آداب الحوار في القرآن الكريم

آداب الحوار في القرآن الكريم

 

بقلم أ. د. عبد الحميد البعلي

 

إن استفحال الاختلاف يتصل مباشرة بالإيمان حقيقة بين الناس، إلا أنه يجب أن يظل في إطار التصور الإيماني الصحيح، لذا كان لابد من تحكيم القرآن الكريم في كل ما يختلف فيه الناس لا يستقيم أمر الحياة، ولا ينتهي الناس من الاختلاف والفرقة، ولا يقوم على الأرض سلام، ولا يدخل الناس في السلم بحال كما يقول سيد قطب يرحمه الله.

وقد أكد القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (البقرة:213)، فما يختلف اثنان على هذا الأصل إلا وفي نفس أحدهما بغي وهوى أو في نفسيهما جميعاً، فعندما يكون هناك إيمان فلابد من التقاء وإتقان؛ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ (البقرة:213)، هداهم بما في قلوبهم من رغبة في الوصول إلى الحق، وما أيسر الوصول حينئذ والاستقامة؛ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة213).

وفي مسألة الفتن وإغواء الشيطان ومنهجية التعامل معها، تعد الفتن بأنواعها ووليدها الاختلاف والشقاق ثم الاقتتال من إغواء الشيطان، حيث يقول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (الأعراف-27).

وأن شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض، ويوسوسون في صدور الناس، ومعلوم أن الشيطان وعمله فسوق عن أمر الله، وأنه يجب ألا يطاع.. أفتتخذونه ولياً؟ مستنداً في ذلك لقول الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (فاطر-6) في الدنيا والآخرة.

وقد ورد الحديث عن الشيطان وإبليس 96 مرة في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية مئات المرات. مواجهة الشيطان: أما عن الاستعداد بالذكر في مواجهة الشيطان، فإن القرآن الكريم أوضح أن كيد الشيطان من الجن والإنس كان ضعيفاً؛ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء76).

ولنعلم أن: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة268)، وأعلم أن الموقف يحتاج إلى الحكمة، وأن الله يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (البقرة269). ( وّلا تّبًغٌ الفساد فٌي الأّرًضٌ -القصص:77)، ولا تسعَ في الأرض فساداً، ولا تتبع سبيل المفسدين، ولا تعث في الأرض فساداً؛ ( إن الله لايحب المفسدين(القصص-77)، منهج قرآني وهنا نتساءل: ما المخرج؟ وكيف السبيل؟ أعتقد أن الحوار منهج قرآني أصيل، فالحوار هو السبيل الصحي الوحيد للوصول والحصول على أفضل الحلول والنتائج، مبيناً أن سور القرآن الكريم وقصصه مليئة بصور الحوار وفنونه وآدابه ومبادئه، فنسرد شيئاً منها.

ومن صور الحوار الحجة بالواقعة والمنطق، والحوار بالاستغفار، والحوار بالتذكير والذكرى والموعظة.. ومن بين صور الحوار التي استشهد بها المؤلف ما ورد في سورة الكهف، ومنها الحوار بين أهل الكتاب أنفسهم، والحوار بين الصالحين، والحوار بين سيدنا موسى والخضر؛ ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (الكهف-65)، وكذلك الحوار بين سيدنا موسى وفتاه، والحوار بين ذي القرنين والقوم المظلومين من «يأجوج ومأموج». متطلبات الحوار وأما متطلبات الحوار فهي كثيرة، منها إنكار الاقتتال والعنف ووقفه ابتداءً، ثم تحريمه والتفويض المأخوذ من قوله تعالى: «فلينظر» من سورة الكهف، والتلطف والصراحة والوضوح والإرادة القوية والتدرج وتهيئة الأجواء لخطط طويلة الأمد من الإصلاح الشامل والانطلاقة الفتية نحو التعمير والتغيير.

وفيما يتعلق بآلية التعامل مع غير المسلمين أفراداً ودولاً، فهي تقوم على مرتكزات البر والقسط، عدم السبّ واللعن، المجادلة بالتي هي أحسن، التعامل والتعاون المالي والتجاري، المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات.. فحضارة الإسلام سمات أهلها التواد والتراحم والتعاطف والسلام والمصافحة، كما أن التغيير يحتاج إلى رغبة وإرادة وفعل وعدم تجاهل شرع من قبلنا في دعوة الرسل لأقوامهم. ومن بين متطلبات الحوار الأخرى الصبر والصفح، ولين القول وطيب الكلام، والمفاصلة الحازمة بقوة الإقناع وإقامة الحجة على الخصم، والاتباع والالتزام والدفع بالتي هي أحسن، والمرونة، وقوة التحمل، والرغبة في السلم والاتفاق على قواعد الصلح.

وأما محاذير الحوار، فرأى المشرع أنها تندرج تحت ما يسمى تبرير الإنسان لنفسه، ومن أحوال النفس مع الإنسان، وأحوال الإنسان مع نفسه.. وأما أحوال النفس مع الإنسان فثمانية أنواع، هي: النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الفاجرة، والنفس التقية، والنفس الشحيحة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس المطمئنة. كما أنه على المتحاورين من عدم وضوح الهدف من الصلح والإصلاح والتعمير وفعل الخير ونفع الغير.

آداب الحوار وأما آداب الحوار، فهي تتعلق بالاحترام المطلوب والاستماع لكامل الحديث بانتباه وإصغاء، وإعطاء الفرصة كاملة للحديث، وتجنب الانفعال، وحسن عرض وجهة النظر، وعدم المعاجلة والمقاطعة والمغالطة والاستفزاز وإبداء الضجر، والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي. واستشهاداً بأهمية أدب الحوار فمن أبرز وأهم وصايا الإمام علي ] لابنه الحسن، الذي قال فيها: «يا بني، إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الكلام، ولا تقطع على أحد حديثاً وإن طال حتى يُمسك».

ولنحسم الاختلاف فيما بيننا بأدب الحوار كما ربانا المنهج القرآني وحث عليه أحاديث النبي [، وندعو إلى الله متضرعين: «ربنا لا تجعلنا من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، «ربنا اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنك رؤوف رحيم»، «ربنا انصرنا على القوم المفسدين»، «ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان».

المصدر: http://www.yanabeea.net/details.aspx?pageid=4823&lasttype=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك