إعلاء منطق الحوار
كاظم ناصر السعدي
ثمة أشياء كثيرة نتعلمها من قراءة التراث الفلسفي لعل أهمها الحوار و التفاهم و الانفتاح على الآخر و الاستماع الى رأيه فلا احد يملك الحقيقة كلها و هي ليست ثمرة في شجرة باستطاعتنا قطفها متى نشاء و إنما هي غاية نسعى إليها و نبحث عنها في صيرورة الزمن و حركة الحياة و تطورها ، و في إيقاع العصر و متغيراته و معطياته و توجهاته .. ذلك أن صوت الحوار هو دائما صوت الحكمة و التعقل و هذا ما نحتاجه في هذه المرحلة العصيبة بل و في كل مرحلة من حياتنا ان قراءة التراث الفلسفي تجعلنا نعي أهمية إحلال الكلمة محل القوة و ضرورة اعتماد منطق الحوار و التعايش السلمي بدل منطق العنف و السلاح ، فالفلسفة تذكرنا دائما انه آن لنا ان نراهن مع افلاطون لصالح الكلمة ضد القوة و العنف .
ربما لا يكون في وسع الإنسانية القضاء نهائيا على الاستقطاب القائم بين القوة و الكلمة لكن من المؤكد أن جوهر الفلسفة هو الحكمة و الجدل المنطقي و الدعوة الى النقاش و سماع الرأي الآخر و التفاعل معه بعقل منفتح و روح رياضية بعيدا عن التزمت و التعصب ، و يقينا إذا كان الإنسان واعيا و متحضرا فانه سيتخذ من الحوار و النقاش سبيلا إلى حل الخلافات و تسويتها في إطار التفاهم و التعايش السلمي ، ان اختلاف الآراء و الأفكار و الرؤى ينبغي أن لا يؤدي إلى الخلافات و النزاعات المدمرة ذلك ان الاختلاف أمر طبيعي في حياة البشر لذا يجب أن لا يفسد للود و الاحترام قضية .
اعتقد ان أهم درس نتعلمه من تراث الإنسانية الفلسفي هو هذا الإيمان العميق بأنه حينما يشرع الناس في الحوار و التفاهم فلا بد من ان يجدوا لهم مخرجا من المآزق التي يقودهم إليها العنف و الإرهاب فالناس المتمدنون هم الذين يحتكمون الى منطق الكلمة . فيتناقشون و يتجادلون و يتصارعون بالكلمات و هم الذين يتخذون من الكلمة أداة للإقناع و يصطنعون من منهج الحوار وسيلة للتفاهم الذي يوصلهم إلى شاطئ السلام و الأمان .
ليس من المنطق و المعقول أن يمنح شخص ما نفسه حرية التعبير عن أفكاره و معتقداته و يمنع الآخرين من ممارسة هذه الحرية لقد بين لنا افلاطون في محاوراته الفلسفية كيف تستطيع الكلمة و هي الميزة الكبرى للبشر أن تقود أصحابها الى ( الكلـّي ) الذي يتوحد رأيهم عنده ؟ حقا ان صوت الكلمة ربما يخفت تحت تأثير قعقعة السلاح لكن من المحال أن تكون الكلمة الأخيرة في صراع الإنسانية هي للعنف و القوة و الحرب بل لابد للمتصارعين أنفسهم من ان يفيقوا من غفلتهم لكي يدركوا ان غايتهم القصوى هي العدالة و الحق و السلام أفلا ترون معي أننا بحاجة ماسة إلى قراءة التراث الفلسفي لأنه الإعلان المتجدد عن إمكان انتصار منطق الحوار على منطق العنف و القوة فليس صعبا على البشر ان يعيشوا في عالم خال من الإرهاب و القسوة و الوحشية في ظل الاستقرار السياسي و الحرية و في كنف العدل و القانون و النظام الديمقراطي الذي يكفل للجميع حقوقهم و حرياتهم و يوفر مقومات حياتهم الكريمة .
المصدر:
http://www.alnaspaper.com/inp/view.asp?ID=2620