البناء المؤسسي في المنظمات الخيرية الواقع وآفاق التطوير
البناء المؤسسي في المنظمات الخيرية الواقع وآفاق التطوير
محمد ناجي بن عطية
abo_gassan@hotmail.com
الحلقة الأولى:
المقدمـة:-
المؤسسة والبناء المؤسسي، الأمل المنشود والحلم المفقود، يتمناه الجميع ويتطلعون له ويحلمون بالوصول إليه.
فكم أنفقت من أموال وكم بذلت من جهود، من أجل إعادة بناء المؤسسات، وكم أجريت من دراسات، وكم عقدت من جلسات وكم أبرمت من صفقات، وكم حررت من وثائق وأدبيات، طمعا في هذا الأمل المقصود.
لقد خلق الله الإنسان وفطره على حب ذاته والتعصب لأفكاره ، فهو طموح يعتد برأيه ويحب من يوافقه ويبادل العداء من يعانده ويضاده، ويميل إلى حب التفرد والسيطرة على الآخرين، مع تفاوت بين الناس في تطبيق هذه المفاهيم.
وتحت ظلال هذه الفطرة وضغط هذه الغريزة، يتمسح الناس بالمؤسسات ويزعمون أنهم من أهلها ومن صناعها، وأكثرهم - إلا من رحم الله - في الحقيقة متصنعون، فتراهم تارة ينادون بالمؤسسية، وتارة يقومون بالتنظير لها، من أجل الإثبات للآخرين بأن لديهم عقولا جماعية، وأفكاراً بعيدة عن الفردية وعن حب التسلط والسيطرة، تفاديا لذم الناس، وحذرا من نفورهم عنهم، بسبب هذا المسلك الذميم.
ولك بالمقابل أن تتأمل في النفس التي تسمو فوق هذه الغريزة، فتمتلك روحا مؤسسية وتفكر بعقلية جماعية، فتراها تقدم رأي الجماعة، وتتنازل عن التعصب لرأيها رغبة في وحدة الصف وقوته، وحذرا من تمزقه وإضعافه، إشباعا لهذه الغريزة.
لك أن تتأمل بهذه الشخصية الفريدة، ولك أن تتعجب من ندرتها وقلة وجودها، إنها تسبح ضد تيار جارف من الغرائز البشرية والطباع الآدمية، مخالفة بذاك طباعهم وأهواءهم.
لهذا السبب تفشل المؤسسات وتخفق المنظمات، ولهذا السبب تجد المؤسسات الناجحة نادرة الوجود، بندرة العقليات القيادية التي تمتلك الرؤية المؤسسية الجماعية.
والعجيب أن الإنسان لا يستغني عن المنظمة أو المؤسسة، منذ ولادته حتى وفاته، لاسيما على رأي من عرف المنظمة أو المؤسسة - باعتبارهما معان مترادفة - بأنها تجمع لشخصين، أو أكثر، جمعتهم أهداف مشتركة، فبناءً على هذا المعنى، دخل البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والمستشفى والمتجر والمؤسسة والجمعية، وكل ما يمس حياة الناس في مفهوم المنظمة أو المؤسسة، والتي لا يصلحها إلا التعاون والتفاهم والعمل بروح الفريق الواحد المتعاون، ولا يخربها ويفسدها ويضعفها إلا حب التسلط والتفرد وتهميش الآخرين، والتمتع بحب الظهور على حساب جهودهم.
فإذا علمت حجم وجود المؤسسات المحيطة بنا، وحجم الجهود المطلوبة لإنجاحها، علمت حينئذ كم أضاعت الأمة من الجهود والأموال والأوقات، حينما لم يستوعب الناس معنى المؤسسة والفكر المؤسسي، وعلمت حينئذ حجم التحديات التي تنتظر الأمة كي تبني مؤسسات ناجحة على أسس سليمة، وكشف لك سر من أسرار تخلف هذه الأمة عن ركب النهضة المعاصرة .
والأعجب من ذلك، أن الله قد جعل المؤسسية والعمل المؤسسي، أمرا ميسوراً ومقدوراً عليه، وجعل تحقيق ذلك ليس من المستحيل أو من ضرب الخيال، بمقتضى مشيئته ونواميسه.
فجعل من أسباب ذلك التعاون والتكاتف والتآلف بين الناس، التي بها يصنع النجاح وتذلل الصعاب وتبارك الجهود، وما ذاك إلا ثمرة لعون الله تعالى للمؤمنين، إذا التزموا أمره، إذ يقول: ( وتعاونوا على البر والتقوى )( )، وقول الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام:( فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)( )، وهي سنة كونية استفاد منها غير المؤمنين حين أخذوا بأسباب القوة، فجعلها الله سبباً لنجاحهم وتفوقهم المادي.
لقد وضع الناس اللوائح والأنظمة؛ في محاولة لتطبيق العمل المؤسسي، لكنها تظل حبيسة لفطرهم تلك، وسيظل نجاحها متوقفاً على مدى رغبتهم في التخفيف من طغيان تلك الغريزة، ومتى لم تشأ فطرهم ذلك، لا تفلح كل هذه الأنظمة في شيء وستبقى حبرا يملأ الأوراق، وشعارات تردد وتبرز، لإثبات المسلك المؤسسي للمتنفذين ، عند الحاجة لذلك، حتى ولو كان الواقع يخالف تلك الشعارات.
وما نجحت الدول الكبيرة والمؤسسات العريقة، إلا لأنه توفر لديها فكر المؤسسة، فكان المهيمن، وتقلص دور الفرد، حتى صار تابعا لفكر المؤسسة وليس مهيمنا عليه، وصار غياب الفرد أو حضوره لا يؤثر كثيراً في النشاط الرئيس للمنظمة.
و مع أن من أجل اهتمامات المؤسسة الاهتمام الكبير بالفرد، لكن ليكون محكوما بالمؤسسة، لا لتكون المؤسسة محكومة بمزاجيته وتصرفاته المستمدة من فطرته في حب التفرد والسيطرة.
والبناء المؤسسي في المنظمات الخيرية، أحد هذه المجالات التي تعاني من نفس المعاناة، مع توفر عوامل إضافية تجعل ظهور الفردية أوضح وأشد.
ومن ذلك اعتماد الداعمين ، على الثقة الكبيرة بشخصيات الأفراد القائمين على هذه المؤسسات أكثر من اعتمادهم على المؤسسات ذاتها؛ نظراً لأمانتهم وإخلاصهم، وقدرتهم على الإقناع بمستوى الكفاءة في تحقيق رغباتهم وطموحاتهم الخيرية، وهي ما يشكل أبرز عوامل الجذب للداعمين والمتبرعين.
ومالم تهذب هذه الشخصيات بحب المؤسسية والعمل الجماعي، وإشراك الآخرين في توجيه تلك الموارد ، فستجد نفسها مدفوعة بتيار الثقة والأمانة التي يوليها إياها الداعمون، نحو التفرد والمزيد من السيطرة وتهميش الآخرين ، وما لم تحسب العواقب ونهاية هذا التيار ، فستؤول المؤسسة إلى الضياع والانهيار بعد تخلف هذه الشخصية عنها ، إلا أن يشاء الله رب العالمين.
لهذه الأسباب جاءت هذه الرسالة من أجل إبراز مفهوم البناء المؤسسي والنظر في واقع منظمات القطاع الخيري، وتلمس الهموم والتحديات التي يعاني منها هذا القطاع، من شخص قضى أكثر من عقد من الزمان في إدارة بعض قطاعات العمل الخيري، وكان هذا الموضوع أملا قديما ظل يراود الباحث للتفتيش عن طبيعة هذه الهموم واقتراح آليات علاجها ومداخل تطوير أداء هذا القطاع وزيادة نشاطه.
طبيعة مشكلة الدراسة:-
إن المتأمل في مجتمعنا اليوم، يرى تواجدا كبيرا وانتشارا واسعا للمنظمات الخيرية، ويرى دورها الملحوظ في التطور الاجتماعي والاقتصادي وفي تدعيم التنمية، حتى أصبحت تشارك في برامج وخطط التنمية، وفي تنفيذ بعض أهداف وبرامج السياسة السكانية، وكذا في مجالات البيئة وإستراتيجية مكافحة الفقر وغيرها.
وقد أصبح من المتاح للمنظمات الخيرية في بلادنا، العمل على كافة المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، والدخول كشريك هام وفعلي في عمليات البناء والتطوير، وأصبحت تعمل في مختلف الأنشطة الحيوية التي تهم أفراد المجتمع.
ورغم ما تقدمه هذه المنظمات وتنوع أنشطتها، إلا أن الدراسة الاستطلاعية التي قام بها الباحث أظهرت أن كثيرا من المنظمات الخيرية تعاني من الكثير من المشكلات التي تتعلق بالبناء المؤسسي وتكويناته المختلفة، بالإضافة إلى تبني البناء المؤسسي التقليدي الذي لا يواكب التطورات والمتغيرات الإقليمية والعالمية المعاصرة، الأمر الذي يؤثر على بقائها واستمرارها ونموها، ويؤدي إلى ضعف الخدمات التي تقدمها للجمهور المستفيد منها.
ومن هنا يمكن صياغة مشكلة الدراسة، في أن المنظمات الخيرية تعاني في الوقت الحالي من الكثير من المشكلات ذات الصلة بالبناء المؤسسي، تزداد يوماً بعد يوم بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، الأمر الذي يستلزم توفير الأنظمة الفاعلة الكفيلة بدعم هذه المنظمات وزيادة نشاطها.
تساؤلات الدراسة:-
وقد صممت هذه الدراسة من أجل الإجابة على التساؤلات التالية:-
1- ما هي حقيقة الوضع المؤسسي للمنظمات الخيرية؟
2- ما هي المشكلات والتحديات المعاصرة ذات العلاقة بالبناء المؤسسي ،التي تواجه المنظمات الخيرية؟
3- ما هي مداخل التطوير والتحديث للبناء المؤسسي في المنظمات الخيرية التي تكفل استمرار نموها وازدهار نشاطها؟
مجتمـع وعينة الدراســة :-
يتكون مجتمع الدراسة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية -الفاعلة - في أمانة العاصمة - صنعاء والتي تم إشهارها وتسجيلها في قوائم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومكتبها في أمانة العاصمة، وعددها (60) جمعية ومؤسسة، وفقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن إدارة البحوث والتدريب والإحصاء بالوزارة
تم تقسيم المجتمع إلى أربع فئات متجانسة، وأخذت عينة مختارة من كل فئة تمثل المجتمع نوعياً، و حددت العينة بطريقة العينة العشوائية الطبقية، باختيار نسبة 50% من كل فئة، فأصبح حجم العينة المختارة (27)، منظمة مابين جمعية ومؤسسة، مع مراعاة ما استبعد منها لعدم توفر معايير اختيار العينة، وعليها أجريت الدراسة الميدانية.
الحلقة الثانية :
البناء المؤسسي في المنظمات الخيرية
بين العمل الفردي والعمل المؤسسي :
إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد بعدا عن الأعمال الجماعية، حيث تجتمع الطاقات وتحتشد الجهود، ويستفيد كل واحد من الآخر، وسبب ذلك عدم ترسخ مفهوم العمل المؤسسي الجماعي، الذي يقوم على الجهد المشترك لإخراج أعمال لا يستطيع الفرد القيام بها، وإن فعل فسيكون إنتاجه ضعيفا ً( ).
ولم يعد اليوم مجالٌ للنزاع، على أن العمل المؤسسي خير وأولى من العمل الفردي الذي لا يزال مرضاً من أمراض التخلف الحضاري في مجتمعات المسلمين، مع أنها قد توجد عناصر منتجة في المستوى الفردي أكثر مما تجدها حتى عند أولئك الذين يجيدون العمل الجماعي، وربما وجدت الكثير من الأعمال التي تصنف بأنها ناجحة، وراؤها أفراد( ).
ونحن بحاجة إلى تحقيق التوازن، بين الروح الفردية، والروح الجماعية، عن طريق التربية المتوازنة التي لا تحيل الناس أصفاراً، وأيضاً لا تنمي فيهم الفردية الجامحة، بل توفر لهم المناخ المناسب لتنمية شخصياتهم، مع اختيار أساليب العمل، التي تحول دون التسلط وتنمية المبادرة الذاتية، وترسيخ مبدأ الشورى.
إن الفرد هو العنصر الأساسي في بناء المجتمع، لكن بشرط قيامه بدوره الأكمل وهو تعاونه مع بقية أفراد المجتمع، والأمة بتعاون أفرادها،هي أمة الريادة ؛ لأن تعاونهم يضيف كل فرد إلى الآخر، إضافة كيفية وكمية، فمن ثم تتوحد الأفكار والممارسات من أجل تحقيق رسالة الأمة( ).
إن العمل المؤسسي يمتاز بمزايا عدة عن العمل الفردي: منها أنه يحقق صفة التعاون والجماعية، التي حث عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية، بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)( )، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"يد الله على الجماعة"( )، وقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً"( )، والعبادات الإسلامية التي تؤكد معنى الجماعية، والتعاون، وكل ذلك يبعث رسالة للأمة مفادها أن الجماعة، والعمل الجماعي، هو الأصل.
أما العمل الفردي فتظهر فيه السمات البشرية لصاحبه، واضحة من الضعف، في جانب، والغلو في جانب والإهمال في جانب آخر. وقد يقبل بقدر من الضعف والقصور في عمل الأفراد، باعتبار أن الكمال عزيز، لكن لا يقبل المستوى نفسه من القصور في العمل الجماعي المؤسسي( ).
مفهوم العمل المؤسسي:-
العمل المؤسسي هو: شكل من أشكال التعبير عن التعاون بين الناس، أو ما يطلق عليه العمل التعاوني، والميل بقبول العمل الجماعي وممارسته، شكلاً ومضموناً، نصاً وروحاً، وأداء العمل بشكل منسق، قائم على أسس ومبادئ وأركان، وقيم تنظيمية محددة( ).
ويمكن تعريفه، بأنه: التجمع المنظم بلوائح يوزع العمل فيه على إدارات متخصصة، ولجان وفرق عمل، بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة، أو الإدارات في دائرة اختصاصها؛ أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى، الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي( ).
ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: كل تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة، وفرق عمل، وإدارات متخصصة؛ علمية ودعوية واجتماعية، بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرارات، في دائرة اختصاصاتها( ).
مميزات وخصائص العمل المؤسسي:-
إن مجرد ممارسة العمل من خلال مجلس إدارة، أو من خلال جمعية أو مؤسسة خيرية، لا ينقل العمل من كونه عملاً فردياً إلى عمل مؤسسي، فكثير من المنظمات والجمعيات الخيرية التي لها لوائح وأنظمة، ومجالس إدارات وجمعيات عمومية، إنما تمارس العمل الفردي، إذ أن المنظمة أو الجمعية لا تعني إلا فلاناً من الناس؛ فهو صاحب القرار،والذي يملك زمام الأمور والتصرف بالموارد ، وهذا ينقض مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي( ).
إن أهمية العمل المؤسسي تكمن في مجموعة من السمات والخصائص، التي تجعله مميزاً، منها ما يلي( ):-
1- تحقيق مبدأ التعاون والجماعية، الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة.
2- تحقيق التكامل في العمل.
3- الاستقرار النسبي للعمل، في الوقت الذي يخضع فيه العمل الفردي للتغيير كثيراً، قوة وضعفاً، أو مضموناً واتجاهاً، بتغيير الأفراد واختلاف قناعاتهم.
4- القرب من الموضوعية أكثر من الذاتية، بوضع معايير محددة، وموضوعية للقرارات.
5- دفع العمل نحو الوسطية والتوازن.
6- توظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية.
7- ضمان استمرارية العمل.
8- عموم نفعه لأفراد المجتمع، لعدم ارتباطه بالأشخاص، بل بالمؤسسات.
9- مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها، وكيفية الاستفادة من منجزات العصر، دون التنازل عن المبادئ، وهذا الغرض لا يقوم به مجرد أفراد لا ينظمهم عمل مؤسسي.
10- ينقل من محدودية الموارد المالية إلى تنوعها واتساعها، فتتعدد قنوات الإيرادات، ويعرف العملاء طريقهم إلى المؤسسة، عن طريق رسميتها ومشروعيتها.
11- الاستفادة من الجهود السابقة، والخبرات المتراكمة، بعد دراستها وتقويمها.
12- يضمن العمل المؤسسي عدم تفرد القائد، أو القيادة في القرارات المصيرية، المتعلقة بالمؤسسة.
13- يحافظ العمل المؤسسي على الاستقرار النسبي، المالي والإداري، من خلال اتباع مجموعة من نظم العمل، (سياسات وقواعد وإجراءات)، تعمل على تحقيق الأهداف، بما يتفق مع رؤية المؤسسة.
14- يضمن العمل المؤسسي، بأن جميع العاملين ملتزمون بمنظومة من القيم والمبادئ يتمحور حولها أداؤهم وسلوكهم وعلاقاتهم الوظيفية والإنسانية.
15- يضمن العمل المؤسسي اجتهاد الإدارة، في اختيار أفضل الأساليب النظرية والإدارية، لتحقيق، أو تقديم أفضل مستويات للخدمة.
16- يضمن العمل المؤسسي، أن يدعم المؤسسة بأفضل الموارد البشرية، من خلال اتباع سياسة منظوره، في الاختيار والتوظيف والتدريب والـتأهيل، تحقيقاً للتنمية المهنية المستمرة.
17- يؤكد العمل المؤسسي، جاهزية المؤسسة، في تقديم القيادات البديلة في وقت الضرورة والطوارئ، حينما تدخل المؤسسة في أزمة تستدعي التغيير والتبديل.
18- التجارب الكثيرة تؤكد أن العمل الذي يبنى بناءً مؤسسياً، ينتج أضعاف العمل الذي يبنى بناءً فردياً.
19- العمل المؤسسي، يوضح الأهداف، وينظم العمل؛ لأنه يجبر على إيجاد التخصصات، وبالتالي يجبر العاملين على الوضوح وتحمل المسؤولية.
20- اكتساب صفة الشرعية للمشاريع، والبرامج التابعة للمؤسسة، مما يفتح أمامها كثيراً من الميادين، ويسهل سياسة الانتشار.
أسباب الإحجام عن العمل المؤسسي رغم وضوح مزاياه : -
ولسائل، أن يقول: رغم وضوح هذه المزايا، ما الذي حدا بالأمة اليوم أن تحجم عنه؟ ويجاب: بأن للأمر خلفيات وأسباباً، منها( ):-
1 - طبيعة المجتمعات الإسلامية المعاصرة عامة، وعدم ترسخ العمل المؤسسي في حياتها؛ لما اعتراها من بُعد عن الدين، أدى إلى تأصل الفردية، وضعف الروح الجماعية، والحوار والمناقشة والمشاركة، ولِما حلّ بها من تخلف حضاري، أقعدها عن الأخذ بأسباب الفاعلية والنجاح، فأصابها التأخر وتبدد الطاقات.
2 - ضعف الملكة الإدارية لدى كثير من العاملين في القطاع الخيري، بسبب إهمال العلوم الإنسانية التي استفاد منها الغرب، وهذا مما ورثه العاملون عن مجتمعاتهم.
وقد أدى هذا الضعف إلى الجهل بالعمل المؤسسي ومقوماته، وأسباب نجاحه فتلاشت الخطط، وأغلقت دراسة الأهداف وإقامة المشاريع، وصار العمل مجرد ردود أفعال غير مدروسة، أو عواطف غير موجهة.
3 – الحاجة الماسة إلى انتشار الإعمال الخيرية، مع قلة الطاقات المؤهلة، ما حدا بكثير من القائمين عليها إلى التركيز على الكم، لا الكيف، والغفلة عن قدرة العمل المؤسسي على الموازنة، بين الكم والكيف، وتحقيق أكبر قدر منهما.
4 - الخلط بين العمل الجماعي والعمل المؤسسي، والظن بأن مجرد قيام الجماعة يعني عملاً مؤسسياً، في حين أن كثيراً من التجمعات والمؤسسات، لا يصدق عليها حقيقة هذا الوصف؛ لانعدام الشورى، ووجود المركزية المفرطة في اتخاذ القرار.
5 – حداثة العمل الخيري العربي المعاصر؛ فإنه إذا ما قورن عمره بعمر المؤسسات الغربية فإنه قصير جدا.
يقال هذا لئلا تُهضم الحقوق، ولكي نقترب بالحديث من الإنصاف للمجهودات الكبيرة لهذا القطاع؛ حيث نرى بوادر الاهتمام بالمجالات الإدارية أكثر من ذي قبل.
عوامل نجاح العمل المؤسسي( ): -
للتربية الإيمانية المتكاملة أكبر الأثر في بناء الطاقات، وتنميتها، واستثمارها استثماراً مناسباً، وهذا عماد العمل المؤسسي، ويمكن تفصيل المقومات اللازمة لنجاحه على النحو الآتي: -
1 – توفر القناعة الكافية بهذا الأسلوب من العمل، بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة، وبمعرفة مزاياه وثمراته، وفهم مقومات نجاحه للوصول به إلى المستوى المطلوب.
2 - صدور القرارات عن مجالس الإدارة، أو اللجان ذات الصلاحية، حرصاً على خروجها من أدنى مستوى ممكن؛ لتكون أقرب إلى الواقعية وقابلية التنفيذ، ولا يجوز أن يكون المصدر هو الفرد، أو المدير؛ فإنه يستمد صلاحياته -هو أيضاً- من المجالس، لا العكس، ويجب أن تملك المجالس واللجان صلاحية مراجعة قرارات المديرين، ونقضها عند الضرورة.
3 - أن تكون مجالس الإدارة أو اللجان غير محصورة في بيئة واحدة، محكومة بأطر تنشئة وتربية وتفكير محددة، مما يؤثر على طبيعة اتخاذ القرار، فوجود أفراد من بيئات مختلفة ضمن هذه المجالس، يثري العمل المؤسسي بتوسيع أنماط التفكير، وتعدد طرق التنفيذ.
4 - أن تسود لغة الحوار، حتى تتلاقح الآراء للخروج بأفضل قرار، وأيضاً حتى يخضع الرأي الشخصي لرأي المجموعة.
ويذكر هنا بالمناسبة، نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأي أصحابه في غزوة أحد، وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأييد رؤياه، لرأيه، وبعدما حصل ما حصل، لم يصدر منه لَوْم لأولئك المقترحين للخروج.
5 - تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، توجه خطة العمل، وتناسب المرحلة والظروف التي تعيشها المؤسسة.
6 - التسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بتحسين الاتصال والتواصل، بين أفراد المؤسسة بعضهم مع بعض، وبينهم وبين سائر العاملين في الحقل الإسلامي.
وهذا أساس قوي للنجاح، ففي استفتاء لعدد من القياديين الناجحين، اتضح أن الصفة المشتركة بينهم هي القدرة على التعامل مع الآخرين، ولن يتم ذلك لأحد ما لم تتربَّ أنفسنا على العدل والإنصاف، ومعرفة ما لدى الآخرين من حق، ومحاولة فهم نفسياتهم من خلال نظرتهم هم لأنفسهم، لا من خلال نظرتنا نحن.
7 - الاعتدال في النظرة للأشخاص؛ فلا يصل الأمر حد الغلو والتقديس للأفراد، وإضفاء هالة على بعض الأشخاص تؤثر في مدى استعدادهم لمناقشة رأيهم، أو احتمال رفضه، مع بقاء الاحترام الشخصي، وهؤلاء يشكلون ضغطاً على العمل المؤسسي وتوجيهاً غير مباشر للآراء.
وكأن هذا ما أراده عمر - رضي الله عنه - حين عزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- خشية تعلق الناس به، وربطهم النصر بقيادته.
8 -إتقان التخطيط، وتحديد الأهداف لتنفيذها، وتوزيع الأدوار، وهذا يتطلب مستوى جيداً، في إعداد القادة والمسئولين، وتدريب العاملين مع الاستفادة من كل الإمكانات، وتوظيف جميع الطاقات، بعد التعرف عليها جيداً.
عناصر وصفات مهمة للبدء في العمل المؤسسي :
إن العمل المؤسسي ذو أهمية بالغة؛ لأنه ينقل العمل، من الفردية إلى الجماعية، ومن العفوية إلى التخطيط، ومن الغموض إلى الوضوح، ومن محدودية الموارد، إلى تعددية الموارد، ومن التأثير المحدود، إلى التأثير الواسع، ومن الوضع العرفي، إلى الوضع القانوني.
ولا بد أن تتوفر مجموعة من الصفات والعناصر لأي جهة تريد أن تبدأ بالعمل المؤسسي، من أهمها: الانفتاح (المنضبط)، والنضوج، والعزم والتوكل على الله تعالى، والتفكير الإيجابي، والمهارات الإشرافية اللازمة.كما ينبغي أن تتوفر عشرة عناصر مهمة للبدء في رحلة البناء المؤسسي، نوردها فيما يلي( ):-
1- وضوح الفكرة التي قامت من أجلها المؤسسة.
2- مشروعية المؤسسة، والحصول على الترخيص القانوني لبدء العمل وفق شروطه.
3- وجود قيادة مؤهلة ومحترمة وقادرة ومتحمسة ومتفرغة لهذا العمل.
4- توفر رأس المال الكافي، من مصادر تمويل ذاتية ومتنوعة ومستمرة مع الحفاظ على الاستقلالية بالتصرف، ووجود نظام مالي ومحاسبي دقيق.
5- إيجاد سمعة جيدة للمؤسسة، في نظر العاملين بها والمتعاملين معها وفي نظر منافسيها.
6- قدرة المؤسسة على اتخاذ قراراتها دون تدخل خارجي، وتحقيق أهدافها، والتغلب على الصعوبات، وإجبار الآخرين على مسايرتها.
7- جذب عدد كاف من العاملين الأكفاء المنجزين والمتحمسين والمقتنعين.
8- وجود لوائح وأنظمة عمل محددة وواضحة ومتفق عليها وموثقة ومدونة ومعروفة لكل الجهات المعنية والمتعاملة معها، ومتناسبة مع أهداف المؤسسة.
9- وجود خطط وبرامج محددة وواضحة ومدروسة ومتفق عليها وموثقة ومكتوبة ومعروفة للجهات المعنية التي ستتعامل معها.
10- وجود نظام للرقابة والمتابعة والتقويم المستمر للتأكد من سلامة التخطيط والتنفيذ.
البـنـاء المؤسـسـي، ومكـوناته الأسـاسيــة:-
كما أن أي بناء لا يقوم إلا إذا ارتكز على أركان أساسية متينة، وكلما كانت هذه الأركان قوية كلما كان البناء قوياً، ويؤدي ذلك إلى الارتفاع والارتقاء طبقة بعد أخرى، فكذلك بناء المؤسسات، والمنظمات، لا تقوم إلا على أركان أساسية متينة، يرتكز عليها بناؤها المؤسسي.
وبالنظر إلى ما ورد من تعريفات حول مكونات البناء المؤسسي، نستطيع حصر وتلخيص وتعريف مكونات وعناصر البناء المؤسسي للمنظمات الخيرية، فيما يلي:-
1- البنـاء التنظيمي: -
لكل منظمة بناءٌ تنظيمي، يوضح تقسيم النشاطات والأعمال والواجبات والأقسام والإدارات، وتستلزم عملية البناء التنظيمي، تحديد أهداف المنظمة، ثم تحديد أوجه النشاطات المختلفة في العمل المطلوب، وتحديد العمليات المطلوبة في كل نشاط وتجميعها في وحدات إدارية، وتحديد الوظائف في كل عملية، مع تحديد واجبات كل وظيفة، والمؤهلات المطلوبة في شاغلها، وتعيين الأفراد وتكليفهم بالوظائف المطلوبة ومنحهم السلطات اللازمة، لكي يتمكنوا من ممارسة الواجبات الملقاة على عواتقهم، وتحديد العلاقة بينهم، مع توفير التسهيلات والإمكانيات الخاصة بالعمل( ).
ويتضمن البناء التنظيمي، لمنظمة ما، وجود الهيكل التنظيمي وما يتطلبه من وضوح التصميم والمفهوم الذي بني عليه، ووضوح الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات وجهة المساءلة والمكافأة.
بالإضافة إلى وجود المناخ التنظيمي، والمتمثل في درجة جيدة للاستقلالية والحركة الذاتية ووجود اعتبارات للإبداع وتشجيع الأداء الجيد، مع الشفافية والصراحة في النقد، والنقد الذاتي البناء( ).
وتكمن أهمية البناء التنظيمي، في كونه أداة رئيسة تساعد الإدارة على تنظيم وتنسيق جهود العاملين للوصول إلى أهداف متفق عليها، مسبقاً.
وهو يوفر الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد، ومن خلاله يتم التوحيد، أو التفاعل بين الجهود والأنشطة المختلفة في المنظمة.
كما يساهم البناء التنظيمي في تحقيق أهداف المنظمة بأقل تكلفة، وذلك من خلال توزيع الموارد المادية والبشرية، بشكل أمثل ( ).
2- الكفاءة المؤسسية :-
و تعرف بأنها فاعلية المنظمة وكفاءتها في استخدام مواردها المتاحة لتحقيق أهدافها بشكل أمثل. وهناك فرق بين الفاعلية (Effectiveness)، والكفاءة (Efficiency)، فالفاعلية تعرف بأنها عمل الأشياء الصحيحة،(Doing right things)، وأما الكفاءة فتعرف بأنها عمل الأشياء بشكل جيد،(Doing things well)( ). وكل هذه المعاني مقصودة في تعريف الكفاءة المؤسسية.
وتتضمن الكفاءة المؤسسية: فاعلية التخطيط ،وفاعلية التنفيذ، وفاعلية التقويم، وفاعلية الاتصالات.
أما فاعلية التخطيط فتشمل: وضع الخطط والأهداف والاستراتيجيات لأنشطة المنظمة المستقبلية، مع القدرة والكفاءة والمرونة في التخطيط، وتوجيه الموارد المحدودة، لتنفيذ الأنشطة الإستراتيجية للمنظمة، واستيعاب المستجدات البيئية المختلفة، وشمولها لكافة الفئات المستهدفة.
وأما فاعلية التنفيذ فتشمل: قدرة المنظمة على تنفيذ الأنشطة والبرامج بدقة وقوة وكفاءة، وامتلاك نظام تطبيقي صارم، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المحيطة بالمؤسسة، والتخطيط للعمل، وليس عمل التخطيط فقط، مع توفر ضمانات كافية للتنفيذ الجيد.
أما فاعلية الرقابة والمتابعة، فتشمل: القدرة على متابعة تحقيق الأهداف، ووضوح المعايير والمقاييس، كأساس للرقابة، ووجود نظام واضح وفعال للرقابة، مع وضوح آلية المتابعة الميدانية والدورية للعمل، والقدرة على تصحيح المسار عند اكتشاف الخلل.
أما فاعلية الاتصالات، فتشمل: انسيابية حركة المعلومات من القمة إلى القاعدة، ووضوح طرق الاتصال داخل المؤسسة، ووجود مناخ مشجع على المشاركة والاتصالات المفتوحة، ودعم وإسناد قيادة المنظمة لنظم الاتصالات( ).
3- القيادة الفاعلة:-
ويقصد بها قدرة القيادة على ابتكار الرؤى البعيدة، وصياغة الأهداف، ووضع الاستراتيجيات، وتحقيق التعاون، وتحفيز الطاقات، من أجل العمل.
والقيادة الفاعلة هي التي تصوغ الرؤى للمستقبل، آخذة في الاعتبار المصالح المشروعة لجميع الأطراف المعنية، وتضع إستراتيجية راشدة في اتجاه تلك الرؤى، مع ضمان دعم مراكز القوة الرئيسة للعمل من حولها، لإيجاد الدافع للتحرك إلى الأمام باتجاه تحقيق الأهداف( ).
والقيادة في مفهومها العام، لا تهتم بالنظام والنمطية، بقدر ما تهتم بالحركة والتغيير، لذا فهي تركز على ثلاث عمليات رئيسية، هي: تحديد الاتجاه والرؤية، وحشد القوى تحتها، والتحفيز وشحذ الهمم من أجل تحقيق تلك الرؤية( ).
ولابد أن يمتلك الفريق القيادي في المنظمة مهارات قيادية وإدارية وكفاءة جيدة في مجال وضع الاستراتيجيات، وأن يكون حساسا للمتغيرات المؤثرة على المنظمة، مع وضوح في الأولويات والخطط التنفيذية، والتطوير المستمر للكوادر العاملة في المؤسسة( ).
4- إدارة الموارد البشرية والمالية: -
إدارة الموارد البشرية تعني، عملية توظيف، وقيادة العاملين، لتحقيق أهداف المؤسسة؛ فالتوظيف يشمل: استقطاب واختيار العاملين، والقيادة تعني تهيئة الظروف التي تمكن العاملين من الأداء، ثم تقويم الأداء لتحديد الاحتياجات التدريبية والتطويرية، ومكافأة الأداء المتميز، وتحفيز العاملين لمزيد من التفوق في الأداء.
والعنصر البشري يعد من أغنى الموارد التي تمتلكها المنظمة؛ لأن قوة أي منظمة تستمد من قوة رجالها، لا من قوة خططها أو لوائحها وأنظمتها، أو مواردها المالية، ولا سيما إذا وجدت القوة البشرية المدربة، التي تستطيع تسخير هذه الإمكانات لتحقيق أهداف المنظمة الخيرية( ).
وتشمل، توفر المعايير الواضحة في اختيار الموظفين و في قياس فاعليتهم وكفاءتهم، ومشاركتهم في اتخاذ القرارات والتعاون مع بعضهم في الإدارات والأقسام مع الدقة في تحديد وتنفيذ برامج التدريب، وتحقيق أعلى درجات الرضا الوظيفي في المنظمة.
وتأتي أهمية الموارد المالية، في العمل الخيري، أو غيره في الدرجة الثانية بعد أهمية الموارد البشرية؛ لأن العنصر البشري، هو الذي يسخر المال في أغراضه المختلفة( )
وتشمل إدارة الموارد المالية، وجود خطة واضحة لتوفيرها وكفايتها في المنظمة مع وضوح الموازنات بما يحقق الخطط التنفيذية، ودقة نظم المحاسبة وضبط المصروفات وإدارة مالية تؤكد الجدوى من المشروعات مع وجود نظام مالي فعال يرصد المؤشرات المالية( ).
5- الكفاءة التسويقية:-
ويقصد بها وجود الخطط التسويقية والترويجية لأنشطة المنظمة ومشروعاتها، مع وجود برنامج فعال لتكريس العلاقات الإنسانية وتنشيط العلاقات الخارجية، ووجود شبكة متينة من العلاقات المؤسسية، والتركيز على احتياجات الفئات المستهدفة، وتقديم أفضل الخدمات للجمهور مقارنة بالآخرين، ووجود قاعدة بيانات شاملة عن العملاء وسائر المستهدفين، مع المعرفة الشاملة بالمنافسين والمؤثرين على أنشطة المنظمة، ومعرفة وافية عن طبيعة ونوعية خدماتهم وتميزهم، ومعرفة قطاعات الجمهور، وترتيبها حسب الأهمية، ومعرفة البيئة الحكومية والاجتماعية المؤثرة على أداء المنظمة، ومعرفة مدى تقبل الجمهور للخدمات المقدمة من المنظمة( ).
6- أنظمة وأساليب العمل:-
هي مجموعة السياسات والقواعد والأساليب والإجراءات التي تحكم نشاط المنظمة لتحقيق أهدافها، وتتكون من:-
أ-السياسات: (Policies):-
وقد درج على تسميتها باللوائح، وهي المقررات والأحكام الشمولية، التي تعتمدها الإدارة العليا في المنظمة، بما في ذلك وضع معايير الأداء وحدود التصرف في كل نشاط من أنشطة المنظمة، ويتم الاستناد إليها، وفي إطارها، ووضع واعتماد، قواعد وأساليب وإجراءات العمل لكل نشاط.
ب- القواعد والأساليب: (Rules & methods):-
وهي أسس ومبادئ ثابتة تتعلق بنشاط محدد، وتنبثق من السياسات وتنطبق على الإجراءات، وهي معايير عملية وتنفيذية، تحدد كيفية التصرف في تطبيق الإجراءات.
ففي حين يذكر كل إجراء الخطوات الإجرائية المسئول عن تنفيذ كل منها، تضيف القواعد والأساليب تعليمات وتوجيهات، تحدد الوسائل والتقنيات المستخدمة لتسهيل العمل في ظرف معين، والقيود والحدود الموضوعة لهذا الاستخدام. ويمكن للقواعد والأساليب أن تتطور بتطور المنظمة دون أن يحصل أي تغير في السياسات، إلا أنها - حتما- تتأثر بتطور هذه السياسات وتنعكس حتما على الإجراءات.
ج –الإجراءات: (Procedures):-
وهي سرد الخطوات الإجرائية المطلوب إتباعها والتقيد بها كلما نشأت نفس الحاجة إلى تحقيق عمل أو هدف من أهداف المؤسسة، ويتم سردها حسب تتابع العمل الفعلي، مع ذكر وسائل وأدوات العمل المستخدمة، والربط بين الخطوات دون ازدواجية ولا ثغرات، مع تسمية المسئول عن تنفيذ كل خطوة، ويجب ألا تخرج عن إطار السياسات والقواعد والأساليب المعتمدة.
د – الخطوات: (Steps):-
هي التي تمثل عملا مسئولا، في سلسلة العمليات التي يتكون منها الإجراء، وتشمل كل خطوة تحديد الشخص المسئول عن العمل بشكل واضح، لا يترك مجالا لسوء التفسير، أو التهرب من المسؤولية، مع تحديد العمل والأدوات المستخدمة لتنفيذه من نماذج وأجهزة( ).
الحلقة الثالثة:
المشكلات والتحديات المعاصرة، التي تواجه المنظمات الخيرية
تعاني المنظمات الخيرية من جملة من المشكلات، وتواجه العديد من التحديات التي لها ارتباط بالبناء المؤسسي، وسنحاول تسليط الضوء على هذه المشكلات والتحديات، وإثبات ذلك من الواقع الذي تعيشه هذه المنظمات.
وقد اتبعت في ذلك طريقتان؛ الطريقة الأولى الدراسة المكتبية؛ من خلال ما توفر من المراجع التي تهتم بهذا الموضوع ، والطريقة الثانية ؛ نتائج الدراسة الميدانية التي جمعت من خلال نتائج الاستبيان الموزع على عينة الدراسة.
أولا: نتائج الدراسة المكتبية :
أفصحت الدراسة المكتبية، أن معظم المشكلات والتحديات، تتعلق بالبناء المؤسسي للمنظمات الخيرية، بالإضافة إلى بعض المعوقات الخارجية، ويمكن حصرها فيما يلي:-
المشكلات والتحديات المتعلقة بالبناء المؤسسي:-
مشكلات تتعلق بالبنية التنظيمية:-
1- ضعف البناء المؤسسي بشكل عام وسيطرة بعض الأفراد على الأنشطة والتمويل.
2- ضعف التوافق بين الهياكل الإدارية وأهداف المنظمة.
3- المقرات غير الملائمة لأنشطة المنظمة.
4- عدم وجود فروع للمنظمة في المناطق الريفية والنائية.
5- عدم وضوح المهام والصلاحيات الإدارية لأفراد المنظمة.
6- المركزية وضعف مبدأ التفويض.
مشكلات في القيادة والإدارة:-
7- ضعف أهلية أكثر مجالس إدارة المنظمات.
8- ضعف البرامج التدريبية لقيادات المنظمة.
9- التدخلات الخارجية في قرارات وأعمال المنظمة.
10- تسييس عمل بعض المنظمات الخيرية وانحرافها عن مسارها الحقيقي.
11- ضعف الرقابة والتقويم المستمر لأعمال المنظمة.
12- ضعف المعايير الرقابية المرتبطة برسالة وأهداف المنظمة.
13- ضعف البرامج المتخصصة والمتنوعة.
14- القصور في معلومات البحوث الفنية المتعلقة بأنشطة المنظمة.
15- ضعف الأرشفة والتوثيق والإحصاء وعدم توفر قاعدة البيانات.
16- ضعف التقنية وضعف استخدام الحاسب الآلي وبرامجه في أعمال المنظمة.
17- وجود المحاباة في صرف المساعدات للمحتاجين.
18- ضعف التنفيذ وكثرة الشكاوى ضد المنظمة.
19- انعدام التنسيق مع المنظمات الأخرى.
مشكلات في الموارد البشرية:-
20- عدم توفر الكادر المؤهل والمتخصص.
21- نقص الخبراء والفنيين.
22- قلة الدورات والبرامج التدريبية.
23- ضعف نظام الأجور والمكافئات.
24- عدم اعتماد المكافئات والترقيات على كفاءة الأداء.
25- قلة المتطوعين في العمل الخيري، وضعف الاهتمام بهذا القطاع.
مشكلات الموارد المالية:-
26- محدودية الموارد المالية.
27- عدم استثمار موارد المنظمة الفائض عن حاجتها التشغيلية.
28- اعتماد الموارد المالية أساساً على التبرعات والهبات، وعدم السعي لتكوين أوقاف تعتمد عليها المنظمة، في الإنفاق الدائم وغير المشروط على أنشطتها من قبل المانحين.
29- عدم توفر الخبرات الكافية في المجال المالي.
30- ضعف الرقابة المالية.
31- ضعف اتباع مبدأ الشفافية في التعاملات المالية.
مشكلات في برامج التسويق والترويج لأنشطة المنظمة:-
32- ضعف أساليب الاتصال بالمجتمع.
33- ضعف الترويج الإعلامي لأنشطة المنظمة.
34- عدم وضوح أهداف المنظمة لكثير من الجمهور الذي تتعامل معه.
35- الظهور الموسمي والركود بقية العام.
مشكلات في الأنظمـة واللوائــح وأساليب العمل:-
36- عدم تطور الأساليب واللوائح الداخلية.
37- عدم وجود أدلة مكتوب توضح إجراءات تنفيذ المشاريع.
مشكلات في الإستراتيجية والرؤية والرسالة:-
38- غموض قيم وأهداف المنظمة عن أعضاء مجلس الإدارة.
39- تبني أهداف قد تعجز المنظمة عن تحقيقها.
40- ضعف التخطيط لأنشطة وموارد المنظمة.
المشكلات الموضوعية التي تعيق المنظمات الخيرية عن ممارسة أنشطتها الخيرية:-
1- ضعف الإعلام الداعم لأعمال المنظمات الخيرية والترويج لها.
2- ضعف الدعم والتمويل الحكومي.
3- تغير الظروف المحيطة بمعدل أسرع من تعديل أهداف المنظمة.
4- ضعف دعم القطاع الخاص للعمل الخيري.
5- الشائعات المتعلقة بجمع التبرعات.
6- ضعف تأييد المجتمع للبرامج والخدمات التي تقدمها المنظمات الخيرية.
7- عدم سماح السلطات بالتفرغ للعمل الخيري.
8- ربط الممولين الخارجيين تمويلهم بأهدافهم، وليس بأهداف المنظمة وحاجة المجتمع.
9- ضعف ثقافة المجتمع بأهمية عمل المنظمات الخيرية.
10- عدم إدراك صانعي السياسات في الحكومات لدور المنظمة الخيرية في التنمية.
11- تعقيد الإجراءات في الجهات الحكومية التي تتعامل معها المنظمات الخيرية.
12- التضييق العالمي على عمل المنظمات الخيرية، بعد أحداث (11) سبتمبر،(2001م).
13- الخلط بين العمل الخيري، ومسمى الإرهاب، وأثره في التضييق على العمل الخيري.
ثانيا : نتائج الدراسة الميدانية فيما يخص المشكلات والتحديات التي تواجه المنظمات الخيرية عينة الدراسة:-
أظهرت الدراسة النتائج المبينة في المخطط البياني التالي :
التحليل:
أظهرت النتائج في المخطط البياني الموضح أعلاه، أن المنظمات الخيرية عينة الدراسة، تعاني من ثلاث فئات من المشكلات والتحديات:-
الفئة الأولى:
مشكلات وتحديات حازت على نسبة موافقة عالية، وهي اعتماد الموارد المالية أساساً على التبرعات والهبات ، وضعف دعم القطاع الخاص والحكومي للعمل الخيري ، والتضييق على العمل الخيري بسبب الخلط بين العمل الخيري، ومسمى الإرهاب ، وقد دلت النتائج على توافق نسبي في إجابات أفراد العينة.
الفئة الثانية:
مشكلات حازت على نسبة موافقة ضعيفة ، مع معامل اختلاف كبير في إجابات أفراد العينة ، وهي فقرة واحدة التي نصت على، ضعف أهلية مجالس إدارة المنظمات الخيرية.
الفئة الثالثة: مشكلات وتحديات حازت على نسب موافقة متوسطة، وهي على التوالي: محدودية الموارد المالية ، وعدم السعي لتكوين أوقاف تعتمد عليها المنظمة ، وضعف الإعلام الداعم للمنظمات الخيرية والترويج لها ، وعدم تطور أساليب وإجراءات العمل واللوائح الداخلية ، وضعف البرامج التدريبية لقيادات المنظمات والعاملين ، وعدم توفر الكادر المؤهل المتخصص ، وعدم توفر الخبرات الكافية في المجال المالي، وسيطرة بعض الأفراد في المنظمة على الأنشطة والتمويل.
مشكلات أخرى :
وعند طرح سؤال مفتوح في الاستبانة عن المشاكل الأخرى التي تواجهها المنظمات الخيرية، ولم تشملها فقرات الاستبانة، جاءت الإجابة ملخصة ومصنفة، على النحو التالي:
1. مشكلات في تدني الوعي لدى المجتمع بأهمية العمل الخيري بما يؤدي إلى محاربته والتضييق عليه:-
وقد جمعت في ذلك عدد من الإجابات، وكلها تدور حول تدني الوعي بأهمية دور المنظمات الخيرية وأثرها في خدمة المجتمع، سواءً من قبل بعض الجهات الحكومية أو من قبل الكثير من أفراد المجتمع، ويؤدي إلى عدم التفاعل مع العمل الخيري وتسهيل طريقه وتذليل الصعاب أمامه، فضلاً عن تبنيه والدفاع عنه وتكريم القائمين عليه.
وتعاني بعض المنظمات الخيرية، كما جاء في بعض الإجابات، من الصد والرفض والاستهجان من قبل المجتمع، وبنفس الوقت عدم تشجيعه من قبل بعض الدوائر الحكومية، رغم التصريح المعتمد والثمرة الجيدة الملموسة في ارض الواقع، كل هذه العوامل أدت إلى تقييد العمل الخيري، وكبح جماحه وإعراضه عن المنافسة، لانشغال القائمين عليه بتحسين الصورة المغلوطة عن العمل الخيري لدى الجماهير والدوائر الحكومية.
2. مشكلات في التدريب والتأهيل وتوفير الكفاءات:-
وقد جمعت في ذلك العديد من الإجابات وكلها تدور حول محورين، الأول: عدم توفر الكادر الوظيفي الكفوء المؤهل لإدارة وتنفيذ أنشطة العمل الخيري، والثاني: عدم تدريب وتأهيل الطاقات المتوفرة وإهمالها بما يؤدي إلى إصابتها بالإحباط وفقدان الأمل في تطور المنظمات الخيرية التي ينتسبون إليها.
وعند البحث عن أسباب ذلك، وجدنا أنها ترجع إلى عدة أمور وردت في بعض الاستجابات، ومنها:-
أ- ضعف قدرات الهيئات الإدارية في التخطيط للحفاظ على كوادرها، من خلال حل مشكلاتهم المادية التي تعد من أبرز العوامل لاستمرارهم في العمل الخيري.
ب- قلة أجور العاملين في العمل الخيري، مما يؤدي إلى تسرب أصحاب الخبرة والكفاءة للبحث عن الكفاية المعيشية، وربما يكون هذا وضعاً طبيعياً يعيشه العمل الخيري، لكن لا يتوقع الإبداع والتميز والمنافسة، في ظل عدم تفرغ الكوادر وكفايتها وتأهيلها ورفعها إلى المستوى المرجو لحجم المنافسة المطلوبة من المنظمات الخيرية.
ت- عدم وجود التحفيز اللازم للموظفين في المنظمات الخيرية.
ث- عدم وجود ما سماه بعضهم "بإدارة الاستحقاقات"، ولعل المقصود من ذلك مراعاة حقوق موظف العمل الخيري، أسوة بزملائه موظفي القطاع الحكومي والخاص من حيث زيادة الأجور وقلة الدوام والضمان الاجتماعي وغيرها
ج- الكثير من المنظمات الخيرية تضم عدداً من الكوادر النشطة والمتحمسة والتي تنطبق عليها المواصفات الخاصة بموظف العمل الخيري، غير أن هذا وحده لا يكفي، ما لم تصقل هذه الكفاءات بالمهارات الفنية اللازمة، سواءً إدارية أو محاسبية أو مهارات تقنية أو مهارات التواصل مع الآخرين، ومن هنا يضيع حماس هذه الكوادر، عندما تشعر بالإهمال والتهميش وتفوق الآخرين عليهم، مما يزيد من إحباطهم وخيبة أملهم.
3. ضعف الدعم المادي ومحدودية الموارد المالية:-
أكدت الكثير من الإجابات هذا المعنى بعدة صور، وكأنما العبارات المصاغة في الاستبيان لم تكن كافية للتعبير عن عمق المعاناة في هذا المجال، ومما ذكر من صور هذا الضعف ما يلي:-
أ. محدودية وصعوبة الحصول على الدعم اللازم من الجهات الحكومية –إن وجدت- كما عبر بعضهم.
ب. ضعف التمويل من المؤسسات والشركات ورجال الأعمال والصناديق الداعمة لمشاريع المنظمات الخيرية.
ج. عدم التزام الأعضاء بدفع الاشتراكات.
د. عدم وجود منافذ لدعم المؤسسات الخيرية الكبرى للمؤسسات الصغرى في البلد.
هـ. عدم وجود البنى التحتية والأوقاف والموارد المالية الثابتة لدعم واستمرار عمل المنظمات الخيرية.
وهذا يؤكد ما جاء في الفقرات السابقة من الضعف المادي الذي تعاني منه المنظمات الخيرية، واعتماد الموارد المالية للمنظمات الخيرية أساساً على التبرعات والهبات، الأمر الذي يجعلها تحت رحمتهم وشفقتهم وحسن الظن بهم، وهذا يدفعها دائماً إلى التزلف وتلميع صورتها أمام المتبرعين، وتلبية رغباتهم، وأحياناً ربما تكون هذه الرغبات مخالفة للسياسات، وربما للأهداف والاستراتيجيات التي تتبناها المنظمة، وهو واقع من يعتمد على غيره في تمويل نشاطاته.
ويختلف الأمر تماماً في حال اعتماد المنظمات الخيرية على تمويل نفسها من خلال وجود الأوقاف والاستثمار، فإنها حينئذ لا تحتاج إلى التزلف والتصنع وتلميع الصورة، وكسب ود الداعمين، ولو خالف ذلك واقعها، كما أنها ستجد مناخاً لرسم استراتيجياتها وأهدافها وسياستها، بصورة مستقلة وبعيدة عن تسلط الداعمين، وهذا يدفعها إلى تحديد أولوياتها وإنفاق مواردها في تنفيذ هذه الأولويات.
4. مشكلات ضعف التنسيق بين المنظمات الخيرية:-
وقد وردت بعض الاستجابات حول هذا المعنى بما يعطي مؤشراً كافياً يدل على الضعف الموجود.
والتعاون والتكامل والتنسيق أمور لازمة وضرورية للمنظمات الخيرية خصوصاً ذات الأهداف المشتركة، والمنطلقات الواحدة، لما لها من فوائد كثيرة ومتعددة، منها:
أ. الاستفادة من الخبرات المتراكمة، والعمل بمبدأ، (البدء من حيث انتهى الآخرون)، لا إعادة وتكرار ما ابتدأ منه الآخرون، وربما الوصول إلى أسوأ ما وصل إليه الآخرون.
ب. التكامل في مجالات الأنشطة، والملاحظ على معظم المنظمات الخيرية أنها تدور في نفس الفلك وتتبنى نفس المشاريع والأنشطة، وتكرر نفس الأخطاء، وفائدة التكامل تقديم الأهم للمجتمع، وتخصص البعض في توفير خدمات للمجتمع قد لا يتنبه إليها الآخرون، ومشكلة عدم التكامل، التزاحم في توفير خدمات قد تكون ذات أولوية للمجتمع، وقد لا تكون كذلك، ولكن لمجرد تقليد المنظمات بعضها لبعض.
ج. ضرورة التخصص في العمل الخيري؛ لإشباع أكثر حاجات المجتمع.
د. عدم التداخل والتضارب في الأنشطة المشتركة بين المنظمات الخيرية.
هـ. المساهمة في الوصول إلى النضوج الفكري بين القائمين على المنظمات الخيرية، وذلك بتوجيه الموارد والتبرعات، ولفت نظر المساهمين والمتبرعين إلى الجهات المتخصصة في الأعمال الخيرية، بدلاً من الاستحواذ على كل شيء والسيطرة على كل الموارد والمتبرعين، عند ذلك تكثر الأعباء ويصعب التنفيذ، وتقل الجودة وتكثر المشكلات، فيزداد التهجم على المنظمات الخيرية وتقل الثقة بها.
5. مشكلات الخلاف:-
وقد وردت عدة إجابات حول وجود الخلاف بين بعض المنظمات الخيرية، وأخرى حول وجود خلاف في المنظمات الخيرية نفسها، وهذا الأمر يجب الترفع عنه لمن نذر نفسه لخدمة الآخرين، ورضي أن يكون من أصحاب العمل الخيري، لأن المقصود الأسمى من العمل الخيري، إصلاح المجتمعات، ولا يمكن أن يتم إصلاح المجتمعات من خلال منظمات وأفراد يفتقدون هذه المعاني، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولعل هذا يبرر ضعف كثير من الأنشطة والأعمال الخيرية، انشغالها في الخلافات مع غيرها، وهذا يكلفها جهوداً فكرية، وربما مادية كبيرة كان الأولى صرفها لتحقيق أهدافها واستراتيجياتها المعلنة.
6. ضعف التطوع:-
وقد وردت عدت إجابات خلاصتها تدل على تدني مستوى الاندفاع للأعمال الطوعية وربط المساهمة بالأجور. وتعد مؤشر يعكس، ضعف الاهتمام بالمتطوعين والعمل التطوعي من قبل المنظمات الخيرية عينة الدراسة، ويعزى هذا إلى عدة أسباب، منها:-
أ. الضعف الاقتصادي في المجتمع، يجعل أكثر الناس تسعى وراء الرزق، وعدم توفر الوقت الكافي لدى الناس للعمل كمتطوعين.
ب. عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في منظمات ليست قريبة من مناطق سكنهم.
ج. تعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة، مما يفوت عليه فرصة المشاركة في العمل الخيري.
د. عدم وجود الإعلام الكافي عن أهداف المنظمات الخيرية، وأنشطتها التي تساهم في استقطاب المتطوعين.
هـ. عدم تحديد أدوار واضحة للمتطوعين في الهياكل التنظيمية بين المتطوعين، والموظفين، وعدم وجود إدارات مستقلة تتابع استقطابهم وترتب أوضاعهم.
7. عدم الاستفادة من خبرات الآخرين:-
وقد جاء في بعض الاستجابات، أن من المشكلات التي تواجه العمل الخيري عدم الاستفادة من خبرات الآخرين، وقد تم التعليق عليها في فقرة ضعف التنسيق بين المنظمات الخيرية.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن فكرة تأسيس الهيئات الإدارية في المنظمات الخيرية، هي، الجمع بين أكثر من عقلية في أكثر المجالات التي تحتك بها في أنشطتها، وإذا تعذر هذا، فلا بد أن يكون لديها مستشارون، في الكثير من المجالات التي تهمها، فتصدر عن رأيهم ولا تتجاوزهم، وإلا فإن هذا سيؤدي إلى إضعاف المؤسسية، والاستبداد بالرأي وإهمال آراء الخبراء والمختصين، ولا يخفى ما في هذا المسلك من مفاسد كبيرة على العمل الخيري.
7. مشكلات عامة:-
وردت بعض المشكلات العامة التي لم يشملها التصنيف أعلاه، ومنها:-
أ. التحيز من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية، حيث تعكس نشاطات بعض المنظمات الخيرية وتحرم البقية.
ب. الاهتمام بجانب المساعدات، وعدم الاهتمام بجوانب التنمية والتوعية والتأهيل، بالشكل المطلوب، وهذه من المشكلات المشهورة في العمل الخيري، أنها تسعى لتنفيذ المشاريع السريعة الثمرة التي لا تحتاج إلى جهود وأموال كبيرة في تنفيذها، ربما لانشغالها وعدم تفرغها، وربما لعدم وضوح الرؤية لديها، وتقليد الآخرين، وتترك التخطيط طويل الأجل للمشاريع التنموية والتوعوية لتأهيل أفراد المجتمع، وهي من الأمور الشاقة على النفس البشرية، والمكلفة مادياً ومعنوياً، وتحتاج إلى جهود جبارة ووضوح رؤية وخطة إستراتيجية، وهي لن تؤتي ثمارها إلى بعد زمن قد يطول، وهذا مالا تستطيعه النفوس المتعجلة في إدارة المنظمات الخيرية.
ج. ندرة الكتب والمراجع التخصصية في العمل المؤسسي والعمل الخيري، وهي من المشكلات التي واجهها الباحث.
د. تسييس العمل الخيري: ومن المشكلات ما ذكره بعض المبحوثين، من توجيه العمل الخيري من قبل البعض، ممن لم تتشبع نفوسهم بمعنى العمل الخيري ورسالته، فيستخدمه كستار وشعار لأغراض حزبية أو سياسية تخرج العمل الخيري عن مضمونه ومحتواه، وهذا المنهج يضر بالعمل الخيري كثيراً، ويفقده المصداقية والأمانة التي هي من مقومات نجاحه وضروريات وجوده، فضلاً عن سوء الظن بالعمل الخيري لدى الكثير من أفراد المجتمع والجهات الرسمية، وحري بمن تشبعت نفوسهم بمضامين العمل الخيري الترفع عن هذا المسلك والإبقاء على وجه العمل الخيري مشرق وناصع، حتى لا يعرض المتعاطفون والخيرون عن دعمه والوقف إلى جانبه.
هـ. عدم وجود آليات منصفة لتقييم المنظمات الخيرية العاملة في الساحة، وقد يتساوى الجميع في استحقاقات المساعدات الحكومية، وهي دعوة وجهها بعض المستجيبين للجهات الرسمية أن تمارس مسؤولياتها في إيجاد معايير سليمة لتقييم العمل الخيري والبعد عن الظنون الخاطئة غير المبنية على معايير واقعية سليمة.
الحلقة الرابعة :
التوصيـات ومقترحـات التطويـر والتحديـث
تمهيد:
نوصي القائمين على المنظمات الخيرية بالارتفاع إلى مستوى المسؤولية، التي وضعوا أنفسهم فيها من خلال اختيارهم لهذا الطريق، فإن هذا المجال لا يصلح له إلا أناس توفرت لديهم معايير ذاتية ومواصفات معنوية، أبرزها تقديم الخدمة للآخرين، وإيثار راحتهم وسعادتهم على راحتهم الشخصية، وهذه معاني تتطلب توفر مقدار من حب الآخرين وإسعادهم، وتقديم راحتهم والسهر على خدمتهم، مع ما يلازم ذلك من الأمانة على حقوقهم وحقوق المتبرعين، والصدق في ذلك، والتفاني من أجله.
وليست هذه المعاني غريبة على مجتمعات المسلمين، إذ أنها من صميم دينهم ونبع عبوديتهم لله تعالى؛ حيث قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)( )، وقال: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، فويل للمصلين الذي هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون)( )، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حديثه الجامع المشهور، الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج)، عن ابن عمر وحسنه الألباني : "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً -ولو شاء أن يمضيه أمضاه-ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل"( ).
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيما أخرجه، أحمد ومسلم وأبو داوود، وصححه الألباني، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له"( ).
فما تركت هذه الآيات والأحاديث أي سبيل لأهداف أو مقاصد للعمل الخيري، إلا وتطرقت إليه، فإذا أدرك القائمون على العمل الخيري، هذه المعاني، وامتثلوا لها، وصدقوا مع الله فيها، وفقهم الله وأعانهم على مشكلات، ومشاق ومعاناة العمل الخيري، الكثيرة.
أولا: مقترحات مستفادة من تحليل البناء المؤسسي للمنظمات الخيرية:-
إن النجاح الملموس في البناء المؤسسي للمنظمات الخيرية، الذي أثبتته هذه الدراسة، يجعلنا نقف وقفة المتأمل، أمام هذه الجهود، التي تبذل على الرغم من المعوقات والصعوبات التي تواجهها، إلا أنها استطاعت أن تقدم شيئاً ملموساً، وتتجاوز الكثير من العقبات.
وحتى يستمر البناء المؤسسي في تحقيق نجاحات أكثر، فإننا نوصي القائمين عليه بالأخذ بالمقترحات التالية:-
1-إعادة النظر في الأنظمة الحالية، وتبني الأنظمة الإدارية الحديثة:-
وذلك من أجل مواكبة المتغيرات العالمية والمحلية، المتسارعة، وإعادة النظر في الهياكل الإدارية التي تركز على المهام والانجازات، أكثر من القواعد والإجراءات، حتى تتحول من منظمات تقليدية إلى منظمات حديثة ذات هياكل محددة في مستوياتها التنظيمية والإدارية، وتعمل بروح الفريق، وإلى منظمات متعلمة، تعمل بالتعلم من تجاربها ومن تجارب المنظمات الرائدة، ويقوم عليها مدراء وعاملون، لديهم دوافع ذاتية للتعلم، واكتساب المعرفة، والبناء عليها، ومن منظمات تعتمد مركزية القرار، إلى منظمات تعمل باللامركزية، وتمكن المديرين والمؤهلين، من العاملين كصناع قرارات، في مستوياتهم الإدارية، ومن الإدارة بالأوامر، إلى الإدارة بالمشاركة، ومن الإدارة بالتخمينات، إلى الإدارة بالمعلومات، ومن الإدارة الكسولة، إلى الإدارة بالابتكار.
2- تبني التخطيط الاستراتيجي وتحسين جودة الخدمات:-
إن من أهم الإجراءات التي ينبغي أن تقوم بها قيادة المنظمات الخيرية، هي التخطيط الاستراتيجي المبني على تحديد الرؤية المشتركة والأهداف والاستراتيجيات، التي تعكس تطلعات المؤسسة المستقبلية على المدى البعيد، وتجعلها أكثر وضوحا وتركيزا، وأسهل فهما وتحقيقا، من قبل جميع العاملين.
وعليها أن تسعى لاكتساب مهارة وضع البرامج والخطط طويلة الأجل، المعتمدة على دراسة وتحليل المعوقات والسلبيات، ونقاط القوة والضعف، التي تؤثر على أداء المنظمة، و رفع الكفاءة المؤسسية، من خلال إعطاء أهمية بالغة للتخطيط، وصياغة الأهداف وتصميم الخطط والبرامج ،ومن ثم تنفيذ ذلك من خلال آليات واضحة، وبذل الجهد الكبير، والوقت الكافي، في تدريب العاملين على التنفيذ السليم، ثم تقييم الإنجازات من خلال معايير واضحة مرتبطة بالخطط والأهداف، وليست من خلال معايير مرتجلة أو عاطفية أو شخصية.
3-الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة :-
نوصي القائمين على المنظمات الخيرية بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وبناء قاعدة بيانات ومعلومات حديثة، والانتقال إلى مرحلة متقدمة من التكنولوجيا، من خلال القيام بعملية تغيير جذري وحقيقي لكل العناصر المكونة لها، وإعادة صياغتها، وفقا لمفاهيم ومتطلبات عصر المعلومات، والتحول بمفهوم المعلومات من كونها وصفية وإحصائية تاريخية، إلى اعتبارها حركة متدفقة من الحقائق والمؤشرات والعلاقات والفرص والمعوقات.
4-ترسيخ المؤسسية والبعد عن الفردية :-
إن الفردية وحب التملك والسيطرة فطرة، فطر الله الناس عليها، ومالم تتوفر قناعات ذاتية نابعة من عمق فكري بأهمية المؤسسة والبناء المؤسسي، ومعرفة دور الفرد في المؤسسة، وعلاقة المؤسسة بالفرد، فسيظل الفرد، هو المسيطر والمتحكم بالمؤسسة، وبنشاطه تنشط، وبتغير أفكاره، تتغير ثقافة المؤسسة، وبموته تموت.
حتى وإن كتبت أهداف واستراتيجيات، ورسمت الهياكل، وفصلت المهام والصلاحيات، كل ذلك سيبقى حبرا على ورق، ما لم تستولي المؤسسة على زمام القيادة، وليس الأفراد، مع الاستفادة الكبيرة من الأفراد، وطاقاتهم وإبداعاتهم، لكن لابد أن تظل الروح المؤسسية، هي المهيمنة ولا تتأثر بتغير الأفراد.
5-الاهتمام بقيادة المنظمات الخيرية:-
وذلك من حيث اختيار الكفاءات التي تمتلك الوضوح في الرؤى والاستراتيجيات، ولديها القدرة الكافية في تحليل العوامل المؤثرة على أداء المنظمة، وتشجيع الابتكار، ومشاركة العاملين، وتعمل على تطوير ذاتها والآخرين.
6-العناية الفائقة بالمورد البشري:-
اختياراً، وتدريباً، وتحفيزاً، ثم المحافظة عليهم من خلال رفع مستوياتهم المعيشية، حتى لا يضطرون لترك أعمالهم ومنظماتهم، التي تعبت عليهم وأنفقت الأموال في تهيئتهم، ثم يقطف الثمرة غيرهم، وهذا يدل على سوء في التخطيط، وعدم الإدراك لأهمية هذا المورد الخطير في المنظمات.
وقد يظن القائمون أن البدائل متوفرة، ومن السهل التخلص من العاملين، لكن الذي امتلأ قلبه منهم بحب العمل الخيري منهم، وتعبت المنظمة في صقل مواهبه، ثم لم تحافظ عليه، فإنها تخسر خسارة يصعب أن تعوضها –خاصة-مع استمرار التفكير بهذه العفوية والبساطة، وعلى وجه الخصوص المدراء والكوادر المهمة في المنظمة؛ فإنه يضاف إلى ذلك خسارة الفكر التي تضيعه المنظمة بعدم المحافظة عليهم.
وقد تجبر الظروف بعض المنظمات على التخلص من بعض العاملين، نتيجة لظرف قاهرة ، لكننا نجزم بأن بقاء المنظمة ونجاحها مرهون ببقاء كوادرها، وفي تقديرنا، لو قلصت المنظمات بعض أنشطتها، وركزت على المهم –جداً- منها، وأنفقت فوائض هذه الميزانيات في المحافظة على كوادرها، فإن هذا هو النجاح الذي يصعب على كثير من المنظمات الصبر عليه.
7-الاهتمام بالموارد المالية، والمشاريع الاستثمارية:-
نوصي المنظمات الخيرية بتغيير السياسة في الموارد المالية، القائمة لديها اليوم ، باعتمادها على نفقات المتبرعين وصدقات المحسنين، صحيح انه لا يمكن لأي منظمة خيرية الاستغناء عن هذا المورد المهم جدا ، وقد تحتاج هذا في أول الأمر، لكن ننصح بأن هذا الاحتياج يكون مرحلة تأسيس فقط، تنتقل بعدها إلى التخطيط لحيازة الأوقاف والمشروعات الاستثمارية، التي تمكنها من حرية التخطيط واختيار الاستراتيجيات المناسبة، وتأدية رسالتها التي تراها هي، لا التي يراها المتبرعون والداعمون، وتنفذ السياسات التي تفرضها قياداتها، لا التي يفرضها عليها الآخرون، وجعل ذلك من صلب استراتيجياتها وخططها، وتفرد له التكوينات الإدارية اللازمة وتنتدب له الكفاءات الإدارية والدعم المالي اللازم.
ومالم تغير المنظمات هذه الثقافة ستضطر لقبول تبرعات تجبرها على تغيير سياساتها، ولا ترسم خططها بالحرية التي تريدها، ولا توجه الموارد لتنفيذ المشاريع المخططة، وستضطر لتتوسع في هيكلها ونطاقها بحسب ما يفكر به الداعمون، لا بحسب ما تقرره قياداتها، وإن غالطت نفسها، فإن الواقع خير شاهد على ذلك، فلن تمتلك هذه المنظمات قرارها، حتى تتحرر في مواردها.
مع التوصية بزيادة الاهتمام بالنظم المالية المحاسبية الحديثة، واعتماد الموازنات الواضحة والدورات المستندية المرنة، بما يحفظ حقوق المتبرعين، وإيصال الأموال إلى مستحقيها، وإثبات كل العمليات المالية –إظهاراً للشفافية المالية- التي هي من أهم خصائص منظمات العمل الخيري، بصفتها تعتمد على أموال المتبرعين، وتجمع المال باسم المستفيدين.
8-الاهتمام بالإعلام:-
وذلك من خلال تبني خطط إعلامية قوية وواضحة ومدعومة، حتى يزول اللبس والغبش، الذي يحوم حول منظمات العمل الخيري، وحتى يتفهم المجتمع الدور الذي تضطلع به هذه المؤسسات، وحتى تترسخ الثقافة اللازمة لدى المجتمع بأهمية دعم العمل الخيري، والمشاركة فيه.
وفي ظني، أن تقصير قيادات المنظمات تجاه سياسة دعم الإعلام في المنظمات، وإن كان له ما يبرره، من قلة الإمكانيات، إلا أنها لا بد أن تتنبه إلى كوننا في عصر أحد أبرز سماته الإعلام ولغة الإعلام وصناعة الرأي العام، والمنظمات الخيرية كلها تعتمد على التسويق من خلال الإعلام، ونجاح المنظمة دالة تتأثر بحجم النشاط الإعلامي لها.
وفي تقديرنا، أن التخفيف من دعم بعض المشاريع الثانوية، وتخصيص هذا الدعم لتطوير الإعلام والمجال الإعلامي للمنظمة، إضافة إلى جعل ذلك ثقافة، وعمل الخطط اللازمة لذلك، واختيار الأكفاء، من الكوادر المتخصصة؛ فإن هذا سيؤدي إلى ظهور وازدهار ونمو هذه المنظمات، وسيغير المجتمع نظرته القاتمة حولها، وسيدعمها بدفع أبنائـه في التطوع لتنفيذ أعمالها.
ونحث على السعي لإقناع الجهات الإعلامية الرسمية لتبني الدعاية والترويج لأنشطة المنظمات الخيرية، فلو تعلم هذه المؤسسات أثر المنظمات الخيرية في تنمية المجتمع، ومدى مشاركتها في إستراتيجية مكافحة الفقر، لأفسحت لها المجال، لكن ذلك يتطلب جهوداً كبيرة في إقناعها بحقيقة الرسالة الخيرية لهذه المنظمات.
9-الاهتمام بالنظم واللوائح الإدارية:-
وتنظيم الحقوق والواجبات وكتابة السياسات اللازمة، ووضع الأدلة والإجراءات وقواعد العمل مع وضوح الموازنات، وكل ما من شأنه أن يخرج المؤسسة من رؤوس المؤسسين والقائمين، إلى الواقع المكتوب، الذي يستطيع أن يسترشد به من يأتي بعدهم، إذا غابت تلك الرؤوس.
ولن تكون المؤسسة، مؤسسة، حتى تتوفر لديها الأدلة لكافة الإجراءات المبنية على الأهداف والاستراتيجيات، والتقصير في ذلك، يؤدي إلى البلبلة والتخبط، ثم ضياع المؤسسات، عندها يأتي دور الأفراد في إنقاذ مؤسسات أهلكوها بسوء إدارتهم لها، وعدم التوضيح والتفصيل للأهداف والمهام والإجراءات والموازنات.
ومتى تكون المؤسسة، مؤسسة، وكثير من القائمين عليها، لا يحبون الكتابة الكثيرة، بحجة ضياع الأوقات في الحشو الزائد الكثير، وأن العمل أهم من الكتابة، فإذا أجبروا على الكتابة، ضاقت صدورهم بالقراءة.
وإذا أجبروا على القراءة، لم يستوعبوا المفاهيم، والمضامين، فإذا قرأوا ذلك لم يوثق ولم يحفظ، ولم يعتنى به، وإذا وثق وحفظ واعتني به، أهمل في الأدراج والملفات، واعتلاه الغبار، ولم يخرج إلى العاملين ليطبق كثقافة في أرض الواقع، وعندما تنسى هذه الأفكار وما كتبه الخبراء، يأتي دور الأفراد الذين يجهلون الكثير عن المؤسسة فإذا بها في تخبط دائم وضياع لازم.
ثانيا: مقترحات التطوير والتحديث من خلال البيانات العامة لعينة الدراسة :-
1. الاهتمام أكثر بالقطاع النسائي:-
وذلك من خلال وضع البرامج التعليمية التأهيلية وبرامج الأسر المنتجة، مع مراعاة تعاليم الدين الحنيف، في ذلك حتى تعم الفائدة وينزل التوفيق والبركة من الله، وبما يفوت الفرص على الذين يصطادون في الماء العكر، من خلال دعاوى تحرير المرأة، وهم يقصدون بذلك وأد الفضيلة.
ونوصي بهذا الخصوص، إما بتوسيع العمل النسائي، من خلال الأطر القائمة، أو من خلال فتح المنظمات النسائية المستقلة بهن، لكن، لا بد من التدريب والتأهيل الكافي والتوعية اللازمة بمضامين ومعايير العمل الخيري، مع مراعاة خصوصيات المرأة، وتعليمات الشريعة المطهرة في كل ذلك.
2. الاهتمام أكثر بفئات المتطوعين:-
من خلال إقامة الإدارات الخاصة بمتابعة شؤونهم، بحسب ظروفهم وإمكانياتهم ومناطقهم، وإعادة ترتيب الهياكل التنظيمية، بإضافة إدارات شؤون المتطوعين، وتحديد الأدوار الواضحة التي تفصل بينهم وبين الموظفين، وتعيين الأكفاء في إدارة المتطوعين، بما ينسجم مع النفسية التطوعية، التي يتميزون بها، وبما يؤدي إلى رفع إنتاجهم، وكثرة عطائهم، لا إلى إحباطهم، والتقليل من الاستفادة منهم.
3. الاهتمام بالمؤهلات العلمية والتخصصية:-
خصوصاً في مجالس الإدارة ومفاصل العمل الخيري، لما في ذلك من أثر في نوعية القرارات والخطط والاستراتيجيات، والتنفيذ والتقييم، على أسس علمية ومعايير سليمة.
4. التوسع في فتح المنظمات الخيرية:-
من جمعيات ومؤسسات وغيرها من المنظمات الأهلية، لكن مع مراعاة أخذ الوقت الكافي في التفكير في نوعية المنظمة، وما هو الجديد الذي ستضيفه إلى خدمة المجتمع، والنظر في آليات التمويل والتنفيذ، وسياسات وإجراءات العمل، وعلاقتها بالمنافسين من المنظمات المماثلة، والداعمين، وغير ذلك، حتى لا تصطدم بالواقع، وتتعجل في إنزال أهداف ضخمة قد تعجز عن تحقيقها، أو تحقق جزء يسير منها.
5. التركيز في العمل الخيري:-
وعدم توسيع النطاق الجغرافي للمنظمة، إلا بما يتناسب مع إمكانياتها المادية والبشرية، وعدم الانسياق وراء رغبات وعواطف الناس، ممن لا يعرفون ظروف العمل الخيري، فإن فتح الفروع بغير رؤية واضحة، ودراسة عميقة، وأد للنشاط، وتشويه لسمعة المنظمة؛ لأنه سيكون حليف التقصير، والتضارب، والتخبط، وضياع الحقوق، والإخفاق في معظم الواجبات، إن لم يكن كلها.
6. الاهتمام بمجالات التنمية والتأهيل:-
من خلال رسم استراتيجيات مكافحة الفقر، ومشاريع الأسر المنتجة، أكثر من الاهتمام بتقديم المعونة العاجلة الطارئة، وإن ذموكم الناس وتكلموا عليكم ، فإن المصلحة الحقيقية للمجتمعات، تكمن في تدريب أبناءها وإعفافهم، وإن قل عددهم، وما أكثر ما يتداول العقلاء الحكمة القائلة: (أعط الفقير سمكة، وستطعمه يوماً، ولكن علمه الصيد وستطعمه مدى الحياة).
7. التخصص في الأعمال الخيرية:-
بدلاً من تكرارها، إلا في حال الضرورة، التي تفرضها حاجة المجتمع، وليس لمجرد تقليد الآخرين، والبحث عن المجالات التي تخدم المجتمع، مع السعي للتميز والجودة في تقديم الخدمة، ومراعاة حسن التخطيط لكيفية تمويل هذه المشاريع دون انقطاع، وعدم التوسع، إلا بالقدر الذي تخططه قيادة المنظمة، وليس الذي يمليه عليها المتحمسون والمتعجلون.
8. الاهتمام أكثر بالمجالات الصحية والتدريب الصحي ودعم المراكز الصحية:-
وذلك لحاجة المجتمع إليها وندرتها في القطاع الخيري.
9. الاهتمام بمجالات التعليم والتربية ومحو الأمية:-
مع مراعاة الاختيار السليم للمنهج القويم، الذي لا يتنافى مع ثوابت الأمة ومسلماتها ومعتقداتها، واختيار المدرس الكفء، والإنفاق وبذل قصارى الجهود من أجل إعداده، وعدم التعجل في اختيار المناهج والمعلمين؛ لما يلحق ذلك من آثار خطيرة في تجهيل الناس والانحراف بمعتقداتهم.
10. الاهتمام أكثر بالمشاريع الإنشائية:-
كالمساجد وحفر الآبار، والمدارس العامة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومراكز تأهيل الأيتام والأحداث والمجهولين من الأطفال، وغيرها من الشرائح الفقيرة؛ لما في ذلك من أثر في إسهام المنظمات الخيرية في تقوية البنية التحتية للمجتمع، والمساهمة في تأهيل ورعاية الفقراء من أبناء المجتمع.
ثالثا: مقترحات التطوير المستفادة من استعراض المشكلات والتحديات:-
أظهرت الدراسة، أن المشكلات والتحديات التي تواجهها المنظمات الخيرية، قد تمحورت بشكل يبرز لنا معاناة القطاع الخيري، وحاجته إلى التطوير والتحديث للارتقاء بعمله إلى الشكل المطلوب، وفيما يلي نقدم المقترحات التالية لتطوير أداء هذه المنظمات:
1. لتفادي مشكلات تدني الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية العمل الخيري وتفادي محاربته والتضييق عليه:-
نؤكد على أهمية العلاقات العامة والإعلام، وجعل ذلك ركيزة مهمة هدفها تحسين سمعة المنظمة لدى الجهات الرسمية وغير الرسمية وكافة أفراد المجتمع، بل في الداخل والخارج، فما حصل هذا إلا بالقصور الكبير في الجانب الإعلامي والعلاقات والتواصل مع المجتمع بكافة فئاته.
2. التنسيق والتكامل والتعاون بين المنظمات الخيرية ذات الأهداف المشتركة:-
من خلال وضع إجراءات عملية للتنسيق والتكامل والتعاون بين المنظمات الخيرية، ذات الأهداف المشتركة، لما في ذلك من الاستفادة من الخبرات والتكامل في النشاطات، والبدء من حيث انتهى الآخرون، والتخصص في توفير الخدمات التي يحتاجها المجتمع ويعجز عن تنفيذها الآخرون، والتقارب وعدم التكرار في تنفيذ الأنشطة.
3. الترفع عن الخلاف بين المنظمات الخيرية:-
وإن كان ولا بد، من وجود الخلاف في الآراء، فليكن للخلاف ضوابط من احترام آراء الآخرين، واجتهاداتهم وحسن الظن بهم وحمل أعمالهم وأقوالهم على أحسن المحامل، ما لم ينشر أو يظهر خلاف ذلك، وفي هذه الحالة، يكون الرد مهذباً ويترفع عن الهمز واللمز، ولتكن مصلحة المجتمع فوق كل اعتبارات، وفقاً للضوابط الشرعية وثوابت الأمة.
4. الترفع عن تسييس العمل الخيري:-
وتوجيهه لأغراض تخرجه عن مضمونه وتفرغه من محتواه، فإن للعمل السياسي إطاراته التي تصلح له، وأن لا يجعل العمل الخيري مطية لمثل هذه الممارسات غير المسؤولة.
5. دور وزارة الشؤون الاجتماعية في دعم المنظمات الخيرية:-
على وزارة الشؤون الاجتماعية ومكاتبها في المحافظات، المساهمة في الوقوف مع المنظمات الخيرية، من خلال إيجاد آليات صحيحة لدعمها وتقويم أعمالها ومساعدتها في تحسين سمعتها لدى المجتمع والجهات الرسمية؛ فإن نجاح الوزارة في ذلك هو نجاح للمنظمات، ونجاح المنظمات وصول الثمرة إلى الفقراء والمحتاجين في المجتمع، وتحقيق أهدافها الكبيرة.
وعلى الوزارة، يقع العبء الأكبر، في إقناع وسائل الإعلام في الترويج للعمل الخيري، وتحسين سمعته داخلياً وخارجياً: مع عدم السماح بالممارسات الخاطئة والتي تتعارض مع ثوابت الأمة، وعليها يقع عبء تدريب القيادات، والتنسيق مع المنظمات المحلية الدولية في ذلك، ووضع المعايير اللازمة لاختيار هذه القيادات، والمفاصل الأخرى في هذه المنظمات؛ مع مراعاة الحرية الممنوحة لها كمنظمات مجتمع مدني، وعدم التدخل في شؤونها، وترك الخيار لها في تصحيح أوضاعها.
كما يقع عليها، عبء التنسيق بين المنظمات الخيرية، دون إجبارها على خيارات لا تتحمس لها، وإنما تضع البدائل والخيارات التي تكون مقبولة عند هذه المنظمات، وتترك لها فرص الاختيار الكاملة غير المشروطة.
وعليها توفير الكتب والمراجع والبحوث، ودعم المنظمات بها؛ لما من شأنه بث ثقافة العمل الخيري، وتصحيح مفاهيمه، ومنطلقاته.
وعليها يقع، التوزيع العادل في الدعم والمساندة، والدعم الإعلامي؛ بحسب معايير تقييم عادلة، تضعها الوزارة، بالتشاور مع المنظمات الخيرية العريقة في الأعمال الخيرية في البلاد.