سُنة وشيعة فوق سطح العالم

ميسلون هادي

على برد الهوا

 

 

لعل أهم ميزة من ميزات التحاور على المواقع الإلكترونية هي أن ساحة الحوار لم تعد حكراً على الكاتب أو المفكر أو الشاعر، وساهم القراء جميعاً في أن تكتمل الصورة وتغتني بتعليقات وآراء الآخرين. تدريب جميل على الديموقراطية سيقودنا في النهاية إلى التخلص من جين الهروب والإنكسار وعقدة النقص العربية التي تتحسس من النقد والسخرية.. وهذا ما نلاحظه من تطور يحدث على أكثر من موقع حيث تجد الآراء المعلقة على النص تتكامل مع المقالة أو الموضوع المنشور وتغنيها. التطور الأهم أن تكون لغة التعليق أنيقة خالية من الشتائم أو السب والتجريح.. فهي تتطور والقارئ يتطور، والتدريب مستمر على شروط النشر التي تتسم بروح التسامح، وتتسع لسماع آراء الجميع.. وشكرا للهواء الذي جعل ذلك ممكناً.
    قبل الربيع العربي كانت وزارات الإعلام نادراً ما تسمع الرأي الآخر أو تعترف به، ولا شغل لها سوى أن تشتم أعداءها وأعداء الأمة العربية ليل نهار.. وكان هذا الإعلام لا يؤمن إلا بنظرية واحدة هي نظرية المؤامرة، و(نحن الأخيار وهم الأشرار).. ويبدو أن الأشرار، وعلى رأسهم أمريكا (بالطبع)، كانوا يوحّدوننا أمام الآخر ويجعلون لنا هيبة وإن كانت موهومة.. فهل كان ذلك الأمر سيئاً؟.. توخياً للدقة والموضوعية نقول إنه كان سيئاً إلى درجة كبيرة، وهو سوء مزيَّن بالوهم، وملفوف بالتغاضي عن أن الأزمة أبعد من ذلك وأكثر عمقاً بكثير، لهذا فإن ذلك الإعلام هو الذي أدى إلى سقوط الحرية..... لكننا الآن وبعد أن حصل ما حصل  ، لو تصفحنا أكثر المواقع العربية رواجاً وأشهر المواقع الإخبارية اتزاناً، لوجدنا أن أية مقالة تكتب لها علاقة بأحداث الوطن العربي المعاصر سيتوزع المعلقون عليها الى فريقين متناحرين من السنة والشيعة، وبينهما لن تجد إلا من رحم ربي.. وستدور المعارك الكلامية وتبدأ المهاترات بينهما، بصرف النظر عن طبيعة الموضوع أو علاقته بالطائفية. أتذكّر مرةً ،وعلى سبيل المثال،أن موضوعاً على موقع إيلاف كان يتحدث عن الدعوة الى عدم معاداة الأديان.. وكان موضوعاً يتسم بروح المسؤولية والنزاهة العلمية إلى حد كبير، ولكنّ التعليقات تحولت إلى شتائم بين السنة والشيعة ...والمشكلة أحياناً أن لقب الكاتب سيعمل على تكوين وجهة النظر من قبل القارئ.. وموقعه السياسي سيعمل على تصويبها.. أما جنسيته فلها القدح المعلى في  وضع كل شيء في (النصاب الصحيح). وفي مثال آخر على موقع آخر، كان عنوان الموضوع (ابنة الملك السعودي تتبنى خطاباً اصلاحياً)، وراحت التعليقات عليه تنقسم  كالعادة بين السنة والسنة الأكثر تطرفاً، ثم  سرعان ما تحولت الى معارك كلامية بين (الروافض والنواصب) ، ولم يشتم أحد من المعلقين أمريكا.. لا أحد.. لا أحد..
    في الماضي كانت هذه الشتائم تنصب فوق رؤوس الغرب و(شيطانها الأكبر) أمريكا عندما كان الإعلام الأيديولوجي ينادي بسقوطها ليل نهار.. ولكن الأمر تغير كثيراً بعد حرب أمريكا على العراق وحدوث التناحر الطائفي في أكثر من مكان. ولم يتغير إعلامنا الحكومي المسيّس، ولا زال يصور الدنيا ربيع والجو بديع، ويعتبر المتظاهرين من أعداء الديموقراطية بل هم الشيطان الأكبر. وليست هذه هي القضية، فيبدو أن الإعلام الحكومي (ما يصير له جارة) في كل زمان ومكان... ولكن القضية هي أن المتلقين أصبحوا يشتمون بعضهم بعضاً بدلاً من شتم أمريكا (عدوة الأمة العربية).. بل أن بعضهم سيميل إلى (إنصاف) أمريكا والتلطف بها كما أصبح أقل عنفاً تجاه أهدافها وسياساتها في الشرق الأوسط.. وهذا هو بالضبط ما نلاحظه من الثائرين المحتمين من النار بالرمضاء.. فهل أن أمريكا نجحت في مؤامرتها ضدنا أم نحن الذين نجحنا ضد أنفسنا؟

 

المصدر: http://www.alnaspaper.com/inp/view.asp?ID=2249

الأكثر مشاركة في الفيس بوك