التربية بالقدوة والبرامج الهادفة والحوار من الأساليب الناجعة لإشاعة الوسطية الإسلامية
التربية بالقدوة والبرامج الهادفة والحوار من الأساليب الناجعة لإشاعة الوسطية الإسلامية
خولة العتيقي
* · الغلو نتاج ممارسات الأنظمة المتسلطة والمستبدة وحرمان الشعوب من الحرية وتغييب قيمة العدل الاجتماعي
* · الفكر الوسطي يغرسه الوالدان في الأبناء تربويا وسلوكيا عندما يكونا قدوة ومثالا للعمل الصالح
* · الأوضاع المقلوبة تثير الشباب الغيور وتشعره بالإحباط وقد تفقده إيمانه بمجتمعه
* · لدي يقين أن المتطرف يمكن ان يعود عن فكره إن وجد من يناقشه ويحاوره ويبصره ويقنعه
* · بقدر ما تغرس المناهج التعليمية القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود الأمن والاطمئنان والاستقرار
تستطيع الأسرة أن تضطلع بدور رئيس في غرس قيم الوسطية الإسلامية في عقول أبنائها، وتربيتهم على تعاليم الإسلام الصحيحة، وكذلك إثنائهم عن الإفراط في الدين أو التفريط ، بالتوجيه والمراقبة، والتربية بالقدوة.
كما تستكمل المدرسة دور الأسرة في متوالية تعميق الفكر الوسطى من خلال المقررات الدراسية وسلوك المعلم القدوة وبرامج التوعية،وفي الإطار نفسه تقع على المجتمع بأجهزته الإعلامية والتوعوية مسؤولية كبيرة في تبصير الشباب بخطورة الفكرالمتشدد وبيان قيمة التسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
الكاتبة الإسلامية والخبيرة التربوية خولة العتيقي واحدة من المتخصصات في التربية اللائي لهن باع كبير في معالجة مثل هذه القضايا،ولها كتابات عميقة وعملية في هذا الإطار، ومن هنا تأتي أهمية التحاور معها في هذه السطور:
* الغلو والتشدد في الدين من الظواهر التي لاتختفي من المجتمعات الإسلامية..ما مدي مسؤولية الأسرة عن انتشار هذه الظاهرة ؟ وكيف تتعامل مع ابنها المتشدد ؟
** الأسرة ليست المؤسسة الوحيدة المسئولة عن مثل هذه الظاهرة المتطرفة إفراطا أو تفريطا،فالغلو يأتي نتيجة لممارسات الأنظمة المتسلطة والمستبدة وحرمان الشعوب من الحرية،وتغييب قيمة العدل الاجتماعي، وتوسيع الفجوة في المجتمعات الإسلامية بين الذين يملكون الثروة والذين لا يملكون .
ولا شك أن الأسرة مسئولة عن أبنائها بمراقبتهم وتوجيههم ، وتفسير الأمور لهم، ولكن الجانب الأكبر من المسؤولية يقع علي عاتق الدولة وأجهزتها الإعلامية والرياضية والتوعوية ، فهي التي تزيد من نسبة المتشددين في المجتمع، وهي التي تواجهها ، كيف ؟ طبعا من خلال البرامج والندوات التوعوية التي يقدمها رموز الفكر الوسطي من العلماء والدعاة، وسن القوانين التي تساعد علي نشر الفضيلة والعفة في المجتمع،ومعاقبة المسيئين ومحترفي تدمير المجتمع من تجار الخمور والمخدرات وغيرها.
وكذلك سن التشريعات التي تعاقب المنحرفين من المثليين وتضبط حركة وإيقاع بعض الوافدين خاصة الذين قدموا إلينا من خلفيات ثقافية مختلفة،عندئذ لن نجد متشددا يحارب مجتمعه أو يخرج عليه ، والمعادلة الصحيحة أنه كلما دعت قوانين وأنظمة البلاد إلي الفضيلة، تراجعت الرذيلة والجريمة بكل أشكالها .
* كيف يمكن للأسرة أن تربي أبنائها على الفكر الإسلامي الوسطي منذ نعومة أظفارهم ؟
** الفكر الوسطي يغرسه الوالدان في الأبناء تربويا وسلوكيا عندما يكونا قدوة ومثالا للعمل الصالح في كل شئ ، وعندما يعاملان أولادهما بالعدل والمساوة ، و لا يبديان رأيا متطرفا ولايحبذانه، ولا يتخذان موقفا مغاليا تجاه بعض الأمور أو القضايا، كذلك عندما يرى الأولاد تسامح والديهما ، وإعلائهما من شأن الحوار والرأي والرأي الآخر ، وصفوة القول أن التربية بالقدوة وتعظيم قيم الحوار والتسامح والاحترام المتبادل من الأساليب الفاعلة في ترسيخ الفكر الوسطي،وعلى المدرسة والمجتمع والإعلام أن يكملوا دور الأسرة.
* التطرف لا ينسحب فقط علي الغلو في الدين كما هو معروف ولكنه يشمل أيضا السلوك البعيد عن تعاليم الإسلام.. كيف يمكن للأسرة أن تحافظ على أبنائها؟
** يمكن للأسرة أن تحد من تطرف أبنائها سواء دينيا أو انحرافا بالمراقبة الجيدة،والمصاحبة الدائمة،والملاحظة للأصدقاء والأصحاب ، والنصيحة المتكررة من غير قسر أو إرهاب ، والحوار الدائم، والإقناع بالحجة والبرهان.
وفوق هذا وذاك على الأسرة أن تلح على الله بالدعاء لهم بالصلاح والتوفيق وأن تربيهم على الفكر الإسلامي المعتدل،وتعمل على شغل أوقات فراغهم بالبرامج النافعة، وإبداء الرأي الصواب والموضوعي فيما يلفت انتباههم من أحداث أو متغيرات،واصطحابهم الى الندوات والدروس التي يحاضر فيها علماء ثقات.
* في تقديرك ما الروافد التي تغذي ثقافة أبنائنا بالفكر المتطرف ؟ وكيف يمكن مواجهة ذلك؟
** أول رافد أراه مسئولا عن التطرف في الدين هو وسائل الإعلام ، فعندما يرى الشاب المعتدل المتدين الصالح هذا الكم الهائل من البرامج التي تشيع الفساد والإفساد في المجتمع في الوقت الذي تسكت الحكومة عن ذلك ، بل قد تشجعها لدعم ثقافة اللهو والعبث والهاء الناس،وفي المقابل قد تقوم بإقصاء كل صاحب فكر مستنير ومعتدل .
هذه الأوضاع المقلوبة تثير الشباب الغيور وتشعره بالإحباط ، وقد يفقد إيمانه بمجتمعه، ويتخذ موقفا معاديا له ، وينكفئ على نفسه، وقد يتطور الأمر إلى اعتزال المجتمع و تكفيره بل والاعتداء على مؤسساته .
ثانيا: انتفاء قيمة العدل وتكريس التفاوت الاجتماعي بين طبقات المجتمع ، فمن يعيش في الفقر ، ولا يجد من ينهض به ، ويرى سراق الأموال العامة،يرتعون في البلاد فسادا ، ويبرزون ويتبوؤون المراكز العالية في المجتمع ، عندئذ يشعر الشباب بالغبن والظلم، فيضطرون إلي محاربة المجتمع ظنا منهم وبحسن نية أنهم سيحققون العدالة المفقودة.
ثالثا:تشكل شبكة الانترنت نافذة للبحث والحصول على المعلومة المفيدة إذا أحسن استخدامها،كما تعتبر في ذات الوقت وسيلة هدامة ومدمرة إذا أسئ استخدامها، والدخول على مواقع متطرفة أو أخرى هدامة.
والأسرة إن كانت واعية ومدركة ، فان عليها أن تبين لأبنائها أن الظلم أحيانا لا يرفعه العمل الفردي، بل العمل الجماعي المتمثل في سلطة الدولة،وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ولنا في النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم خير قدوة .
أما الإعلام الفاسد فيجب أن نواجهه بإعلام هادف، يفتح آفاقا أمام الشباب ومختلف شرائح المجتمع يبصرهم بالصواب والخطأ والحلال والحرام، ونحن الآن نشهد ظهور العديد من القنوات القيمية التي تبث في برامجها القيم النبيلة والفضائل العظيمة.
وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في رفع الظلم عن المقهورين ، ومراقبة الإعلام ، لاسيما أن المسؤولين سيقفون أمام الله يوم القيامة مصداقا لقوله تعالى " وقفوهم إنهم مسؤولون "
مناهجنا وسطية
* ماذا عن دور المؤسسة التعليمية فى غرس قيم الفكر الوسطي في عقول الأبناء ؟
** الحمد لله مناهجنا التعليمية في الكويت وسطية ومعتدلة، وتحض على الفضيلة،ولا تتضمن أى أفكار متطرفة، وبقدر ما تغرس المناهج القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار ، ويمثل النسق التربوي أحد الأنساق الاجتماعية المهمة التي تؤدي دورا حيوياً ومهماً في المحافظة على بناء المجتمع واستقراره حيث يؤدي النظام التربوي وظيفة مهمة في بقاء المجتمع وتجانسه من خلال ما يقوم به النظام التعليمي من نقل قيم المجتمع وتقاليده من جيل إلى آخر .
* أيهما الأكثر قابلية للتطرف، الرجال ام النساء؟
**التطرف موجود لدى الطرفين ، إلا أنه أشد عند الرجال لحريتهم التي تفوق حرية المرأة في العمل والاحتكاك والانفتاح ، كما أن المرأة تخشي من أن تترك بيتها وأبناءها ، بينما الرجل يعرف أنه لو حدث له حادث، فزوجه تسد مسده في رعاية الأولاد وتربيتهم .
* بخبرتك التربوية والدعوية ..هل يمكن ان يعود المتطرف عن فكره ؟ وما نسبة التحول نحو الفكر الوسطى ؟
** لدي يقين أن المتطرف يمكن أن يعود عن فكره إن وجد من يناقشه ويحاوره ويبصره ويقنعه ، ونسبة التحول كبيرة من دون شك إذا أحسنا الخطاب وأدرناه بالدليل والبرهان والقرينة ، وهذا بالطبع يحتاج إلي جهد وعمل كبيرين ، وحسن اختيار العلماء الذين يقومون بهذا الدور في الحوار .
والتطرف نوعان ، تطرف ديني ، وأخر معادي للدين وكلا الأمرين خطير.
ورد هؤلاء المتطرفين إلي جادة الحق والصواب تحتاج إلي متخصصين في التربية والاجتماع والعلوم الشرعية ، لديهم القدرة علي التحاور والنقاش والتبصير بمآلات وعواقب كل فكر.
* لكن المتطرف ينطلق من مبادئ وثوابت عقدية يراها الحقيقة الكاملة ...كيف يمكن محاورته؟
**محاورتنا للمتطرف لابد أن تنطلق من ثوابت دينية ومبادئ عقدية وثقافة شرعية مرجعيتها القرآن والسنة النبوية المشرفة ، ومن توضيح المسائل الخلافية ، وفقه الأولويات ، وفقه الأحوال ، وفقه الموازنات ، وفقه الواقع ، وعندها فقط ، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحاور المتطرف دينيا ، وأعتقد جازمة ، أنه لو توفرت حسن نية من الطرفين ، أي أن المتطرف جاد في معرفة الحقيقة ، وان المتحاور معه جاد في استخدام آليات الحوار بعيدا عن القمع ، فأعتقد إننا سنصل إلي نتيجة ايجابية ، والعالم العربي والإسلامي شهد مراجعات كبيرة لبعض من كانوا ينتهجون العنف سبيلا للتغيير .
* الحديث عن الفكر الوسطي قد ينظر اليه البعض على أنه نوع من التفريط والتمييع في الدين..فكيف يمكن أن نبدد هذه الانطباعات ؟
** مسؤوليتنا الدعوية تحتم علينا نشر الدعوة والمساهمة في رفع شأن الإسلام ، وليس من مسؤوليتنا الدفاع عن هذا الدين الراسخ، لأن ديننا الإسلامي العظيم غير متهم، وإذا شابت الدعوة الإسلامية شوائب من بعض الموتورين والمعتوهين الذين يحاربون الدين باسم الدين ، ويشوهون وسطيته ، فهذا شأنهم ، وعلينا نحن الدعاة أن نسير وفي يدنا اليمني القرآن الكريم ، وفي يدنا اليسري الحديث الشريف ، وفي الوسط أي في قلوبنا حب الله ورسوله وحب ديننا ، والله حافظنا وحافظ دينه .
وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للكاتبة / خولة العتيقي، لما تفضلت به علينا من علمها الوفير راجين المولى تبارك وتعالى لها دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمدلله رب العالمين.