حوار بين الأديان لا بين الطرشان
حينما تتعدد مؤتمرات الحوار في المجالات السياسية والاقتصادية بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، ومع ذلك يبقى الشمال شمالا والجنوب جنوبا، ويظل الشرق هو الشرق والغرب هو الغرب!.. وحينما تتعدد مؤتمرات الحوار بين الحضارات أو بين الثقافات، وخصوصا بين الأديان، ويتكلم فيها وحولها الجميع بينما لا يستمع أحد للآخر، فقد يتساءل البعض..
هل من جدوى للحوار أصلا؟ وهل يتحول إلى حوار بين الطرشان؟!فعلى مدى ست سنوات يعقد في الدوحة مؤتمر سنوي للحوار بين الأديان السماوية الثلاثة، وفي كل عام وبقدر ما يضيف قطعا من مساحات جديدة للفهم المشترك حول القضايا الإنسانية وفقا للقيم الدينية المشتركة، بقدر ما يثير من خلافات وملاحظات، أهمها أن الحوار لا بد أن يسبقه اعتراف متبادل بين المؤمنين بالأديان بعضهم ببعض، وفي حين أن الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية كدين، فإن أتباع الديانتين لا يعترفون بالإسلام كدين.. ومع ذلك يستمر الحوار السنوي!
وفي الشهر الماضي انعقد في مكة المكرمة المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الإسلامي، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وشارك فيه نحو 500 من الشخصيات والعلماء من المذاهب المختلفة في العالم الإسلامي، بهدف أخذ موقف موحد وتحديد الأسلوب والطرق التي سيكون عليها الحوار بين المسلمين وغير المسلمين في مؤتمرات قادمة للحوار بين الأديان، وقرر المؤتمرون عقد مؤتمر في الغرب للحوار مع ممثلي الأديان.
وقال أمين عام رابطة العالم الإسلامي: «إن الحوار الإسلامي ـ الإسلامي سيضع استراتيجية واضحة للحوار مع الغرب والشرق، ولن يكون الحوار لبحث الخلافات بين الأديان، بل الحوار في القيم الإنسانية المشتركة، ونحن في أمس الحاجة إليها كقضايا الأسرة والظلم والعدل والإرهاب والفقر والبيئة».
وفي هذا الشهر، انعقد المؤتمر للحوار بين الإسلام والأديان كما تقرر في العاصمة الإسبانية مدريد، برعاية العاهل السعودي والعاهل الإسباني، بما لذلك من معنى تاريخي وحضاري وديني حيث كانت الأندلس في ظل المسلمين عنوانا للحضارة الإسلامية التي أشعت على أوروبا بالنور، وتعايش فيها أتباع كل الأديان في تسامح وتعاون بين الإنسان والإنسان، وحيث تصل إليهم من جديد دعوة الإسلام لإجراء حوار بين الأديان السماوية، للوصول إلى القواسم المشتركة..
وفي كلمته للمتحاورين قال خادم الحرمين الشريفين «إن الإنسان قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب بكل ما فيه، وهو قادر أيضاً على جعله واحة سلام واطمئنان، يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات، ويتعاون الناس فيه مع بعضهم بعضاً باحترام، ويواجهون المشاكل بالحوار لا بالعنف. إن هذا الإنسان قادر بعون الله على أن يهزم الكراهية بالمحبة، والتعصب بالتسامح، وأن يجعل جميع البشر يتمتعون بالكرامة التي هي تكريم من الرب ـ جل شأنه ـ لبني آدم أجمعين.
واختتم المؤتمر بتوصيات جيدة كثيرة تدعو إلى العدل بديلا عن الظلم، والسلام بديلا عن الحرب، والأخوة الإنسانية بديلا عن الكراهية العنصرية، والإيمان في مواجهة الإلحاد، واستمرار الحوار بديلا عن سوء الفهم.
ويبقى الحكم على جدوى نتائجه مترتبا على صدق نوايا المتحاورين فيه من جهة، ومن جهة أخرى مرهونا بسماع المثقفين والسياسيين والاقتصاديين في العالم لنداء علماء الدين، وبعرض الصورة الصحيحة في مقابل الصورة المشوهة، وبسماع الرأي والرأي الآخر.
المصدر: http://www.albayan.ae/opinions/1215005589027-2008-07-20-1.658576