صِدام أم حوار بين العرب والغرب: الواقع وتفسيره

بقلـم جيسون إرب ونهى بكر

 

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أظهر الأميركيون اهتماماً متجدداً بكتاب صموئيل هانتنغنتون "صدام الحضارات"، الذي يجادل فيه بأن أسس خوض حروب المستقبل ستكون بعيدة عن الأيديولوجيا والمصالح، بل قائمة على التباين الثقافي و"الحضاري" والنسب.

والتأمل في ما تطرحه المجموعات المسلحة المتطرفة، مثل القاعدة، يجعلنا نتساءل ما إذا كان هانتنغتون ومؤيدو نظريته على حق. فهناك أمثلة عديدة لدعاة إسلاميين ينادون بعدم إمكانية وجود حلول وسط بين "أمة الإسلام" و"عالم الذين لا يؤمنون". ودون شك فإن المتطرفين من المسلمين يسخدمون آيات قرآنية وأحاديث نبوية لتبرير أعمال وحشية ضد غير المسلمين.

وهناك أيضاً دعاة كراهية أقل شهرة: فالولايات المتحدة مثلاً لديها حصة من "رجال الدين" الذين يدّعون أن المسلمين أشرار، وأنه لا مكان للأخلاقيات في حرب ضد عدو شرير. فواعظو الكراهية من المسيحيين يدعون أنهم في خضم حرب دينية وجودية بين الخير والشر، وعليه فإن العنف ضد غير المسيحيين ضرورة تفرضها الكتب السماوية.

صحيح أنه عبر القرون، خاض المسيحيون والمسلمون حروباً ضد بعضهم البعض على جبهات عدة، إلا أنهم كذلك تعاونوا وتعايشوا في حالات أخرى كثيرة. فنحن لا نشهد صداماً للحضارات تقرر فيه الهويات الدينية والعرقية نقاط التصدع، بل نشهد صداماً بين أقليات من الأصوليين، يستغل أتباعهم القلق والإحباط الناتجين عن نزاعات سياسية حقيقية، وذلك للترويج للأجندات الأيديولوجية الخاصة بهم.

فالتعايش والتعاون بين الحضارات ليس ممكناً فقط، بل هو، إلى حد كبير، القاعدة عبر التاريخ. فقد شهد التاريخ ازدهار عدد كبير من المجتمعات المسيحية واليهودية، حيث لعبت أدواراً حيوية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في أماكن مثل بغداد ودمشق واسطنبول. وتعايش المسلمون والمسيحيون واليهود لقرون طويلة في البوسنة وأسبانيا. وعاش المسلمون والمسيحيون والبوذيون والأرواحيون (animists) معاً بسلام في جنوب شرق آسيا، كما يفعلون اليوم، بشكل عام، في كافة أرجاء العالم. ومن المعتاد أن تتأثر فنون ومأكولات ولغة وموسيقى ومؤسسات "حضارة" ما، وبشكل مباشر، بحضارة أخرى. ويُظهر مستوى التجارة الدولية المعاصرة، رغم النزاعات والخلافات، أن مختلف الشعوب ما زالت تنشىء علاقات تعاونية سلمية ومصالح متبادلة.

لقد تعدّت الجهود الموجهة لتعزيز النتائج الإيجابية للحوار بين الحضارات، منذ فترة طويلة، احتياجات البقاء الأساسية والاهتمامات المادية. فقبل 11 أيلول، أعلنت الأمم المتحدة عام 2001 عام الحوار بين الحضارات. وفي أيار (مايو) 2002، تجمع أكثر من 1350 ممثلاً عن ألفي منظمة مجتمع مدني من أكثر من مئة دولة لخلق رؤية مشتركة للتعايش.

ورغم الصخب المتبجح لدعاة الكراهية، والذي كثيراً ما تغطيه وسائط الإعلام، فإن المنظمات المعنية بالحوار بين الأديان والمبادرات في هذا الاتجاه ما فتئت تجمع معاً أناساً مختلفين للتباحث في الأساليب التي تساعد على تخفيف معاناة الأقل حظاً وبناء مجتمعات سلمية وحل النزاعات. وكمثال على ذلك، فإن "مؤتمر الأديان العالمي من أجل السلام" ينعقد بشكل دوري لحشد الموارد واستخدامها وتطوير قدرات القادة الدينيين للتعامل مع هذه الاهتمامات الإنسانية المشتركة.

وبعد هجوم 11 أيلول الإرهابي، أنشأ مسيحيون أميركيون حلقات حماية حول المساجد في أميركا، وقامت بعض النساء الأميركيات بتغطية رؤوسهن تضامناً مع الأميركيات المسلمات المحافظات. ودان المسلمون هؤلاء المتطرفين في العراق الذين هاجموا قبل أشهر الكنائس العراقية المسيحية، وتعهدوا حماية هذا الجزء الحيوي والفريد لمجتمعهم. وما زال الناشطون اليهود والفلسطينيون يعملون معاً لحماية حقوق الإنسان لكافة سكان الأراضي المقدسة.

ومعظم الأميركيين مطلعون على المشاركة المسيحية واليهودية في حركات اللاعنف في أميركا. إلا أن العديدين قد يصابون بالدهشة لو عرفوا أن المسلمين مشاركون نشطون وأساسيون في حركات المقاومة المدنية اللاعنفية التعددية مع البوذيين في تايلندا، والهندوس في الهند، والسود في جنوب إفريقيا وغيرها من الديانات في إندونيسيا ومناطق إفريقيا جنوب الصحراء.

لا شك في أن هناك فجوة نامية في العالم، لكنها ليست نزاعاً خالداًً أو عسيراً أو مبنياً على إلهام رباني. إنه صراع يديره مصابون بكره الأجانب، ويرتكز على قلق نفسي وخوف وجودي يولّده عالم سريع التغير. أما مؤيدو نظريات الصدام، فيبررون انعزاليتهم بأن يضعوا "الآخر" في بؤرة كل ما هو خاطئ وسيء في العالم. لذا ورغم الفروقات في القيم ووجهات النظر والآراء حول العديد من القضايا، فإن ذلك لم يقلل أبداً من الرغبات والاحتياجات والقيم التي تعبّر عن إنســـــانية مشتركة، ولا تعــــــني أن الخلافات السياسية القائمة تفوق قدرة الإنسان على حلها.

إن الحوار والتواصل من أجل تعزيز التفاهم هما من الخطوات الأولى نحو السلام، وجهود الحوار هذه جسور حيوية بين الحضارات. فعندما يتأجج النزاع يصبح من السهولة بمكان تجاهل الواجب المسيحي بإدارة "الخدّ الآخر"، أو الواجب الإسلامي "بدحض الشر بالخير"، أو الواجب اليهودي "حب جارك كما تحب نفسك". إلا أن معظم الناس يستمرون في العيش ضمن هذه القوانين ويرون قـيمة مهمة في الاستمرار بحوار الحضارات.

والحوار والتعاون يحصلان رغم الفروقات بين الشعوب والصراع الذي يحدثه كره الأجانب أو التطرف. وفي هذه الأوقات التي يزداد فيها انعدام الأمن، يتوجب علينا أن نضاعف جهودنا للإصغاء لما يقوله ويريده الطرف الآخر بالفعل. وعلينا الاستمرار في بناء النسيج المجتمعي العالمي على أرضنا من أجل تعزيز الإمكانية لعلاقات قائمة على الثقة وحوار قائم على الاحترام. فنحن بحاجة لأن نشجع المزيد من الناس على بذل الجهد لتمييز "الآخر" عن "الآخر"، ولنتعلم عن الفروقات والخلافات وأوجه التشابه بيننا بشكل مباشر.

وعبر المزيد من الحوار والتفاهم سوف نقوي ونطور روابط تسمح بتواصل مفتوح. فهذا الحوار والتواصل باستطاعته الحد من سيطرة مخاوفنا علينا، كما أنه يحد من ترجمة فهمنا لهذه الفروقات إلى عنف أو نزاع. هذا هو نبع السلام ومربط الأمن الحقيقي.

- جيسون إرب ونهى بكر ممثلا خدمات الكويكرز لمنطقة الشرق الأوسط ومقرهما العاصمة الأردنية عمان. والكويكرز منظمة دولية للتنمية وبناء السلام تسعى لتعزيز التعايش والتنمية المستدامة واللاعنف.

- النص الأصلي باللغة الإنجليزية وقد قامت خدمة Common Ground الإخبارية بترجمته إلى العربية.

- صحيفة الحياة وخدمة Common Ground الإخبارية، 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2004

http://www.commongroundnews.org/article.php?id=309&lan=ar&sp=0

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك