يا أبيض يا أسود
الدكتور محسن العبيدي
من المفارقات أن السبب في تطور البشرية هو إختلاف الآراء والحوار بشأنها حتى تتبلور الأفكار النيرة القادرة على إثراء الثقافة والتراث والعلم والدين حتى. لم تنجز الحضارة البشرية شيئا إلا بعد أن طرحت جانبا موضوع الفكر الأحادي والتقديس والتكفير وبعبارة أخرى أن يكون الشيئ أبيض أو أسود المنطقة الرمادية التي تنتج عن إختلاط الأبيض والأسود هو ما يجعل الحياة ممكنة والتقدم والتطور أمرا سهل المنال وليس من المحالات كما هو الحال في جميع بلداننا لا بل وان الفكر الأحادي القائم على تقسيم العالم إلى محوري الخير والشر هو ما يقود اليوم أمريكا إلى اكبر هزيمة تشهدها في تاريخها المعاصر وهو بالتالي سبب جميع هزائمنا عبر التاريخ .
ولكن ما معني الأبيض والأسود والرمادي ؟
إن من أهم الأشياء أن نؤمن أن لكل قصة جانب آخر غير الذي نراه فما يكون قبيحا من جانب يكون جميلا من جانب آخر وما يكرهه شخص يحبه آخر والحق عند شخص باطل عند آخر أي أن ليس هناك إتفاق بين الناس على شيئ واحد من كل الجوانب وبالتالي فمن المهم رؤية الجانب الآخر للأشياء في عين الشخص المقابل حتى لا نصاب بأحادية النظر في فكرنا وعقيدتنا وديننا حتى فنعتقد اننا على صواب طوال الوقت وكل من له راي مخالف هو غبي او مغرض وما الى ذلك من الافكار .
أول ما يلاحظ عند الشرقيين عامة والعرب خاصة أنهم اذا أحبو شخصا رفعوا شأنه حتى وصل الى درجة الإلوهية وإن كرهوا شخصا بطحوه أرضا حتى أصبح شرا من الديدان والحشرات دون أن يكون هناك أدنى اعتقاد بأن الشخص أي شخص لا يكون بالمطلق سيئا ولا بالمطلق خيرا بل أن كل إنسان هو خليط بين الاثنين وكذلك العقيدة والفكر وبالتالي فان الحكم على الشخص يجب ان يكون من زاوية معينة .
نظرة سريعة على أوضاعنا السياسية والفكرية والدينية والمقالات والكتاب ترينا كم نحن متمسكون بنظرية الأبيض والأسود فعندما يحكم على أي شخصية نأخذ هنا مثلا الشخصية الأكثر جدلا هذه الأيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين فمناصروه يجعلون منه قديسا ويصفونه بأمير المؤمنين والشهيد وكل الأوصاف التي لايعلوا عليها شيء ولا تليق إلا بكبار الصحابة ولا يذكرون إلا حسناته ومنها ضربه لإسرائيل وتبرعه بالأموال للفلسطينيين وبناء الطرق والجامعات وغير ذلك بينما لايذكر أعدائه سوى أن الرجل قاد نظاما قمعيا عبر عشرات السنين قتل فيه الآلاف وسجن الآلاف ودمر ثلاث دول هي العراق والكويت وإيران وقضى على اقتصاد العراق وجعل من عائلته إشراف العراق ومسكهم ناصية الشعب يفعلون به ما يشاءون دون حسيب او رقيب .
فهل هو شخص سيئ أم جيد؟؟ بطل أم خائن؟
الجواب هو كل ذلك معا فالرجل كانت له جوانبه القيادية الجيدة بينما كان جلادا وديكتاتورا في ذات الوقت. أفاد بعض الناس وأضر البعض الآخر أثرى أشخاصا وأفقر أشخاصا فهو ليس ملاكا وليس شيطانا هو إنسان أحبه عدة فنصروه وخلدوه، وكرهه البعض فعزلوه وقتلوه وكلاهما ينظر من وجهة نظر مصالحه فلا يمكن لمحبي صدام ان ينكروا حق ضحاياه في كرهه ولايمكن وصف كل من يكره صدام بالخائن والعميل الامريكي ولا يمكن لكارهيه ان ينكروا حق مؤيديه في النظر اليه كبطل وشهيد وغير ذلك ونعت كل محبيه بانهم اعداء الشعب العراقي .
أما ما نراه اليوم من خلاف بين المسلمين شيعة وسنة والتكفير المخجل من كلا الطرفين الذي يصل الى حد إهدار الدم وسب الأعراض من كلا الفريقين وادعاء كل منهم انه هو وحده يمثل الإسلام وان الفريق الآخر هو الكفر بعينه لا بل واشد من الكفر حتى يصل الامر الى الدعوة الى نصرة اليهود ضد الشيعة في لبنان والدعوة الى نصرة الامريكان ضد السنة في العراق فهو يدخل في نفس السياق، الشيعة يرون أنهم ينصرون أهل بيت الرسول (ص) ويطالبون بأن تكون الكلمة كلمتهم والسنة يرون أن أهل البيت هم جزء من صحابة الرسول (ص) وبالتالي فإن حرمتهم من حرمة الأصحاب وليس لهم فضل أعلى من ذلك.
فمن على حق ؟ أقول كلاهما على حق فذاك يريدها أن تكون امامة في بيت الرسول وذاك يريدها خلافة بين أصحاب الرسول المهم أن كلاهما يريد أن تكون راية الاسلام هي العليا فعلام التقاتل إذا؟
المصدر: http://msaffar.arabblogs.com/archive/2008/4/545993.html