معجزة القرآن الكتابية

معجزة القرآن الكتابية
عيسى ابن الله أم ابن مريم؟
تأليف
الشريف بن حمزة الجبوري

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمـــــــــــة
أخي المسلم، يا حامل مشروع الله الأزلي هل أبحرتَ يوما بدافع الغيرة على الله تعالى في بحر لُجيّ من الجدل العقدي مع طائفة من أهل الكتاب تنسب لله جلّ و علا الولَدَ؟ ماذا قُلتَ و ماذا سمعتَ؟ هل انتابك شعورٌ أنّ هذه المقارعات لا طائل من ورائها، أو أنّ هذا الجدَلَ لا غالبَ فيه و لا مغلوبٌ؟
لا أشكّ أنّ هذا موقفُ السّواد الأعظم من المسلمين و المسيحيين، حتىّ الذين يمثّلون الإسلام في منابر حوار الأديان و الحضارات. لهذا يقول هذا الطرف أو ذاك يجب أن نجنّبَ المسائل العقدية من الحوار و علينا أن نتناقش في المسائل الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية مثل حرية التعبير و التنظيم و الديمقراطية و حقوق الأقليات الدّينية و كذا حقوق المرأة و محاربة الإلحاد و التفكك الأسري و احترام مشاعر النّاس إلى غير ذلك. و لا شيء مُستقبحا في طرح هذه الإشكاليات بين أهل الدّيانات السّماوية و إيجاد الحلول المناسبة لها. لكنّ السؤال هل يجب أن نُسلّم أنّ النِّقاش في عُمق الخلافات العقدية بين الإسلام و أهل الكتاب مستحيلٌ و غيرُ ممكنٍ؟
إزاء هذه المسألة ، كمسلمين و كتابيين، لنا خياران لا ثالث لهما. إمّا أن نخنع للوضع الحالي،و نَصِمَ أيّ محاولة في هذا الشأن بأنّها نقاشٌ بيزنطي إمعانا في الكذب على الذّات و تبريرا للفشل. و إمّا أن نُسلّم بأنّ كلّ عقيدةٍ صالحةٌ في منظومتها، و ما هو صحيحٌ هنا هو خطأٌ هناك. و ردّا على هذين الموقفين السلبيين نقول للفريق الأوّل أن لا أحد من أهل الدّيانات السّماوية يقبل بعجز الله تعالى
4.
عن إقامة حجّته البالغة على الضّالين. و ردّنا على أصحاب الموقف الثاني نقول هذا الرأيُ ليس خليقا إلا بالمشركين الذين يعتقدون بتعدد الآلهة. فلا يمكن بحال أنّ تصدر عن الواحد تعاليما متناقضة كمثال على ذلك قول المسيحيين يسوع هو الله الظّاهر في الجسد و قول الإسلام بكفر الذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ بن مَرْيَمَ.
و من جهتنا كمسلمين ، نقبل سلفًا أن يجهل المُسلمَ و يعجزَ و ليس في ذلك من عيب ما لم يتطاول على حضرة الرّب عزّ و جلّ و رسوله. لكن هيهات للمسلم الحقّ أن يشكّ في قوّة حجّة الله تعالى و إلزامه لجميع عباده على مُختلَف مِلَلِهم و نِحَلِهم1 بدينه الذي لا يقبل غيره. ألم يَعِد الله تعالى - و من أوفى بعهده من الله- بأنّ يُظهر دين الحقّ الذي أرسل به رسوله على الدّين كلّه و لو كره الكافرون2 . ألم يقطع الله تعالى عُذر كلّ إنسان بقوله:" رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء 165.
معجزة القرآن الكتابية
لا يختلف مسلمان في التعريف أنّ القرآن هو الكتاب المنزّل من الله تعالى على عبده و رسوله محمد  المتعبّدُ بتلاوته الذي تحدّى به الإنس و الجنّ أن يأتوا بسورة من مثله ، و لن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
إلا أنّه قد يغيبُ عن بال كثيرٍ من العرب في غمرة النسيان و السهو و اللامبالاة
بالآخر إعجازه الشامل لكلّ الجنس البشري و في مختلف الميادين. لذا فليس من
ــــــــــــــــــــــــ
1- قال تعالى :" قل فلله الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" الأنعام 149.
2- "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" التوبة 33،
الفتح 28، الصف 9.
5
الحقّ في شيء أن نختزل معجزته في بيانه و بلاغته و نظمه. و إن كانت هذه معجزته فقط فلا يصحّ له أن يكون رسالة عالمية تتخطّى الزمن و المكان و تسمو فوق الأعراق و الألسن، و لكان الإسلام ديّانة قومية عربيةً كما كانت الرسائل السّابقة له. لكنّ فحصا بسيطا لمصدري الإسلام الرئيسيين يُغنيك عن السؤال أنّ القرآن الكريم كتابُ البشرية جمعاء و أنّ رسول الله  رحمةٌ للعالمين. و على هذا الأساس يجب لقُصّرِ النظر أن يُغيّروا من نظرتهم لمفهوم و دلالة الإعجاز القرآني.
فنحن العرب،و إن كنّا لا زلنا عربا إلى اليوم، فلا يمكن لأحدنا مهما بلغت إحاطته باللسان العربي أن يستوعب مفعول بيانه و بلاغته كما في جيل النبي  . فهل انتهت معجزة القرآن مع جيل الصّحابة رضوان الله عليهم أم ما زالت مستمرّة؟
فالقرآن الكريم معجزٌ في سائر الميادين التي شغِلَت و لا زالت تشغَلُ بال الإنسان . و هو معجزٌ للعربي و الإسرائيلي و المسيحي و الهندوسي و البوذي ...و لجميع النّاس و في كلّ مكان و زمان إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و في هذه الحالة يحقّ له أن يكون مُلزما بحُجّته للثقلين، و يجبُ على كلّ مُكلّف أن يلتزم أوامره و نواهيه و يرجو وعده و يخاف وعيده.
و من المعجزات التي وردت صراحة في الذكر الحكيم هي أنّه بيّنة ما في الصحف الأولى. قال تعالى :"وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي
الصُّحُفِ الْأُولَى" طه133 . قال الإمام القرطبي في تفسيره الآية ما يلي:" قوله
تعالى: " وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه " يريد كُفّار مكّة، أي لولا يأتينا محمد
6
بآية توجب العلم الضروري. أو بآية ظاهرة كالناقة والعصا. أو هلا يأتينا بالآيات
التي نقترحها نحن كما أتى الأنبياء من قبله. قوله تعالى: " أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة، وذلك أعظم آية إذ أخبر بما فيها. وقراء " الصحف " بالتخفيف. وقيل: أولم تأتهم الآية الدالة على نبوته بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة. و قال الإمام ابن كثير في نفس الآية :" يقول تعالى مخبرا عن الكُفّار في قولهم لولا أي هلا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة دالّة على صدقه في أنه رسول الله ؟ قال الله تعالى أو لم تأتهم بيّنة ما في الصحف الأولى يعني القرآن الذي أنزله عليه الله وهو أُمّي لا يُحسن الكتابة ولم يدارس أهل الكتاب وقد جاء فيه أخبار الأوّلين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها فإن القرآن مهيمن عليها يُصدّق الصحيح ويُبيّن خطأ المكذوب فيها وعليها .وهذه الآية كقوله تعالى في سورة العنكبوت وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. و في الصحيحين عن رسول الله  إنه قال " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " وإنما ذكر ههنا أعظم الآيات التي أعطيها عليه السلام وهو القرآن و إلا فله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر كما هو مودع في كتبه ومقرر في مواضعه".
و يستفاد ممّا سبق أنّ القرآن الكريم يقصّ الخبر اليقين فيما اختلف فيه أهل
الكتاب و يبيّنُ كثيرا ممّا كانوا يُخفُون. فقد قال تعالى:"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ
7
رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ" (المائدة 15.) وقال تعالى أيضا في نفس الخصوص: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة 19).
إلا أنّ التحدّي المطروح على المسلم الآن هو كيف يُقنع الكتابي بصحّة ما جاء في القرآن الكريم و خطأ ما هو موجودٌ في كتابه. هل يمكن أن تقول للكتابي أنظر إلى معجزة القرآن الكريم ،فإنّه كفّر القائلين بألوهية عيسى؟ و بدون أن أفكّر لحظة واحدة سيُجيبُك الكتابي بقوله كفاك تَحَكُّما. فليس في كلام القرآن أيّ معجزة. للنّاس أن تقول ما تشاء و تعتقد ما تشاء. و إن أصررت على معجزتك فأنظر إلى معجزة الإنجيل:"لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يَهْلِكْ كُلّ مَنْ يُؤمِنُ به بل تكونُ له الحيَاة الأبديةُ"( يو 3/16) . و قال الكتاب المقدّس أيضا:" في البِدْءِ كَانَ الكَلمَةُ،و الكَلِمَةُ كان مع الله. و كان الكَلِمَةُ هو الله" (يو 1/1). فأنظر إلى معجزة الإنجيل! ألا ترى أنّه أقرّ ألوهية يسوع له المجد؟ هكذا أتوقّع إجابة المسيحي.
أقول لك، أخي المسلم، قد عَجِلتَ بحُكمِكَ إذا اعتقدت أنّك بهذه البساطة ستحوّل أخاك الكتابي من مُثلّثٍ إلى مُوحّدٍ. ما الحلّ؟ الحلُّ باهض الثمن. الحلّ أن تكون راسخا في علم الكتاب، عالما بالظروف السيّاسية و الاجتماعية التي أحاطت بحياة النبي عيسى عليه الصلاة و السلام خاصّة و بشعب إسرائيل عامّة.
ألم يأمرنا الله تعالى بالسفر في الأرض و الاعتبار بالتاريخ و الآثار. قال تعالى :"
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ

.8
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ( العنكبوت 20). يقول الإمام القرطبي:" قوله تعالى : قل سيروا في الأرض " أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين المستسخرين المكذبين: سافروا في الأرض فانظروا واختبروا لتعرفوا ما حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأمم وأهل الديار، والعاقبة آخر الأمر، والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله لا من كذب بالباطل" . و لتعميق مدلول هذه الآية الكريمة، لا مناص من الرجوع إلى الاصطلاح الذي اتّفق عليه أهل اللُّغة و علماء العقيدة بخصوص كلمة " المعجزة".
فالمعجزة اصطلاحا هو ما أتى به الأنبياء من آيات خارقات دالّة على صدق دعواهم عَجَزَ القومُ عن مُقارَعتها. و يُشترط فيها ثلاثة شروط في رأينا هي: أن تكون مُصدّقةٌ لدعوى النبيّ تمييزا لها عن الخوارق المكذّبة كالتي حدثت لمسيلمة الكذّاب ، و أن لا يُصرف النّاس عنها كما قالت المعتزلة بل عليهم أن يتساعدوا و يتظافروا و يتعاونوا و أن يكونوا في كامل قُوّاهم العقلية و الجسدية، و أخيرا أن تكون من جنس الشيء الذي برِعوا و تفوّقوا فيه.
و على هذا فلو قلتُ لك أنّ الإنجيل هو من يُكفّرُ القائل ببنوة عيسى عليه السلام لكانت هذه معجزة عظيمة. فالإنجيل ميسورُ الدّراسة لجميع المسيحيين و هم في كامل قُوّاهم العقلية و الجسدية و رسول الله  أميّ و قد سبقه بست مئة سنة. فهل تقبل أخي الكتابي أن نتحاكم إلى الإنجيل لنعرف هل لقب " ابن الله" من الله أم من الشيطان. هل تقبل بالتحدّي؟
دربُ الحقيقة

9
لكلّ حقيقة منهجٌ و مقاييسٌ حتى نمكّن القارىء -مُنتقدا أو مُؤيّدا- من الحُكم على صِحّة ما نقول. و منهجنا يتلخص بهذا الخصوص في ما يلي:
أولا: إسرائيلية عيسى و رسالته: يتّفق اليهود و المسيحيون و المسلمون على
أنّ عيسى عليه السلام إسرائيلي جاء لشعبه إسرائيل مصدّقا للتوراة و ملتزما بها. و عل هذا فلقب "ابن الله" يجب أن يكون للتوراة و أهلِها حُكمٌ فيه. فهل تقبل ، أخي المسيحي، أن نرجع للتوراة – التي هي جزء من مُقدّساتك- لِنرَ كيف ورد لقب " ابن الله"؟. لِنَرَ أيضا حُكم علماء اليهود زمن عيسى عليه السلام على هذا اللقب ، هل كان إيجابيا منه أم كان سلبيا لا يُستساغ التسامح معه؟
ثانيا: النبي عيسى عليه السلام و لقب "ابن الله": من الأشياء الهامّة في عقيدتك، أخي المسيحي، أن تخبرنا عن مصدرها. هل تقبل أن يسكت عيسى عليه السلام عن أحد ركائز عقيدتك لِتَتَعلّمها من غيره؟. فما بالك لو كان هذا الغير شياطينَ الإنس و الجنّ!.
احذر أخي المسيحي من القول أنّ الشياطين و الخصوم اعترفوا بأنّ يسوع " ابن الله" ، لأن الكتب المقدّسة مثلها مثل القرآن تقصّ أخبار الأنبياء مع خصومهم و تورد استهزاءهم و سخريتهم من رُسلهم و مُجادلتهم بالباطل ليلبسوا به على الحقّ. فقد وصف أعداء عيسى نبيّهم ب" بلعام بن باعور مضلّ إسرائيل" و وصفوه ب" بعل زبول رئيس الشياطين". و وصف المشركون نبيّهم محمد  بالسّاحر و الكذّاب و الكاهن. فهل تلزمنا ، كمؤمنين، أقوال المكابرين و المعاندين؟ و احذر أيضا أن تقول لي كان يسوع يخفي عن النّاس أنّه " ابن الله".
10
فلو كان لله أولادا مُتلبِّسينَ بأجساد بشرية يعيشون بين النّاس ما حُقَّ لهم إلاّ أن يُعلِنوا صراحة عن أنفسهم لِحَقِّهم علينا في التقديس و واجبنا نحوهم في التعبّد؛ لأنّهم آلهة. فهل تعطينا، أخي المسيحي مرّة واحدة من إنجيلك الذي
تؤمن به قال فيها يسوع للجموع حوله: أنّا ابن الله ؟
ثالثا:محاكمة المقبوض عليه1:إنّي أؤمن، استنادا على نصوص القرآن2 و الإنجيل و التاريخ أنّه حدثت محاكمة في أورشليم في 14 نيسان من السنة 33 للميلاد أمام محكمة اليهود أوّلا و محكمة الوالي الرّوماني بيلاطس البُنطي ثانيا لشخص يعتقد اليهود و بولس و أتباعه أنّه المسيح عيسى و نعتقد، نحن المسلمين، أنّه من ألقِي عليه شبهُهُ.
لكلّ جِنَايةٍ خمسُ عناصر هي التُهمة و المتّهم و الادّعاء العام و التحقيق و النُطق بالحكم.سؤالي لك أخي المسيحي ما هي التُهمة التي أهدرت دم المقبوض عليه؟ أليست هي تلفيق التهمة له بالكفرُ بادّعائه أنّه ابن الله. فهل تقبل أنّ عيسى عليه السلام كان كافرا بالله متعدّيا على جلال الله تعالى و كماله أم تنزّهُهُ من الكفر كما يُنَزّهُهُ أخوك المسلم و تقبل مع ذلك أنّ المقبوض عليه هو من عاقبه الله تعالى جزاء بما كسبت يداه بحسب عدالة الله كما حَكَم في التوراة ، و الذي أراد أن يُفعل بشاهد الزّور ما نوى أن يفعل بأخيه.
ــــــــــــــــــــــــــ
1- لأنّه ليس له من عيسى عليه السلام إلا المظهر. و هو في الحقيقة يهوذا الإسخريوطي.
2-القرآن الكريم يعترف بحادثة الصلب كحادثة تاريخية و لا يعترف أنّ المصلوب هو عيسى عليه السلام. و لا يمكن لحكم بهذه الأهمية إلا أن يتمّ عن طريق مجلس شيوخ إسرائيل. فالمحاكمة متوقعة.
11
و أن هذه المحاكمة صورية سلّط الله فيها أهل الزّور على أهل الزّور1 و نجّى عبده و حمى رسالته.
رابعا:تاريخ الإنجيل:
لا نستطيع أن ندرس لقب " ابن الله " في الإنجيل ما لم نعرف مُسبقا كَتبةُ أسفاره و انشغالاتهم و دوافع و تواريخ تدوينهم. فسأحاول أن أوجز ما سأفصّله مستقبلا إن شاء الله، إن كان في العمر بقية.
1-إنجيل مرقس:ابتداءً من القرن التاسع عشر ميلادي استقطب إنجيل مرقس
اهتمام النُقّاد و الدّارسين. و لأسلوبه الواقعي البعيد عن الإثارة و اعتداله و روايته
المباشرة التي تفرضُ نفسها على أنّها من شاهد عيان يعتبرُه جمهورُ النُقّاد مصدر إنجيلَي متّى و لوقا، بل الوثيقة المتينة لإعادة كتابة حياة يسوع بشكل علمي1. لذا أعتُبرَ أوّل الأناجيل كتابةً. و الرأي السائد بشأن تدوينه و الأكثر قبولا بين علماء المسيحية أنّه دُوّن ما بين 65م-70م، و عند آخرين و بخاصّة الكاثوليك منهم قبل السنة63م2. ويتفّق النقّاد مع التقليد الشفوي في نسبته إلى مرقس3 . الآباء بابياس ، إيريناوس ، ترتيليانوس ، كليمنص الإسكندراني و أوريجينوس4
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أنظر ملابسات القضية بكاملها في كتابنا المنشور على هذا الموقع باسم:"مسألة صلب عيسى عليه السلام بين الحقيقة و الوهم"
1-Introduction à la Bible p 197.
2-Introduction à la Bible p227.
3-Introduction à la Bible p 205.
4- هم آباء الكنيسة القدامى. عاشوا في القرنين الثاني و الثالث للميلاد و يمثّلون عند المسيحيين ما يمثّله جيل التّابعين عند المسلمين.
12
يتّفقون كلّهم في نسبة هذا الإنجيل إلى مرقس الذي كتبه بإملاء من سيّد الحواريين بطرس عليه السلام .
ويتميّز مرقس بروايته السليمة من أيّ خلفية عقائدية أو تمجيدية . ويبدو أنّه يكتب في كثير من الأحيان من التاريخ بأمانة . فكثير من الحوادث الهامشية يذكرها ولا يجد نفسه في حاجة لتبريرها أو تفسيرها حسب نبوة من نبوات العهد القديم مما يجعلنا نثق فيه أكثر من غيره . ويذكر في غالب الأحوال أبطال الحادثة وآباءهم ، وينقل عبارات أرامية ثم يترجمها إلى اللغة اليونانية ، ويتجنّب الإثارة والنزوع إلى ما هو عجيب كما يفعل متّى ولوقا .كما يتميّز إنجيله بتحفّظه الشديد من كلمة " ابن الله " ولم يجعلها إلاّ في أفواه الشياطين أو أعداء المسيح وعلى رأسهم السلطة الدينية اليهودية . كما يتجنّب كلمة " الآب " و "أبناء الله " .و قد تجاهلَ عمدا رواية ميلاد عيسى عليه السلام و هذا يجعلنا نعتقد أنّه كان متحمّسا لمبدأ سدّ الذرائع.
ويبدو من مقارنة نصوص الأناجيل المتشابهة أنّ لوقا كان يُجِلّ إنجيل مرقس
ويستخِّفُ بإنجيل متّى في معظم الأحيان بدليل أنّه كان يكذّبه ويصحّحه . وإذا اختلفت المفردات بين متّى و مرقس فإنّ لوقا يختار دوما مرقس . ويغلب الظنّ القريب من اليقين أنّ مرقس هو يوحنا الأورشليمي الذي يُدعى مرقس ، وهو ابن أخت الحواري الشهير عند المسلمين بإنجيله ألا وهو الحواري بارنابا . كما يغلب الظنّ أيضا أنّ سيّدنا عيسى عليه السلام وحوارييه يكونون قد تناولوا الفصح1 الأخير في بيته .
ــــــــــــــــــــــ
1- الإشارة إلى الليلة الأخيرة التي احتفل فيها عيسى و تلاميذه بعيد الفصح في أورشليم.
13
ولا شكّ من جانبنا أنّ صحبته لبولس الطرسوسي1 قي سفره الدعوي الأوّل بين السنتين 46 م – 48 م و ما أنكر منه شديد النكران كان السبب المباشر في انعقاد مجمع أورشليم الأوّل سنة 49 م ، الذي حضره جميع التلاميذ عليهم السلام. و خوف الحواري مرقس من بولس الطرسوسي على رسالة النبي النّاصري ترك انطباعا لا ينمحي على إنجيله.
فهذه المقدّمة مبرّرٌ لثقتي بإنجيله و اعتباره شاهدا على غيره من الأناجيل.
كما يتّفق علماء أهل الكتاب على أنّ إنجيلي متّى و لوقا كُتبا بعد خمس عشرة سنة أو عشرين من كتابة الإنجيل الأوّل2.
2-إنجيل متىّ
نسبة الإنجيل إلى متىّ نادرة القبول اليوم من علماء النصارى غير الكاثوليك3.
يبدو أنّ إنجيل متىّ ليس من شاهد عيان و لا يُعطي الانطباع بذلك مطلقا. ويستحيل من وجهة نظر منطقية أن يكون رسولُ من رسل المسيح راويا عن شاهد
غير عيان مثل مرقس. قد يكون الإنجيل من متىّ و الذي كتبه باللغة الآرامية أو
العبرية. و عند ترجمته بُدّل و غُيّر وهذا ما يعنيه النصارى عندما يقولون" متىّ
ـــــــــــــــــــــــــ
1- اسمه الحقيقي شاؤول. و هو من سبط بنيامين ولد في مقاطعة كيليكية بتركيا حاليا قريبا من ميلاد النبي عيسى عليه السلام. و هو يهودي الديّانة اضطهد أصحاب الرسالة الجديدة. ثم ادّعى أنّه ظهر له عيسى في طريقه إلى دمشق. تعاليمه هي التي وصلتنا اليوم و التي تُنسب جهلا إلى خاتم أنبياء بني إسرائيل.
2- voir La TOB p 2294.
3-Introduction à la Bible .Nouveau Testament p 186
14
الأرامي" و "متىّ الإغريقي". و يعترف كتاب المدخل أن انجيل متّى ليس ترجمة لأصله في اللغة الآرامية و لكن تكييفٌ لها1. و التكييّف عندنا هو التبديل. و أقدم شهادة حول إنجيل متّى وصلتنا عن طريق بابياس أسقف هيرابوليس الذي عاش في الثلث الأخير من القرن الأوّل و منتصف القرن الثاني حيث دوّن شهادته حول إنجيل متّى كما يلي:" متّى رتّب اللوجيا في اللغة العبرية،و بعد ذلك ترجمها كلّ واحد حسب استطاعته"2. و اختلف علماء الكتاب في معاني كلمة " لوجيا" فحسب فريق منهم هي مجموع النُبُوّات و الحِكَم التي نطق بها المعلّم عليه السلام. أمّا في الترجمة السريانية لمؤلف أوسابيوس القيصري3 فتُرجمت إلى الإنجيل. و لا يوجد فرقٌ كبيرٌ بين المعنيين في رأينا. لكنّ الشيء الجدير بالسؤال و القلق هو معرفة من ترجمه و هل كانت أمينة لأصله أم لا؟
يتميّز بقِصَصِه الخيالية التي لا علاقة لها بالتاريخ .وحياة يسوع فيه مستوحاة من نُبوات الكتاب المقدس .
3-إنجيل لوقا
لوقا مثقفّ يوناني من أصل وثني، كان طبيبا . وقد لحق ببولس في آخر حياته

ـــــــــــــــــــــــ
1- Introduction à la Bible .p 195.
2- Voir Introduction à la Bible p 188: "Mathieu donc mit en ordre les logia dans la langue hébraïque , et chacun les interpréta comme il pouvait".
3- أوسابيوس القيصري 260 م- 340م .كان أسقفا لقيسارية في فلسطين. له عدّة مؤلفات دينية أشهرها التاريخ الكنسي.
15
و لازمه في سجن روما . و ابتداء من منتصف القرن الثاني للميلاد تكرّس التقليد القائل أنّ الإنجيل الثالث للوقا وتتّفق في هذا الشأن شهادات كليمنص الإسكندراني إيريناوس و أوريجينوس و أوسابيوس وإيرونيمس . وقد كتب إنجيله بعد خراب أورشليم سنة 70 م . وهو ما يتّضح من تبديله لكلمة " حصار اليهودية " في نبوة يسوع عليه السلام بكلمة " حصار أورشليم "1 ويصف النكبة وصفا دقيقا مما جعل معظم النقّاد يقولون بكتابته بعد هذا التاريخ .
و يتميّز لوقا عن غيره من الإنجيليين أنه يُبدّل الكلمات إن رأى فيها تناقضا مع المعطيات العلمية التي وصلت إليه في زمانه كمثال مثل الزارع. و يغيّر الإطار التاريخي و الجغرافي للحدث إن وجد فيه خروجٌ من المأزق الذي وقع فيه أسلافه2.و يبدو من مؤلفه أنّه كان عليما كيف تسيّر دواليب السياسة . وإنجيله يكشف عن أصله الوثني . فكان يتجاهل كلّ النصوص التي تشين إلى الأمم و توصد في وجوههم خلاص يسوع المسيح ،من بينها نصّ المرأة الكنعانية ونص آخر يصف الوثنيين بالكلاب والخنازير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-قارن نص لوقا 21 / 20 – 24 :" و متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنّه اقترب خرابها" مع متّى 24 / 15 – 21: " فمتى رأيتم رِجْسَة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدّس. ليفهم القارىء. فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. و الذي على السّطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئا". و أنظر أيضا مر 13 / 14 – 19 :" فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال".
2-أنظر على سبيل المثال كتابنا المنشور في هذا الموقع:" البشارة برسول الله  بين الإشكال و
الجحود" الصفحات 104، 188.
16
و في المقابل يركّز على مثال السّامري الطيّب ويعقد مقارنة بين تسعة يهود أبانوا أنهم ليسوا أهلا ليسوع المسيح والسّامري الشاكر الذي بيّن ، رغم أنّه أجنبي ، أنّه معني بخلاص المسيح . وأهم شيء شغل باله في إنجيله هو هل أتى ملكوت الله أم لم يأت بعد . و أغرب موقف للوقا في إنجيله ، رغم أنّه تلميذٌ لبولس الطرسوسي و كونه يوناني وثني فإنّه لم يعتقد أبدا أنّ عيسى ابن الله بالمفهوم الوثني الذي أعطته الكنيسة النّاشئة1 له. بل فهم أنّ لقب "ابن الله" رديفٌ لكلمة "المسيح".و خروجه عمّا أجمعت عليه هرطقة بولس دليلٌ على حسّه النقدي الكبير .
4-إنجيل يوحنّا
من هو كاتب الإنجيل الرابع ؟ في منتصف القرن الثاني للميلاد بدأ الاعتقاد أنّ مؤلفه هو يوحنا الحواري . ويشهد أسقف ليون2 أنّ الإنجيل الرابع من تأليف يوحنا تلميذ يسوع ، والشيء الذي يعطي وزنا لشهادته أنّه عرف في طفولته الشهيد بوليكاربوس3 تلميذ يوحنا الذي كان سعيدا بذكر علاقاته القديمة مع يوحنا ومن رأوا السيد يسوع4 .و يقول كليمنص الإسكندراني :" أنّه بعد موت
ـــــــــــــــــــ
1-الكنيسة الناشئة أسّسها بولس بعد انشقاقه عن الحواريين عليهم السلام سنة 50 م
2- هو إيريناوس (130م-208م). وُلد في آسيا الصغرى و ترعرع فيها. كان تلميذا للشهيد بوليكاربوس. أصبح أسقفا لمدينة ليون ( في فرنسا حاليا). كتب مؤلفا هاما في السنة 180 م يحارب فيه ما كان يعتقده بدعا و هرطقات.
3- هو أحد آباء الكنيسة القدامى. تقلّد أسقفية مدينة إزمير( تركيا حاليا) في أول منتصف القرن الثاني للميلاد. كان تلميذا و رفيقا للشهيد إغناطيوس الأنطاكي.
4-Introduction à la Bible .Nouveau Testament p 647.
17
دوميتيانوس1 عاد يوحنا من جزيرة بطمس إلى أفسس" . والردود علىمرقيون2 تقول إنّ يوحنا الرسول كتب سفر الرؤيا في جزيرة بطمس 3 والإنجيل في آسيا .
وجمهور علماء النصارى تطعن في هذه الشهادات التي لعلّ أعظمها شهادة إيريناوس : لأنّ لا رسالة بوليكاربوس أسقف إزمير4.ولا قصة استشهاده تذكر أنّه كان تلميذا للحواري يوحنا عليه السلام . وشهادة إيريناوس ضعيفة لأنّه لم يكن ضابطا ، و كان كثير الخلط ،و قد خطئ مرة أخرى لمّا شهد لبابياس أسقف هيرابوليس أنّه كان تلميذا أيضا ليوحنا الشيء الذي يكذّبه مطلقا المؤرخ الكنسي أوسابيوس القيصري5. والشيء الذي يدعّم رأي الجمهور هو سكوت أسقف أنطاكية إغناطيوس6 عن ذكر ولو لمرة واحدة الحواري يوحنا الرسول في رسائله بينما لا يغفل عن ذكر بولس عندما يتعلّق الأمر بعلاقته مع أهل أفسس. وأخيرا يشهد المؤرخون أنّ الحواري يوحنا قد استشهد على أقصى تقدير بين 62م-70م الأمر الحاسم في عدم نسبة الإنجيل إليه باعتبار أنّه كُتب بإجماع النصارى على رأس المئة الثانية للميلاد.
ــــــــــــــــــــــ
1-إمبراطور روماني ابن فاسباسيانس (51م- 96م( .
2- هو أحد المسيحيين (155م) الذي أسس أول بدعة في الكنيسة. وكان لا يعترف بإله العهد القديم ولا بالأسفار المقدسة سوى بأسفار بولس و لوقا باعتباره تلميذ رسول الأمم.
3- جزيرة يونانية جنوب بحر إيجه.
4- المدينة التركية والتي لا زالت تحمل هذا الاسم.
5-Introduction a la Bible Nouveau Testament p 651.
6- هو أحد أهمّ و أقدم آباء الكنيسة القدامى.كان أسقفا على أنطاكية بسورية. ولد سنة 35 م و مات شهيدا في روما سنة 107م.حيث حكم عليه الإمبراطور طراجان بأن يلقى إلى السّباع. كتب عدّة رسائل إلى أهل آسيا الصغرى في طريقه إلى الشهادة بروما، يبدي فيها تأثّره الشديد برسائل بولس الطرسوسي.
18
و لو كان استشهاد يوحنا بعد المئة الأولى ما كان ليغفل عنه المؤرخ أوسابيوس الذي يروي عن الآب بابياس. وينقل الشيخ أبو زهرة في كتابه عن دائرة المعارف البريطانية التي اشترك في إعدادها خمس مئة من علماء النصارى ما نصّه:" أمّا إنجيل يوحنا فإنّه لا مرية ولا شكّ كتاب مزوّر أراد صاحبه مضادّة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القدّيسان يوحنا (يقصد مرقس) ومتّى.وقد ادّعى هذا الكاتب المزوّر في متن الكتاب أنّه الحواري الذي يحبّه المسيح ، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاّتها وجزمت أنّ الكاتب هو يوحنا الحواري ، ووضعت اسمه على الكتاب نصاً مع أنّ صاحبه غير يوحنا يقينا، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه وإنّنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا صيّاد الجليل ، فإنّ أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى"1. ورأينا في الكتاب أنّه من أسفار الرسل لكنه زوّر من طرف يوحنا اللاهوتي. و لا نشكّ في أنّ هذا الرجل تلميذ من تلاميذ بولس الأوفياء و قد عاش في بداية القرن الثاني للميلاد في أفسس. ويكشف عن هويته صراحة في رسائله حيث يعلن أنّه تسمّى بالشيخ أو اللاهوتي2 و لم تكن هذه التسميات قد تسمّى بها تلاميذ المسيح
عليهم السلام ، بل اشتهروا باسم الرُّسل واقتصر هذا الاسم عليهم وحدهم أو تجاوزا على بارنابا أو بولس.
ــــــــــــــــــــ
1-محاضرات في النصرانية ص 123
2-2 يو1/1
19
و لم تظهر تأثيرات الإنجيل الرّابع في كتابات المسيحيين ـ مثل الشهيد يوستين1
(150م) و راعي هرماس (140-145م)2 و ترانيم سليمان3 ـ إلا في منتصف القرن الثاني .و بناءً على جميع هذه الحقائق التاريخية و من عزوف المسيحيين عنه أو عدم معرفتهم له في القرنين الأوّلين للميلاد4 فإنّ الكنيسة تعتبرُه آخر الأناجيل تدوينا. و أقدم شهادة حول تاريخ كتابته وصلتنا من طرف كليمنص الإسكندراني(211-216م)5.لذا أقتُرحِت كتابته حوالي سنة 100م6. و على هذا فسيكون ترتيب الأناجيل كما يلي: مرقس كتب ما بين 65م-70 م و في عقد الثمانينات للميلاد كتب متّى و تبعه لوقا و آخر الأناجيل كتابة هو يوحنا اللاهوتي حوالي السنة 100م.
و يجب و نحن نختم هذا الفصل أن نؤكّد أنّ النصارى ليس لديهم يقينٌ حتى بمُدوّني أناجيلهم. فمن أربعة كتبة لم يُجمعوا إلا على اثنين منهم هما: مرقس و لوقا. أمّا الاثنان الآخران فلا زال الغموض المريع يكتنفهما إلى غاية السّاعة. هذا حال السّند فكيف يكون المتنُ؟
الاختلاف حول طبيعة عيسى عليه السلام.
العقيدة في طبيعة عيسى عليه السلام هي أحد أهمّ المسائل المختلف فيها بين
ـــــــــــــــــــــ
1-الشهيد يوستين فيلسوف و كاتب مسيحي من أصل روماني. وُلد في نابلس أحد المستعمرات الرّومانية في السّامرة سنة 100م و أستشهد في السنة 165م بعد ما رفض تقديم القرابين لآلهة الوثنيين.
2-Introduction à la Bible p 645
3- كاتب مسيحي من منتصف القرن الثاني ميلاد
4-Introduction p 615.
5-Introduction p 648.
6-Introduction à la Bible p 662. voir TOB p 2544.
20
المسلمين و المسيحيين. فهو عبد الله و رسوله عند المسلمين، أتاه الله الكتاب و الحكمة و جعله مثلا لبني إسرائيل ، و هو ابن الله الوحيد المتجسّد الذي نزل من
السماء في شبه جسد الخطية. و ترتّب عن ذلك لدى هؤلاء و هؤلاء تفسير القدرة
التي حرّكت مُعجزاته عليه السلام ، فعند المسلمين أقامها بإذن الله كآيةٍ مُصدّقةٍ
له أنّه مُرسَلٌ من عنده تعالى؛ أمّا عند المسيحيين ففعلها بطبيعته الإلهية.
و من خلال استقراء نصوص القرآن الكريم فإنّ البُنوة التي يعنيها الله تعالى و التي مــــن أجلها كفّر القائلين بها هي بُنوة حقيقية لا مجازية تجعلُ من الله تعالى علواً كبيرا أباً والدا و من عيسى عليه السلام مولوداً لا مخلوقاً. قال تعالى:" بديع السّماوات و الأرض أنّى يكون له ولدٌ و لم تكن له صاحبةٌ و خلق كلّ شيء و هو بكلّ شيء عليم" (الأنعام101).
و وعياً بالمأزق الذي وقعت فيه المسيحية و استغلالا للشُبهات في معنى "ابن الله" وجد المسلمون من النّصارى منْ يدّعى أنّ الكلمة لا يفهمها النصارى إلا بالمعنى الروحي المجازي و ادّعى آخرون أنّ معناها التجسّد أي أنّ الله تعالى علوا كبيرا اتّخذ شكلا بشرياً في يسوع ليحلّ فيه.
و كعادتي في مثل هذه الأبحاث، و لاستيضاح معنى ابن الله، فإنّي أعوّل على نصوص الإنجيل و التوراة و السياق الدّيني الاجتماعي الذي عاش فيه خاتم أنبياء بني إسرائيل و اللغة العّامية التي تكلّمَها أهلُه و شعبُه في فلسطين منذ أكثر من ألفي سنة.
معنى ابن الله في التوراة
الكلمات "ابن الله"،"أبناء الله "،" أبونا السماوي"،مبدئيا ليست تجديفا على
21
الله في الكتاب المقدس . استعملتها كلّ الأسفار المقدّسة من سفر تكوين إلى سفر الرؤيا . و تأتي على لسان الأنبياء و الكَتَبَةِ1 و الأحبارِ لِتَصِفَ قُرب الله عزَّ و جل – البعيدُ في ذاته و صفاته و أسمائه – من شعبه المؤمن الذي اختاره على عِلمٍ على العالمين .
وردت الكلمة أوّلا في سفر الخروج في سياق الحديث عن المبارزة بين موسى رسول الله و كَليمِهِ وفرعون الذي طغى:"وَ قُلْ لِفِرْعَوْنَ كذا قال الربّ: إِسرَائيلُ اِبْني البِكْرُ"2.(خر 4/22–23).ووردت في سفر التثنية:"أنتُم بَنُو الرَبِّ إِلَهِكُم لا
تَخْدِشُوا أجْسَادَكُم على مَيِّتٍ وَ لاَ تَنْتِفُوا مَا بَينَ عُيُونِكُم"(تث14/1).إلاّ أنّ السواد الأعظم من بني إسرائيل لم يفهم هذه البُنُوَة إلا على سبيل المجاز . و أكّدت النصوص المُقدّسة على هذا المعنى الصوري . قال سفر التثنية : " فَأعْلَمْ في نَفْسِكَ أنّهُ كَمَا يُؤدِّبُ المَرْءُ وَلَدَهُ قد أدّبَكَ الرَبّ إِلَهُكَ "(تث 8 /5).و تقول مزامير داوود عليه السلام:" كَرَأفَةِ أبٍ بِبَنِيهِ رَئِفَ الرَبّ بالذين يَتّقُونَهُ "(مز 103/13).و يقول سفر الأمثال : " فَإِنّ الذي يُحِبّهُ الرَبّ يُؤدِّبُهُ و يَرْتَضِي بِهِ كَأَبٍ بابْنِهِ "(أم 3/12).و يقول يشوع بن سيراخ :" كُنْ أباً لِلْيَتَامَى وَ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ لأمّهِم فَتَكُونُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-تشكّلَ فيما بين إسرائيل فقهاء في الشريعة اهتموا بالدرجة الأولى بكتابة و ترجمة الكتاب المقدس .
2- أنظر أيضا : II صم 7/14 ، أش 1 / 2 ، 43/6 ، 45/11 ، 63/16 ، 64/7 . إر 3 / 4 ، 3/19 ، 31/9 ، حز 16/20 ، 23/4 ، هو 2/1 ، 11/1 ، ملا 1/6 ، 2/10 ، 3/17 ، مز 89/27 ، 89/26 ؛أم 14/26 ، I أخ 17/13 ، 22/10 ، 28/6 ، 29/10 ، أس 8/16 ، يه 9/13 ، حك 2/13 ، 2/16 ، يش بن شيراخ 4/10 … و قد إختصرت الشهادات فهي أكبر من هذا بكثير .
22
كَاِبنِ العَلِيِّ وَ هُوَ يُحِبُّكَ أكثَرَ مِنْ أُمِّكَ"(يش بن سيراخ4/10). و تعني أيضا الصِدِّيق كما ورد في سفر الحكمة : " الصِدِّيقُ الذي يَعرِفُ الشَّرِيعَةَ وَ يَعمَلُ بِهَا هو ابنُ الله"(حك 2/13–18،5/5).
و قد أشار القرآن العظيم لهذا المعنى المجازي في قوله تعالى :" وَ قَالَتِ اليَهودُ وَ النَّصَارَى نَحـــنُ أبْنَاءُ اللهِ وَ أحِبَّاؤهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَل أَنتُمْ بَشَرٌ ِممّن خَلَقَ يَغفِرُ لِمَنْ يَشَــــــاءُ و يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ" (المائدة 17).
فنلاحظ أنّ هذه الآية الكريمة الوحيدة في كلّ القرآن التي لم يعقبُْها تقريعٌ أو تكذيبٌ أو وعيدٌ أو تنزيهٌ بعد ادّعائهم أنّهم أبناء الله .كما هو الحال في الآيات الأخرى و التي سنراها فيما بعد. و قد اتّفق علماء التفسير أنّ ادّعاء بنوة اليهود و النصارى لله ليست من قبيل ما يدّعونه لعزير أو المسيح عيسى عليه السلام. بل هي بنوة مجازية تحتمل معاني الرّحمة و الشفقة و الحَظوَة و الفضل عند الله تعالى. و قد كذّب تعالى أن تكون منزلتُهم عنده بما يدّعون، بل هم بشرٌ ممّن خلق يعذّب بعدله من ساء عملُه و يُجازي برحمته من حَسُنَ عملُه. و قال جمعٌ آخر من المفسّرين: لو كنتم فعلا أبناء الله و أحبّاؤه فلما عذّبكم بذنوبكم بالمسخ إلى قردة و خنازير و تسليط أعدائكم عليكم. و في مختلف هذه التفاسير إيحاءات واضحة أنّ هذه البنوة مجازية تسامح معها القرآن الكريم ، لأنّه ليس فيها ما من شأنه أن يعكّر صفاء التوحيد لله تعالى أو أن يترك شبهة عليه. قال ابن كثير في تفسيره للآية : " أي نحن منتسبون إلى أنبيائه و هم بنوه و له بهم عناية و هو يحبنا ، و نقلوا عن كتابهم أنّ الله تعالى قال لعبده إسرائيل : أنت ابني البكر ، فحملوا
.23
هذا على غير تأويله و حرّفوه . و قد ردّ عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم . و قالوا : هذا يُطلق عندهم على سبيل التشريف و الإكرام . كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم : إنّي ذاهبٌ إلى أبي و أبيكم يعني ربّي و ربّكم ، و معلوم أنهم لم يدّعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام . و إنما أرادوا من ذلك معزّتهم لديه و حظوتهم عنده و لهذا قالوا : نحن أبناء الله و أحبّاؤه " ( المجلد الأول ص 499 ) .
جاء في الكشّاف للزمخشري:
‏"‏ أبناء الله ‏"‏ أشياع ابني الله عزير والمسيح كما قيل لأشياع أبي خبيب وهو عبد الله بن الزبير الخبيبون وكما كان يقول رهط مسيلمة‏:‏ نحن أنبياء الله‏.‏ ويقول أقرباء الملك وذووه وحشمه‏:‏ نحن الملوك‏.‏ ولذلك قال مؤمن آل فرعون‏:‏ لكم الملك اليوم‏.‏ ‏"‏ فلم يعذبكم بذنوبكم ‏"‏ فإن صحّ أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تذنبون وتُعذبون بذنوبكم فتُمسخون وتمسَّكم النار أياماً معدودات على زعمكم‏.‏ ولو كنتم أبناء الله لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح ولا مستوجبين للعقاب‏.‏ ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه ولما عاقبَكُم ‏"‏ بل أنتم بشرٌ ‏"‏ من جملة من خلق من البشر ‏"‏ يغفر لمن يشاء ‏"‏ وهم أهل الطاعة ‏"‏ ويعذب من يشاء ‏"‏ وهم العصاة‏.‏
و جاء في تفسير البيضاوي ما يلي:
"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه أشياع ابنيه عزيرا والمسيح كما قيل لأشياع ابن الزبير الحبيبون أو المقربون عنده قرب الأولاد من والدهم..."قل فلم يعذبكم بذنوبكم" أي فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم فإن من كان بهذا
24.
المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياما معدودات بل أنتم بشر ممن خلقَ من خلقِه تعالى يغفر لمن يشاء وهم من آمن به وبرسله .و يعذب من يشاء وهم من كفر والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عنده ولله ملك السموات والأرض وما بينهما كلها سواء في كونها خلقا وملكا له وإليه المصير فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
و جاء في تفسير الإمام القرطبي ما يلي:
قوله تعالى :" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " قال ابن عباس: خوّف رسول الله  قوماً من اليهود العقاب فقالوا:لا نخاف فإنا أبناء الله وأحباؤه فنزلت الآية. قال ابن إسحاق: أتى رسول الله  نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو و شأس بن عدي فكلّموه وكلّمهم ودعاهم إلى الله عز وجل و حذّرهم نقمته فقالوا: ما تُخوفنا يا محمد ؟ نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى. فأنزل الله عز وجل فيهم " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم " إلى آخر الآية. قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب:يا معشر يهود اتقوا الله فو الله إنكم لتعملون أنه رسول الله وقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا ما قلنا هذا لكم ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً من بعده فأنزل الله عز وجل : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل" إلى قوله " والله على كل شيء قدير ". قال السُدّي: زعمت
25.
اليهود أن الله عز وجل أوحى إلى إسرائيل عليه السلام أن ولدك بكري من الولد. قال غيره : والنصارى قالت نحن أبناء الله لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى أذهب إلى أبي وأبيكم. وقيل المعنى: نحن أبناء رسل الله فهو على حذف مضاف وبالجملة فإنهم رأوا لأنفسهم فضلاً فردّ عليهم قولهم فقال : " فلم يعذبكم بذنوبكم " فلم يكونوا يخلون من أحد وجهين إما أن يقولوا هو يعذبنا فيقال لهم : فلستم إذا أبناءه وأحباءه فإن الحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تقرون بعذابه فلذلك دليل على كذبكم.
و جاء في تفسير الجلالين ما يلي: (وقالت اليهود والنصارى) أي كل منهما (نحن أبناء الله) أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة (وأحباؤه قل) لهم يا محمد (فلم يعذبكم بذنوبكم) إن صدقتم في ذلك ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذبكم فأنتم كاذبون (بل أنتم بشر ممن) من جملة من (خلق) من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم (يغفر لمن يشاء) المغفرة له (ويعذب من يشاء) تعذيبه لا اعتراض عليه.
قال الرازي:" وقالت اليهود والنصـارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء ولله ملك السمـاوات والأرض وما بينهما وإليه المصير " قوله تعالى: "وقالت اليهود والنصـارى نحن أبناء الله وأحباؤه " وفيه سؤال: وهو أن اليهود لا يقولون ذلك البتة، فكيف نقل هذا القول عنهم؟ وأما النصارى فإنهم يقولون ذلك في حق عيسى لا في حق أنفسهم، فكيف يجوز هذا النقل عنهم؟ . أجاب المفسرون عنه من وجوه: الأول: أن هذا من باب حذف المضاف، والتقدير نحن أبناء رسل
26
الله، فأضيف إلى الله ما هو في الحقيقة مضاف إلى رسل الله، ونظيره قوله "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله" (الفتح: 10). والثاني: أن لفظ الابن كما يطلق على ابن الصلب فقد يطلق أيضا على من يتخذ ابنا، واتخاذه ابنا بمعنى تخصيصه بمزيد الشفقة والمحبة، فالقوم لما ادعوا أن عناية الله بهم أشد وأكمل من عنايته بكل ما سواهم، لا جرم عبر الله تعالى عن دعواهم كمال عناية الله بهم بأنهم ادعوا أنهم أبناء الله. الثالث: أن اليهود لما زعموا أن عزيرا ابن الله، والنصارى زعموا أن المسيح ابن الله، ثم زعموا أن عزيرا والمسيح كانا منهم، صار ذلك كأنهم قالوا نحن أبناء الله، ألا ترى أن أقارب الملك إذا فاخروا إنسانا آخر فقد يقولون: نحن ملوك الدنيا، ونحن سلاطين العالم، وغرضهم منه كونهم مختصين بذلك الشخص الذي هو الملك والسلطان فكذا هاهنا، والرابع: قال ابن عباس: إن النبي دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوفهم بعقاب الله تعالى فقالوا: كيف تخوفنا بعقاب الله ونحن أبناء الله وأحباؤه، فهذه الرواية إنما وقعت عن تلك الطائفة، وأما النصارى فإنهم يتلون في الإنجيل الذي لهم أن المسيح قال لهم: اذهب إلى أبي وأبيكم. وجملة الكلام أن اليهود والنصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلا على سائر الخلق بسبب أسلافهم الأفاضل من الأنبياء حتى انتهوا في تعظيم أنفسهم إلى أن قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. ثم انه تعالى أبطل عليهم دعواهم وقال: "قل فلم يعذبكم بذنوبكم ". وفيه سؤال، وهو أن حاصل هذا الكلام أنهم لو كانوا أبناء الله وأحباءه لما عذبهم لكنه عذبهم، فهم ليسوا أبناء الله ولا أحباءه، والإشكال عليه أن يقال: إما أن تدعوا أن الله عذبهم في الدنيا أو تدعوا أنه سيعذبهم في الآخرة، فإن كان موضع الإلزام عذاب الدنيا فهذا لا يقدح
27
في ادعائهم كونهم أحباء الله لأن محمدا  كان يدعي أنه هو وأمته أحباء الله، ثم أنهم ما خلوا عن محن الدنيا. انظروا إلى وقعة أحد، وإلى قتل الحسن والحسين، وإن كان موضع الإلزام هو أنه تعالى سيعذبهم في الآخرة فالقوم ينكرون ذلك. ومجرد إخبار محمد  ليس بكاف في هذا الباب، إذ لو كان كافيا لكان مجرد إخباره بأنهم كذبوا في ادعائهم أنهم أحباء الله كافيا، وحينئذ يصير هذا الاستدلال ضائعا. والجواب من وجوه: الأول: أن موضع الإلزام هو عذاب الدنيا، والمعارضة بيوم أحد غير لازمة لأنه يقول: لو كانوا أبناء الله وأحباءه لما عذبهم الله في الدنيا، ومحمد عليه الصلاة والسلام ادعى أنه من أحباء الله ولم يدع أنه من أبناء الله فزال السؤال. الثاني: أن موضع الإلزام هو عذاب الآخرة، واليهود والنصارى كانوا معترفين بعذاب الآخرة كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا" لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" (البقرة: 80) والثالث: المراد بقوله "قل فلم يعذبكم بذنوبكم " فلم مسخكم، فالمعذب في الحقيقة اليهود الذين كانوا قبل اليهود المخاطبين بهذا الخطاب في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا أنهم لما كانوا من جنس أولئك المتقدمين حسنت هذه الإضافة، وهذا الجواب أولى لأنه تعالى لم يكن ليأمر رسوله عليه الصلاة والسلام أن يحتج عليهم بشيء لم يدخل بعد في الوجود فإنهم يقولون: لا نسلّم أنه تعالى يُعذبنا، بل الأولى أن يحتجّ عليهم بشيء قد وجد وحصل حتى يكون الاستدلال به قويا متينا. ثم قال تعالى: "بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " يعني أنه ليس لأحد عليه حق يوجب عليه أن يغفر له، وليس لأحد عليه حق يمنعه من أن يعذبه، بل الملك له يفعل

28
ما يشاء ويحكم ما يريد. واعلم أنا بينا أن مراد القوم من قولهم "نحن أبناء
الله وأحباؤه " كمال رحمته عليهم وكمال عنايته بهم". انتهى تفسير الرازي. هكذا فهم علماء التفسير بنوة اليهود و النصارى لله تعالى.
البنوة المكفّرة لقائلها في القرآن الكريم
تعالى أخي القارىء لِتَرَ معي ما لم يتسامح معه الله تعالى بخصوص البنوة. و ذلك أنّ هذه البنوة ليست من قبيل البنوة التي رأيناها أعلاه. فهذه بنوة وثنية مادية تنسب لله تعالى الولد كما ينتسب أحدنا إلى أبيه. فهي بنوة حقيقية لا مجازية تعتدي على نزاهة الله تعالى و وحدانيته. لذا نرى القرآن الكريم في آي كثيرة يعقّب:" أنّى يكون له ولد و لم تكن له صاحبةٌ" و ذلك للتأكيد على أنّ هذه البنوة عضوية حقيقية لا مجازية روحية.
كقوله تعالى:
*" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً" النساء 171.
*" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الأنعام 110.
*" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا
29
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" المؤمنون 91.
*" وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" الصافات 152
*" قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" الزخرف81.
*" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" التوبة 30.
*:"و جعلوا لله شركاء الجن و خلقهم و خرّقوا له بنين و بنات بغير علم سبحانه و تعالى عما يصفون" ( الأنعام 100 ).
*" وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ" البقرة 116.
*" لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" الزمر 4.
*" قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ
إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" يونس 68.
*" َقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا" الإسارء111.
*" َيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا" الكهف 4.
30
*" وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا " مريم 88-92.
*" وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ" الأنبياء26.
*" الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" الفرقان 2.
*" وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا" الجن 3.
*" أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بالْبَنِينَ" الزخرف 16.
*و قال تعالى أيضاً :" ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه " ( مريم 35 ) .
فتلاحظ أخي القارىء أنّه ما من آية من هذه الآيات إلا و عَقِبَها تكذيبٌ أو تنزيهٌ أو وعيدٌ أو تقريعٌ و لم نجد في آية ادعاء اليهود و النصارى للبنوة شيئا من هذا كلّه.. ممّا يدلّ على أنّ البنوة بمعنى المجازي لا يرفضها القرآن . و قد ورد في التوراة و الأنبياء و المزامير أنّ آدم و داوود و سليمان و شعب إسرائيل أبناء الله و لم ينكر القرآن ذلك .
و ما يُنكِرُه مُتكلِّمةُ المسلمين على النصارى هو إفراد يسوع بالبُنُوة دون غيره1.بينما هو،حسب الإنجيل،وسّع هذا المعنى ليشمل جميع المؤمنين. وجمهور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يوجد عند المسلمين ما يقابله و هو حديث متداول :الخلق عيال الله ، حديث ضعيف .
31
المُتَكلّمة جَوَّزوا دعوى أهل الكتاب بنِسبة البُنُوة و الأُبُوة إلى الله كما نقل ذلك عنهم الجاحظ1. و من أنصار هذا الرأي أيضاً القاسم2 و حسن بن أيوب3 . و إبراهيم النظّام4 الذي كان يرى أنّه إذا جازت الخِلّة و الولاية و المحبَّة على الله،يجوز أن يُسَمّيَ عَبْداً له وَلَداً لِمَكَانِ التَربية التي ليست بِحَضَانَة،و لِمَكَانِ الرَّحمَة التي لا تَشتَـقّ مِـــــن الرحم5 . و قد تفطّن البيروني 6 إلى مسألة هامّة يؤكّدها البحث العلمي الحديث و هي : أنّه لِفهم معاني الكلمات يجب اعتبار خصائِصَ كُلّ لُغَـــة و مُمَيّزاتها البيانية و هو مَا عبّر عنه بقوله : " أنّ " البُنُوَة " و " الأُبُوَة " لا يسمح بهـا أبداً الإسلام إذ أنّ الوَلَدَ و الابْنَ في العربية مُتقارِبان في المعنى و ما وراء الوَلَد مــن الوالِدَين و الوِلادَة مَنفِيٌ عن معاني الربوبية ، و ماعدا لُغة العربِ يَتَّسِع لذلك جدّاً7.و لعلّ أشهر الذين قَبِلوا البنوة على سبيل الإكرام و المحبَّة و الولاية ، لا على سبيـــل الوِلادَة هو أبو منصور الماتوريدي مُؤسّس المدرسة الكلامية التي نازعت الأشعريــة في الانتساب إلى أهل السُنَّة و الجماعة .
ــــــــــــــــــــــــــ
1-هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( 776 م – 829 م ) . من مؤلفاته : الرد على النصارى و نقله لهذا الرأي ذكره صاحب الفكر الإسلامي للرد على النصارى ص 330 .
2- هو القاسم بن إبراهيم ( 860 م ) صاحب الرد على النصارى .
3- حسن بن أيوب ( ت 988 ) كان نصرانيا نسطوريا أسلم و كان يكتب لأخيه علي بن ايوب : أن بنوة المسيح على سبيل الرحمة و الصفوة و الولاية ( المصدر السابق ص 149 )
4- هو النظام ابراهيم بن يسار(ت 845 م).متكلم معتزلي نشأ في البصرة و أقام في بغداد.ترك أثرا فكريا 5-الفكر الإسلامي في الردّ على النّصارى ص 311
6- البيروني ( أبو الريحان ) ( 401 هـ ) مؤلف عربي من أصل فارسي درس الطب و الفلك و الرياضيات و التاريخ و العلوم اليونانية و الهندية.
7- الفكر الإسلامي في الردّ على النّصارى ص 331.
32
فاحذر أخي المسلم! وجدنا كثيرا من المسيحيين في كتبهم و قنواتهم الفضائية يدّعون عن حُسن نيّة أو سوءها أنّ يسوع ليس ابن الله بالمعنى الذي يندّد به القرآن، بل ابن الله بالمعنى المجازي الرّوحي. و لاختبار جدّية مُجادلك و وَضْعِه أمام الِمحَكّ .اسأله السؤال التالي:هل تعتقد أنّ يسوع ابنٌ لله كما جميع المؤمنين أبناء الله؟ فان قال لك لا! فاعلم أنّه يُراوغُك و يُخفي ما لا يبدي لك.و سنرى الآن أنّ عيسى في التعاليم المسيحية هو ابن الله بالمعنى الحقيقي. و إن قال لك نعم! فمرحبا به منزّها لله تعالى في زمرة المؤمنين الموحّدين.
أساس اعتقاد النصارى في البنوة
لكن السُؤال الذي يطرَحُ نفسَه بإلحاح هل معنى كلمة " ابن الله " في النصرانية يلتزم بالمفهومِ الدّيني المتعارف عليه عند بني إسرائيل1 و لا يتعدّاه ؟ كلاّ !
فَمعنى الكلمة عند النصـارى أعمق . و هي تُصوِّرُ العلاقة بين الله و المسيح كعلاقة البُنوة الحقيقية التي تربط كــلّ رجلِ بابنه ، علاقة حقيقية لا مجازية . فيسوع ينتسب إلى الله كما ينتسب أحدُنا إلى أبيه . و قد أشارت الأناجيل إلى هذا المفهوم بشكلٍ جليٍّ.
و أصحّ النصوص التي وصلتنا في شأن البُنوة نصّان أجمعت عليهما الأناجيل المتشابهة.الأوّلُ يقُصّ خبرَ رجُلٍ كانت فيه شياطينٌ منذ زمن طـــويل.فلـما رأى يســــوع صــرخ وسجَدّ له وقال بصوت عَظيمٍ "مَالي وَ لَكَ يا يسوع ابن الله العَليّ .أَطلُبُ مِنْك ألاّ تُعَذِّبْني"(متى 8/28 – 34 ، لو 8/26 – 39 ، مر 5/1 – 20).
ـــــــــــــــــــــ
1- أنظر أعلاه في باب " معنى ابن الله في التوراة".
33
و النص الثاني يروى خَبَرَ مُحاكمة المقبوض عليه1 من قِبَلِ السنهدرين( مجلس شيوخ إسرائيل) :" وَ لمّا كَانَ النَهَارُ اجتمَعَتِ مَشْيَخَةُ الشَعبِ رُؤسَاء الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ واصعدوه إلى مَجْمَعِهِم قَائِلِينَ إِنْ كُنتَ أنتَ المسيحُ فَقُلْ لَنَا . فَقَالَ لَهُم إِنْ قُلتُ لَكُم لا تُصَدِّقُونَ. وَ إِنْ سَألْتُ لا تُجِيبُوني وَ لا تُطلِقُونَنيِ . مُنذُ الآن يكونُ ابنُ الإنسان جَالِسًا عن يمينِ قُوّةِ الله . فَقَالَ الجميعُ إذن أنتَ ابنُ الله ! فَقَالَ لَهُم أنْتُم تَقُولُونَ إِنيّ أَنَا هُوَ فَقَالُوا مَا حَاجَتُنَا بَعدُ إلى شَهَادَةٍ لأنَنَّا نحنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ ".( لو 22/66 ، مر 14/60 ، متى 26/63.). و هذا النصّ للوقا. أمّا في إنجيلي متىّ ومر قس فورد ما يلي:" فأجاب رئيس الكهنة و قال له ( للمقبوض عليه) أستحلفك بالله الحيّ أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله .قال أنت قلت... فمزّق الكاهن ثيابه قائلا لقد جَدَّفَ ( يعني لقد كفر). و ما حاجَتُنا إلى شُهُودٍ" .
فاليهود الذين عاصروا النبيّ عيسى عليه السلام و على رأسهم مجلس شيوخهم- برغم اختلافنا ، كمسلمين معهم، حول صدق دعوى عيسى عليه السلام و أيضا حول هوية المقبوض عليه نفسه- يرون مثلما يرى المسلمون أنّ لقب ابن الله كُفرٌ . و هذه الرِدّة يستحقُّ صاحِبُها، حسب حُكم التوراة، الموتَ مُعلّقاً على خشبةٍ ،و ألا تبيتَ جُثّتهُ لئلا تتنجّسَ الأرضَ من إثمِه و أن يًدفنَ في غير مقابر المؤمنين كما دُفِنَ المصلوبُ في قبرٍ منعزلٍ حُفِرَ في الصخرِ .
كما يجب التنويه على أنّ المقبوض عليه ليس عيسى عليه السلام أصلا و أنّ المتّهم لم يعترف أنّه المسيح. بل أجاب عن سؤال الكاهن هل هو المسيح بقوله
34
أنتم تقولون أنّني أنا هو. يعني هذا قولكم، أنتُم الذين أردتُم أن أكون المسيح عيسى. ثم التُّهمة – و هي الرِدّةُ عن دين الله و الكُفر به و التي لأجلها أهدر مجلس شيوخ اليهود دم هذا الشقيّ – لم تثبت على المتّهم. بل هي استنتاجٌ مبيّتٌ سلفا كما يوضّحه بشكلّ جليّ و قويّ نص لوقا السالف. فالعبارة:" إذن أنت ابن الله" خرجت من فم الكاهن ولم يعترف بها الرّجُل . و الحرف " إذن" معروفٌ أنّه حرف استنتاج. لهذا نرى أنّ هذه المحاكمة لم تحترم الإجراءات القانونية كما توصي التوراة و هي محاكمة صورية سلّط الله فيها بعدله أهل الزّور على أهل الزّور و نجّى عبده و حفظَ رسالته.
و قبل أن ننقُلَ رأي علماء النصارى في سبب اتهام يسوع بالكُفر ، يجب أنّ نُسَجّل أنّ يسوع في الأناجيل المتشابهة لم يَقُلْ أبداً أنّه ابنُ الله بل كان يُلقّبُ نفسَه بلغته الآرامية " بار ناشا" يعني ابن الإنسان و قد وردت تسعون مرّة في الإنجيل موزّعة كما يلي: في متّى 31 مرّة؛18 في مرقس؛26 في لوقا؛ 15مرّة في يوحنا1 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-متى8/20؛9/6؛10/23؛11/19؛12/8؛12/32؛12/40؛13/37؛13/41؛16/13 ؛16/27؛ 16/28 ؛17/9 ؛ 17/12؛17/22؛18/11(في بعض المخطوطات)؛20/18؛20/
28؛24/27؛24/30؛24/30؛ 24/33؛ 24/37؛24/39؛ 24/44؛ 25/31؛26/2 ؛26/24؛26/24؛26/45؛26/64.
مر2/10؛2/28؛8/31؛8/38؛9/9؛9/12؛9/31؛9/38؛9/9؛9/12؛10/33؛ 10/45؛13/26؛13/29؛14 /21 ؛14/21 ؛ 14/41 ؛14/62.
لو5/24؛6/5؛6/22؛6/46؛7/34؛9/22؛9/26؛9/44؛9/58؛11/30؛12/8؛12/10
؛12/40؛17/22؛17/24؛17/26؛17/30؛18/8؛18/31؛19/10؛21/27؛21/36
35
و هذا الكلام محكمٌ من عيسى عليه السلام في أنّه بشرٌ ابن بشر. فلماذا أخي الكتابي تترك المحكم و تتّبع ما تشابه منه. إن أصررت فأعطني مرّة واحدة من الأناجيل المتشابهة1 أنّه عرّف نفسه للنّاس على أنّه "ابن الله"؟
و لم تَرِدْ كلمة "ابن الله" فقط إلاّ على ألسنة شياطين الجنّ كما ورد في النص الأوّل المشار إليه أعلاه ، أو على ألسنَة شياطين الإنس المتمثّلين في السلطة الدينية اليهودية على الخصوص . أمّا علماء النصارى فَلَهُم رأيٌ آخر يجب أن ننقلَه بأمانة و نُنَاقشه . ورد في الترجمة المسكونية في صَدَدِ تعليقها على سبب اتّهام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
؛ 22/22؛22/48؛22/69؛24/7.
يو1/51؛3/13؛3/14؛5/27؛6/27؛6/53؛6/62؛8/28؛9/35؛10/36؛11/41؛12/23؛12/34؛12/34؛13/31.
نبي:مر6/4؛متى13/56؛لو13/33؛.
"الابن":متى11/27؛ 11/27؛ 11/27؛24/36؛مر13/32؛لو10/22؛10/22؛10/22
"الرب":مر11/3؛متى7/21؛ 7/22؛ 13/57؛28/19؛لو؛19/31
معلم:12/24؛لو22/11؛
1- قد يسأل سائل لماذا تطلب دليلا من الأناجيل الثلاثة الأولى، المتّفق عليها عند أهل الكتاب، بالأناجيل المتشابهة. و نجيب ذلك أنّه ما لم يصحّ في الأناجيل الأولى و التي كتبت ابتداء من السنة 63 م إلى غاية 83 م ، لا يصح أن يقبل بعد انقضاء القرن الأوّل للميلاد. فإنه ما لم يكن دينا عند جيل الحواريين و تابعيهم لا يصحّ أن يكون دينا لمن أتوا بعدهم. فالإنجيل الرّابع كُتب بإجماع أهل الكتاب في بداية القرن الثاني. و كاتبه رجل فيلسوف وثني لا علاقة له بيوحنا الحبيب تلميذ عيسى عليه السلام. ثانيا يبدو واضحا من كتابات هذا الرّجل أنّه لغاية زمن تدوينه لمؤلفه لم يكن المؤمنون يعتقدون أنّ عيسى ابن الله. فقد بيّن الهدف الذي لأجله كتب كتابه بقوله:" كتبتُ لكم هذا لتؤمنوا أنّ يسوع هو المسيح ابن الله. لكي إذا آمنتم تكون لكم الحياة الأبدية" يو 20/31.

.36
يسوع أنّه كفرَ خلال مُحاكمتِه ما يلي: " ادعاؤه أنّه المسيح أو ابنُ الله ( حسب نصوص الكتُب المُقدّسة عند اليهود ) لا يُمَثّلُ كُفرا بالله.لَكنَّ اِدِّعَاءَهُ أنّه يجلِسُ عن يَمِينِ الله وَ أَنَّهُ يجيء مِنَ السَّمَاء رَاكِبًا على الغَمَامِ يَجعَلُهُ يُعلِنُ أنّهُ مِن طَبيعَةٍ إِلَهِيَةٍ و أنّه تَعَدّى على صَلاحِيَاتِ الله وَحدَهُ"1. و هذه محاولة للإلباس الحقّ بالباطل كما قال تعالى : " يَا أهْلَ الكتَابِ لِمَ تَكفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَ أَنتُم تَشْهَدُونَ . يَا أهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلبِسُونَ الحَقَّ بالبَاطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الحَقَّ وَ أنتُم تَعلَمُون"( النساء 71). و و الله لا أشكّ أنّ علماء النصارى يعرفون الحقيقة كاملة ! فالويل للذي يُضِلّ عن سبيل الله ! فَلَوْ كان الجُلوسُ عن يمين الله2،و مجيءُ المسيح من السَّماء راكبا الغمام ، تجديفا على الله في نظر أعلى سُلطة دينية يهودية ألا و هي مُؤسَّسة السنهدرين فلماذا تَرَكَتْ هذه النصوص في الكتاب المقدس العبراني إلى يومنا هذا و لم تأمُرْ بِحَذفِها ؟ و هذان النصّان هما على التوالي : المزمور 110 و دانيال 7/13 المُبَشِّرَان بالمسيح الملك3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-2431 TOB P
2- الجلوس عن يمين الله لا يعني أن لله يمينا و يساراً و أنّ إبنه جلس عن يمينه على عرش مجده ،كما تعتقد كنيسة بولس و كما تصوّره الأيقونات . بل معناها عند بني إسرائيل الملك الذي يستمدّ سلطته من الله تعالى .و لمزيد من التفصيل أنظر كتابنا: بشارة الإنجيل بالنبي حقيقة أم ادّعاء.
3-المزمور 110:" قال الرّبُ لربّي اجلس عن يميني حتّى أجعل أعداءك موطئا لقدميك". و نص دانيال 7/13 هو:"كنت أرى في رؤى الليل و إذا مع سحب السّماء مثل ابن الإنسان أتى و جاء إلى قديم الأيّام فقرّبوه قدّامه. فأعطي سلطانا و مجدا و ملكوتا لتتعبّد له كلّ الشعوب و الأمم و الألسنة. سلطانه سلطانٌ أبدي ما لن يزول و ملكوته ما لا ينقرض". تتعبّد له يعني يتسلطّ عليها. و أطرح السؤال لو كان هذا الكلام كفرا في نظر علماء اليهود فلماذا يبقي عليها اليهود في كُتبهم و يعتبرونها من أهمّ النبوات التي تخصّ المسيح؟
37
صحيح أنّ كَلِمَتَي " المسيح " و " ابن الله " ليس فيهما، حسب الكتاب المقدس العبراني أيّ شيء من شأنه الاعتداء على جلال الله تعالى و كماله كما ورد في تعليق الترجمة المسكونية المشار إليه أعلاه .لكنّ مع ذلك فاليهود استغلّوا هذه الشُبهَة حتّى يصلوا إلى هدفِهم بُهتانا.
تكفير اليهود لعيسى عليه السلام و تلفيق الباطل له
الكراهية و المحبّة شعوران انسانيان . لكنّ تجاوز الحدود المرسومة لهما يفسدان العقل و البلاد و العباد. فتجاوز المحبّة يوّلد المحاباة و التسيُّبَ و تجاوز الكراهية يُولّد الظلم. و سوء استعمال هذين الشعورين و التعسّف بهما خصلةٌ ملازمة للأشرار. فنزل الوحيّ الإلهي لِيحُدّ حدودا. قال تعالى:" وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" الأنعام 152. فأوصى الله تعالى بالعدل في القول و لو ضد من تحبّ من ذوي القربى. قال الإمام القرطبي :" "وإذا قلتم فاعدلوا" يتضمن الأحكام والشهادات. "ولو كان ذا قربى" أي ولو كان الحق على مثل قرابتكم" . لأنّ الحبّ يُعمي عن الحقّ. و قال تعالى أيضا في شأن البغضاء . قال: يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". المائدة 8 .قال القرطبي في تفسيره:" واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم و حَيْفٍ على أعدائكم " ولا يجرمنكم شنآن قوم " على ترك العدل وإيثار العدوان على الحقّ .
و نعود لنبحث ما مفعول البغض و الحقد الذي ملأ قلوب أعداء عيسى عليه. من أين أتت الفكرة لليهود حتّى يكفرّوا النبي عيسى عليه السلام؟ نجيب حتّى
38
يصرفوا النّاس عن دعوته و يُظهروه لهم كافرا ملعونا، و يحكموا عليه بالقتل مُعلّقا على خشبة كما يموت جميع المجرمين و المّارقين عن دين الله. و بهذا يضمنون موت دعوته بعده عليه السلام. و قد يسأل سائلٌ لماذا يفعل اليهود كلّ هذه الفعلة برجل –إن لم يؤمنوا به نبيا فعلى الأقل هو مؤمنٌ إسرائيلي- ملأ الأرض خيرا. فنجيبك بأنّه استحكمت فيهم العقيدة الباطلة التي تتلخص أنّ الله لا يفضّ عهده إلى إسرائيل من أنّه شعبه و الذي سيختار منه المسيح. فجاء عيسى عليه السلام و كذّب جميع هذه الادّعاءات1 و أمرهم بالصبر و التعايش مع روما سِلمًا لأنّ المسيح المخلّص لم يأت بعد. فرأوا فيه خطرا على عقيدة الآباء و تقاعسا عن انتزاع استقلالهم عن الرّومان.
فتابع معي الشُّبهة الرّخيصة التي استغلّها اليهود ضدّ عيسى عليه السلام ليصلوا إلى مبتغاهم .
انْبَنَى اتهام اليهود ليسوع بالكُفر عـــلى شُبهةِ كون اسمه المسيحُ . إذن فكيف تحوّلت أطيب كَلِمةٍ في عقيدة إسرائيل إلى كلمَةٍ تَفوح منها رائحَةُ التجدّيف على الله ؟
المسيحُ لقبُه ، في أسفار الكتاب المقدس العبراني ، ابنُ الله . و يسوع وُلِدَ مِن غيرِ أبٍ ، و كان اليهود يعرفون ذلك – و لأجل ذلك قالوا عنه و عن أمّه عليهما السلام بهتاناً عظيماً – و كانوا قد كفروا به . فكان مُرَادُهم أن ينسحِبَ معنى ابن الله المجازي إلى المعنى الحقيقي . و بهذا يكون يسوع قد جَدّفَ ! .
ـــــــــــــــــــــ
1-أنظر لمزيد من التفصيل كتابنا المنشور في هذا الموقع:" البشارة برسول الله صلى الله عليه و سلم بين الإشكال و الجحود". و أيضا كتابنا:" مسألة صلب عيسى بين الحقيقة و الوهم".
39
و قولُ رئيس السنهدرين للمقبوض عليه1 : " أسْتَحْلِفُكَ باللهِ الحَيِّ أنْ تَقُولَ لَنَا هَلْ أَنتَ المسيحُ ابنُ الله الحيّ"(متى 26/63) يَنُمُّ عن خُبثٍ و سُوءَ نِيّةٍ ، و إصرارٍ مُبّيتٍ على إيجاد مُبرّرٍ لِصلبِ الرَجل الذي ظنّوه يسوع . فالكاهن لم ينتظر الإجابة حتّى مَزّق ثيابَه و قال لقد جدّف..! لقد جدّف...! يعني لقد كفرَ.. لقد كَفَرَ..و إنجيلُ لوقا يتميّز عن الأناجيل الأخرى بتفسيره التأويل المُغرِضَ لِكلمَة المسيح من قِبَلِ اليهود.و قد سبق أن ذكرنا النص كاملا( أنظر لو 22 / 66): قالوا"إِنْ كُنتَ أنتَ المسيحُ فَقُلْ لَنَا " . فيتبيّن من سؤالهم أنّ بيتَ القصيد هو مَعرِفَتُهُم هل يعترف يسوع أنّه المسيح أم لا ؟ فالرجل لم يجب بالإيجاب إنّما أنكر2 و قال : "أنتم تقولون أنّني أنا هو" فقال الجميع كأنّهم كانوا متّفقين من قبل:"إذن أنت ابن الله!". فإن قال إنّه المسيح أو تهيّأ لهم أنّه قالها فكأنّما قال إنّه ابن الله . رغم أنّه لا يوجد تصريحٌ بها، إنّما استَنْتَجَها خُصُومُه .
فعلى ضوء هذه النصوص و الخلفيات نَبْنِي حُجَّتَنَا في سبب اتهام اليهود ليسوع بالكفر كما يلي :
أولا ـ. كفرت طائفة من بني إسرائيل بيسوع ، وعلى رأسها السلطة الدينية لسبب أنّهم كانوا ينتظرون من "ابن داوود" الموعود3 أن يكون جبَّارًا مُنتصرًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سميناه المقبوض عليه لا يسوع كما ورد في الأناجيل ، لأنه ليس يسوع عليه السلام إنما هو يهوذا
الإسخريوطي المرشّح الوحيد أن يكون هو المصلوب
2- أنظر كتابنا: مسألة صلب عيسى عليه السلام بين الحقيقة و الوهم.
3- كان بنو اسرائيل يعتقدون في زمان عيسى وفي زمان سيد الخلق صلى الله عليه و السلام و إلى اليوم أيضا أن المسيح من نسل داوود . و قد كذّب سيدنا عيسى هذا الزعم . و لقد كلّفهم هذا الاعتقاد كوارث عظيمة .لمزيد من التفسير أنظر كتابنا البشارة برسول الله بين الإشكال و الجحود.
40
يُعلِنُ الجهاد ضدَّ السلطة الوثنية الرومانية التي أذلّت شعب ا لله المختار ، واغتصبت أرض الميعاد ، و أن تُعطَى له الجزية ، و تَلحَسَ الدنيا غُبار نَعْلَيْهِ.
فَخَيَّبَ أمال الشعب و حَرَّمَ على أتباعِه حَمْلَ السلاح حتّى العِصّي ، ولم يَدْعُ الى العصيان المدني و التَمَرُّدِ . والذي أجّج حقدهم عليه وأعمى أبصارهم هو أمرُه بدَفْعِ الجِزية لقيصر1.
ثانيا ـ أنّه عليه السلام كان اسمُه المسيح، اسما شخصيا.
ثالثا ـ التأويل المُغرض لكلمة المسيح : لا شكّ أنّ كلّ إنسان جرّب مشاعر الكراهية تُجاه أحدٍ أو هيئةٍ أو حزبٍ أو حكومةٍ . فلسنا في حاجة إلى التدليل إنّ هذه الكراهية تجعل الشخصَ يتجاهَلُ حسَنات خصْمِه و يَستَعْظِم هفواته و يتأوّل كلامه و أفعاله على أسوء وجه . و كما يقول المثل الجزائري " اللي تَكْرْهُه تَشُوفْ عَلِيهْ المَنَامَاتْ" . و اسمع لما يقوله الله تعالى في شأن مرضى القلوب. قال تعالى:" هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ " آل عمران 7. قال الإمام القرطبي: قوله تعالى فأما اللذين في قلوبهم زيغ اللذين رفع بالابتداء ، و الخبر فيتبعون ما تشابه منه . و الزيغ الميل ، و منه زاغت الشمس ، و زاغت الأبصار . و يقال : زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ، ومنه قوله تعالى :" فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" .
ـــــــــــــــــــــــــ
1- متى 22/16 – 21 :"قال أعطوا لقيصر ما لقيصر و ما لله لله" أنظر أيضا مر 12/13–17 .
41.
و هذه الآية تعم كل طائفة من كافر و زنديق و جاهل و صاحب بدعة .
قال ابن كثير:
"فأما الذين في قلوبهم زيغ" أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل "فيتبعون ما تشابه منه" أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يُمكنهم أن يُحرِّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ويُنزلوه عليها لاحتِمَال لَفظِه لما يَصرِفونه فأما المُحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافعٌ لهم وحجّةٌ عليهم ولهذا قال الله تعالى "ابتغاء الفتنة" أي الإضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه" وبقوله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلقٌ من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله. وقوله تعالى "وابتغاء تأويله" أي تحريفه على ما يريدون.
و إن كانا الإمامان القرطبي و ابن كثير يحصران المحكم و المتشابه على القرآن الكريم، فلا مانع أن نعمّم أنّ أهل الزيغ و البّاطل في كلّ أمّة و في كلّ زمن يتّبعون ما تشابه في كلّ القضايا ابتغاء الوصول إلى أهدافهم. و هو ما حصل بين بني إسرائيل و نبيّهم عيسى عليه السلام. فالمسيح زمن عيسى عليه السلام اسمٌ تسمّى به كثيرٌ من النّاس فأوّلوها باطلا و شُبهة أنّه يدّعي أنّه ابن الله.
رابعا ـ إِنّ لقبَ المسيح المنتظر في كُتب بني إسرائيل المُقدّسة ابتداء من التوراة إلى آخر أسفارهم – لا تنس أخي أنّ المحكم و المتشابه في كلّ لغة و في كلّ لهجة. فقولنا أنّ المساجد بيوت الله لا تعني للمسلم أبدا أنّ الله جلاّ و علا يسكنها-
42
هو"ابن الله"1. فهذا مثال على ما قد يعنيه مثل هذه المتشابهات للغرباء عن ثقافة الإسلام و التوراة. و لو بَقِيَتْ رسالة عيسى عليه السلام في منبتها و محيطها الطّبيعيين ما انحرف معناها إلى ما هو عليه الآن.
خامسا ـ : إنّ ميلاده عليه السلام تمّ دون الأسباب العادية الطبيعية.
فعلى أساس هذه الحقائق الخمس،بنى اليهود اتِّهَامَهم ليسوع بالكفر.فلمّا كان عليه السلام اسمه المسيح،و المسيح ابن الله،و يسوع وُلِدَ من غير أبٍ ، قالوا له : إذن أنت تدّعـــــي أنّك ابن الله !.وكانوا يَقصِدون الحقيقَة لا المجاز . و هكذا تَمّ إلصاقُ هذا اللقب به عليه السلام.
إذن نعود لِنَرَ و نتحقّقَ هل قال يسوع عن نفسه أنّه ابن الله أم هو افتراء الحاقدين عليه و المُكابرين.؟ الشيء الثّابتُ لدينا يقينا أنّ اليهود كفّروا عيسى عليه السلام و قد ورد خبرُ تكفيرِه في الإنجيل بشكلٍ متواترِ لا يرقى إليه شكّ. و لا مجال للتشكيك بهذه المسألة بتاتا، ذلك لأنّه تواترت في جميع النّصوص الإنجيلية كلّها على أنّ هذا التكفير تمّ. كما اتّفقت جميع نصوص التوراة و كتب الأنبياء أنّ لقب " ابن الله" بالمعنى المجازي كان شائعا عند جميع بني إسرائيل. و ليس مستغربا أن يكون النبي عيسى عليه السلام قد سمع لقب " ابن الله"
حتّى من المؤمنين به. لكنّ للظروف التي أحاطت بميلاده عليه السلام و حذرا من المتربّصين به و برسالته و كذلك للظروف السّياسية التي عاشت في ظلّها الأرض
ـــــــــــــــــ
1- قال داوود عليه السلام:"أمّا أنا فقد مسحتُ مَلِكِي على صهيون جبل قدسي.إنّي أخبر من جهة قضاء الربّ قال لي"أنت ابني أنا اليوم ولدتك،اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك و أقاصي الأرض مُلكا لك"(مز2/6-8).
43
المقدّسة من استعمار روماني وثني يعتقد بتجسّد الآلهة ، فإنّه رفض هذا اللقب سدّا للذريعة.
و كُنّا قد لاحظنا خبر المُحاكمة الذي أجمعت عليه الأناجيل المتشابهة في تكفير المقبوض عليه. و إليك ما يدعّمُ ما ذهبنا إليه في الإنجيل الرابع:
1ــ يو 10/33: ورد فيه أنّ اليهود أجابوا يسوع قائلين : " لَسنَا نَرْجُمُكَ لأجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بل لأجلِ تَجدِيفٍ فإِنَّكَ و أنت إنسانٌ تجعَلُ نَفسَكَ إِلَهًا ".
2 ــ يو 5/18: و برّر كاتب السفر حنقَ اليهود عليه بقوله : " فَمِنْ أجْلِ هذا كان اليَهودُ يَطلُبُونَه ( يسوع ) أكْثَرَ لِيَقتُلُوهُ.لأنَّه لم ينقُضِ السبتَ فقط بل قال أيضا إِنَّ الله أبوه مُعَادِلاً نفسَه بالله".و هذا النص لا يلزم أنّه الحقّ، بل هذا تعليقٌ من كاتب الإنجيل.
3ــ يو 19/7 : و قال اليهود أيضا :"وَ حَسْبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أنْ يموتَ لأنّه جَعَلَ نَفسَهُ ابن الله ".
4ــ يو 10/24 : و قالوا أيضاً له : " إلَى مَتَى تُعَلِّقُ أنفُسَنا ؟ إِنْ كُنتَ أنتَ المسيحُ فقُلْ لَنَا جَهْراً ". لاحظ في هذا النصّ كأنّ المسيح تُهمةٌ . و ذلك لأنّ "المسيح" رديف مجازي للقب " ابن الله" في الثقافة الإسرائيلية.
و إنّي لا أتّفق مع ما ذهب إليه القاضي عبد الجبّار المعتزلي الذين حكمَ حُكمه الشهير المتداول بين الباحثين المسلمين حول انحراف المسيحية إلى براثن الوثنية
بقوله :" الرّومان لم يتنصّروا ، بل النصرانية تروّمت " و يعني أنّ الرّومان هم من ألّه عيسى عليه السلام غُلوا و بالتدريج. و الحقيقة غير ذلك فالذي ألّه عيسى
44
عليه السلام هم مُبغضوه من اليهود و مُخاصموه، لكنّ ليس لتقديسه إنّما للهدف الذي علمتَ. و قد سمع عليه الصلاة و السلام هذا التأليه في زمانه و بأذني رأسه. و علم بخبث اليهود و مرماهم المشؤوم.
و لو لَمْ يَحشُرْ بولس رسالة عيسى عليه السلام بين الأمم من الإغريق و الرومان لَبَقِي هذا الخبرُ اتّهاما كاذباً كأيّ خبرٍ آخر تَنقلُهُ الكُتُبُ المقدّسة و هي تقــــصّ أخبار المكابرين و المعاندين للأنبياء و الرُسل ، كنقل القرآن الكريم اتّهامات المشركين لرسول الله  بالكذب و السحرِ و الكهانة. و لولا تعهّد الله تعالى لكتابه لكان هذا الاتّهام ممكن الوقوع في شأن سيّد الخلق فقد اتّهم نصارى نجران أنّ سيّد الخلق  يريد منهم أن يعبدوه. فنزل القرآن الكريم منافحا عن رسول الله  و مكذّبا دعوى النّصارى و اليهود . قال تعالى:" ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتابَ و الحُكم و النُبوءَة ثم يقولُ للنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لي من دُون الله و لكن كُونُوا رَبّانِيينَ بما كُنتُم تَعلَمُونَ الكِتابَ و بمَا كنتُمْ تَدرُسُونَ" آل عمران 79 . و ورد عن ابن كثير في تفسير هذه الآية:"قال محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله  ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس:أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أو كما قال: فقال رسول الله " معاذ الله أن نعبد غير
الله أو أن نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" أو كما قال  فأنزل الله في ذلك من قولهما "ما كان لبشر – إلى قوله- بعد إذ أنتم مسلمون".
45
لكنّ بولس – الذي بدأ حياته مُضطهدا لعيسى عليه السلام و أتباعِه ثم آمن به في لحظة مُراجَعتِه لِذَاته،كَفرَ به في آخر أيّامه، لكن هذه المرّة ليس بُغضا لنبي النّاصرة عليه السلام و أتباعِه و لا حقدا عليه، بل عبدا مُستسلمًا لِسُلطانِ الإغراء. قال تعالى في أمثال ناس يبيعون آخرتهم بدنياهم:" وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " الأعراف 176 .قال المفسّرون :" وقوله تعالى "ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه" يقول تعالى "ولو شئنا لرفعناه بها" أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها "ولكنه أخلد إلى الأرض" أي مال إلى
زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذّاتها ونعيمها.
فاستغلال بولس للإشاعات اليهودية المغرضة عن النّاصري عليه السلام جعل منه فارسا مغوارا في ميدان الوثنيين من الإغريق و الرّومان لِيَنْهَبَهُم – كما اعترف بعظمة لسانه – و يُطالِبَهم بنِصفِ ما يملكون إن قبلوا بدعوته1.
ـــــــــــــــــــــــ
1- قال بولس لأهل غلاطية ( بتركيا حاليا):"إن كنّا قد زرعنا لكم الروحيات أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات" (1كو9/11). و يقول في رسالته إلى أهل غلاطية:"ليشرك الذي يتعلّم الكلمة معلّمه في كلّ خيراته الـــتي يملكها"(غلا6/6). و يعني هذا أنّ بولس دائما سيكون مستفيدا إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر. و قال أيضا:"فاعملوا كما تعمل كنائس غلاطية وكلّ أول أسبوع أخزنوا من أموالكم حتى لا يكون جمعكم عند قدومي"(1كو16/1-2). و في 2كو11/8-9::" أذللتُ نفسي كي ترتفعوا أنتم لأنّي بشّرتكم مجّانا بإنجيل الله. نهبت كنائس أخرى آخذا أجرة لأجل خدمتكم".. و هو يدّعي أنّه يجمع الأموال إلى الحواريين عليهم السلام في أورشليم.و قد انتهى به المطاف إلى هناك و لم ينفق منها ملّيما
واحدا على الحواريين. بل كان غنيا إلى درجة أنّ فليكس حاكم اليهودية كان طامعا في ماله.
46.
فبولس لم يُخرج الوثنيين من وثنيتهم بل غيّر فقط موضوع صَنَمِهم. بدلا من أوزيس و أوزوريس و أرتميس و أدونيس الآلهة المتجسّدة التي ماتت من أجل خلاص المؤمنين اقترح لهم يسوع النّاصري بديلا.
و هذا ما يفسّرُ قبول الوثنيين لهذه المعتقدات التي لا تختلف في شيء عن معتقداتهم الوثنية. زد على ذلك ، ولغرض تسهيل بدعته على مريديه حتّى يَكثُروا، اقترح بولس عليهم فكرة النّعمة. و هي فكرة تعني أنّ موت يسوع على الصليب جعل التمسّك بوصايا التوراة و بأي شريعة أخرى لاغٍ.
و مَضَت الأيّام و نَضِجَت عقائد المؤمنين الجُدُد . و بعد مجادلات و خصومات و تكفيرات متبادلة بين طوائف النّصارى رَسَتْ سفينتُهم في سنة 325 م على مُعتقدهم كمّا نصّ عليه مجمع نيقية.
و هذه النصوص الإنجيلية التي أشرنا إليها آنفاً – كما فهمتها كنيسة بولس – كانت وراء هذا المجمع الذي ناقش طبيعة المسيح و خرج بالاعتقاد التالي : نُؤمِنُ بإِلَهٍ وَاحِدٍ،آبٍ واحدٍ ضَابِطِ الكُلِّ،خَالِقِ السَّمَاءِ و الأرْضِ،كُلّ مَا يُرَى وَ مَا لاَ يُرى،وَ بِرَبٍّ وَاحِدٍ،يسوع الابنُ الوَحِيدُ المَولُودُ مِنَ الآبِ قَبلَ الدُّهُورِ مِن نُورِ اللهِ، إِلَهٌ حَقٌّ مِن إِلَهٍ حقٍّ ، مَولُودٌ غيرَ مَخلوقٍ.
مساوٍ للآب في الجوهَرِ الذي بِهِ كَانَ كُلّ شَيءٍ و الذي مِنْ أجْلـِنَا نحـــنُ البشرُ وَ مِنْ أجْلِ خَطَايَانَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ،وَ تَجَسَّدَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس،وَ مِنْ مَريم العَذْرَاءِ تَأنَّسَ،و صُلِبَ عَنّا عـلى عهدِ بيلاطس،وَ تَألّمَ وَ قُبِرَ،وَ قَامَ مِنْ بين الأمواتِ في اليومِ الثالِثِ على ما في الكُتُـبِ و صَعِدَ إلى السّماء،وَ جَلَسَ عَن يَمِينِ الرَبّ،وَ سَيَأتِي بِمَجدٍ لِيَدِينَ الأحْيَاءَ وَ الأمـوَاتَ وَ لاَ فَنَاءَ لِمُلْكِهِ . وَ الإيمَانِ
47
بالرُّوحِ المُحيي المنُبَثِقِ مِنَ الآبِ،الذي هُوَ مَع الابن يَسجُدُ لَهُ ، وَ يُمَجِّدُ النَّاطِق بالأنبياء "1.
و النصّ كما ترى واضح الدلالة في أنّ يسوع هو ابن الله الوحيد ، المولود قبل الدهور ، مساوٍ للآب في الجوهر ، و هو إلهٌ حقٌّ مِن إِلهٍ حَقٍّ . و يعني هذا أنّه وَرِثَ الطبيــــــعةَ الإلهيةَ من أبيه كمَا يَرِثُ أيُّ إنسانٍ طبيعتَهُ البشريةَ مِن أَبِيه.بَقِي شَيء واحدٌ يحتاج إلى توضيح و هو إن كان يسوع ابن الله على المعنى الحقيقي ، فإنّ وِلادتَه لم تكن ثمرةُ اقترانٍ زوجي بين الآب و السيدة مريم العذراء. و هذا ما لا يعتقده النصارى . و بشكل أدقّ فإنّ النصارى و إن كانوا يعتقدون بأنّ يسوع ابن الله بالمعنى الحقيقي ، و السيدة مريم أمُّه على الوجه الحقيقي أيضا ، فإنّ العذراء ليست زوجة الله . و قد أضاف مجمعُ نِيقِية صيغةً تَضرِبُ بالحَرَامِ كُلّ قائلٍ:كان زَمَانٌ لم يكنْ فيه الابنُ أو لم يكنْ قَبْلَ وِلادَتِه،أو خُلِقَ مِن عَدَمٍ أو مِن أُقنومٍ آخَرَ أو أنّ ابنَ الله مَخلُوقٌ مُتَغيّر"2.
سياق كلمة "المسيح" في القرآن الكريم يشدّ الانتباه
و لا أستطيع أن أُوَاصِلَ حتىّ أُسَجِّلَ هذه المعجزة في القرآن العظيم الذي قال عنه مُنَزِّلُه :" إنّ هَذا القُرآنَ يَقُصُّ على بَني إسْرَائيلَ أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَختَلِفُون "(النمل 76). وقال:" وَ قَالُوا لَوْلاَ يَاتِينَا بِأَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةٌ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى"(طه 133).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-Voir : l’ Eglise des Apôtres et des martyrs p 545.
و أنظر أيضا محضرات في النصرانية ص172
2-L’Eglise des Apôtres et des martyrs- Chapitre symbole de Nicée. P 546.

48
فحسب ما وصلني من علم متواضع ، لم يخطر أبداً ببال مسلم أو مسيحي أو يهودي أنّ من دواعي تأليه يسوع هو التأويل المغرِضُ لِكلمة المسيح من طرف اليهود . وقد وردت الكلمة إحدى عشرة مرة في القرآن الكريم . أتت مرّة واحدة على صيغة التبشير.
* " إِذْ قَالَتِ المَلاَئِكَةُ يا مَريمُ إِنّ الله يُبَشِّرُكِ بكَلِمَةٍ مِنْهُ اسمُه المَسِيحُ عِيسَى بن مـــريم وَجِيهًا في الدُنيَا و الآخِرَةِ وَ مِنَ المُقَرّبينَ و يُكَلِّمُ النّاسَ في المَهْدِ وَ كَهْلاً وَ مِنَ الصَّالحينَ. قَالَتْ رَبِّي أَنىّ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ . قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُنْ . وَ يُعَلِّمُهُ الكِتَابَ و الحِكْمَةَ و التَورَاةَ و الإنْجيلَ وَ رَسُولاً إلى بَنِي إسرَائيلَ" (آل عمران 45 – 49).
وهذه بشارةٌ تَحَقّقَ جُزءٌ مِنها في حياة سيّدنا عيسى الأولى : تَعَلّمَ التَوْرَاةَ وَ الإِنْجِيلَ و كان رسولا إلى بني إسرائيل . أمّا الجُزءُ الثاني من البشارة فسَيَتَحَقّقُ في مَجِيئِه الثاني : و سَيَكُونُ مَسِيحًا لا نبياً ، يَحكُمُ بالكتاب و الحِكمَة و هما القرآن و السنّة ، و يُؤسِّسُ مملكة الله . و أتت كلمة المسيح مرة أخرّى في سياق تفنيد زعم اليهود في أنّهم صلبوا عيسى عليه السلام .
*"وَ قَوْلِهِم إِناّ قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى بن مَريمَ رَسُولَ الله.وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صَلَبُوه وَ لَكِن شُبِّهَ لَهُم" (النساء 157). وقد ثبت تاريخياً أنّه كان مَكتوبًا على خَشَبَةِ المَصلُوبِ : يسوع الناصري مَلِكُ اليهود (يو 19/19 ). أمّا في تِسْعة مواضع الأخرى المتبقية،وردت في سياق تفنيد الكفر و التزوير المُغرِض لها .
*:"وَ قَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرُ ابنُ الله وَ قَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ الله" (التوبة 29).
49
* " اتّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَ رُهْبَانَهُم أربَاباً مِنْ دُونِ الله وَ المَسِيحُ بنُ مريمَ وَ مَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِداً ، لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبحَانَهُ عَمَّا يُشرِكُون " (التوبة 31).
*قال تعالى :" إِنّمَا المَسِيحُ عِيسَى بنُ مَريمَ رَسُولُ الله وَ كَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إلى مَريمَ وَ رُوحٌ مِنهُ فَآمِنُوا بالله وَ رُسُلِهِ .وَ لاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيرًا لَكُمْ . إِنَّمَا الله إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.لَهُ مَا في السَّمَاواتِ وَ مَا فِي الأرْضِ وَ كَفَى بالله وَكِيلاً . لَنْ يَسْتَنْكِفَ المسيحُ أنْ يَكونَ عَبداً لله وَ لاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ.وَ مَنْ يَسْتَنْكَفْ عَنْ عِبَادِتِهِ و يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُم إِلَيه جَمِيعًا" (النساء 171-172).
*:" لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ بن مَرْيَمَ.قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيئًا إِنْ أرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ بن مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ في الأرْضِ جَمِيعًا " (المائدة 17).
*:" لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ بنُ مَريَمَ وَ قَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أُعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَ رَبّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشرِك بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَ مَأوَاهُ النّارَ وَ مَا لِلظّالِمِينَ مِن أَنصَارٍ . لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَ مَا مِن إِلَهٍ إلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنَ الذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ ألِيمٌ . أَفلاَ يَتُوبُون إلى الله و يَسْتَغفِرُونَهُ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا المَسِيحُ بنُ مَرْيَمَ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأكُلاَنِ الطَّعَامَ "(المائدة 72-73).
فترى من خلال،آي القرآن الكريم ، أنّ كلمة المسيح وردت دائما في سياق الإخبارِ عن الذين كفروا بقولهم المسيحُ ابن الله، أو هُو الله،أو ثالِثُ ثلاثةٍ وَ أكّدت،على النقيض،أنّ المسيحَ عبدُ لله، كان يدعو لعبادةِ الله وحدَه ، نافيَةً أن
50
يكون مِن طبيعةٍ إلَهِيَةٍ لأنّه كان فَقِيراّ يأكُلُ الطّعَامَ مُحتَاجاً لنعمَةِ الله. وَ مَنْ كان يدعو لعبادة الله فَلَنْ يكون معبوداّ.وَ مَنْ كان غَيْرَ قَائِمٍ بِذاته تنتفي عنه الألوهية . و لم تَرِدْ هذه الكلمةُ مرّةً واحدةً في مُستويات الرسالية . فما أتت في القرآن الكريم أبداّ مقترنةّ بالكلمات:أتينا،أيّدنا،قفّينا،قولوا آمنا بما أنزل،و لقد أخذنا ميثاق،وصّينا.و الكلمات و العبارات السابقة جاءت دوما مقترنة بكلمة عيسى في القرآن1.
بولس شريك أعداء عيسى عليه السلام في تأليهه
و لقد شاع بين النّاس و بخاصة المسلمين أنّ الرومان الوثنيين هم الذين قالوا ببُنُوة يسوع مُحَاكاةً لعقائدهم الوثنية . و الحقيقة غير ذلك ! فالذين افتروا هذا البهتان العظيم على الله و رسوله عيسى هم الذين كفروا من اليهود برسالته2.و ذلك لغــرض الصـدّ عــن دعوته و الطعن في رسالته3. و كانت الحلقة الواصلة
بين بهتان اليهود و الوثنيين من الإغريق و الرومان – الذين لم تكن عقيدةٌ مِثل هذه إلا لِتسيَر في اتجاهِ تيارهم الاعتقادي الذي ألِفُوه - هو بولس الطرسوسي.
ــــــــــــــــــــــ
1* لمزيد من الإيضاح ارجع إلى كتابنا المنشور في هذا الموقع : " البشارة برسول الله بين الإشكال و الجحود" ص80.
2- قال تعال . "فبظلم من الذين هادوا حرّ منا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدّهم عن سبيل ا لله كثيرا "(النساء 160 )
3-أما قول شارل جينبير في كتابة "المسيحية نشأتها وتطورها " أنّ كلمة" ابن الله" ترجمة خاطئة لكلمة " غلام الله " التي تعني خادم الله ،والتي قد تترجم الى طفل ا لله أو ابن الله. فهو كلام بعيد عن التحليل الموضوعي وعن تواتر هذه الكلمة في أسفار العهد القد يم. وقد ثبت في القرءان أن اليهود كانوا يقولون "نحن أبناء الله" .
51
فهو الشخصية الأولى التي رَسّمَتِ هذا التَقَوّلَ على يسوع و جَعَلتْه ديناً يُتَعبّدُ به لله. فكلمة ً ابن الله ً لم تنشأ بعدما رُفع المسيح يسوع ، بل سَمِعها عليه السلام بأذني رأسه و أنكرها نكراناً شديدا، وكان عاَلِماً بِنِيـّة اليهود الخبيثة ، و ما تنطوي عليه هذه الكلمة من انزلاق خطير نحو الوثنية . فكيف وصلت هذه الافتراءات إلى الوثنيـين من الإغريق و الرومان لتصبح في أعينهم حقائق دينية ؟
لاشكّ أنّ فحصا ولو بسيطا للديّانات ذات الأسرار التي كانت منتشرة في العالـم الإغريقي الروماني زمان صاحب البشارة عليه السلام يُعطيكَ فكرة جيّدة عــن المعتقدات التي مفادها أنّ الآلهة تستطيع أن تتجسّد في البشر،و تتزوّج نساءً و تُخلّف أنصاف آلهة.و على العموم ففكرة "ابن الله" أو"الإله البشر"لم تكـن غريـبة عـن العواطـف الدينيــة العميقة لحظّ بولس من الشعوب1.
فَلِحَاجَةٍ في نفس بولس و ليتخّذ له أتباعاً من الأمم لم يخرج بولس الطرسوسي
من مستنقّع المعتقدات و التعاليم الوثنية . فما كان منه إلاّ أن اغتنم فرصته الذهبية التي لا تتكرّر : أنّ اليهود الذين كفروا بيسوع أشاعوا بين الناس و بخاصة إخوانهم في الشتات أنّ يسوع ادّعى أنّه الله و أنّه ابن الله . فاستغلّ الإشاعات الكاذبة عن يسوع و كتب في رسالته إلى أهل رومية:"لأنّه مَا كَانَ النّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ في مَا كَانَ ضَعِيفًا بالجَسَدِ،فالله إذْ أرْسَلَ ابنَهُ الوَحِيدَ2 في
ـــــــــــــــــــــــ
1-أكد بولس أنه إن كان التلاميذ رسلا لليهود فقط – أهل الختان - فهو رسول المسيح لأهل القلفة – يعنى الوثنيين.
2- ورد في الترجمات الفرنسية و الإنجليزية المعتبرة "Son propre fils; Own son" و التي ترجمتها النصوص العربية بالوحيد .و بالكلمة " وحيد " يصبح يسوع ابن الله على وجه الحقيقة.

52
شِبْهِ جَسَدِ الخَطِيَةِ وَ لأجْلِ الخَطِيّةِ دَانَ الخَطِيّةَ في الجسد"(رو8/3). و يُفهم من كلام بولس هذا أنّ الإنسان خاطىء ، و هو تحت الدينـونة لأنّه وَرِثَ جسد الخطية من أبيه آدم الذي جنى على كلّ أبنائه ، لمّا أكل من الشجرة المنهي عنها .و لِمُحَاوَلَة تبرير الإنسان أرسل الله موسى و مَن قَبْلَه بالشرائع . لكن الشريعة التي يتبرّر بها الإنسان – الكثيرة المسائل و التكاليف – عَجَزَتْ لِعَجْزِ الجسد البشري الذي تَمَلْمَلَ منها . و حيث عجزت الشريعة نجح الله في تبرير البشر بذبح ابنه الوحيد . فَبعد صَلبه ، لا مُحرّمات و لا محظورات و لا طقوس.و يؤكّد الفكرة في موضع آخر من رسالته : " الذي لَمْ يَشْفِقْ على ابْنِهِ الوَحيد بَلْ أسْلَمَهُ عَنْ جَمِيعِنَا "(رو 08/32). و في موضع آخر يعطي نفس المعنى بصيغة أخرى :" حَتىّ إنّكُمْ بِنَفْسٍ واحدةٍ وَ فَمٍ وَاحِدٍ تُمَجّدونَ أبَا رَبِّنَا المسيحُ يسوع"1 (رو 15/6).
و يجب أن نُنَوّه على أنّ رسائل بولس الثلاث عشرة كانت أوّلُ الأسفار تدوينا. و لم تُكتبُ الأناجيلُ إلا بعدها. فلمّا بدأت الكنيسة الناشئة، كنيسة بولس، في ترجمة الأناجيل إلى اليونانية أوّلا ثمّ الاعتراف بها ثانيا عَمِلتْ على دمجِ تعاليم بولس فيها لتؤكّدَ على أنّ يسوع هو ابن الله المتجسّد الذي مات من أجل خطايا البشرية. بمعنى آخر عملت الكنيسة الناشئة ( كنيسة بولس) بعملية حوصلة و توفيق بين أناجيل التلاميذ عليهم السلام و رسائله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-I كو 1/9 ، II كو 1/3 ، 11/31 ، 1/19 ، أف 1/3 ، كول 1/3 ، 1/12 ، 1/15.و الألقاب هذه شائعة في رسائل بولس لكن اختصرت لك بإيجاز
53
الحجّة الحاسمة من إنجيل مرقس : لقب ابن الله لقبٌ شيطاني.
و إليك أخي القارىء هذه الدراسة التي تبحث في تطور لقب " ابن الله" و الاختمارات العقدية بخصوصه ابتداءً من إنجيل مرقس الذي يصف هذا اللقب بالشيطاني إلى إنجيل يوحنا اللاهوتي ،آخر الأناجيل كتابةً،الذي ينفي صفة الخلاص و الإيمان عمّن يكفرُ بأنّ يسوع هو "ابن الله الوحيد".
و عند دراسة لقب " ابن الله " في إنجيل مرقس الذي يُعتبرُ أوّل الأناجيل كتابةً ، و الوثيقة الرئيسية لإنجيلي متىّ و لوقا نلاحظ أنّ الحواري،و هو ابن أخت الحواري بارنابا المشهور عند المسلمين بإنجيليه ، يمقتُ الكلمة "ابن الله" مقتا شديداً و يؤكّد على أنّ هذا اللقب شيطاني هدفهُ الصدّ عن سبيل الله و الطعنُ في رسالة خاتم أنبياء إسرائيل.و لم ترِدْ في إنجيله إلاّ في خمس مواضع عَلَى ألسنة شياطين الإنس و الجن أو على لسان قائد المئة الذي كان وثنياً . و بلغ به الاحتياط حتى تجاهل خبر ميلاد يسوع المعجز سدّاً للذريعة . لأنّ توحيد الله عز وجل أولى عنده من ذكر خارقة للعادة.
فقد وردت على ألسنة شياطين الجن مرّتين :
1ــ مر 3/11 :" وَ الأرْوَاحُ النَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَ صَرَخَتْ قَائِلَةً إِنَّكَ أنْتَ ابنُ الله فانْتَهَرَهُمْ بِشِدَّةٍ ألاّ يُظهِرُوهُ".
2 ــ مر 5/7:" و قال (الروح النجس) مالي و لك يا يسوع ابن الله العلي.أستحلفك بالله ألا تعذّبني".
54
و وردت مرة واحدةً على لسان شيطان الإنس،رئيس الكهنة:
ــ مر 14/61: " قال (رئيس الكهنة) أأنت المسيح ابن المبارك؟".
و لسنا في حاجة إلى تفسير مسعاه المشؤوم لأنّ الأناجيل الأربعة إتّفقت1 على أنّ الهدف من وراء الاتّهام هذا هو تكفير يسوع و من ثمّ تبرير قتله معلّقا على خشبةٍ كما يُقتلُ الكفرة الملاعين.
و المرّة الرابعة وردت على لسان وثني روماني هو قائد المئة:
ــ مر 15/39:" قال ( قائد المئة) حقّا كان هذا الإنسان ابن الله".
و ما قيمة شهادة رجل وثني لا عِلْمَ له بعقيدة إسرائيل و لا بثقافتهم وتقاليدهم و كان سلفاً يؤمن بتجسّد الآلهة في الأرض. فهل تأخذ دينك ، أخي الكتابي عن يسوع و تلامذته عليهم السلام أم تأخذه عن الشياطين و خصوم يسوع و الوثنيين؟
ووردت للمرّة الخامسة في:
ــ مر 1/1 :" بِدْءُ إِنجيلِ المَسيحِ ابنُ الله " ، فإنّ هذا العدد مزوّرٌ، بإجماع علماء المخطوطات من أهل الكتاب. و لا يوجد في أي مخطوط و لا يوجد له أي شاهد2،
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تتفق جميع نصوص المحاكمة و هي سبعة على أنّ المقبوض عليه أنكر أنّه المسيح إلا في مر 14/61. و هو نص شاذّ.
2-TOB p 2389 . note c : " Fils de Dieu . ce titre n'est pas attesté par tous les témoins du texte.".
Does Mark 1:1 Call Jesus ‘God’s Son’?
A Brief Text-Critical Note
by
Daniel B. Wallace, Ph.D.
September 30, 1999
55
رغم أنّه وصلت إلينا خمسة آلاف مخطوطة باللغة اليونانية وحدها. و اخترت لك شهادتين من كبار علماء المخطوطات، إحداهما فرنسية من الترجمة المسكونية و الثانية إنجليزية من صفحات الويب. و رغم اجتهاد والاس و دانيال في محاولة رفع الحرج من هذا التبديل فإنّهما لم يستطيعا إخفاء هذه الحقيقة. و يعترفان أنّ كلمتي " ابن الله" في مرقس 1/1 لم تبدأ في الظهور إلا في مخطوطات القرن السادس ، و بشكل أقوى في مخطوطات القرن التاسع للميلاد. و لم ترد هذه الكلمة مطلقا على لسان سيّدنا عيسى عليه السلام في الأناجيل المتشابهة.
______________________
Mark 1:1 reads as follows: jArchV tou' eujaggelivou jIhsou' Cristou' uiJou' qeou' (“The beginning of the gospel of Jesus Christ, the Son of God.”) The last two words in Greek are disputed because of their omission in some important manuscripts. These same manuscripts cannot be charged with being the products of heretics, however, because in 15:39 they all record the centurion as saying, “Certainly this was God’s Son.” The issues at stake must be put on a different plane.
a* Q (28) and a few others omit uiou qeou, while virtually all the rest of the witnesses have the words. Although normally the shorter reading is to be preferred by most textual critics, this rule cannot be applied mechanically. In this case, if a good reason for an accidental omission can be found—especially since the MSS lacking the words are very few, then the longer reading probably should be regarded as authentic. And although a is a major witness to the text of the New Testament, the first corrector of this MS added the words uiou qeou, suggesting the possibility that the omission was simply an oversight. Apart from this lone fourth century MS, the rest of the Greek testimony is quite late, coming approximately 500 and 700 years later. To be sure, the shorter reading is found in Origen and a few other early patristic authors, but the very fact that these writers seem to be using the verse for their own purposes, rather than commenting on the whole of the text, may imply that ‘God’s Son’ simply did not fit into their particular objective.

56.
حالات استثنائية قليلة في انجيل مرقس لا تصمد .
لكن وردت كلمات أخرى في الإنجيل لها معنى قريب منها ككلمة " ابني " التي سُمعت من السماء ، أو كلمة " أبي " التي وردت على لسان يسوع ،حسب ما تدّعيه الأناجيل .
و هذه العبارات لا تصمدُ أمام النقد لاضطرابها و عدم انسجامها و ثانيا لشُحّها. فلقد وردت العبارة :" هذا ابني الحبيب الذي سُرّت به نفسي " في موضعين: المرّة الأولى لمّا اعْتَمَدَ يسوع من يوحنا المعمدان1،و المرّة الثانية لمّا تراءى موسى و إيليا ليسوع وتلاميذه،على الجبل2.
و يُفهم من النصّين أنّ الله تكلّم ، و سُمع صوتُه من السماء لِيُعلِنَ أمام شعب إسرائيل و أمام التلاميذ أنّ يسوع هو المسيح ابن الله.و العبارة المذكورة تتضمن المزمور 2/6 – 8:" أنْتَ ابْني أنا اليوم وَلَدْتُكَ " و نبوة أشعيا 42/1 :" هُوَ ذا عَبْدي الذي أعْضُدُهُ، مُخْتَاري الذي سُرّتْ به نَفْسي ". و هما نصان من بين أعظم النصوص المبشرّة بالمسيح . و يُفهم من الأناجيل أنّ يسوع كان يُخفي عن الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-مر 1/11 : " و للوقت و هو صاعدٌ من الماء رأى السّموات قد انشقّت و الرّوح مثل حمامة نازلا عليه. و كان صوتٌ من السّموات. أنت ابني الحبيب الذي سُرِرتُ به".أنظر أيضا متى 3/17 ؛ لو 3/22 .
2- مر9/7 :" فلنصنع ثلاث مظالّ لك واحدةٌ و لموسى واحدةٌ و لإيليا واحدةٌ. لأنّه لم يكن يعلم ما يتكلّم به إذ كانوا مرتعبين. و كانت سحابةٌ تظلّلهم. فجاء صوتٌ من السّحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا". متى 17/5 ؛ لو 9/35.
57
أنّه المسيح كما يُخفي أنّه ابن الله1. و التناقض خطيرٌ في الأناجيل فكيف نوفّق أنّ الله أسمعَ صوته و شَهِدَ أنّ يسوع ابنه و حبيبُه و مسيحه وأنّ يسوع كان ينتَهِرُ الشياطين و النّاس لمّا سَمّتْهُ كذلك ؟
إذن من استقراء النصوص يتبيّن أنّه ما كان ليسوع،وما يحقّ له أن يبارز الله تعالى ويناقضه.و من هنا يتبيّن أنّ النصّين السابقين ليسا على أسس رصينة.ولم يُكتبا إلاّ ليجعلا من الله شاهداً على بُنوة و مسيحانية يسوع ، هو الذي لم يعترف بهما أبداً.
كما وردت في إنجيل مرقس أيضا الكلمات:"أبي"؛"الآب"؛ "أبوكم" خمس مرّات بمجموعها.فلقد وردت أبي في موضعين.الأوّل:" لأنّ مَنْ اسْتَحْيَا بي و بِكَلامي في هذا الجِيلِ الفَاسِقِ الخَاطِئ، فإِنّ ابنَ الإنسانِ يَسْتَحْيي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أبِيهِ مع الملائكَةِ القِدِّيسينَ، وَقَالَ لَهُم الحَقُّ أقولُ لكُم إنَّ مِنَ القِيَّامِ هَاهُنَا قَومًا لا يَذُوقُون المَوْتَ حَتّى يَرَوْا مَلَكُوتَ الله قَدْ أَتَى بِقُوّةٍ"2(مر8/31-9/1).
ولسنا في حاجة إلى التدليل أنّ هذا النصّ، وما يوازيه في إنجيلي متىّ و لوقا، موضوعٌ وقد كُتِب في فترة عرفت فيها الكنيسة ألوان الاضطهاد، لِيَشُدّ من عزائم المؤمنين و يطمئنهم أنّ عودة المسيح قريبة ومعها ملكوت الله حتى أنّ الجيل الأوّل لا يموت حتى يتمّ هذا الوعد. وها هي مرّت أكثر من ألفي سنة على هذه النبوة المزعومة، ومات الجيل الأوّل و الأجيال التي تَلَتْهُ، ولم يَعُدِ المسيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ورد في الأناجيل أنّ يسوع كان يرفض لقبي ابن الله و المسيح في مواضع كثيرة . أنظر مر 3/12 ، مر 1/29 – 34 ، لو 4/41 – 42.
2- أنظر أيضا متى 16/24-28؛ لو9/23-26.
58
و الموضع الثاني:" يَا أبَّا الآبُ كُلّ شَيءٍ مُسْتَطَاعُ لَكَ" (مر14/36). و كلمة "أبّا"1كلمة آرامية تعني الأب بالمعنى الحقيقي، بالنسبة للمتكلّم.و لم ترِد أبداً هذه الكلمة في صلوات بني إسرائيل.ولقد كانت عزيزة على بولس الطرسوسي ووردت في رسالتيه إلى أهل رومية 8/15:" بل أخذتم روح التبنّي الذي به نصرخ يا أبا الآب" ؛و إلى أهل غلاطية 4/6:"ثمّ بما أنّكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أبا الآب".و لم ترِد هذه العبارة في أيّ إنجيل، رغم حِرص يوحنا و مترجم متّى على وصفِ يسوع بابن الله؛و لا حتّى في إنجيل لوقا تلميذ بولس.و لاشكّ أنّ صاحبها الذي أدخلها يريد أن يستدرك ما فات في إنجيل مرقس من نسبة يسوع إلى الله نسبةً حقيقيةً.
ووردت كلمة "الآب" مرّة واحدة:" أَمَّا ذَلكَ اليومُ وتِلكَ السَّاعَةِ فَلاَ يَعْلَمُ ِبِهمَا أحَدٌ، لا الملائكَةُ الذين في السَّماء ولا الابنُ إلاّ الآبُ" (مر13/32). و النصّ الموازي في متّى 24/ 29-44 يتكلّم يسوع عن آية مجيئه قبيل الساعة، و يتكلّم عن نفسه ويسمّيها "ابن الإنسان"ستّ مرّات،ما عدا العدد24/36 الذي وردت فيه كلمتا "الآب"و "الابن"و هو نص مر13/32 حرفيا.و أعتقد أنّ هذا العدد لم يكن موجودا في الأصل إنّما أُدْمِجَ لاحقا بعد ما مات الجيل الأول من الحواريين و أتباعهم،و التراجع الساطع عن كمال علم الابن في أنّه لا يعلم موقت السّاعة،
_______________

1-En Araméen,ce mot désigne le propre père de celui qui parle ou dont on parle. Jamais il ne désigne Dieu dans les prières juives. TOB p 2430 .
.59
دليل على خيبة المؤمنين الذين كانوا ينتظرون عودة المسيح بين عشية وضحاها1.و
إليك النصّ الموازي في متّى، ولك أن تحكم أخي القارئ:"لأنَّهُ كَمَا أَنَّ البَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ المَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إلى المَغَارِبِ هَكَذَا أيْضًا يَكُونُ مَجِيءُ ابن الإنسانِ لأنّه حَيْثُمَا تَكُنِ الجُثّةُ تَجْتَمِعُ النُّسُورِ. وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأيَّامِ،تَظْلَّمُ الشَمْسُ والقَمَرُ لا يُعْطِي نُورُهُ و النُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّماء و قُوَّاتُ السّماواتِ تَتَزَعْزَعُ و حِينَئِذٍ تَظهَرُ عَلاَمَةُ ابنِ الإنسانِ في السَّمَاء.و حِينَئِذٍ تَنُوحُ جَميعُ قَبَائِلِ الأرْضِ و يُبْصِرُون ابنَ الإنسانِ آتِيًا على سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوّةٍ و مَجْدٍ كثيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيه مِنَ الأرْبَعِ رِيَّاحٍ مِن أقْصَى السَّمَواتِ إلى أقْصَاهَا.فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلّمُوا المَثَلَ، مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَ أخْرَجَتِ أوْرَاقُهَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَيْفَ قَرِيبٌ.هَكَذَا أنْتُم أيْضًا مَتَى رَأَيْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أنّه قَرِيبٌ عَلَى الأبْوَابِ. الحَقُّ أقُولُ لَكُمْ لا يُمْضِي هَذا الجِيلُ حَتَّى يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ.السَّمَاء و الأرضُ تَزُولانِ ولَكِنَّ كَلاَمِي لا يَزُولُ.و أمّا ذَلِكَ اليَومِ وتِلْكَ السَّاعَةِ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أحَدٌ ولا مَلاَئكَةُ السَّمَواتِ ولا الابنُ إلاّ الآب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مر8/31-9/1؛ متى16/24-28؛ لو9/23-27؛ مر13/36؛ متى24/37.و هذه النصوص تبشّر بعودة المسيح القريبة جدّاً لدرجة أنّ الجيل الأول الذي عاينه لا يمت حتى تتمّ هذه البشارة. أمّا رسالة بطرس الثانية3/4-9 و رسالة بولس الثانية لأهل تسالونيكي2/1-4 فموضوعهما طمأنة المؤمنين الذين طال انتظارهم للمسيح، و مات الجيل الأول و من بعدهم و لم تتحقّق النبوة .قالت رسالة بطرس الثانية :" قائلين أين هو موعد مجيئه(يسوع) لأنّه من حين رقد الآباء كلّ شيء باق هكذا من بدء الخليقة". و رسالة بولس الثانية لأهل تسالونيكي تقول:" لا يخدعنّكم أحد على طريقة ما. لأنّه لا يأتي ( المسيح) إن لم يأتي الارتداد أوّلا و يستعلن إنسان الخطيئة ابن الهلاك"
60.
و كَمَا كَانَتْ أيَّامُ نُوحِ كَذَلِكَ يَكُونُ أيْضًا مَجِيءُ ابنِ الإنسانِ.لأنّه كَمَا كَانُوا في الأيَّامِ التي قَبْلَ الطُوفَانِ يَأكُلُونَ و يَشْرَبُونَ و يَتَزَوّجُونَ وَ يُزَوِّجُونَ إلى اليَوْمِ الذي دَخَلَ فِيهِ نُوحُ الفُلكَ فَلَمْ يَعْلَمُوا حَتّى جَاءَ الطُوفَانُ وَ أَخَذَ الجميعَ كَذَلِكَ يَكُونُ أيضًا مَجِيءُ ابنِ الإنسانِ.اسْهَرُوا إذَنْ لأنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأتِي رَبُّكُم، و اعْلَمُوا هَذَا أنّهُ لَوْ عَرِفَ رَبُّ البَيْتِ فِي أَيّ هَزِيعٍ يَأتِي السَّارِقُ لَسَهَرَ و لَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. لِذَلِكَ كُونُوا أنْتُمْ أيضًا مُسْتَعِدِّينَ لأنّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأتِي ابنُ الإنسانِ" (متى24/29-45). يجب ملاحظة الترجمة اليسوعية التي يبدو واضحا أنّها في حرج كيف يُستثنى الابن من العلم بالسّاعة و هو واحد مع أبيه و مساو له، فاقترحت هذا النصّ حتى تغالط من استطاعت إليه سبيلا: "ولا ملائكة السموات إلاّ الآب وحده".و كأنها تستثني الابن.
فنلاحظ من النصّ أنّ كلمة " ابن الإنسان" وردت ستّ مرّات، و مرّة واحدة كلمتا " الابن"و" الآب" و هاتان الكلمتان الأخيرتان غريبتان عن النصّ كما ترى.
أمّا كلمة "أبوكم"التي تعني جميع المؤمنين ـ والتي لا حرج فيها ـ وردت مرّتين:" لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُم أَبُوكُم الذي في السَّمَوَاتِ زَلاَّتِكُم1. و الثانية:" إنْ لَمْ تَغْفِرُوا أنْتُمْ لا يَغْفِرُ أبُوكُمْ الذي فِي السَّمَوَاتِ أيضًا زَلاّتِكُمْ"2. و هذا النصّ الأخير زيد لاحقا،و لا يوجد له شاهدٌ واحدٌ في كلّ المخطوطات التي وصلتنا3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-مر11/25
2-مر11/26
3-ToB p 2421: ce verset n'est pas attesté par tous les témoins.
61
الحصيلة النهائية في إنجيل مرقس
و الحصيلة النهائية في مرقس: أنّ كلمة" ابن الله" أتت أربع مرّات: مرّتين على ألسنة الشياطين،و مرّة واحدة على لسان رئيس الكهنة، و مرّة على لسان وثني. و كلمة "أبوكم" وردت مرّة واحدة.ولم تأت كلمة " أبناء الله" في مرقس أبداً.و لم يتّفق الإنجيليون الثلاثة مطلقا على كلمة"أبي".و نستطيع القول أنّ مرقس بالغ في الاحتياط حتى إنّه رفض الكلمات:" الآب"؛ "أبناء الله" ـ رغم أنّها مستساغة في إسرائيل ـ سدّاً للذريعة حتى لا يُقال أنّ يسوع ابن الله.
حيرة لوقا بين متّى و مرقس
أمّا لوقا، فكان مرتابا جدّاً في الكلمة" ابن الله".و منهجه أنّه كان يتّبع نصوص مرقس إذا اختلفت مع نصوص متّى.ممّا يدلّ على الثقة العظيمة التي كان يحظى بها الحواري مرقس.أمّا النصوص التي ينفرد بها متّى فإنّ لوقا لا يجد حرجا في أن ينقلها كما هي أو يحوّرها بعض الشيء إذا وجدها لا تستجيب للعقل.
ووردت في إنجيل لوقا كلمة " ابن الله "تسع مرّات2 ؛و كلمة " أبناء الله" أو ما يحلّ محلّها ستّ مرّات. و ينفرد بتسمية يسوع بابن الله ثلاث مرّات3؛و بكلمة "أبي" ثلاث مرّات و كلمة "الآب" ثمان مرّات .لكن رغم أنّ لوقا تلميذ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- ابن الله:لو 1/32 ،1/35 ؛3/22 ؛4/3 ؛4/9؛4/41 ؛8/28؛9/35؛ 22/70. و كلمة "الابن" ثلاث مرّات ؛10/22؛ 10/22؛ 10/22.
أبناء الله: لو 6/35؛ 6/36؛11/2؛11/13؛12/30؛20/36
3- "ابن الله": اثنان على لسان جبرائيل؛وواحدة على لسان الشياطين. أنظر 1/32؛ لو1/35؛ لو4/41.
62
تلاميذ بولس إلاّ أنّ كلمة "ابن الله" كانت لا تعدو عنده أنّها مرادفة لكلمة " مسيح " كما ورد صراحة في النصّ4/41 :"و كانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين و هي تصرخُ و تقول أنت المسيح ابن الله. فانتهرهم و لم يدعهم يتكلّمون لأنّهم عرفوه أنّه المسيح". واضحٌ من هذا النص أنّ لوقا كان يفهم البنوة بمعناها المجازي المتعارف عليه في التوراة و ليس كما المفهوم الذي أعطاه إيّاها بولس الطرسوسي.
أمّا في كتابه الثاني، سفر الأعمال، ينقلب انقلابا جذريا ، فالكلمة " ابن الله "التي وردت في إنجيله مرّات كثيرة، لم ترد في كتابه الثاني إلاّ مرّة واحدة1 في اع9/20 ويفسّرها في الأصحاحين9/22،و13/33 حيث كتب:"إِذْ أَقَامَ يسوعَ كَمَا كُتِبَ في المزمورِ الثاني: أنْتَ ابْنِي أنَا اليَوْمَ وَلَدْتُكَ " )مز2/6-8(. و هذا تأكيد آخر من لوقا أنّ البنوة تعني المسيحانية فقط ولم يفهمها أبداً بالمعنى الحقيقي.
الأدلّة المادّية على التحريف في متّى
أمّا في متّى فوردت كلمة " ابن الله " أو ما يقابلها سبعا وعشرين مرّة؛ منها ثلاث مرّات على ألسنة الشياطين. و إليك النصوص التي يُناقض فيها متّى إنجيلي مرقس ولوقا في تسمية الله بالآب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي: لو 2/49؛ 10/22؛ 24/49. و كلمة " الآب" :لو 9/26؛ 10/21؛10/21؛ 10/22؛ 10/22.لو 22/42؛ لو23/34؛ 23/46.
1- إذا ا ستثنينا النصّ أع8/37 :" فقال فليبس إن كنت تؤمن بكلّ قلبك يجوز فأجاب قائلا إنّي أؤمن أنّ يسوع المسيح هو إبن الله". وقد أسقطته الترجمة المسكونية من سفر الأعمال وقالت لا يوجد هذا النصّ إلاّ في النسخ الغربية ابتداء من القرن الثاني. أنظرTOB p2636.
63
(1)*متى4/3."فَتَقَدّمَ إليه المُجَرِّبُ(الشيطان) و قَالَ لَهُ إِنْ كُنتَ ابنَ الله فَقُلْ أنْ تَصِيرَ هذه الحِجَارَةُ خُبْزا1
(2)*متى4/7:"وقَالَ لَهُ (الشيطان) إنْ كُنْتَ ابنَ الله فَاطْرَحْ نَفسَك إلى أسفلِ. لأنّه مَكتوبٌ أنّه يوصي ملائكَتَه بِكَ "2.
و يختزل مرقس النصّ حتى لا يذكر كلمة " ابن الله ". مر1/13 :" و كان هُناك في البرّيةِ أربعينَ يومًا يُجرّبُ من الشيطانِ.وكان مع الوحُوش.وصَارَتِ الملائكَةُ تَخْدُمُهُ "
(3)*متى12/50 : " لأنّ مَنْ يَصنَعُ مَشيئةَ أبي الذي في السّماوات هو أخي و أختي وأمّي" .أمّا مرقس 3/35 فيكتب:" لأنّ مَنْ يصنَعُ مَشيئةَ اللهِ هو أخي و أختي وأمّي". و لوقا يتبع مرقس ( أنظر لو8/21).
(4)*متى16/16 :" فَأجَابَ بُطرسُ و قال أنتَ المسيح ابن الله الحيّ".أمّا مرقس8/29 :"فأجاب بطرس و قال له أنت المسيح"و لوقا9/20 يتبع مرقس و يتجنّب"ابن الله : "فأجابَ بطرسُ وقال أنتَ مسيحُ اللهِ ".
(5)*متى14/33:" و الذين في السَّفينةِ ( الحواريون)جاءوا و سجدوا له قائلين بالحقيقَةِ أنتَ ابنُ الله". أمّا مرقس6/51: " فَصَعِدَ إليهِم إلى السّفينةِ فَسَكَنَتِ الرّيحُ فَبُهِتُوا و تَعَجّبُوا في أنْفُسِهِم جِدّاً إلى الغَايَةِ " و أحرص الكتب على تلقيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تث8/3
2- مز91/11-12
64.
يسوع بهذا اللقب هو سفر يوحنا، لم يذكر أنّ الحواريين سمّوا يسوع في هذه الحادثة ابن الله. قال يو6/18-19 :" و هَاجَ البحرُ مِنْ رِيحٍ عَظيمةٍ تَهُبّ.فَلمّا كانوا جَدّفوا نحو خَمْسِ و عشرين أو ثلاثين غَلْوَةً نَظَروا يسوع مَاشِيا على البَحْرِ مُقتَرِبًا من السفينة فَخَافوا.فقال لهم أنَا هُوَ لاَ تَخَافُوا".
(6)*متى20/23:" و أمّا الجلوسُ عن يميني و عن يساري فَليس لي أنْ أُعْطِيَهُ إلاّ للذين أُعِدَّ لَهُم مِنْ أبي". أمّا مرقس10/40:" و أمّا الجُلوسُ عن يميني و عن يساري فَليس لي أنْ أُعْطِيَهُ إلاّ للذين أُعِدَّ لهم".
(7)*متى26/29 :" و أقول لَكمْ إنّي مِنَ الآنِ لا أَشْرَبُ مِنْ نَتَاجِ الكَرْمَةِ إلى ذلك اليومِ حينَمَا أشْرَبُهُ مَعَكُم جَديداً في مَلَكُوتِ أبي" .أمّا مرقس14/25 :" الحقُّ أقولُ لَكُم إنّي لا أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نَتَاجِ الكَرْمَةِ إلى ذلك اليومِ حينَمَا أشْرَبُهُ جَديداََ في مَلَكُوتِ الله".و لوقا22/18 يتبع مرقس:"لأنّي أَقُولُ لَكم إنّي لاَ أشْرَبُ مِنْ نَتَاجِ الكَرْمَةِ حَتّى يَأْتي مَلَكُوتُ اللهِ".
(8)*متى27/40 :" إِنْ كُنتَ ابنَ الله فَأنْزِلْ عَنِ الصَليبِ". أمّا مرقس15/30 :" خَلِّـصْ نَفْسَكَ و أَنْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ ".و لوقا يتبع مرقس: " فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إنْ كان هو المسيح مُخْتَارُ اللهِ" (لو23/35).
(9)*متى27/43:" قَدِ اتّكَلَ على الله فَلْيُنْقِذْهُ الآن إِنْ أرَادَهُ، لأنّه قَالَ أنَا ابنُ الله" أمـّا مرقس15/32 :"لِيَنْزِلْ الآن المسيحُ مَلِكُ إسرائيلَ عَنِ الصَّلِيبَ".و لوقا23/39:" إِنْ كُنْتَ أنتَ المسيحَ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَ إيَّانَا".
65
و يناقض متّى الإنجيلي لوقا أيضا في تسمية الله بالآب.
(10)*متى10/32"فَكُلّ مَن يعترِفُ بي قُدّامَ النَّاس أعترِفُ به أنَا قُدّامَ أبي الذي في السّموات و مَن يُنْكِرُني قُدّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أنَا قُدّامَ أبي الذي في السّمواتِ".
أمّا لوقا12/9:" مَنْ يعتَرِفُ بِي قُدّامَ النَّاس يعتَرِفُ به ابنُ البَشَرِ قُدّامَ مَلائكَةِ الله و مَنْ يُنْكِرُنِي أمَامَ النَّاس يُنْكَرُ أمَامَ مَلائكَةِ الله".
(11)* متىّ 26/39 : " يا أبتاه إنْ أمْكَنَ فَلْتَعْبُرِ عَنّي الكَأسَ " .
( 12)* متى 27 / 54:"قالوا حَقًّا كانَ هذا ابنُ الله ".أمّا لو 23 / 47 : " قَالَ بالحَقِيقَةِ كانَ هذا الإنسَانُ بَارّا ".
ويتكلّف مترجم متىّ نصوصا لم ترد إلا عنده ليكثرّ من كلمة " ابن ا لله " أو ما يكافئها.
( 1 )* متى 7/21 : " لَيس كُلّ مَنْ يَقُولُ لي يَا رَبّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السّمَاوات . بل الذي يفْعَلُ إرَادَةَ أبي الذي في السّماوات".
أمّا لو 6/46 : " و لِمَاذا تَدْعُوني يَا رَبّ يا رَبّ و أنتُم لا تَفْعَلُونَ مَا أقُولُه".
( 2 ) *متىّ 15/13 :"و قال كُلّ غرسٍ لم يغرِسه أبي السماوي يُقلَع ".و هذا النصّ مُدمَج في النصّ الذي يتكلّم عن الأشياء التي تُنجّس الإنسانَ . و لا يوجد هذا العدد الـذي يُلقّبُ فيه الله " أبي " إلا عند متىّ.
( 3 )*. متىّ 16/17 : " فأجاب يسوع و قال له طوبى لك يا سمعان بن يُوَنّا
66.
فإنّه ليس لحمٌ و دمٌ كشَفَ لك هذا لكن أبي الذي في السموات".رغم أن نصّ سُؤالِ يسوع لتلاميذه من هو ؟ موجود في مرقس و لوقا لكن لم يذكرا هذا العدد.
( 4 )* . متىّ 18/10 :" لا تحقِروا أحَدَ هؤلاء الصّغَارَ لأنّي أقولُ لكم إنّ ملائكتَهم في السّموات كُلّ حينٍ ينظرون وجهَ أبي الذي في السموات ".
( 5 )* متىّ 18/35 :" فهكذا أبي السّمَاوي يفعلُ بِكُم إن لم تَترُكوا مِن قُلوبِكُم كُلّ واحدٍ لأخيه زَلاّتِه ".
( 6 )* متىّ 26/42 :" يا أبتاه إنْ لم يُمكِن أن تعبُرَ عنّي هذه الكأس إلا أن أشربَها فَلْتَكُنْ مشيئتُك ".
( 7 )*. متىّ 28/19 :" وَ عَمّدُوهم باسْمِ الآب و الابنِ و روح القدس ".
فترى لوحدك أنّ مترجم متىّ كان مولعا بكلمتي"ابن الله" و "أبي" . فلقد ناقض الإنجيليين مرقس و لوقا في اثني عشر موضعًا يُسمّيان الذّات الإلهية"الله"،و يُسَمّيها هو "أبي"،أو يسمّي ابن مريم1 عليه السلام بابن الله، و زاد سبعة نصوص أخرى تكلّفها ليدعّم أنّ الله أبو يسوع أو يسوع ابن الله .
وصول الاختمارات العقدية ذروتها في الإنجيل الأخير.
أمّا في الإنجيل الرابع – إن صحّ أن نسميه إنجيلاً – و هو آخر الأناجيل كتابة . و لقد كُتب على رأس المئة الثانية من الميلاد . و السبب الرئيسي لكتابته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-كان الذين عايشوا يسوع من شعبه يلقّبونه بابن مريم. أنظرJésus en son temps p137.
67
هو هشاشة حجج الأناجيل المتشابهة في أنّ يسوع هو المسيح و ابن الله على الوجه الحقيقي الذي لا يقبل تأويلاً . فَكتب مُفسّراً كتابته لسِفرِه ما يلي: "و أمّا هَذِه فقد كتبتُ لِتؤمنوا أنّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله "(يو 20/31). وفي رسالته الأولى ركّز يوحنا على هذه العقيدة :" مَنْ ذَا الذي يغلِبُ العَالَمَ إلاّ الذي يُؤمنُ أنّ يسُوعَ هو إبنُ الله "( 1 يو 5/5 ). وقال أيضا : " فَكُلّ مَنْ اعْتَرَفَ بأنَّ يسوعَ هُـو ابنُ الله فإنّ اللهَ يثبُتُ فِيه و هُوَ في الله "(I يو 4/15) . وَ يُشَدّدُ على أنّ الذي لا يؤمن بأنّ يسوعَ ابنُ الله فقد جعل الله كاذبًا:"مَنْ آمَنَ بابنِ الله فَعِنْدَهُ شهادَةُ اللهِ في نَفْسِهِ ،وَ مَنْ لَمْ يُؤمن بالابنِ يجعلُ الله كاذِبًا لأنّه لَمْ يُؤمِنْ بالشهادة التي شَهِدَ بها الله لابنه " (I يو 5/10) . و لعلّ الشهادة ليسوع بأنّه ابن الله هو ما ورد في قِصّتَي التعميد و التجلّي لمّا سُمع صوت من السماء يقول:" هذا ابني الحبيبُ الذي سُرّتْ بــــــه نَفْسي ".و الاعتقاد هذا قد شَهِد تطوّراً جبّاراً، عند يوحنا،في الكم و النوع . فقد وردت كلمة " ابن الله " ثلاث عشرة مرة :خمس منها على لسان يسوع نفسه. الشيء الذي لم يرد و لو لمرّة واحدة في الأناجيل المتشابهة . وأربع أخرى موزعة على يوحنا المعمدان و الحواريين نثانئيل و مرثا و اليهود،و ما تبقّى من الإنجيلي يوحنا نفسه.
و وردت كلمة "الابن" على الإطلاق أربع عشرة مرّة ، و " أبناء الله " أو ما يؤدّي معناها أربع مرّات، و"الآب " على الإطلاق ستّا و ثمانين مرّةً.و أعظم كلمات خطيرة في الإنجيل كلمتا: "أبي" التي وردت أربعا و ثلاثين مرّة،و كلمة
68
"الابن الوحيد"التي وردت أربع مرّات1. و بهذه الكلمة الأخيرة يتهاوى المعنى الطيّب الذي أعطته التوراة لهذه الكلمة2 إلى دنس الوثنية التي شاعت
.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-أنظر على الترتيب:"إبن الله":على لسان يسوع: 5/25؛10/36 ؛11/4؛17/1 ؛17/1؛ على لسان يوحنا المعمدان و نثانئيل و مرثا و اليهود : ؛1/34 ؛1/49 ؛11/27 ؛ ؛19/7على لسان الإنجيلي: 3/16؛3/17؛3/18؛20/30.
"الإبن":؛3/35؛3/36؛3/36؛5/19؛ 5/19؛5/20؛5/21؛5/22؛5/23؛ ؛5/23؛5/26؛6/40؛8/36؛ 14/13.
"أبي":؛2/16؛5/17؛5/43 ؛6/32 ؛6/40؛8/19؛8/19؛8/38 ؛8/49 ؛8/54؛ 10/15؛10/15؛ 10/18؛ 10/25 ؛10/29؛ ؛10/37 ؛ 14/2؛ 14/7؛ 14/20؛ 14/21؛ 14/23؛14/30؛ 15/1؛ 15/8؛ 15/10؛ 15/15؛ 15/23؛ 15/24؛ 16/15؛ 16/23؛ ؛20/17؛20/17 على لسان اليهود:5/18؛ ؛8/19.
"الآب": يو1/14؛1/18؛3/35؛ 4/21؛ 4/23؛ 4/23؛ 5/19؛ 5/19؛ 5/20؛ 5/21؛5/22؛5/23؛5/23 ؛5/26؛ 5/36؛ 5/36 ؛5/37؛ 5/45؛ 6/27؛ 6/37؛ 6/44؛6/45؛6/46؛6/46؛6/57؛6/57؛6/65؛ 8/18 ؛8/27؛8/28؛ 8/41؛8 /42 ؛10/17؛10/29؛10/30؛10/32؛10/36؛10/38؛10/38؛11/41 ؛12/26 ؛12/27؛ 12/28؛12/49؛ 12/ 50 ؛ 13/1؛13/3؛ 14/6؛ 14/8؛ 14/9؛ 14/9؛ 14/10؛ 14/10؛14/10؛ 14/11؛14/11؛ 14/12؛ 14/13 ؛14/15؛ 14/16؛ 14/24؛ 14/26؛ 14/28؛ 14/28؛14/30؛ 15/9؛ 15/16؛ 15/26؛15/26؛ 16/3؛ 16/10؛ 16/17؛ 16/25؛ 16/26؛ 16/27؛ 16/28؛ 16/28؛ 16/32؛17/1؛ 17/5؛17/11؛ 17/20؛ ؛17/24؛ 17/25؛ ؛18/11؛ ؛20/21..
"أبناء الله":يو1/12؛ 1/13؛11/52؛ ؛20/17
"الإبن الوحيد": يو1/14؛1/18؛3/16؛3/18
2-ورد في سفر الخروج : قل لفرعون : إسرائيل ابني البكر . و نستنتج من النص أنّ كلّ مؤمن ابن
69.
زمن يسوع في آسيا الصغرى.
و بكلمة "الابن الوحيد" تصنّف البنوة من هنا فصاعداً إلى بنوة حقيقية بين الله تعالى و يسوع ، و بنوة من الدرجة الثانية بين الله تعالى و سائر المؤمنين.و يحرص يوحنا شديد الحرص على نقل التركيز على تعاليم يسوع العملية في الأناجيل المتشابهة إلى دين مركزه و موضعه الوحيد هو شخص يسوع المسيح ابن الله. ففي رسالته الأولى ترد كلمة "ابن الله" سبع عشرة مرّة محطّمة الرقم القياسي في كلّ أسفار الأناجيل،و خمس مرّات"الابن" و مرّة واحدة "الابن الوحيد"و ثلاث عشرة مرّة " أبناء الله " أو ما يؤدي معناها ، و اثنتي عشرة مرة " الآب"1. بَقِيَ الآن أن نسجّل أنّ المفهوم الوثني لكلمة "ابن الله" لم يكن مقبولا على أعتاب القرن الثاني للميلاد حتى داخل كنيسة بولس . و هو ما حدا بيوحنا اللاهوتي للكتابة خصوصا في هذا الشأن العقائدي الخطير . و في الوقت الذي كان بولس و كنيسته تُشدّد على أنّ يسوع هو ابن الله الوحيد،كان الحواري يعقوب عليه السلام2 يكتب لكنائس الحواريين رسائل يكاد ينمحي فيها اسم يسوع ،للتأكيد على أنّه لم يكن له من دور إلا التبليغ عن الله . و تغيب فيها تماما الألقاب المحورية في تعاليم بولس:"ابن الله"،"أبي"،"أبو ربنا يسوع المسيح"،"أبناء الله"،أو العقائد الأساسية عند رسول الوثنيين:الموت الخلاصي ليسوع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله ، و أن لا فضل لإسرائيل إلا ببكوريته . لكن نسبة الأب لكلمة المسيح "أبي " يخرج مفهومها
الطيّب المتعارف عليه عند بني إسرائيل إلى دنس الوثنية و يخرج المؤمنين من البنوة المجازية لله .
1- "إبن الله": I يو1/3؛1/7؛ ؛3/8؛ ؛3/23؛ 4/10 ؛4/14؛ 4/15؛ ؛5/1؛ ؛5/5؛ ؛5/9؛ 5/10؛ 5/10؛ ؛5/11؛ ؛5/12 ؛ ؛5/13؛ ؛5/20؛5/20. "الإبن":؛2/22؛ 2/23؛ 2/23؛2/24؛ ؛5/12."الإبن الوحيد":4/9؛ "أبناء الله":3/1؛ 3/2؛ ؛3/9 ؛3/9؛ ؛3/10؛3/10 ؛4/7 ؛5/1؛ 5/2؛ ؛ 4/4؛ 5/4 ؛5/18 ؛5/18."الآب": I يو1/2؛ ؛2/1؛ 1/3؛ 2/14؛ 2/15؛2/16؛ ؛2/22؛ 2/23؛ 2/23؛2/24؛ ؛3/1؛4/14.
2- الحواري يعقوب هو على أصح الأقوال أخو سيدنا عيسى عليه السلام . هكذا دعي في الأناجيل . لكن الجدل القائم هل هو ابن السيدة مريم عليها السلام من صلبها لما تزوجت من يوسف النجار ، أم فقط من عائلتها عند القائلين أن السيدة مريم لم تتزوج أو أنها تزوجت و لم تنجب مع يوسف النجار . و الشيء الذي لا خلاف فيه هو أنّه أول أسقف على كنيسة أورشليم : كنيسة الحواريين . و شدّد على الالتزام بشريعة التوراة و فنّد دعاوى بولس في أن يسوع نسخ الشريعة . أستشهد عليه السلام على يد الطاغية حنّان رئيس الكهنة رجماً سنة 62 م ( حسب أوسابيوس ).

فهرست
المقـــــــــدمة...............................................................1
معجزة القرآن الكتابية.......................................................4
درب الحقيقة...............................................................8
الاختلاف في طبيعة عيسى عليه السلام.....................................11
معنى ابن الله في التوراة....................................................20
البنوة المكفّرة لقائلها في القرآن..............................................28
أساس عقيدة النّصارى.....................................................32
تكفير اليهود لعيسى عليه السلام و تلفيق الباطل له.........................37
سياق كلمة" المسيح" في القرآن يشدّ الانتباه..................................47
بولس شريك أعداء عيسى في تأليهه........................................50
الحجّة الحاسمة في إنجيل مرقس:لقب "ابن الله" لقبٌ شيطاني.............53
حالات استثنائية قليلة في إنجيل مرقس لا تصمد...........................56
الحصيلة النهائية في إنجيل مرقس.........................................61
حيرة لوقا بين متّى و مرقس...............................................61
الأدلّة المادّية على التحريف في متّى........................................62
وصول الاختمارات العقدية ذروتها في الإنجيل الأخير.......................66

فهــرست المــصطلــحات
• سفر الأخبار الأول: I أخ سفر الأخبار الثاني: II أخ
• سفر إرميا: إر رسالة إرميا: رسالة إر
• سفر أشعيا: أش سفر الأعمال: أع
• الرسالة إلى أهل أفسس: أف سفر الأمثال: أم
• رسالة بطرس الأولى: I بط رسالة بطرس الثانية: II بط
• سفر التثنية: تث الرسالة الأولى لأهل تسالونيكي: I تسا
• الرسالة الثانية لأهل تسالونيكي: II تسا الرسالة إلى تيطس: تط
• سفر التكوين: تك الرسالة الأولى إلى ثيماثاوس:
• الرسالة الثانية إلى ثيماثوس: II ثيما سفر الجامعة: جا
• سفر حبقوق: حب سفر حجاي: حج
• سفر الحكمة: حك سفر حزقيال: حز
• سفر الخروج: خر سفر دانيال" دا
• الرسالة الأولى إلى أهل رومية: رو سفر الرؤيا: رؤ
• سفر زكرياء: زكا سفر عزرا: عز
• سفرعاموس: عا الرسالة إلى العبرانيين: عب
• سفر العدد: عد سفر عوبديا: عو
• الرسالة إلى أهل غلاطية: غلا الرسالة إلى أهل فليبي: فل
• سفر القضاة: قض الرسالة الأولى إلى أهل كورينتس:Iكو
• الرسالة الثانية إلى أهل كورينتس: IIكو الرسالة إلى أهل كولوسي: كول
• إنجيل لوقا: لو إنجيل متى: متى
• سفر المكابيين الأول: مك I سفر المكابيين الثاني: مك II
• سفر ميخا: مي إنجيل مرقس: مر
• سفر المزامير: مز سفر الملوك الأول: I مل
• سفر الملوك الثاني:II مل سفر ملاخي: ملا
• سفر اللاويين: "أح" أو " لاو سفر صفنيا: صف
• سفر صموئيل الأول: Iصم سفرصموئيل الثاني:IIصم
• سفر ناحوم: نا سفر نحميا: نح
• سفر هوشع: هو رسالة يعقوب: يع
• رسالة يهوذا: يه سفر يشوع بن نون: يش بن نون
• سفر يشوع بن شيراخ: يش بن شيراخ إنجيل يوحنا: يو
• الرسالة الأولى ليوحنا: I يو الرسالة الثانية ليوحنا: II يو
• الرسالة الثالثة ليوحنا: III يو سفر يوئيل: يؤ

مـراجـــع البـــحـــث
• الترجمة اليسوعية . مطبعة المرسلين اليسوعيين سنة 1897
• ترجمة دار المشرق للكتاب المقدس. دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
• ترجمة العهد الجديد للرابطة العالمية للمسيحيين المرموز له ب"LBI".ISBN08-866660-421-9
• تفسير إبن كثير
• تفسير بن جرير الطبري
• تفسير الجلالين
• سيرة بن كثير
• محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبو زهرة. شركة الشهاب الجزائر.
• المسيحية نشأتها و تطورها لشارل جنيبير ترجمة د عبد الحليم محمود. المكتبة العصرية- صيدا- بيروت
• الفكر الإسلامي في الرد على النصارى د. عبد المجيد شرفي
• بحث الجنس البشري عن الله:
Watch Tower Bible and tract society of New york
• عصمة التوراة و الإنجيل إسكندر جديد
• و أكبر من نجار جوش ماكدويل ترجمة سمير شوملي
• المناظرة الحديثة في علم مقارنة الأديان د.أحمد حجازي السقا
• الإسلام و المسيحية أليسكي جورافسكي ترجمة د.خلق محمد الجراد
• المسيح في الإسلام الشيخ أحمد ديدات. دار الهدى عين مليلة. 1991
• من وراء سلمان رشدي د. مأمون الشناوي
• الرسول سعيد حوى
• تاريخ العرب قبل الإسلام د. جورجي زيدان
• تاريخ العرب قبل الإسلام د.سعد زغلول
• الطريق إلى دمشق د. أحمد عادل كامل
• الطريق إلى المدائن د. أحمد عادل كامل
• وسائل الوصول إلى شمائل الرسول الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني
• صحيح مسلم

• Traduction oecuménique de la Bible. Editions du Cerf & société biblique française. 3eme édition ,1989
• La Bible de jérusalem
• Today's English Version. ABS .American bible society, 1966
• Authorized version of James King .British and Foreign Bible society, 1999.
• Christian Community Bible catholic pastoral edition. Divine Word Publications. Manila.
• La traduction du Nouveau Testament : Le Semeur. Société biblique internationale, 1991.
• La traduction du Nouveau Testament : Le Message. Nouvelle édition de Genève, 1986.
• La traduction du Nouveau Testament de l’Alliance universelle de la Bible( en français courant). Bodard et Taupin, 24.8.1989
• Les Saintes écritures. traduction du nouveau monde. Wacth tower Bible and Tract society of New York .,inc
• Le Nouveau Testament. Traduction de Louis Second. Edition A.E.S, 1995.
• Les synopses des quatres Evangiles. P .Benoit _ M. E .Boismard.
• Introduction à la Bible. Nouveau Testament. A.Robert & A. Feuillet. Desclée & Cie, Editeurs. 25 Janvier 1959.
• L’Eglise des Apotres et des martyrs. Daniel Rops. Petrus Brost, v.g. Lutetiae Parisorioum die xxxi Martii 1948.
• Jésus en son temps. Daniel Rops. A. Leclerc, vie. Gén. Lutetiae Parisorium die aprilis 1944.
• Le fondateur du christianisme. Charle. Dodd
• La bible,le Coran et la science .Dr Maurice Bucaille .Editions Seghers, Paris , 1976
• Le Coran et la Bible à la lumière de l’histoire et de la science. Dr Williame Campbell. Editions Farel, 2 édition , janvier 1994.
• Le peuple du Coran .Anne Cooper. Traduction en langue française par Renée Rey et Paul Gesche. Edition Sator & Mena, septembre 1989.
• La littérature polémique musulmane contre le Christianisme depuis ses origines jusqu’aux XIII Siècle. Ali Bouamama. Entreprise nationale du livre. Alger, 1988
• Comparer, Considérer, Conclure. Gerhard Nehls. C.M.BA. Octobre 1990. Abidjan.
• L’Atlas de la Bible. Mediapaul-Sator-Paulines, 4 édition, Janvier 1992.

و لو لَمْ يَحشُرْ بولس رسالة عيسى عليه السلام بين الأمم من الإغريق و الرومان لَبَقِي هذا الخبرُ إتّهاما كاذباً كأيّ خبرٍ آخر تَنقلُهُ الكُتُبُ المقدّسة و هي تقــــصّ أخبار المكابرين و المعاندين للأنبياء و الرُسل ، كنقل القرآن الكريم اتّهامات المشركين لرسول الله صلى الله عليه و سلم بالكذب و السحرِ و الكهانة.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك