تساؤلات أمريكية

تساؤلات أمريكية

أ.د/ صــــلاح الصــاوي

مقدمــــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلم يزل الحوار هو الأسلوب الحضاري الأمثل للتواصل بين الحضارات والثقافات؛ فعلى متنه تعبر المعلومة الصحيحة إلى الآخرين، وتشق طريقها إلى القلوب والعقول، ومن خلاله تقام الحجة، وتزال الشبهة، ويقف الناس على الحقائق مجردة، بعيدًا عن تشويه الشانئين، ومغالاة الجاهلين، وانتحالات المبطلين.
وفي هذه الرسالة مجموعة من الأسئلة تتنوع مجالاتها، وتتعدد مضامينها؛ ولكنها تجسد في نهاية المطاف مدى التجهيل والتشويه الذي أحكمته وسائل الإعلام وبعض الدراسات المغرضة حول الإسلام، كما تعكس الصورة الشائعة التي رسمت عن حضارته وتاريخه وأمته في أذهان الناس في هذا البلد!
وهذه الأسئلة ليست من وحي الخيال، ولكنها استقراء عملي أجرته بعض وسائل استطلاع الرأي في هذا البلد، لما تقاولت به الألسنة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ تلك الأحداث التي قذفت بالإسلام عقيدة وشريعة وتاريخًا إلى بؤرة التفكير لدى قطاعات عريضة من المثقفين وغير المثقفين في هذا البلد خاصة، وفي كثير من المجتمعات الغربية عامة.
أما الدراسة التي حولها، فقد تم إجراؤها على عجل؛ نظرًا لتلاحق الأحداث وسرعة إيقاعها، وعدم ملاءمة التريث الطويل الذي تقتضيه الدراسات الأكاديمية الموسعة؛ وقد كانت الإجابة على كثير منها من وحي الخاطر، في واقع قلَّت فيه المراجع، وتزاحمت فيه الشواغل والصوارف، على أمل أن تخص بدراسة موسعة في مستقبل الأيام إن امتد بنا الأجل، أو أن يهيئ الله لها من الباحثين النجباء من يشمِّر عن ساعد الجد، ويتولى الإجابة المفصلة الدقيقة عليها، في بيئة تتوافر فيها المراجع، ويجتمع فيها العقل والقلب والهمة على عمل أكاديمي موسع، يليق بالإسلام ومكانته في نفوس أبنائه والمتطلعين إلى هدايته بإذن الله.
هذا، ولا يخفى أن التساؤل حق لا ننكره على أحد، وأن الإجابة عليه واجب كفائي على الأمة، لا تبرأ الذمة إلا بأدائه؛ وإن من حق هذا المجتمع وقد أقمنا بين أظهره ردحًا من الزمن أن نجيب على تساؤلات أبنائه، وأن نصبر على تعنتات بعضهم، وإن كنا نرى أن الأغلبية - ولله الحمد - لا تحمل خصومة شخصية للحق، ولا تشن الغارة على دعاته.
وإن كان من كلمة بين يدي الإجابة على هذه التساؤلات، فإنها نصيحة إلى كل من يقف على هذه الوريقات من الأمريكيين أو من غيرهم أن يجعل الحق رائده، وأن يجعل الإصغاء إلى صوته ديدنه، وأن يدرك أن من يغلق عينيه دون النور فإنما يضير نفسه ولا يضير النور! فما يضر الحقيقة الساطعة أن يجحد ضياءها معاند أو مراغم، كما لا يضر الشمس الساطعة أن ينكر وجودها مكابر، وقد خرج كثير من الناس من هذه الدنيا بسعي حابط وعمر ضائع، وهم الآن تحت الجنادل والتراب، ولو كنا منهم حيث نسمع أو نرى لآسفتنا الحسرة التي تعتصر قلوبهم على ما تولى من أعمارهم! ولأذهلتنا استماتتهم في أن يرجعوا ليستعتبوا ويتداركوا شيئًا مما فاتهم، ولكن هيهات هيهات!
قال تعالى: •                            [المؤمنون: 99 – 100].
وأخيرا، فإنه لا يخفى على القارئ المسلم أن هذه الإجابات وما ورد في بعضها من ترخصات أو توسعات يجب أن تقرأ في سياقها زمانًا ومكانًا وملابسات ومخاطبين، فإن اقتطاعها عن هذا السياق ظلم لها، وظلم لكاتبها، وظلم للحقيقة المجردة! فلم تجتمع الهمة فيها على ترجيح في مسألة خلافية، ولم ينعقد العزم فيها على توجيه أو اختيار في قضية اجتهادية؛ فإن هذا مما يخرج بمثل هذا المشروع عن مضمونه، وينأى به عن غايته، وما ذكر في بعضها من توسعات لا يعدو أن يكون تسجيلاً لواقع، واستقراء لإجتهادات؛ ولا يعني ذلك بالضرورة توثيقها أو اعتمادها جميعًا من قبل الكاتب. فأرجو أن تقرأ في هذا الإطار؛ حتى لا تفتح الذريعة إلى جدل يوغر الصدور، أو إلى إشاعة ما تلقي به الفتن في بعض النفوس من هواجس وظنون! في واقع نحن أحوج ما نكون فيه إلى الائتلاف وإصلاح ذات البين!
والله أسأل أن ينفع بهذه الوريقات، وأن يفتح لها القلوب والعقول، وأن يزيل بها الغشاوة والحجب، وأن يجعلها ذخرًا لنا في معادنا، وتبرئة لذمتنا من إثم الكتمان أو التقصير في البلاغ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
أ.د/ صــــلاح الصــاوي
ميرلانــد فـي 19/2/1423 هـ - 1/5/2002م

سؤالات حول الإسلام
 1 - ما هو الإسلام؟ وكيف يصبح المرء مسلمًا؟
أصل هذه الكلمة من الاستسلام لله تعالى بتوحيده واتباع رسله، وهو بهذا المعنى دين الرسل جميعًا، فما أرسل الله من رسول إلا ليقول لقومه: اعبدوا الله وحده، وأطيعوني فيما أبلغكم عنه، وهذا هو الإسلام العام الذي جاء به الرسل جميعًا.
قال تعالى:              
[الأنبياء: 25].
وقال تعالى:                                
[آل عمران: 64].
والإسلام الذي جاء به النبي لم يخرج عن هذا المعنى العام، فهو عبادة الله وحده، واتباع النبي محمد في كل ما جاء به من الدين، إلا أن رسالته قد نسخت ما قبلها من الرسالات، فلا يقبل الله من أحد من الناس بعد بعثته دينًا إلا الإسلام
قال تعالى:  •                           (آل عمران: 19).
وقال تعالى:               
( آل عمران: 85 ).
ويصبح المرء مسلمًا بالشهادة لله بالوحدانية، ولمحمد  بالرسالة، والبراءة من كل دين يخالف دين الإسلام، وللإسلام خمسة أركان: الشهادتان، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج للمستطيع.

 2 - ما هو الاختلاف بين المسلمين وبين الإسلام؟
الإسلام هو ما أوحى به الله تعالى إلى نبيه محمد  من الدين، شريعة وعقيدة، وهو محفوظ بحفظ الله له؛ ولكن المسلمين بشر من البشر، منهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات بإذن الله؛ وأعمال المسلمين ليست حجة على الإسلام؛ لأنه لا عصمة لأحد بعد النبي ، فإن كل الناس بعده يؤخذ من قوله ويترك، وهذا المعنى متفق عليه بين أهل الملل كلها.
إن تصرفات النصارى لا تحسب على المسيح - عليه السلام - ولا على النصرانية الحقة قبل أن تحرف أو تنسخ، وإن انحرافات بعض رجال الكنيسة لا تحسب بالضرورة على الكنيسة المعاصرة ذاتها، ما دامت الكنيسة تنكر عليهم هذه الأعمال ولا تقرهم عليها؛ فما نسمعه يوميًّا من أخبار حول انحرافات بعض رجال الكنيسة وفضائحهم الجنسية لا يجب أن يحمل على النصرانية الحقة، ولا على المسيح وتلاميذه الأوائل باعتبارهم التجسيد الصحيح للمسيحية.
 3- لماذا يجب أن تكون عربيًّا، وأن تتعلم اللغة العربية لتكون مسلمًا؟
لا يشترط أن تكون عربي الجنس حتى تكون مسلمًا، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين؛ فالإسلام رحمة الله للعالمين، ورسالته إلى أهل الأرض أجمعين
قال تعالى:¬   •     •                 •      •   ( الأعراف: 158)،
وقال تعالى:       ( الأنبياء: 107 ).
وقال : (( وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ))، وقد دخل فيه من الفرس والروم ما لا يحصى من البشر، ودخل فيه في أيامنا هذه من الأمريكيين والأوربيين خلق كثير، ولم يشترط عليهم أن يلبسوا الثياب العربية، ولا أن يحملوا الجنسية العربية، ليكونوا مسلمين (! ) ولكن يلزم كل مسلم أن يتعلم من العربية ما تصح به صلاته، ويندب له أن يتوسع في دراستها ليتمكن من التعرف على الإسلام من مصادره الأصيلة.
 4- لماذا يعبد المسلمون الله ولا يعبدون الرب؟
الرب والإله اسمان يدلان على مسمى واحد. قال تعالى:                      ( الأنعام: 102 )، وقال تعالى:                  ( الشورى: 10 )، وقال تعالى:    ••   ••   ••  ( الناس: 1-3 )،
وإن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة، بل إن لله من الأسماء ما يزيد على ذلك، وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى؛ وإنما يدل على جلال وجهه وعظيم شأنه وسلطانه - عز وجل
 5 - ماذا يعني المسلمون بكل من الشريعة والفقه؟ وهل هناك اختلاف بين التعبيرين؟
الشريعة في الأصل كل ما شرعه الله لعباده من الدين؛ سواء أكان في باب العبادات، أم المعاملات، أم الأخلاق؛ ثم خصها أهل العلم بالأحكام العملية، أي ما يقابل الأحكام الاعتقادية.
ومثل ذلك الفقه، فقد كان في الأصل يشمل الأحكام الإسلامية كلها؛ عملية كانت، أو اعتقادية، حتى كتب أبو حنيفة في الاعتقاد كتاب (الفقه الأكبر)؛ ولكن أهل العلم خصوه بالأحكام الشرعية العملية، أي ما يقابل الأحكام الاعتقادية.
وعلى هذا، فالشريعة والفقه في اصطلاح أهل العلم مترادفان؛ سواء من حيث شمولهما لجميع أحكام الدين في الأصل، أو بعد الاصطلاح على تخصيصهما بالأحكام الشرعية العملية، أي ما يقابل الأحكام الاعتقادية.
ثم اصطلح بعض المعاصرين على تفرقة أخرى؛ فخصوا الشريعة بالأحكام القطعية، والفقه بالأحكام الظنية أو الاجتهادية. وأيًّا كان الأمر فهذه تفرقة اصطلاحية بحتة، بعد الاتفاق على أن في الأحكام الشرعية ما هو قطعي ومنها ما هو ظني؛ سواء أطلقت على كل منهما الفقه أو الشريعة، أو خصصت القطعية باسم الشريعة، والظنية باسم الفقه.
 6 - ما الحقوق التي يؤكّدها الإسلام لجميع البشر؟
لقد جاءت الشريعة بحفظ خمس كليات، ودارت حول تحقيقها وصيانتها جميع ما جاءت به من الشرائع والتكاليف؛ وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وهذه الكليات الخمس تعد مقاصد الأحكام في الشريعة.
لقد جاءت الشريعة بحفظ الدين:
فحفظت الشريعة للإنسان حقه في الاختيار:
عندما أعلنت أنه:        ••    ، وقد نزلت هذه الآية عندما همَّ بعض الأنصار الذين تهود أبناؤهم أن يكرهوهم على قبول الإسلام، وكان منهم من يجادل في ذلك ويقول: (( يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟! ))، ومع ذلك نزل النص صريحًا وقاطعًا في النهي عن الإكراه في الدين. وعندما أوجبت قتال من عتدون على هذا الحق، ويصادرون على الإنسان حقه في الاختيار، في مثل قوله تعالى:
                  (الأنفال: 39 ).
وعندما قررت لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حقوقهم الكاملة في تركهم وما يدينون، وفي حرية أدائهم لشعائرهم والتحاكم في مسائل الأحوال الشخصية إلى شرائعهم، وهو أمر لم تبلغه أكثر الدول تحضرًا ودفاعًا عن حقوق الإنسان في هذا القرن!
- وحفظت للدين حرمته في قلوب العباد: عندما أوجبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لتمنع العابثين الذي يشيعون في الأرض الفساد، وينتهكون حرمات الله، وعندما جعلت على رأس المهمات المنوطة بالأمة حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف هذه الأمة، إلى غير ذلك من منظومة الأحكام التي تهدف في نهاية المطاف إلى حفظ الدين ولقد جاءت الشريعة بحفظ النفس: وذلك عندما حرمت العدوان عليها بغير حق، وقررت على ذلك ما قررت من العقوبات الرادعة، وهي حرمة لا تبدأ من الولادة فحسب، بل تحوط الحياة البشرية بسياج قوي من الحماية، وهي لم تزل في عالم الرحم، فحرمت الإجهاض وقررت عليه عقوبات رادعة. وعندما قررت كفالة الضرورات الحياتية للإنسان طعامًا وكساء ودواء، وجعلت ذلك من فروض الكفاية التي تأثم الأمة كلها إذا لم تقم به على وجهه، وعندما حرمت الانتحار وجعلت عقوبته الخلود الأبدي في النار، إلى غير ذلك من منظومة الأحكام التي تهدف في نهاية المطاف إلى حفظ النفس.- ولقد جاءت الشريعة بحفظ المال: عندما حضت على استثماره، وحرمت اكتنازه، وحرمت الاعتداء عليه بغير حق، وقررت أنه لا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما كان عن طيب نفس منه، وعندما قررت عقوبات حدية موجعة على السرقة والحرابة، وعقوبات تعزيرية تترك لتقدير السلطات المختصة في الدولة الإسلامية على سائر صور الاعتداء الأخرى على المال، إلى غير ذلك من منظومة الأحكام التي تهدف في نهاية المطاف إلى حفظ المال.-
ولقد جاءت الشريعة بحفظ العقل:
عندما حرمت الخمر وسائر المسكرات والمفترات بيعًا، وشراء، وتعاطيًا؛ حتى لعنت في الخمر عشرة، ولم تكتف بمجرد لعنة الساقي والمتعاطي، بل شملت البائع والمشتري والحامل لها والمحمولة إليه. . إلخ، وعندما أوجبت عقوبات حدية وتعزيرية على هذه المحرمات لتردع بسطوة العقوبة من لم يرتدع بوازع الدين والخلق والمروءة! ولقد جاءت الشريعة بحفظ العرض والنسل عندما حرمت الزنا، والشذوذ بجميع صوره، وحرمت القذف، ونهت عن إشاعة الفاحشة في المجتمع، وقررت على ذلك ما قررت من العقوبات الغليظة، وعندما سدت الذرائع إلى الفاحشة بما قررته من الحض على الزواج وتيسير أسبابه، وتحريم التبرج والاختلاط الفاحش والخلوة بالأجنبية، إلى غير ذلك من منظومة الأحكام التي تهدف في نهاية المطاف إلى حفظ العرض والنسل.
ومن تأمل جميع الأحكام الشرعية يجد أنها تحقق هذه المقاصد ابتداء، أو تحرسها وتحافظ عليها دوامًا، وللمقاصد دورها المهم في الاجتهاد والاستنباط، بحيث إذا تعارض اجتهاد جزئي مع مقصود كلي قدم المقصود الكلي على الاجتهاد الجزئي، ولم تكتف الشريعة بجعل هذه الكليات حقوقًا للإنسان، بل رفعتها إلى مصاف الفرائض، بل إلى مصاف الحرمات، التي ليس لأحد المساس بها بحال من الأحوال.

 7 - المسلمون في أمريكا يزعمون أن لهم نفس الحقوق التي للأمريكان الآخرين؛ كيف يزعمون ذلك وما هم إلا مهاجرون جدد، ولم يتعاونوا في بناء هذا البلد مع الآخرين؟
أنتم أعرف بقوانين بلادكم، وبما تعارف عليه العالم أجمع في ظل ما يرفعه من شعارات الديمقراطية والمساواة وحقوق المواطنة؛ فقد اصطلحت الدول على أن من يحملون جنسيتها يتمتعون بنفس الحقوق، لم تفرق في هذا إلا في بعض الحقوق السياسية التي اشترطت لممارستها بعض الشروط الخاصة.
إن الجنسية لا تمنح لمقيم في هذا البلد إلا بعد مضي مدة قانونية بعينها تراجع فيها سيرته الشخصية، ومدى التزامه بالقوانين السارية، وخاصة ما تعلق منها بالجانب المالي، ويكون في هذه الفترة قد بذل من الخدمة لهذا البلد ما يؤهله لكي تمنح له جنسيته.
ومن ناحية أخرى فإن هذا المجتمع لم يبن إلا على أكتاف المهاجرين، لقد استطاع أن يستنزف خبرات وعقول العالم أجمع، وأن يبني بها حضارته المعاصرة، وما طلاب الدراسات العليا إلا خير مثال على ذلك؛ إنه يستقدم أكفأ الطلاب في مختلف التخصصات، ويحل بهم مشكلاته العلمية، ويدربهم على تقنية ليس لها نظير في الغالب في مجتمعاتهم؛ فيكون هو وحده الذي تفرد بحصاد عقولهم وخبراتهم في هذه الفترة، فإذا عاد هؤلاء إلى مجتمعاتهم الأصلية كانوا مجرد موظفين تقليديين؛ لأن مجتمعاتهم لا عهد لها بالخبرة التي اكتسبوها، ولا بالتقنية التي تعودوا عليها.
 8 - كل شيء يفعله أو يعتقده المسلمون غريب جدًّا بالنسبة لنا (الأمريكان): طريقة أكلهم، ولبسهم، وتكلمهم، وعقيدتهم، وشريعتهم ..... غريبة جدًّا لبلد هويته اليهودية والنصرانية!
ماذا يقصد بالغرابة؟هل هي مخالفة ما عليه سائر المجتمع في هذه المسائل؟إن ذلك إن وجد - وهو ليس موجودًا بهذا الإطلاق الوارد في السؤال؛ لأن المسلمين بشر من البشر، لكن ما يوجد من الاختلاف في بعض الأمور الحياتية - فهو أمر طبيعي مرده إلى اختلاف الدين. إن المسلمين مثلاً لا يشربون الخمر، ولا يأكلون لحم الخنزير، ولا يتخذون العشيقات، ولا يقبلون نساءهم في الشوارع العامة، ولا يذهبون إلى الملاهي الليلية، ولا يأكلون الربا، ولا يقامرون، وإن نساءهم مأمورات بتغطية أجسادهم وألا يخادنَّ الرجال، ومن خالف منهم في ذلك فهو آثم وموضع سخط الله تعالى وغضبه؛ إنهم أصحاب دين، وهم يتصرفون بما يوجبه عليهم من شرائع وأحكام، وما ينبغي لهم مخالفته وما يستطيعون؛ فما الذي يضيرك من هذا كله؟
ومن ناحية أخرى: ما الذي يضير المجتمع الأمريكي من هذه المخالفة، وهي مسائل شخصية بحتة لا مساس لها بالآخرين؟أليس من حق المواطن الأمريكي عامة - مسلمًا كان أو غير مسلم - أن يباشر أموره الحياتية على النحو الذي يرى صوابه ما دام لم يعتد في ذلك على أحد، ولم يتدخل بذلك في حرية أحد؟أليس آكد ما يزهو به المجتمع الأمريكي على الدنيا أنه مجتمع الحريات، واحترام الخصوصيات؛ فلماذا ضاقت هذه الحرية بما ألفه المسلمون في طريقة حياتهم، وأسلوب معاشهم، وهي - كما سبق - مسائل شخصية بحتة لا مساس لها بالآخرين ؟!
إن الأصل أن يباشر المسلم أموره الحياتية في طعامه وشرابه ولباسه على هدي من سنة نبيه ؛ وشريعة الإسلام شريعة كاملة، وقد شملت بأحكامها جميع شؤون الحياة؛ علم ذلك من علم، وجهله من جهل، وهدي إلى الاستقامة عليه من هدي، وأفك عنه من أفك! وقد يخطئ بعض المسلمين في شيء من ذلك، فيخلطون بين ما كان من قبيل العادة وما كان من قبيل العبادة، وقد يتشددون في بعض المواضع تشددًا لا يوافقهم عليه أهل العلم، فيكون المخطئ وحده هو المسؤول عن هذا الخطأ، ولا علاقة لخطئه بالشريعة.
والعجيب أن يرى بعض الأمريكان أن تصرفات عباد الشيطان تصرفات طبيعية ولا تثير غرابتهم، ويرى تصرفات الشواذ جنسيًّا؛ سواء أكانوا من النساء، أم من الرجال تصرفات طبيعية، ويسبغون عليها الشرعية، وتنادي بعض طوائفهم بحق هؤلاء في أن تدخل ميولهم الجنسية في نسيج البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع الأمريكي، وأن يقبل بها الشعور الاجتماعي العام، ويعقدون لذلك برامج وندوات تليفزيونية مطولة يستمع إليها الملايين؛ ولكنهم تضيق صدورهم ببعض السلوكيات الشخصية البحتة التي يقوم بها بعض المسلمين انطلاقًا مما يعتقدون أنه صواب، وأنه منقول عن نبيهم ، والتي لا مساس لها بالآخرين ؟!
أما كون هذا البلد هويته يهودية أو نصرانية، فهذا البلد كما هو معلوم للناس كافة يعلن دستوره العلمانية، ويفصل بين الدين والدولة، ويرى جميع الملل في حقوق المواطنة سواء.
 9 - ما الفرق بين ((التطرف)) و ((الأصولية))؟
التطرف في لغة العرب يقابل التوسط والاعتدال؛ فهو إذن يصدق على التسيب كما يصدق على المغالاة، فإذا كانت حقائق الدين في الوسط، فإن المغالاة في فهمها والتكلف في تطبيقها يمثل أحد جانبي التطرف، كما أن المغالاة في تجاهلها والمبالغة في محاربتها تمثل الجانب الآخر من التطرف، وهو التطرف العلماني الذي تجاهله كثيرون، وهو لا يقل في خطورته وفتكه بالمجتمعات من الأول. ولعل السبب في تجاهل كثير من الكتاب المعاصرين لهذا النوع من التطرف، وقصر حديثهم على تطرف الغلو ربما لأن النوع الآخر لا يثير حساسية المجتمع ولا قلق الدولة!
ولا يخفى من صيغة السؤال وسياقه أن المقصود في السؤال إنما هو تطرف الغلو، والغلو في الدين - كما هو معلوم بالبداهة - مذموم ومنهي عنه، فقد حذر منه النبي ، وبين أنه علة من علل التدين في جميع الأمم. قال : (( إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ))، وقد نهى النبي من أراد من أصحابه أن ينقطع للتبتل فيصوم ولا يفطر، أو يقوم ولا يرقد، أو يمتنع عن الزواج، وبيَّن لهم أن هذا مخالف لهديه وسنته . ويقابل التطرف - كما سبق - التوسط والاعتدال،
وهو الأصل في ملة الإسلام، قال تعالى:  •     ••      ( البقرة: 143 ).
أما الأصولية فإن أصول الفقه في المصطلح الإسلامي علم من أهم علوم الشريعة، وهو العلم الذي يُعلِّم الفقيه القواعد التي تمكنه من استنباط الأحكام العملية من الأدلة، وتحول بينه وبين الخلل في الاستنباط. وهو من مفاخر العلوم في الشريعة، وهو يشبه من بعض جوانبه علم المنطق الذي يقول دارسوه أنه يعصم العقل من الخطأ في التفكير.
فالبَوْن بين التطرف والأصولية بون شاسع، والمسافة بينهما كالمسافة بين المشرق والمغرب، والعلاقة بينهما علاقة تناقض؛ لأن التطرف مرده إلى التخبط في الفهم، وتعلم الأصول من بين الضوابط التي تمنع هذا التخبط، فتحول دون التطرف وتقضي على جذوره وأسبابه.
 10 - هل يوجد عندكم اصطلاح الفن الإسلامي والعادات والتقاليد؟
الفنون الإسلامية فنون عريقة، وكل ما عرفه العالم من الفنون يمكن أن يكون فنونًا إسلامية إذا تقيد بضوابط الخلق، ولم يصبح وسيلة من وسائل التدمير الخلقي أو الاجتماعي؛ فهناك الأدب شعرًا ونثرًا، وهنالك الأناشيد والموشحات، وهنالك القصة بأنواعها، وهنالك العمارة الإسلامية، وهكذا سائر ما اصطلح العالم على أنه من الفنون الراقية التي لا تدمر الخلق أو الدين! بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون الرقص فنًّا إسلاميًّا! ولا أن تكون الكهانة، أو العرافة، أو السحر، والشعوذة، فنونًا إسلامية!
أما العادات والتقاليد فما من أمة من الأمم إلا ولها عاداتها وتقاليدها، والمسلمون أمة من الأمم؛ فلماذا لا يكون لهم كذلك عاداتهم وتقاليدهم ؟! إلا أن العرف عامة منه الصحيح ومنه الفاسد، ومنه ما يحمد ومنه ما يذم؛ فهو بمثابة مقياس الحرارة الذي يعكس حرارة الإيمان في المجتمعات، فإن كانت الأمة في عافية من أمر دينها كانت أعرافها صالحة محمودة، وفي حالات التراجع الإيماني يصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وتسود المفاهيم المغلوطة والسلوكيات الهابطة، فتنشر معها أعراف باطلة، وعادات مقبوحة مذمومة.
هذا، وإن العرف الصحيح مصدر من مصادر الاستنباط في الشريعة، وهو يدرس في علم أصول الفقه؛ ومن الشائع على ألسنة الأصوليين: العادة محكمة، والعرف متبع، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، وتغير الفتوى بتغير الأعراف والأزمنة والأمكنة، وهكذا. . ولعلماء المسلمين بحوث نفيسة جدًّا في العرف ودوره في استنباط الأحكام، ولا أحسب أنك تجد نظيرًا لذلك بهذا المستوى من النضج والشموخ لدى أمة من الأمم!
 11 - لماذا يوجد في المسلمين فقراء كثيرون والمسلمون مأمورون بدفع (1/40) من أموالهم للزكاة؟
مرد ذلك الخلل إلى جملة من الأسباب، منها:
- تقصير بعض المسلمين في القيام بهذه الفريضة، ومنع ما افترضه الله عليهم في أموالهم.
- سوء إدارة أموال الزكاة وسوء توزيعها؛ وذلك لعدم تطبيق الشريعة في معظم بلاد العالم الإسلامي، إذ الأصل في الأموال الظاهرة في الزكاة أنها تجبى من قبل الدولة في المجتمع الإسلامي، وأن تتولى المؤسسات الرسمية للزكاة جباية هذه الأموال من أهلها وإنفاقها على أهلها، والدولة من خلال آلياتها الإدارية أقدر على تنظيم هذه المسائل؛ لكن - كما لا يخفى - الشريعة محجوبة عن التطبيق منذ ما يزيد على مائة سنة في العالم الإسلامي.
وعلى هذا فإن مرد هذا الخلل في الجملة: إما إلى خلل في جباية الزكاة، أو خلل في توزيعها، وقد وعد الله - عز وجل - من يقيمون شريعة الله بالرغد وسعة العيش،
فقال تعالى:   •                ( المائدة: 66 )، وقال تعالى:     •      ( الجن: 16، 17).
وتوعد الله من يمنعون الزكاة بالقحط والجفاف، فقال : ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا )).
 12 - إذا كان الإسلام يعطي الحرية للإيمان؛ فلماذا يجب عليك إذا كنت مسلمًا أن تتقيد بفعل أشياء مخصوصة؟
إن الحرية إنما تكون في مبدأ الدخول في الدين؛ فلغير المسلم الحق كل الحق في أن يختار الدين الذي يشاء، على أن يتحمل وحده تبعة هذا الاختيار، فإذا ما اختار أن يكون مسلمًا توجه الخطاب إليه بشرائع الإسلام، وهذا تمامًا كما تقول: إن لك الحق في أن تقبل التجنس بالجنسية الأمريكية أو ترفض، فإذا قبلت أصبحت مخاطبًا بالقانون الأمريكي، وتسري عليك نصوصه الآمرة والمكملة.
ومن ناحية أخرى؛ فما أعجب هذا السؤال؟هل تعني الحرية التفلت من كل قيد، والتحلل من كل رباط ؟! ألا يلتزم الناس في أمريكا بالدستور والقانون؟وألا يلتزمون بإشارات المرور، وبقوانين الضرائب وقوانين الهجرة والجنسية، وغير ذلك من سائر القوانين؟هل يوجد نظام في العالم بلا أمر ونهي؟هل يوجد في الدنيا كلها دين سماوي أو غير سماوي بلا حلال ولا حرام؟أحسب أن هذا مما قال عنه النظار مما يغني فساده عن إفساده، وبطلانه عن إبطاله! !

 13 - لماذا نجد الإسلام صعبًا جدًّا حتى يجب عليك أن تصلي خمس مرات في اليوم؟
ليس في الأمر صعوبة كما تتوهم، فمن الناحية الموضوعية البحتة أن الوقت الذي تستغرقه هذه الصلوات لا يزيد في المتوسط على ساعة في اليوم والليلة، ولا يشترط أن تؤدى في المسجد، بل الأرض كلها مسجد وطهور، لا يستثنى من ذلك إلا المقبرة والحمام؛ فحيثما أدركت المسلم الصلاة شرع له أن يصلي، ولا يلزمه أن تكون الصلاة في المسجد إلا صلاة الجمعة. هذا فضلاً عن الرخص التي قررتها الشريعة لأصحاب الأعذار من الجمع والقصر ونحوه؛ فقد أباحت للمسافر القصر والجمع، فالرباعية تكون ركعتين، ومع الجمع فإن الأوقات تصبح ثلاثًا؛ فكأنه يصلي ثلاث مرات فقط، والحائض والنفساء وضع عنهما الصوم والصلاة أثناء الحيض، ولا يصح منهما ذلك ولو قامتا به، وعليهما قضاء ما فاتهما من الصوم فقط.
ومن ناحية أخرى فإن هذا الذي تراه صعبًا يستمتع به المؤمنون، وهو أطيب على نفوسهم من كثير من ملذات الدنيا التي تعيش لها الكثرة الكاثرة في هذا المجتمع، ويركضون وراء سرابها، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل اقتناصها، وقد كان النبي  يقول: ((جُعِلت قرة عيني في الصلاة))، وكان يقول: ((أرحنا بها يا بلال)).
 14 - إذا كان الإسلام دين يسر؛ فلماذا يؤمر المسلمون بأن يقتلوا أنفسهم جوعًا في شهر رمضان؟
إن الصيام لا يقتل أحدًا، بل قد يكون سببًا من أسباب الصحة والعافية؛ ألم يبلغك ما أجمع عليه المشتغلون بالطب من أن المعدة بيت الداء، وأنه ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه؛ وهو نفس ما جاء به رسول الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان ؟! ألم تتابع آخر الأبحاث العلمية حول الفوائد الطبية للصيام، وهي البحوث التي خرجت من بين أظهركم، وأجراها أعلام الطب في مجتمعكم ؟!
ولو بلغ الأمر بالصائم هذا المبلغ لمرض أو لاعتلال عام في الصحة بسبب الشيخوخة ونحوه فإنه يمنع من الصوم، ومن بدهيات الشريعة أن السفر والمرض والهرم من الأعذار المبيحة للفطر، وأنه ليس من البر الصيام في السفر، وأن الحيض والنفاس من موانع الصوم؛ فلو صامت الحائض أو النفساء فإنها تأثم وصيامها باطل، والقاعدة العامة: (( إذا ضاق الأمر اتسع )).
والعجيب أن يقال هذا في بلد يكاد يقتل كثير من أبنائه أنفسهم في سبيل الرجيم والرشاقة وتجنب التخمة، فإن دعوا إلى شيء من ذلك باسم الله صاحوا وولولوا، وملئوا الدنيا ضجيجًا حول القسوة في الأحكام، والصرامة في التكاليف! !
 15 - لماذا يحرم على المسلمين أكل لحم الخنـزير وشرب الخمر؟
أريد أن أقول لك أولاً: إن لحم الخنزير محرم في شرائع النصارى كذلك، وما شاع من استباحته لا يعكس كلمة الله التي أوحى بها إلى المسيح - عليه السلام - فتحريم الخنزير مشترك إيماني بين المسلمين والنصارى، ولترجع في ذلك إلى الأمناء من أهل ملتك، وستعرف مصداق ذلك عندما يرجع المسيح آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير!
هذا، ولم يرد في الشريعة تعليل خاص لتحريم لحم الخنزير كما ورد في تحريم الخمر والميسر مثلاً، وإنما يدخل في إطار التعليل العام باعتباره من الخبائث التي حرمها الله تعالى على هذه الأمة، كما قال تعالى:        ( الأعراف: 157 )،
والخبائث كل ما فيه فساد للحياة الإنسانية، صحيًّا أو ماليًّا أو خلقيًّا، وقد أثبتت الاكتشافات الطبية طرفًا من هذه الحكمة عندما اكتشفت أن الخنزير يتولد من لحمه في جسم الإنسان الذي يأكله دودة خطرة توجد بذرتها في لحم الخنزير، وتنشب في أمعاء الإنسان بصورة قابلة للطرح بالعلاجات الطاردة لديدان الأمعاء، بل تتجه إلى القلب، ثم تنشب في العضلات، وخاصة في الصدر والجنب والحنجرة والحجاب الحاجز وغيره، وتبقى أجنتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة، ولا يرد القول بأنه إذا أمكن توفير بيئة مناسبة كفيلة بالقضاء على جرثومة هذه الآفة لانتفت علة التحريم؛ وذلك لأننا لا نجزم بانحصار العلة في ذلك فحسب، فقد يكتشف العلم غدًا ما لم يكن في حسبانه اليوم، كما أن هذه الدودة نفسها قبل اكتشافه لها لم تكن في حسبانه. وهب أنه قد تحقق ذلك على مستوى بعض الحواضر المتقدمة؛ فهل يتسنى تحقيقه على مستوى العالم كله على اختلاف مستوياته وتفاوت أهله ثقافة ووعيًا وإمكانات ووسائل ؟! والشريعة السماوية الخاتمة التي تمثل كلمة الله الأخيرة يجب أن تكون عامة لجميع الأمم وفي جميع الظروف والأحوال.
أما بالنسبة لشرب الخمر فقد علمت جناية الخمر على البشرية؛ ولعلك تذكر أن الولايات المتحدة حاولت أن تحرم الخمر رسميًّا، وأصدرت في ذلك قانونًا، وظلت تقاوم في سبيل المحافظة عليه خمسة عشر عامًا، وإن كانت قد عجزت في النهاية. لقد اتفق عقلاء العالم على أضرار الخمور، وأنها أشد فتكًا بالبشرية من التدخين على سبيل المثال، ويتمنون اليوم الذي يستريح فيه العالم من شرورها. إن هذا مما يحسب للإسلام ولا يحسب عليه!
 16 - أليست عبادة الكعبة والحجر الأسود تجعل المسلمين مشركين؟
المسلمون لا يعبدون الكعبة ولا يعبدون الحجر الأسود؛ وإنما يعبدون الله وحده، وعندما يطوفون بالكعبة أو يقبلون الحجر الأسود فإنهم يفعلون ذلك طاعة لله - عز وجل - واتباعًا لأمره، فإن الله هو الذي تعبدهم بذلك، والمسلمون جميعًا يعتقدون ما قاله عمر عندما قبل الحجر الأسود: ´أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله  يقبلك ما قبلتك`.
 17 - ما رأي الإسلام في فعل قوم لوط؟لماذا يقتل فاعله في الشريعة الإسلامية؟
الشذوذ الجنسي جريمة في جميع الملل، وينبغي أن تكون محرمة في جميع الشرائع؛ دينية كانت، أو مدنية، وقد دمر الله على قرى سدوم بسبب هذه الفاحشة، وقد أخبر نبينا أنه إذا ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، وقد رأينا مصداق ذلك في الإيدز وغيره من الأمراض الجديدة والمستعصية.
والخلاصة: أن الشذوذ جريمة في حق البشرية، يعرضها للفناء، وفي حق الرسالات السماوية التي أجمعت على تحريمه وعقوبة فاعله، وهو انتكاس للفطرة الإنسانية، التي اتفقت على قبحه، ويجب على المجتمع - مدنيًّا كان أو دينيًّا - أن يحول بينهم وبين هذه الفاحشة، كما يحال بين المنتحر وبين الانتحار!

 18 - لماذا يقر الإسلام بعقوبة الإعدام؟
ابتداء لا يقرر الإسلام عقوبة الإعدام إلا في الجرائم الكبرى التي يؤدي التساهل معها إلى إشاعة الخراب والدمار، وتقويض الأمن والسلام الاجتماعي: كالقتل العمد والعدوان، أو الحرابة وهي السرقة بالإكراه تحت تهديد السلاح على وجه يتعذر معه الغوث؛ ومن أهل العلم من يقيد القتل في هذه الصورة بما إذا أسفر عنها قتل المعتدى عليه وليس مجرد السرقة، أو الزنا من المحصن الذي سبق له الزواج وثبتت عليه الجريمة بوسائل الإثبات الخاصة بها، وهي بالغة التعقيد والصعوبة، وهو منهج آتى أكله طيبة بإذن ربه، وقد تمثل ذلك في صورة الأمن المدهش، الذي ترفُل في حلله المجتمعات التي تقيم الشريعة، وتتفيأ ظلاله، ولا شك أن هذا يذكر للإسلام ويعد من مناقبه، ولا ينبغي أن يعير به أو أن يحسب عليه.
أليس عجبًا أن تذرف دموعك أسفًا على القاتل المتعمد، وتتجاهل ضحيته وهي تتشحط في دمائها؟!
ومن ناحية أخرى فإن الأصل في العقوبات الأساسية في الشريعة، ومنها عقوبة الإعدام أنها لا تكون إلا بوحي من الله تعالى؛ فهو وحده الذي خلق هذا الكون، وهو وحده الذي تفرد بحق هدايته وحق بيان التكاليف والشرائع الواجبة عليه، وإذا كان ذلك كذلك فلا وجه للاعتراض بالنسبة لعقوبة الإعدام؛ لأن الله هو الذي منح هذه الحياة، وهو الذي يقرر متى تستحق أن تنتهي، وما هي الجرائم التي تستوجب ذلك. إن هذا السؤال إنما يرد على الوضعيين الذين يشرعون العقوبات من قبل أنفسهم، فيرد عليهم أنكم لم تمنحوا الإنسان الحياة؛ فكيف يحق لكم أن تسلبوها منه ؟!
 19 - ما الفرق بين السني والشيعي؟
السني هو الذي يعتقد أن الطريق لاختيار الإمامة العظمى هو الاختيار بواسطة أهل الحل والعقد في جماعة المسلمين، وعلى هذا فهو يوقر صحابة النبي ، ويعتقد صحة ما أجمعوا عليه من إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بعد موت النبي ، أما الشيعة فهم طوائف، وأظهرهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، وهم السواد الأعظم من أهل إيران، وهؤلاء يرون أن الإمامة تكون بالنص كالنبوة، وأن النبي قد نص على إمامة عليّ من بعده، وأن الصحابة على مخالفة ذلك فيقعون فيهم، ولا يعتقدون بصحة إمامة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، ولهم شذوذاتهم الأخرى الاعتقادية والعملية.
 20- هل يختلف السنيون والرافضة في مسائل الدين؟
توجد بعض الاختلافات: كاختلافهم حول قضية الإمامة، وموقف الفريقين من الصحابة، وبعض المسائل الأخرى، منها ما يتعلق بالأصول، ومنها ما يتعلق بالفروع.
 21 - لماذا لا يفرق الإسلام بين الدين والسياسة؟
لأنه يعتقد أن الأمر كله لله، كما يعتقد أن الخلق كله لله، قال تعالى:
           ( الأعراف: 54 )، فالذي تفرد بخلق هذا الكون تفرد بحق هدايته وتوجيه الخطاب الملزم إليه؛ ولأن الإسلام ليس عقيدة فحسب، ولكنه عقيدة وشريعة، وقد غطى بتكاليفه جميع شؤون الحياة؛ ولأن الإسلام هو الاستسلام المطلق لله وحده، فمن أبى أن يستسلم له أو استسلم له ولغيره لم يكن مسلمًا؛ ولأن المسلم يؤمن بأن حكم الله أحسن وأحكم وأعدل، فالإنسان عندما يشرع قد يجور على فئة لحساب أخرى؛ لكن شريعة الله منزهة عن ذلك، قال تعالى:
  •           ( المائدة: 50 ).
 22- لماذا يصعب علينا (الأمريكان) أن نعرف متى أعياد المسلمين، عندما نسأل تتعدد الأجوبة؟
هذا من التوسعة في دين الإسلام؛ لأن قضية إثبات دخول الشهر تتنازعها مدارس فقهية مختلفة؛ فمن الناس من يأخذ بوحدة المطالع، ويعتقد أنه متى رؤى الهلال في أي بلد من بلاد المسلمين فقد ثبت حكمه بالنسبة لسائر المسلمين، ومنهم من يرى أن لكل إقليم رؤية، ومن الناس من يعتمد في ثبوت الهلال على المشاهدة وهم الكثرة الكاثرة، ومنهم من يعتمد على الحساب وهم قلة، وإن كانت آخذة في الازدياد، ومنهم من يمزج بين الموقفين فيأخذ بالحساب في حالة النفي ولا يأخذ به في حالة الإثبات، ومن أجل هذا تعددت المواقف؛ ولكنه اختلاف لا يقتضي عداوة، ولا يؤدي إلى خصومات.
 23 - من يختار إمام المجتمع الإسلامي؟
إن كنت تقصد إمام الجالية فإن أهل الحل والعقد في الجالية هم الذين يختارون هذا الإمام، وفق الشروط الشرعية العامة التي تؤهله للقيام بمهام هذا المنصب، من العلم بالقرآن الكريم، والعلم بالسنة المطهرة، والعلم بالفقه الإسلامي، وسائر ما يلزم لمهام هذا المنصب من العلوم الشرعية، هذا بالإضافة إلى استقامة الخلق، وسلامة السيرة، وتمتعه بالقبول العام من الجالية، ويقصد بأهل الحل والعقد الذين يفزع إليهم في المهمات والمصالح العامة في الجالية ممن عرفوا بالاستقامة وحسن الديانة.
 24 - كيف يمكن لأحد أن يصير إمامًا؟
بالتخصص في دراسة العلوم الشرعية اللازمة لهذا المنصب، وبقبول الجالية له، وموافقتها على تعيينه.
 25 - هل يجوز للمرأة أن تكون إمامة؟
الأصل أن الإمامة للرجال، وأن إمامة النساء إنما تكون في مجامع النساء.
 26 - من له الرخصة بالإفتاء؟وهل الإفتاء دور الإمام؟
الفتوى هي معرفة الواجب في الواقع، وهي تقتضي ما يلي:
- علمًا بالشريعة يبلغ بصاحبه في الأصل مبلغ الاجتهاد؛ فالأصل أن تناط الفتوى بالمجتهد، فإن عدم المجتهد اعتبر الأمثل فالأمثل، ومنصب الاجتهاد من أرفع المناصب في الشريعة، وهو لا يكون إلا لمن توافرت فيه شروط الاجتهاد من العلم بالقرآن، والسنة، واللغة العربية، وقواعد الأصول، والناسخ والمنسوخ، والإجماع والاختلاف، فضلاً عن الإلمام بمقاصد الشريعة.
- كما تقتضي الفتوى علمًا بالواقع الذي تطبق فيه الفتوى؛ لأن بعض الأحكام يتغير بتغير الزمان والمكان والمخاطبين، ومن جهل زمانه وواقع المستفتي، وما احتف به من الظروف والملابسات، فليس أهلاً للإفتاء.
 27 - لماذا لا نجد حكومات ديمقراطية في كثير من بلاد الإسلام؟
لأنها حكومات علمانية، وهم يعلمون أن الديمقراطية ستنتهي بهم إلى تحكيم الشريعة، وهم لها كارهون!
 28 - ما المراد بكلمة ((دولة مسلمة))؟
الدولة الإسلامية هي الدولة التي يجتمع أهلها على الإسلام، وتستمد قانونها من الشريعة الإسلامية، وهذا لا يعني أنها دولة دينية بالمفهوم الغربي لهذا التعبير ( الثيوقراطية )، أي تلك التي ينفرد بالحكم فيها رجال الدين، ويصبحون المصدر الأساسي للتشريع؛ فما يحلونه في الأرض فهو محلول في السماوات، وما يربطونه في الأرض فهو مربوط في السماوات، بل إن هذا المعنى يعد في نظر الإسلام من قبيل الوثنية السياسية؛ لأن الحق في التحليل والتحريم والتشريع المطلق لا يكون إلا لله - جل وعلا - فلا يملك بشر كائنًا من كان أن يحل حرامًا أو أن يحرم حلالاً؛ ولأن النظرية الإسلامية تفرق بين مصدر النظام القانوني ومصدر السلطة السياسية، فالنظام القانوني مصدره الشريعة، والنظام السياسي مصدره الأمة في إطار سيادة الشريعة. وعلى هذا فالدولة المسلمة دولة مدنية كغيرها من الدول، والناس فيها بشر من البشر، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ لكن الذي يميزها هو التزامها بسيادة الشريعة وتطبيقها لأحكامها، وهذا الذي يضفي على عهودها والتزاماتها ومواقفها الثبات والصدق والعدل والنزاهة، فهي لا تعرف النفاق السياسي الذي يجعل كثيًرا من الأنظمة العلمانية تتلون كما تتلون الأفعى، ولا يعرف الميكافلية التي تزعم أن الغاية تبرر الوسيلة، فتستحل من أجل مصالحها جميع الحرمات، بلا حريجة من دين أو خلق، ولا تعرف ازدواجية المعايير التي أصبحت البصمة المميزة للسياسة والساسة في أكثر الدول تقدمًا وتحضرًا ومدنية؛ لأنها تقرأ في كتابها:
        ••      •      • •       ••    ( المطففين: 1 – 6 )؛
ولهذا فإن من الخير للمجتمع الدولي عامة، وللدول الغربية خاصة أن تتعامل مع هذا النموذج من الدول والنظم فتريح وتستريح!

 29- ما معنى كلمة (( أمة )) (أي الأمة الإسلامية)؟
الأمة الإسلامية تعبير يشمل المسلمين جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، وهذه هي أمة الإجابة، أما أمة الدعوة فهي العالم كله على امتداد أطرافه، فإن رسالة الإسلام ليست إلى العرب وحدهم، وإنما هي رحمة الله إلى العالمين.
 30 - لماذا لا نرى معاونة المسلمين في الأحداث. .. لا نرى إلا معاونة النصارى؟
أحيانا لا يرى الإنسان إلا ما يحب أن يراه فحسب، فيعيش حياته داخل سياج من الوهم! تنسجه له وساوسه، وتحكم رتاج أبوابه عليه ظنونه، فتنأى به عن الواقع، وتسبح به في بحار من الخيال!.
أعتقد أن هذا التصوير غير دقيق، فقد كان للمسلمين ولا يزالون إسهامات فاعلة في هذا المجال، وما جاء منهم مسؤول إلا وبذل من التبرعات والإسهامات والمجاملات المادية والمعنوية ما لم يعد خافيًا على أحد، وليس من خلق أهل الإسلام الشماتة في أحد، ولا الحسد أو الحقد على أحد، ولا قبض اليد عن إغاثة ملهوف أو مكروب، وقد كانت النجدة والشهامة صفات مميزة للعرب في زمان الجاهلية؛ فكيف وقد أكرمهم الله بالإسلام؟!
ولكن دعني أسألك سؤالاً آخر: لماذا هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في أجهزة الإعلام منذ الحادي عشر من سبتمبر؟ألا يستفز هذا الشعور الإسلامي؛ سواء في داخل الولايات المتحدة، أو في خارجها؟ما الذي تتوقعه عندما تهاجم مقدسات أمة من الأمم، وتصورها في صورة السفاكين والقتلة؛ هل تتوقع أن تحييك وأن تتسابق إلى تقديم القهوة لك؟!
هذا واقع أليم، وهو مشجوب ومدان من المسلمين كافة، ومرده إلى أمرين:
الدسائس والمؤامرات التي ينسجها بعض صناع القرار في المحيط الدولي، تؤدي إلى تسعير هذه الحروب، فإن لهم – كما لا يخفى - مصلحة في هذا الاقتتال.
الحكومات العلمانية التي لا تنطلق في سياساتها من هدي الشريعة؛ لأن الإسلام يحرم الاقتتال بين المسلمين، ويقرر أن العبد لا يزال في فسحة من
دينه ما لم يصب دمًا حرامًا، فقد قال تعالى:
     •            ( النساء: 93 )،
وقال : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ))، وقد كان مما ذكره النبي  في خطبة الوداع: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض )).
 32 - الدليل على أن الإسلام دين عنف أنه انتشر بالسيف (! ).
- لم ينتشر الإسلام بالسيف، وهذه من أغاليط بعض المستشرقين، والدليل على ذلك من القرآن قول الله - جل وعلا -:        ••     (البقرة: 256 )، ومن الواقع التاريخي بقاء غير المسلمين في مجتمعات المسلمين منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا.
- وإن من البدهيات التي يقر بها العقلاء قاطبة أن السيف قد يقهر الجسد، ولكنه لا يغرس في القلب غراس الإيمان، ولا يفتحه لنوره؛ وما عسى أن يفعل الإسلام – لو صحت هذه الدعوى وهي غير صحيحة - بمن قهرهم بسيفه فدخلوا فيه كارهين مرغمين ؟! إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا كانوا مع الشانئين والحاقدين والماقتين! وهل يزيد هؤلاء عن كونهم حفنة من المنافقين لا يحملون له ولاء، ولا يمتون لأهله بآصرة، ولا يعول عليهم لا في استصلاح دنيا ولا في إقامة دين! أليس بمثل هؤلاء تهدم الحضارات وتخرب الممالك ؟!
 33 - ما المنافع التي يعطيني إياها الإسلام كشخص يعيش في الغرب؟
يعطيك السكينة والسعادة المفقودة، يمنحك السلام مع النفس ومع المجتمع من حولك، يجنبك القلق والآلام النفسية التي تمخضت عنها الحضارة المادية، وقبل هذا كله يحول بينك وبين غمرات جهنم، ويمنحك الخلود الأبدي في الجنة.

 34 - ما الفرق بين ((أمة الإسلام)) و(جماعة فرخان) وبين الإسلام؟
جماعة فرخان لها شذوذات اعتقاديه كثيرة، ولا يزال أمامهم الكثير مما يجب تعلمه عن الإسلام، وهم أقرب إلى أن يكونوا حركة اجتماعية من كونهم حركة دينية، بالإضافة إلى كونهم أقلية لا يمثلون إلا شريحة محدودة جدًّا من المنتسبين الجدد إلى الإسلام في هذا البلد؛ ولعل مرد كثير من هذا الخلل إلى ما تعرضوا له من قهر واضطهاد في المجتمع الأمريكي طوال الحقبة الماضية، ولا يزال الدعاة والمصلحون يجتهدون في مد جسور الحوار والدعوة معهم، وإن يعلم الله في قلوبهم خيرًا يهدهم سبله، ويردهم إليه ردًّا جميلاً، ولا شك أن مجموعة لويس فرخان أبعد عن الصواب في الجملة من جماعة وارث الدين.

أسئلة حول أحداث 11 سبتمبر
 35 - كيف كان رد فعل المسلمين في أمريكا وفي أنحاء العالم حول أحداث 11 سبتمبر؟
يعتقد المسلمون أن ما وقع على أرض الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر منكر وعدوان، لا يحل لمسلم أن يشترك في مثله، ولا أن يعين عليه؛ لما يتضمنه من قتل بغير حق، ونقض لعقود الأمان، ولما تتضمنه مآلاته من مفاسد راجحة تنال الجهة التي تولت كبره أيًّا كانت هويتها أو ديانتها.
كما يعتقدون أن ما تقوم به حكومة الولايات المتحدة كرد فعل لهذا العدوان من هجوم على أفغانستان واستعداد للهجوم على مناطق أخرى في بلاد الإسلام منكر وعدوان؛ لما يتضمنه من تسويغ الانتقام بالظنة، ومقابلة الخطيئة بخطيئة أفدح، وإشاعة الخراب والدمار بمجرد شكوك وتخرصات، ولا يحل لمسلم أن يشارك في هذا العدوان، ولا أن يعين عليه؛ سواء كان على أرض الولايات المتحدة، أو كان خارجها.
وإن إدانة المسلم للعدوان، أيًّا كانت الجهة التي تولت كبره، لا ينطلق من منطلقات نفعية أو من عصبية لقوم أو جنس؛ وإنما هو الموقف العقدي الثابت، الذي يحمل المسلم دائمًا على أن يكون قائمًا لله بالقسط، ولو كان ذلك على نفسه أو الوالدين أو الأقربين.
 36 - لماذا المسلمون يكرهون شعب أمريكا وحكومته الديمقراطية ؟!
إن المسلمين يرون للشعب الأمريكي خصوصية دون غيره من بقية الشعوب، فهم يرونه من ألين الشعوب عريكة، وأقلها تعصبًا، وأرجاها لقبول الدعوة إلى الله عندما تعرض عليهم بعيدًا عن التزييف والتشويه؛ ولكن المشكلة إنما تكمن فيمن يوجهون القرار السياسي داخل الولايات المتحدة، ويجلسون وراء الكواليس ليعبثوا بمقدرات الأمم والشعوب، وهؤلاء قد لا يكونون الحكام الفعليين، وإنما بعض القوى السياسية الخفية التي لا عمل لها إلا الإفساد والتخريب، وعندما تستجيب السياسة الأمريكية لضغوط هؤلاء، وتمارس التطفيف السياسي، فما تعلنه في مكان تمارس نقيضه في مكان آخر، وتمارس فرض الهيمنة الأمريكية على العالم باسم العولمة، أو حماية المصالح الأمريكية، وتتخذ من آلة الحرب المتوافرة لديها سبيلاً إلى فرض هذا العدوان، وتطبيع التعايش معه عنوة؛ فلا شك أنها بهذا تدفع الناس إلى بغضها، وهو موقف ليس خاصًّا بالعرب ولا بالمسلمين وحدهم، بل سيشمل قَطعًا كل الأمم والشعوب التي تتطلع إلى الحق والعدل والتوازن في العلاقات الدولية، وإننا نقول للساسة في الولايات المتحدة: إن الظلم يخرب الممالك، ويسقط الدول، ويقوض الحضارات، وكم سقطت من حضارات، وتقوضت من عروش، بسبب البغي الذي جرت سنة الله بتعجيل العقوبة لأصحابه في الدنيا، فضلاً عن ما ينتظرهم من العقاب في الآخرة، وندعوهم إلى وقفة مراجعة مع النفس؛ فليس من مصالح شعوبهم التضحية بمليار ونصف من المسلمين من أجل بضعة ملايين من الصهاينة.
 37 - لماذا نجد برامج كثيرة على التلفاز تمثل بغض المسلمين للغرب؟
بل إن نقيض ذلك هو الصحيح، فالإعلام في هذا المجتمع وغيره من المجتمعات الغربية هو الذي يفيض حقدًا على الإسلام، وعداوة للمسلمين، والمسلمون لا يبغضون أرضًا بعينها لذاتها، فإن البلاد بلاد الله، وقد قال تعالى:     ( الرحمن: 10 )،
والأرض - كل الأرض - تسبح بحمد الله، غربها وشرقها في ذلك سواء، ولا يبغضون شعوبًا بأعينها لذاتها؛ لأن هؤلاء جميعًا أمة الدعوة التي يحرص المسلم على أن تصلها كلمة الله، وأن يخرجها بها من الظلمات إلى النور؛ وإنما يبغضون المظالم والابتزاز، ويكرهون الاستطالة على الحقوق، والتطفيف في المعايير والموازين، ومصادرة إرادات الأمم والشعوب. هذا الذي يكرهه المسلمون في الغرب، بل ويكرهه كل إنسان غير مغلوب على عقله في هذه الدنيا، وهم يكرهونه من أي جهة تقوم به أيًّا كان موقعها في مشرق أو مغرب.
 38 - ما كان الرد المفروض على أحداث 11 سبتمبر؟
التحري الدقيق لمعرفة المسؤول عن هذه الأحداث، ومعاقبته وحده بما يستحق، من خلال جهات تحقيق وقضاء محايدة.

39 - ما أفضل حل للعراق؟
قضية العراق قضية صنعتها السياسة الأمريكية؛ لتبرر بها وجود قواعدها العسكرية في الشرق، واستنزافها لمقدرات شعوبه. لو أرادت الولايات المتحدة أن تقضي على صدَّام شخصيًّا ما أعجزها ذلك، ولكنها تود لو تقيم له تمثالاً من ذهب (! ) لأنه قدم لها من الخدمات ما لا يخطر لها على بال، والآن هي تقتل بالمقاطعة شعب العراق وأطفال العراق بلا جريرة، بينما ينعم صدَّام على كرسيه بما كان ينعم به من قبل دون أن تمس مخصاصاته بسوء؛ أتظن أن أحدًا في الأرض يقدر على تسويغ ذلك وتبريره ؟!
وإذا كان الساسة في هذه البلاد يتحدثون عما يملكه العراق من أسلحة الدمار الشامل، فإن إسرائيل تملك أضعاف ذلك، تحت سمع وبصر ومباركة الولايات المتحدة ودعم كامل منها؛ فلماذا التطفيف والازدواجية في المعايير؟إما أن يتفق العالم على تدمير وإزالة أسلحة الدمار الشامل من الجميع، أو أن يخلي بينها وبين الجميع، أو التناقض والظلم الصارخ الذي لا تصلح به دنيا، ولا تقام على مثله ممالك أو حضارات!
 40 - هل يعتبر المسلمون أنفسهم أمريكان أولاً أم مسلمين؟
الأصل عدم التعارض لانفكاك الجهة، فالرجل ينتسب إلى دولة من الدول باعتبار حمله لجنسيتها، أو إقامته على أرضها، وينتسب إلى دين من الأديان لاعتقاده بصحته، وإيمانه بكتابه وبرسوله، فإن سئل مسلم عن دينه أجاب بأنه مسلم، وإذا سئل عن جنسيته أو بلد إقامته أجاب بأنه أمريكي أو بريطاني أو فرنسي أو مصري أو شامي. . . إلخ، والأرض قد وضعها الله للأنام، وأولى الناس بوراثتها هم الصالحون من عباد الله.
أما إذا أبيت إلا افتراض التعارض فهم مسلمون أولاً، فإذا حرم الإسلام على المسلم عملاً من الأعمال وأحلته له الشرائع البشرية فهو مع منهج الله - عز وجل -، ولا يزال يعتقد تحريمه وإن أحله له أهل الأرض قاطبة، وإذا كان الدستور الأمريكي يجعل من مبادئه الأساسية حرية التدين والعدالة والمساواة، فإن معنى هذا أنه لا ينبغي أن يظلم عنده أحد، ولا أن يحمل أحد على خلاف ما يعتقد، ولا ينبغي أن ينشأ تعارض بين الأمرين.
 41 - هل المسلمون في أمريكا مستعدون بأن يقاتلوا أعداء أمريكا؟
المسلمون يقاتلون في سبيل الله؛ دفاعًا عن الحق، ونصرة للمستضعفين، وانتصارًا للمظلومين والمضطهدين؛ ولذلك فهم على استعداد للمشاركة في القتال عندما يكون هذا القتال مشروعًا، لا يدفع إليه الاغترار بالقوة، أو الرغبة الآثمة في إذلال الآخرين!
 42 - ماذا عن الجماعات الإسلامية التي تقتل المدنيين في إسرائيل؟
لماذا تحتل إسرائيل أرض فلسطين؟وتشرد شعبًا بأكمله؟وتقضي عليه بأن يعيش في المنفى والشتات ؟!
إن المشكلة تكمن في أنكم تقرون بشرعية العدوان، والعدوان لا ينشئ حقًّا؛ وتعترفون بحق إسرائيل في اغتصاب الأراضي الفلسطينية، والغصب مدان في جميع الشرائع، وإن بقي الغاصب على غصبه مئات السنين؛ وتعتبرون من يقيمون من الصهاينة الغاصبين فوق الأراضي الفلسطينية أبرياء، لهم الحق في الأمن؛ وهم في نظر الفلسطينيين لصوص وقطاع طرق، ومحتلون وغاصبون، وليس لأحد منهم شرعية وجود، ولا حق في الإقامة الآمنة في ممتلكات الآخرين.
 43- لماذا يعتقد المسلمون أنهم سوف يفوزون الجنة بعملياتهم الانتحارية؟
العمليات التي يضحي فيها المقاتل بنفسه من أجل النكاية في عدوه لها صورتان:
الأولى: أن تكون دفعًا لصائل، أو دفاعًا مشروعًا عن النفس والعرض والأرض ضد محتل أو غاصب، فهي حينئذ عمليات استشهادية، وهي من جنس الجهاد المشروع في سبيل الله تعالى، على ألا تتقصد ابتداءً النساء أو الأطفال أو الشيوخ، وسائر من لا يطيقون القتال، فإن أصيبوا عرضًا، أو لضرورات قتالية فحسابهم على الله.
وفي صحيح مسلم بشرح النووي باب: ( الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قُتل دون ماله فهو شهيد ).
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟قَالَ: (( فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ )). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟قَالَ: (( قَاتِلْهُ )). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟قَالَ: (( فَأَنْتَ شَهِيدٌ )). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟قَالَ: (( هُوَ فِي النّارِ )).
وقَال رَسُولَ اللّهِ : (( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ )).
الثانية: أن تكون بغيًا وعدوانًا ودفاعًا عن باطل، أو سخطة على القدر، وجزعًا لما أصاب إنسانًا من البلاء، فهي حينئذ انتحار يوجب لصاحبه الخلود في النار، قال : ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسّاهُ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدّى فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا مُخَلّدًا فِيهَا أَبَدًا)) ( متفق عليه ).
ومن ناحية أخرى فإن هذا الموقف لم ينفرد به الإسلام، ولم تتفرد به القيادات الإسلامية، بل صرح به كثير من أساقفة الكنيسة المصرية.
ففي مؤتمر نصرة القضية الفلسطينية الذي أقامه بابا الكنيسة الأرثوذكسية المصرية شنودة الثالث نشر هذا الخبر في جريدة الوطن.
(( لقد ظهر رأي كبار قساوسة مصر جليًّا في المؤتمر حين حرصوا على تأكيد تأييدهم ((للعمليات الاستشهادية الفلسطينية )) ضد الإسرائيليين باعتبارها وسيلة لتحرير وطنهم، ووصل الأمر بالبعض إلى مقارنة شهداء هذه العمليات بالشهداء الأوائل من أتباع عيسى - عليه السلام - الذين دافعوا عن ( وطنهم ) وعقيدتهم بالشهادة. وكان رأي العديد من رجال الدين الأقباط مؤيدًا للعمليات عمومًا ضد الإسرائيليين؛ سواء كانوا عسكريين، أو مستوطنين؛ لأنهم في النهاية (( قتلة ومغتصبون)).
ويقول الأنبا يوحنا قلته - معاون بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر - في المؤتمر نفسه: إن العمليات الاستشهادية الفلسطينية تشبه ما جاء في كتاب (( مدينة الله )) للقديس أغطانيوس، والذي اعتبر أي حرب هي جهاد، تستعمل فيه كل الوسائل طالما هو دفاع عن الوطن والعقيدة.
ولقد انتقد القمص - مرقص عزيز - راعي الكنيسة المعلقة الأرثوذكسية، في ذات المؤتمر وصف كل من الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للأعمال الاستشهادية الفلسطينية بأنها إرهاب قائلاً: (( هذا كلام مرفوض تمامًا؛ لأن الفدائيين أبطال )).
ويقول الأنبا بسنتي - أسقف مدينتي حلوان والمعصرة جنوب القاهرة -:(( العمليات الفدائية التي يقوم بها الفلسطينيون: محبة في الله )).
واعتبر أن تفجير الإنسان نفسه هو أسمي شيء، خصوصًا أنه يعرف أنه يقتل نفسه من أجل الآخرين، وهدفه هو تحرير وطنه، وأضاف: (( إن الاستشهادي يسمو بجسده، وهو يعلم أنه سيموت من أجل مبدأ )).
ولم يعتبر - الأنبا بسنتي - العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد مدنيين إسرائيليين إرهابًا أو جرمًا أو انتحارًا؛ لأن الفلسطيني الذي يفجر نفسه في المدنيين الإسرائيليين (( لا يستطيع أن يقوم بعملية ضد العسكريين المدججين بالسلاح، بالإضافة إلى أن كل إسرائيلي يعد هدفًا حربيًّا مشروعًا ما دام أنه يحتل أرض فلسطين )).
 44- لماذا يطلب الوالدان من أبنائهما أن يقدموا أنفسهم للعمليات الانتحارية ( في إسرائيل ) لكي يدخلوا الجنة؟
العجيب أنكم تنقمون على الضحية ولا تنقمون على الذابح! تلومون القتيل على نزف شرايينه، وحشرجة صدره إذا بلغت روحه الحلقوم، وترون هذا إزعاجًا للقتلة، وتعكيرًا لأنسهم، وتكديرًا لصفو مشاعرهم! !
يا من يعاتب مذبوحًا على دمه
ونزف شريانه ما أسهل العتبا

من جرب الكي لا ينسى مواجعه
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا

حبل الفجيعة ملفوف على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقًا إذا اضطربا

هذا هو مثلكم بالضبط عندما تلومون العزل الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق، وحطمت عظامهم بالدبابات والمجنزرات، ووقفوا بصدورهم العارية يواجهون آلة الحرب الصهيونية الجبارة بكل ما تحمله من الفتك والدمار الشامل! إنه الشعور بالظلم الفادح والعدوان الغاشم هو الذي يدفع الجميع إلى ذلك: الكبار والصغار، النساء والرجال، بدافع ذاتي، ودونما إغراء أو تزيين من أحد، ولن يتوقف هذه المسلسل إلا بإيقاف أسبابه، والضرب على يد الظالم، ومنعه من الاسترسال في بطشه.

 45 - إن رب المسيحيين رب رحيم يقدم ابنه ليخلص العالم ويكفر خطاياه؛ ولكن رب المسلمين على النقيض من ذلك: يطلب منهم أن يقدموا أولادهم في فلسطين وغيرها ليموتوا من أجله ؟!
في هذا القول فريتان لا تقل إحداهما شناعة عن الأخرى، وهما يؤكدان على شيوع الجهل بكل من الإسلام والمسيحية معًا في هذه البلاد!
أما الفرية الأولى فهي قولك: إن رب النصارى قدم ولده من أجلهم، وهذا منكر من القول وزور، فإن الله لم يتخذ ولدًا، وما كان معه من إله، وما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقة، كانا يأكلان الطعام، ولن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله، وما قال لأحد من أتباعه ولا غيرهم: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، ما قال لهم إلا ما قاله جميع الأنبياء والمرسلين من قبله: اعبدوا الله ربي وربكم.
ومن ناحية أخرى فإن فرية الصلب والخلاص المزعومة يردها العقل والنقل معًا:
أما كونها مردودة من جهة النقل فلأنه لا يوجد نقل صحيح عن المسيح زعم فيه أنه إله أو ابن إله، أو أن الله اتخذ ولدًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ودون ذلك خرط القتاد كما يقولون، بل على النقيض من ذلك كل ما صح نقله عن المسيح قرر فيه عبوديته لله، ونفى فيه أن يكون إلهًا مع الله، أو ولدًا لله.
وأما كونها مردودة من جهة العقل - ويبدو أن هذا هو الأهم في هذا المقام - فللأدلة الآتية:
إن من أخص خصائص الألوهية طلاقة القدرة، ونفاذ المشيئة والإرادة، فالله - جل وعلا - فعال لما يريد، يحكم فلا معقب لحكمه، ويقضي فلا رادَّ لقضائه، فإذا كان هذا الذي تدعونه إلهًا قد أحاط بكل شيء قدرة وعزًّا، ووسع كل شيء رحمة وعلمًا؛ فما الذي يحمله على ذبح ولده بلا ذنب أذنبه ولا خطيئة اقترفها ؟! وما وجه العدالة في هذا الفداء ؟! يذنب فلان فيقتل غيره! ويجرم فلان فيصلب سواه! أليس هذا إغراء للظالم بالمزيد من الظلم، وجناية على البريء وعدوانًا عليه بلا مبرر ؟! ألم يكن في مقدوره أن يخلص العالم بغير هذا العدوان؟وما الفرق بين قتلك لولدك وقتلك لأولاد الآخرين؟أرأيت لو أن أمريكيًّا أوقف أمام القانون الأمريكي متهمًا بقتل ولده؛ هل كان له أن يدفع بأن هذا ولده، فلا يسأل فيه عما يفعل؟أو أنه قتل ولده تضامنًا مع قتل الأطفال في فلسطين أو في العراق أو في غيرها من كل بلد تطاول فيه الظلمة على أطفاله وولغوا في دمائهم بغير حق ؟! وهل يعد فعله هذا من قبيل المناقب والفضائل التي يقلد بها الأوسمة ويزين صدره بالنياشين من أجلها (! ) أم من قبيل الجريمة التي يدان بها ويحاكم عليها ؟!
أما كونه جهلاً بالإسلام فإن الله لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المعاصي:
 •              ( فصلت: 46 ).
وإن أحدًا من الناس لن يبلغ نفع الله فينفعه، ولن يبلغ ضر الله فيضره، ولو اجتمع الناس - كل الناس - على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا، ولو اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملك الله شيئًا، وعندما يقال: إن هذا جهاد في سبيل الله؛ ليس معنى هذا أن مصلحة الجهاد تعود إلى الرب - جل وعلا - واعتقاد ذلك كفر بالإسلام أو جهل به، وإنما غاية ما يقال: إن الله - جل وعلا - قد أذن لمن اعتدي عليه، وأخرج من دياره بغير حق، أن ينتصر لنفسه وأن يرد هذا العدوان، ووعد أنه إن قتل على ذلك فهو شهيد، قال تعالى:
       •                     ••                       
( الحج: 39 - 40 ).
وقال تعالى:                 ••            ( الشورى: 41 - 42)
وقال : (( من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد ))، إنه تقرير لحق البشر في مقاومة الطغيان، وتأكيد على حق الإنسان في رفض العدوان، وأن من يفعلون ذلك فأولئك ما عليهم من سبيل، بل هم عليه - إن شاء الله - مأجورون وهم على سواء السبيل، وأن ما قد ينجم عن ذلك من إراقة دماء فهو في محل العفو: إن قُتل المعتدي فإلى لعنة الله وغضبه، وإن قُتل المظلوم فإلى جنة الله ورحمته؛ وهو أمر تقرره جميع الدساتير والمواثيق الصادرة بشأن حقوق الإنسان منذ أن عرف الناس ذلك، وعلى هذا فإن من يغرر بروحه في سبيل الدفاع عن عرضه وأرضه وماله فهو يفعل ذلك لاستصلاح أحواله في الدنيا، وللفوز بثواب المجاهدين في الآخرة، وليس شيء من ذلك يعود إلى الرب - جل وعلا - فهو أغنى الأغنياء عن عباده، وعباده أفقر الفقراء إليه، وكل من سوى الله منهم أشد ما يكونون حاجة إلى الله تعالى وفقرًا إليه!
 46 - أمريكا تحارب عدوًّا غريبًا: عدوًّا دون مستوى البشرية ؟!

الغريب حقًّا هو تسويغ الظلم، وتبرير العدوان، وإسباغ الشرعية على الاحتلال، ومؤازرة الظالم على ظلمه، وإمداده بما يهلك به الحرث والنسل، ويشيع به الخراب والدمار؛ فإن تألم أو اشتكى أو استبسل في الدفاع عن حقه والانتصاف لكرامته دعوتم بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وملأتم الدنيا ضجيجًا حول الهمجية والتدني عن مستوى البشرية؛ فهل أنتم إلا كما قال الآخر:
فقتـــــل فــــرد واحـــــــد جريمـــــة لا تغتفـــــــــر
وقتـــــل شعــب كامـــــــل مسألــــــة فيها نظـــــــــر

 47 - ما هو الجهاد؟
الجهاد هو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، ونصرة الحق، والدفاع عن المستضعفين، وقد يكون باليد أو اللسان أو المال، فالقتال صورة من صور الجهاد، وإليه تنصرف هذه الكلمة عند الإطلاق، وللجهاد صور أخرى، منها: الجهاد الدعوي، والسياسي، والأعمال الإغاثية، وغير ذلك من أنواع الجهاد التي تتراوح بين الجهاد باليد أو باللسان أو بالمال.
 48 - من يجوز له أن يعلن الجهاد؟
الجهاد باليد ( أي بمعنى القتال ) من أعمال السيادة، وولي الأمر المسلم هو صاحب الحق في إعلانه، فإن تقاعس انتقل الأمر في ذلك إلى جماعة المسلمين، أما بقية الأنواع فهي موكولة إلى المسلم، وهو مسؤول عنها، ومجزي بها.

 49 - ما رأي الإسلام في مسائل: السلم، والحرب، والخصومات؟
السلم هو الأصل في الشريعة، وتحية أهل الإسلام هي السلام، وتحية أهل الجنة يوم يلقون ربهم هي السلام؛ فالمسلمون في الأصل أمة دعوة وهداية، وقد قال تعالى:               ( النساء: 90 ).
وقال تعالى:              ( الأنفال: 61 ).
- والحرب استثناء تدفع إليها الضرورات، وتلجئ إليها المظالم عندما يستفحل خطرها، ويتطاير شررها، وهي عندما تتعين دفاعًا عن حق، أو دفعًا لفتنة، أو نصرة لمظلوم، أو ردًّا لعدوان، ودفعًا لصائل، فإنها تكون مشروعة، ولها جملة من الآداب لم تصل البشرية إلى معشارها في أرقى مواثيقها الدولية المعاصرة.
- والأصل في الخصومات أن ترد إلى الله ورسوله، قال تعالى:                  ( الشورى: 10 )، وأن يحكم فيها بالعدل، قال تعالى:  •           ••      ( النساء: 58 )، ولا يجوز أن تحمل العداوة على ظلم أحد أو الاستطالة عليه، قال تعالى:   •           ( المائدة: 8 )، وقال تعالى:                ( النساء: 135 ). وقد تنزلت آيات من القرآن دفاعًا عن يهودي اتهم ظلمًا، قال تعالى:         ••          ( النساء: 105 )، وقد مكن عمرو بن العاص والي مصر من قِبَل عمر قبطيًّا مصريًّا من أن يضرب ولده بالدرة؛ لأنه استطال عليه بسلطان أبيه عندما غلبه في سباق، وقال له: أتسبق ابن الأكرمين؟بل أمره عمر أن يعلو بالدرة صلعة أبيه عمرو! وقال له: اضرب صلعة عمرو؛ فما استطال عليك ابنه إلا بسلطانه!

 50 - إذا كان الإسلام دين سلام؛ فلماذا يوجد بين المسلمين إرهابيون كثيرون؟
يتوقف الأمر على تحرير المصطلحات، وبيان المقصود بالإرهاب. . إن الإرهاب الذي يحرمه الإسلام وتحرمه جميع الشرائع السماوية هو الاعتداء المحض، الذي لا يدفع إليه إلا الرغبة الآثمة في إراقة الدماء، وإخافة السابلة، وقطع الطريق، واستلاب الأموال؛ فهذا الذي تدينه الأرض والسماء. أما دفع الصائل، والدفاع المشروع عن النفس والعرض والأرض، فهذا من الجهاد المشروع في الشريعة الإسلامية، والكفاح المشروع في المواثيق والأعراف البشرية. لقد أدى الخلط بين هذا وذاك إلى دوامة الجدل التي تشهدها المعتركات الفكرية المعاصرة، إنك ترى في احتلال الصهاينة لفلسطين وإخراج بضعة ملايين من أهلها يعيشون في المنفى والشتات عملاً مشروعًا، تسبغ عليه المشروعية، وتعطي لمن تولى كبره الحق في الأمن والسلام، ولا ترى في أعمال المقاومة الفلسطينية التي تحاول به استرجاع الحقوق ودفع المظالم إلا منظومة من الأعمال الإرهابية، التي تستحق شجب وإدانة المجتمع الدولي بأكمله، عندما تبلغ المغالطة إلى هذا الحد؛ فهل بقي ما يمكن أن يحتكم إليه العقلاء، وأن يرجعوا إليه عند الاقتضاء ؟!
 51 - هل يجوز الانتحار في دين الإسلام؟
الانتحار في الشريعة محرم، وهو من كبائر الذنوب، وصاحبه مخلد في النار؛ لأنه ساخط على ربه، ناقم على قدره، متمرد على حكمه، والأحاديث في ذلك كثيرة ومستفيضة، وقد عقد لها المحدثون أبوابًا كاملة في كتب السنة؛ ففي صحيح مسلم بشرح النووي قال: (( باب غلظ تحريم قتل الإِنسان نفسه وإِن من قتل نفسه بشيء عُذّب به في النار، وأَنه لا يدخل الجنة إِلا نفس مسلمة ))، وساق فيه جملة من الأحاديث منها: قوله : (( مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسّاهُ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا مُخَلّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدّى فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا مُخَلّدًا فِيهَا أَبَدًا )).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ  حُنَيْنا، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمّنْ يُدْعَى بِالإِسْلاَمِ: (( هَذَا مِنْ أَهْلِ النّارِ ))، فَلَمّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ قَاتَلَ الرّجُلُ قِتَالاً شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! الرّجُلُ الّذِي قُلْتَ لَهُ آنِفًا: (( إِنّهُ مِنْ أَهْلِ النّارِ ))، فَإِنّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالاً شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ.فَقَالَ النّبِيّ : (( إِلَى النّارِ )) فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنّهُ لَمْ يَمُتْ؛ وَلَكِنّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمّا كَانَ مِنَ اللّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَأُخْبِرَ النّبِيّ  بِذَلِكَ فَقَالَ:
(( الله أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنّي عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ ))، ثُمّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى فِي النّاسِ: (( إِنّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ إِلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنّ الله يُؤَيّدُ هَذَا الدّينَ بِالرّجُلِ الْفَاجِرِ )).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ  الْتَقَىَ هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا. فَلَمّا مَالَ رَسُولُ اللّهِ  إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآَخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ  رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذّةً إِلاّ اتّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ مِنّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : (( أَمَا إِنّهُ مِنْ أَهْلِ النّارِ ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ. قَالَ: فَجُرِحَ الرّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَخَرَجَ الرّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ  فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنّكَ رَسُولُ اللّهِ. قَالَ: (( وَمَا ذَاكَ؟)) قَالَ: الرّجُلُ الّذِي ذَكَرْتَ آنِفا أَنّهُ مِنْ أَهْلِ النّارِ. فَأَعْظَمَ النّاسُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ. فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ  عِنْدَ ذَلِكَ: (( إِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أَهْلِ الْجَنّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النّارِ؛ وَإِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّة )).
وقد حدث جندب عن رَسُولِ اللّهِ  أنه قال: (( إِنّ الرّجُلَ كَانَ فِيْمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، فَلَمّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَإِ الدّمُ حَتّى مَاتَ. قَالَ رَبّكُمْ: قَدْ حَرّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنّةَِ )). ولكن لا يعد من قبيل الإرهاب التضحية بالنفس في سبيل دفع الصائل، واستعادة الحقوق المغتصبة، فقد قال : (( من قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد )).
 52 - لماذا الإسلام يرشد المسلمين إلى أن يبغضوا ويقتلوا المشركين الذين يعيشون بينهم؟
هذا فهم مغلوط، فالقرآن الكريم يدعو إلى القسط والبر في التعامل مع غير المسلمين، ما داموا لم يقاتلونا في الدين، ولم يظاهروا على إخراجنا من ديارنا، ولم ينصروا علينا عدوا، وقد جعل الله ذلك قرآنًا يتلى إلى قيام الساعة، قال تعالى:
                  •     ( الممتحنة: 8 )،
والقسط هو العدل، والبر هو الإحسان، وهو أمر أبلغ من العدل وأبعد مدى منه، وكل من قال لك سوى هذا فلا يخلو من أن يكون جاهلاً أو متجاهلاً! وقد سبق قوله تعالى:
               ( النساء: 90 ).
وغير المسلمين الذين يعيشون بين أظهر المسلمين لهم حرمات مصونة وحقوق مكفولة، ولهم على هذه الحقوق ذمة الله ورسوله، والنبي  يقول: ((من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة )).
 53 - لماذا لا يعلن المسلمون عن إدانة الإرهابيين منهم؟
ينبغي أن نتفق أولاً على تحرير المصطلحات، وبيان المقصود بالإرهاب ثم نطالب بإدانته. إن المسلمين يعلنون عن إدانة الإرهاب والإرهابيين، وفي شريعتهم تدرس الحرابة، وعقوباتها حد من الحدود، لا يملك أحد إيقاف تطبيقه عندما تتحقق دواعيه؛ لكن إدانة الإرهاب ليست قاصرة على ما يرتكب من أعماله باسم الإسلام، بل جميع صوره يجب أن تشجب وتدان أيًّا كان من تنسب إليه، وإن إرهاب الدولة لا يقل بشاعة وقبحًا عن إرهاب الأفراد، عندما تتحرك أمريكا بكل جبروتها لتدمير دولة بأسرها في أفغانستان؛ بحثًا عن بضعة أفراد تتوهم أنهم قاموا بهذا العمل ممن ينتمون إلى أهل هذه المنطقة؛ أليس هذا إرهابًا؟عندما تحاصر العراق وتقتل أطفاله بهذه المقاطعة الظالمة في الوقت الذي تحمي فيه رأس النظام وتحول دون المساس بشعرة منه؛ أليس هذا إرهابًا ؟! عندما تدعم شارون في إرهابه ضد المخيمات الفلسطينية والعزل من الفلسطينيين؛ أليس هذا إرهابًا ؟! إن المعايير عندما تكون مزدوجة تفتقد المصداقية، وتفتقد الموضوعية، وتصبح أشبه ما تكون بكلمات الوعظ عندما يطلقها البغايا! !

 54 - لماذا لم يستنكر ولاة أمور المسلمين الإرهاب؟
لقد فعلوا، ولا يزالون يفعلون؛ ولكن المشكلة تكمن في كثير من الأحيان في تغييب الوعي، وقلب الحقائق وازدواجية المعايير. إن بعض الناس يريد أن يسمي دفع الصائل عدوانًا ويدينه، ويسمي الاحتلال والاغتصاب حقًّا وعدلاً ويحميه! وإن بعض الناس يرى القذى في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عينه؛ ما أكثر حوادث العنف والإرهاب على مستوى العالم، وما أكثرها داخل الولايات المتحدة تحديدًا؛ لكن الإعلام في هذا البلد لا يستطيع أن يرى إلا ما ينسب من ذلك زورًا إلى الإسلام والمسلمين!

55 - هل الشهداء لهم خصوصية في الفضل؟وهل صح أنهم موعودون بسبعين من الحور (70) في الجنة؟
نعم لهم خصوصية في الفضل، لا يشاركهم فيها أحد، وقد وعدوا بذلك وبغيره من أنواع النعيم فيما صح من أحاديث نبيهم ؛ لكن ذلك مشروط بأن يكون الجهاد مشروعًا قد استوفى شرائطه، وبأن تكون نية الشهيد خالصة لإعلاء كلمة الله؛ لا يقاتل للمغنم، ولا للذكر، ولا ليرى مكانه، بل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
عن أبي موسى  قال: جاء رجل إلى النبي  فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؛ فمن في سبيل الله؟قال: (( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )) ( رواه البخاري ).
ولقد ورد في فضل الجهاد والشهادة والشهداء جملة من الأحاديث الصحيحة، أذكر منها:
قولـه : (( والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك )) ( رواه البخاري).
قولـه : (( تضمن اللَّه لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن علي أن أدخله الجنة )) ( متفق عليه ).
قوله : (( مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه: أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة )) ( رواه البخاري ).
قولـه : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها اللَّه للمجاهدين في سبيل اللَّه، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض )) ( رَوَاهُ البُخَارِيُّ ).
قولـه : (( لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها )) ( رواه البخاري ).
قولـه : (( ما من عبد يموت، له عند الله خير، يسره أن يرجع إلى الدنيا، وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى )) ( رواه البخاري ).
ما رواه أبو هريرة  قال: جاء رجل إلى رسول الله  فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: ((لا أجده)). قال: ((هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر)). قال: ومن يستطيع ذلك ؟! أي أن المجاهد في عبادة ما دام في خروجه، فلا يقابله إلا من استمر في العبادة من صيام أو قيام أو غير ذلك.

الإسلام والأديان الأخرى
 56 - هل في الإسلام مجال لتعدد الأديان؟بحيث يجوز لكل شخص أن يدين بما يشاء؟
الاختلاف في الملل والنحل من طبيعة الوجود البشري، وقد قال تعالى:      •• •               ( هود: 118 – 119)، والقاعدة القرآنية المحكمة:        ••     ( البقرة: 256 )،
فلغير المسلم أن يختار البقاء على دينه، ويتحمل مسؤولية هذا الاختيار في الآخرة، وقد وجد غير المسلمين في المجتمع الإسلامي منذ فجر الإسلام، وكانت لهم حقوق مصونة وحرمات مكفولة، بل بلغت سماحة الإسلام مع من يعيشون في مجتمعه من غير ملته في باب القضاء - وهو من أعمال السيادة - أن تركت لهم محاكمهم الملية التي يحتكمون فيها إلى ما يشاءون من شرائع دينهم، وهو أمر لا تعرفه أعرق الدول المعاصرة تشبثًا بحقوق الإنسان ودعوة إليها، ولعل بقاء غير المسلمين ومحاكمهم الملية في مصر وغيرها من بقية بلاد المسلمين خير دليل على ذلك.
 57 - لماذا نجد المسلمين لا يتكلمون في الأديان العالمية سوى اليهودية والنصرانية؟
يبدو أنك لا تقرأ في كتب المسلمين، وإنما تقرأ ما يكتب عنهم، وأظنك توافقني أن هذا ليس من الإنصاف في شيء. إن جامعة الأزهر على سبيل المثال بها أقسام مستقلة عن الأديان في مختلف فروعها، وما هي إلا جامعة من آلاف الجامعات الإسلامية، وقل مثل ذلك في معظم الجامعات الأخرى، وكتب المسلمين حافلة بالحديث عن الأديان، وأحيلك إلى الموسوعة التي أصدرتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي حول الأديان، وهي من أحدث ما كتب في هذا المجال، وما هي إلا واحدة من آلاف الكتب التي تعمر بها المكتبة الإسلامية في هذا المجال.
 58 - لماذا يتوقع من المسلمين أن يقاتلوا غير المسلمين؟
هذا القول بهذا الإطلاق من أباطيل بعض المستشرقين، فالمسلمون لا يقاتلون إلا من يقاتلهم في الدين، أو من يخرجهم من ديارهم بغير حق، أو يصادر على الإنسان حقه في الاختيار، ويفتنه في دينه.
 59 - لماذا وجب على المسلمين قتال الكفار (غير المسلمين) حتى يعلنوا إسلامهم؟
المبدأ الإسلامي العام:        ••      ( البقرة: 256)، وقال تعالى:
   ••    ( يونس: 99 ).
والقتال في الإسلام لمنع الفتنة في الدين، ونصرة المستضعفين، والمحافظة على حق الإنسان في أن يختار ما يشاء دونما قهر أو فتنة، ومن أطلق القول فزعم أن القتال في الإسلام لإكراه الناس على الدين، فقد كذب على الله وكذب على المسلمين!
 60 - لماذا يكره المسلمون عيسى ابن مريم - عليه السلام - إلى درجة أنهم لا يعتقدون بأنه ابن الله، وأنه صلب لذنوب الخلائق؟
لم أرَ أعجب من هذا السؤال؛ لأنه لا يوجد تلازم بين المحبة والتقدير، وبين اعتقاد بنوة المسيح لله أو الاعتقاد في ربوبيته. إن المسيح نبي كريم من أنبياء الله، بل هو من أولي العزم من الرسل، وقد بلَّغ رسالة ربه، وصبر على عنت قومه، ورفعه الله إليه، وسوف ينزل في آخر الزمان حكمًا مقسطًا، فيصحح جميع الأغلاط التي نسبت إليه أو ارتكبت باسمه.
لقد جاء الإسلام في قضية المسيح وسطًا بين طرفين: طرف غلا في ذمه والانحراف عنه، وهؤلاء هم اليهود الذين قالوا إنه ولد من سفاح، ونسبوا إليه وإلى أمه الشنائع والقبائح، وبين طرف غلا في تقديره فاتخذه وأمه إلهين من دون الله؛ فجاء القرآن الكريم ليصحح أغلاط الفريقين، وليرد بالحق وإلى الحق هؤلاء وهؤلاء؛ فماذا قال القرآن عن المسيح وأمه:

    •        
( آل عمران: 42 ).
     •                  ••      
( آل عمران: 45 – 46 ).
               •                  ( آل عمران: 55).
فالمسلمون يعتقدون في نبوة المسيح وطهره وعلو منزلته، ويرون سبه أو التطاول عليه يخرج من الملة ويوجب على صاحبه القتل، ولا يفرقون في ذلك بينه وبين محمد :
                               ( البقرة: 285 ).
وفي الوقت نفسه يعتقدون بشريته، وأنه عبد من عباد الله، وأن الله تعالى أجل من أن يتخذ ولدًا، بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون، وإن نسبة الولد إلى الله - جل وعلا - من أعظم ما يسب به الرب - جل وعلا - بل هي من الشنائع التي تكاد أن تتفطر منها السماوات، وتوشك الأرض أن تنشق لهولها، والجبال أن تخر لبشاعتها! أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟فالله - جل وعلا - هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
وقال تعالى:                                                      •  ( مريم: 88 - 95 ).
            •                                                                       ( النساء: 171 – 172 ).
 61 - هل مات عيسى - عليه السلام - على الصليب أم لا يزال حيًّا؟
لم يصلب المسيح - عليه السلام - وإنما رفعه الله إليه حيًّا، فهو لم يذق بعد الموتة التي كتبها الله على بني آدم، كما أنه سينزل آخر الزمان حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويرد الناس إلى شريعة الإسلام.
ومن الأدلة على أنه لم يصلب، وأن الله - جل وعلا - قد رفعه إليه حيًّا ما يلي:
قولـه تعالى منددًا باليهود فيما زعموه من صلب المسيح:                   •                               (النساء: 157 - 158).
لقد زعم اليهود أنهم صلبوا المسيح وأنهم قتلوه، فأنكر الله عليهم ذلك، ورده عليهم بقوله:      ، ومقتضى ذلك أن يكون المسيح - عليه السلام - قد رُفع بدنًا وروحًا ليتحقق الرد عليهم فيما زعموه من قتله وصلبه؛ لأن رفع الروح فقط لا ينافي دعوى القتل والصلب، وليست فيه خصوصية لعيسى - عليه السلام - فإن أرواح جميع الصالحين ترفع إلى الله - جل وعلا - وتفتح لها أبواب السماء.
قوله تعالى:       •           ( النساء: 159 ) ومرجع الضمير هنا في قولـه تعالى:    إلى المسيح - عليه السلام - وذلك عند نزوله في آخر الزمان حكمًا مقسطًا داعيًا إلى الإسلام، ومقتضى ذلك أنه لم يمت بعد الموتة التي كتبها الله على بني آدم؛ وإنما يكون ذلك بعد نزوله وإيمان أهل الكتاب به.
أما نزولـه آخر الزمان حكمًا مقسطًا فإنه من جملة ما يدين به المسلمون، وقد دلت على ذلك بعض الإشارات القرآنية، كما دلت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، ومن الإشارات القرآنية ما يلي:
قولـه تعالى:       •      ( الزخرف: 61 ).
وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس قوله: ما أدري علم الناس بتفسير هذه الآية، أم لم يفطنوا لها؟     قال: نزول عيسى ابن مريم، وقد روي مثل ذلك عن قتادة، والضحاك والسدي، وابن زيد، وكثير من السلف.
قوله تعالى:       •        
  ( النساء: 159 ).
وقد سبق أن مرجع الضمير في قوله تعالى:    على المسيح - عليه السلام - وفي ذلك دلالة على نزوله آخر الزمان؛ لأن هذا المذكور في الآية لم يتحقق إلى الآن؛ فكم من أهل الكتاب من هو كافر به الآن، ولكن ذلك كائن لا محالة عندما يعود آخر الزمان.
أما من السنة النبوية، فقد ورد في ذلك من الأحاديث النبوية ما بلغ مبلغ التواتر، وفيها التصريح بنزوله وصفة نزوله ومكانه. .. إلخ، نذكر منها:
قولـه : (( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنـزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ))، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم قوله تعالى:      •    .
قوله : (( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ))، قال فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمة.
 62 - لماذا لا يؤمن المسلمون بكرامات المسيح؟أفلم تكن هذه الخوارق من الأدلة الواضحة على إلهيته؟
يؤمن المسلمون بمعجزات المسيح - عليه السلام - كما يؤمنون بمعجزات محمد ، بل لا يصح إسلام أحد من المسلمين إلا بالإيمان بها؛ لأنها جزء من القرآن الكريم الذي لا يصح إسلام أحد من الناس إلا بالإيمان به والإقرار المطلق بما جاء فيه، قال تعالى:
                                               •        ( آل عمرا ن: 48 - 49 ).
ولكن هذه المعجزات لا تدل على إلهية المسيح، وإنما تدل على نبوته، شأنه في ذلك شأن بقية إخوانه من المرسلين، لقد شق البحر لموسى - عليه السلام - وانقلبت العصا في يده حية تسعى، وأبطل الله له بها سحر السحرة، ولم يكن بذلك إلهًا! لقد سخرت الريح لسليمان تجري بأمره، وسخرت له الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، ولم يكن بذلك إلهًا، وإنكم لتنسبون لتلاميذ المسيح من الكرامات ما تنسبون، ولم يكونوا بذلك آلهة! أليس كذلك ؟!
 63 - لماذا لا يؤمن المسلمون بأن عيسى - عليه السلام – مخلصهم، أي أنه يحمل ذنوبهم ومعاصيهم وأوزارهم؟
لأنه قد تقرر في جميع الملل السماوية، وعند جميع العقلاء، أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى؛ ولأن هذا يعارض ما دعا إليه المسيح - عليه السلام - قال تعالى:          ••                                    •                     •                   •                    •                   ( المائدة: 116 – 119 )، وقال تعالى:                              •  •       ( المائدة: 72 ).
 64 - على رأي الإسلام هل يدخل النصارى الجنة؟
- من آمن بالمسيح قبل بعثة محمد ، ولم يتخذه إلهًا من دون الله، فهو من المؤمنين الناجين في الآخرة، وفي القرآن سورة كاملة هي سورة البروج تتحدث عن شهداء النصارى في قصة أصحاب الأخدود.
- ومن آمن به قبل البعثة ثم آمن بمحمد  عندما بلغته دعوته فإنه يؤتى أجره مرتين: مرة لإيمانه بالمسيح، والأخرى لإيمانه بمحمد .
- ومن أشرك به مع الله، أو ظل على نصرانيته بعد بعثة محمد : فإن كان قد بلغته دعوة الإسلام على وجهها بلاغًا صحيحًا تقوم بمثله الحجة ثم عاند وأبى كان من أهل النار، ومن لم تبلغه الدعوة منهم، أو بلغته بلاغًا مشوهًا لا تقوم بمثله حجة فأمره إلى الله.

 65 - أنتم تقولون بأنكم تقرون بنبوة إبراهيم وإسحاق وموسى ويحيى؛ ولكن كيف هذا وهؤلاء الأنبياء كانوا من اليهود؟
الإيمان بالرسل جميعًا ركن من أركان الإيمان في عقيدة أهل الإسلام، لا يثبت عقد الإسلام إلا باستيفائه؛ فمن كفر بنبي واحد من أنبياء الله، فقد كفر بالأنبياء جميعًا، قال تعالى:                                 ( البقرة: 285 ).
أما كون إبراهيم وإسحاق من اليهود فذلك زعم مغلوط، فإن التوراة، وهي كتاب اليهود، لم تتنزل إلا من بعد إبراهيم بزمان طويل؛ فكيف ينسب إبراهيم إلى موسى وما بعث موسى إلا من بعده ؟!
قال تعالى:                   ( آل عمران: 65 )، وقال تعالى:               ( آل عمران: 67 ).
وقد كانت اليهودية في زمان موسى - عليه السلام - وقبل أن تنسخ دينًا صحيحًا يعبد الله تعالى به، ويصل بهم إلى مرضاته وجنته، ونحن نقرأ في القرآن قول الله تعالى:     •      (الأعراف: 159 )، فكل من آمن بموسى - عليه السلام - في زمانه أو قبل أن تنسخ رسالته فهو من المؤمنين الناجين في الآخرة. وقد تلاحى رجلان مسلم ويهودي في زمن النبوة حول المفاضلة بين موسى ومحمد فنهى النبي عن المفاضلة بين الأنبياء.
 66- إذا كان بعض النصارى يعبدون عيسى - عليه السلام - فهل بعض المسلمين يعبدون محمدًا  أيضًا؟
أهل الإسلام لا يعبدون إلا الله وحده، فإن الإقرار لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة أول واجب على من أراد الدخول في الإسلام، وأول ما يدعى إليه الناس من أركانه، والتوحيد هو المشترك الإيماني العام بين أهل الملل قاطبة، فقد ضمنه الله كل كتاب أنزله، وبعث الله به كل نبي أرسله. قال تعالى:                 ( الأنبياء: 25 )، وقال تعالى:
                                  ( آل عمران: 64 )، وإذا افترض جدلاً أن بعض المسلمين قد غلا في النبي فتوجه إليه بدعاء أو نحوه من صور العبادة، فقد ضل عن سواء السبيل، وفعله هذا رد عليه، ولا يحسب على الإسلام بحال.
 67 - لماذا لا يجوز للمسلمين أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء؟
يخلط كثير من الناس بين الموالاة المنهي عنها وبين البر والقسط في التعامل مع المسالم من غير المسلمين، إن البر والقسط وحسن الخلق في الإسلام شريعة عامة، لا تفرق بين مسلم وغيره، فقد قال تعالى:  ••   ( البقرة: 83 )، وقال تعالى:           ( العنكبوت: 46 )،
وقال : (( من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة )) ، أما مظاهرة المشركين على المسلمين، أو اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، فهذا الذي لا يجوز.
والحكمة في تحريم هذا المظاهرة بينة، بل هي أمر بدهي لا يتصور خلافه، وذلك مما اتفق عليه بين جميع الملل، لقد أخذ الله على بني إسرائيل فيما أخذ ألا يسفكوا دماءهم وألا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وألا يظاهروا على أحد منهم فريقًا من غيرهم بالإثم والعدوان؛ ولكنهم لم يحفظوا وصية الله تعالى، بل انقسموا في المدينة بين الأوس والخزرج، وكانت تقع حروب بين هاتين القبيلتين، فيقاتل كل فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم، ويخرجونهم من بيوتهم، وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، فنعى الله عليهم ذلك وعابه عليهم في كتابه. قال تعالى:
                                                                                     ( البقرة: 84 – 86 ).
والعجيب أنهم كانوا إذا وضعت الحرب أوزارها يَفْتَكُّون الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة، فكانوا يقتلونهم على خلاف حكم التوراة، ويفتكون أساراهم نزولاً على حكمها فقال تعالى:      وليس هذا الذي يذكر من تحريم مظاهرة الكافرين على المؤمنين من جنس العصبية لجنس أو فريق من الناس؛ سواء أكانوا على الحق أم على الباطل، فإن معقد الولاء والبراء في الإسلام هو الحق لا غير، وقد حرر الإسلام بني البشر من التعصب للأعراق والألوان والألسنة، ومحض ولاءهم للحق الذي نزل من عند الله، وأمرهم أن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين، وهو بهذا لا يفرق بين من يقيم في دار الإسلام أو يقيم خارجها، فهذه شريعة عامة تخاطب المسلم أينما كان، فوق كل أرض وتحت كل سماء، فالمسلم لا ينصر أحدًا على باطل، مسلمًا كان أو غير مسلم، فردًا كان أو كيانًا سياسيًّا، غربيًا كان أو شرقيًّا، قال تعالى:
          •                       ( المجادلة: 21 ).
فالقضية إذن ليست موقفًا يقفه المسلم ضد الغرب عامة، ولا ضد الولايات المتحدة خاصة؛ وإنما هو منهج عام، الشرق والغرب فيه سواء، فلو أن أحدًا من بني قومه تعدى وجار، فإن نصرته له أن يضرب على يده، وأن يمنعه من الظلم، لا أن يشاركه فيه، أو يعينه عليه، فإن من نصر قومه على الباطل، فهو كالبعير الذي تردى، فهو ينزع بذنبه! كما قال ، وليس لنا مثل السوء!
فالمظاهرة المحرمة هي التي تكون في مواجهة المؤمنين، وهي مقيدة بشرطين:
الأول: أن تكون من قبل أفراد من المسلمين أو جماعاتهم دون جملتهم؛ لأن الله قد عصم هذه الأمة من أن تجمع على باطل.
الثاني: أن تكون على أهل الإيمان بالله ورسوله.
ولهذا يقول الطبري - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى:       •      .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله - تعالى ذكره - نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان.
 68 - لماذا قاتل محمد  اليهود في المدينة عندما لم يقبلوا دينه؟
هذا من أباطيل بعض المستشرقين. إن النبي  لم يقاتلهم عندما لم يقبلوا دينه، بل قاتلهم عندما نقضوا العهود، وخانوا المواثيق، وحاكوا الدسائس والمؤامرات، وظاهروا المشركين على المسلمين. لقد هادن النبي  اليهود عند مقدمه إلى المدينة، وأعطاهم عهدًا وذمة على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، ولقد حفظ لهم النبي  عهودهم حتى كانوا هم الذين بدءوا بالنقض والغدر والخيانة، فأحل الله عليه بأسه الذي لا مرد له، وقضاءه الذي لا يصد.
لقد ظاهر يهود بني قريظة مشركي مكة في غزوة الأحزاب، وهي المعركة التي تقاسم فيها المشركون على استئصال الدعوة من الجذور، وبلغ المؤمنون الحالة التي وصفها الله تعالى بقوله:                          ( الأحزاب: 10 - 11)، فأجرى الله عليهم قضاءه، وأنزل بهم بأسه وعذابه.
وخان يهود بني النضير عهودهم، وهموا بقتل الرسول  غدرًا عندما ذهب إليهم يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر، وكان إلى جنب جدار من بيوتهم، فتواصوا على إلقاء صخرة عليه من أعلى الجدار، فأخبره الله تعالى بالأمر ونجاه الله منهم، فأجلاهم النبي  من المدينة.
قال تعالى:                   ( المائدة: 11 ).
والنعمة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين في هذه الآية هي استنقاذ الله نبيه محمدًا  وأصحابه مما كانت اليهود من بني النضير هموا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العا مريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقد خرج رسول الله إلى بني النضير ليستعينهم على دية هذين العامريين؛ فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن، فمروا رجلاً يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه! فقام عمرو بن جحاش بن كعب. فأتى رسول الله الخبر، وانصرف عنهم، فأنزل الله - عز ذكره - فيهم وفيما أراد هو وقومه:             .. الآية....
فلم تكن القضية قضية إجبار على دعوة، ولم يكن القتال لإكراههم على الدخول في الإسلام؛ وإنما كان نتيجة للدسائس والمؤامرات والخيانات التي تتابعت منهم وتواطئوا عليها.
 69 - لماذا أجبرت الشعوب على الإسلام في الأراضي التي قد فتحها الإسلام؟
هذا من الأباطيل الكبرى التي تردها نصوص الوحي من ناحية، وحقائق التاريخ من ناحية أخرى.
أما النصوص، فقد قال تعالى:        ••     ( البقرة: 256 ).
وأما حقائق التاريخ فهي أوضح من أن تجحد، ولعل من أبرز دلائلها بقاء غير المسلمين في بلاد الإسلام إلى يومنا هذا.
 70 - لماذا لا يأذن المسلمون لغير المسلمين أن يعيشوا بينهم وأن تنتشر فنونهم وثقافاتهم؟
لقد عاش غير المسلمين بين أظهر المسلمين، على مدى هذه القرون المتطاولة من عمر الإسلام، ومنهم من تبوأ من المكانة ما لم يطمح إليها كثير من المسلمين، وتكاد كنائسهم تطاول عنان السماء، ولهم من الكتب ودور النشر ما لا يخفى على أحد، بل إن كثيرًا من المتدينين في مصر يطالبون بالتسوية في المعاملة بينهم وبين الأقباط !! ولا تعرف في العالم أقلية مدللة كهذا الذي يحدث مع أقباط مصر، وهو أمر يبذله المسلمون طواعية، ولا مكره لهم على ذلك.
 71 - لماذا يفجر المسلمون الكنائس ومعابد اليهود؟
يبدو أن هذا السؤال على طريقة الشاعر العربي الذي قال: (( رمتني بدائها وانسلت !! ))؛ لأن هذا السؤال يأتي في الوقت الذي يبطش فيه شارون بالمساجد والكنائس معًا بدعم أمريكي وحماية أمريكية، ويبطش فيه الهندوس بمساجد المسلمين في الهند، إلى غير ذلك من المواقف الأسيفة الدامية، التي تتم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
إن المبدأ الإسلامي العام في التعامل مع غير المسلمين ( تركهم وما يدينون )، وهذا يقتضي حرية إقامة شعائرهم، وحرمة معابدهم كنائس كانت أو بِيَع، وعدم جواز المساس بها؛ وإن تطاول على ذلك أحد من الغلاة فإن قانون الدولة له بالمرصاد، وهو سيف مسلط فوق رأسه، يرده إلى الحق طوعًا أو كرهًا.
إن نقيض ما تذكر في سؤالك هو الصحيح، ويبدو أن حاجتنا إلى قليل من الإنصاف أكثر من حاجتنا إلى كثير من الحوار والجدل!
 72 - لماذا يرشد المسلمون إلى عدم ثقتهم بغير المسلمين؟
غير المسلمين ليسوا سواء، منهم الثقة ومنهم غير الثقة، شأنهم شأن غيرهم من الناس، وفي كل قوم خبيثون وطيبون، وإن الله - جل وعلا - يقول:            •              ( آل عمران: 75 )، ولو كانت القاعدة العامة كما تذكر ما أذن للمسلمين بأن يبرموا معهم ما أبرموا من العهود والعقود، وقد قال تعالى عن النصارى خاصة:    ••        •        ( المائدة: 82 ).
 73 - هل يدخل المسلمون الجنة إذا قاتلوا غير المسلمين؟
الأصل أن المسلمين أمة دعوة، وغايتهم إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ ومن سالم دعوتهم، وألقى إليهم السلم فما جعل الله لهم سبيلاً عليه، أما إذا تعين الجهاد نصرة للمستضعفين أو دفعًا لصيال الصائلين، فكان مشروعًا لتوافر أسبابه وتحقق دواعيه، ولم يكن أشرًا ولا بطرًا ولا عدوانًا، فإنه يصبح في هذه الحالة طريقًا قاصدًا إلى الجنة، إذا تمحضت النيات لإعلاء كلمة الله، وهو أمر مرده إلى الله تعالى، حتى نهى كثير من أهل العلم على إطلاق لفظ شهيد على قتيل المعركة؛ لأن مرد الأمر في نيته إلى الله تعالى، ولا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب!.
 74 - لماذا لا يأذن المسلمون لدعوة النصارى - أهل التنصير - أن يكونوا بينهم في مكة على سبيل المثال؟
هذا هو حكم الله - عز وجل - وحكمته ظاهرة، وهي أن يبقى مركز الإسلام ومهده الأول خالصًا لدعوة الحق، بعيدًا عن شوائب الشرك، والله يحكم لا معقب لحكمه.

أسئلة حول القرآن
 75 - من كتب القرآن؟

القرآن الكريم كتاب الله - عز وجل - نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، منجمًا على مدى ثلاث وعشرين سنة، هي عمر البعثة النبوية، وقد كان النبي أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب، ولكن قد اتخذ من يكتب له الوحي من أصحابه، كعلي ومعاوية وزيد بن ثابت وأبي بن كعب ، ولقد كتب القرآن الكريم كله في حياة النبي ، وحفظه فريق من الصحابة، فتواطأ المجموع في الصدور على المكتوب في السطور، وتحقق حفظ الله للقرآن الكريم بهذا الطريق.
 76 - ألم يتعلم محمد  القرآن من قبل اليهود والنصارى الذين كان يعرفهم قبل أن يزعم أنه نبي؟
ما أشبه الليلة بالبارحة! إنها نفس الشبهة القديمة التي تقاول بها المشركون في زمن النبوة، وقد سجلها القرآن الكريم ورد على أصحابها أبلغ رد وأوجزه، قال تعالى:
                   ( النحل: 103 )،
يقول - تعالى ذكره -: ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلاً منهم: إنما يُعلِّم محمدًا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وما هو من عند الله. يقول الله - تعالى ذكره - مكذبهم في قيلهم ذلك: ألا تعلمون كذب ما تقولون؟إن لسان الذي تلحدون إليه، أي: تميلون إليه، وتزعمون أنه يُعلِّم محمدًا، أعجمي؛ وذلك أنهم فيما ذكر كانوا يزعمون أن الذي يعلم محمدًا هذا القرآن عبد رومي؛ فلذلك قال تعالى:
          ( النحل: 103 )، يقول: وهذا القرآن لسان عربي مبين.

 77 - هل يعتقد المسلمون أن القرآن كلام الله بالضبط حرفًا حرفًا وكلمة كلمة؟
نعم، ولقد أجمع المسلمون على ذلك في المشرق والمغرب في مختلف الأعصار والأمصار، ومن شك في ذلك أو كذب به فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه!
 78 - كيف يعتقد المسلمون أن القرآن كلام الله بالضبط؟ومعروف أنه كتاب قد جمع وكتب بعد محمد  أي بعد وفاته؟
القرآن الكريم كُتِبَ كله في حياة النبي ، فقد اتخذ له كتابًا للوحي من أجلاء الصحابة: كعلي، ومعاوية، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب. كانت تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من السورة، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور. وكان من الصحابة من يكتب ما ينزل من القرآن ابتداء لنفسه دون أن يأمرهم به النبي ، وكانوا يعرضون على رسول الله ما لديهم من القرآن حفظًا وكتابة كذلك، ولم تكن الكتابة في عهد النبي مجتمعة في مصحف عام، بل كان عند هذا ما لم يكن عند ذاك، وقد نقل العلماء أن من الصحابة من جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله ، وكان جبريل يعارض النبي  بالقرآن في كل سنة من ليالي رمضان، حتى كانت السنة التي توفي فيها فعارضه بالقرآن مرتين.
وعلى هذا، فالقرآن الكريم كُتِبَ كله في زمن النبي وحفظه الحفظة كذلك، لكنه لم يجمع في مصحف عام واحد لما يلي:
- ما كان يترقبه من نزول الوحي من آن لآخر.
- ما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته.
- ولأن ترتيب نزوله لم يكن على الترتيب الذي استقر عليه في آخر الأمر، بل كانت تنزل الآية فتكتب، ويشير النبي إلى موضع كتابتها بين آية كذا وكذا في سورة كذا، فلو جمع القرآن كله بين دفتي مصحف عام واحد لأدى هذا إلى التغيير كلما نزل شيء من الوحي، أو نسخت تلاوة بعض آياته.
ثم جمع القرآن بعد ذلك مرتين:
- مرة في زمن أبي بكر، وذلك عندما استحر القتل بالقراء في حرب اليمامة، وخشي الصحابة أن يضيع شيء من القرآن بضياع الحفظة؛ ولهذا كان أبو بكر أعظم الناس أجرًا في المصاحف، فهو أول من جمع كتاب الله في مصحف واحد، مرتب الآيات والسور، ومقتصرًا فيه على ما لم تنسخ تلاوته، مشتملاً على الأحرف السبعة التي نزل بها كتاب الله - عز وجل - وبقيت هذه المصاحف عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب .
- أما المرة الثانية فقد كانت في زمن عثمان ، لما تفرق الصحابة في الأمصار، وأخذ أهل كل مصر عمن وفد إليهم قراءته، فخشي الصحابة من تفرق الأمة بسبب اختلاف وجوه القراءة، فأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة وطلب منها الصحف لينسخها ويردها إليها فكتبت المصاحف حينئذ على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ليجتمع الناس على قراءة واحدة، ورد الصحف إلى حفصة مرة ثانية، ثم بعث إلى كل أفق بمصحف من المصاحف، واستبقى بالمدينة واحدًا هو مصحفه الذي يسمى ( الإمام ).
- وعلى هذا فجمع القرآن في زمن أبي بكر لم يكن ابتداء لتدوينه؛ وإنما كان جمعًا لهذا المدون وترتيبًا له، وحفظًا له في مكان واحد، أما جمعه في زمن عثمان فكان في استنساخ نسخ منه وتعميمها على مختلف الأمصار الإسلامية، فهو أشبه بالنشر في لغتنا المعاصرة، فأبو بكر أعد الأصول ورتبها وراجعها، وعثمان تولى نشرها وتعميمها على الأمة، فرضي الله عن الجميع، فيبدو أن السائل قد خلط بين الكتابة والجمع، والأمر على التفصيل الذي سبق ذكره.
 79 - لماذا نجد القرآن معقد الفهم بسبب أن سوره وقصصه ومواضيعه غير مرتبة ترتيبًا مناسبًا؟
القرآن الكريم يسره الله للذكر، وسهل حفظه وتدبره على من أراد، وللعلاقات بين سور القرآن أسرارًا وإعجازًا، تكلم فيها الفحول من أهل العلم؛ ولبرهان الدين البقاعي سفر جليل يسمى ( نظم الدرر في ترتيب الآيات والسور ) بيَّن فيه ما بين سور القرآن على حسب ترتيب ورودها في المصحف من الأسرار واللطائف التي تذهل العقول وتدهش الألباب؛ ولكن هذا المقام يحتاج إلى إلمام باللغة العربية، وقدر معقول من علومها، وأظن أن غير الناطقين بالعربية يحتاجون إلى شيء من الوقت لاستيعاب هذه المعاني وإدراكها.
 80 - نظرًا إلى وجود ترجمات كثيرة للقرآن، أيها تعتبر ترجمة رسمية ومقبولة بين المسلمين؟
ترجمات معاني القرآن بمثابة تفسيرات لكتاب الله - عز وجل - فقد أجمع المسلمون على أن القرآن الكريم هو اللفظ العربي المنزل على محمد ، المتعبد بتلاوته، والمتحدى بأقصر سورة منه، وأن الترجمات التي أعدها البشر لمعانيه ليست قرآنًا ولا تأخذ حكمه، فلا تشترط لها الطهارة، ولا تجزئ في الصلاة، إلى غير ذلك من الأحكام المرتبطة بكتاب الله - عز وجل - وإنما هي تفسيرات له وشروح لمعانيه، وبطبيعة الحال تعد عملاً بشريًّا يَرِد عليه ما قد يرد على أعمال البشر جميعًا من القصور أو التقصير.
والخلاصة أنه ينبغي التعامل مع الترجمات كما يتعامل مع كتب التفسير، بعضها أضبط من بعض بطبيعة الحال؛ ولكنها لا تحمل دقة ولا عصمة القرآن ذاته، وهو اللفظ العربي المنزل على محمد .
 81 - لماذا يستخدم القرآن لفظ (( نحن )) عندما يتكلم عن الله؟
كل من يتكلمون اللغة العربية يعلمون أن صيغة الجمع مثل ( نحن ) و( نا ) كما تستخدم للاثنين فصاعدًا قد يستخدمها الفرد العظيم أو المتعاظم إشعارًا بعظمته، وسياق الكلام، ومقتضى الحال، وما احتف بالحديث من القرائن، هو الذي يرشد القارئ والسامع إلى المراد، ويعين المقصود، والله - جل وعلا - تفرد بالكبرياء والعظمة المطلقة، فاستخدام هذه الصيغة من هذا القبيل، لا يخالف في ذلك إلا جهول قد عميت عليه الأنباء، أو معاند مبطل يريد التلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه! وقد قامت الأدلة القاطعة على وحدانية الله - جل وعلا - ذاتًا وصفات وأفعالاً، بل ذلك مبنى دين المسلمين كله؛ ولذلك نظير في واقعنا المعاصر، فلا تزال الدساتير والقوانين في بلادنا يصدرها الملك أو رئيس الدولة ويصدرها بكلمة ( نحن ).

 82 - لماذا يصف القرآن الجنة بأنها مكان فيها ملذات وقضاء الشهوة: أرائك، وملابس، وطعام وشراب، وعدة حور إلى غير ذلك؟أليس الرضا والمغفرة تكفي؟
لقد جمع الله لعباده المؤمنين في الجنة بين النعيمين: الحسي والمعنوي، فأعد لهم من كليهما ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ووعدهم بالنظر إلى وجهه الكريم، وأن يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعدها أبدًا، وذلك أكمل وأتم، قال تعالى:        . فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه تعالى، وأن يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعدها أبدًا، ولا شك أن نعيم الجنة يتضاءل مقارنة بهذا الرضوان وتلك الزيادة.
وقد خطب أبو موسى الأشعري على منبر البصرة فقال: إن الله يبعث يوم القيامة ملكًا إلى أهل الجنة، فيقول: يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم؟فينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامة، فيرون الحلي والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة، فيقولون: نعم، قد أنجزنا الله ما وعدنا. ثم يقول الملك: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ثلاث مرات، فلا يفقدون شيئًا مما وعدوا، فيقولون: نعم، فيقول:
قد بقى لكم شيء، إن الله يقول:       ألا إن الحسنى الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.
وقد سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن قوله:   : فقيل له: أرأيت قوله:   قال: إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم، نودوا: يا أهل الجنة، إن الله قد وعدكم الزيادة، فيتجلى لهم. قال ابن أبي ليلى: فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم، وحين صارت الصحف في أيمانهم، وحين جاوزوا جسر جهنم ودخلوا الجنة، وأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم؟كل ذلك لم يكن شيئًا فيما رأوا!

 83 - من فضلك، اشرح لنا بالتفصيل الحدود المقررة لكل من الزنا والسرقة والردة في الشريعة الإسلامية؟
كما لا يصلح أن تزرع نبتة في غير أرضها، أو في غير إبانها، لا يجوز أن يقتطع مبدأ شرعي عن بقية الأحكام الشرعية المرتبطة به ليوضع في منظومة علمانية، ثم تبدأ محاكمته داخل هذا الإطار. إن التهمة التقليدية التي توجه إلى العقوبات الإسلامية أنها قد أوفت على الغاية في القسوة والصرامة؛ ولكي نميز الحقيقة من الادعاء في هذه التهمة أضع بين يديك الحقائق التالية:
- إن فلسفة العقوبة في الشريعة تقوم على مقاومة العوامل النفسية التي تدعو إلى ارتكاب الجريمة وتغري بها بعوامل مضادة تصد عنها وتزهد في ارتكابها، لقد جبلت النفوس على الموازنة بين المصالح والمفاسد، فإذا كانت العقوبة رخوة هينة استخف بها مريدو الإجرام، ولم تنشئ في نفوسهم من الردع ما يصدهم عن ارتكاب الجرائم؛ ولهذا قلَّت الجرائم في المجتمعات التي تطبق الشريعة، وانعدمت أو كادت حوادث العود إلى ارتكاب الجرائم التي تغص بها المجتمعات العلمانية المعاصرة، فكأن القيمة الحقيقية للعقوبة الشرعية تكمن في التهديد بها، والتخويف بإيقاعها، لا بإيقاعها فعلاً من الناحية العملية.
- إن هذه العقوبات حلقة في سلسلة متكاملة من الأحكام والشرائع التي يأخذ بعضها بحجز بعض، ولا يمكن تطبيق جزء منها بمعزل عن البقية.
لقد سأل عمر أحد ولاته يومًا: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق؟فقال: أقطع يده، فقال له: إذن إذا جاءني أحد من عندك بجائع قطعت يدك! إن للناس حقوقًا متى أديناها لهم تقاضيناهم شكرها، وأقمنا عليهم حدود الله المتعلقة بها؛ ولهذا كان من فقهه أنه لم يقم الحد في عام الرمادة لعموم الحاجة، واختلاط السراق بالمحاويج، وشيوع الفاقة.
إن عقوبة كعقوبة الزنا - على سبيل المثال - لا تطبق إلا وسط منظومة متكاملة من القواعد التشريعية التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
الحض على الزواج وتيسير إجراءاته، والإعانة عليه؛ سواء من أموال الزكاة، أو أموال بيت المال.
إباحة الطلاق وتيسير إجراءاته، مع بيان كونه بغيضًا إلى الله -جل وعلا- ولكنه مشروع على كل حال؛ لأن المبالغة في تعقيد إجراءات الطلاق قد تحمل كثيرًا من الناس على تفضيل المخادنة واتخاذ العشيقات، فرارًا من تحمل تبعات الطلاق، عند انعدام الرغبة في استمرار الحياة الزوجية ومسيس الحاجة إلى الطلاق.
إباحة طلب المخالعة من قبل المرأة عند مسيس الحاجة إلى ذلك، لبغض الزوج واستحالة استدامة العشرة معه، وتشريع حق المرأة في المطالبة بالتطليق للضرر؛ لغيبة الزوج، أو إعساره، أو عنته وعجزه الجنسي، مع التأكيد على أنه أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس لم ترح رائحة الجنة، وأن المختلعات في غير ما بأس هن المنافقات!
الأمر بغض البصر، وستر العورة، وتحريم التبرج، والخلوة بالأجنبية، وسفر المرأة بغير محرم، وتحريم الأغنية الهابطة، والصورة الفاتنة، والكلمة المثيرة، وغير ذلك من دواعي الفتنة ومهيجات الإغراء.
إباحة التعدد عند الحاجة إليه، بشرط العدل، والقدرة على الإنفاق.
التشدد في إثبات جريمة الزنا، بحيث لا تكاد تثبت هذه الجريمة بشهادة الشهود في المجتمع الإسلامي؛ لأنه يشترط لإثباتها بشهادة الشهود - أربعة شهود عدول يرون حالة الزنا كما يرى القلم في المحبرة، وهيهات هيهات! فإن تلجلج أحدهم أقيمت على الباقين عقوبة القذف ثمانون جلدة، بالإضافة إلى التفسيق، وإسقاط الشهادة! فلا يبق إلا إثباتها بالحمل ممن لا زوج لها، أو الإقرار الذي لا تشوبه شائبة إكراه، وفي حالة ظهور الحمل إن ادعت الاغتصاب قبل ذلك منها واعتبر شبهة تدرأ عنها الحد، وفي حالة الإقرار إذا رجع عنه في أي وقت قبل رجوعه، وأوقف توقيع العقوبة عليه.
تحريم التجسس وتتبع العورات، وإشاعة خلق الستر وعدم إشاعة الفاحشة، وتعظيم أمر الأعراض، وبيان أن من ستر على أخيه فكأنما أحيا موءودة من قبرها! والتأكيد على أن العقوبة لا تطال إلا المجاهرين، أما من أغلق دونه بابه، وارتكب من المعاصي ما ارتكب، وكل أمره إلى الله، ولا سبيل لأحد إليه، وتشريع عقوبة مغلظة على من يرمي غيره بالزنا ويعجز عن إقامة البينة.
درء الحدود بالشبهات، فأيما شبهة تنشأ تكون كافية لدرء الحد وتبرئة المتهم، والتأكيد على أن خطأ الإمام في العفو خير من خطئه في العقوبة!
في ظل هذا كله تنشأ عقوبة الزنا التي تفرق بين المحصن فتتشدد معه، وبين البكر فتقدر صبوته، وتخفف العقوبة عنه، والتي لا تكاد تطبق أصلاً في مثل هذه الأجواء لانعدام الدوافع إلى الزنا من ناحية، وعسر إثباته من ناحية ثانية، وتبقى قيمة العقوبة في الحقيقة في التهديد بها، والتخويف بإيقاعها، لا بتطبيقها من الناحية العملية.
أما بالنسبة لعقوبة الردة وما أثير حولها من الجدل، فإليك بعض الحقائق التي تجلي بعض هذه الشبهات:
إن المبدأ الإسلامي العام:      ••     (البقرة: 256 )، فلا يجوز إكراه أحد على الإيمان، وقد قال تعالى لنبيه :   ••     ( يونس: 99 ).
من اختار البقاء على دينه من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي فإنه يتمتع بحماية الدولة الإسلامية في إطار هذا المبدأ العام ( تركهم وما يدينون)، ويشترك مع غيره من المسلمين في التمتع بمرافق هذه الدولة، ويعطى على ذلك ذمة الله ورسوله، وله من الحقوق ما لا يحل المساس به بحال من الأحوال، وذلك في مقابل الاشتراك في الأعباء المالية للدولة الإسلامية، والالتزام بما يلتزم به جميع المواطنين في هذه الدولة من الولاء العام للدولة الإسلامية وعدم المساس بحرماتها العامة.
من أراد الدخول في الإسلام من غير المسلمين فإن له ذلك، وعليه أن يستوثق، وأن يتأكد من جدية اختياره؛ حتى لا تتخذ الأديان مطية لتحقيق أهواء بشرية، أو نيل مآرب مادية؛ لأنه لا يحل له التحول عن هذا الدين بعد اختياره وإعلان الانحياز لجماعته.
من عرضت له شبهة بعد إسلامه حملته على الردة، فإن له الحق كل الحق في إزالة هذه الشبهة بالحوار والمناقشة الهادئة، من خلال ما أطلق عليه أهل العلم الاستتابة، بعيدًا عن التخويف والتهديد، وله الحق في أن يتربص به إلى أن تزول شبهته مهما طال الأمد!
من تحول عن دينه بعد اعتناقه، ولم يبد صفحته للناس بهذا التحول فلا سبيل لأحد إليه؛ لأن السلطان الإسلامي لا يحاسب إلا على ما أظهره الناس، لا على ما أسروا به وتواروا به عن أعين العامة!
من جاهر بردته، وأصر عليها، بعد الاستتابة وإزالة الشبهة وإقامة الحجة، فإن جمهور أهل العلم على أنه يقتل، ومنهم من قال لا يقتل إلا بالخروج على سلطان الدولة، وإعلان التمرد عليها والمحاربة لها، كما كان من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق، وقد نسب هذا الرأي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته الموسومة بالقتال، وفي صحة نسبه إليه مقال.
ووجه الحكمة في عقوبة المرتد على هذا النحو أن لا تتخذ الأديان لهوًا ولعبًا، ولا سلمًا لتحقيق بعض المآرب، واقتناص بعض الشهوات، وإن جميع الدول تعاقب بالإعدام من يرتكبون جريمة الخيانة العظمى، ولم يحتج عليهم أحد بأن هذا ضد حقوق الإنسان أو ضد حرية الاختيار، وإذا كان الإسلام دينًا ودولة، وكان الإسلام هو روح هذه الدولة، ولحمة أمرها وسداه، ولا يعرف الفصام النكد بين الدين والحياة، ولا يفرق بين العقيدة والشريعة، فإن الانقلاب عليه انقلاب على الأمة، وانقلاب على الدولة، وخيانة عظمى لرسالتها ومبادئها، ودورها في هذه الحياة، لقد كان فريق من اليهود يقولون آمِنوا بالذي أنزل على الذين آمَنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، ليكونوا بذلك مَثلَ سوء لمريد الإسلام، وفتنة لأبنائه، يقولون: لو كان هذا الدين حقًّا ما رجع عنه من آمن به وسبر غوره! فقطعًا للطريق على هؤلاء العابثين، وتعظيمًا لحرمة الإسلام والمسلمين، كانت هذه العقوبة التي لا تطبق إلا بعد سلسلة طويلة من الإجراءات قلَّ أن يبقى بعدها أحد على الردة؛ ولهذا كانت حوادث تطبيق هذا الحد في ظل الدولة الإسلامية قليلة، تكاد تعد عدًّا!
وقد يعسر على العقلية الغربية أن تفهم هذا؛ لأنها ألفت الفصل بين الدين والدولة، والردة عندها مسألة دينية؛ فما شأن الدولة بها؟ولكن الإسلام لا يعرف هذا الفصام بين الدين والدولة، فدولته تقام على أساس من شريعته ودينه، والمرجعية العليا في باب العبادات هي نفس المرجعية العليا في باب الشرائع والمعاملات؛ ولهذا فإن هذه الدهشة تزول عندما نتصور عقوبة الردة في المجتمعات النصرانية، إن عقوبتها عقوبة كنسية تتمثل في الطرد والحرمان من ملكوت الرب، فهي نوع من الإعدام الروحي والأدبي لهذا المرتد، ولا علاقة للدولة بها؛ لأن الدولة لا علاقة لها على الجملة بكل ما يتصل بشؤون الدين والحياة الآخرة، والإعدام الروحي الذي تمارسه السلطات الكنسية نظير الإعدام المادي الذي تقرره الشريعة، بعد الاستتابة واستيفاء جميع الضمانات التي سبقت الإشارة إليها، لعدم وجود هذا الفصل بين الدين والحياة في منظومة الفكر الإسلامي.

مسائل حول النساء في الإسلام
 84 - ما دور المرأة المسلمة في الإسلام؟
المرأة المسلمة أوفر نساء العالمين كرامة، وأولاهن بالحياة الطيبة في هذه الدنيا، فضلاً عما أعد لها من الثواب الجزيل في الآخرة، هذا إذا أحسن الناس فهم الإسلام وأحسنوا تطبيقه من ناحية، وإذا أحسنوا التعامل مع المصطلحات، وضبطوا المفاهيم بضوابط العدل والموضوعية من ناحية أخرى، فلم تفسر الكرامة مثلاً على أنها الحق في المخادنة والرذيلة (! ) أو الحق في السحاق والشذوذ (! ) والتحلل من كل حريجة دينية أو خلقية، أو الحق في الانتحار والإلقاء بالنفس إلى التهلكة (! )، وفي هذه النقاط إشارة خاطفة إلى أبرز ما يناط بالمرأة المسلمة من رسالة، وما أعد لها في الإسلام من كرامة.
المرأة راعية في بيت زوجها:
فهي سكن لزوجها، وحفيظة على ماله وولده، وهي أول مدرسة يلتحق بها الناشئة، فإن طابت طاب المنشأ كله بعد ذلك، وإن فسدت باتت سفينة الناشئة في مهب الرياح، وملتقى الأنواء والعواصف! قال تعالى:           ( النساء: 34 )، أي صالحات في أديانهن، مطيعات لأزواجهن، حافظات لهم في أنفسهن وأموالهم، حافظات لأزواجهن من عرض فلا يزنين، ومن سر فلا يفشين، ومن سمعة فلا يجعلنها مضغة في الأفواه، وقال : (( والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ))، وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : (( خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ))، قال: ثم قرأ رسول الله :               . .. الآية.
المرأة عالمة وفقيهة:
فالنصوص الحاضة على طلب العلم عامة تخاطب النساء كما تخاطب الرجال، وقوله : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) تكليف عام يشمل الرجال والنساء جميعًا، كما نص على ذلك الأثبات الفحول من أهل العلم. ولقد برزت المرأة في طلب العلم الشرعي عبر التاريخ، وكان لها من المنزلة ما طاولت به عنان السماء.
المرأة مشاركة في العبادات الجماعية:
وذلك كصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، والاعتكاف، والحج ونحوه، وكل ذلك ثابت بالأحاديث الصحاح عن رسول الله .
المرأة مشاركة في العمليات الإغاثية:
وذلك كمداواة الجرحى، ومعالجة المرضى، وخدمة المقاتلين بصفة عامة، مما يمكن أن يطلق عليها في واقعنا المعاصر العمليات الإغاثية، وقد يكون أحيانًا بمشاركتها في بعض العمليات القتالية الدفاعية إذا لزم الأمر.
فعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي ، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة.
وعن أم عطية قالت: (( غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضي )) ( رواه مسلم ).
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أصيب سعد يوم الخندق فضرب له النبي خيمة في المسجد ليعوده من قريب. متفق عليه، وبين الحافظ بن حجر - رحمه الله -: أن رسول الله جعل سعدًا في خيمة رفيدة عند مسجده، وكانت امرأة تداوي الجرحى، وقال: (( اجعلوه في خيمتها لأعوده من قريب)).
وعن أنس بن مالك قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما. تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواههم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان تفرغانه في أفواه القوم.
وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها. فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله : (( ما هذا الخنجر؟))، قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك.
المرأة مشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فالمرأة تحتسب على الولاة، وتصدع في وجوههم بكلمة الحق، وإن أغضبت في ذلك من أغضبت، فالنصوص التي تأمر بذلك عامة، والأصل فيها أنها تخاطب الرجال والنساء جميعًا، وقد قال تعالى:
               •         •     ( التوبة: 71 ).
وإن تنس ذاكرة التاريخ فلن تنسى موقف أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - مع الحجاج عندما صلب ولدها عبد الله بن الزبير فتصدت لصلفه وكبريائه، وصدعت في وجهه بنبوءة النبي حول كذاب ثقيف ومبيرها قائلة: أَمَا إِنّ رَسُولَ اللّهِ حَدّثَنَا: (( أَنّ فِي ثَقِيفٍ كَذّاباً وَمُبِيرًا ))، فَأَمّا الْكَذّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمّا الْمُبـِيرُ فَلاَ أخَالُكَ إِلاّ إِيّاهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. وقد ذكر مسلم ذلك في باب فضائل الصحابة تحت عنوان باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.
وهذه أسماء بنت عميس ترد على عمر قوله عندما قال لها: سبقناكم بالهجرة، فنحن أولى برسول الله منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله ورسوله ، وايم الله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ، ثم ينتصر لها رسول الله ويقول لها: (( ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان )). قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً، يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي .

المرأة سيدة بيتها:
ليست هذه عبارة أدبية مما تدغدغ به عواطف الناس في لمجالس والمنتديات، ولكنها جزء من حديث نبوي صحيح، يقول فيه النبي : (( كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها )) ( صحيح الجامع الصغير: 4 / 183 ).
ومن مظاهر سيادتها على بيتها ما يلي:
حقها في اختيار الزوج فلا تزوج إلا بإذنها:
فقد قال : (( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر ))، فقيل له: إن البكر تستحيي؟فقال: (( إذنها صماتها )) ( متفق عليه )، وقال : (( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها )) ( رواه مسلم ).
يقول النووي - رحمه الله -: (( واعلم أن لفظة أحق هنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقًّا، ولوليها حقًّا، وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفؤًا وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوجها القاضي، فدل على تأكيد حقها ورجحانه )) ( صحيح مسلم بشرح النووي: 9 / 204 ).
وقال : (( استأمروا النساء في أبضاعهن )) ( رواه أحمد والنسائي، صحيح الجامع الصغير: 930 ).
وقال : (( إذا أراد أحدكم أن يزوج ابنته فليستأمرها )) ( رواه الطبراني في الكبير، صحيح الجامع الصغير: 300 )
وإذا زوج الرجل ابنته رغمًا عنها فنكاحه مردود، وقد عنون البخاري في صحيحه لذلك فقال: ( باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود )، وفي الباب حديث خنساء بنت خدام الأنصارية - رضي الله عنها - أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله فرد نكاحها ( رواه البخاري ).
حقها في حل عقدة النكاح بالخلع:
ومن مظاهر سيادتها لبيتها ما جعل لها من الحق في مفارقة الزوج إذا هي كرهته، فكما يحق للزوج حل عقدة النكاح بالطلاق لها الحق مثل ذلك بالخلع، يقول ابن رشد - رحمه الله -: (( فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل ))، ويقول الحافظ ابن حجر: (( إن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده فيهما جميعًا، وإن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل، ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها )).
حقها في الكرامة والمعاشرة بالمعروف:
قال تعالى:                (النساء: 19 )،
والمعروف هو ما لا ينكره الشرع والمروءة، وذلك بتوفية حقها في المهر والنفقة، وتجنب العبوس في وجهها بغير ذنب، وتطييب قوله لها، فلا يكون فظًّا ولا غليظًا، ولا مظهرًا ميلاً إلى غيرها، وتحسين فعله وهيئته بحسب قدرته كما يحب ذلك منها، فإن الله - جل وعلا - يقول:       ( البقرة: 228 ).
 85 - ماذا يقال في القرآن عن النساء وعلاقتهن بالرجال؟
النساء شقائق الرجال، والأصل في الخطاب التكليفي في القرآن والسنة أنه يتوجه إلى الجميع رجالاً ونساء:       ( البقرة: 228 )، والنساء موضع وصية النبي ، (( استوصوا بالنساء خيرًا ))، (( وما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم ))، والمرأة في الإسلام بنت أو أخت أو أم أو خالة أو عمة، ولكل هؤلاء من الحرمات والحقوق المصونة ما لا تجسده الكلمات، وهي في نظره نصف المجتمع، وتلد له نصفه الآخر، فهي أمة بأسرها!


86 - لماذا يعتبر القرآن النساء في المستوى الأدنى في المجتمع؟
ومن ذا الذي زعم ذلك إلا غلاة المستشرقين أو فئام من الشانئين؟ونبي الإسلام  يقول: (( إنما النساء شقائق الرجال ))! ! ( رواه أبو داود )، ويقول فيما يرويه أبو هريرة: (( كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها )) ( صحيح الجامع الصغير: 4 / 183 )، وكتاب الإسلام يقول:       (البقرة: 228 ).
لقد قرر القرآن الكريم وحدة الأصل الإنساني لكل من النساء والرجال، فقال تعالى:  ••                 •       •     ( النساء: 1 ).
وجعل الرجال والنساء في أصل المسؤولية سواء، وكان الخطاب القرآني متوجهًا إليهما علىحد سواء، يقول الفقيه ابن رشد: (( الأصل أن حكمهما واحد، إلا أن يثبت في ذلك فارق شرعي ))، ويقول ابن القيم - رحمه الله -: (( قد استقر في حكم الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكر إذا أطلقت ولم تقترن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء ))
- وقرر مبدأ اشتراكها في الميراث بعد أن كانت تورث كما يورث المتاع، فقال تعالى:               •      •  ( النساء: 7 ).
يقول عمر بن الخطاب فيما يرويه البخاري في صحيحه: (( كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقًّا ))، وفي رواية أخرى عنه: (( والله إن كنا في الجاهلية ما نعد النساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم )).
وقرر حقها في التعليم والتربية فقال : (( من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كن له سترًا من النار )) ( متفق عليه )، وقال : (( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ))، وإذا كان هذا في الإماء، فأولى أن يكون في الحرائر من البنات والأخوات وسائر النساء؛ ولهذا شاركت المرأة المسلمة عبر التاريخ في رواية السنة شأنها شأن الرجال، وما رد أحد من المحدثين حديث امرأة لمجرد كونها امرأة، وقد أبلى النساء في ذلك بلاء حسنًا. . يقول الحافظ الذهبي: (( لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في الحديث ))، ويقول - رحمه الله -: (( وما علمت من النساء من اتهمت ولا من تركوها )) ( ميزان الاعتدال: 4 / 604 )، وقد كان من شيوخ الحافظ ابن عساكر بضع وثمانون من النساء! والإمام أبو مسلم الفراهيدي المحدث يكتب عن سبعين امرأة، ومن النساء في تاريخ هذه الأمة من كن شيوخًا لمثل الشافعي والبخاري وابن خلكان وابن حيان وغيرهم! ! ويقول الشوكاني - رحمه الله -: (( لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة )).
وجعل المرأة سكنًا للرجل، فقال تعالى:             ••   •       ( الروم: 21 )،
وأوصى بها خيرًا فقال : (( استوصوا بالنساء خيرًا )) ( متفق عليه )، وبين فيما رواه أبو هريرة أن (( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم )) ( رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح )، وأوصى بالتغاضي عن زلاتها، وما عسى أن يكون فيها من عوج، فقال : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر، أو قال غيره )) ( رَوَاهُ مُسْلِمٌ ). والفرك هو البغض، يقال: فركت المرأة زوجها، أي أبغضته؛ وفركها زوجها، أي أبغضها، وبين أن (( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة )) ( رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ).
وجعل لها - كما سبق - الحق في مفارقة الزوج إذا هي كرهته، فكما يحق للزوج حل عقدة النكاح بالطلاق، لها الحق مثل ذلك بالخلع، يقول ابن رشد - رحمه الله -: (( فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل ))، ويقول الحافظ ابن حجر: (( إن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده فيهما جميعًا، وإن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها، ولم ير منها ما يقتضي فراقها )). - وعندما أطاف بآل رَسُول اللَّهِ نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رَسُول اللَّهِ : (( لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم )) ( رواه أبو داود بإسناد صحيح ).
وقد كان النساء موضع وصية الرسول ، وحسبك أن تعلم أن وصيته بهن ظلت إلى آخر لحظة في حياته .
 87 - لماذا الرجال أعلى من النساء في الإسلام؟
لعلك تتحدث عن درجة القوامة التي قال الله فيها:        
( البقرة: 228 )، وقال فيها:                ( النساء: 34 ).
إنها قوامة تنظيمية لا يصلح أمر الحياة إلا بها، فالحياة الزوجية حياة اجتماعية، وقانون الفطرة يقضي أنه لا بد عند الاجتماع من رأس، تنتظم به الأمور، فلا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، ولو تخيلنا البيت شركة اقتصادية أو مؤسسة تربوية فلا بد له من رأس ينتظم به أمره، والخيارات المتخيلة أربعة: إما أن يكون كل من الزوجين رأسًا، وفي ذلك فساد عريض لتضارب الإرادات الذي يفضي إلى التهارج لا محالة، وإما أن تنتفي قوامة كل منهما ليعود الأمر إلى الفوضى التي اتفق العقلاء قاطبة على ردها، وإما أن تكون القوامة للمرأة وهو الأمر الذي تأباه الفطرة والمنطق، بل وتأباه المرأة نفسها، فلم يبق إذن إلا أن تكون القوامة للرجل، لكونه أدرى بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله؛ ولهذا كان مطالبًا بحماية المرأة والإنفاق عليها، وهو صريح قوله تعالى:
                 
( النساء: 34 ).
إن المرأة تقبل أن تكون مرءوسة في العمل، ولا ترى في ذلك غضاضة؛ فلِمَ تستنكف أن تكون مرءوسة في البيت، وتراه غاضًّا من كرامتها وقادحًا في إنسانيتها ؟! إن سفينة الحياة لابد لها من ربان وإلا غرقت بمن فيها وما فيها! ولقد كان التعبير القرآني دقيقًا، فلم يقل الرجال سادة على النساء، وإنما قال:   ، والقوامة تقتضي التعهد والحفظ والرعاية، واستفراغ الوسع في التحوط والصيانة.
إن التخوف الحقيقي لا يكون من مبدأ القوامة، فإنه لا يجادل في هذا المبدأ إلا مأفون الرأي ذاهب العقل؛ ولكن المحذور ما قد يشوب ذلك من الظلم والفظاظة وسوء العشرة، وهذه منكرات لا علاقة لها بقضية القوامة في ذاتها، فالظلم ظلمات يوم القيامة، والإساءة إلى القرين شأن السفلة من الناس، وخيار الناس خيارهم لنسائهم، وإن الله يبغض كل جعظري جواظ، وقد بعث النبي ليتمم مكارم الأخلاق، وقد ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة، وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم. وكل هذه المعالم قد أكدت عليها نصوص الوحيين قرآنًا وسنة، ولم تزل وصية النبي  بهذا الأمر حتى وهو على فراش الموت، وإن وقع من بعض الأزواج شذوذ وسوء عشرة فإنه انحراف يسألون عنه ويحاسبون عليه، ويمثلون أمام ديان الأرض في الدنيا للعقوبة عليه، وسيمثلون غدًا بين ديان الأرض والسماء ليجزيهم أسوأ الذي كانوا يعملون، وقد جعل للمرأة الحق في إيقاف هذه الحياة وطلب المفارقة إذا أساء زوجها عشرتها، ولم تجد معه وسائل النصح والتقويم؛ ولكن هذا كله لا علاقة له بمبدأ القوامة الذي لا تصلح الحياة الزوجية إلا به.
إن الناس يقبلون بقوامة أولي الأمر منهم، ولكنهم يرفضون ظلمهم واستطالتهم، وقد شرع لهم الحق في الإنكار عليهم، والتصدي لهم، ومقاومة جبروتهم عند الاقتضاء؛ ولكن لم يقل أحد بإلغاء مبدأ السلطة والدولة بسبب انحراف وقع من بعض الولاة، فإن هذا لا يسوغ في شرع ولا عقل! !
 88 - لماذا يظلم النساء في بلاد الإسلام؟
لا بد وأن نتفق أولاً على مفهوم الظلم ومعاييره قبل أن نناقش الإجابة على هذا السؤال، فإنني أنازعك في هذا التعميم؛ ولكي تتضح معالم الأمر لا بد من التفريق بين أمرين:
الأول: إن الظلم هو منع الحق، وقد اتفق العالم على ذلك؛ ولكن ما يعتبر حقًّا في بعض الثقافات أو بعض المجتمعات قد لا يكون حقًّا في واقع الأمر وحقيقة الحال، إنكم تعتبرون حرية المخادنة وممارسة الفاحشة حقًّا (! )، وأن منعها ظلم (! )؛ وتعتبرون ممارسة الشذوذ الجنسي وإسباغ الشرعية والحماية القانونية على دعاته والمروجين له حقًّا (! )، وأن منعه ظلم (! )؛ وترون حرية تعاطي الخمور حقًّا (!)، ومنعها ظلم (! )؛ وترون الثقافة الهابطة التي تمجد الرذيلة وتغري بالفاحشة وتشيعها في المجتمعات، وتصور الوقاع بين الذكر والأنثى في أبشع صوره، وتبثه علنا على الملايين ثقافة وفنًّا (! )، وقد ترونها حضارة وإبداعًا (! )؛ وترون منع ذلك من أبين الظلم (! ) والإسلام بل وجميع الملل السماوية تحرم ذلك تحريمًا قاطعًا وتقطع الذريعة إليه، فلا بد أن نتفق أولاً على تعريف للظلم وتحديد معايير عملية له؛ حتى تتسنى الإجابة الدقيقة على هذا السؤال.
الثاني: أن عدم ممارسة بعض الحقوق لا يعني بالضرورة الظلم، فقد يكون ذلك باختيار حر من أصحابها؛ تقديرًا لمصالح واعتبارات يرونها أجدر بالاعتبار والرعاية. إن للمرأة الحق في العمل مثلاً متى احتاجت إلى ذلك؛ ولكن كثيرًا من النساء لا يمارسن هذا الحق، ويرون القرار في البيوت للقيام على الناشئة أولى لهن وأقوم بأحوالهن، وإن للمواطنين الحق في التصويت؛ ولكن ليس كل من يتمتعون بهذا الحق يمارسونه عمليًّا، فقد تعزف نفوسهم عن ممارسته لسبب أو لآخر.
إن الحق في التقاضي مكفول للناس كافة، وقد يفضل كثير من الناس التغاضي عن بعض حقوقهم وعدم الدخول في معمعة التقاضي والتردد على أبواب المحامين، وإن لجميع المواطنين الحق في التعليم الأولي المجاني في أغلب المجتمعات؛ ولكنهم قد يفضلون التنازل عن هذا الحق واللجوء إلى التعليم الخاص أو التعليم المنزلي؛ نظرًا لفساد البيئة والمناخ في أوساط المدارس العامة، وهكذا. .
فلا بد إذن أن نفرق بين الحق والواجب، فإن كثيرًا مما اتفق على كونه حقًّا تتفاوت ممارسته من مجتمع إلى آخر، حسب تفاوت الثقافات والبيئات والأعراف والقيم والموازين السائدة.
الثالث: أن الانحرافات لم يخل منها مجتمع من المجتمعات، والمبادئ تقوم من خلال مضمونها وحقيقتها، وليس من خلال انحرافات قلة من المنتسبين إليها، فإذا وجدت بعض المظالم في بعض البيئات فهو من الباطل الذي يسخطه الله ورسوله، وينكر عليه الصالحون من عباد الله أينما وجد، ولا يسبغون عليه شرعية بحال من الأحوال؛ ولكنك إذا قست الظلم الذي يمكن أن ينسب إلى بعض الأوساط الإسلامية بما يقع من غيرهم لوجدتهم أقل الناس في ذلك، على الرغم مما نعتقده ويعتقده كل مسلم من أن الظلم قليله وكثيره محرم!
وأخيرًا: فإننا لم نعرف ظلمًا للمرأة كهذا الذي يمارس في المجتمعات العلمانية، التي حولت جسد المرأة إلى سلعة، تروج بها البضائع والمنتجات، وألجأتها إلى أشق الأعمال وأعنفها عندما أعلنت التخلي عن كفالتها، وألزمتها بالكدح في طلب القوت؛ وسل عن ذلك عدد الضحايا اللائي يعشن في الملاجئ، أو اضطررن إلى الهرب والاختفاء عن أزواجهن فرارًا من جحيم الحياة الأسرية، وانعتاقًا من طغيان الأزواج وجبروتهم!
 89 - إذا كان الرجال والنساء سواء؛ لماذا يمنع النساء من قيادة السيارة في السعودية؟
هذا اجتهاد خاص ببعض أهل العلم في هذا المجتمع، بناء على تقديرهم للمصالح والمفاسد في هذا المجتمع، لظروف خاصة به، وما كان من الاجتهادات الفقهية مبنيًّا على تقدير المصالح والمفاسد، فهو مما تختلف فيه الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال، وكما هو معروف فإن هذا الأمر ليس موضع إجماع علماء الأمة بطبيعة الحال، والدليل على ذلك أن النساء يقدن السيارات في سائر المجتمعات الإسلامية على مسمع ومرأى من علمائها بغير نكير.
 90 - هل يجوز للنساء أن يتولون الأمر في بلاد الإسلام؟
فيما عدا رئاسة الدولة، وما كان في معناها، فإن الأمر في محل الاجتهاد الفقهي، ولا توجد نصوص قاطعة تنهى عن ذلك؛ لقد أجاز الأحناف للمرأة القضاء فيما تقبل شهادتها فيه، وهو ما سوى الحدود والقصاص، بل أجاز الطبري وابن حزم لها ولاية القضاء بإطلاق، قياسًا على جواز إفتائها، وحملوا حديث: (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) على الولاية العظمى، واستدلوا بالإجماع المنعقد على جواز أن تكون المرأة وكيلة لأي فريق من الناس، تتولى تصريف أموالهم وإدارة مشروعاتهم، وجواز أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصي الأهلية، فإذا وجد من النساء من تميزت بكفاية خاصة لم يوجد لها نظير بين الرجال، فالباب أمام أمثالها مفتوح على مصراعيه، وفي هذه الاجتهادات الفقهية منادح واسعة!
 91 - لماذا يمنع النساء من الاشتراك في الانتخاب في كثير من بلاد الإسلام؟
ما أعجب هذا التعميم! إن شاشات التلفاز تنقل لك صور النساء وهن يمارسن هذا الحق في السواد الأعظم من المجتمعات الإسلامية؛ فمن أين لك هذه الدعوى؟وأنى لك هذا التعميم ؟!
 92 - لماذا يمنع النساء من الاشتراك في العالم السياسي؟
هذه دعوى يدحضها الواقع، وتصرفات قلة من الناس لا تحاكم بها الكثرة عند السواد الأعظم من العقلاء، وأيًّا كان الجدل الفقهي الدائر حول هذه القضية، فإن أبرز مظاهر العمل السياسي في واقعنا المعاصر تدور في الجملة حول الحق في التصويت، والحق في الترشيح للمجالس النيابية ومجالس الشورى.
أما التصويت فهو نوع من التوكيل في ممارسة الحقوق السياسية، تقوم من خلاله الأمة باختيار من ينوب عنها في مباشرة هذه المهام، وليس في قواعد الشريعة وأصولها الكلية ما يمنع المرأة من أن توكل إنسانًا للدفاع عن حقوقها، والتعبير عن إرادتها في هذه المجالس أو في غيرها من مؤسسات الدولة؛ ولكن المحظور ما قد ينشأ بمناسبة ممارسة هذا الحق من مفاسد، كمفسدة التبذل، أو التبرج، أو الخلوة غير المشروعة، ونحوه.
أما حق النيابة أو الترشيح لمجالس الشورى فإن طبيعة العمل في هذه المجالس تدور حول محورين رئيسين: محور الاجتهاد في سن الأنظمة واللوائح، وهي قضية علمية؛ ومحور الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وهي من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس في قواعد الشريعة ما يحرم على المرأة هذا أو ذاك، متى توافرت لديها الإمكانات اللازمة لذلك، وتجنبت المفاسد التي قد تصاحب هذا العمل كما سبق.
نقول من حيث المبدأ لا يوجد ما يحرم على المرأة المشاركة في ذلك؛ ولكن تبقى المصلحة بعد ذلك هي الحكم في تقرير ممارسة هذا الحق أو عدم ممارسته، فقد ترى المرأة أن تنأى بنفسها عن الدخول في هذا المعترك، ولاسيما في ظل غياب الربانية والضوابط الشرعية في ممارسة هذا العمل؛ حيث يصبح سلسلة موصولة من المؤامرات والدسائس والمكائد الحزبية، وقد لا تحتمل سمعة المرأة أن تلوكها الألسنة المغرضة، وتقع في عرضها، وتفتح النار على خصوصياتها لاعتبارات حزبية أو لخصومات سياسية!
وليس في تقرير منع طائفة بعينها من الاشتغال بالعمل السياسي ما يعد قدحًا في الكرامة أو إهدارًا للآدمية. إن كثيرًا من النظم الوضعية المعاصرة تمنع رجال القضاء ورجال القوات المسلحة من الاشتراك في المعترك السياسي، وتنأى بهم عن الدخول في غماره، ليظل ولاؤهم ملكًا للأمة في مجموعها، ولا يتشتت بين هذا الحزب أو ذاك؛ لأن طبيعة المهمة المنوطة بهم طبيعة قومية تقتضي التوافر لها، والبعد عن التهارجات الحزبية.
 93 - كيف يسمح القرآن للرجال أن يضربوا أزواجهم ؟!
لعلك تقصد الإشارة إلى قوله تعالى:                  (النساء: 34)، ولنبدأ أولاً ببيان المراد من الآية ثم نجيب على سؤالك. إن الآية الكريمة تتحدث عن حالة نشوز المرأة على زوجها، وتصف علاجًا له؛ فما هو ذلك النشوز؟وما ذلك العلاج الذي وصفته الآية الكريمة؟
يقول ابن جرير الطبري شيخ المفسرين: وأما قوله:   إنه يعني: استعلاءهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه؛ بغضًا منهن، وإعراضًا عنهم، وأصل النشوز الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز ونشاز. وقد نقل هذا المعنى عن ابن عباس وابن زيد والسدي وعطاء وغيرهم من كبار الأئمة.
وأما العلاج الذي قررته الآية الكريمة فهو على هذا الترتيب الوارد فيها: الوعظ، ثم الهجر في المضجع، ثم الضرب اليسير في نهاية المطاف، قال تعالى:
 ، أي: ذكروهن الله، وخوفوهن وعيده في ركوبها ما حرم الله عليها من معصية زوجها فيما أوجب عليها طاعته فيه.
   ، وقد ترددت الأقوال الواردة في تفسير الهجر بين ترك الجماع مع المبيت معها في نفس الفراش، بأن يوليها ظهره في نومه ويعتزل جماعها، أو هجر كلامها في تركها مضاجعة زوجها؛ حتى ترجعن إلى مضاجعته، أو هجر فراشها بالكلية بأن لا يجمعها معها فراش واحد ما دامت على هذه الحال من النشوز، أو أن يقول لها هجرًا من القول ( أي قولاً غليظًا ) في تركها مضاجعة زوجها، وقد اتفقت الأقوال جميعًا على أن الهجر لا يكون إلا في البيت، فلا يحل له أن يترك البيت بالكلية، لقول النبي : (( ولا يهجر إلا في البيت )).
هذا هو آخر الدواء ونهاية المطاف، وقد أجمعت كلمة المفسرين على أن الضرب لا يكون مبرحًا، ومثلوا له بالضرب بالسواك ونحوه.
هذا هو المعنى الإجمالي للآية الكريمة، ومن ذلك نلاحظ ما يلي:
- أننا أمام حالة نشوز، أي امتناع المرأة عن طاعة زوجها استكبارًا وعنادًا، وترفعًا وإباء، وهو لا يأمرها بمعصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يكلفها ما لا تطيق؛ لأن التكليف بما لا يطاق منهي عنه، وإذا كان رب العالمين لا يكلف عباده إلا بما يطيقون؛ فكيف بعباده عندما يكلف بعضهم بعضًا ؟! فليس الأمر على النحو الذي يتخيله بعض الناس جهلاً أو مكابرة من صورة امرأة نحيلة مهذبة رقيقة، يبغي عليها فظ غليظ، فيطعم سوطه من لحمها ويسقيه من دمها ؟! إن هذه الصورة لم تأت بحلها شريعة قط، ولا وجود لها إلا في خيال الطاعنين، وحاشا لشريعة الله - عز وجل - أن تبيح هذه الصورة أو قريبًا منها!
- إننا أمام برنامج علاجي متدرج، يبدأ بالوعظ بالقول، وينتهي بالضرب اليسير الذي مثلوا له بالسواك ونحوه.
- إن بقية النصوص الشرعية تبين أن الطريقة المثلي والفضلى تجنب ضرب النساء بالكلية، وذلك لما يلي:
- ما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: (( ما ضرب النبي بيده امرأة قط، ولا خادمًا، ولا ضرب شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ))، وقد اختار الله لنبيه أفضل الأحوال وأكملها وأتمها.
- ما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أن النَّبِيُّ قال: (( بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ أَوْ الْعَبْدِ - وفي رواية جَلْدَ الْعَبْدِ - ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا - أو قال يجامعها - في آخر اليوم! ))، وهذا تعجيب من النبي ممن يفعل ذلك وتحذير منه؛ إذ كيف يطيب لأحد أن يسطو على امرأته بالضرب فتكون منه كالشاة من الذئب، ثم ذ آخر النهار كالعبد طالبًا منها القرب ؟! وكيف يليق به أن يجعل امرأته وهي كنفسه مهينة مهانة عبده؟بحيث يضربها بسوطه أو يده ؟! ولهذا يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: وليعلم الإنسان أن من لم ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط، وربما كان اللطف أنجح من الضرب، فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضًا، وفي الحديث: (( ألا يستحيي أحدكم أن يجلد امرأته جلد العبد ثم يضاجعها ؟! )) ( أحكام النساء: 82 ).
قولـه : (( لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم )) ( صحيح الجامع الصغير: 5 / 30 ).
ما روي من قوله : (( ولا يضرب إلا شراركم )).
والخلاصة أن الضرب اليسير طريق من طرق العلاج، يصلح في بعض البيئات ومع بعض النفوس، فهو علاج مر، وينبغي أن يستغني عنه الخير الحر، فكان من تمام كمال الشريعة التي جاءت لكل البيئات، ولشتى الأزمنة والأمكنة، أن تشير إليه في إطار محكم من الضوابط، التي تحول بينه وبين أن يكون سوط عذاب في يد كل عتل من الرجال يسطو به على من شاء من نسائه!
 94 - لماذا يصلي النساء خلف الرجال؟
هذه سنة النبي ، وقد عنون البخاري في صحيحه فقال: (( باب صلاة النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ )). وأورد فيه حديث أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم، فقد أخبرت - رضي الله عنها - أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّه، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ قَامَ الرِّجَال.
ومطابقته للترجمة من جهة أن صف النساء لو كان أمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهي عنه، ثم أورد فيه أيضًا حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه، وهو ظاهر فيما ترجم له.
ولعل بعض الحكمة في ذلك أنه أجمع لقلوب الرجال على الخشوع والتبتل، وعدم الانشغال بأمر النساء عند الوقوف بين يدي الله - عز وجل - وما أحوج الإنسان في هذه اللحظات إلى تجنب كل ما يشتت فكره ويلفت قلبه عن الله تعالى!
 95 - لماذا يمشي النساء خلف أزواجهن في الطرق؟
هذا من عندياتك، ولا أعرف له دليلاً في نصوص الشريعة، ولا واقعًا يدل عليه في ممارسات المسلمين، وإن وجد في بعض البيئات فهو من مواريث البيئة، ولا علاقة له بأحكام الشريعة. إن الشريعة هي ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة، وما حمل عليهما واستنبط منهما وفق القواعد المعتبرة للاجتهاد عند أهل العلم، وما وراء ذلك فهو فكر بشري، أو تراث بيئي، يأخذ به من شاء، ويرده من شاء، ومن تركه فلا تثريب عليه، ومن أخذ به فليس له أن يدخله في نسيج الشريعة، ولا أن يزعم أنه من جملة أحكامها، وإلا كان قولاً على الله بغير علم، وهو من كبائر الذنوب!
 96 - لماذا تمنع المرأة من صلاة الجماعة؟
لا تمنع المرأة من صلاة الجماعة، ومن زعم ذلك فقد أُتِيَ من قِبَل جهله بشرائع الإسلام، وسيرة نبيه ، فلم يزل النساء يشهدن الجمع والجماعات ومجامع الخير العامة مع النبي ، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (( كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله  صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس )) ( متفق عليه )، وقد كان النبي إذا سلم مكث قليلاً كيما ينفذ النساء قبل الرجال. وفي حادثة تحويل القبلة أثناء الصلاة تذكر الرواية: (( فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى المسجد الحرام )) ( فتح الباري: 2 / 52 )، وهذا يدل على شيوع مشاركة المرأة في صلاة الجماعة مع النبي ، ولما كثر النساء خصهن النبي بباب حتى لا يتأذين بمزاحمة الرجال، فعن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله قال: لو تركنا هذا الباب للنساء؟قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات! رواه أبو داود.
بل أمر النبي بإخراج النساء في صلاة العيدين حتى الحيض منهن، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى، فقد روى مسلم عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله ، أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب. قال: (( لتلبسها أختها من جلبابها )) (رواه مسلم ).
والعواتق جمع عاتق، وهي الجاريه البالغة، أو التي قاربت البلوغ. وقال ابن السكيت:
(( هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس، والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن ))
( الخدور ) الخدور البيوت، وقيل: الخدر ستر يكون في ناحية البيت)، و( الحيض ) جمع حائض.
( ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ) أي يحضرن مجالس الخير كسماع العلم. ويحضرن دعوة المسلمين، أي دعاءهم كاستسقائهم. 
وفي الباب أحاديث صريحة تحرم على الرجال أن يمنعوا نساءهم من شهود الجمع والجماعات متى رغبن في ذلك، بل عنون مسلم في صحيحه فقال: (( باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة ))، وساق فيه جملة من الأحاديث نذكر منها:
ما رواه سالم عن أبيه أن النبي قال: (( إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها )). ‏
عن ابن عمر أن رسول الله قال: (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )). وفي رواية: (( إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فائذنوا لهن )).
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : (( لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل ))، وفي رواية: (( ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد )).
ولكن هذا مشروط بالوقار والتزام الآداب الشرعية من الحجاب واجتناب الطيب ونحوه.
فعن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة زوج النبي تقول: لو أن رسول الله رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد. كما منعت نساء بني إسرائيل. قال: فقلت لعمرة: أنساء بني إسرائيل منعن المسجد؟قالت: نعم.
وقولها ( أحدث النساء ) يعني من الزينة والطيب وحسن الثياب.
فمشروعية خروج النساء إلى الجماعات مما علم بالضرورة من الدين، ولم يقل بإطلاق القول بمنعهن فيما نعلم أحد، على أن يعلم أن الله - جل وعلا - قد خفف عن النساء فلا يجعل ذلك واجبًا عليهن، وإنما هو حق لهن، ومرة أخرى فرق بين الحق والواجب.
 97 - هل يجوز للمرأة أن تجتمع بالرجال بدون زوجها؟
يجوز إذا كان ذلك لمصلحة، وتم في غير خلوة، وكان ذلك بعلمه وإذنه، ومن المعلوم أن الأزواج جميعًا يأذنون لزوجاتهم في المعتاد من الأعمال والاجتماعات: كالذهاب إلى العمل، وحضور الاجتماعات الخاصة به، والحديث مع الزملاء والرؤساء بالمعروف، ونحوه. وأما إذا كان المقصود حق المرأة في أن تخادن من الرجال من تشاء، وأن تواعدهن على اللقاء سرًّا وعلنًا متى تشاء، وأن تخلو بمن تشاء متى تشاء فلا، ولا نعمت العين ولا كرامة! !
 98 - ماذا يقول الإسلام عن إسقاط الجنين؟
للجنين في الإسلام حرمة كبرى، ومن الفقهاء من يحرم الإجهاض منذ اللحظة الأولى للعلوق، ومنهم من توسع في الأربعين يومًا الأولى إذا وجدت لذلك حاجات ظاهرة أو مصالح راجحة، ولا يجيزه بعد ذلك إلا عند الضرورات التي تتعرض فيها صحة الأم للخطر وتصبح الموازنة بين حياة الجنين أو حياة أمه، وقد انعقد الإجماع على أنه متى نفخت الروح في الجنين فإنه يحرم المساس به، حتى ولو أثبتت الفحوص الطبية أنه مصاب بتشوهات بالغة، إلا في حالة تعرض الأم لخطر الموت المحقق، وقد أوجبت الشريعة عقوبة مغلظة في حال العدوان على الجنين، ولعل من المناسب أن أحيلك إلى قرار المجمع الفقهي الصادر بمناسبة مدى مشروعية إسقاط الجنين المشوه، وقد كان انعقاده في عام 1990، وورد في نصه ما يلي:
- إذا كان الحمل قد بلغ مائةً وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه؛ سواء كان مشوهًا، أم لا؛ دفعًا لأعظم الضررين.
- قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية، أن الجنين مشوه تشويهًا خطيرًا غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلامًا عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر.
 99 - لماذا لا يجوز للمرأة المسلمة أن تنكح رجلاً غير مسلم؟
لقد حرم الله - جل وعلا - على المسلمة أن تنكح بغير المسلم، وانعقد على ذلك إجماع المسلمين، قال تعالى:                ( البقرة: 221 )، وقال تعالى:                   
( الممتحنة: 10).
ولله في ذلك الحكمة البالغة، ولعل بعض الحكمة في ذلك ما قد تتعرض له من الفتنة في الدين، عندما تكون في عصمة من لا يدين بدينها، ولا يعتقد صدق نبيها، ولا صحة كتابها، فهذا مظنة الاستخفاف بها، والسخرية مما تقوم به من شعائر دينها، والتطاول على نبيها، وهو الأمر الذي لا تطيقه وتستحيل الحياة مع مثله! فضلاً عن تأذيها بما يستحله من الربا والزنا والخمر والخنزير وسائر المحرمات.
ولا تظهر هذه الحكمة عندما ينعكس الوضع، فإن المسلم إذا تزوج بكتابية، فإنه يؤمن بنبيها، ويدين الله بتوقيره ومحبته كما يدينه بتوقير ومحبة نبيه محمد ، وقد اتفق أهل العلم بالشريعة أن التكذيب بنبي واحد من أنبياء الله تكذيب بأنبياء الله جميعًا، وأن الجرأة على أحد منهم بسب أو نحوه جرأة على الأنبياء جميعًا وسب لهم جميعًا، وكل ذلك من الكفر الذي لا يجتمع مع أصل الإيمان، فسب المسيح - عليه السلام - أو غيره من بقية الأنبياء كسب نبينا محمد ، كل ذلك كفر بالله ورسله وخروج من الملة بالكلية، والمسلم يعتقد بأن التوراة والإنجيل في الأصل وحي من عند الله، وإن كانت قد امتدت إليهما يد البشر بعد ذلك بالتحريف والعبث:
         •               ••  ( آل عمران: 2 – 4 ).
 100 - لماذا لا يجوز للمرأة المسلمة أن تنكح أكثر من رجل في نفس الوقت؟
تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة محرم شرعًا، ومستقبح عقلاً، ومستهجن طبيعة وفطرة، دلني على ملة سماوية أجازت ذلك (! ) أو دلني على قانون وضعي سمح به (! ) أما بعض الحكمة في ذلك فهو تجنب اختلاط الأنساب الذي قد ينشأ عن مثل هذا الوضع الشاذ الذي تلفظه الفطرة الإنسانية، وتتفق على تحريمه الشرائع السماوية!
إن المرأة بطبيعتها لا تحمل إلا في وقت واحد، ومرة واحدة في العام، ولكن الرجل بخلاف ذلك؛ ولهذا فيمكن أن يكون للرجل أولاد متعددون من نساء متعددات، ولكن المرأة لا يمكن أن يكون لها مولود واحد من أكثر من رجل واحد.
ومن ناحية أخرى فإن رئاسة الأسرة كما تعلم للرجل في جميع شرائع العالم: السماوية، والوضعية، فإذا أبيح تعدد الأزواج للمرأة فلمن تكون القوامة حينئذ؟أيصبحون فيها شركاء متشاكسين؟أم تخص بالقوامة أحدهم، وهو الأمر الذي لا يرضى به الآخرون ؟!
 101 - لماذا يجيز الإسلام تعدد الزوجات؟
ما أكثر ما شنع على الإسلام بهذه القضية وهي التي تعد من محاسنه لو كانوا يعقلون! !
إن للنساء على الجملة الحق في العفاف في إطار من الطهر والعلاقة المشروعة النظيفة، فإذا زاد عدد النساء على عدد الرجال - وهو واقع في كثير من المواقع، وخاصة في أعقاب الحروب والكوارث- وكان لكل رجل امرأة واحدة؛ فماذا تفعل البقية الباقية من النساء ؟! إن الخيارات ثلاثة: إما قضاء الوطر في علاقات غير مشروعة، وإما الموت كمدًا وحسرة، وإما التعدد الذي ينظم علاقتها بزوج دائم وليس بعشيق طارئ، زوج يكفل لها الحق في حياة زوجية مستقرة، ويحمل أولادها منه نسبه، وينشئون في دفء أسرة شريفة مترابطة، فأي هذه الخيارات يفضل العقلاء ؟!
ومن ناحية أخرى فإن العمر البيولوجي للرجل ( الذي يكون فيه قادرًا على الإخصاب ) يكاد أن يكون ضعف العمر البيولوجي للمرأة، فإذا قصرنا الرجل على امرأة واحدة فقد أضعنا على البشرية ما يقرب من نصف أعمار رجالها، عندما تبلغ نساؤهم سن اليأس وينقطع عنهن الطمث، ولقد أدرك هذا المعنى بعض فلاسفة الغرب عندما قال: لو تركنا رجلاً واحدًا مع مائة امرأة سنة واحدة لجاز أن يكون لنا من نسله في السنة مائة إنسان، وأما إذا تركنا مائة رجل مع امرأة واحدة سنة كاملة فأكثر ما يمكن أن يكون لنا من نسلهم إنسان واحد، والأرجح أن هذه المرأة لا تلد؛ لأن كل واحد من الرجال يفسد حرث الآخر.
هذا فضلاً عن الحالات التي قد تكون المرأة فيها عقيمًا من البداية، أو أصابها من العوارض الصحية أو النفسية ما يحول بينها وبين القيام بواجبات الحياة الزوجية، فأي الخيارات أولى: الطلاق، أم البقاء في عصمة زوجها وكفالته، مع الترخيص له بالارتباط بأخرى؟
ومن ناحية أخرى، فإن التعدد ليس بدعة إسلامية، فقد عرفته البشرية منذ فجر تاريخها، ولقد عرف التعدد في بني إسرائيل خاصة، وإنكم لتقرءون في التوراة التي بأيديكم أن نبي الله داود كانت له تسع وتسعون امرأة، أكملهن بمائة بالزواج من زوجة قائده يوريا (! )، وأن نبي الله سليمان كانت له سبعمائة زوجة من الحرائر، وثلاثمائة من الجواري، وكن أجمل أهل زمانهن (! )
وإن البلاد التي تحرم التعدد وتقوم نظريًّا على فكرة التوحيد في الزوجة يجتاحها ذلك الثالوث الخطر: الدعارة، والأبناء غير الشرعيين، والعوانس من النساء (! ) وهي وإن كانت تحرمه نظريًّا فهي تمارسه عمليًّا من خلال الزنا والدعارة، حتى قال أحد المستشرقين: (( إن تعدد الزوجات شيء ذائع في جميع أرجاء العالم، وسوف يظل موجودًا ما وجد العالم! مهما تشددت القوانين في تحريمه؛ ولكن المسألة الوحيدة هي معرفة ما إذا كان الأفضل أن يشرع هذا المبدأ ويحدد، أم يظل نوعًا من النفاق المستتر! لا شيء يقف أمامه ويحد من جماحه ؟! ))، فيبقى السؤال في نهاية المطاف: أيما أولى: تعدد الحليلات، أم تعدد الخليلات ؟!
 102 - لماذا لا يعطي الرجال والنساء الحرية لاختيار أزواجهم؟
أما حق الرجل في الاختيار فلا أحسب أنه يثير جدلاً؛ فما سمعنا عن رجل أكره على الزواج بمن لا يحب، وإن حدث هذا في بعض الأوساط القبلية لاعتبارات قبلية، فهو بالغ الندرة من حيث الوجود، ولا يوجد ما يحميه من نص شرعي، أو قانون وضعي.
أما حق المرأة في اختيار زوجها فهو مما كفلته الشريعة، واستفاض التأكيد عليه في نصوص الوحيين قرآنًا وسنة، وقد سبق قول النبي : (( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر، فقيل له: إن البكر تستحيي؟فقال: إذنها صماتها )) ( متفق عليه )، وقال : (( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن وإذنها صماتها )) ( رواه مسلم ).
وإذا زوَّج الرجل ابنته رغمًا عنها فنكاحه مردود، وقد عنون البخاري في صحيحه لذلك فقال: (( باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ))، وفي الباب حديث خنساء بنت خدام الأنصارية - رضي الله عنها - أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله فرد نكاحها
( رواه البخاري ).
 103 - لماذا كان الطلاق بيد الزوج وليس بيد الزوجة؟
أولاً: تستطيع المرأة المسلمة أن تنهي عقدة النكاح إن كرهت عشرة زوجها، وذلك من خلال طلب الخلع، أو طلب التطليق للضرر؛ فليست المرأة بالزواج في سجن أبدي لا سبيل لها إلى الفكاك منه، أو الإفلات من أصفاده بحال من الأحوال.
ثانيًا: أنه قد اتفق العقلاء أن الرجل أملك لإربه وأكبح لانفعالاته من المرأة، فهو أقدر على أن يوازن الأمور بميزان العقل، ويتدبر في العواقب الوخيمة التي تنتج عن تخريب الحياة الأسرية القائمة، ناهيك أيضًا أن الرجل هو الذي تجشم الصعاب والتبعات المالية في سبيل إبرام هذا الزواج، وهو الذي يتحمل المسؤولية المالية في مدة العدة، فللمعتدة الحق في النفقة والسكنى مدة العدة التي قد تطول إلى تسعة أشهر إذا كانت المرأة حاملاً، فالمرأة ليست مسؤولة عن أي تبعات، ولا تقدم بين يدي الزواج أي التزامات، فالمتضرر الأول من قرار الطلاق هو الزوج، فناسب أن يكون القرار بيده ابتداء، ويبقى أن للمرأة الحق في الخلع أو التطليق للضرر متى كرهت زوجها أو تضررت بعشرته.
 104- لماذا ترتدي المسلمات الخمر؟ولماذا لا يجب هذا على رجال المسلمين؟
أولاً: إن هذا الذي جاء به الإسلام في هذا المقام ليس بدعًا مما سبقه من الرسالات والشرائع؛ إذ لم تأت شريعة سماوية قط فيما نعلم بأن جسم الرجل كله عورة يجب أن يستر، بينما جاءت بأن جسم المرأة هو العورة، وهو الذي يجب أن يستر، على خلاف في بعض التفاصيل، ولعل فيما تتناقلونه من صور للعذراء، وفيما يرتديه الراهبات عندكم دليل على ذلك.
ثانيًا: لعل بعض الحكمة في ذلك ما جبل عليه الرجل وهيئ له من الكدح وتحمل المشاق، والضرب في الأرض، وحماية البيضة، فناسبه ألا يفرض عليه من الثياب إلا ما يستر العورة المغلظة وما احتف بها ( من السرة إلى الركبة مثلاً )، ويبقى ما وراء ذلك إلى اختياره حسب حاجته وما يتيسر له، أما بالنسبة للمرأة وما جبلت عليه من الرقة واللين، وتوقان نفوس الرجال إليها، وكونها في الأصل مطلوبة وليست طالبة، ومخطوبة وليست خاطبة، فناسب هذا أن يفرض عليها التصون والاحتشام؛ ليبقى لها بهاؤها، ويبقى للنفوس تشوفها وتوقانها إليها، فهي في حجابها لؤلؤة مكنونة، ودرة فريدة مصونة!
 105 - لماذا لا يجوز للمسلمات أن يصافحن أيدي الرجال والعكس صحيح؟
الأمر ليس بهذا الإطلاق، ويوجد تفصيل يحسن الوقوف عليه:
أولاً: لا ينطبق هذا الحكم على الزوجة أو المحارم، وهم الذين لا يحل التزاوج بينهم على سبيل التأبيد: كالأصول، والفروع ( الآباء والأجداد والأبناء والأحفاد )، والأخوة، والأخوات، وأولادهم، والعمات، والخالات، وزوجة الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة وبناتها.
ثانيًا: لا ينطبق هذا الحكم على كل ما سبق، كذلك إذا كانت القرابة من الرضاعة، فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
ثالثًا: لا ينطبق هذا الحكم عند عدد من أهل العلم على القواعد من النساء اللاتي تجاوزن سن الرغبة في الرجال، أو رغبة الرجال فيهن.
لم يبق بعد ذلك سوى ما ذكرنا من النساء الأجنبيات، وقد اتفق أهل العلم أنه لا علاقة لذلك بالمساس بكرامة المرأة، أو أنها نجسة العين، أو غير ذلك من شبهة التحقير لها، أو الامتهان لآدميتها، أو الخدش لكرامتها، وهذا من المحكم الذي لم يختلف فيه، أو يختلف عليه.
لا علاقة لذلك بما شاع عند الإغريق، من أن المرأة رجس من عمل الشيطان، أو أنها كما يقول سقراط أشبه ما تكون بالشجرة المسمومة التي لها ظاهر جميل؛ ولكن إذا أكلت منها العصافير ماتت على الفور! ولا علاقة لذلك بما شاع عند الرومان من أن قيد المرأة لا ينزع، وأن نيرها لا يخلع! ولا علاقة له بما شاع عند قدماء الصينيين من تشبيه المرأة بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وحق الرجال في بيع نسائهم كالجواري، ودفنهن وهن أحياء! ولا بما جاء في شرائع الهندوس من أنه ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة! وما كانت المرأة في الهند تعتقده من أن زوجها ممثلاً للآلهة على الأرض، وإذا تأيمت بقيت في الحداد بقية أيام حياتها، وتعد مدنسة لكل شيء تمسه! وخير لها أن تلقي نفسها لتحترق بنفس النار التي يحرق بها جثمان زوجها! ولا علاقة لذلك بما شاع في الأوساط النصرانية من أن المرأة هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة؛ ولهذا فهي أصل الشر ومنبع الخطيئة في العالم !! ولا بهذه التساؤلات اللاهوتية التي شاعت في القرن الخامس حول طبيعة المرأة، وهل هي جثمان بحت؟أم أنها جسد وروح ؟! ثم انتهوا إلى خلوها من الروح الناجية، لم يستثنوا إلا أم المسيح - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام -! ولا بالمؤتمر الذي عقده الفرنسيون عام 586، والذي تداعوا إليه ليبحثوا فيه هل تعد المرأة إنسانًا أم لا؟وهل لها روح أم أنها مخلوق بلا روح؟وأخيرًا، أنعموا عليها بأنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل! ولا بما أصدره البرلمان الإنجليزي في عصر ( هنري الثامن ) من حظر على المرأة أن تقرأ الكتاب المقدس ( العهد الجديد )؛ لأنها تعتبر نجسة! ولا بما شاع في الجاهلية العربية من تحقير المرأة ومنعها من الإرث، والتطير بولادتها، والمسارعة إلى وأدها، فكل هذه جاهليات أزاحها الإسلام، ولا مكان لها في حس المسلم إلا تحت موطئ قدمه! تمامًا كما وضعها رسول الله  تحت موطئ قدمه يوم وقف على سفوح عرفات في حجة الوداع!
أجل، لقد اتفق أهل العلم بالشريعة على أنه لا علاقة لمنع المصافحة بين الرجال والنساء الأجانب بهذه المواريث الجاهلية، أو النظرة الدونية التي أشاعتها الجاهليات القديمة حول المرأة ومكانتها في المجتمع الإنساني، كما اتفقوا على أن المقصود بذلك سد الذريعة إلى الفتنة التي ينشئها الميل الفطري بين الرجال والنساء، وصيانة الحرمات في المجتمع الإسلامي لتبقى المرأة موفورة الكرامة كاللؤلؤة المصونة أو الدرة المكنونة!
ثم انقسم أهل العلم بعد ذلك في حكم المصافحة بين الأجانب إلى فريقين؛ فمنهم من يرى إطلاق القول بالمنع احتجاجًا ببعض النصوص التي تؤكد أن النبي ما مست يده يد امرأة قط، والتي جاء في بعضها الوعيد الشديد على من مس امرأة ليس منها بسبيل، وتعليلاً بأن المصافحة مظنة الفتنة؛ سواء من جانب المرأة، أم من جانب الرجل، أم من كليهما، فيكون إطلاق المنع سدًّا للذريعة إلى هذه الفتنة، وحماية لكلا الطرفين من أن تتطرق إليهما هواجس السوء، أو أن يعبث الشيطان بمشاعرهما إذا حدثت المصافحة، وما قد يصحبها من ملاطفة وميل، ومن أهل العلم من قيد المصافحة المحرمة بالمصافحة المغرضة التي تكون التماسًا للشهوة وتقصدًا إلى المتعة؛ معللاً بأن امتناع النبي عن المصافحة إنما كان تورعًا وسموًّا إلى مراتب عالية من التدين، لا تلزم بالضرورة عامة المؤمنين، تمامًا كما أن الحجاب فريضة في حق أمهات المؤمنين وفضيلة في حق من عداهن، فضلاً عن وجود بعض النصوص التي تومئ إلى مشروعية هذه المصافحة عندما توجد دواعيها، والأمر على كل حال في محل الاجتهاد، والمدرستان موجودتان داخل الفكر الإسلامي المعاصر.
 106 - لماذا ينبغي على المسلمات أن تختتن؟
الختان مكرمة في حق النساء، وهو من سنن الفطرة التي أرشد إليها النبي ؛ ولكنه لا يرقى إلى مستوى الواجبات ولا السنن المؤكدة، ولا يجب على النساء كوجوبه على الرجال، بل هو مكرمة في حقهن فحسب، من شاءت أخذت به فكان لها أجر، ومن لم تأخذ به فلا حرج، ولا مأثم عليها في ذلك ولا وزر، فقد روى الخلال بإسناده عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله : (( الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء ))، أما الحكمة فهي تعديل الغلمة؛ ولهذا كان أمر النبي للخافضة أن لا تبالغ فإن ذلك أحظى للزوج وأبهى للوجه.
 107 - هل يجيز الإسلام للنساء أن يدرسن؟
لا تزال الجامعات ومعاهد العلم في بلاد المسلمين مكتظة بالنساء والرجال، ولا أدري هل هذا سؤال من يعيش زمانه، أم سؤال من هاجر من الزمان وهاجر من المكان، وأصبح يعيش وحده في شعفة من شعف الجبال يتسمع أخبار العالم عن بعد ؟!
إن النصوص التي تفرض طلب العلم، وتعلي منزلة العلماء، تخاطب الرجال والنساء جميعًا، وقد برز في تاريخ هذه الأمة من العلماء والفقهاء ما لا يحصى من النساء، وكتب التراجم والسير حافلة بأخبارهم، ومن فقهاء الأمة من أوجب عليهن الهجرة في طلب العلم متى اقتضت ذلك الحاجة، يقول ابن حزم - رحمه الله -: (( ويجب عليهن النفار للتفقه في الدين، كوجوبه على الرجال، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس كالرجال، ولا فرق، وأن يعلمن الأقوال والأعمال إما بأنفسهن أو بإباحة لهم لقاء من يعلمهن، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك )). ( الأحكام لابن حزم: 1 / 413 ).

 108- إذا كان كل شيء في الجنة على ما يرام؛ فلماذا يرزق الرجال عدة من الحور العين؟في الوقت الذي يتحتم على المرأة أن تكون راضية بزوج واحد رغم أنه لم تبق مشكلة الاختلاط في الأنساب؟
إن الله - جل وعلا - قد تكفل لكل من الرجال والنساء في الجنة بما يرضيهم، قال تعالى:                ( فصلت: 31 – 32 )، وقال تعالى:           ( الزخرف: 71 )، وقد اقتضت حكمته وهو الخالق العليم تحقق رضا المرأة ببعلها، وتحقق رضا الرجل بما وعد به من الحور العين، والعبرة ليست في العدد، وإنما في الرضا الذي يخلقه الله في قلوب من يشاء من عباده، وهذه مسائل خبرية تتلقى عن الوحي، ويجتهد الناس في معرفة حكمتها، فإن هدوا إلى ذلك كان زيادة في اطمئنان قلوبهم، وإلا فوضوا الأمر في حكمتها إلى الله تعالى، وأذعنوا لخبره وأمره بالقبول والانقياد والتسليم!
 109 - لماذا يعطى الرجال من المواريث أكثر من أخواتهم؟
أولاً: ليس الأمر بهذا التعميم، فإن الله - جل وعلا - لم يقل: يوصيكم الله في الورثة للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما قال           ، مما يدل على أن هذا الأمر ليس قاعدة مضطردة في الشريعة لكل الذكور وكل الإناث، ومن سبر غور هذه المسألة في الشريعة أدرك أن التمايز في أنصبة الورثة لا يقوم على أساس الذكورة والأنوثة، وإنما يقوم على ثلاثة معايير تتمثل فيما يلي:
الأول: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المتوفى، فكلما كانت القرابة ألصق كان النصيب من الميراث أوفر.
الثاني: استقبال الحياة واستدبارها، فمن كان مستقبلاً للحياة ومتهيئًا لتحمل أعبائها كان نصيبه أوفر ممن كان مستدبرًا لها ومتخففًا من أعبائها، دونما اعتبار للذكورة والأنوثة، فبنت الميت ترث أكثر من أمه، وكلتاهما أنثى، والابن يرث أكثر من الأب وكلاهما ذكر، والبنت ترث أكثر من الأب، رغم أن جدها قد يكون مصدر كل ما بيد أبيها من مال، فالتفاوت في هذا لا يرجع إلى ذكورة وأنوثة، وإنما يرجع إلى استقبال الحياة وما يقتضيه من تحمل المزيد من أعبائها أو استدبارها، وما يقتضيه من التخفف من هذه الأعباء.
الثالث: تفاوت العبء المالي الذي يناط بالورثة، وهذا هو المعيار الوحيد الذي ينتج تفاوتًا بين الذكور والإناث إذا اتفقوا في درجة القرابة، وفيما يتعلق باستقبال الحياة أو استدبارها، وفي مثل هذا جاء قوله تعالى:          ، فالذكر مكلف بإعاشة أنثى هي زوجته، وإعاشة ما يرزق منها من أولاد، أما أخته الأنثى فهي مكفولة من قبل ذكر هو زوجها الذي أنيطت به النفقة عليها وعلى ما يرزق منها من أولاد؛ ولهذا كان نصيبها على الرغم من كونه على النصف من نصيب أخيها أحظ من نصيبه إذا نظرنا إلى هذا الإعفاء من الإنفاق الواجب على الذكور.
- وعلى هذا فليس المفاضلة بين الذكور والإناث في الميراث هو القاعدة المضطردة أو الأصل العام، ولكنه يتفاوت من حالة إلى أخرى، وذلك على التفصيل التالي:
- قد يكون نصيبها مثل نصيب الذكر كما في حالة الاخوة لأم، فإن الرجال والنساء منهم في الميراث سواء، قال تعالى:              •            ( النساء: 12 ) .
- وتارة يكون نصيبها مثل الرجل أو أقل منه كما في حالة الأبوين، فإنهما عند انعدام الفرع الوارث تأخذ الأم الثلث والأب الثلثين، وإذا وجد الفرع الوارث ذكورًا وإناثًا أو ذكورًا فقط فإن الأب والأم في الميراث سواء، وإذا كان الفرع الوارث أنثى أخذت الأم السدس وأخذ الأب السدس كذلك لكنه يأخذ الباقي تعصيبًا. قال تعالى:      •                       •   ( النساء: 11 ).
وقد يكون نصيبها على النصف من نصيب الرجل كنصيب الأولاد :        ( النساء: 11 )،
أو نصيب الأخوة عند انعدام الأولاد:            
( النساء: 176 ).
- وقد استقرأ بعض الباحثين حالات الميراث بالنسبة للمرأة، وأجرى مقارنة بينها وبين نظائرها من الرجال فكانت النتيجة مذهلة، لقد وجد أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة على النصف من الرجل، ووجد أضعاف هذه الحالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا، ووجد عشرة حالات يزيد فيها ميراث المرأة عن الرجل، ووجد حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال!
ثانيًا: ولا يخفى أن وجه الحكمة في مضاعفة نصيب الذكر - في مثل هذه الحالة التي قررت الشريعة فيها ذلك - أن الرجال في الأصل هم الذين يضطلعون بالتبعات المالية: بدءًا من تكاليف الزواج، ومرورًا بما يلزم من النفقة، فالرجل هو الذي يبذل المهر، ويجهز البيت، ويتولى الإنفاق عليه، والزوجة مكفولة في كل ذلك، وإن بذلت شيئًا من مالها فإنما تبذله تطوعًا، وليس لأحد أن يكرهها على شيء من ذلك؛ ولهذا يقول أهل العلم: إنه يجوز أن تبذل الزكاة الواجبة من الزوجة إلى الزوج؛ لأن نفقته ليست واجبة عليها، ولا يجوز العكس؛ لأن نفقة الزوجة تجب دائمًا على زوجها، وعلى قدر التبعات والمسؤوليات تكون الحقوق والأعطيات.
 110- لماذا يأمر الإسلام بحضور شاهدتين من النساء ليساوي رجلاً واحدًا؟
ليس الأمر بهذا التعميم، بل فيه تفصيل يتعين الوقوف عليه لتقف من خلاله على كمال هذه الشريعة، وأن الذي فرضها هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى:
أولاً: لقد فرقت الشريعة بين طرق حفظ الحقوق وطرق إثباتها أمام القضاء، فطرق الإثبات أمام القضاء أوسع من طرق حفظ الحقوق التي أرشدت إليها الشريعة، فقد تحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه، وقد يحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ولا خطر على باله، فالآية الكريمة إنما ترشد أصحاب الحقوق إلى أقوم الطرق التي يحفظون بها حقوقهم، ولم يتجه الخطاب فيها إلى الحكام، ولا ألزمتهم ألا يحكموا إلا بذلك، فالآية إذن كما يقول ابن القيم في (( التحمل والوثيقة التي يحفظ بها صاحب المال حقه، لا في طرق الحكم وما يحكم به الحاكم، فإن هذا شيء وهذا شيء، فذكر - سبحانه - ما يحفظ به الحقوق من الشهود، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك )) ( أعلام الموقعين لابن القيم ).
- إن الحاكم في الفقه الإسلامي يحكم بما يطمئن إليه من البينات والقرائن القضائية، فالحاكم قد يحكم بالنكول ( وهو امتناع من توجهت إليه اليمين عن الحلف )، وباليمين المردودة، وبالمرأة الواحدة، وبالنساء المنفردات لا رجل معهن، كما يحكم بالقافة ( القائف هو الذي يعرف آثار الأقدام، ويعرف شبه الرجل بأخيه أو أبيه )، وبالقسامة، وبالقرعة، وبالحيازة، وشاهد الحال، وقد يحكم في واقعنا المعاصر بنتائج رفع البصمات وبالتسجيلات المسموعة أو المرئية متى اطمأن إليها. . إلى غير ذلك من البينات والقرائن القضائية؛ ولكن على أصحاب الحقوق عندما يتجهون إلى حفظ حقوقهم أن يستقيموا على الإرشاد الذي بينته الآية الكريمة، وقد أشار ابن القيم إلى هذا المعنى القيم في كتابه القيم (( الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ))، ونقل عن شيخه ابن تيمية ما يقرر هذا المعنى ويؤكد عليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (( إن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة، بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين، وشاهد واحد، وامرأة واحدة، وتكون نكولاً ويمينًا، أو خمسين يمينًا، أو أربعة أيمان، وتكون شاهد الحال، فقوله : (( البينة على من ادعى ))، أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له )) ( الطرق الحكمية لابن القيم، 34 ).
ثانيًا: أن مناط الحكم في قضية الشهادة بالنسبة للمرأة هو القدرة على التحمل، وقوله تعالى:  •      فيه دليل على أن الحكمة إنما هي إذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال في العادة، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على النصف من الرجل، وعلى هذا فإذا عقلت المرأة وحفظت وكانت مما يوثق بدينها، فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات؛ ولهذا تقبل شهادتها وحدها في مواضع، ويحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين.
من أجل هذا كان للفقهاء تفصيل في أحكام شهادة المرأة في مختلف أنواع القضايا، وذلك على النحو التالي:
- الرواية عن النبي : رواية المرأة مساوية لرواية الرجل، ولم يؤثر عن أحد من أهل العلم أنه رد شهادة امرأة لمجرد كونها امرأة، أو قال لا بد أن تعتضد برواية امرأة أخرى.
- القضايا التي لا يطلع عليها غيرها، أو تختص بها غالبًا، لا تقبل فيها إلا شهادة النساء، كقضايا الثيوبة، والبكارة، وإثبات الولادة، والإرضاع، والعيوب الجسدية للمرأة. . . إلخ.
- القضايا الجنائية ( قضايا الحدود والقصاص تحديدًا ) لا تقبل فيها شهادة المرأة.
- القضايا المالية: تعد شهادة المرأة فيها على النصف من شهادة الرجل عند التحمل والاستيثاق، أما عند الحكم أمام القضاء فإن الأمر في ذلك واسع، فقد يقضي القاضي بشهادة رجل وامرأتين، أو بشهادة امرأتين، أو بشهادة امرأة واحدة إذا احتف بها من القرائن ما اطمأنت إليه نفس القاضي، وغلب على ظنه أن الحق معها، قال تعالى:                  •       ( البقرة: 282 ).
وجه عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والقصاص:
ووجه عدم قبول شهادتها في الحدود والقصاص هو الاحتياط للدماء، ولحقوق المتهمين. إن المرأة بحكم تكوينها ووظيفتها لا تشهد غالبًا مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل وما أشبهها من الجرائم الكبرى، وهي لفرط عاطفتها ورقة مشاعرها لا تستطيع أن تمعن النظر إلى الجاني وهو يفتك بضحيته ويقترف جريمته، وإن وقع بصرها على شيء من ذلك، فإما أن تلوذ بالفرار، وإما أن تغمض عينها ويتملكها الرعب أو الأسى في الأعم الأغلب، فقد جبلت على نزعة انفعالية شديدة تتملكها في مثل هذا المشهد، فتحول دون تفرسها في أشخاصه وأشيائه! وهذا يمثل شبهة تدفع بها الحدود رعاية لجانب المتهم ومحافظة على حقوقه، واستصحاب أصل براءته حتى تتحقق إدانته!
وجه كونها على النصف من شهادة الرجل عند التحمل والاستيثاق في القضايا المالية:
أما كونها في القضايا المالية على النصف من شهادة الرجل عند التحمل والاستيثاق، فقد ذكرت الآية الكريمة تعليله:  •     ، فالأولوية في حياة المرأة المسلمة لبيتها وزوجها وأولادها، وإذا خرجت إلى العمل لحاجة دفعتها إلى ذلك فإنها تتحوط من الاختلاط الفاحش الذي يتجاوز حدود الحاجة في التعامل، الأمر الذي لا يتسنى معه في الغالب شهودها للعقود المالية، وما يقع بمناسبتها من منازعات وخصومات، وذلك بحكم تكوينها ورسالتها وغلبة حيائها الذي لا يجعلها تتفرس في التفاصيل، ولا تلقي بنفسها في غمار مواقف الملاحاة والتخاصم، فمست الحاجة إلى أن تعتضد شهادتها بشهادة امرأة أخرى إذا كنا في مقام التحمل والاستيثاق، وفي ذلك من الاحتياط للأموال والتثبت في الحقوق ما يذكر للشريعة ويحسب لها!
أما ما لا يعرف إلا من قبلها، فقد قبلت الشريعة شهادتها فيه بلا تحفظ، بل الأصل أن شهادة المرأة هي الشهادة الوحيدة المعتبرة في مثل ذلك، وبهذا أعادت الشريعة كل قضية إلى نصابها، وأخرجت كل شيء من مخرجه الصحيح.
أداء الشهادة ليس مزية يناضل دونها المناضلون:
وأخيرًا، فإن أداء الشهادة ليس مزية يناضل دونها المناضلون، إنها تحمل صاحبها من الأعباء والمشقة ما يحمل كثيرًا من الشهداء على تدافعها والفرار منها؛ لأنهم يتعرضون إلى الاستجواب من قبل الخصوم، والطعن في عدالتهم؛ ولهذا جاء التوجيه القرآني إلى أصحاب الحقوق بأن لا يضاروا الكتبة أو الشهداء:
      ، كما جاء التوجيه للشهداء بعدم الامتناع عن أداء الشهادة عندما يتعينون لذلك:         ( البقرة: 282 )، ففي إقصاء المرأة عن ذلك صيانة لها وحماية لعرضها من المساس والأذى!
 111 – ما موقف الإسلام من الرقيق ومن ملك اليمين؟
قضية ملك اليمين من القضايا المكررة المعادة، وإليك نبذة يسيرة عنها بالقدر الذي تحتمله هذه العجالة. أولاً: الرق ليس بدعة إسلامية، فقد جاء الإسلام والرق نظام مقرر في جميع أنحاء العالم، بل كان عملة اقتصادية واجتماعية متداولة، فقد عرفه الرومان، وعرفته فارس والهند، وعرفه العرب في جاهليتهم، فهو إذن أمر لم يبتدعه الإسلام، ولكنه كان معروفًا من قبل، والجديد الذي جاء به الإسلام في هذه الشأن هو الذي تحمله لك السطور القادمة!
- لقد كان الرقيق في الأصل عند الرومان شيئًا من الأشياء، وليس بشرًا من البشر، وكان مصدره الغزو الفاجر الذي لا يحمل عليه إلا شهوة استعباد الآخرين وامتصاص دمائهم لمصلحة الرومان، وكان للسادة الحق المطلق في قتل الرقيق وتعذيبهم دون حق لهم ولو في مجرد الشكوى، ولم تكن حالة الرقيق في بقية الحضارات الجاهلية بأحسن حالاً من حاله عند الرومان؛ فماذا قدم الإسلام للرقيق؟لتعلم مدى النقلة التي انتقل إليها في ظلال الإسلام:
أولاً: مرحلة التحرر الوجداني:
وفيها استعاد الرقيق آدميتهم، وصاروا بها بشرًا من البشر، لهم ما لسائر البشر من الحقوق، فقد قرر الإسلام بشرية الرقيق، وحرمة حياتهم وأعراضهم، وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، وفي المعاملة الحسنة الرفيقة، فالناس جميعًا خلقهم الله من نفس واحدة، فكلهم لآدم وآدم من تراب، والسادة والرقيق بعضهم من بعض، يقول الله - جل وعلا -:
           •                ( النساء: 25 )،
والرقيق معصوم الدم، يقاد به سيده إذا قتله، يقول : (( من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن أخصى عبده أخصيناه )) (متفق عليه )، ومن لطم رقيقه لطمة فكفارة ذلك أن يعتقه، ولقد عنون مسلم في صحيحه فقال: باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده، وفيه عن أبي عمر. قال: أتيت ابن عمر، وقد أعتق مملوكًا. قال: فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا. فقال: ما فيه من الأجر ما يسوي هذا، إلا أني سمعت رسول الله يقول: (( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه)).
وفي رواية أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دَعَا بِغُلاَمٍ لَهُ، فَرَأَىَ بِظَهْرِهِ أَثَرًا، فَقَالَ لَهُ: أَوْجَعْتُكَ؟قَالَ: لاَ، قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
قَالَ: ثُمّ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: مَا لِي فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَزِنُ هَذَا، إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: (( مَنْ ضَرَبَ غُلاَمًا لَهُ، حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِنّ كَفّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ )).
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: (( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ! لَلّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ))، فَالْتَفَتّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللّهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، هُوَ حُرّ لِوَجْهِ اللّهِ، فَقَالَ: (( أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النّارُ، أَوْ لَمَسّتْكَ النّارُ )).
وفي رواية: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي بِالسّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: (( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ))، فَلَمْ أَفْهَمِ الصّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمّا دَنَا مِنّي، إِذَا هُوَ رَسُولُ اللّهِ ، فَإِذَا هُوَ َقُولُ :(( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ))، قَالَ: فَأَلقَيْتُ السّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: (( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنّ اللّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ ))، قَالَ: فَقُلْتُ: (( لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا )).
والرقيق والسادة أخوة، فالنص النبوي الصريح يقول: (( إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) ( رواه البخاري )، وبينهم ما يكون بين الأهل من الوشائج والصلات، فأولياء الجارية أهل لها، يستأذنون عند تزويجها كما يستأذن أهل المرأة الحرة، يقول الله تعالى:
              ( النساء: 25 )، وكالتطبيق العملي لهذا كله زوج النبي بنت خالته زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة، وعندما آخى بين المهاجرين والأنصار في أول الهجرة جعل عمه حمزة ومولاه زيدًا أخوين، وجعل بلال بن رباح وخالد بن رويحة الخثعمي أخوين، وكان آخر عمل عمله أن عقد الراية لأسامة بن زيد، وأمره على جيش لغزو الروم، وكان هذا الجيش يضم فيما يضم أبا بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص! وفي زمان عمر بن الخطاب فرض لأسامة بن زيد أكثر مما فرضه لولده عبد الله بن عمر، ولما كلمه في ذلك قال له: يا بني، كان زيد أحب إلى رسول الله من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله منك، فآثرت حب رسول الله على حبي! وهو الذي كان يقول عن أبي بكر الذي أعتق بلال بن رباح ليخلصه من العذاب الذي كان يصبه عليه سادته بسبب إسلامه: إن أبا بكر سيدنا، وأعتق سيدنا!
- ولا يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تبلغ المبالغة في الترفق بمشاعر الرقيق أن تنهى الشريعة عن مخاطبتهم أو الإشارة إليهم بوصف العبودية أو ما يشعرهم بمذلة الرق، فيقول النبي : (( لا يقل أحدكم هذا عبدي وهذه أَمَتي، وليقل فتاي وفتاتي )).
ثانيًا: مرحلة التحرر الواقعي:
وقد جعل لها الإسلام سبيلين: العتق، والمكاتبة.
- أما العتق فهو ما يكون تطوعًا من قبل السادة، وقد فتح الإسلام أبوابه وهيأ أسبابه، حتى شاع في تعبيرات الفقهاء أن للشارع تشوفًا إلى العتق، أي حرصًا عليه وتمسكًا بأسبابه، وقد بينت الشريعة أن من أعتق نسمة كانت فكاكًا له من النار، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله قال: (( من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار، حتى فرجه بفرجه ))، وفي رواية أخرى أنه قال، قال رسول اللّه :
(( من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللّه بكل إرب - أي عضو - منها إربًا منه من النار حتى إنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج ))، فقال علي بن الحسين:
(( أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟)) فقال سعيد: (( نعم ))، فقال علي بن الحسين لغلام له أفره غلمانه: (( ادع مطرفًا ))، فلما قام بين يديه، قال: (( اذهب فأنت حر لوجه اللّه )) ( متفق عليه ). وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم، وفي الترمذي عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي قال :(( أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكه من النار، يجزئ كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها )).
- وقد بدأ النبي بنفسه فأعتق من عنده من الرقيق، واقتدى به كثير من أصحابه، وجعل العتق مكافأة لمن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وشرع العتق كفارة لكثير من الذنوب: كالقتل الخطأ، والظهار، والحنث في اليمين، وفي جعل العتق كفارة في القتل الخطأ نكتة لطيفة، وهي أن القاتل قد أفقد المجتمع نفسًا بجريمته تلك، فجاء العتق ليكون تعويضًا عن النفس البشرية التي ذهبت بسبب القتل، فالرق والموت سواء، والعتق والإحياء سواء. فكما أعدم نفسًا بالقتل فليحيي أخرى بالعتق لتكون هذه بتلك! !
- أما المكاتبة فهي التي تكون بالمعاقدة مع الرقيق على عتقه مقابل مبلغ من المال، وقد حض الإسلام على قبولها متى طلبها الرقيق، وندب إلى إعانتهم على الوفاء بديون المكاتبة فقال تعالى:               •     ( النور: 33 )، أي: والذين يلتمسون المكاتبة منكم من مماليككم، فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا، وأعينوهم على ذلك بأن تحطوا عنهم جزءًا مما فرضتموه عليهم من أموال.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه المكاتبة على سبيل الفرض، وأن السيد لا يملك رفضها إذا التمسها المملوك، فقد سئل عطاء: أواجب علي إذا علمت له مالاً أن أكاتبه؟قال: ما أراه إلا واجبًا، وعن أنس بن مالك أن ابن سيرين أراد أن يكاتبه فتلكأ عليه، فقال له عمر: لتكاتبنه! وعن ابن عباس قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده المملوك الصالح الذي له المال يريد أن يكاتب ألا يكاتبه.
لقد كانت إذن نقلة هائلة تلك التي انتقل إليها الرقيق على يد الإسلام، ولقد رسم الإسلام الطريق إلى إنهاء نظام الرق، بأن حدد مصادره فحصرها في الحرب المشروعة التي تكون لإعلاء كلمة الله، ولم يشر القرآن في معاملة الأسرى إلا إلى أمرين: المن أو الفداء، وكلاهما يصب في مجاري العتق والتحرر؛ ولكنه لم يعلن إلغاءه بالكلية دفعة واحدة لجملة من الحِكَم، نذكر منها:
- أن الرق لم يزل نظامًا مقررًا في جميع الشرائع البشرية، وكان العرف السائد يومئذ هو استرقاق الأسرى أو قتلهم، وجاء الإسلام والناس على هذه الحال، وكانت تقع بينه وبين أعدائه الحروب، فيُسترق فيها الأسرى من المسلمين، ويُعتدَى على دمائهم وأعراضهم بأبشع أنواع الاعتداء، فلم يكن مناسبًا إعلان إلغاء الرق من طرف واحد في الوقت الذي يسام فيه الأسارى من المسلمين سوء العذاب، ويرزحون تحت نير العبودية لدى الدول الأخرى، فكان منطق المعاملة بالمثل يقتضي الإبقاء على هذا المصدر ليتحقق به استنقاذ من يقع في الأسر والرق من المسلمين من خلال عملية تبادل الأسرى، ويبقى الفارق أن الرقيق في الإسلام موفور الآدمية، مصون الحقوق، من اعتدى عليه أقيد منه، ومن لطمه لطمة طولب بعتقه!
- وإذا اتفق العالم على إلغاء الرق، وانتفى محذور استرقاق المسلمين فما ينشب بينهم وبين خصومهم من حروب، فلا حرج في ذلك، ويصبح الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تفوض إلى أهل الحل والعقد في جماعة المسلمين.
- إن الرق كنظام اجتماعي قد بلغ من التغلغل في أنسجة المجتمعات إلى الحد الذي يعسر معه إلغاؤه بمجرد تشريع. لقد كان في حاجة إلى مدة من الزمان هي أطول من عمر النبي ، وإذا كان مجرد تحريم الخمر قد استغرق جملة من السنين؛ فما بالك بهذا النظام، وهو أكثر تعقيدًا وأكثر حساسية ؟! وحسب الإسلام أنه مهد الطريق، وأزال العوائق، وفتح الأبواب، وقطع بالناس أشواطًا على هذا الطريق في زمن التشريع، ليستكملوا المسيرة من بعده على السنن التي رسمها لهم!
- أما النساء المسترقات فلهن من الحقوق ما يكفل لهن الحياة الكريمة، ويحول بينهن وبين أن يكن مشاعًا ينشرن الرذيلة والفاحشة في أوساط المجتمع، فالمرأة منهن في كفالة سيد واحد، ولها عليه من الحقوق ما يتمتع به سائر البشر، وإذا حملت من سيدها فهي أم ولد تعتق عليه بعد موته، ولا تباع ولا توهب ولا تورث، وله أن يعتقها ويتزوجها إن شاء، وله على ذلك الأجر المضاعف من الله - عز وجل - فقد روى البخاري في صحيحه أن رسول الله  قال: (( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها وأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران ))، وقد ندبت الشريعة إلى تزويج هؤلاء إذا لم تكن لأوليائهم فيهن حاجة، فقال تعالى:
                     ( النور: 32 ).
وبهذا يظهر الفرق بين هذا الوضع – على الرغم من كونه مؤقتًا - وبين ما تبيحه المدنيات المعاصرة من البغاء الذي يكون فيه الجسد مشاعًا، ويكون اللقاء فيه بين الطرفين لإشباع شهوة فاجرة، وليس لأحد من أطرافه حقوق ولا واجبات.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك