي بناء يوضح نقاط الخلاف ويحاول أن يضع حلولاً في جو من الاحترام والتعاون ولو فعلت القوى الشعبية ذلك لزاد وعي الأمة وخلصت نفسها من أخطار الاستبداد المظلمة التي أبعدت كثيراً منها عن الواقع ولنعلم أن في ظل حرية الرأي واشتراك عقول كثيرة في العمل سنتخبط في قراراتنا وسياساتنا وقد لانعرف الصواب من الخطأ إلا بعد حين فما بالنا بالأخطاء التي سترتكب في مجالات شتى من عقول قليلة تعيش في ظلمات الاستبداد والشك.
(3) قلة الدراسات العلمية:-
إن الحاجة إلى الدراسات العلمية قضية بديهية لأن الواقع معقد ومتشعب ولابد لمن يريد أن يتعامل معه أن يبذل جهوداً كبيرة لمعرفة هذا الواقع ولأننا تجاهلنا هذه البديهية فقد أصيب الغالبية منا بصدمة كبيرة. إثر هزيمة 1967 وذلك لأن المعلومات المتوفرة كانت إما مزورة أو غير دقيقة أو غير مفهومة ولو توفرت الدراسات العلمية لعرفت الشعوب أن الفوضى والتفرق والمعاصي لا يمكن أن تؤدي إلى نصر.
ولا تقتصر أهمية الدراسات العلمية على مجال الفكر والسياسة بل تشمل قضايا الاقتصاد والإدارة وغيرها من المجالات فكم تحدثنا عن التكامل الاقتصادي ونحن نفتقد كثيرا من المعلومات والاحصائيات الضرورية وكم تمنينا أن يحدث الإصلاح الإداري ونحن نفتقر إلى دراسات جادة تحدد أهدافنا وتمكننا من فهم قضايا التخطيط والتنفيذ والصعوبات المتعلقة بها. إن الدراسات العلمية هي كتب ومقالات ودراسات تتضمن إحصائيات وأرقاما وتتسم بالصدق والموضوعية والوضوح وهي ليست تلك الآلاف من الكتب التي نجدها تشكل غالبية الموجود في المكتبة العربية فهذه كتب مشوهة بها من العلم شيء ومن الجهل أشياء بعضها يذكر نصف الحقيقة ويزور النصف الآخر وبعضها يتحدث ليرسم صورا مثالية لواقع لن يكون وبعضها يشوه حقائق الدين والتاريخ وعندما نفتقد المعلومات الصحيحة يضيع الشباب. ولا زلنا للأسف غير مدركين لأهمية الدراسات العلمية فأغلب ما يطرح في مجالسنا النيابية وصحافتنا وندواتنا واجتماعاتنا هو عبارة عن آراء غير مسنودة بدراسات علمية وهذا سبب من أسباب استمرار خلافاتنا لأننا لانستطيع تمييز الصواب من الخطأ في القضايا المطروحة للنقاش وهذا الوضع أدى إلى اتخاذ كثير من السياسات والقرارات الخاطئة ودفعنا ثمن ذلك غاليا. إن الحاجة إلى الدراسات العلمية غير مرتبطة بوجود مشكلة بل هي حاجة مستمرة وكلما أضفنا دراسة جادة كلما أشعلنا شمعة تساعد الأمة على السير نحو مستقبلها بصورة أفضل فهل نحن فاعلون؟
(4) أعداء التعاون:-
من المهم القيام بإعادة بناء وتطوير وتطهير الكثير من القوى المنتمية للاتجاهين القومي والإسلامي والحكومات فيجب أن ندرك أنه ليس كل مخلص يصلح لعملية بناء الجسور فهناك قياديون وكتاب وصحفيون وعلماء ممن لديهم حدة في الطبع أو فهم خاطئ وخطر لبعض القضايا الفكرية والسياسية أو عدم استعداد للتنازل عن بعض الآراء الاجتهادية في سبيل الالتقاء مع الآخرين هم باختصار جزء منا ولكنهم يفتقدون إلى القدرات
المطلوبة للتعامل مع أحداث هي على درجة عالية من التشابك والتعقيد ولا أبالغ إذا قلت إن بعض هؤلاء أخطر على الأمة من أعدائها لأن هؤلاء هدموا ويهدمون الأمة من الداخل، لذا يجب أن لانضيع الوقت مع من هم مقتنعون بأن من ليس معي فهو ضدي أو من يعتقد أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب أو الأمة أو الإسلام أو من يتحدثون فيما يعلمون ولا يعلمون أو من لديهم رغبة في محاكمة الماضي ووجود هؤلاء وأمثالهم أحد الأسباب الرئيسية لاختلافاتنا وتفرقنا فلندرك أنا قوم في سفينة واحدة وأن تفرقنا زاد من مرارة واقعنا فلنستفد من واقعية الحكومات وعناصر قوتها ولنستثمر القوة الفكرية في الاتجاه الإسلامي ولنتعلم من ثقافة الاتجاه القومي وحرصه على التعاون والوحدة فنصبح بإذن الله أكثر واقعية وأصوب اجتهاداًً وأصدق انتماءً.
ولاشك أن من الخطأ الفادح أن نتهاون في عملية التطهير المطلوبة فلا مجاملة لصديق أو زميل لأنه لا وقت للمجاملة فالتحديات كبيرة فعلاً فنصف سفينتنا على الأقل غارق الآن فهل ننقذ ما بقي وما غرق أم ندع السفينة تغرق كلها، على كل حال القرار قراركم ورحم الله من لا تأخذه في الحق لومة لائم.
(5) الثقة الزائدة:-
كثيراً من المخلصين لديهم ثقافة وعلم وخبرة وآراؤهم هي نتيجة قراءاتهم وتجاربهم وقد يكونون واثقين منها لدرجة كبيرة ولكن هذا لا يعني أن كل ما اقتنعوا به هو صواب وأن من خالفهم هو مخطئ وذلك لسبب بسيط وهو أن للآخرين عقول ولهم تجارب وحتى نزيد من نسبة الصحيح في أفكارنا فإننا ندعو إلى تشجيع الحوار والمناقشة ليس فقط في المجال السياسي بل والعقائدي والاجتماعي والإداري وغير ذلك ولا ندعو إلى حوار هدفه إثبات أن الآخرين علي خطأ أو أننا على صواب بل ندعو إلى حوار علمي منظم هدفه الاستفادة من علم الآخرين ولقد قيل قديما "لا خاب من استشار" وقيل "شاور العاقل يكن عقله لك" وفي الأمة عقلاء لديهم آراء وأفكار قيمة
فلنقرأ كتبهم ولنشاورهم فهم والله من ثروات الأمة لمن مقتنع بأن العلم نور وأن الجهل أحد مصائبنا فلنبتعد عن الثقة الزائدة أو بتعبير أكثر صراحة عن الغرور ولقد قيل لرجل من قبيلة عبس ما أكثر صوابكم فقال فينا رجل حازم ونحن نشاوره فكأننا ألف حازم.
(6) ضعف الخبرة العملية:-
البناء على أرض الواقع ليس في سهولة البناء في الخيال والملاحظ أن بعض أطروحات القوى الشعبية فيها نوع من المثالية أو بتعبير أكثر دقة حسابات متفائلة بالمقارنة مع الحسابات الواقعية فكثير من المعارضين لنظام حكم يصبحون أكثر واقعية عندما يتسلمون الحكم أو يشاركون فيه لأنهم أدركوا أن تطوير وزارة أو شركة أو مؤسسة عملية تدخل فيها قضايا كثيرة فقد تكون كفاءة الموظفين ضعيفة أو تكون هناك قيود مختلفة تضعف من دور الحوافز أو العقوبات فالحكومات تقرأ الواقع بصورة أكثر صحة من غيرها وطبعاً هناك استثناءات في حين أن بعض قوى المعارضة لا تتوفر لديها الخبرة العملية الكافية أو المعلومات الصحيحة التي دفعت لاتخاذ قانون ما أو قرار ما أو موقف ما وبالتالي فزيادة اللقاءات والاتصالات بين القوى الشعبية والحكومات عملية ضرورية ليس فقط حتى لا تحدث مزايدات سياسية وإدارية من القوى الشعبية بل لما في ذلك من فوائد كثيرة منها التضييق على الشائعات الكاذبة والاتهامات الباطلة التي جعلتنا نتعامل بحذر مع الآخرين فالثقة أصبحت ضعيفة أو معدومة في أحوال كثير. المطلوب باختصار من الجميع وبشكل خاص من القوى الشعبية أن تزيد من كفاءتها العلمية وخبرتها العملية في قضايا السياسة والإدارة والزراعة والتخطيط والاقتصاد حتى لا تحمل الحكومات أكثر أو أقل مما تطيق.
الطريق إلى الوحدة الشعبية
عندما نقول إن الإسلام الصحيح هو الطريق إلى الوحدة فإننا نختصر بهذه الكلمات الكثير من الحقائق والحكم والنصائح ولأنه لم يعد في موضوعنا هذا خير الكلام ما قل ودل بل لابد من الشرح والتفصيل لإثبات أن الإسلام الصحيح هو الطريق إلى الوحدة لذلك سأتطرق إلى بعض القضايا بشيء من التفصيل الذي أسأل الله أن يكون كافياً وإن لم يكون كافياً فليرجع القارئ إلى قراءة الواقع العربي وقراءة ما كتب كبار العقلاء خلال الخمسين سنة الماضية فسيجد بإذن الله المزيد من الأدلة التي تثبت صحة ما دعونا له وسأتطرق إلى ثلاث قضايا متعلقة بالاتجاه الإسلامي وثلاث قضايا متعلقة بالاتجاه القومي وأبدأ بالاتجاه الإسلامي:
(1) تحدث أحيانا أخطاء من بعض قوى الاتجاه الإسلامي نتيجة عدم التزامها بالإسلام الصحيح فهذه القوى تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للمسلمين فكل من خالفها سياسيا اتهمته بالخروج عن الإسلام فهي من حيث تدري ولا تدري خلطت بين القضايا الفكرية والسياسية وبالتالي رفضت كل اجتهاد سياسي أو فكري يخالفا اجتهاداتها فالدخول "غير الإسلامي" من هذه القوى في القضايا السياسية سبب خلافات وعداوات وتفرق وكان الأصوب أن تترك القرارات السياسية للشعوب لتقول كلمتها وأن تقوم بطرح اجتهاداتها بطريقة شورية يكون فها القرار الأخير للشعوب، فالشعوب في النظرية الإسلامية الصحيحة حرة وهي مسؤولة عن أعمالها وحتى لايساء فهم قولنا نعتقد أن الأسلام دين ودولة وسياسة واقتصاد ولكن هذا ليس معناه أن الاتجاه الإسلامي هو الدين والدولة واعتقد والله أعلم أن الأصوب أن يكون الاتجاه الإسلامي قوة تدعم القوى السياسية في
الأمة لابديل عنها وأن يكون المتدينين في كل حزب وليس في حزب واحد وقد يظن البعض أنني ادعو الاتجاه الإسلامي لدور هامشي أو للخروج من العمل السياسي فليس هذا قصدي بل أدعوه لأن يكون صديقا وناصحا للقوى السياسية المخلصة لا منافساً لها وأن يكون داعية تجمع واتفاق لا قوة تتعصب لآراء واجتهادات معينة .
(2) جزء من الإسلام الصحيح أن نحكم بالحق مع من نحب أو نكره، قال تعالى :"ولا يجرمنكم شنان قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ووجدنا بعض القوى الإسلامية لا تلتزم بذلك فقد دفعها الخلاف مع بعض القوى القومية إلى موقف رافض لكل ما قال أو فعل الاتجاه القومي فإذا استخدم الاتجاه القومي كلمة اشتراكية لم يفهموا منها العدالة الاجتماعية بل فهموا إنها تعني الشيوعية وإذا اعتزوا بالعروبة قالوا هذه عنصرية وليس انتماء وإذا ظهر الإلحاد والكفر والظلم من بعض المنتسبين للاتجاه القومي اتهموا الاتجاه كله بذلك وفي نفس الوقت تناسوا كل ما عمل الاتجاه القومي من خير فهم لايذكرون أنه أحبط محاولات شيوعية للوصول إلى الحكم في عدة أقطار عربية وتجاهلوا أن للقوى القومية دور كبير في طرد الاستعمار الأجنبي وأن كثيرا من القوميين رفضوا أن يكونوا خاضعين للسيطرة الروسية، طبعا هناك سلبيات للاتجاه القومي ولكن هناك أيضاً إيجابيات فإنكار إيجابياته انحراف عن الإسلام الصحيح يؤدي بدوره إلى التفرق والاختلاف.
(3) جزء من الإسلام الصحيح أن نقف موقفا واضحا وصريحا من كل فهم فكري منحرف فقد ظهرت أحزاب وجماعات معقدة أومتطرفة أو جامدة أعطت صور غير صحيحة عن الإسلام وأهله هذا مع حسن نواياهم ولكن كما قيل كم من مريد للخير لن يصيبه وبعض قوى الاتجاه الإسلامي وقفت لأسباب مختلفة موقفا متخاذلاً من هذه الانحرافات وكان الواجب الشرعي أن يقولوا لمن جعلوا منهجهم التصادم مع الحكومات هذا ليس جهاداً بل فساداًَ وأن يقولوا لمن فرض عبادات واذكاراً لم تأت في الكتاب والسنة هذا تنفير للناس من الدين وأن يقولوا لأصحاب العقائد الباطلة هذا انحراف يجب أن تصححوه وهكذا حتى يعلم الناس أن هؤلاء لا يمثلون الإسلام حتى
لو كانوا أهل صلاة وعبادة وتقوى فالإسلام دين علم ومنطق ولين وحكمة فوجود المتطرفين والدراويش وغيرهم كان ولا زال يشوه صورة الإسلام الصحيح وعاملاً رئيسياً لنفور قوى مخلصة وطبعاً مطلوب من الجميع أن يفهم معنى التطرف والدروشة حتى لاتختلط الأوراق ونظلم البعض.
(4) مع علمنا بأن الاتجاه القومي يتكون من قوى كثيرة مختلفة ومتناقضة إلا أننا نقول إن القوى الرئيسية منه لم تكن قوى ضد الإسلام وأهله ولكن بعضها ارتكب انحرافات وأخطاء وأغلبها لم يكن لديه المعرفة المطلوبة للإسلام الصحيح قد يكون سبب ذلك أن أكثرهم كانوا سياسيين وعسكريين وهم بشكل عام ركزوا على القضايا السياسية وأهملوا القضايا العقائدية والاجتماعية أو أفتوا فيها بدون مشاورة من علماء الإسلام وهذا الإهمال والجهل سبب غربة فكرية للاتجاه القومي وسبب نفور كثير من علماء الإسلام منهم، فالعلماء والمتدينون لم يجدوا من الاتجاه القومي الحرص على نشر الإسلام أو الالتزام بالصلاة أو تطبيق الزكاة أو الحرص على العقيدة، والإسلام الصحيح يفرض الالتزام بهذه الأمور ويجعلها على رأس الأولويات وصحيح أن الاتجاه القومي هو اتجاه سياسي ولكن الصحيح أيضا أن هذه الأمور واجبة على كل مسلم سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو إمام مسجد بل إن بعض قوى الاتجاه القومي أخذت تساوم على قضايا عقائدية من باب المناورات السياسية وخاصة مع الشيوعيين وسبب ذلك نفوراً أشد من القوى الإسلامية وعموماً فكلما التزم الاتجاه القومي بالإسلام وحمل آمال الأمة العقائدية التي لاتقل أهمية عن آمالها السياسية كلما اقترب من قلب الأمة وعقلها.
(5) الحداثة والعصرية من الكلمات الجذابة وبعض قوى الاتجاه القومي لم تلتزم بالفهم الإسلامي الصحيح لمعاني العصرية بل اعتبرت كل تقليد للغرب هو من متطلبات العصرية وأضافت لذلك الاعتقاد بأن كل تنكر لما هو موجود في مجتمعاتنا من متطلباتها وهذه المفاهيم أدت إلى اختلافات وتفرق، فهذه القوى عالجت اضطهاد المرأة مثلا بدعوتها للتمرد على كل القيم الصحيحة والخاطئة واستوردت من علوم الغرب وأفكاره ما يفيد وما يضر ولم تر في
الدولة العثمانية إلا سلبياتها وهذا الوضع جعلها بالضرورة تختلف وتتنافر مع كثير من قوى المجتمع وقيمه وليس كل من اختلفت معهم رجعيون بل فيهم قوى عاقلة وهذا أحد الأسباب التي جعلت كثيراً من المثقفين يعيشون في شبه عزلة عن مجتمعاتهم ولو كانوا على صواب في كل مفاهيمهم لكانت لهم روابط قوية بالقوى الطيبة في هذه المجتمعات ولأحدثوا فيها تغييرات جذرية ونختصر القول في أن الالتزام بالمفاهيم التي حددها الإسلام الصحيح للعصرية والتراث والحرية والعدل وغير ذلك هو طريقنا للاتفاق والالتقاء.
(6) لم تستطيع بعض قوى الاتجاه القومي ان تنظر للأمور نظرة شمولية بل كانت غالبا ما تنظر لها من الزاوية السياسية ولهذا تكون بعض حساباتها خاطئة لأنها لاترى كل الواقع بل ترى الجزء السياسي منه وصحيح ان بعض قوى الاتجاه الإسلامي تخطئ لأن نظرتها جزئية فهي ترى الأمور من الناحية العقائدية فقط إلا أن وضعها نسبياً أفضل والالتزام بالإسلام الصحيح يساعدنا على النظرة الشمولية والموضوعية للأمور وتطوير المجتمعات يتطلب النظرة الشمولية وهذه النظرة تجعل حساباتنا أكثر صواباً كما تجعلنا أيضاً أكثر قدرة على ترتيب الأولويات وليس المقصود بالنظرة الشمولية الصورة التي يراها السياسيون بعد أن يدخلوا في حساباتهم القضايا العقائدية والاقتصادية والاجتماعية بل هي النظرة التي يراها أهل السياسة وغيرهم، وأحب أن أنبه هنا إلى ضرورة وجود إصلاح عقائدي وثقافي وإداري وصناعي وعلمي وتعليمي ومن الخطأ التركيز فقط على القضايا السياسية والنجاح في هذه المجالات هو القاعدة للنجاح السياسي وكل نجاح سياسي سيكون ضعيفا ومصيره للفشل إذا كان يعيش على قاعدة من الضعف العقائدي والإداري والتعليمي وفي الختام نكرر ما قلنا في بداية المقال ألا وهو أن الإسلام الصحيح هو الطريق إلى الوحدة فأرجوا يكون فيما قدمنا من نماذج أدلة كافية.
مفاهيم أساسية للعملية الإصلاحية
من الطبيعي أن يشعر الكثير من الشباب العربي المتحمس لأمته بالرغبة الشديدة في إصلاح ما يراه من أوضاع سيئة تعيشها الأمة. والرغبة في الإصلاح كثيرا ما تنطفئ أنوارها أو تضعف، عندما تواجه بصعوبات كثيرة وحتى لا يزداد عدد اليائسين فينا لابد أن نتبنى مفاهيم واقعية وصحيحة للعملية الإصلاحية، وسأحاول في هذا المقال أن أبين بعض ما أعتقد أنه خطوط عريضة لعملية الإصلاح وأسأل الله أن تكون هذه الخطوط صحيحة ومما أود توضيحه النقاط التالية:
أولا: يجب أن ندرك أن الإصلاح الشامل هو عبارة عن خطوات صغيرة وكثيرة من عمليات الإصلاح الصغيرة، فكما أن قطرات المطر الصغيرة والكثيرة تتجمع لتكون الأنهار الكبيرة والسيول الجارفة، فكذلك لا يحدث الإصلاح بدون وجود إصلاحات صغيرة وكثيرة، فإتقان الفرد لعمله قطرة صغيرة وكذلك شراء سلعة عربية وهكذا. وعندما تنتشر هذه القطرات الصغيرة وبكثرة في كل مكان يكون من السهل تجميعها لتحقيق واقع أفضل، والخطأ كل الخطأ أن نعتقد أنه لا فائدة من هذه القطرات الصغيرة، ومن أعتقد ذلك فقد أخطأ لأنه تصور العملية الإصلاحية عبارة عن قرارات سياسية تحدث نتيجة انقلاب عسكري أو ثورة شعبية لدى هذا أو تلك قدرة الهية تقول للإصلاح كن فيكون. الإصلاح يحدث
عندما يصبح العمل والصدق والعلم جزءا من أخلاق الناس ونظمهم
ومناهجهم. نعم إن للحكومات دورا رئيسيا في العملية، ولكنه
ليس الدور الوحيد، فالمسؤولية الإصلاحية هي مسؤولية جماعية تقع على الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات، هذا الفهم يجعلنا ندرك خطأ من نام وتكاسل بانتظار قائد عبقري يعيد للأمة مجدها بضربات من عصا سحرية، وهو يدفعنا لأن ننزل من مدرجات المشاهدين لساحة الواقع ليعمل كل منا على إيجاد أكبر عدد يستطيعه من القطرات الإصلاحية وإذا بذل كل منا قدر استطاعته، وهو يستطيع الكثير ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فقد قام بدوره على الوجه الأكمل.
ثانيا: إذا عرفنا ان الإصلاح الشامل هو عبارة عن إصلاحات صغيرة وكثيرة علينا أن نعرف أيضاً أن بعض الإصلاحات يمكن أن نقوم بها نحن والبعض الآخر تقع مسؤوليته على الآخرين وكثيرا للأسف ما تهدر طاقات هائلة من المجهود الإصلاحي بلا مردود لأننا ننظر للقطرات الإصلاحية التي لم يعملها الآخرين ونلومهم بينما لا نوجه لأنفسنا أي لوم. إننا نحاول هنا أن نصلح الآخرين وننسى أننا بحاجة إلى إصلاح ولو بدأنا في الإصلاح بالقاء اللوم في تخلف الأمة علينا وليس على الآخرين، لو فعلنا ذلك سنكون قد بلغنا مرحلة متقدمة جدا من الوعي الإصلاحي فمثلا لو حدث رسوب لطلاب أحد الفصول لوجدنا الناظر يتهم المدرسين، والمدرسون يتهمون الطلبة والبيت، والطلبة يتهمون هذا أو ذاك، ولو اتهم المدرسون طريقة شرحهم أو أسلوب محاسبتهم للمجتهدين والمتكاسلين لربما اكتشفوا أن الخطأ كان منهم وليس من الآخرين، وغالبا ما يفشل إصلاح الغير لأن الآخرين سواء كانوا فردا أو حزبا أو دولة يرفضون أي تدخل خارجي لتوجيه سلوكهم وأهدافهم. فمتى نبدأ بوضع أنفسنا في قفص الاتهام وبطرح أسئلة جادة لنقتنع بعدها أننا المقصرون والمتخاذلون؟ متى يحدث ذلك؟ قيل "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" وقيل "إن أعظم المصلحين هم الذين بدأوا بإصلاح أنفسهم".
ثالثا: الصعوبات الكبيرة يجب أن لاتزرع اليأس في نفوسنا فاليأس أو ما يسمى
بالهزيمة النفسية أشد على الأمم من الهزائم العسكرية مهما بلغت مرارتها، إن المسلم عندما يرتبط بالله سبحانه وتعالى لا يدخل اليأس قلبه، فنصر الله يأتي عندما نعمل له ونستحقه ولا يخلف الله وعده فنحن مسؤولون عن العمل وليس عن النتائج ونحن ننال الأجر حتى لو لم يؤت عملنا ثمرات في الواقع، وإذا لم تثمر أعمالنا فلا نعتبرها أنها بدون فائدة فقد قمنا بواجبنا أمام الله وما يحدث بعد ذلك فهي مشيئة الله وعدله، وإذا شبهنا الوضع الحالي للأمة بالرجل المريض فواجبنا أن نعالجه عن علم ومعرفة والشفاء هو النتيجة التي نسعى لها فإن وصلنا فبحمد الله وفضله وإن فشلنا فعلينا أن نستمر بالعلاج فهذا هو واجبنا، إن الارتباط بالله يبعث الأمل والثقة في النفوس ويدفعنا للعلم والعمل فالهزائم وان حركت بنا أحزانا بشرية فهي لا تفقدنا إيماننا وثقتنا بالله فالمسلم كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أمره كله خير إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
رابعا: يجب أن نفرق بين ما نرضى به وما نستطيع الحصول عليه، فنحن نخطئ عندما ننفصل عن الواقع ولا نتفاعل معه عندما نجد أن ما نستطيع الحصول عليه بعيد عن أهدافنا الكبيرة فالمسافة بين الآمال والواقع لا يتم قطعها بخطوة واحدة، المطلوب هو مقارنة واقعنا اليوم بواقع الأمس وليس مقارنته بالآمال فإذا كنا اليوم أكثر عدلا وأقل ظلما من أمس فهذا هو التقدم فالواقع له أحكامه وليس من الحكمة أن يكون هناك خياران لا ثالث لهما في كثير من القضايا كأن نقول أما شورى كاملة أولا شورى بل هناك خيارات كثيرة بين هذين الخيارين والقبول ببعض هذه الخيارات ليس بالضرورة تراجعا عن الإصلاح أو قبولا للتعايش مع الاستبداد، هذه النظرة النسبية للأمور والدعوة للحلول الوسط في التعامل مع الواقع لاتطبق بشكل عام في العقائد والمبادئ باختصار ابتعدوا عن المثالية فلا الواقع مثالي ولا البشر مثاليون. وتذكروا قولا
ينسب لعمرو بن العاص قال فيه "ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر بل العاقل الذي يعرف خير الشرين".
خامسا: إن أي فكرة إصلاحية لا يمكن أن تنجح لمجرد كونها منطقية وصحيحة وذلك لأن الفكرة الصائبة لاتثمر في الواقع أن لم تكن مقبولة من الناس وخاصة القوى الرئيسية في الأمة وأهم ثلاث قوى موجودة بالأمة هي قوة الحكومات وقوة الاتجاه الإسلامي وقوة الاتجاه القومي وكلما نال المشروع الإصلاحي نصيبا أكبر من التأييد من هذه القوى كان حظه من التطبيق أكبر فالإصلاح لايحدث في فراغ وهذا القوى موجودة ولا يمكن تجاهل وجودها وكثيرا ما تفشل المشاريع الإصلاحية إذا عارضتها احدى هذه القوى وهذا واقع شاهدناه مرارا فتجاهل الآخرين لا يلغيهم من خريطة الواقع، فالواقع يتفاعل مع ما يريده الناس وليس مع ما نريده ومن الضروري جدا أن تدرك كل قوة رئيسية في الأمة أنها جزء صغير من عالم كبير، إن مشروعا متواضع الأهداف ولكنه مقبول من أطراف كثيرة سيكون تأثيره أفضل من تأثير مشروع ممتاز لا يتعدى تأثيره شغل حيز على رف.
سادسا: عملية إصلاح الواقع مرتبطة أساسا بإصلاح العقول إذا جاز هذا التعبير وإصلاح العقول عملية بطيئة وتدريجية فاعتقاد فرد أو حزب أو حكومة بصواب سياسة أو فكرة أو عقيدة عملية لم تتم في الغالب إلا بعد قراءات كثيرة وتأمل في الحياة وأحداثها وبالتالي فليس متوقعا أن يحدث تغيير مفاجئ في العقول البشرية إلا فيما ندر وبما أن الاختلاف العقائدي والسياسي أهم صعوبة تقف في وجه الإصلاح. ولأن هذا الاختلاف مرتبط بعقول شحنت بمعلومات بعضها غير صحيح، وذلك عن طريق الصحف والإشاعات والكتب والمنشورات العلنية والسرية فمن الطبيعي أن نجد هناك اختلافا حادا بين المخلصين مع أن الحق واحد في البديهيات والأسس وهو أيضا واحد حتى في الأمور الاجتهادية لكل هذا من الضروري أن يترفق بعضنا ببعض فالقناعات التي وصلنا لها قد تمت
عبر عشرين وثلاثين وأربعين عاما فمن الصعب أن يتم تغييرها في سنة أو سنتين،فمن تعامل ولسنوات طويلة مع بعض المتطرفين والأغبياء المحسوبين على الإسلام والاتجاه الإسلامي من الصعب عليه أن يقتنع أن في الاتجاه الإسلامي أفرادا آخرين عقلاء يتبنون إسلام الشورى والعدل والحرية ويختلفون مع المتطرفين منهجا وسلوكا وقلبا وقالبا.
سابعا: يتصور البعض أن المفتاح السحري لكي إصلاح هو القرار الحكومي ونقول هذا التصور غير صحيح فالمفتاح السحري هو القرار الشعبي فإذا توفرت لدى الشعوب الرغبة الصادقة في الإصلاح والعلم والعمل فقد تحققت الآمال فلدى الشعوب طاقات هائلة ليست بحاجة إلى قرار حكومي حتى تعمل فبإمكان الأم الصالحة أن تغرس في أبنائها من الفضائل مالا تستطيعه المدرسة أو وسائل الاعلام وبإمكان الأغنياء بناء المدارس والمستشفيات والمصانع دون الحاجة إلى قرار سياسي ولايوجد ما يمنع جمعية تعاونية استهلاكية من بيع بضاعة عربية ثبتت جودتها ولايوجد ما يمنع المدرسين من اعطاء دروس إضافية مجانية تساهم في رفع مستوى الطلبة وعموما فكثير من الانجازات الكبيرة في العالم كان خلفها أفراد ومجموعات شعبية اقتنعوا بها وعملوا وصبروا فأنتجوا شركات ضخمة وجامعات عريقة واختراعات عظيمة وهيئات خيرية كبيرة. ونحن بحاجة ماسة اليوم إلى أن نقتنع بأن المفتاح السحري للتقدم هو القرار الشعبي وأن نقتنع بأن السماء لن تمطر ذهبا وفضة وقمحا وعدلا ومنازل وجامعات فقد طال انتظار المنتظرين، فلابد من العمل وإذا نامت الشعوب فلن تحقق الحكومات إلا القليل فإصلاح الشعوب هو العمود الفقري للإصلاح وأغلب معوقات الإصلاح هي معوقات شعبية فلا ننسى ذلك.
ثامنا: قال أحمد شوقي رحمه الله
رب إن شئت فالفضاء مضيق
وإن شئت فالمضيق فضاء
ومن الضروري أن نعرف أن هدف الإصلاح هو أن يطبق ابن آدم أوامر
الله وأن يقوم الإنسان بالدور الذي صنع من أجله وما الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا أجزاء من هذا الهدف الكبير، إذا أدركنا هذا وأدركنا أن قوة الله هي القوة العظمى في الكون، وأنه سبحانه وتعالى وحده القادرة على أن ينصرنا ويعزنا، وهو وحده القادر على أن يجعل أعمالنا الإصلاحية هباء منثورا وجب علينا أن نخلص النية ونصدق مع الله في القول والعمل ولا صدق بدون إيمان صحيح وصلاة وزكاة وصوم.
قال الله تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا".(23)
(سورة الفرقان).
كيف نبني الجسور بين الاتجاهين
القومي والإسلامي؟
دعونا لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي في مقالات متفرقة وأوضحنا أن الوحدة بين هذين الاتجاهين تتطلب أولا وقبل كل شيء التزام الاتجاهين بالإسلام الصحيح وذلك لأن الوحدة الحقيقية تحتاج إلى مبدأ وايدلوجية وفكر ونظام وكل ذلك يحدد الموقف من صفات الله تعالى ومكانة الشورى ومعاني العدل وأهداف التنمية وأحكام الحياة الاجتماعية وصفات الأعداء والأصدقاء والموقف من العقائد والنظريات المختلفة ولا يمكن ان تتحد أمة اتحادا حقيقيا وليس فقط اتحادا سياسيا دون أن تتبنى فلسفة ونظاما للحياة وعندما نقول ان العمود الفقري لوحدة الأمة يتمثل في تمسك الأغلبية بالمنهج الإسلامي كعقائد وعبادات ونظم سياسية واجتماعية واقتصادية فذلك لأننا نعتقد أن هذا التمسك يقضي على الاختلافات الهائلة والتي هي أكبر العقبات التي تواجه الوحدة والتي جعلتنا نصل إلى وضع اتفق العرب على ألا يتفقوا. فالالتزام بالإسلام يعمل على ازالة الاختلافات الجذرية ويؤدي إلى ترشيد الاختلافات الاجتهادية ويحمينا من اخطارها والتمسك بالإسلام يمنع الاضطهاد السياسي وينشر الحب ويعمل على ترشيد المصالح المتعارضة للطبقات والشعوب والأفراد ولاشك أبداً في أننا سنبقى متفرقين إلى الأبد إذا لم نلتزم بالإسلام لأن هذا الانحراف يعني اننا قبلنا أن يكون الإنسان رأسماليا أو شيوعيا أو ليبراليا أو علمانيا أو يساريا أو يمينيا أو غير ذلك أي أصبح لأصحاب كل تكتل عقائد ونظم تختلف عن عقائد ونظم بقية التكتلات في الأمة. ولن تتحقق في ظل هذا التفرق وحدة حتى لو كنا مشتركين في اللغة
والأرض والجنس والتاريخ وحتى لو أعطينا ملايين المحاضرات عن ضرورة الاتحاد وصرخنا بأعلى صوتنا بأن الأمة في خطر فالدعوات العاطفية والنوايا الحسنة لاتوحد أمة الاختلافات بين أبنائها هي اختلافات جذرية وليست اجتهادية، ولكن عندما نلتزم بالإسلام الصحيح تكون أفكارنا وتصوراتنا متطابقة في الأساسيات ومتقاربة في الفرعيات فالعقائد متطابقة والخطوط السياسية متوازية والأهداف الاجتماعية متكاملة وهكذا تتحد العقول وتتحد القلوب ونصبح مسلمين حقا وليس مسلمين بالوراثة وهكذا تصبح الأمة مهيأة للسير في طريق التعاون والوحدة. فوجود المبدأ أمر لابد منه لبناء الأمة، فالإسلام ليس دينا بالمفهوم الغربي بل هو نظام متكامل عقائدي وسياسي واجتماعي واقتصادي، وإذا لم نختار الإسلام كمبدأ ونظام فعلى ماذا يمكن أن تتجمع الأمة؟ هل نريد أن نكون رأسماليين أو شيوعيون؟ أو نريد أن نبقى كما نحن الآن؟ خليط أو بالأحرى عشرات الخلطات من المبادئ المتنوعة التي أخذت من الرأسمالية بعض أفكارها ومن الشيوعية بعض أفكارها ومن الإسلام بعض أفكاره، وهذه المبادئ المتنوعة لا تبني الأمة لأن كل خلطة غير متناسقة أو متكاملة ولا يمكن أن تكون متناسقة. وقد يظن البعض أن الأمة متمسكة بالإسلام ولكننا نقول أننا لا نكاد نعرف من الإسلام غير الصلاة والصوم وبعض الجزئيات الأخرى في حين أننا نجهل الكثير من القضايا العقائدية والسياسية والاقتصادية التي دعى إليها الإسلام فالدعوة للإسلام الصحيح دعوة بدايتها العودة لدراسة الإسلام من جديد ومن النقاط التي نرى أنه لابد من توضيحها ما يلي:-
(1) إن الدعوة لتوحيد الاتجاهين الإسلامي والقومي في ظل نظام إسلامي ليست انحياز لأطروحات الاتجاه الإسلامي وليست دعوة للاتجاه القومي لإلغاء جميع أفكاره وأهدافه والاستسلام للاتجاه الإسلامي بل هي دعوة لأن تختار الأمة النظام الصحيح والمبدأ الذي أثبت العقل السليم صوابه إذ لابد من مبدأ يجتمع عليه الناس فالروس قد اختاروا المبدأ الشيوعي والأمريكان اختاروا
المبدأ الرأسمالي ولابد أن يختار العرب مبدأ. ولا يوجد مبدأ صحيح
غير الإسلام وإذا رفضنا اختيار الإسلام وعملنا على حصره في المساجد
فعلينا أن نعلم أن هناك طريقين لا ثالث لهما إما الإسلام وإما الكفر فإذا لم نختر الإسلام فقد اخترنا الكفر وهذا الرأي ليس شطحات رجل متطرف بل هذا من البديهيات التي يجب أن يعرفها كل مسلم واسألوا العلماء ان كنتم لاتعلمون قال تعالى "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فأعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وأن كثيرا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" (50) "سورة المائدة".
والظن أن الانصاف يتطلب أخذاً أجزاء من أطروحات الاتجاه القومي واجزاء من أطروحات الاتجاه الإسلامي ووضع حلول وسط لعل الطرفين يتفقان عليها ظن خاطيء فهذا ليس إنصافا لأن ذلك ممكن أن يطبق في ا لقضايا الاجتهادية ولكنه لا يمكن أن يحدث في القضايا الأساسية حيث أن هذه القضايا لا تقبل الحلول الوسط فالاتجاه الإسلامي يتكون من اتجاهات متناقضة مثل أهل السنة والجماعة والمتصوفة والخوارج والمعتزلة وغيرهم ولا يمكن التوفيق بين هؤلاء عن طريق الحلول الوسط حتى لو ركزنا جهودنا لقرون طويلة فالاختلاف بين هذه الاتجاهات هو اختلاف جذري وأساسي فكيف إذا أضفنا إلى ذلك المدارس المختلفة للاتجاه القومي والتي ينتمي بعضها لأهل السنة والجماعة وبعضها تتبنى مبادئ علمانية أو شيوعية أو اشتراكية أو غيرها اننا بالتأكيد لن نتوصل إلى حلول وسط، إذ لايمكن جمع الاتجاهات المتصادمة في اتجاه فكري أو سياسي موحد فالعملية ليست خلطة ألوان بل خلطة مبادئ متعارضة. إن ماقلناه باختصار ولكلا الاتجاهين هو اتركوا مبادئكم وأفكارهم وأطروحاتكم وابحثوا عن الإسلام الصحيح وطبقوه وستجدون أنكم التقيتم مع بعضكم البعض وتوحدت أفكاركم وقلوبكم واحتفظتم بالصحيح من أفكاركم السابقة وتركتم الخاطئ منها وإذا حدث ذلك فمن السهل بناء جسور التعاون والوحدة
بين شعوب وحكومات الأمة وأود أن أنبه هنا أن دعوة التمسك بالإسلام
الصحيح موجهة أيضا للاتجاه الإسلامي فليس كل التكتلات الإسلامية
ملتزمة بالإسلام الصحيح فهناك متطرفون ودراويش وإسلام أمريكي وإسلام خيالي وإسلام دكتاتوري وإسلام حزبي وإسلام مذهبي وإسلام متشدد وإسلام متساهل وغيرها.
(2) منذ خلق الله الحياة على هذا الكوكب والاختلافات العقائدية والسياسية والاجتهادية تسبب التفرق للأمم والأفراد والجماعات، وحار في قضايا العدل والإنسان والحياة والحق والباطل والعلم والجهل الكثير من بني آدم، والخروج من هذه الحيرة والضياع لايبدأ بطرح أسئلة مثل كيف نوحد الأمة؟ وكيف نبني نظاما اقتصاديا متطورا؟ أو ما هي الأحكام الاجتماعية التي تناسب البشر؟ ولماذا توجد مستويات مختلفة في الفقر والغنى؟ بل الإنسان العاقل هو الذي يبدأ بطرح أسئلة مثل هل يوجد اله لهذا الكون؟ وإذا اقتنع بوجود إله فإنه يتساءل لماذا خلقه هذا الإله؟ أي ما هي مهمتي في الحياة؟ ولن يجيب على هذا السؤال إلا بدراسة الأديان، وإذا درس الأديان فسيعلم أن الإسلام هو الدين الصحيح،وإذا عرف الإسلام فسيعرف كيف يكون مواطنا صالحا وكيفي يبني أمة قوية وكيف يبني أسرته وسيجد الأنوار تضيء له جوانب علاقته مع هذا الكون بأفراده وحكوماته وقوانينه وكائناته وقضاياه ان هذا التسلسل في طرح الأسئلة يؤدي إلى ان المفاهيم التي نصل لها في النهاية هي مفاهيم صحيحة، أما من يبدأ في البحث عن حلول لقضايا الواقع (كمشكلة الشرق الأوسط أو قضايا الوحدة والحرية) دون أن يبدأ البداية السليمة والشاملة التي تبدأ بالكليات ثم تنتقل إلى الجزئيات ان من يغفل عن ذلك فلن يصل إلى الحلول السليمة مهما كانت درجة ذكائه وإخلاصه.
(3) من الطبيعي أن يختلف معنا في فهم عملية بناء الجسور كل من كان غير مقتنع بأن كلا من الاتجاهين الإسلامي والقومي فيهما متطرفون وعقلاء وأذكياء وأغبياء ومنتمون لعقائد الأمة وهويتها ومتنكرون لذلك وأصحاب مبادئ وأصحاب مصالح ودعوتنا هي فقط للعقلاء وللمنتمين الأمة والحريصين
على هويتها ولغتها ووحد تها وهؤلاء موجودون في كلا الاتجاهين وإذا
اتفق العقلاء على الإسلام وفهموه والتزموا به فإن ما يبقى بعد ذلك من
اختلاف هو اختلاف اجتهادي فالالتزام بالإسلام يجعل ولاءنا للعروبة انتماء وليس عنصرية وتمسكنا بالإسلام عدل ورحمة وليس جمود وتشدد هذا هو ما نريد أننا نؤمن بالفعل ان هنالك اتجاها واحدا عقلانياً ولنسميه الاتجاه القومي الإسلامي وجزء من هذا الاتجاه موجود في الاتجاه القومي وجزء منه في الاتجاه الإسلامي وأجزاء كثيرة منه موجودة في بقية أفراد وحكومات الأمة ولا نريد أن ندخل في مزيد من التفاصيل فما قلناه واضح ونرجو ان لايظن أحد أننا نجهل أو نتجاهل كتابات مفكري الاتجاهين القومي الإسلامي أو أحداث تاريخنا أو حقائق واقعنا ولكننا أردنا اختصار النقاش فالطريق طويل وشاق.
(4) أوضحنا اعلاه أن دعوتنا للالتزام بالإسلام نابعة من اقتناع كامل بأنه النظام الصحيح فالأمة التي تبني نفسها على عقائد ونظم وأهداف صحيحة هي أمة عرفت الحق من الباطل والصواب من الخطأ وبالتالي فسيأتي البناء شامخا قويا ومن باب المنطق والواقعية نقول أنه حتى لو لم يكن الإسلام نظاما صحيحا فإن علينا أن نعمل به لأن الواقع يفرضه فشعوبنا مقتنعة به والاتجاه الإسلامي وهو إحدى القوتين الشعبيتين الكبيرتين في الأمة (القوة الأخرى هو الاتجاه القومي) لا يمكن أن يقبل تنازل عن الإسلام فإذا تم رفض الإسلام أو أجزاء منه فلن يتم التفاهم مع الاتجاه الإسلامي إلى يوم القيامة ولكن يمكن إقناع العقلاء بالاتجاه الإسلامي بالتنازل عن بعض اجتهاداتهم. فالإسلام في جوانب كثيرة منه يتسم بالمرونة ويسمح بوجود آراء متنوعة فمساحة الشورى يمكن زيادتها لدرجة كبيرة جدا والعدالة الاجتماعية يمكن تحقيقها بأساليب مختلفة وكيفية تطبيق الحدود موضوع به اجتهادات وهلم جرا وفي الختام اختصر في كلمات قليلة حكم عظيمة وحقائق كثيرة وأقول ان الإسلام الصحيح هو الطريق إلى الوحدة.
المحتويات
الموضوع الصفحة
مقدمة 5
الفصل الأول 9
- النظرية قبل التطبيق 11
- الوحدة الفكرية أولا 13
- أي إسلام نريد؟ 21
- العلاقة بين الإسلام والواقع 25
- الإسلام والوحدة أو العلمانية والتفرق 29
- ماذا يريد المسلمون؟ 37
- الديمقراطية هي الشورى 42
- المعاصي حصادها السراب والندم 49
الفصل الثاني 53
-الأهداف الضبابية 55
- المطلوب بناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي 59
- الجبهة التكنولوجية 65
- حكاية الرجل الفرنسي 68
- الصحوة الإسلامية في بدايتها 71
- من أساسيات الوحدة 85
- الطريق إلى الوحدة الشعبية 80
- مفاهيم أساسية للعملية الإصلاحية 84
- كيف نبني الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي؟ 90
كُتب للمؤلف
• الطريق إلى الوحدة الشعبية .
"دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي" .
• الطريق إلى السعادة .
• إصلاح الشعوب أولاً .
• لا للتعصب العرقي .
• عجز العقل العلماني .
• الكويت الجديدة .
• العلمانية في ميزان العقل .
• العلمانية تحارب الإسلام .
• تطوير البحث العلمي الخليجي .
• الليبرالية الضائعة .
• العلم يرفض الليبرالية .
• العلمانية منبع الضياع