جدوى الحوار الديني
جدوى الحوار الديني
بقلم :أد يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
كما نتمنى لو أن نداء الحوار الديني في صيغته الحالية أتي نابعا من تاريخ الفكر الإسلامي الطويل الذي مارسه المسلمون بأسلوب موضوعي علمي وبحرية كاملة على جانبي الحوار وأنتج من ثم تراثا عقليا جدليا على المستوى الأعلى - مازالت تحفل به المكتبة الإسلامية - على يد كبار الأئمة والأعلام من مثل أبي حامد الغزالي ، والطبري ، وأبي الحسن العامري وابن تيمية ، وعبد الرحمن البغدادي ،إلخ .. ، وفي المحدثين : رحمة الله الهندي وأبي زهرة ووافي وأحمد عبد الوهاب وديدات وبعض أساتذة العقيدة بالأزهر ؟ وفي كتب التوحيد والتفسير والحديث ،وكانت قدوتهم في ذلك كله القرآن الكريم والحديث الشريف
إننا نعرف اليوم أن هذا الحوار الديني المعاصر بدأ بتخطيط من المخابرات الفرنسية ولأغراضها - ضمن جهات أوربية أخرى - ، بقيادة مديرها الأكبر الكونت دي مارانش ، منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي ، في حركته نحو احتواء الإسلام سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها " الحوار الإسلامي المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار الديني " ، المصدر : وثائق الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب :وجهات نظر " ( مايو 2001) التي تصدر بالقاهرة .
هكذا يتبين المنطلق السياسي المخابراتي للدعوة إلى هذا الحوار
ثم يتبين المنطلق الكنسي التبشيري لهذا الحوار من مبادرة الفاتيكان إليه وتخطيطه له ، وأهدافه منه ، ويتبين ذلك مما كتبه أليكسي جورافسكي في الفصل السادس من كتابه بعنوان ( الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم) ترجمة خلف محمد الجراد ومراجعة وتقديم محمود حمدي زقزوق، دمشق 2000. وهو يتضمن قصة المساعي الكاثوليكية المعاصرة في مسألة الحوار مع الإسلام. حيث ذكر أنه ( ينطلق من الكنيسة والمحافظة عليها كحامية للدين. إذ كان يتخوف البابا ليون الثالث عشر عندما يغادر رجل الدين الأوروبي إلى البلدان الأفريقية والآسيوية ولا يجد فيها هيئة دينية تحمي المصالح الكنسية.
من هنا كان اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمسألة الحوار، من جهة، ورغبتها فيه، من جهة أخرى ؛ ولذلك طالبت بهيئة دينية مستقلة تقود الكنائس المحلية وكنائس الشرق الأدنى والشرقية، مع تناسي الشقاقات القديمة بينها. وعندما تطورت حركة التحرر الأفروآسيوي غيَّرت الكنيسة نظرتها لمسألة القيادة الكنسية، فجعلتها تتكيف مع ظروف كل بلد، مع إطلاق مفهوم "مراعاة مصالح السماء".
أما قضايا الإسلام في المجمع الفاتيكاني من حيث الحوار معه، فقد عولجت لأول مرة من 1962 إلى 1965 على مستوى مذهبي عقائدي، وفي ضوء الدستور العقائدي والدستور الرعوي في الكنيسة، وعالم اليوم، ومع تنامي فكرة الحوار مع الإسلام.
….. وفي عام 1965 حدد المجمع الكنسي العلاقة مع الإسلام من خلال التصريح الذي جاء فيه: "إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار – أيضاً – إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء ….و يُجِلُّون يسوع كنبيٍّ، وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون أمَّه مريم العذراء ".
ثم دعا المجمع الكنسي إلى تناسي كل الخلافات القديمة تحت مفهوم العقيدة الإلهية النهائية التي تجمع الدينين (التوحيد)، مع الاحتفاظ ببعض الخلافات الجزئية،{!!} كتأليه النبي يسوع، من جهة، ونبوَّة محمد (ص)، من جهة ثانية، وتعدد الزوجات، وما نتج عنه من انحلال خلقي برأي بعض الأساقفة { !! }. )
ومع تزايد عدد مناصري الحوار مع الإسلام في الفاتيكان، لاحظ المؤلف ( أن السكرتارية تنظِّم مدارس صيفية للقساوسة عام 1979، ومعهم المبشرون والعاملون في البلدان الإسلامية، من أجل تعريفهم بالشكل المعمَّق لفهم الإسلام {!} . وثمة مؤتمرات وملتقيات في بلاد عربية وأوروبية دعت إلى هذا النوع من الحوار بحضور شخصيات إسلامية معروفة. ) وذكر المؤلف في هذا السياق ( ما قام به سكرتير أمانة شؤون الديانات غير المسيحية الذي زار السعودية والقاهرة ودعا علماء المسلمين لزيارة الفاتيكان لتصل مسألة الحوار الإسلامي–المسيحي إلى مرحلة وضع الأسس اللاهوتية والجوانب الاجتماعية والثقافية للحوار)
كما يتبين المنطلق التبشيري للحوار متحالفا مع الأهداف السياسية الصهيومسيحية من كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة والأدب الفرنسي وعنوانه "حرب صليبية بكل المقاييس " نستشهد هنا بما رصدته المؤلفة من أن المجمع الفاتيكانى الثاني الذي انعقد في المدة من 1962-1965 كان بمثابة الخطة التنفيذية للحرب الصليبية الدائرة حالياً، أو لتلك الحرب العالمية الرابعة كما يطلق عليها البعض، والتي أدخل ما يسمى " الحوار الديني " عصبا أساسيا فيها ، وأن ذلك الحوار المسيحي الإسلامي المزعوم لا يهدف إلا إلى اجتثاث الإسلام بالتدريج تفادياً لأية مصادمات : حماية للأقليات المسيحية التي تعيش وسط أغلبية مسلمة على حد قول البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدان في البداية الحرب على العراق وكان يصفها على أنها – فعل إجرامي وفى أحاديث أخرى بأنها "من وحي الشيطان" ! ثم حدث التحول الذي كشف سره مراسل مجلة "إكسبريس" جان ميشيل ديمينز فى مقالة بتاريخ 17/5/2003 قائلاً: "أن حقيقة ما يخيف البابا من هذه الحرب هو أن تؤدى إلى رد فعل لدى الأصوليين الإسلاميين وتزايد الأخطار على الأقليات المسيحية المحاطة أو المحاصرة في الأراضي المسلمة .. أي أن البابا يوحنا بولس الثاني لم يكن يعارض الحرب حباً في الإنسانية ، ولكن دفاعاً عن الأقليات التابعة له ، والتي يستعين بها ويعتمد عليها فى عملية التنصير التى يقودها.
ليس ذلك فحسب ولكن من أجل فتح الباب أمامه في الدول الإسلامية الخالصة كما يجري حاليا في دارفور كمثال : فمن حديث الوزير السوداني محمد أحمد هارون وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية في ندوة له بالقاهرة في 7\8\2004 ( كشف عن أن عدد المنظمات التبشيرية الأوربية والأمريكية العاملة في دارفور يبلغ أكثر من 30 منظمة أوربية وأمريكية. وقال: إن هذه المنظمات باتت "واحدة من آليات النظام السياسي العالمي الجديد، وإنها أصبحت مسئولة عن إعداد مسارح الحرب للآخرين، وإنها تقوم بأدوار في غاية الخطورة ، وتستغل العمل الإغاثي في عمليات التبشير في دارفور التي يعتبر غالبية سكانها مسلمين، ولا يوجد بها كنيسة واحدة ) المصدر نشرة إسلام أون لا ين في 8\8\2004
وكما ترى الدكتورة زينب عبد العزيز فقد كان من أهم أصداء هذه الحرب الصليبية وإنعكاساتها الحوارية ذلك المؤتمر الذي انعقد بالقاهرة في رحاب وزارة الثقافة في الأيام الثلاثة من شهر يوليو 2003 تحت عنوان : "نحو خطاب ثقافي جديد: من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل" . وعلى الرغم من أن العنوان المعلن للمؤتمر هو نحو خطاب ثقافي جديد، إلا أنه قد ناقش محورين أساسيين هما نقد الخطاب الثقافي السائد وتجديد الفكر الديني {!} ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار – كما ترى الأستاذة الدكتورة زينب عبد العزيز - أهم وأغرب ما تم طرحه من مقترحات في هذا المؤتمر لأدركنا أن المغزى الحقيقي لهذا الحشد الثقافي هو طرح كيفية اقتلاع الإسلام تمشياً مع مآرب هذه الحرب الصليبية الحوارية ولمواكبة الحضارة الأمريكية والغربية المسيحية فى انفلاتها الجامح.. ولا أدل على ذلك من أن تتولى جماعة من العلمانيين الموالين للغرب مناقشة الخطاب الديني وتحديد آفاقه المستقبلية!
وهنا يظهر التلاحم بين التبشير والصهيومسيحية والعلمانية المحلية
فلقد تراوحت الجلسات منذ الجلسة الافتتاحية حتى الجلسة الختامية – وفقا لمتابعة الدكتورة زينب - بين منطق التكفير وآفاق التفكير ومحاولات التفكيك التي طالت كل الثوابت الإسلامية والتاريخية المراد مراجعتها بدءاً من الدين نفسه.. الأمر الذي يضع علامات استفهام حول المخططات الأمريكية الصليبية التي لاحت في المؤتمر وحول أولئك المسلمين الذين تباروا في مطالب جد غريبة ، فمنهم من طالب بحذف آيات وكلمات من القرآن الكريم، وعدم الاعتراف بالسلف الصالح، ونبذ التراث والمساس بالفقهاء القدامى، ومنهم من طالب بعمل لاهوت إسلامي جديد، وانتقاد ثبات النص القرآني ، والمطالبة بالانطلاق نحو الحياة والمتعة بدلاً من القيم والأخلاق البالية ، وبتطبيق قيم فلسفة عصر التنوير ، والاستفادة من مدرسة الحداثة ، ومنهم من طالب الغرب المسيحي رسمياً بالتدخل لإصلاح الشأن الديني في البلدان الإسلامية ، بما أنه صاحب المصلحة الأولى في هذا التخريب ، ومنهم من طالب بتغيير المناهج الدراسية العربية وفقاً لوقاحة السياسة الأمريكية ومطالبها ، ومنع تدريس القرآن الكريم في المدارس ، وإنتاج خطاب ديني متطور يواكب العصر في انفلاته الأخلاقى ، ومنهم من طالب بحقوق المرأة في كل شيء ؟؟؟ الأمر الذي استوجب عدة علامات استفهام وتعجب ، وتحرير الوعي الإسلامي من قاعدة الحلال والحرام إلخ.
ثم يظهر الخط الاستشراقي في هذا المخطط الحواري إذ تؤكد المؤلفة أن هذه المطالب لم تخرج عن مطالب المستشرقين المتعصبين الذين لم يكفوا عن تكرار هذه المطالب بصورة أو بأخرى ، وأنها امتثال واضح لمقولة المستشرق المبشر زويمر، الذى قال في مطلع القرن الماضي " إنه لن يقتلع الإسلام إلا أيد مسلمة من داخل أمة الإسلام" .
هكذا يتبين لكل ذي عينين أن هذا الحوار إنما يقع داخل أسوار من صنع تحالف عالمي خماسي الأضلاع يتكون من
1- المخابرات الغربية
2- والتحالف الصهيومسيحي
3- والتبشير
4- والاستشراق
5- وأذنابهم من العلمانيين المحليين .
فما ثمرته لنا نحن المسلمين – غير الخسران المبين - وقد بدأ في يد هؤلاء ، وما يزال تحت إدارتهم ، وفي أحضان تخطيطهم ووفق توجيههم ؟ وما يزال العزف مستمرا على أنغامهم ؟
بل ما ثمرته من وجهة النظر الدينية الخالصة سواء للمسلمين أو المسيحيين وقد وقع بين براثن السياسة العالمية المعاصرة بأغراضها في السيطرة والتوسع والإمبريالية وتصفية العدو " القديم \ الجديد" ؟
ويقفز بعضهم فوق مائدة الحوار ليقول مشاغبا : ولم لا ؟ لم لا يقتحم الفكر الإسلامي الساحة ليقدم الحقيقة ويعدل من هذا المسار لصالح الإسلام ؟
فهل كان هؤلاء العلمانيون في المؤتمر المشار إليه آنفا بحاجة إلى من يعلمهم ألف باء الإسلام وهم من قلب المجتمع الإسلامي وثقافته ؟
وبصرف النظر عن العلمانيين المشاغبين العاملين ضمن مخطط هذا الحوار التبشيري الاستشراقي الاستعماري فإنه لمن المؤسف أن نجد من لا يزال في صفوفنا من بيننا من يبتلع الطعم – طعم ما يدعى بالحوار الديني المستورد في سياق هذا المنظور التبشيري ووفق أحكامه سالف الذكر – ما زلنا نجد من لا يزال مستغرقا في حالات جلد الذات { لاحظ عزيزي القارئ أنه : جلد ذات المجموع يجري وفق عملية نفسية باطنية يتم فيها جلد المجموع من أجل تبرئة الذات وتمجيدها ؛ ذات الفرد : الفرد الناقد } ، فينسب الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب وما أدت إليه من تجذير عداوته للإسلام .. ينسبها إلي سوء العرض منا بدلا من سوء القصد منهم ؟ داعيا إلى هذه المؤتمرات الاحتفالية للحوار التي سبق أن خطط لها الغرب لأغراض مخابراتية سياسية صهيونية تبشيرية استشراقية ، ولأغراض أخرى في نفس يعقوب ، لكي يشارك فيها بعض المسلمين ، إمعانا لا في جلد الذات فحسب ولكن في تجميل التابع لصورة المتبوع مما يعود بالتجميل علي الطرفين طرف التابع وطرف المتبوع ؟
وإذا كانت التصريحات التي تخرج اليوم عن استمرار وتشجيع هذا الحوار الديني ترغب في طمأنة المتشككين فيه بأنه لن يتناول مسائل العقيدة " والعقيدة لا تباع ولا تشترى " ( حسب تصريحات شيخ الأزهر بتاريخ 16 \7\2004)
ففي أي شيء يكون الحوار إذن ؟
أيكون في العبادات وما أحسبها إلا ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟
أيكون في الأخلاق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟
أيكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين رسميا ما لم يكن بسند سلطوي ؟
أيكون في المناسبات والتقريظ والمجاملات الاجتماعية فما حاجتها إذن إلى الحوار ؟
أم ليكون من أجل طمأنة الفاتيكان والصهاينة على مستقبل تحركاتهم وأقلياتهم في العالم الإسلامي ؟
ألا يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها بالنسبة إلينا موضوع قد انتهت إلى غير موضوع ، وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " ؟
فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ، أم إلى نقطة الصفر ؟
أيها المبتلعون طـُعم الحوار في صفوفنا : مكانكم ، فليست القضية اليوم قضية الحوار ، لأنه ليست القضية أنكم أنتم المسلمين .. المسئولون عن عداء الغرب لنا ، حيث تسيئون عرض الإسلام … مع أنكم تفعلون {!} ، ليست هذه هي القضية ، إنها على العكس من ذلك ، إنهم في الغرب يتجاوزون سوء العرض هذا ، ويفهمون عرضيته أوجانبيته أوهامشيته ، ويذهبون إلي عمق علاقتهم بالحضارة الإسلامية ؛ باعتبارها الخطر الموضوعي علي حضارتهم .
إنه من السطحية والسذاجة ــ إن لم يكن من التآمر ــ أن يظن البعض منا أن المسألة ترجع إلي طريقة عرض الإسلام... وتنتهي المشكلة .
وإلا فإنه في كل دين ، وفي كل مذهب ، وفي كل نظرية ، وفي كل أيديولوجية هناك من يسئ العرض ، ولا أحد غير الهازلين يتوقف عند أولئك الذين ينبتون علي هامش هذه الأديان والمذاهب ممن يسيئون العرض ؛ جهلاً أو قصداً .... في المسيحية هناك من يسئ العرض . وفي الديموقراطية هناك من يسئ العرض . وفي الليبرالية هناك من يسئ العرض . وفي الاشتراكية هناك من يسئ العرض . ولا تكون هناك نهاية المطاف .
ويبتلي الإسلام بمن يسئ العرض من المبشرين والمستشرقين وأنصاف العلماء ، والمثقفين الجهلاء ، والجهلاء الجهلاء .. تماماً كما هو الحال مع غيره ، لكنه هو وحده الذي يقولون عنه : لولا سوء العرض ...
يا سادة : لا تضيفوا إلي سوء العرض منا سوء الظن بهم !!!؟؟…
يا سادة : إن في الغرب رجالاً ولجانا ومراكز بحث ، وجامعات ، و.. و.. يحققون ، ويدققون ويذهبون إلي المصادر الأصلية ، كعلماء وخبراء وفلاسفة ، وإعلاميين ، واستراتيجيين ....فما هي القضية إذن ..
ليست القضية إذن قضية سوء فهم ، نشأ من سوء عرض .. فما هي القضية إذن : ؟
القضية أنهم هناك يدركون الخطر الموضوعي الذي يأتيهم من انبعاث الحضارة الإسلامية مرة أخري ، ثم يذهبون يشوشون علي منطلقاتهم وأهدافهم ويستأجرون العملاء من سماسرة الثقافة والإعلام ، والأعلام ، والعلمانيين ليشيعوا مقولات ساذجة تبعدنا عن أصل المشكلة وتضللنا عن جوهر القضية .
وإلا فقولوا لنا ..
هل كان أرنست رينان المستشرق الفرنسي الشهير متأثراً بسوء عرض الجهلاء منا للإسلام وهو يقدم كراهيته للإسلام في ذورته الأكاديمية : إذ يقول في خطاب افتتاحي في الكوليج دوفرانس حول تصنيف الشعوب السامية في تاريخ الحضارة ..( . الشرط الأساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ماله صلة بالسامية الحقة : تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية ، لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي ، وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض . { ؟؟ } هذه الحرب الدائمة، الحرب التي لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل بؤسا ، أو يرغمه الإرهاب { أي إرهاب يعني ؟!! } علي أن ينتبذ في الصحراء مكاناً قصيا .
الإسلام هو النفي الكامل لأوربا ، الإسلام هو التعصب ، الإسلام هو احتقار العلم ، القضاء علي المجتمع المدني ، إنه سذاجة الفكر السامي المرعبة ، يضيٌق الفكر الإنساني ، يغلقه دون كل فكرة دقيقة ، دون كل عاطفة لطيفة ، دون كل بحث عقلاني ، ليضعه أمام حشو سرمدي : " الله هو الله " . المستقبل هو إذن لأوربا ولأوربا وحدها ، ستفتح أوربا العالم ، وتنشر فيه الدين الذي هو الحق، الحرية ، احترام البشر ، هذا الاعتقاد القائل بأن ثمة شيئاً ما إلهياً في صلب الإنسانية{ عقيدة التجسد !! } … ) !! أنظر كتاب " الإسلام اليوم لمارسيل بوازار " بحث الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ووزير خارجية تونس الأسبق صــ 34 ــ 35 طبعة 1986 ــ اليونسكو .
فهل تريدون منا أن نصدق أن أرنست رينان – وهو من هو في قمة الاستشراق - في صورته المشوهة عن الإسلام عمدا قد تأثر بسوء العرض منا ؟
أو فقولوا لنا لماذا يكتب " باول شمتز " المستشرق الألماني المعروف مثلاً في كتابه " الإسلام قوة الغد العالمية " ــ قبيل الحرب العالمية الثانية ــ ليُحذر من تواكب الحركة الإسلامية مع الحركة القومية الإسلامية " وما يمثله ذلك من خطر محدق بالغرب !! يقول المؤلف ( إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوربا ، وهتاف يجوب آفاقها يدعو إلي التجمع والتساند الأوربي لمواجهة هذا العملاق الذي بدأ يصحو ويزيل النوم عن عينيه. فهل يسمع الهتاف أحد ؟ ألا من يجيب ) .انظر كتابه " الإسلام قوة الغد " ترجمة د. محمد عبد الغني شامة صــ 356
. حتى إنه ليقلل من أهمية افتقاد العالم الإسلامي للتقدم التكنولوجي في هذه المعركة التي ينذر قومه بها ، إذ يقول ( من الممكن أن يعارض المرء هذا الرأي .. فإن الإسلام فقد سيطرته علي بعض الأشياء المادية ، وخاصة ما يتصل بالحرب ، فهو لم يلحق بالتقدم التكنولوجي الحديث . ولا أستطيع أن أدرك لماذا لم يعوض الشرق الإسلامي ما فاته في هذا الميدان ، إذ لا تحتاج العلوم الحديثة إلي طبيعة عقلية خاصة ، بل يتطلب الإلمام بها والتفوق فيها الخبرة وتوجيه الخبراء ، ومن المؤكد أنه غالباً ما يحدث أن تكون حضارة ذات منزلة عالية في التقدم التكنولوجي .. هي أقل درجة من حضارة أخري لم تبلغ تطورها بعد في هذا المجال ما بلغته الأولي ، إذن فهناك احتمال كبير في أن يصبح شعب ظهر حتى الآن أن مواهبه في الناحية التكنولوجية ضعيفة سيداً علي شعب آخر استولت التكنولوجيا علي حواسه ومشاعره ، فلم ينقذه أحد .. لماذا لا يتعلم العالم الإسلامي ما تعلمناه في مجال التكنولوجيا ، وفي مقابل هذا : سوف يكون من الصعب علينا استعادة التعاليم الروحية التي فقدتها المسيحية ، بينما لم يزل الإسلام يحافظ عليها . ) المصدر السابق.
ويبني المؤلف تحذيره علي ما يلمسه من مصادر القوة التي يملكها العالم الإسلامي ؛ وهي : الموقع الجغرافي ، والخصوبة البشرية ، والثروات والمواد الخام والدين الإسلامي ( الذي له قوة سحرية علي تجميع الأجناس البشرية تحت راية واحدة بعد إزالة الشعور بالتفرقة العنصرية من نفوسهم ، وله من الطاقة الروحية ما يدفع المؤمن به علي الدفاع عن أرضه وثرواته ، بكل ما يملك مسترخصاً في سبيل ذلك كل شئ حتى روحه .. يحرص علي التضحية بها فداء لأوطان الإسلام . ) .
ثم يتساءل : ( أي قوة وجدانية بعثت هذه الإرادة اليوم في الشرق ؟ ) ثم يجيب برؤية صحيحة ( قوة الوحدة الفكرية للإسلام ، ووجود الإحساس الحي للدين الإسلامي ، فهو ينتصر في كل مكان ينزل فيه الميدان مع الأيديولوجيات الأخرى ) .
بل إنه ليستشعر الخطر من مجرد أداء المسلمين لفريضة الحج واتـجـاهـهم إلي القبلة في صلواتهم .. إذ يقول ( إن اتجاه المسلمين نحو مكة ــ وطن الإسلام ــ عامل من أهم العوامل في تقوية وحدة الاتجاه الداخلي بين المسلمين ، وأسلوب يضفي علي جميع نظم الحياة في المجتمع الإسلامي طابع الوحدة ، وصفة التمسك . ).
بل إن ناشر الكتاب الألماني يقدم له بهذه العبارة ( باول شمتز عاش في القاهرة عدة سنوات ويعرف جيداً الأسس التي ينبثق عنها تطلع الشعوب الإسلامية إلي الاستقلال ، الذي يعد أهم مشكلة سياسية في الوقت الحاضر ، وهذا الكتاب يوضح الخطر المتوهج الذي يمر عليه الإنسان في أوربا بكل بساطة ، وفي غير اكتراث ، فأصحاب الإيمان بالإسلام يقفون اليوم { قبيل الحــرب العالمية الـثــانية } في جبهة موحدة معادية للغرب … وهذا الكتاب هو نــداء وتحذير يجب أن يلقى الاحترام الجدي من أجل مصالح الغرب وحدها. ) .هكــــذا ، فهل كتب باول شمتز ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
أو فقولوا لماذا نشر المفكر الأمريكي " صامويل هانتنجتون " الأستاذ بجامعة هارفارد كتابه المعروف باسم ( صدام الحضارات ) وفيه يبشر لصدام مستقبلي هائل بين الديانات والثقافات الحديثة ممثلة في الثقافة الأوربية الأمريكية الغربية من ناحية ، وبين الديانات والثقافات القديمة .. لكنه خص الحضارة العربية الإسلامية بأكثر قدر من التركيز لأنها ـ كما يعتقد ـ ستكون أولي تلك الحضارات القديمة وأقدرها علي الازدهار وتحدي الغرب قريباً ، ولذلك يقول الرجل : ( يجب علي الغرب الاستعداد من الآن لصدام المستقبل هذا ، بل العمل علي إجهاض قوة الحضارات الأخرى ، خاصة الإسلامية قبل أن تكتمل . ) .
، فهل كتب صامويل هننجتون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
وفي نفس اتجاه هنتنجتون نجد دراســة أخــري نـشـرتـها مجلة الايكونومست البريطانية في 8 يناير عام 1994 ، ركزت علي أن مستقبل العالم مهدد بقوتين كامنتين أمامهما فرصة البزوغ ، بل الصدام مع الآخرين : هما اليابان والقوة الإسلامية المنتظرة! مقال صلاح حافظ ــ الخليج 25/2/1994 .
وها هو الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ــ ريتشارد نيكسون : يدرك السمة الحضارية للإسلام ، حيث يقول ( إن الإسلام ليس ديناً فقط ، وإنما هو أساس حضارة رئيسية ، إننا نتحدث عن العالم الإسلامي بصفته كياناً واحداً ــ ليس لأن هناك مكتباً إسلامياً يوجه سياساته ، ولكن لأن الدول منفردة تشترك في اتجاهات سياسية وثقافية مشتركة مع الحضارة الإسلامية ككل . ) (انتهزوا الفرصة ــ ترجمة حاتم غانم ، طبعة فبراير 1992 صــ 40 .) فهل كتب نيكسون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
ثم يقول ريتشارد نيكسون : ( للعمل في العالم الإسلامي فإن علي صناع السياسة الأمريكية المناورة داخل وكر أفعي من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية ) .والمدهش أنه يعترف بعد ذلك بأن بعض الأمريكيين ( يتغاضون عن حقيقة أن الإسلام لا يشمل مبدأ ارهاب وأن ثلاثة قرون قد مرت منذ أن انشغل المسيحيون في حروب دينية في أوربا . ) فهل من سوء عرضنا فهم نيكسون ؟ .
ثم يعترف بفضل الحضارة الإسلامية فيقول : ( بينما ذبلت أوربا في العصور الوسطي تمتعت الحضارة الإسلامية بعصرها الذهبي ، وقد أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب ، والفلسفة ، وفي كتابه "عصر الإيمان " لاحظ ول ديورانت أن الإنجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت علي يد مسلمين في هذه الفترة ، وكان ابن سينا أعظم الكتاب في الطب ، والرازي أعظم طبيب ، والبيروني أعظم جغرافي ، وابن الهيثم أعظم صانع للآلات البصرية ، وجابر أعظم كيميائي .. وكان العلماء العرب فاعلين في تطوير الفكرة العلمية .. وعندما دفع الرجال العظام من عصر النهضة الأوربية إلي الأمام حدود المعرفة .. فقد رأوا أكثر لأنهم وقفوا علي أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي . ).
ثم يقول ريتشارد نيكسون ( إن حضارتنا ليست متفوقة علي حضارتهم الموروثة ، إن شعوب العالم الإسلامي كانوا أكثر مقاومة لجاذبية الشيوعية من مقاومة أولئك في الغرب ، وإن رفضهم الواسع للمادية وثقافة الغرب الأخلاقية المسموح بها ـ أي في الغرب ـ رجعت عليهم بالفضل . )
وطيلة خمسة قرون من 700 إلي 1200 م ــ كما يقول نيكسون ــ فإن العالم الإسلامي تقدم وتفوق علي العالم المسيحي فيما يتعلق بالقوة الجيوبوليتيكية ، ومستوي المعيشة ، والمسئولية الدينية ، وتقدم القوانين ، ومستوي تعلم الفلسفة ، والعلوم والثقافة .
ثم يرجع انحسار الحضارة الإسلامية إلي انتصارها في الحروب الصليبية ، كما يرجع تفوق الغرب إلي انهزامه إذ يقول ( إن عقوداً من الحرب قلبت الطاولات ، وكما كتب ديورانت : إن الغرب خسر الحرب الصليبية ، لكنه ربح العقائد (!! ) ، وتم طرد كل محارب مسيحي من أرض اليهودية والمسيحية المقدسة ( كذا !! ) . لكن الإسلام استنزف نتيجة انتصاره المتأخر ، ودمر وخرب علي يد المغول ــ بالمقابل ــ في عصر من ظلام الغموض والفقر ، بينما المهزوم مدفوعاً بالجهد ونسيان الهزيمة تعلم كثيراً من عدوه ، ورفع الكاتدرائيات في السماء ، وعبر بحور العقل ، وحوٌل لغاته الجديدة إلي لغة دانتي وفيلون ، وتحرك بروح معنوية عالية إلي النهضة ) فهل كتب نيكسون ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام .
وحين أصدر جان بيرك المستشرق الفرنسي ترجمته لمعاني القرآن عام 1990 وجدناه يبرر اهتمامه بتقديم معاني القرآن للغرب بقوله ( لأن الكثير من المفكرين والناس الآن ينبذون الصورة المادية للحياة المعاصرة ، ويرفضون مجتمع الاستهلاك ، هذا المجتمع المادي المحض .. ويفضلون علي المدنية المعاصرة مدنية الإسلام الروحية وينادون بالعودة إليها )
فهل كتب جان بيرك ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام
ولكن بيرك يلتف بخبث فيقدم في ترجمته للقرآن الكريم بعض معاني القرآن مشوهة فكأنه أراد أن يقول للمفكرين الغربيين الذين أصبحوا يرفضون حضارة الغرب الآن ويرون أنها علي وشك الانهيار، لأنها فقدت الأساس الروحي والأخلاقي .. يريد أن يقول لهم : وهذا هو الإسلام أيضاً ملئ بالخرافات والتناقضات .. ) ألخ مقال رجب البنا صــ 9 ، الأهرام 6/3/1994 .
أما جان بيرك نفسه فيكاد يلتمس لنفسه العذر فيما يكون قد حدث من مخالفة في ترجمته للقرآن الكريم يعتذر بالرجوع إلي وجوب الأخذ بالمنهج التاريخي إذ يقول : ( يبقي صحيحاً القول بأن الديناميكية الدينية ذاتها تتطور عبر التاريخ ــ ليس في مبادئها وأصولها بالطبع ، ولكن في صياغتها وأشكالها وتطبيقاتها ، فتلك أشياء خاضعة للتأقلم والتطور وتختلف باختلاف العصور والأزمات ) الأهرام 29/7/1995 .
ومن الواضح لدينا أن استثناءه ( المبادئ والأصول ) من عملية التأقلم.. الخ ، ليس إلا تغطية لفظية لهدفه من الترجمة ، وهو إيصال الديناميكية الدينية التاريخية إلي ( صياغة ) المبادئ والأصول ، وما ذلك إلا صياغة كلمات الله تعالي ما دمنا بصدد ترجمة القرآن الكريم خلافا لتصريحه ، وهذا المنهج التاريخي هو المدخل " الحديث " لنسف أصالة المسلمات الإسلامية .
فهل ذهب جان بيرك إلي ذلك نتيجة سوء فهم أو سوء عرض .
أهو سوء عرض منا ذلك الذي جعل منصٌراً مثل : بروس ج. نيكولز يدرك حقيقة الإسلام بدقة يغبط عليها حين يقول : إن الإسلام هو أكثر من عقيدة دينية ، إنه نظام متكامل للحياة والدين. فالإسلام يدمج كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية علي أسس الإيمان والاقتناع والالتزام بقبول الله رباً ، والاستسلام كلية لإرادته ، ثم يستمر قائلاً : ( إن مركز الابداع في الإسلام هو التوحيد ، أي الشهادة بأن لا إله إلا الله ، والتوحيد يعني أن الله هو الخالق أو السبب الجوهري لكل الوجود والنشاط ، ويؤكد أن الإنسان هو المسئول عن تحقيق إرادة الله ) . ثم يستمر قائلاً ( ففي المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في لندن في نيسان (أبريل) 1976م حول " الإسلام وتحديات العصر " ، تم تقديم الإسلام كنظام متكامل من القيم ومصدر إلهام لكل منجزات العلم والدراسات الإنسانية والمصدر الوحيد الراسخ للإيمان والسلوك . ) أنظر كتاب " التنصير : خطة لغزو العالم الإسلامي " وهي تضم مجموعة أعمال الـــمــؤتمر الذي عقد عام 1978 بكولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية ، ونشرته دار MARK ، ونشر بالعربية . صــ 214
فكيف يمكن القول إذن بأنهم يحاربون الإسلام لأنهم لم يفهموه ، وانهم لم يفهموه لسوء في عرضنا ؟ .
انظروا مثلاً إلي الفهم الصحيح للإسلام الذي يقدمه المنصر كينيث أ . كراج عن الإسلام ، حيث يقول :
( دعونا نواصل الحديث عن الجسور ، إن للقرآن والإنجيل أرضية مشتركة من الإيمان بالخلق : " هو (الله) الذي يقول كن فيكون "
إن الخلق المبدع هو لله والأرض الطيبة كذلك ، والتي ينظر إليها علي أنها مسكن الإنسان ومجال نشاطه و"الأمانة" التي حملها
والإنسان هو " خليفة " الرب في "حكم" النظام الطبيعي
وهو في ذلك مسير بإرادة إلهية
وتفهم الغاية الإلهية بالنسبة للعالم من خلال تسخيره للإنسان الفلاح والزارع والتقني والفنان والعالم الذي يمتلك ويستكشف
ويستغل العالم بتفويض إلهي
كما أنه يكون مسؤولاً عن أعماله هذه أمام الرب
فالإنسان مخلوق أدني من الرب ، وهو عبد للسلطة الإلهية ، وخليفة ومندوب في مواجهة الطبيعة .
من هذا المنطلق توجد جوانب عديدة من الفهم المشترك تساعدنا علي القيام باتخاذ الموقف الصحيح في وجه كل ما من شأنه أن يتعدى علي الكرامة الإنسانية والمجال الإلهي ، وليس فقط فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة كالسلطة والبيئة ، والمسؤولية عن الموارد والعدل الاجتماعي والتراحم ، بل بأكثر من هذا ،
والقرآن ( سورة 2 : 33 وما بعدها ) يقرر أن الشيطان هو رأس الاتهام، فبعد أن اعترض علي خلافة الإنسان ، ثم تمرد علي الرب لنفس السبب ، فإن هدفه التاريخي هو إغواء البشر وتشتيت وإفساد العمل البشري والثقافة ، حتى يستطيع أن يثبت للرب خطأ ما قام به { حاشا لله } بتكريمه للدور الإنساني ، وهذه الموضوعات مثيرة جداً
وإذا كان من الواجب " أن ندع الرب يكون رباً " يجب علينا كذلك " أن نجعل الإنسان يكون إنساناً "
ومن هنا بالطبع كانت ضرورة الهدي كما يطلق عليه الإسلام ، والذي يسترشد به الإنسان في أزمة مصيره عبر التاريخ ، ومن هنا أيضاً جاء تعاقب الأنبياء المرسلين لتحذير وتوجيه الاستجابة البشرية ، إذن فالنظرة القرآنية إلي الأنبياء في التاريخ لا تختلف كثيراً عن مرامي أمثلة المسيح عن الكرم والكرامين والرسل ، فخصوصية مهمة اليهود غير واردة ، ولكن مسؤولية الإنسان أمام الرب في تسخير الطبيعة عبر التاريخ حقيقة هامة في المفهوم الإسلامي للخلق، وفي مكانة النبوءة المتميزة في التاريخ .
هنا تبرز بالطبع بعض العقبات ، ولكن قبل أن نتطرق إليها هنالك بعض السمات القرآنية الأخرى لمخلوقية الإنسان الأساسية ، والتي تساعدنا في مهمتنا ، فالطبيعة تحت وصاية الإنسان هي بالنسبة للقرآن دنيا من الآيات، وهذا اللفظ موجود في كل صفحة من صفحات القرآن تقريباً ، إن الآيات تشد الانتباه ، وهذا هو أساس العلم كله فالإنسان يلاحظ ويراقب ويصنف ، ثم يسخر الظواهر الطبيعية ، والإسلام هنا يشعر بالفخر والاعتزاز في تشجيعه السيادة الإنسانية من خلال اليقظة الماهرة والقيام بالجهد اللازم وبكل دقة ، ونحن ننحني لننتصر ، فالطبيعة لم تعط العلوم من خلال طرح بيانات معينة ، بل حقق ذلك الإنسان من خلال التساؤلات التي طرحها علي الطبيعة "والتي" قامت بالرد عليها .
غير أن اليقظة التي تتطلبها هذه الآيات هي أكثر بكثير من كونها عقلانية . ) .
ثم يقول : ( إن النفور الموروث لا يزول بسهولة ، وكثيراً ما يؤكد القرآن علي أنه قدم بطريقة تسهل علي الناس فهمه ، فالقرآن ليس طلمساً قصد به إخفاء الحقيقة من خلال التعبير والأخبار ، كما تدعي ذلك فئة من الأحبار . ) .
ثم يقول : ( لقد رأينا كيف يشرع الإسلام فيما يخص الله ، والإنسان ، وإضافة إلي ذلك يري القرآن أن هذا التشريع يلائم الطاعة في وجود شروط معينة ، تمثلها بصورة عامة الدولة الإسلامية التي أُنيط بها النظام السياسي منذ الهجرة
ويأتي بعد ذلك نمط الحياة اليومي " الصلوات اليومية الخمس والصوم والحج والزكاة "
ونظام التكافل الاجتماعي في الأمة الإسلامية
وعلي ضوء هذا فقد نظر الإسلام إلي الإنسان علي أنه يمكن أن يتحسن حتى يبلغ درجة الكمال ، فالإسلام واثق بأن التشريع في القرآن والرحمة في المجتمع والسنة التي يمكن أن تحتذي والانضباط في الأنماط الاجتماعية والرعاية التي يمكن أن يوفرها نظام الحكم الإسلامي ستكون كافية لتحقيق واجب الإنسان والدعوة الموجهة إليه لعبودية الله ....
إن الكتاب المقدس الذي يدعو إلي أن عيسي هو المخلص يلزمه أن يواجه الحيرة الأساسية والكراهية الراسخة في الإسلام لهذا المفهوم ، ولكن حتى هنا وبسبب صعوبة المهام التي نواجهها هنالك بعض الأمور اللاهوتية العقيدية التي ينبغي توضيحها :
انطلاقاً من مقطع هام في القرآن (4 : 157 وما يليها ) ونتيجة لاعتبارات أخري في اللاهوت الإسلامي ، فإن الإسلام يري :
أ - أن المسيح لم يصلب .
ب - أن الصلب ما كان من الواجب أن يحدث .
جـ - أن الصلب لا حاجة له أن يحدث .
فالإسلام ينكر حدوث الواقعة تاريخياً ويرفض احتمال حدوثها علي أساس أخلاقي كما يرفض الضرورة لها علي أساس عقائدي . ) .
ثم يقول : ( فالمسلمون يعتقدون أن يسوع ما كان ينبغي أن يتعذب بهذا المعني الذي يتضمن عجز الرب في الدفاع عن خادمه " بل وأكثر من هذا إن قلنا ابنه ! " . ومن هذا المنطلق فإن الرب " يودع قدرته " في حقيقة أن المسيح لم يمت
علاوة علي ذلك فإن تحمل عقاب الإثم نيابة عن الآخرين ليس من الأخلاق في شئ . فالقرآن يقول { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخـري } ( سورة 6 : الأنعام ) . إذ لــيـس من الــعــدل معاقـبة (أ) لذنب ارتكبه ، (ب) ، ولهذا فالمسلمون يشعرون بأن فكرة البديل النصرانية هي فكرة غير أخلاقية إلي حد بعيد . ) .
ثم يقول : ( ولكن هل هذه المعاناة التي تفتدي الإنسان ضرورية للقدرة الكلية الإلهية ، فالإسلام يقول أن رحمة الله تسع جميع مخلوقاته والقرآن يؤكد : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) . ( 82 يس) . وهذا يعني أن المغفرة الإلهية عمل مهيب يحدث دون جهد ، ولهذا فإن فكرة " المخلص " الذي " مكن " الرب من أن يغفر لنا توحي بالعجز الرباني
فهل يحتاج الرب أبداً " للمساعدة " من أجل تحقيق إرادته ؟
وهذا يوضح أننا نحتاج لأن نكون فطنين وحذرين جداً فيما نقوله أثناء الدعوة { يقصد تبشير المسلم } خشية الوقوع في مفاهيم خاطئة
ما هي الطريقة التي يمكن أن نوضح بها " "ضرروة " الصليب باعتباره شكل ومضمون القدرة الربانية في المغفرة ؟
هل يمكن لمغفرتنا ــ إذا جاز التعبير ــ أن تكون مشكلة الرب ؟ . ) المصدر السابق من ص 274 إلى 281
هكذا يفهم المنصر الإسلام
بسم الله ما شاء الله !!
إذن فالأمر في دائرة التنصير لا يرجع إلي سوء الفهم ، أو سوء العرض ، ولكنه يرجع إلي ما يقول جورج بيترز في بحثه بعنوان " نظرة شاملة عن إرساليات التنصير العاملة وسط المسلمين " .: ( إنني أميل إلي الاتفاق مع فاندر وزويمر وفريتك وآخرين فيما ذهبوا إليه من أن الإسلام حركة دينية معادية للنصرانية
مخططة تخطيطاً يفوق البشر (!!!) لمقاومة إنجيل ربنا يسوع المسيح
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية ، وترفض بكل وضوح موثوقية وصحة الإنجيل وأبوة الرب ، وأن المسيح ابنه ، وضرورة موته وكفايته لمفهوم الخلاص ، وتبرير بعثه .
إنه الخلاف الأكبر في النصرانية وفي الكتاب المقدس أملنا في الخلاص .
ولكن محرك هذا الخلاف هو الإسلام وليس النصرانية
وفي ذات الوقت فالنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً ، ويفوق في ذلك النظام الشيوعي (!!) .. )
هكذا ليست المسالة في سوء الفهم إذن
ولكن العقدة ليست هنا ، !! العقدة في التوصيل الأمين ، توصيل هذه الرؤية إلى جماهيرهم ، هنا ينغلق الباب ويأتي المنصر نفسه ، ليعلن الحرب وليقول ( ولكن هذه الحقيقة يجب ألا تحبط عزم المنصرين ... )
ثم يقول : ( إن الإله الموجود فينا !! أعظم من الإله الموجود في العالم ، وأعظم حتى من الإله الذي يتحدث عنه الدين الإسلامي . ) المصدر السابق من ص 549 – 568
هكذا كـأنما القضية تأتي انطلاقا من أرضية الشرك للاختيار بين الآلهة !!
هذا بالنص ما جاء في تصريحات وخطب الجنرال وليام بويكين نائب وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون المخابرات ودعم الجهد الحربي الأخيرة ضد الإسلام والمسلمين كدين وكأمة وقوله بأن المسلمين يعبدون (وثناً) وليس (إلهاً حقيقياً) ، وإن الحرب ضد الإسلام والمسلمين ليست فقط مشروعة بل واجبة بالنسبة للمسيحيين واليهود
في تصريحات المسئول الأمريكي هذه يظهر التلاحم بين التبشير المسيحي والسياسة الأمريكية والحركة الصهيونية في موقفهم جميعا من الإسلام
ذلك أن قول بويكين هذا – ووفقا للدكتور: د. عبد الله النفيسي - لم يأت من فراغ وليس فلتة لسان أو زلة شخصية ، بل هو اتجاه راسخ في الولايات المتحدة ، واتباعه يفوق عددهم السبعين مليوناً من المواطنين الأميريكان الذين يتركزون في وسط الغرب والجنوب عموماً ، ولهم مئات الكنائس والمعابد ، وعندهم قنوات تلفازية كثيرة ومئات الإذاعات المنشورة فوق الأراضي الأميركية وفي أنحاء عديدة من أقطار العالم ، ومن أعلام هذا التيار الصهيو- مسيحي الشخصيات التبشيرية التالية أسماؤهم : جيري فالويل ، وبات روبرتسون ، وبيلي غراهام وغيرهم ، وقد سبق هؤلاء الجنرال بويكين ومنذ أشهر بسب القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم
وقد كتب في هذا الموضوع الكثير من الكتب في الولايات المتحدة نفسها وفي أوروبا ، ومن أشهر ما كتب في هذا الموضوع كتاب بول ميركلي بعنوان (الصهيونية المسيحية 1891- 1948 (The Politics Of Christian Zionism) ) ، يتتبع فيه ميركلي العلاقة بين الحركة الإنجيلية المسيحية والحركة الصهيونية ، وأن الأولى حضرت كل مؤتمرات الصهاينة وشاركت في مداولاتها وحرضت الصهاينة على السعي لتأسيس وطن قومي يهودي في فلسطين ، وشاركت مشاركة فعالة في التحضير الدبلوماسي والسياسي لهذا الأمر
خلاصة فكر التيار الصهيو- مسيحي الذي يحكم الآن في البيت الأبيض أنه ينبغي أن يحرص جميع المسيحيين المنضوين تحته على دعم الكيان الصهيوني بكل الوسائل ، وتحريض جميع يهود العالم إلى الهجرة إلى فلسطين والتجمع هناك ، ذلك أن (قيامة المسيح) حسب معتقد هذا التيار لن تحدث إلا إذا تحولت كل أرض فلسطين إلى أرض يهودية، ومحاولة رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي لملمة الموضوع والحديث عن تحقيق مع بويكين لا ينفي رسوخ هذا التيار في الإدارة الأميركية.
وينصح الدكتور عبد الله النفيسي لمن أراد أن يستزيد أن يقرأ كتاب ميركلي القيم ومن لم يجده فليقرأ كراسة محمد السماك المنشورة في بيروت (دار النفائس) وعنوانها (الصهيونية المسيحية) وهي كراسة قيمة وثمينة وثرية من حيث المعلومات، وقد فصل في هذا الموضوع الدكتور يوسف الحسن في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: (البعد الديني لسياسة الولايات المتحدة) وقد نشرت هذه الأطروحة في سلسلة مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ، وهي أطروحة قيمة وثمينة وثرية للمهتمين بمتابعة تفاصيل هذا الأمر.
فلنقارن هذا الموقف التآمري -- بين التبشير والدولة والصهيونية من الإسلام -- بما وجدناه من الفهم الدقيق الذي طرحه المبشرون في مؤتمر كلورادو لنسأل من يود أن يجيب : أتراه يرجع كما يشيع بعض سدنتهم إلي سوء الفهم منهم أو سوء العرض منا ؟
وإذا كان البعض يحاول أن يعتذر عن ذلك بما يقرره الكاتب الدكتور ديفيد بلانكس أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمجلة " الكتب وجهات نظر " بعدد إبريل 2003 ص عن مستوي الجهل السياسي الذي يتمتع به المواطن الأمريكي قائلا ( إن معظم الناس لا يقرءون حتى الصحف ناهيك عن الكتابة إليها وعموما تكشف رسائل القراء وجهة النظر المتطرفة سواء كانت في اتجاه اليمين أم ناحية اليسار ) ثم يقول : ( أما فيما يتعلق بالإسلام والعرب والشرق الأوسط علي وجه الخصوص فهو لا يعرف شيئا ألبتة بل ولا يهتم كثيرا بذلك ) ثم يقول : ( وهناك الكثير الذي يمكن قوله فمعظم الأمريكيين لا يقرءون صحيفة واشنطن بوست ونيويورك تايمز بل إن شبكة سي إن إن الدولية التي يعتبرها المراقبون في الخارج مرجعا ليست متاحة داخل الولايات المتحدة ، ولا يشاهدها الأمريكيون بالمرة ، )
فإننا يجب أن نفهم أنه الجهل الإرادي التلقيني المبرمج غير المعذور
انظروا ما جاء عن برمجة هذه العداوة المغرضة التي تصل إلي جذور البرامج الدراسية في الغرب : وقولوا لنا : هل تقررت بدافع سوء عرض منـا للإسلام ؟
يقول مارسيل بوازار في كتابه " الإسلام اليوم " ، ترجمة ونشر اليونسكو ، صــ 22 إلي صــ 30 : ( في الولايات المتحدة الأمريكية تتهم لجنة من جمعية دراسات الشرق الأوسط الكتب المدرسية برداءة الإعلام عن الإسلام ، وبالأخطاء فيما يتعلق بالوقائع التي تتضمنها عن المسلمين ، نتائج التحقيق الذي قامــت به اللـجـنـة مفزعة .. كتب التاريخ العام المدرسية تخصص عموماً 8 % علي أبعد تقدير من محتواها للشرق الأدنى والأوسط ، معظم هذه المادة غير كافية ، فضلاً عن أنها تعالج أساساً الحضارات القديمة ، حضارات بلاد الرافدين ووادي النيل ولا تتحدث عملياً عن تاريخ الثقافة الإسلامية ، ومن جهة أخري : محررو هذه الكتب المدرسية يُظهرون مثل المدرسين مسبقات كامنة ، معززة بتحرير ناقص ، وببحث قليل الدقة وبتقديم غير سديد، وهكذا فإن التلاميذ الأمريكيين عندما سئلوا لم يجيبوا عن الإسلام إلا كدين وكثير منهم زعموا أنهم لا يعرفون المسلمين إلا في منظور حركة المسلمين السود " بلاك مسلم " .
وأجريت مؤخراً دراسة أخري محددة جغرافياً بمنطقة واشنطن استنتج منها أن 15 % فقط من الكتب المدرسية المتوافرة يمكن أن ينصح بها كأدوات تربوية ، أما الانتقادات الرئيسية فهي أنه:
ــ قلما قدم الإسلام كإحدى ديانات التوحيد الكبرى في العالم .
ــ حوكــم التاريخ والحضارة العربية بميزان المعايير العرقية الخالصة .
ــ استخدمت قوالب فظة ، مقدمة في أسلوب تحقيري لوصف حضارة العرب .
وفي الكتب المدرسية الفرنسية : يخص الرسول  الذي مازال يكتب بطريقة مغلوطة : ــ بنعوت قيمية محددة ، من مثل :
محمد الفقير يشعر بالأمن بفضل زواجه .
وخلال سفره التقى بيهود ونصاري .
وبتكريسه أوقات فراغه للتأمل حصلت له رؤى " علي طريقة الأنبياء" وقرر التبشير : بــ " الرب ــ الله . " .
أخرج من مكة فظل مشغولاً باسترجاعها .
منذ البداية التجأ للعنف .
مكنه فنه في قيادة الجموع (!!) من توحيد أنصاره الذين زرع فيهم روح التعصب ووعدهم بالجنة إذا ماتوا في سبيل " الحرب المقدسة " .
أما تقديم الإسلام ــ في تلك الكتب المدرسية فإنه يجمع جميع قوالب: التعصب ، والخضوع ، والاهمال ، والاستسلام .. إلخ .. والإيمان الإسلامي ليس جديداً ــ قلد واستعار كثيراً ، خاصة من اليهودية ، وعقيدته هي من أكثر العقائد بساطة ، وممارساته الثقافية محدودة جداً .
والفتح العربي يوصف دائماً بــ " الصاعق " ..
كتاب مدرسي واحد أشار إلي أن دوافع التوسع لم تكن دينية حصرا ، أما بالنسبة للكتب الأخرى فتفسير ذلك هو في الجبلة الحربية للعرب الذين أعمتهم رغبتهم في فرض الإيمان علي الكفار .
تضيف إلي ذلك بعض الكتب : الضعف الداخلي للدول التي ستفتح ، ورغبة البدو في الخروج من الصحراء الحارقة للاستيلاء علي المدن .
أدت الحرب المقدسة إلي صراع رهيب بين الصليب والهلال ، سبب المسلمون ( الذين يسمون سراسنة ) خراباً مخيفاً في حوض البحر الأبيض المتوسط .
وأخيراً عندما يعالج مؤلفو هذه الكتب الثقافة الإسلامية لا يخشون الوقوع في التناقض : فبينما الحرب المقدسة قضت بالاختفاء علي كل فرد غير مسلم .. نجد أن اليهود والمسيحيين في الأراضي المفتوحة هم الذين كان لهم نصيب الأسد في ميلاد الحضارة الإسلامية ، هذه الأخيرة التي ليست سوي اقتباس : خليط وانتحال .. طابعها الجوهري هو افتقاد الأصالة .. لدرجة أن بعض الكتب المدرسية في تمارينها ــ التي من المفروض أن تشغل فكر التلميذ النقدي ــ تطلب في سؤال إيحائي أن يشرح : " في أي مجال تفتقد الحضارة الإسلامية الأصالة ؟ " .
كل شئ فيها تقليد : العلوم الطبيعية والإنسانية ، الفن ، الأدب ، وحتى المعمار ، ــ وهو مجال يعترف فيه للمسلمين ــ عادة ــ بالتفوق ــ ليست حسب الكتب المدرسية سوي تقليد .
وفي التعديلات التربوية الأخيرة التي أعدت في فرنسا يبدو الإسلام كثقافة ماض " مشرٌحة " وكدين للفقراء ، تمت مماثلتة مع العمال المهاجرين غير المتخصصين : لم تعد صورة المجتمع صورة قوة تناحرية خطيرة ، كما تستخلصها الكتب المدرسية القديمة ، بل هي بالأحري شبيهة بصورة حضارة ميتة تصــَدّر يدها العاملة .
هل يعود السبب لتبرير إيديولوجي ؟ أم لتأثيرات عرقية ؟ أم لقصور مؤلفي الكتب المدرسية ؟ يظل السؤال مطروحاً ، لكن مما لا شك فيه أن ظلماً دائماً انصب علي الإسلام والمسلمين . ) مارسيل بوازار : " الإسلام اليوم " صــ 26 ــ 29 .
هذا التلقين المدرسي هو الذي حبلت به منذ الصغر أذهان بريطانية وقحة من أعضاء الحزب القومي البريطاني اليميني الذين يصفون الإسلام بأنه كريه وأعربوا عن شعورهم بالفخر لإهاناتهم للمهاجرين المسلمين ودينهم والقرآن الكريم. جاء ذلك في برنامج تليفزيوني بثه تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية ب ب سي الذي اذيع بتاريخ 15\7\2004 وكشف عن تصاعد العنصرية في المجتمع البريطاني حيث اعترف أعضاء في الحزب بارتكاب اعتداءات عنصرية ضد مسلمين، ووصف أحدهم الإسلام بأنه دين ( كريه) وقد تضمن البرنامج لقطات صورت سرا في بلدة كيلي الشمالية، وظهر فيها زعيم الحزب نيك جريفين الذي استقبل زعيم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي جان ماري لوبان وهو يتحدث بشكل مسيء عن القرآن ويعترف بأن آراءه خطيرة قانونا.
وقال نيك جريفين زعيم الحزب القومي خلال البرنامج: " بهذه الطريقة انتشر هذا الدين الكريه الخبيث علي يد حفنة من المعتوهين قبل نحو 1300 عام حتى اصبح الآن يجتاح بلدا تلو الآخر!!
ويظهر في لقطات أخري من البرنامج أحد أعضاء الحزب وهو يبدي رغبته في نسف مساجد باستخدام قاذفة صواريخ ، وحصد المصلين بالرشاشات بحوالي مليون رصاصة. وتحدث عضو آخر في الحزب عن قيامه بوضع براز كلب في صندوق بريد متجر يملكه آسيوي، في حين تحدث آخر عن قيامه بضرب رجل مسلم ويقول: " وأنا أركله.. كان إحساسا رائعا" .
وقال أحد زعماء مسلمي بريطانيا الذين يصل عددهم إلي نحو مليوني نسمة والذين يشعرون بالقلق من ارتفاع حدة الكراهية العنصرية ضدهم بعد هجمات 11 سبتمبر أن البرنامج يظهر ما خفي من حقيقة الحزب القومي. وأعلن عنايت بونجلاوالا - عضو مجلس مسلمي بريطانيا - أن العنصرية العتيقة للحزب القومي البريطاني تتحول إلي شعور أكثر تركيزا بمعاداة المسلمين يتجلي في أحيان كثيرة الآن في صورة أعمال عنف مباشرة. ( المصدر : موقع إسلام أون لا ين، و موقع BBC بالعربية في 15\7\2004 )
هذا هو التلقين المبرمج الذي تتعرض له أجيال الغرب في دراستهم للإنسانيات ، والإسلاميات . بدءا من الأطفال إلى زعماء السياسات
ثم يأتي العلمانيون سماسرة الغرب من أشباه المثقفين منا الذين لم يقرءوا – بفهم – كتابا في التراث الإسلامي على ما به من نقاشات محتدمة بين ما احتواه من المتن والشرح والحاشية والتعليق أولئك الذين لا يحسون بالقذى في عيونهم ليسقطوا تهمة التلقين على المناهج الدينية الإسلامية ذرا للرماد في العيون عما عليه التلقين هناك وتبريرا للعبث الجاري في المناهج الدراسية الإسلامية بأوامر أمريكية ؟
إننا نؤكد أن سادة هؤلاء عندما يختارون موقع العداء للإسلام وحضارته ، ويصفونه بوكر الأفعى ، كما فعل نيكسون ، فإن ذلك لا يرجع في الأعم الأغلب ــ كما يشيع البعض ــ إلي سوء عرض منا ، أو سوء فهم منهم ، ولا يرجع إلي ما عليه حال المسلمين اليوم من تخلف ، أو ما عليه حال بعضهم من تطرف ، ولكنه يرجع إلي سوء قصد منهم بإدراكهم الاختلاف الجذري في أصول كل من الحضارتين، وبإصرارهم علي إبادة الآخر وفقا لما درجوا عليه في إقامة حضارتهم الخاصة
ومن هنا فإنهم يفزعون إلي خططهم التلقينية المدروسة في الإساءة إلي الإسلام ، وتشويه صورته عمداً ، وبكل ما يملكون من وسائل الدفاع عن الذاتية الخاصة لوجودهم الحضاري . فهل ما يزال بعض أبواقهم يعتذرون لهم بإلقاء اللوم على الضحية ؟
وهنا فإننا نكرر القول : إذا كان أمر هذا الحوار كما قال شيخ الزهر أ لن يتناول مسائل العقيدة لأن العقيدة ة لاتباع ولا تشترى ( تصريحات شيخ الأزهر بتاريخ 16 \7\2004) فإننا نتساءل :
ففي أي شيء يكون الحوار إذن إذا لم يكن في العقيدة ؟
أيكون في العبادات وما أحسبها إلا ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟
أيكون في الأخلاق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟
أيكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين رسميا ما لم يكن تأييدا رسميا ؟
أيكون في المناسبات والتقريظ والمجاملات الاجتماعية فما حاجتها إذن إلى الحوار ؟
ألا يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها موضوع قد انتهت إلى غير موضوع ، وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " وعلاقات عامة ؟
فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ، أم إلى نقطة الصفر ؟
وهل يعني ذلك أن يكف المسلمون عن " الدعوة " أم هل نراد منهم دعوة بغير حوار ؟ فما البديل ؟؟ وما البديل غير مكروه من العنف والإرهاب ؟
وهل يعني أن يكف المسلمون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم تراد منهم أمرا أو نهيا بغير حوار فما البديل ؟؟ وما البديل غير مكروه من العنف والإرهاب ؟
وهل يقدم المسلمون تفسيرهم للقرآن في آياته عن أهل الكتاب ومنهم بنو إسرائيل ! بغير حوار ؟ وهل تفسير بغير حوار؟ فما البديل ؟؟ وما البديل غير مكروه من العنف والإرهاب ؟
وهل يكف المسلم عن دراسته للعقيدة ؟ وهل تكون دراسة للعقيدة الحوار الحقيقي بغير حوار ؟
وهل يكف المسلم عن دراسته للفقه ؟ وهل دراسة للفقه في مسائل الحرب والسلام ومعاملة المسلم لغير المسلمين بغير حوار؟ فما البديل ؟؟ وما البديل غير مكروه من العنف والإرهاب ؟
وهل يكف عن دراسته للأديان مقارنة وتاريخا ، وهل تكون دراسة لها بغير حوار ؟ فما البديل ؟؟ وما البديل غير مكروه من العنف والإرهاب ؟
وإذن فكيف " نتصرف " في الحوار العلمي الحقيقي بما له من تاريخ طويل عريق رصين جاد في تراثنا الإسلامي الحافل بمصادره في القرآن والسنة وكتب التفسير والحديث والفقه ثم في مراجعه وكتبه في التراث مثل :
" شفاء العليل في بيان ما وقع في الإنجيل والتوراة من التبديل " لأبي المعالي إمام الحرمين الجويني ت 478ه هـ
" الفصل في الملل والأهواء والنحل " للإمام محمد بن حزم الظاهري ت 456 هـ
" الملل والنحل " للإمام الشهرستاني ط 1976 م
" تخجيل من حرف التوراة والإنجيل " لأبي البقاء صالح بن الحسين الجعفري في– مخطوط بالمتحف البريطاني رقم 661
" الدين والدولة في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم " ، لعلي بن ربن الطبري – كتبه بعد أن انتقل من المسيحية إلى الإسلام - ولد 158 هـ واختلف في وفاته قبيل عام 260 هـ ، تحقيق عادل نويهض نشر دار الآفاق الجديدة بيروت . ط 1973
" الفارق بين المخلوق والخالق " للعلامة عبد الرحمن جلبي ابن الباجه جي زادة البغدادي ت 1330 هـ نشرة الإمارات عام 1987 م
" هداية الحيارى من اليهود والنصارى " لابن قيم الجوزية الدمشقي ت 751 هـ ، مطبوع على هامش الفارق بين المخلوق والخالق
" الأجوبة الفاخرة " لأحمد بن إدريس الصنهاجي المصري القرافي ت 684 هـ . تحقيق د بكر زكي عوض من سلسلة مقارنة الأديان كلية أصول الدين بالقاهرة عام 1986 م
" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية ت 728 هـ
" تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب " للشيخ عبد الله الترجمان اسمه قبل أن يسلم (أنسلم تورميدا ) ترجم إلى الفرنسية ونشر في مجلة الأديان باريس 1885 م نشر بالعربية بتحقيق الدكتور محمود علي حماية ط 1983
محاورة الخليفة العباسي مع تيموثاوس لمحمد حمدي البكري – كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1950
محاورة البطريق يوحنا مع أمير العرب لمحمد حمدي البكري مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1954
" مقامع الصلبان في الرد على عبدة الأوثان " لأحمد بن عبد الصمد بن عـَبيدة ، ت 582 هـ تحقيق الدكتور محمد شامة بعنوان " بين الإسلام والمسيحية " مخطوط بالمكتبة الأحمدية في تونس تحت رقم 2063
" الرد الجميل " لأبي حامد الغزالي ، تحقيق الأب شدياق ، مراجعة الأستاذ عبد العزيز عبد الحق حلمي في نشرة مجمع البحوث الإسلامية عام 1974
" الرد على النصارى " للجاحظ ضمن مجموعة " ثلاث رسائل للجاحظ " تحقيق يوشع فينكل نشر المطبعة السلفية عام 1344
" تنقيح الأبحاث للملل الثلاث " لسعد بن منصور بن كمونة اليهودي من القرن السابع الهجري توزيع دار الأنصار القاهرة
" الإعلام بما في دين النصارى من الأوهام " للقرطبي – تحقيق د أحمد حجازي السقا ، نشر دار التراث العربي نشر عام 1980
ومن كتب التاريخ التي اهتمت بالأديان المختلفة :
الآثار الباقية عن القرون الخالية " لأبي الريحان البيروني الخوارزمي ت 440 هـ
التنبيه والإشراف للمسعودي ت 346 هـ
صبح الأعشى للقلقشندي
البدء والتاريخ للمقدسي
ومن كتب الحوار المحدثة :
إظهار الحق لرحمة الله الهندي ت 1308 هـ طبعة دار التراث والنشر – القاهرة عام 1978 م
محاضرات في مقارنات الأديان للشيخ محمد أبو زهرة نشر دار الفكر العربي
محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبو زهرة
الدين للدكتور محمد عبد الله دراز مطبعة السعادة بمصر 1969 م
الفكر الديني الإسرائيلي : أطواره ومذاهبه للدكتور حسن ظاظا نشر عام 1975
الوثنية مفاهيم وممارسات للدكتور فاروق إسماعيل نشر دار المعرفة الجامعية الإسكندرية عام 1985م
أصول الصهيونية في الدين اليهودي للدكتور إسماعيل راجي الفاروقي نشر دار الدراسات العربية العالية عام 1964 م
اليوم الآخر بين الأديان الثلاثة للدكتور فرج الله عبد الباري نشر دار الوفاء عام 1991
القرابين البشرية والذبائح التلمودية عند الوثنيين واليهود للدكتور فتحي محمد الزغبي نشر عام 1991م
تنزيه نبي الله داود عن مطاعن وأكاذيب اليهود في العهد القديم والإسرائيليات للدكتور فتحي محمد الزغبي ط 1991
الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام إليه للدكتور أحمد عجيبة . رسالة ماجستير عام 1985
النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية لأحمد عبد الوهاب نشر مكتبة وهبة ط 1979
اليهودية واليهودية المسيحية للدكتور فؤاد حسنين علي ، نشر معهد البحوث والدراسات العربية 1968 م
دراسة الكتب المقدسة للدكتور موريس بوكاي نشر دار المعارف بالقاهرة
قصص الأنبياء للشيخ عبد الوهاب النجار نشر دار التراث بالقاهرة
الفكر اليهودي وتأثره بالفلسفة الإسلامية للدكتور علي سامي النشار نشر منشأة المعارف بالإسكندرية
الأسفار المقدسة للدكتور علي عبد الواحد وافي نشر دار نهضة مصر للطباعة والنشر بالقاهرة
المسيحية نشأتها وتطورها ل شارل جينيبر ترجمة عبد الحليم محمود نشر دار المعارف بالقاهرة 1981 م
رسالة في اللاهوت والسياسة ل سبينوزا ترجمة حسن حنفي نشر دار وهدان للطباعة ومطبعة الهيئة اامصرية العامة للكتاب
مخطوطات البحر الميت نشر دار منارات للنشر – عمان – الطبعة الأولى 1982
وهذا غيض من فيض ذكرناه للتذكرة على سبيل المثال
ما مكانة هذا التراث أو مصيره في دراسات الأزهر – مثلا - عندما نطلق القول بأنه " لا حوار في العقيدة " لحساب هذا الحوار الاحتفالي الفاتيكاناني الصهيوني ؟ الذي يأتينا وفق خطة عالمية : مخابراتية من ناحية ، مسيحية كاثوليكية صهيونية من ناحية أخرى ، محكومة بالفشل والتخريب في مقياس الجدوى الإسلامية من ناحية ثالثة ، وهو في جميع الأحوال لم يكن من بنات أفكار القيادات المحلية في شيء ؟
وعلى الجانب الآخر يأتي التساؤل : هل يعني تجنب موضوعات العقيدة – جدلا- أن تكف الكنيسة الأرثوذكسية المرقسية – بدورها عن التبشير - وهل تبشير بغير حوار ؟
وهل إذا كفت الكنيسة الأرثوذكسية عن التبشير كفت الكنائس الأخرى من إنجيلية وكاثوليكة وغيرها وهن صاحبات المبادرة في الموضوع ؟ وهل حوار عندهم – وهم مؤسسو النشاط ونحن ضيوفه - بغير تبشير ؟
وما مدى نفوذ حسن النوايا أو أثره أو موقعه في الكنيسة الأرثوذكسية أو غيرها وتقاليدها الثابتة المرعية ؟
وما فائدة هذا الحوار وقد أفرغ من محتواه ؟ ولحساب من تم إفراغه من محتواه ؟
أم نرجع لعقولنا لندرك أنه سيستمر مفرغا من محتواه ، في جانب مستمرا بمحتواه التبشيري في جانب ؟
أن يستمر على حاله الذي صار إليه ليكون من أجل طمأنة المؤسسات التيشيرية – ومن ورائها خطط السياسة الاستعمارية الأمريكية المسيصهيونية - - طمأنتهم على مستقبل تحركاتهم وأقلياتهم في العالم الإسلامي !؟
أفيدونا دام فضلكم .
والله أعلم
المصدر: http://alarabnews.com/alshaab/2005/01-07-2005/yehia.htm