الاختلاف الإيجابي
الاختلاف الإيجابي
عبدالسلام محمد درويش
مستشار أسري
خلق الله البشر طبائع وأصناف، فكل ميسر لما خلق له، وعقول الناس ليست متشابهة، بل إن الأخوين التوأمين ورغم التشابه الشكلي بينهما إلا أن الفارق العقلي والفكري موجود، ونرى كثيراً في حياتنا العملية اختلافات في وجهات النظر بين الناس في أي موضوع يطرحونه للحوار والمناقشة، وهذا ليس في زماننا فقط ولكن منذ أن خلق الله البشرية فهي طبيعة البشر فكلٌ يرى نفسه على صواب وغيره على خطأ، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: (( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب )) .
وأسباب اختلاف الناس هو اختلاف مداركهم وعقولهم وتجاربهم وطباعهم، والاختلاف بحد ذاته إيجابي ولكن المشكلة أن يتحول الخلاف في الرأي إلى جدال عقيم وحوار سفسطائي لا أساس له، بل ربما يتحول الخلاف إلى عراك وسباب يخرج فيه العقل من مجلس الحوار ليتربع الشيطان بين المتخاصمين، ولهذا نجد كثيراً من العلماء والأدباء تكلم عن أدب الخلاف وأُلف في ذلك الكثير .
وإذا تطرقنا إلى مسألة في غاية الأهمية ألا وهو الحوار في الحياة الزوجية نجد أن الخلاف وارد في وجهات النظر، لأن الرجل تربى ثلاثاً وعشرين سنة قبل الزواج بطريقة معينة ويحمل أفكار محددة، والزوجة كذلك قبل الزواج نمت وترعرعت على خط معين من التفكير، ثم بين ليلة وضحاها يلتقون في منزل واحد، هل تتوقعون أن يكون التفاهم والاتفاق في الرأي سمت الاثنين ؟! بالطبع لا، ولا بد من الخلاف أثناء الحوار والمناقشة، ولكن أين الأدب في الخلاف الذي من شأنه أن يحافظ على كيان الأسرة ويجعلها متماسكة.
إن من أكبر المشاكل التي نواجهها من خلال عملنا كموجهين أسريين هو اختفاء الحوار بين الأزواج، وحتى لو كان هناك حوارٌ فيكون فاشلاً ترتفع فيه الأصوات والأيادي إلا من رحم ربي، ولهذا فلا بد للزوجين أن يتعلما أصول الحوار والمناقشة وأدب الخلاف، فكما قلت أن الخلاف وارد حتى بين العقلاء والفضلاء لاختلاف المدارك والإفهام، فهذا رسولنا صلى الله عليه و سلم يختلف مع زوجاته أمهات المؤمنين في كثير من القضايا والمسائل، بل وصل بهم الحد إلى طلب الحكم للنظر في الخلاف االناشئ بينهما مع أن أحد طرفي الخلاف خير البشر المعصوم من الخطأ والطرف الآخر خير نساء العالمين .
إن أكبر عائق في إنجاح كثير من الحوارات والوصول بالخلاف في الرأي إلى درجة الجريمة التي لا تغتفر هو اعتقاد كل طرف أن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ وانه معصوم لا يمكن له أن يتنازل عن رأيه، وهذا للأسف دليل كبر وغرور، فسيد البشر محمد صلى الله عليه و سلم تراجع عن رأيه في موقعة بدر وفي تأبير النخل وغيرها من المواقف عندما تبين له الصواب، وبعض الناس يعتقد أن التنازل عن الرأي دليل ضعف وجهل وخاصة تنازل الرجل عن رأيه لزوجته وهذا جهل بحد ذاته، لأن رجوع الإنسان إلى الحق هو دليل انتصار وعزة ورفعة، ومن سيرة النبي صلى الله عليه و سلم نستفيد، حيث أنه أخذ برأي الشباب الذي يخالف رأيه في يوم أحد، وما أخذته العزة بالإثم وما استغل سلطته وحب الصحابة له، وهذا الموقف قليل من كثير .
ولهذا أرى أن الإنسان عليه أن يدافع عن فكرته ورأيه ويظهر الأدلة والبراهين والحجج، وينتصر لما يطرح ولكن دون كبرٍ وعزة بإثم وليكن شعاره رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .
المصدر: http://www.yanabeea.net/details.aspx?pageid=385&lasttype=1