حوار مع صديقي المؤمن

حوار مع صديقي المؤمن

 

بقلم  ترجمة: حميد زناز  

 

- تقول إنّك لا تؤمن بخلاص الروح ولا بتعذيبها؟ 
 - لي شكوكي على ما تقول، فضلا على أنك لم تقدّم لي أيّ برهان على وجود هذه الروح؟ 
- ولكن يا صديقي… 
- لا.. أوّلا لم تبرهن عن أيّ شيء، وثانيا تفترض أنّ الروح خالدة لا تموت، وثالثا تقول إنّها ستحاكم وتجازى أو تعاقب وذلك حسب سلوكها في الحياة على الأرض. وكما ترى أحتاج على الأقل إلى ثلاثة براهين لإكمال هذا الحوار معك. 
- أنت مادّي النزعة. 
- ليكن، وأنت مثاليّ النزعة. 
- ولكن هل تذهب حتى إلى إنكار حاجة الإنسان إلى عدالة إلهية؟ 
- وهو كذلك لأنني لا أرى ضرورة لتلك الضرورة. 
- يحتاج الإنسان ليس للاعتقاد بخلود الروح فحسب، وإنما كذلك بوجود هذه العدالة الإلهية.. - ولماذا يكون محتاجا إلى كلّ هذا؟ 
- ليلائم سلوكه مع العدالة كي يصبح أحسن أخلاقيا. 
- باختصار أنت تدعو إلى الإيمان. - للإيمان الذي يجعل من الإنسان كائنا يتجه نحو الأحسن والافضل.
- ليس الإنسان مجرّد عواطف بل هو عقل أيضا، هل تتفق معي؟ 
- نعم بكل تأكيد. - إذن فكلّ اعتقاد أو كلّ شعور ضدّ عقل الإنسان فهو ليس خيرا له وإنّما هو شرّ.. 
 - ولكن أنت ناكر لكل شيء! - بالعكس أنا أدافع عن وجود عقل إنسانيّ، هو الوحيد الذي يمكّننا من الفهم والحياة… 
- العقل لا شيء والإيمان هو كل شيء. 
- يمكنني أن أقول عكس ذلك تماما، إذ من الصعوبة بمكان التحقّق من صحّة الرأيين. ولكن رغم ذلك هاهو موقفي : الإيمان لا شيء والعقل هو كل شيء. 
- إذا كانت تبدو لك الأمور هكذا.. يمكن أن نصل في النهاية إلى مصالحة، فأنا أيضا رجل منطقيّ وأظنّ أنّ هناك وقتا للإيمان ووقتا للعقل. 
- هذا خطأ يا صديقي، وخطأ جسيم. كلّ لحظة مخصصة للإيمان ينبغي أن نفحصها – بمعنى ملاحظتها بأسلوب نقدي– بواسطة العقل، وبالتالي ليس هناك وقت للإيمان وآخر للعقل. 
 - أنت لا تعترف بالحجج العقلية؟ - تريد أن تقول إنّني لا أعترف بالحجج الإيمانية، أمّا الحجج العقلية فهي الشيء الوحيد الذي أقدّمه لك منذ البداية. 
- إذن أنت ملحد خالص؟ 
-احذف وصف الــ ’خالص’، فأنا لا أحبّ أن أتبجّح. 
 - على كل، شئت أم أبيت.. عليك دائما أن تأخذ الله بعين الاعتبار حينما تحاول أن تعرض تاريخ الإنسان. 
- ليس الله فقط كما تقول، وإنما استحضار كلّ الآلهة دون أدنى استثناء. وهذا الأمر يختلف تماما عما تقول. 
- كيف؟ وأين وجه الاختلاف؟ 
- الاختلاف جوهري! لكلّ ربّ خصائصه، وزمانه ومكانه. 
 - ولكن تبقى فكرة الله هي هي دائما. 
- يبدو لي أن الأمر ليس كذلك، ودون أن نذهب بعيدا حاول أن تقارن بين فكرة التاو أو النرفانا و فكرة الربّ اليهودي– المسيحي وسيتضح لك ذلك الفرق الكبير بين الآلهة. 
- ولكننا لا نغادر فكرة الله إطلاقا. تبقى الفكرة هي هي؟ 
- نحاول دائما استحضار المجهول أو تعريفه، ويتجسّد هذا المجهول بطرق مختلفة لا تعدّ ولا تحصى. وذلك تناسبا مع الزمان والمكان وطبيعة الشعب المعنيّ.. 
- على كل، تكون الخلاصة دائما واحدة. 
 - أبدا .. تكون الخلاصة مغايرة في كلّ مرّة لأن الأخلاق تكون مرتبطة بالفكرة التي يكوّنها الإنسان عن الله. يحتاج الربّ اليهودي-المسيحي إلى الحركة، إلى الفعل. أمّا ربّ بوذيّ أو هندوسيّ فهو يطلب بالجمود وبعدم الفعل.. لاحظ معي أن النتائج متناقضة. 
- لا فرق إطلاقا لأنّ فكرة الله باقية دائما وأبدا.
 - فكأنك تقول لي أن الإنسان كان دائما مضطرّا لمواجهة المجهول. 
 - ها نحن وصلنا إلى بيت القصيد! و بدون شك ستقول لي الآن أن فكرة الله نابعة من الخوف. - و هو ما افترضه الشاعر والفيلسوف اللاتيني لوكريس إذ يقول: تولد الآلهة من الرهبة حيال المجهول. ويمكن أن نضيف بطريقة أخرى أن الآلهة تولد أيضا من ضرورة الاستحواذ على المجهول. بينما لا يحدث المجهول – أو السرّ الخفيّ– الهلع في القلوب دائما. - لا أبدا ! وماذا يمكن أن يسبّب هذا المجهول إذن؟ 
 - حسنا ! يا صديقي العزيز، بدون لفّ ولا دوران، يستطيع هذا المجهول أن يشحذ فضولنا. إن تصوّرت إنسانا حديثا أمام غموض، فستجد أنه يريد أن يعرف وليس له أن يشعر بالخوف. 
- يمكنك أن تسمي ذلك كما تشاء ولكن ستظهر فكرة الله دائما. - لأنك أنت الذي تسمي ذلك هكذا. 
- وكيف يمكننا تسمية الأمر؟ 
-غموض، مجهول، أو أهمّ من ذلك: ما لم يُعرف بعد، ما لم يُشكف عنه الحجاب بعد، ما لم يعقلن بعد. 
 - و لكن حتّى وإن كان الأمر في النهاية هكذا. ماذا تريد أن أقول لك؟ انظر إلى ما يحيط بك! تأمل في الطبيعة! و لا تقل لي بأن كل هذا لا يأتي من مكان ما. 
- من مكان ما..نعم. بكل تأكيد، هذا آت من مكان ما. - وأخيرا، وأمام عظمة هذا الكون! وحتى إن لم يكن الله موجودا، أقول لك بأنه ينبغي ابتداعه. 
- لا تزعج نفسك. لقد تم ذلك قبلك منذ آلاف السنين.. يمكن أن أجانب الصواب، ولكن يعتريني شعور مفاده انه لو اختفت الكنائس لما بقي أحد يؤمن بالله. 
- جيّد.. وهذا ما يدل على ضرورة وجود الكنائس. 
- يا لها من بربرية! فكأنك تدافع عن ضرورة قتل شخص كي تحافظ على فكرة القتل. - بدون كنيسة، بدون دين كيف يمكننا التقرب من الله؟
- هذا لا يهمني، ولكن بدون تتبع الحبل كيف يمكن أن نصل إلى المشنوق؟ 
- أنت تخلط النابل بالحابل. 
 - أنا أفكّر وبكل تواضع أقدّم حججا. الحقيقة هو أنه بدون كنائس تدافع عن الله سيجد المسكين نفسه مرميا في الشارع. 
 - لا تظن بأنني سوف أدافع عن الكنيسة أعرف بأنّ فيها من العيوب الكثير. - اعذرني هل تسمح لي بالدفاع عن الكنيسة، كنيستك؟ - هذا يدهشني.. و لكن هيّا هات ما عندك.. 
- حسنا، أرى بأن كنيستك وكلّ الكنائس الأخرى تفعل ما يجب عليها فعله وذلك توافقا مع جوهرها هي بالذات. تدافع عن نفسها لأنها الوسيط بين فكرة الله - أو الله - و البشر. و لو استغنى الناس عن الكنيسة وتوجهوا مباشرة إلى آلهتهم لانتهى دور رجال الدين ولما أصبحوا صالحين لشيء. وهو ما بدأ يحدث بالفعل، ولهذا السبب تدافع كنيستك عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة، بتثبيت العقائد وتنصيب نفسها المدافع الحصري عن أخلاق مُنّزلة لم يعد يؤمن بها اليوم أحد. 
- ألا يجب أن تدافع عن نفسها؟ 
- هذا ما قلته لك! فلا عضوية تنتحر أو تقبل الموت، فأوهن الحشرات تجاهد من أجل الاستمرار في الحياة. أسوا ما وقع للأديان هو أن الأخلاق التي تدعو إليها هي معمول بها دون التساؤل عن الذي يبشر بها. 
- إذن فالأخلاق التي تقول بها الكنسية جيدة في رأيك. 
 - يتوافق جزء لا بأس به منها مع أخلاق جميع الناس. بمعنى مع قواعد العيش المشترك المدني والمتحضّر. ولكن عليك الخروج من الوهم إذ سيضمحلّ الجزء المتبقّي الآخر: ذلك الذي يدعو إلى الإقصائية، العنصرية الدينية، ذلك الجزء الذي يحاول التقنين لضمائر الناس وأفعالهم. - لا أظنك تذهب إلى حدّ الفصل بين الوعي والفعل؟ 
 - بطبيعة الحال، هذا ما أذهب إليه! لقد استحوذ الدين على الضمائر بل يتخذ الأمر مسعى أبعد من هذا: تفصل الأديان الوعي عن الفعل. كنيستك تحبّ الغفران عن الخطايا حبّا جمّا. و لكنها لا تسمح للوعي أن يتخلص من الكنيسة الأم المقدسة. بل ولا يمكنها أن تغفر حتى هذا التحرر. 
- بدون وعي أخلاقي لا يوجد سلوك أخلاقي. 
- إعلان مبدئي رائع، ولكن ماذا يحدث حينما لا يتوافق فعل جيّد مع أيّ ضمير ديني؟ 
- هذا شيء صعب. بل هو أسهل من نقيضه. تظهر نفس الصعوبة لدى الإنسان حينما يكيف ضوابط سلوكه مع الوعي اللائكي مثلما هو الحال حيال الوعي الديني. وهو الشيء الذي يحدث الآن. 
- و لكن هذا يعني الاستغناء عن الربّ! 
 - ها أنت تقولها بنفسك يا صديقي. 
 - طبعا، سهل جدّا ألا نؤمن بالله، وهكذا يتسنى لنا فعل كل ما نشاء. 
 - إذن في اعتقادك، عدم وجود ربّ يعني انتفاء الأخلاق والتربية والسلوك الحميد! 
- بالضبط، إذا استغنينا عن الله سيصبح كل شيء مباحا. 
 - سيكون الأمر صحيحا لو كان الله هو الراعي أو المؤسس لكل أخلاق. 
- وهو كذلك، هو المصدر! 
- ومع ذلك، وحتى في غياب الله، يتوجب على الناس الاستمرار في الحياة، العيش معا. وسيبدعون دائما قوانين اجتماعية تمكنهم من التعايش. 
- المجتمعات التي تبعد الربّ محكوم عليها بالاندثار. 
- أعتقد أن هذا ليس صحيحا إذ وجدت مجتمعات لم تعتمد على الله في شيء ومع ذلك لم تختفِ. يكفي وضع قوانين جيدة لتتطور قواعد التعايش. واذهب إلى أبعد من هذا: لا يمكن تغريم شخص ارتكب خطيئة، لنقل عن طريق الفكر، كأن يرغب مثلا في ممارسة الجنس مع زوجة جاره. هذا ليس فعلا قابلا للعقاب. 
- بطبيعة الحال ولذلك فهي خطيئة، خطيئة أخلاقية. - حسنا ولكن تبدو لي هذه الشهوة طبيعية إذا كانت زوجة الجار جميلة مشتهاة وإذا كان الراغب في زهرة العمر، مجرد رغبة لا أكثر. وفي حال انتقال الشهوة إلى الفعل سيطبق القانون .. 
- لم أفهم؟ 
 - أقصد شيئا بسيطا للغاية : تُعاقب الخطايا الوهمية بأحكام وهمية. أما الخطايا التي هي أخطاء أو جنح حقيقية، فعقابها عقاب حقيقي. هل فهمت؟
 - وماذا سيحدث مع الله في كل هذا؟ 
- ليس مهما..سوف لا يحدث شيئ. الإيمان أو عدم الإيمان بالله مسألة تدخل في مجال الخيال، وهذا أمر لا يعاقب عليه ولا هو بالشيء الذي يزيد من قيمة الإنسان. - يتصرف المؤمن دائما بشكل حسن حتى وإن كان ذلك خوفا من عقاب الله. 
 - ليكن..ولكن يتصرف الملحد دائما جيدا أيضا و لو كان ذلك احتراما للأخلاق العامة، مدنية ولائكية. كما أجد أنّ الملحد أحسن بكثير إذ حينما يتصرف بذكاء ونباهة، فهو لا ينتظر أية مكافأة. يكتفي بالإيمان بالإنسانية، احترام الآخر، أن يكون إنسانا باسم الإنسان وليس باسم شيء آخر لا يعترف به. 
- وإذن ما ترغب فيه هو استبدال فكرة الله بقانون العقوبات. 
 - لا أحتاج إلى ذلك، فهذا ما يجري اليوم بالذات على أرض الواقع. ما تسميه بالأعمال الخيرية مثلا أو الرحمة، قد قامت وتقوم به منظمات لائكية دون أدنى خلفية دينية. ولا يعني هذا استبدال فكرة الله بقانون سلوكي، فهذا السلوك، هذا " التصرف الخيّر" ينتشر بدون حاجة إلى الدين إطلاقا. 
- لا تنفي دور المبشرين على كل حال! 
 - طبيب في منظمة أطباء بلا حدود مثلا هو أنفع وأجدى بكثير من مبشر لأنه يقوم بنفس المهمة دون أن يفرض أية فكرة دينية، بمعنى انه يحترم الدين الذي يلتقي به. ولتعلمَ أنه يقوم بذلك دون أن ينتظر من السماء شيئا. 
- ما أسوء حظه! 
- نعم ولكن ما أوفر حظّ المريض. 
- كما ترى، يمكنك قول ما تريد ولكن بدون فكرة الله لا يكون لنا نحتٌ ولا رسم ولا موسيقى. 
 - فعلا بدون آلهة، لم يكن ممكنا لنا أن نرث هذا التراث الثقافي والفني الذي بين أيدينا اليوم. ولكن بدون الآلهة، ربما كان محتملا أيضا أن نصل إلى أشكال أخرى من الثقافة والفن. 
- وهو ما يبرهن أن الله حاضر في هذا العالم. 
- لحظة من فضلك.. كأنك تحدثني عن العناية الإلهية الآن. أليس كذلك؟ 
- نعم أحدثك عن العناية الإلهية، عن حضور الله في عالمنا وعن خلقه وعن كوننا من مخلوقاته. 
- صديقي..فيما يتعلق بالعناية الإلهية سأشير إلى مقولة للفيلسوف أبيقور ذاته. 
- ها أنت تعود دائما إلى استشهاداتك! 
- حسنا.. ينتمي أبيقور إلى تراثنا الثقافي والفني . وقد وصل إلى قول ما مفاده: إذا اهتمت الآلهة بحياتنا فلن تكون آلهة مثالية إذ هذا يعني أنّ لها مشاغل والله لا ينبغي أن تكون له مثل هذه الهموم. ويقول لنا أبيقور أيضا لو اهتمت بنا الآلهة لكان عالمنا أحسن بقليل. ألا ترى بأن هذا الرأي معقول؟ 
 - لا يمكن إدراك مقاصد الله! 
- بالفعل مثلما لا يمكن فهم فكرة الله ذاتها. إذ كنت لا تستطيع أن تبرهن لي عن وجود الله، فكيف بإمكانك إثبات العناية الإلهية؟ 
 - يكفيني أن أؤمن. 
 - أما أنا فيكفيني أن أفكر. 
 - لا يمكن نفي العناية الإلهية. 
 - حسنا بما أن براهين ابيقور لم تقنعك دعني أروي لك قصة طريفة. 
- بشرط ألا تكون طويلة. 
- إنها ليست كذلك وسأحاول أن أكون سريعا: في يوم من الأيام كان الربّ يتأمل في الكون: كواكب في الفضاء لا يحصى عددها، ظهور نجوم جديدة، تشكل مجموعات نجمية، حزمات من طاقات جديدة تسرع في تشكيل ملايين المجرات، عوالم جديدة، كواكب جديدة،أقمار جديدة، تحول الطاقة إلى مادة، والمادة إلى طاقة…وفجأة يظهر ملاك إلى جانب الربّ ويقول له: إلهي إلهي .. في مجرّة تائهة توجد شمس وللشمس أرض اسمها الأرض وعلى هذه الأرض هناك قرية اسمها كاستوكونتريغو وفيها تعيش الشابة ماروخيتا وماروخيتا تقبّل الآن خطيبها تحت شرفة وهي في طريق فقدان عذريتها. "فماذا نفعل أيها الرب العظيم؟"، وكانت إجابة الربّ : "فليفعلا شيئا!" 
- ما هو رأيك إذن؟ 
- لا أرى في ذلك أية طرافة. 
 - و هو ما كنت اخشاه إذ كثيرا ما يقتلع الايمان من نفوس المؤمنين روح الدعابة. 
 - انت ترى جيدا إلى اين يسير العالم : شبيبة ضائعة، بائسة ورثّة بلا قيم ولا مثل. 
- ضائعة نعم بلا شك. 
- بدون قيم، سينهار العالم. 
- لا..أبدا. لاحظ أن القيم هي التي انهارت. أية قيمة أو مثال أو عقيدة.. هي تولد، تتطور أوّلا وهي تموت وهذا هو ما يحدث الآن. 
 - قد تخلى الناس عن معونة الله، عن يد الله الممدودة. 
 - يجب عليك ان تثبت أيضا أنّ لله يدا. ولكن نعم ابتعد الناس عن تلك القيمة التي تسميها الله كما أنهم بعيدون عن قيمة أخرى كانت سببا في سقوط الكثير من الأرواح والتي تسمى "الوطن". 
 - لا يؤمنون بشيء والعياذ بالله.
- لم تفهم شيئا! ما كان يؤمن به آباؤهم من قيم هو : صفر، لا شيء. - هل تذهب إلى حدّ الدفاع عنهم؟ 
- أحاول فقط تفسير الأمور. تنهار القيم من تلقاء نفسها، تتآكل مع مرور الزمن. ماذا تريد أن يفعلوا؟ القيام بتمارين روحية؟ 
- وهكذا فليس هناك مستقبل إذن! - هناك دائما مستقبل جيّد أو سيّء ولكن يوجد دائما مستقبل لأن الحاضر يتلوه مستقبل. 
- و إذن لا أعرف ماذا سيفعلون في الحياة مستقبلا. 
- تلك أغنية أخرى. بدون شك لا تكون حياتهم سهلة وسيكون من الصعب السيطرة عليهم لأنهم وكما كنت تقول لم يعودوا يؤمنون بالقيم الموروثة. في الماضي كانوا يؤمنون بالله وبالوطن وبالعائلة. ولكن كما لاحظت أنت بالذات، لم تعد هذه القيم ذات قيمة. ومن هنا أصبح من غير الممكن التلاعب بعقول الناس. 
- لماذا تقول تلاعب؟ 
- لأنها كانت قيم تلاعب واغتراب. فشبيبة محبّة لوطنها ولأهلها ومؤمنة بالله هي شبيبة مثالية بالنسبة للحكام: مطيعة ومهذّبة وخائفة من الله. هي نعمة بالنسبة للحكام وقد استغلوا ذلك الوضع الممتع وها هي النتيجة اليوم : شبيبة غير ملتزمة، غير مطيعة، وليست حتى مؤمنة. 
- لا حل في الأفق إذن! 
 - ليس هناك حلّ عتيق سلفيّ فهذا الحل انتهى إلى الأبد. فاليوم لا يمكن إقناع هذه الشبيبة بالسير وراء علم أو موكب. فتلك القيم هي اليوم بالية مهلهلة. وهل تعرف لماذا يا صديقي؟ 
- أنتظر منك إجابة. 
 - لأنها ماتت ميتة طبيعية فلا أحد قد قتلها. بكلمات أخرى لا أحد قتل الله. فقبلئذ كان مريضا جدا. ومات. 
 - احذر.. أنت تشتم الذات الإلهية! - الملحد لا يشتم الله أبدا فما بالك إن كان ملحدا مهذّبا مثلي. آن الاوان أن أطلب منك ببليوغرافيا. 
 - ماذا ! 
 - نعم لقد سئمت من الحديث مع مؤمنين لم يقلبوا حتى صفحات ما كان يجب عليهم أن يقرؤوه. ليس من المقبول أن نضيع نحن الملحدين الوقت في التفسير -لكم انتم المؤمنين- كتبا لا تتعبون أنفسكم في الاطلاع عليها. لهذا السبب أطلب منك ببليوغرافيا. هيا : ماذا قرأت حول الفيزياء الكوانتية؟ 
- في الحقيقة يا سيدي.. 
- لا شيء ؟ هذا ما تريد قوله؟ إذن أنت غير مؤهل للحديث عن أصل الإنسان ولا عن أصل الكون. فكل ما تقوله في الموضوع لا أساس له. 
- نحن المؤمنين لا يحقّ لنا الكلام إذن! 
- ليس فيما لا تعلمون. والمؤمن لا يفقه الشيء الكثير في مثل هذه القضايا. لم يقطف سوى بعض آراء وأشياء من خطابات دور العبادة. وهو ما يجعل النقاش الجدي معكم مستحيلا. 
- ألا تكون بصدد وصمي بالجاهل بخبث؟ 
- نعم ولكن ليس بخبث وليس مجانا. فالديانات المناضلة والمتأهبة التي نعرف اليوم هي شديدة الاهتمام بثقافة تابعيها أو بالأحرى هي حريصة على جهلهم وعدم ثقافتهم. لقد دافع الكاثوليك دائما عن الأمية. وما تسمونه الطوائف البروتستانتية تسمح على الأقل للمؤمنين بقراءة التوراة. ولكن لا أحد من هؤلاء أو أولائك قد تساءل يوما عن أصل نصوصه الدينية. 
- نحن المؤمنين نؤمن… 
-هذا ما تحسنون فعله، الإيمان وترديد أفكار عاطفية: رحمة الله ورأفته من هنا، والبرّ والإحسان من هناك…الخ. يوجد في مجتمعنا ظلم كبير بسبب احتلال عبدة الله كل الفضاء الثقافي بينما ليس لنا نحن الملحدين أيّ حق. ولا يعترف بنا أي دستور. تعترف كل دساتير الدول الليبرالية بحرية العقيدة وليس بحرية عدم الإيمان طبعا. نحن لا نملك مذاهب مشيدة ولا معابد ولا جمعيات بل ولا يعترف بنا لا قضائيا و لا إداريا أما الإعانات والمنح فلا يمكن حتى التفكير فيها. 
- ولكن… 
- لا تتعب نفسك! فاليوم لا أتركك تتكلم لأنك عاجز عن تقديم ببليوغرافيا مقبولة. لقد حان الوقت أن يعامل المؤمنون هكذا. فالإيمان يعرقل الكلام وعلى كل حال فأنتم لا تفكرون. الإيمان يمنع من تحكيم العقل.. وفي النهاية فأنتم لا عقلانيون وتمارسون اللاعقلانية. لا يتطلب الإيمان أية ثقافة وبالتالي فأنتم جهلة. 
 - ولكن يا رجل … 
- قلت! حينما يقرأ المؤمنون أكثر وأنت على وجه الخصوص سأجد متعة كبيرة لمواصلة النقاش. وفي انتظار ذلك أرفض الحوار. ما يمكن فعله هو تقديم ببليوغرافيا لك. فتثقيف جاهل ليس مبدأ إلهيا بل هو مبدأ إلحادي. فضلا على أنه غير إجباري. 
 
المصدر : 
Antonio Lôpez Campillo &Juan Ignacio Ferreras, Cours accéléré d’athéisme. Editions Tribord, Bruxelles, 2004. 
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك