فلذات أكبادنا·· بحاجة إلى حوار

فلذات أكبادنا·· بحاجة إلى حوار

 

إعداد: ابتهاج الكليب

كثر الحديث عن الحوار وضرورته بين الأفراد والمجتمعات والدول أيضاً، كما تنوعت أشكاله
وطرائقه، وتعددت أساليبه وتعريفاته، ولا شك أن للحوار ثمرات لا نستطيع أن نقلل من
أهميتها أياً كان هذا الحوار، وأياً كانت أهدافه ومراميه، ولكن هل فكرنا أن نتحاور
مع فلذات أكبادنا؟ هل أوجدنا ذلك الجو الملائم لحوار أسري ناجح معهم ونحن مجتمعون
على وجبة طعام أو في نزهة قصيرة؟ لندرك أبعاد الحوار الإيجابي مع الأطفال وماله من
آثار إيجابية تنعكس على شخصية الطفل وسلوكياته فيما بعد·· كان لنا هذا الحوار مع
الأخصائية النفسية سماح طلال عبدالمولى، فإلى هناك··

معنى الحوار

* سعادة الأستاذة الفاضلة، وضحي لنا وللقارئ الكريم مفهوم الحوار
الإيجابي؟

- الحوار تفاعل لفظي وغير لفظي بين اثنين أو أكثر، بهدف التواصل
وتبادل الأفكار والمشاعر والخبرات، والحوار الناجح من وجهة نظري هو الحوار الذي
تصل الرسالة فيه واضحة إلى الطرف الثاني وتؤدي الغرض المتوقع منها·

أهمية الحوار

* ما أهمية الحوار في حياة الأسرة؟ ومع الطفل بوجه الخصوص؟

- لعلي أتحدث من واقع ما يشاهد في العيادة، جل شكوى الوالدين من
عناد أطفالهم، وإصرارهم على آرائهم وما ينتج عنها من لحظات صعبة وأوقات مزعجة -
مثل وقت النوم والذهاب للمدرسة والخروج من المنزل·· · وغيرها – مما يسبب توتراً في
العلاقة بين الوالدين وأبنائهما -·

وبعد بحث المشكلة مع الأهل يتضح انه في الغالب لا تخرج عن سببين:

1- لغة الأهل اللفظية وغير اللفظية غير واضحة ومفهومة للطفل·

2- قلة المعرفة بـخصائص كل طفل، ومرحلته العمرية·

وأهمية الحوار بالنسبة للطفل: التفاعل مع الطفل مهم جداً لسلامة نموه العقلي والنفسي
واللغوي·

فهناك دراسات بيَّنت أن تفاعل الأم مع الطفل بالكلام، وإعطائه الكثير من الأشياء للعب
بها في عامه الأول كان له علاقة إيجابية مع نموه العقلي خلال العام الثاني·

 

اعتقاد خاطئ

وهنا ملاحظة مهمة وهي: أن نتائج الدراسات في هذا المجال تتعارض مع بعض الاعتقادات
والعادات الخاطئة التي تنتشر بين الأمهات حول التعامل مع الطفل في الأشهر الأولى،
فيسود اعتقاد أن الطفل لابد أن يكون في مكان هادئ بعيداً عن الأصوات، بل ويكون في
مكان شبه مظلم، وأنه يجب أن يمضي معظم وقته ملفوفاً باللحاف، وقل أن يتفاعل معه
إلا في وقت الرضاعة أو تغيير الملابس، وهذا غير صحيح فلابد أن يعيش الطفل وضعه
الطبيعي فيتعرض للأصوات والأنوار والمؤثرات المختلفة·

 

الحجة والإقناع

ومن أهمية الحوار مع الطفل أيضاً أن ما يأتي بالإقناع والحجة يبقى وما يأتي بالفرض
والإجبار يتقبل، وتكون آثاره سلبية على المدى البعيد· وقد قرأت عبارة وجدتها مؤثرة
(الرياح تستطيع هدم مدينة ولكنها لا تحل عقدة) وهذا ينطبق تماماً على ما نحن بصدد
الكلام عنه·

* ماهي صفات المُحاور التربوي الجيد؟

- حتى يكون حوارنا تربوياً لابد لنا من استخدام جميع آداب الحوار
المتعارف عليها من عدم رفع الصوت، والابتعاد عن المقاطعة·· وغيرها، ولكن ربما
نحتاج إلى بعض المهارات الأخرى، ومنها: معرفة خصائص المراحل العمرية وقدرات الطفل
العقلية واللغوية، وهي حجر الأساس للنجاح في التحاور مع الأطفال بحسب قدراتهم
المعرفية·

كلمات واضحة

* ما هي صفات الحوار الإيجابي الذي نريد أن نتواصل مع الطفل من
خلاله؟ وكيف نبنيه؟

1 – اطلب من الطفل ما تريد وليس ما لا تريد مباشرة

لابد أن تكون الكلمات التي يتحدث بها مع الطفل واضحة ومحددة·· مثال: طفل في موقع خطير
من الممكن أن يسقط منه، فعندما نريد من الطفل أن ينزل، من الأفضل أن نقول انزل،
بدلاً من تحذيره انتبه كيلا تسقط· وكما في قصة يوسف عليه السلام عند تفسير رؤية
الملك، أرشدهم إلى الحل مباشرة والتصرف المفترض بهم أن يسلكوه: {قَالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً
مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ
يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ
يَعْصِرُونَ } [يوسف: 47 - 49]·

توجيه مباشر

2 – لا لإلقاء الخطب

توجيه الخطاب بشكل مباشر بدون سب أو لوم أو تعنيف كما فعل رسول الله في حديث عمر وابن
أبي سلمة قال: كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في
الصحفة فقال لي: (ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) توجيه مباشر وحلول
عملية للتصرف السليم الذي يود الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون عليه سلوك الغلام·

3 – لا مساومة على المحبة

إذا أخطأ الطفل فلا تقل له أنا لا أحبك لأنك فعلت كذا وكذا، أو تقول إذا فعلت كذا فلن
أحبك أو ألفاظ من قبيل أصبتني بالسكر والضغط من أفعالك، أو ستقتلني أو تصيبني
بالمرض لأنها تولد شعوراً سيئاً جداً لدى الطفل·

4 – الاهتمام بالمشاعر

الواجب عدم التجاهل أو التحقير أو الاستخفاف بمشاعر الطفل مهما كانت مثال: أتى طفلك من
المدرسة غاضب بسبب مدرس أساء له، فما هي الطريقة المناسبة والجميلة للتعامل معه؟

أولاً:
فلتقل: تبدو عليك ملامح الحزن أو الغضب (شكلك حزين!!)، أو سؤاله عن مشاعره: بماذا
تشعر (وذلك لتشعره بقربك وتفهم مشاعره)·

ثانياً:
استفسر منه واسأله عن القصة! وأعطه الوقت الكافي لحكايتها بدون مقاطعته، وتفاعل
معه (تحليل الموقف)·

بعد الاستماع والإنصات:

قد يكون الطفل فعلاً هو المخطئ فعندها نوضح له ذلك، بدون لوم، ونرشده للسلوك الصحيح··
أو قد يكون المعلم هو المخطئ فنوضح للطفل أننا معه، أو نرشده كيف يتعامل مع
الموقف·· إذا استدعى الأمر تدخل أحد الوالدين، فلابد من التدخل (لأن هذا يشعر
الطفل بالأمان)·· أو قد يكون هناك خطأ بسيط صدر من الطفل، ولكن المعلم زاد في ردة
فعله، أو الطفل زاد في ردة فعله الغاضبة·

5- قارن الطفل بذاته ولا تقارنه بأقرانه: وذلك يعني أن تقارن أداء
الطفل أو سلوكه الآن بالماضي، فهل تحسن أم لا·

6- علم قبل أن تلوم: تأكد من مهارات الطفل وقدراته

7- تخير الألفاظ: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]· أي ينبغي مخاطبته بالألفاظ الحسنة والجميلة·

8- تجنب الحوار أثناء غضب الطفل:

* يستحسن القيام بما ورد في السنة من إرشادات للغاضب من تغير
وضعية الجلوس والوضوء، وعدم اتخاذ أي ردة فعل أثناء الغضب·

* الدعاء له وليس الدعاء عليه وإن لم يستطع ذلك وخصوصاً في ذروة
الغضب فالامتناع عن الدعاء واستبدله بالاستغفار فهو أولى في هذه الحالة·

* تأجيل مناقشة المشكلة حتى تخف ثورة الغضب سواء من الطفل أو
المربي·

9- اشركهم في مجالس الكبار: مع تعليمهم آدابها من احترام الكبير
وعدم مقاطعة الكلام وغيرها من آداب الحوار العامة

ولنا في ذلك أسوة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فقد ورد أن عمرو بن العاص رضي الله
عنه مرَّ على حلقة من قريش فقال: (مالكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا
لهم في المجلس وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا
كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم)·

الحوار بالقدوة

10- المعاملة باحترام: فينبغي أن يُستأذن الطفل، ويُعتذر منه في
حال الخطأ في حقه، وأن يعامل كما يعامل الكبير· ونحن بهذه الطريقة نعلمه وندربه
على الحوار بالقدوة·

وليس أجمل من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلام في الحديث: عن سهل بن سعد
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي له بشراب فشرب منه وعن يمينه
غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله
يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً· قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في
يده)·

أما كيف نبني التواصل مع الطفل فلا تتوقع من الطفل قدرة خارقة على قراءة أفكارك لذلك
لابد للمربي من إيصال الرسالة بشكل واضح ومن ذلك:

ألقِ ما تريد على الطفل بشكل واضح·

لا تكثر من الطلبات في وقت واحد·

تأكد من أن الطفل فهم الرسالة بسؤاله أن يعيد ماقيل·

عند توجيه صغار السن يستحسن النزول لمستواهم بحيث تلتقي عيناك بعيونهم مع الابتعاد عن
التحدث من علو فذلك أدعى لوصول الرسالة بشكل سليم·

حوار أسري هادئ

* وما هي مجالات الحوار الإيجابي مع الطفل؟

- لابد لحوارنا مع الطفل ألا ينحصر في: إلقاء التوجيهات
والتعليمات، أو توجيه الأوامر والطلبات بل يتعداه إلى أن تكون هناك جلسات أسرية
يُسمع فيها من الطفل أخباره، ومناقشته في مخاوفه وآماله وطموحاته، بشرط أن تخلو
هذه الجلسات من التوجيه المباشر أو النقد بشتَّى أشكاله·

وتلك الجلسات إما أن تكون:

-جلسة أسرية تتناول فيها الأسرة بعض الوجبات الخفيفة·

- ممارسة بعض الهوايات والألعاب معهم·

- قـراءة القصص لهم، وترك مساحة للحوار والنقاش·

-  مناقشة مشكلاتهم
الخاصة، مع الإصغاء وحسن الاستماع لهم·

- استشارتهم في بعض الأمور الخاصة بك، كشراء سيارة أو ملابس أو
جهاز جديد·

- استشارتهم في قرارات العائلة ذات الصلة بهم مثل قضاء الإجازة·

- التعرف على ميولهم واهتماماتهم مثل السيارات للأولاد، والملابس
والموضات للبنات·

حوار فاشل

* قد يفشل (وينهدم) حوار الوالدين مع الطفل، ما الأسباب التي أدت
إلى الفشل برأيك؟

- قد تكون بسبب بعض المعتقدات الخاطئة مثل: إن الطفل لا يفهم!!

افتراض سوء النية في الطفل:

يريد أن يقهرني، يريد أن يغيظني·

رفع الصوت والصراخ لا يوصل الرسالة·

ومن طرق التواصل غير الفعَّالة مع الأطفال أيضا:

الضرب:

وهو قد يأتي بنتائج حالية وآنية ولكنها لا تستمر على المدى البعيد· وإن سألت أي مربٍ يستخدم الضرب عن
فعاليته في ردع الطفل عن السلوك المشين فستكون الإجابة الحتمية أنه تفريغ للحنق
على الطفل أكثر من كونه يردع الطفل عن سلوكه، وأن الطفل غالباً ما يكرر ذات السلوك
بعد كل مرة يُضرب فيها·

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا
خادماً قط ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله)·

اللوم والتوبيخ والسباب واللعان:

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش
ولا بالبذيء)

وأما في اللوم فعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين
بالمدينة، وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه؛ ما قال لي فيها:
أف قط وما قال لي: لم فعلت هذا؟ أو ألا فعلت هذا!)

نعته بالغباء أو البلاهة أو بأسماء الحيوانات ترسخ عند الطفل صورة سلبية وقاتمة عن نفسه

ممارسة وتطبيق

* ختاماً··

نترك لكِ صفحة بيضاء·· سطري فيها معالم تربوية مهمة للوالدين لصياغة طفل مرتاح وسليم
نفسياً··

هذه المهارات ليست كلمات تقال أو توجيهات تذكر لكنها ممارسة وتطبيق فإن لم نمارسها مع
أنفسنا وصغارنا ومن حولنا فقدت قيمتها ومصداقيتها·

ومثل أية مهارة فهي تحتاج لممارسة متكررة حتى تصبح جزءاً من تعاملاتنا اليومية المعتادة·

 المصدر: http://www.aldaawah.com/?p=7473

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك