أديان من أجل السلام

أديان من أجل السلام

بقلم الشيخ حسين أحمد شحادة

من الواضح أن المرسوم الفاتيكاني الثاني الصادر عام 1965 قد ترك تأثيره النوعي المهم في تصويب العلاقات المسيحية - الإسلامية نحو مشروع عالمي خلاصي قادر على صياغة قيم المشتركات التوحيدية بين الديانتين الأكبر في العالم، إلا أن اكتساح التيارات المعادية للمسيحية والإسلام معاً يثير قلق البحث عن دور الصهيونية العالمي في تدمير المناخ السلمي الذي مهّد له الفاتيكان باستجابة إسلامية واضحة من مختلف مرجعياتها.

وما يثير الانتباه أن مجرد إعلان الأمير البريطاني تشارلز عام 1995 عن إمكانات الوفاق بين الإسلام والغرب وتمنياته في أن يغير لقب التاج البريطاني من حامي الين المسيحي إلى حامي الأديان باعتبار الإسلام مكوناً من مكونات المجتمع الإنكليزي الحديث فقد جاء الرد السريع من مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عام    1996 بتوكيد هيكلية النظام الدولي وفق شروط صدام الحضارات الذي اخترع حتميته هنتغتون، وفي سياق هذه المواجهة الحضارية فقد تضافرت الجهود - المسيحية - الإسلامية المخلصة لتنقض هذا المشروع واعتباره مجرد مخطط سياسي عولمي يمهد وبشكل غير مسبوق لإمبراطورية غربية تقوم على جماجم فوضى العالم وتمزيقه فيما يظهر من بيانات البابا بندكتس نفسه وإصراره على فصل المسيحية الغربية عن حماقات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

كذلك ولا يمكن تحليل استبدال النظرة الأمريكية لمسيحي الشرق إلا في إطار موقفها من المسيحية العربية في العراق وفلسطين لتدفع بها وهي تحت احتلالها المباشر إلى التهجير الجماعي، وينبغي ألاّ تؤخذ هذه الحالات إلا بوصفها عقاباً بلغ رمزيته في الاعتداء على المقدسات المسيحية - الإسلامية وفي ذلك يجري البحث عن سؤال علاقة الإرهاب بالاحتلال وأدوات حروبه الاستباقية حيث كشفت الأحداث المتسارعة عن تلك العلاقات السرية التي تربط بين غوغاء الفوضى العالمية وعنف الإرهاب العالمي، ما يعني ضرورة توحيد المواقف المسيحية والإسلامية من قضية التطرف السياسي والديني بجميع أشكاله.

 وفي جحيم هذه الفتنة الكبرى نرجو أن تستعيد المسيحية رسالتها الخلاصية التي تتسع لكل العالم وفي مقدمته النظر إلى المسلمين باعتبارهم شركاء الإيمان بالتوحيد لإحياء شعار بول السادس: "نور لكل الأمم"  كما نرجو أن يستعيد المسلمون شعارهم القرآني الخلاصي: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " - [الأنبياء: 107].

يرى بعض الباحثين في مستقبليات الدين في الغرب الأمريكي: "أن الحضارة تواجه تهديداً ليس للقيم الإسلامية فحسب بل لقيم كل المؤمنين بالحياة الروحية فالأبعاد العقدية للروح واقعة تحت الحصار وإذا ما ربط الإسلام نسقه من القيم بقيم العالم غير الإسلامي المشابهة من أجل جهد مشترك للتأثير على المجتمع البشري فإنه يكون قد أنجز ما قدره القرآن الكريم".

وعلى نداء المحبة الإنجيلية تعمل مؤسسة - أديان من أجل السلام - بإشراف الدكتور الأمريكي وليام ف بندلي على تأكيد الفلسفة العميقة لشعار أن يكون الدين من أجل الإنسان وهو الشعار المطابق لنظرية كاتب هذه المقالة في سياق دعوته إلى الانتقال بمشروع حوار الأديان من حوار موضوعُهُ الدين إلى حوار موضوعه الإنسان في معنى خلاصه بالاستقامة على قيم الحق والعدالة والسلام.

وما من شك في أن نقطة الخلاص الجوهرية تتمحور في الانتصار للكرامة الإنسانية ووسيلتنا إلى ذلك الالتزام بتطوير فكرة الكرازة والتبشير بالمسيحية من حدود تنصير العالم الحديث إلى آفاق رسالة المسيح المخلص ليقابلها الالتزام بتطوير فكرة الدعوة وتبليغ الإسلام من حدود أسلمة العالم إلى آفاق القيم الرحيمة في العدالة والحرية والمساواة التي بشر بها جميع الأنبياء في ثوابت شرائعهم.

وعندي أن هذا التصور الخلاصي الجديد من منظور مسيحي - إسلامي من شأنه أن يضع العالم على مساحة التطابق في منظومة معنى القيم الدينية على أرض الواقع ولاسيما فيما يتصل بالجانب الأخلاقي من روح الخلاص وفلسفته العقدية واللاهوتية بملاحظة أن مجرد الاعتقاد بالنصوص المقدسة لا يستتبع بالضرورة الحلول السحرية لأزمات الواقع إلا إذا توفرت على شروط الوعي الموضوعي للسنن التاريخية وقوانينها.

وها هنا يجب ربط فكرة الخلاص بمفهوم العمل الصالح وتجلياته في ترجمة الإيمان إلى سلوك يزهر بالتواصي على الحق والصبر: " وَالْعَصْرِ إن الْإنسان لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر " -ِ [العصر:1 - 2 - 3].

ولقد كان للرؤية المسيحية - الإسلامية في تجديد الإيمان بالأصول الإبراهيمية والأبوة الإبراهيمية لجميع الأديان التوحيدية التأثير الواضح في تأكيد الشراكة مع اليهودية الأخلاقية بوصفها ديناً سماوياً تنادي بخلاص الأمم بالتوحيد والأخلاق فيما شهدناه من تلك الأصوات اليهودية الرافضة لقيام دولة الكيان الصهيوني في فلسطين.

غير أن توظيف هذا الاتساق الخلاصي بين الأديان التوحيدية يستدعي النهوض بتنميته لدرء عوامل التوتر التي تغذيه الإدارة الأمريكية في جهات العالم بعامة والشرق الأوسط بخاصة، ولا يمكن قيام رسالة خلاصية للأديان بمعزل عن مناهضة التدخل الأمريكي المتخصص في صناعة الفوضى والإرهاب، وليس من الحكمة في هذا المقام إغفال الأخطاء المسيحية - الإسلامية التي فتحت شهية التدخل الأمريكي على استغلالها في غير مكان من العالم عبر احتضان الإدارة الأمريكية نفسها لحركات التطرف الديني ليتضح لنا من قبل ومن بعد علاقة الإرهاب بالاحتلال الجديد فيما المؤسسات الدينية تبدو عاجزة عن ملاحقة الفتن المتنقلة بشعارات لا تمت إلى الأديان وسلامها المنشود بصلة.

المصدر: http://www.alazmenah.com/?page=show_det&category_id=9&id=38882&lang=ar

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك