الأميون في سلّم الحضارة المعاصرة!!
الأميون في سلّم الحضارة المعاصرة!!
يستطيع ساسة العرب الحوار مع أي صديق أو عدو، ويبررون ذلك بأن الحوار، وليس الحرب، هو مفاتيح النجاح وإزالة العوائق، والشكوك، وتصفية النفوس، لكن حين يطرح هذا الموضوع داخل شبكة العلاقات الداخلية العربية، لا نجد التمثيل النسبي أو الكلي لاختراق الحواجز والفصل بالنزاعات وإزالة المحابس والأقفال..
فلا تنعقد قمة إلا ويتخلف أكثر من زعيم مع أن الدعوة للحضور عامة، لكن من خلال توالد المشكلات تُخلق الحواجز، وإذا ما خرجنا للفضاء الأوسع فالطرق غير سالكة بين السودانيين في الشمال والجنوب، وقبائل العرب والأفارقة في دارفور، ويستحيل لقاء تحسم فيه مسائل الخلافات الحادة بين حماس، وفتح، وممنوع بأوامر طائفية وحزبية أن يجتمع اللبنانيون إلى بعضهم لحل مشكلات تمثيل البرلمان وترشيح رئيس للجمهورية، إلا بإذن من الخارج، حيث تنسج السياسات هناك وتطبق على الأرض اللبنانية، والقائمة تضم الاستحالات الأخرى في المغرب العربي، وتتواصل مع الصومال، وتتناثر الدماء والأشلاء في العراق بين مختلف الطوائف، والدعاوى كلها تقف على رؤية من هو صاحب الحق ونقيضه..
قيل إن النسب المتدنية للثقافة والوعي للمواطن العربي سبب مباشر، لكن الرد يأتي أن الذين أقاموا المشانق واحترفوا البطش والهيمنة على السلطة هم طليعة مدنية أو عسكرية ليست متوسطة الاختصاص ولا الثقافة، واتهام الآخرين بالتآمر، جعل الذين يلجأون لطلب الحلول عند الغرب أو الشرق أكثر من الذين يقبلون الوساطة العربية في حل النزاعات أو يقوم مصلح إسلامي بتحمل هذه المسؤولية من باب رتق الخروق الكبيرة في الثوب العربي..
من ينظر للظاهرة العربية، وكيف أصبح الخلاف مبدأ متأصلاً في العقل والوجدان، يذهب إلى أننا نحتاج إلى عرض ذواتنا على اختصاصيين محايدين في علم النفس والاجتماع، لقراءة هذه الحالات وهل الطقس، أو الجغرافيا، أو العرق، أو حتى الجينات سبب مباشر في الأزمة، وبماذا نفسر الانقسامات التي وصلت إلى الأسرة والمجتمع الصغير، وكيف خرجنا من آمال الوحدة العربية إلى المحافظة على تعايش الأحياء في المدينة الواحدة وسلامتها من الحروب والتخريب، حتى إن إغلاق الحدود ومطاردة المواطن في المنافذ الأرضية والبحرية صارا جزءاً من حفظ الأمن، والأمن سيرة مقطوعة بين السلطات والشعوب وخاصة تلك التي مارست الوصول إلى الحكم بصيغ غير قانونية عندما أصبح العسكر سادة العرب العظام في الوقت الذي نعرف أن المدني، لا العسكري هو الأكثر قابلية للإصلاح، والتفاهم..
لم يجر بين بلدان متقدمة ولا نامية، مثلما جرى في حروب الإذاعات والصحف المهاجرة العربية، والآن من خلال وسائط الفضاء المفتوح، والإنترنت، أصبح مبدأ الهدم أكثر شعوراً بالتفوق من بناء مدرسة أو مصنع أو مكتبة، أو مصالحات وطنية وقومية..
ونتساءل: لماذا نحن مهزومون سياسياً، واقتصادياً؟ وبأي لغة وفكر نفسر عجزنا عن ميلاد إنسان يتفوق على واقعه السياسي بإنجاز علمي، وتوافق ذاتي مع النفس بحيث لا نشعر بالقصور أمام الآخرين، ولا بالكبرياء الزائفة ولا نتعلق بآمال غير متحققة، وإنما نتواصل مع النضال الآخر أي اهتبال الفرص وتحقيقها، ومعرفة أننا لا نزال أميين في سلّم الحضارة البشرية الراهنة..
المصدر: http://www.alriyadh.com/2007/11/26/article297057.html