حوار لا تصادم

حوار لا تصادم

 

بقلم نجيبة محمد الرفاعي

 

مشكلتنا  أننا كثيرًا ما  نمارس أسلوب الانتقاد والاعتراض مع كل من يختلف معنا في الفكر أو الدين، أكثر مما نمارس فن  التواصل والحوار  ، وذلك إما لأننا لا نعرف أصول التحاور الإيجابي والتعبير عن الأفكار ، أو لأن ثقافتنا ضحلة هشة لا توازي ما عند الآخر من معرفة وبراهين ؛ فنغطّي ذلك بالصمت أو التهجم اللفظي ؛  أو لأننا قد تربينا منذ الصغر على الهزيمة النفسية والشعور بالضعف والدونية والاعتقاد بأن الغير أفضل منا وأقوى في كل شيء .. ومهما كانت الأسباب فإن كل ذلك يؤدي  إلى أن نفقد قوة الحجة والقدرة  على إيصال قناعتنا ومنهجنا إلى الطرف الآخر .

 

لابد في بداية الأمر أن نقتنع بأن  مجتمعنا أصبح متعدد الثقافات والجنسيات والديانات، وشئنا أم أبينا لابد أن نتعايش مع هذا الخليط الثقافي بشيء من الحكمة والبعد عن المغالاة والتهويل ،وذلك حتى نعطي الصورة الحقيقية للشخصية المسلمة ، وحتى نثبت للجميع بأننا قادرون على احتواء الآخرين بكل تسامح ووعي ، شرط عدم المساس  بثوابتنا ومعتقداتنا وقيمنا .

 

أحيانا كثيرة نجد من بين أهلنا من يخالفنا الرأي ويناصبنا الحجة بالحجة  ، و نجد من بين مفكرينا وكتّابنا من يسن القلم لمهاجمة أي فكر إسلامي ، ونجد في منتدياتنا من يبث الشائعات ويشوِّه الحقائق  ، ونجد في أماكن عملنا وفي أسواقنا من نشعر معه بالتطرف الفكري أو الانحلال الأخلاقي ، فيا ترى كيف يكون التصرف الأمثل مع كل أولئك ؟  هل نكتفي بالصراخ والتشنج والتعوذ من الشيطان ؛ لأنهم من سلالة المنحطين الذين لا يراعون حرمة ولا دينًا ؟ أو نصاب بالخرس، ونكتفي بأن تحرقنا نار القهر  في داخلنا على أن نتفوه بكلمةٍ خوفًا من  ردة فعل الآخر ، لأننا  قد تشربنا ثقافة الانكسار والخوف ؟ أو نغامر في بدء حوار خاسر ، لأننا ببساطة لا نعرف كيف ننظّم جملة مفيدة مفهومة ، و لم نتدرب كيف يكون الحوار ؟

 

تخبرني إحداهن بأنها رأت في أحد المراكز التجارية الكبرى في الدولة  رجلا وامرأة من جنسية أجنبية، وهما يتبادلان القبلات في وضع استفزازي على مرأى من الجميع ، والذين كانوا ينظرون  إليهما باستنكار، ولكن دون أن يتحرك أي منهم لوقف تلك المهزلة ، فما كان منها إلا أن تقدمت نحوهما،  وبلغة أجنبية ركيكة أفهمتهما بأن هذا لا يجوز في مجتمع مسلم  له قيمه وعاداته ، فما كان منهما إلا أن نظرا إليها ببرود ثم اعتذرا لها على مضض  ورحلا ، وتقول صاحبتنا بأنها ترددت قبل أن تقدم على تلك الخطوة شأنها شأن الكثير ممن كان موجودا  وذلك خوفًا من ردة فعل الطرف الآخر ، و لأنها تخشى أن تتهم بمناهضة  الحرية الشخصية وحقوق الإنسان، وتجر على نفسها ويلات هي في غنى عنها .

 

لابد لنا جميعًا من معرفة كيفية التعايش مع الآخرين مع الثبات على هويتنا في ذات الوقت  ، ولابد أن نعرف كيف نوجد بيننا وبين الآخرين مساحات مشتركة من التفاهم على قيم يلتزم بها الجميع، مهما تباينت الأفكار والمعتقدات ولغة اللسان  ، ولابد أن تترجم الغيرة على الدين بسلوك إيجابي متزن ، نحتكم فيه  إلى لغة العقل والمنطق، بدلا من التشنج ورفع الأصوات واتهام الآخرين دون أي دليل  ، فديننا لن يحترمه الآخرون، ولن يفهموه بالتخويف والتهويل والمبارزة بعضلات اللسان  ، بل بالاستماع إلى الطرف الآخر ، وعدم مصادرة رأيه ، ومحاورته بالبراهين العلمية بلغة هادئة مقنعة  ، وذلك حتى نثبت أننا أمة متحضرة تعرف كيف يكون احترام الآخر ،  وكيف يكون في نفس الوقت الاعتزاز بالهوية والمجتمع والدين .

 

 

وحتى تتحول مواقفنا مع الطرف الآخر إلى مبادرات إيجابية ، لابد لنا من عدة أمور من أهمها :

 

 

1- الشحن الإيجابي للنفس بأننا نمتلك أفضل دين وأفضل منهاج للحياة ، وهذا يقودنا إلى نعتز بكل ما نؤمن به ، ولا نتأثر بما يقال عن الإسلام والمسلمين من اتهامات وتشويه  ،والذي جعل البعض يسعى إلى أن يتبرأ من أي صفة للالتزام حتى لا يتهم بالرجعية والتخلف والتطرف ، وحتى لا يحارب في رزقه وعمله كما حدث للبعض .

 

2- اكتساب ثقافة دينية كافية للتحاور مع الآخر  ، فلا يعقل لمن يريد أن يدافع عن دينه ألا يحفظ آية أو حديثًا ، ولا يعرف شيئًا عن الأحكام الشرعية أو السيرة النبوية أو الشبهات التي تدور حول الإسلام، وكيفية الرد عليها .

 

3- إتقان اللغة الأجنبية كوسيلة هامة للتواصل مع الآخرين ، فالكثيرون يحجمون عن الدخول في حوارات أو الرد على ما يكتب في المنتديات الأجنبية ،  وذلك بسبب عائق اللغة .

 

4- معرفة ما عند الآخرين من ثقافات وأفكار ، حتى نستطيع من خلالها مناقشة الآخرين ، والوصول معهم إلى ثوابت مشتركة في التعايش المطلوب .

 

5- معرفة أصول الحوار العقلاني الذي يعتمد على البرهان والحجة ، وعدم الانقياد وراء الاستفزاز، الذي يريد الآخرون أن يجرونا إليه ، كي نبدو بصورة الشخص الجاهل الأحمق ، ونتحول إلى أضحوكة يسخر منا العالم لسفاهة عقولنا وضعف مواقفنا ، بل لابد أن ندرِّب أنفسنا وأبنائنا على الجرأة في الحق ، والقوة في الحجة ، والحكمة في القول .

 

ولا بد قبل كل شيء من اليقين  بأن الله ..معنا .. واستشعار قوله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .

 

  • المصدر: موقع مركز الإمارات للدراسات و الإعلام.
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك