مولد جيل النصر والتمكين.. نظرات في قصة موسى

مولد جيل النصر والتمكين.. نظرات في قصة موسى

 

محمد بركة

 

ليس ثمَّة شك أن دراسة التاريخ مهمة جدًا في حياة البشر بصفة عامة، وهي أكثر أهمية في حياة المسلمين بصفة خاصة؛ لأن هذا أمر إلهي مباشر جاء في كتاب الله تعالى: {فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: 176)، من أجل ذلك كانت دراسة قصص الأنبياء دراسة وافية، والاطّلاع عليها بصورة تفصيليّة خطوة من أهم الخطوات التي تساعد على فهم جوهر الإسلام، ورفع الهمَّة والعزيمة، والاستفادة من هذه التجارب الإنسانيّة الغنيّة، تجارب الأنبياء -عليهم السلام- من خلال التدبّر في قصصهم التي ذكرها الله تعالى لنا في القرآن الكريم؛ لكي نتعلم منها، ولكي ننفّذ أمر الله تعالى الذي أمرنا بأن نقتدي بهم وأن نهتدي بهداهم.

ولقد صدر مؤخرًا في الشارقة بالإمارات عن مجلة الرافد كتاب بعنوان: "مولد جيل النصر والتمكين.. نظرات تأمليَّة في قصة سيدنا موسى عليه السلام"، للدكتور محمد بهجت الحديثي، حيث يبين أن من أعظم القصص التي وردت في القرآن الكريم قصة نبي الله موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل.

 

بداية القصة.. فرعون القائد

يبدأ الكاتب باستعراض القصة من البداية فيبين أن فرعون كان قائدًا لمصر {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (الزخرف: 51)، ورفع شعارات خداعة -في ظاهرها الخير وفي باطنها العذاب- توهَّم الشعب أن فيها مصلحته فقال: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر: 29). وكان يدير الأمور بدكتاتوريّة بالغة، وقد قال كلمته التاريخية التي اقتدى بها كل الطغاة من بعده: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} (غافر: 29)، هذه الكلمة التي أصبح الطغاة يرددونها دائمًا حين يواجهون شعوبهم (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى)، فهذا رأيي الخاص وهو رأي يهديكم سبيل الرشاد، وكل رأي غيره خاطئ، وينبغي الوقوف ضده واستئصال كل من يؤمن أو يعتقد به، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات: 24)، وكذلك كان شأن الحكام والقادة والرؤساء والمسئولين الطغاة، فهو الرئيس الآمر الناهي، وكل ما يفعله جميل، وكل ما يقوله مقدس، وكل ما يصدر عنه صواب، وكل تاريخه أمجاد، وكل رجاله ملائكة.

 وقد كان فرعون يُغري أتباعه بمصالح دنيوية فيقول: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (الزخرف: 51)، وكذلك يفعل الطغاة، لكننا لا نستطع أن ننكر أنه كان قائدًا لقومه! صحيح أنه ساق شعبه إلى الهاوية في الدنيا، وكذلك في الآخرة يقود أتباعه ومن كان يحبه ويطيعه طاعة عمياء إلى المصير المحتوم {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} (هود: 98). ولكن الشعوب تبعته وسارت وراءه، بعضهم طوعًا والبعض كرهًا {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف: 54)، استخف بعقولهم، واستخف بحريتهم، واستخف بمستقبلهم، واستخف بآدميتهم، فأطاعوه، أليست هذه طاعة غريبة؟! إذا كان يمكن أن يكون الإنسان قائدًا ولو كان منحرفًا، ولكن ليست هي الصورة المنشودة في القائد المسلم الذي يقود جيل النصر؛ حتى يُمَكِّنه الله تعالى في أرضه، وعلى الرغم من أن فرعون كانت لديه إنجازات دنيوية كبيرة فقد بنى الأهرامات التي اعتبرت ولا تزال من عجائب الدنيا السبع وعلى الرغم من أن بلاده كانت مستقرة من الناحية الأمنية إلا أن هذا كله في ميزان شرع الله لم يساو شيئا.. لماذا؟ يجيب الكاتب على هذا التساؤل قائلا: لسببين رئيسين: الأول لأن الظلم والقهر والاستبداد والتجبر والدكتاتورية تعتبر من أسوأ الظواهر التي يمكن أن تمر على البشر، والثاني فتنة الدين، خصوصا إذا رافق الظلم والدكتاتورية فكر منحرف عن منهج الله تعالى .

 

الظاهرة الفرعونية

يرى الكاتب أن النموذج المثالي للاستبداد يتمثل في قصة فرعون التي وردت في الكتب السماويَّة، ووردت بقوة في القرآن الكريم وتكررت 74 مرة في 28 سورة من سور القرآن، وهذا الحضور القوي المتكرر لقصة فرعون يشير إلى أن ما تمثله هذه القصة من استبداد يعتبر مرضا عضالاً تحتاج البشرية لمواجهته، وهذا ما أيده التاريخ في كل مراحله، فلم يحدث أن عانى البشر من شيء مثل معاناتهم من الاستبداد بصوره ومستوياته المختلفة.

ولقد وضح لنا القرآن الكريم الأركان الأساس والأدوات المهمة التي تعتمد عليها الظاهرة الفرعونية أو النموذج الفرعوني للوصول إلى الاستبداد، أول هذه الأركان الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله، المتسلط على عباد الله، ويمثله فرعون. وثانيها السياسي الوصولي، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية، وتثبيت حكمه، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان، وثالثها الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، فهو يؤيده ببذل بعض ماله، ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثله قارون.

ولقد ذكر القرآن هذا الثالوث المتحالف على الإثم والعدوان، ووقوفه في وجه رسالة موسى، حتى أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. والعجيب أن قارون كان من قوم موسى، ولم يكن من قوم فرعون، ولكنه بغى على قومه، وانضمّ إلى عدوهم فرعون، وقبله فرعون معه؛ دلالة على أن المصالح الماديّة هي التي جمعت بينهما، برغم اختلاف عروقهما وأنسابهما.

ثم يتحدث الكاتب عن أدوات الاستبداد فيبين أنه لا بد للاستبداد من أدوات للترهيب والترغيب حتى تخضع له الرقاب ويسلم له العباد إرادتهم وخياراتهم. والمستبد يعرف جيدًا مواطن ضعف البشر، ويحاول استغلالها بأبشع الطرق وأكثرها حقارة ودهاء في نفس الوقت، ومن أهم هذه الأدوات: السلطة (فرعون)، فالأب المستبدّ يستغل نفوذه المالي وقوته الجسديّة ومكانته المعنويّة في قهر أبنائه، وكذلك تفعل الأم المستبدّة، والزوج المستبد يستغل حق القوامة -كما يفهمه- ويستغل تفوقه العضلي وربما المالي في إذلال زوجته والتسلط عليها.. والمسئول المستبد يستغل ما يملك من صلاحيات للتحكم في رقاب مرءوسيه، والحاكم المستبد يستغل جنوده (الشرطة والجيش والأمن والمخابرات) لإرهاب رعيته، ويستغل النظام السياسي الموالي له لإضفاء الشرعيَّة على أفعاله وتجريد خصومه من تلك الشرعية، ووصفهم بالتآمر والخيانة والإفساد في الأرض وتعكير صفو الأمن، ثم تأتي بعد ذلك المناصب (هامان): ينتقي المستبدّ من بين الناس، أولئك المتعطشين للمناصب والراغبين في العلو بأي ثمن، فيستخدمهم ويستعملهم كدروع له وكأدوات لحمايته وتبرير أفعاله وتمجيده، وتحلية صورته أمام العامة.

ثم المال (قارون)، ومن لا يصلح معه الترهيب بالسلطة يصلح معه الترغيب بالمال، ولهذا يحرص المستبد على إمساك الثروة في يده؛ لتكون وسيلة ضغط على من تحت يده ووسيلة ترغيب وشراء ذمم.

فالإعلام (سَحَرة فرعون)، فالمستبد يحتاج لمن يُداري سوءاته، ويُزين عوراته ويسوق مشروعاته وأفكاره بين الناس، ويُبرر أخطاءه ويحولها إلى انتصارات، ويمارس التزييف للوعي والتخدير للعقول ودغدغة المشاعر طول الوقت، ومن هنا يمكن أن نعتبر الإعلاميين الموالين لأي مستبد بمنزلة سحرة فرعون الذين كانت مهمتهم أن يسحروا أعين الناس؛ بمعنى: تزييف وعيهم.

وأخيرا القتل والتعذيب، وهذه من علامات الضعف وليس القوة مطلقًا، فالمستبد غالبًا ما يجد أن أسهل طريقة للتخلص من خصومه أو منافسيه هي في قتلهم أو تعذيبهم أو سجنهم بغير حق، فتجد المستبد الطاغية يسارع إلى قتل كل من يشك -مجرد الشك- بأنه قد يفكر -مجرد التفكير- بمنافسته على كرسي الحكم، قال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِن رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (البقرة: 49)، وهذا ما فعله فرعون عندما أصدر قراره الشهير بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل -حيث سمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول: إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه- فأصدر الفرعون أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل؛ أي أن يقتل أي وليد ذكر.

 

قصة مولد جيل النصر والتمكين

ثم يأتي مولد جيل النصر والتمكين يقول تعالى: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 3-6)، ومباشرة بعد هذه الآيات -التي صورت ظلم فرعون وجنوده والوعد الرباني بالنصر والتمكين- جاء الحل في الآية التالية: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (القصص: 7)، وكأن هذه الآية هي بداية تحقيق الوعد الرباني، ولكن كيف؟

فالآيات بعد أن أشارت إلى عُلو فرعون وتجبره وإلى حتمية التغيير، انتقلت إلى جو مختلف تماما: أم تُرضِع ابنها، فما العلاقة؟! إن في ذلك إشارة بأن النصر يبدأ بأمهات تربي أطفالهن، وترضعهن -مع الحليب- التمسك بهذا الدين، والثقة بوعد الله تعالى. إنها قصة مولد جيل جديد، بدأت بأم واثقة من وعد الله تعالى لها، آباء وأمهات يُربون أولادهم على طاعة الله والالتزام بمنهج الله والثقة بنصره جل وعلا. وهنا نرى بشكل واضح أن الحل كان في تربية جيل يحمل همّ الإسلام وهم الدعوة إلى الله، جيل واثق من نصر الله تعالى. كما أن هذه الآية تسلط الضوء وبشكل واضح على دور المرأة ودور الأسرة في نصرة هذا الدين.لقد مات فرعون مصر، ولم تُقبل توبته على الرغم من أنه نطق بكلمة التوحيد وشَهِدَ بأنه لا إله إلا الله وأنه من المسلمين. وعلى الرغم من موته، ظل أثره باقيًا في نفوس بني إسرائيل؛ فمن الصعب على سنوات الدكتاتورية والقهر الطويلة والذل المكثف أن تمر على نفوس الناس مر الكرام. لقد عوّد فرعون بني إسرائيل الذل لغير الله، هزم أرواحهم، وأفسد فطرتهم، فعذبوا موسى عذابًا شديدًا بالعناد والجهل.

انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى -عليه السلام- وهي تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والتعذيب على يد فرعون وجنده، والسير بهم إلى الديار المقدسة. لكن القوم لم يكونوا على استعداد للمهمة الكبرى، مهمة الخلافة في الأرض والحكم بما أنزل الله. فكان لا بد من رسالة مفصّلة ومنهج رباني لتربية هذه الأمّة وإعدادها لما هم مقبلون عليه، من أجل هذه الرسالة كانت مواعدة الله لعبده موسى ليلقاه فتلقى موسى -عليه السلام- بشرى الاصطفاء، مع التوجيه له بالرسالة إلى قومه بعد الخلاص.

ولكن في جوّ الإرهاب الفكري تموت المواهب، ويأفل نجم الحرية، ويسود النفاق والتعصب القبلي والجاهلي، وينتشر الحسد والحقد بين الناس، ويؤتمن الخائن ويخوّن الأمين، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الحروب التي لا تحكمها رؤية ولا هدف وما تستنزفه من طاقات بشرية واقتصادية هائلة، فإن النتيجة الحتميَّة تكون في انتشار الجوع والخوف والرشوة والفساد الأسري والأخلاقي والفكري والإداري والاقتصادي بل وعلى جميع المستويات، وكم عشنا هذا في عالمنا العربي وما زلنا نعيشه! على الرغم من أن الله تعالى لم يفرض دينه الحقّ على أحد لكن شتان بين منهج الله تعالى الذي يحمل علامات الصدق في قسماته وبين مناهج أرضية من وضع البشر!.

إنها ليست مسألة متعلقة بفترة تاريخية معينة ولا بحيّز من الأرض ولا بقوم دون آخرين، إنما هي مجموعة من الخصائص تتجمع بالتراكم في شعب أو شعوب تنهار نفسيًّا فتفقد الثقة بذاتها، وتصبح السلبيّة -تجاه أمر الإصلاح- سمتها ولا تقوى على تفعيل طاقاتها البشريَّة والماديّة فتخلد إلى إسلام أمرها إلى كل متسلِّط يفعل بها ما يشاء، بل وقد يصل بها الحال أنها لا ترضى بغير القوة لتحكمهم وتسيِّر أمورهم، وهذا ما نراه اليوم وفي كثير من الأماكن، فترى لسان حال البعض يقول: نحن لا ينفع معنا –لكي يستقيم أمرنا كمجتمع- إلا حاكم قوي دكتاتور.. نحن لا تنفع معنا إلا القوَّة.

والبعض تجده يقول صراحة: نحن لا ينفع معنا إلا الفرعون ليحكمنا، وهذه المقولة -وللأسف الشديد- من أهم معوقات التغيير التي قد تواجه الأفراد والمجتمعات؛ إذ إن الحُكم الفرعوني الطويل الأمَد -وكما ذكرنا سابقًا- يؤدي إلى الإدمان على السلبية. فإذا ما أذهب الله تعالى بقدرته هذا الفرعون، فإن المجتمع -ابتداء بالفرد- يكون أمام خيارين:

إما الإصلاح ابتداء من النفس وهذا يحتاج إلى جهد كبير قد لا تطيقه النفوس التي أدمنت السلبية؛ إذ إن أمر التغيير واكتساب عادات جديدة وترك المألوف صعب جدًّا على النفوس، وخصوصا التغيير والإصلاح الذي يعتمد القرآن والسنة كمرجع أساس.

وإما الركون إلى السلبية، وذلك عن طريق الإسقاطات وإلقاء اللوم والمسئوليَّة على الآخرين، والإيمان المطلق بنظرية المؤامرة. وفي هذه المرحلة فإن الشخص لا يرى أنه السبب في مشاكله ووضعه الحالي، هو يسقط كل معاناته على الظروف والأسباب الخارجية، وعلى المؤامرات التي أحيكت ضده، وعلى الحاكم القوي الدكتاتور الذي ذهب وتركه فريسة لكل من هبّ ودبّ، أو على الحاكم القوي المخلِّص الذي لم يأتِ بعد!

لحظة التمكين

ثم يظهر يوشع بن نون، كان يوشع فتى تربى على يد سيدنا موسى وكان يحضر دروس العلم على يده وكان طالب علم متميزًا، فأصبح اليوم يصلح أن يقود بني إسرائيل لتحرير القدس، وخرج يوشع مع بني إسرائيل وحاصروا فلسطين وحاصروا مدينة القدس، حاصروها 6 أشهر، قال النبي : "إن آخر يوم في المعركة كان يوم جمعة"؛ لأن السبت بالنسبة لبني إسرائيل مُحَرَّم، فكان مُحَرَّم عليهم العمل فيه أو القتال، اليوم سينتهي مع غروب الشمس، وكان يوشع ينظر إلى الشمس وهي تبدأ بالغروب، لو أنها غربت ستتوقف المعركة وسيحصنون أنفسهم ويضيع كل النصر الذي تحقق. يقول النبي : "فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا"، ويقول النبي: "فحُبست حتى فتح الله عليه"، قال الرسول : "إن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن نون ليالي سارَ إلى بيت المقدس.

 

وتحقق النصر، وبمجرد دخولهم القدس غربت الشمس، فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء! وسبحان الذي يقول للشيء: كن فيكون! ظلوا يعملون أربعين سنة من أجل أن يحرروا المسجد الأقصى ولا تأتي المعجزة إلا في آخر ثلث ساعة! وذلك النصر الذي لا يأتي إلا لجيل تربى على القرآن الكريم، جيل مؤمن مخلص لنصرة الله تعالى ونصرة دينه ونبيه، فتتحرّر بلادنا ويتحرّر المسجد الأقصى بإذن الله.

ومن خلال هذه القصَّة نرى بشكل واضح أن الحل كان في تربية جيل من الشباب، جيل رجال، جيل نافع مؤمن بالله واثق من نصر الله تعالى، ولن يكون هذا إلا عن طريق التعاون معا، آباء وأمهات وأولياء أمور وأسر وأصدقاء وزملاء وأخوة ومعلمين وتربويين وطلاب وأدباء وكتاب وشعراء وإعلاميين ورياضيين وعلماء وأطباء ومهندسين ومحامين وموظفين وعمالاً وفلاحين ومهنيين وغيرهم؛ لننتج جيلاً مُعَدًّا إعدادًا مميزًا للخدمة والمساهمة والبناء، وأقل تشبثًا بأخطائه وأقل أنانية.. جيلاً أكثر انفتاحا وأكثر ثقة وأكثر عطاء وحبًّا وتلاحمًا، جيلاً له رؤية نحو صناعة النجاح.

 

المصدر: نوافذ/الإسلام اليوم.

الأكثر مشاركة في الفيس بوك