صراع الحضارات .. نظرية مغرضة لتأصيل العداء

صراع الحضارات .. نظرية مغرضة لتأصيل العداء

 

أحمد أبو شنب

 

كثر الحديث فى الغرب عن صراع الحضارات، كتبرير وتأصيل لمواجهة الإسلام والمسلمين، ولإثبات العداء التاريخي بين أصحاب المناهج والحضارات، والمحاولة لإظهار استعلاء الفكر الغربي، بل السعي لفرضه وهيمنته، حيث يقول صامويل هانتنجتون: ''يعتبر التفاعل بين الإسلام والغرب صدام حضارات؛ إذ إن المواجهة التالية ستأتي حتماً من العالم الإسلامي، وستبدأ الموجة الكاسحة التي تمتد عبر الأمم الإسلامية من المغرب إلى باكستان التي تناضل من أجل نظام عالمي جديد''. وفى المقابل خرج البعض ينادي بحوار الحضارات لا بصراع الحضارات، وكان أشبه بمن يرفع غصن الزيتون فى مواجهة المدفع. ولا بأس بالدعوة للحوار، والمجادلة بالتى هي أحسن، وإظهار سماحة الإسلام، وتفنيد شبهات الأعداء والخصوم، لا معارضة بين ذلك وبين الخروج من الواقع السيئ، والثبات على معاني العقيدة.

وتوضيح مفهوم الولاء والبراء، والجنوح للسلم لا حرج فيه متى تحققت مصلحة الإسلام والمسلمين.. قال الله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) وقال سبحانه: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).

يقول الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة: إن الحضارات لا تتصارع، وإنما تتدافع وتتلاقح ويكمل بعضها بعضاً، وتتعاقب وتتواصل، لأنها خلاصة الفكر البشري والإبداع الإنساني وحركة التاريخ.. والتدافع الحضاري مفهوم قرآني، وهو جامع للمعاني والدلالات التي تؤكد بطلان نظرية صراع الحضارات من الأساس. يقول الله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، ويقول عز من قائل: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً). ويأمر الله عباده بالدفع بالتي هي أحسن في جميع الأحوال، في قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليًّ حميم)، ويقول عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن السيئةَ نحن أعلم بما يصفون).

ودفع الله الناس بعضهم ببعض يُلغي الصراع ويبطل زعمه، لأن هذا (الدفع) هو الذي يمنع فساد الأرض ويحول دونه. وينبغي أن نتنبه في هذا السياق إلى الفرق الدقيق بين (فساد الأرض) و(الفساد في الأرض)، فالمعنى الأول الوارد في الآية القرآنية الواحدة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة، ينصرف إلى فساد الأرض باختلال النظام الذي وضعه الخالق سبحانه لحياة البشر فوقها، الذي إذا اختل واضطرب، فسدت الأرض. وهذا مظهر من مظاهر الصراع، وهو الوضع الذي ينتج عن احتدام الصراع بين الحضارات والثقافات. أما المعنى الثاني وهو (الفساد في الأرض) فهو ينصرف إلى الفساد الذي ينتج عن أفعال البشر، وهو من طبائع الأشياء. وعلى هذا الأساس، فإن مصير الحضارات لم يكن عبر التاريخ كله، صراعاً وصداماً، ولكنه، من حيث الجوهر والعمق، كان تدافعاً، وكان دائماً وبصورة مطردة، يسير في الاتجاه الصاعد إلى ازدهار الحياة بتراكم العطاء الحضاري في مختلف مجالاته، وإلى الرقي بالإنسان الذي استخلفه في الأرض لعمارتها، بينما الصراع يتجه نحو الإفساد في الأرض.

الكلمة في مواجهة الكلمة

يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة: إن الكلمة قد تحسن فى مواجهة الكلمة.. وفى قتال الفتنة، ويجمل بالإنسان أن يكسر سيفه ويلزم بيته ويكون كخيريْ ابنيْ آدم، أما الكافر الصائل على المال والعرض والدين، فيجب دفعه بما أوتينا من قوة، ولا خلاف في ذلك، والاكتفاء بالتلويح بغصن الزيتون في وجه ذلك العدو الكافر مجافاة ومخالفة للشرع والعقل فى آن واحد، والتذرع بضعف الأمة لا يجعلنا نكرس للمزيد من الضعف بإبعاد الأمة عن عقيدتها وهويتها في التعليم والإعلام والخطاب الديني، بل الواجب الأخذ بأسباب القوة وإعداد العدة، وترك الذنوب والمعاصي التي تمكن بسببها الأعداء من رقابنا، والحرص على ترسيخ معانى الإيمان، قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

والرجوع إلى أولى الأمر من الأمراء والعلماء العاملين، من شأنه أن تتحقق به السياسة الشرعية التى تنقلنا من ضعف إلى قوة ومن قوة إلى قوة.. ومن الخطورة بمكان أن ندس الرؤوس فى الرمال، ونصنع صنع النعام، ونتجاهل صراع المناهج أو الصراع الأيديولوجي العقائدي، فهذه مغالطة للشرع والواقع والحق والحقيقة، وإلا بماذا نفسر ما حدث بين الأنبياء وأممهم.. قال تعالى (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون)، وقال سبحانه: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك)، وقال: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون).

وأضاف: إن قادة الفكر الغربي لا ينسون، أن الحضارة الإسلامية كانت هي الحضارة العالمية حتى القرن السابع عشر الميلادي. استمع إلى المستشرق اليهودي برنارد لويس وهو يقول في شيء من الشماتة: ظل الإسلام لقرون طويلة أعظم حضارة على وجه الأرض.. أغنى حضارة، وأقواها، وأكثرها إبداعا في كل حقل ذي بال من حقول الجهد البشري. ثم يمضي ليقول: ثم تغير كل شيء، فالمسلمون بدلاً من أن يغزو الدول المسيحية ويسيطروا عليها، صاروا هم الذين تغزوهم القوى المسيحية وتسيطر عليهم.

إن الترويج لفكرة صراع الحضارات أو صدامها، يخدم أغراض فئة من البشر تسعى إلى إحكام سيطرتها على مقاليد الأمور في العالم أجمع، وهي أغراض ليست بريئة، وليست لها صلة بالأهداف الإنسانية النبيلة التي تنبع من المبادئ والقيم الحضارية البانية للإنسان وللعمران وللحضارة.

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك