الحوار البناء في الاتصال التربوي بين المدرس والتلميذ

الحوار البناء في الاتصال التربوي

بين

المدرس والتلميذ

د –حسن الشارف

 

          تعد المدرسة المؤسسة الاجتماعية الثانية بعد الأسرة في رعاية رجل الغد وبناء جيل المستقبل حيث تقـوم بوظيفة التربية ونقـل الثقافة وتوفير الظــروف المناسبة للنمو جسميا وعــقليا وانفعاليا واجتماعيا، فضلا عن خلق علاقات تواصلية بين التلاميذ ومدرسيهم أو بين التلاميذ أنفسهم فيتوفـر لهم فيها فرص التواصل الذي يعتبر وسيلة من وسائل التربية وبدونه تفقد التربية قدرتها في تأدية رسالتها على الوجه الأكمل.
         ويعتبر الحوار من وسائل الاتصال الفعالة في أمور حياتنا المتعددة العائلية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية، وتزداد أهميته فــــي الجانب التربوي التعليمي ونقصد بـه" عملية نقل المعلومات والمعارف والخبرات والمهارات وشتى أنـواع السلوك من المعلم إلى المتعلــم بالطـريقة اللفـظية الشفوية أو الكتابية أو بأي طريقة أخرى بهدف إحداث تأثير في شخصية الفرد المتعلم"[1]
        والمتابع للشأن التـربوي التعليمي بمدارسنا المغربية سيلاحظ حتما غــياب التواصل التربوي التعليمي الفعال والإيجابي بين المـدرس والتلميذ بـل الأكثر مـن هـــذا يمكــن وصـف هذا النظام بالسلطوي القمعي يعـتمد علـى التسلط والقهـر والتخـويـف وفـرض الطاعة والاستبداد كـوسائـل أساسية لتعليم الفرد وتنشئته، فالكثير من المدرسين -مع الأسف- عند نقل معلوماتهم لمتعلميهم لايتقيدون بأصول الحوار البناء والموضوعي المتعارف عليها عند أهل العلم والأخلاق والتواصل اللغوي والفكري كـ" حسن اختيار الكلمات، واحترام الرأي الآخر، وحسن الاستماع والإنصات   وحرية التعبير، والهدوء وعدم التشنج في الطرح وعدم الصراخ وعلو الصوت وعدم التعالي   فغالبية أحاديثهم تطغى عليها العاطفة والتشنج بعيدة عن العقلانية أو التفاهم من أجل الاتفاق أو الوصول إلى نتائج ايجابية" فالعلاقة بين المعلم والتلميذ غالبا ما تنبني على التسلط والإجبار من جانب المعلم، والخوف والإذعان والاستسلام من جانب الطالب، حتى أصبحت مهمة كثير من المعلمين إنتاج متعلمين مدجنين غير قادرين على النقد والاعتراض والمناقشة"[2] في حين أن المدرس مطالب بتعويد تلاميذه على الحوار ثم الحوار فيما بينه وبينهم سواء تعلق الأمر بمادة التدريس أو بسلوك الأستاذ أو بسلوكات التلاميذ، كما أنه مطالب ببناء الثقة بالنفس لـدى متعلميه وبتمكينهم من إبداء آرائهم ومواقفهم وبتأسيس الجرأة على النقد.
   والحوارهو: نوع من الحديث بين شخصين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما حيث يتعاون المتحاوران على معرفة الحقيقة والتوصل إليها، ولا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب[3].
      ويعد الحوار من أحسن الوسائل الموصلة إلى الإقناع وتغيير الاتجاه الذي قد يدفع إلى تعديل السلوك إلى الحسن، وهذا يتحقق عن طريق الحوار الإيجابي الذي يتيح فرصة  لحل كثير مـــن المشكلات كـ"دعم النمو النفسي والتخفيف مـــن مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق.." بعيدا عن اللوم والحكرة والحكم المتسرع والتوجيه الجاف وغرس الكبت والعداء في نفوس التلاميذ.
    ولتعلم أخي المدرس أنّ الاختلاف بين البشر أمر وارد ولاسيما في المهن التي تتطلب توصيل معلومة معينة إلى أفراد أو جماعات كمهنتك فأنت يجب عليك أن تراعي مقتضى حال محاورك/تلميذك من جميع الجوانب النفسية والاقتصادية والصحية والعمرية والعلمية ومراعـــاة الفروق الفردية: فمنهم العبقري والذكي جدا والذكي ومتوسط الذكاء ومنخفض الذكاء والمتعثر، هـذا فضلا عن تمايز مواهبهم وسماتهم المختلفة، ولا تستقيم الحياة إلا بهذا الاختلاف "ولا يــزالون مختلفين إلا من رحم ربك,ولذلك خلقهم".
   إن المطلوب منك أن تكون منفتحا ومتفاعلا وفعالا مع كل هؤلاء الأفراد لاتتسم بالتسلط التربوي والميولات القمعية بل عليك أن تؤثر الحوار الجاد والبناء مع كل متعلميك بدون تعال، وتعامل معهم كشريك في العملية التعليمية لا كطرف تحت رحمة سلطتك القاهرة وأن تراعي في عملك الصفات التي تـؤهلك لتجري حوارا ناجحا مع تلامذتك، وضع في اعتبارك أنه كلما تحققت هذه الصفات في نفسك بصورة أكبر كلما كنت أنجح في الاتصال بتلاميذك، وبالخصوص في أبعادها الثلاثة:
*البعد الوجداني – البعد الغائب-: أن تكون صادقا، حنونا،  متفهما، مداعبا متحاورا.."
*البعد المعرفي أن تكون ملما بموضوع تخصصك، محبا للتعلم والتكوين المستمر، محبا للاستطلاع، *البعد التطبيقي أن تنقل معرفتك لتلامذتك، وتتعرف على مشاكل التعلم لديهم والبحث عن حلول لها، وأن تعتمد على طرائق ووسائل مختلفة في تدريسك.." حتى وإن كنا نعتمد طريقة الإلقاء، _وفيها يكون المدرس هو الملقي والمرسل للمعلومة والتلميذ هو المستقبل _ أثبتت فشلها وعدم إيفائها بالغرض من التعلم، وأن أفضل طريقة للتعلم هي الطريقة الحوارية التي يكون فيها التلميذ هو المصدر، يبحث عن المعلومة وما على المدرس سوى الاستماع وإدارة النقاش والتصحيح إذا وجدت بعض الأخطاء, ويكون دوره إدارة الحوار والمناقشة بين أفراد المجموعة الواحدة في الفصل، حتى يتم الانتهاء من الدرس. وتكون بعد ذلك الحلقة متصلة ومترابطة ومشوقة ينتظرها المتعلم بفارغ الصبر في  الحلقة القادمة.
    صحيح أن هذا الكلام نظري أكثر منه عملي, بمعنى أنه كلام جميل لكن يصعب تطبيقه في الواقع نظرا لكثرة المثبطات ولقلة الإمكانيات ول..لكن المطلوب من المعلم أن يحاول, وأن يبذل ما يستطيع, وأن يُسدِّد ويقارب, والله الموفق أولا وأخيرا.
  هذا فضلا عن بعض المهارات الأخلاقية التي يجب عليك أن تلتزم بها أثناء حوارك مع تلامذتك، وهي كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
   -الحلم والأناة والرفق: يعتبر الرفق واللين والرحمة والتسامح من أهم القواعد الأساسية في معاملة تلميذك والدخول إلى قلبه وكسبه والتأثير فيه.. وذلك لأن فطرة الإنسان وطبيعته تميل إلى حب الخير والفضيلة والرفق واللين والرحمة والتسامح...ولهذا تعتبر المعاملة الحسنة من الأساليب الإقناعية الناجحة لما لها من أثر جيد في لين الطرف الآخر وإقناعه فهي تدخل شغاف القلوب وترققها وتعمق المشاعر وترطب الفكر، وترخي السمع، وتشد الانتباه روي [4]عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه: أي عابه" فإذا لم يوافقك تلميذك على رأيك فلا تغضب، ولا تحاول أن تحمل تلميذك على ما تراه حقا وصوابا إذ "لا إكراه في الدين" فمن باب أولى أن لا يكون إكراه في وجهات نظر .
    -الاستماع الإيجابي لتلميذك: المتحدث البارع هو المستمع البارع، فأحسن الاستماع لتلميذك ولاتقاطعه، بل شجعه على الحديث كي يقابلك بالمثل، وأنصت إليه كما تحب أن ينصت إليك، وفي ذلك يقول الحكماء: "لكي تكون مهما..كن مهتما" وبراعة الإنصات تكون: بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وعدم الانشغال بتحضير الرد، وعدم الاستعجال بالرد قبل إتمام الفهم، ولا تستأثر بالكلام وتحرم الطرف الآخر منه قال أحد السلف: "إن الله خلق لي أذنين ولسانا واحدا كي أسمع أكثر مما أقول"[5].   
   -جامل تلميذك تحز قلبه: لا تباشر تلميذك بقولك:"أنت ما تفهم، أنت ثقيل الفهم، رأسك حجرأو مايقوم مقامها.. فإنه جرح للكبرياء، والتهمة بالغباء... والأستاذ المحاور المصلح لايكون قاسي القلب بل همه الإصلاح ما استطاع بدون  جرح، وجرح اللسان أقوى من جرح السنان، قال الشاعر:
               جراحات السنان لها التئام     //    ولا يلتام ما جرح اللسان
 "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" لهذا يجب عليك أن تحرص على انتقاء كلمات لطيفة مهذبة تحقق الهدف الذي تريد بدون أن تتسبب الأذى لتلميذك. فلتدع تلميذك يحتفظ بماء وجهه، ويكفيه خطاب نفسه بدلا من تقريعك، ولتلفت نظره إلى أخطائه من طرف خفي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينبه إلى خطأ ولم يشأ التصريح قال : "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا" وللتخطئة في حديث  التلميذ آداب "كأن يقول من يريد أن يذكر الخطأ الآتي:
    -إن كان تعليقي خطأ أرجو التصحيح لي.
    –اسمح لي أن أعلق.
    –من منا لا يخطئ وهنا حصل خطأ.
    –إذا كان كلامك غير ما تقصد فأرجو أن توضح لي.
     وعلى كل احرص على التلميح بدلا من المواجهة.
   
 -الاعتراف بالخطأ وعدم التعصب إن أخطأت: من أكبر درجات الشجاعة، ومن أسمى درجات الأخلاق أن تسلم بخطئك، أما أن تأخذك العزة بالإثم، وترفض التسليم بالخطأ رغم علمك به، فهذا من "صفات المنافقين" إن التسليم بالخطأ يكسبك احترام تلامذتك وتقديرهم، على عكس الإصرار على الخطأ الذي يفقدك احترام تلامذتك لك، كما يفقدك احترامك لنفسك واعلم أنك طالب حق، لا تتعصب لرأيك. فإذا حاورت تلميذك أو ناقشته ، فلا تتعصب، ودر مع الحق حيث دار.
 
   -لا ترفض جواب تلميذك من البداية باستعمالك "لا": إن من الأهمية بمكان عند بدء نقاشك أو حوارك مع تلميذك  تجنب كلمة "لا" " إن كلمة "لا" عقبة كؤود يصعب التغلب عليها، فمتى قال أحد "لا" أوجبت عليه كبرياؤه أن يظل مناصرا لنفسه. إن قول "لا" أكثر من مجرد التفوه بكلمة مكونة من حرفين، إن كيانه جميعا بغدده وأعصابه وعضلاته يتحفز ليناصره باتجاه الرفض"[6].
اترك تلميذك يردد كلمة "نعم"، ابدأ حديثك بأمثلة تحصل من ورائها على الإجابة بـ "نعم" بهذه الكلمة تساعد تلميذك على تقليل توتره، فإنك كلما جمعت حجما أكبر من الموافقة تكون قد هيأت الجو المناسب لنقاشك وحوارك ودرسك إن "نعم" كلمة سحرية تنزع سلاح  تلميذك، ابحث عن الفرص التي تستطيع أن تقول فيها "نعم" دون الحاجة إلى أن تقدم أي تنازل، كأن تقول مثلا: "نعم . لك الحق في ذلك" أو "أجل إني أتفق معك".... كرر كلمة "نعم" كلما استطعت.
 
    وخلاصة نقول: إن عصر المدرس- الأسد الذي كان يخشى التلاميذ زئيره، وترتعد فرائصهم عند ظهوره في الفصل والشارع، قد انتهى دون رجعة، كما أن نظامه التربوي غير التفاعلي "بيداغوجية الوعظ" (حسب رأي الدكتور: محمد اشتاتو) "– الإصغاء، الحفظ والتخزين، الانصياع، الببغاوية، الإرشاد –" التي اختزلت العملية التعليمية في السلطة القاهرة والحفظ والاستظهار في ما بعد كدليل على تعلمها قد انتهى أيضا. أما مدرس اليوم فعليه أن يجدد أسلوبه وأن يكون أنموذجا يحتذى به تلامذته في دينه وخلقه، وحسن سيرته وأخلاقه وأن لا يكون متسلطا ومتعاليا بل متفتحا ومنفتحا ومستعدا للحوار والنقاش وتقبل الرأي المخالف والمغاير وهذه هي السمات الحوارية المطلوبة منك. واعلم أن الخلافات التي تقع بينك وبين تلميذك لا تحلها إلا روح المحبة، وسبيل التأدب والملاطفة. لذا على المدرس إذا أراد النجاح عليه أن يعرف من أين تؤكل الكتف؟ وكيف نفتح مغاليق القلوب؟.
 

________________________________________
-تكنولوجيا التعليم المعاصر ، ربيع هادي مشعان ، ص 19مكتبة المجتمح العربي للنشر والتوزيع .[1]
-السلطوية في التربية العربية ، يزيد عيسى السورطى ، مجلة عالم المعرفة ع362 /س2009 ص55[2]
_ فنون الحوار والإقناع ، محمد راشد ديماس ، دار ابن حزم ، ص 11[3]
-_ فنون الحوار والإقناع ، محمد راشد ديماس ، ص 85 [4]
-فنون الحوار والإقناع ، محمد راشد ديماس ، ص 38[5]
- المصدرنفسه ، ص 164[6]

 

المصدر: http://www.assif.info/news/read/11534/

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك