بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية تصادم أم حوار ؟
بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية تصادم أم حوار ؟
ما هو نوع العلاقة بين الإسلام والغرب في حقيقته ؟ هل هناك مجالات للحوار الفكري المستنير أم أن الماضي والواقع من كتابات كُتاب الفكر الإستراتيجي الغربي يشير إلى حتمية وجود صدامات بين الحضارتين الإسلامية والغربية ؟! هذه أسئلة هامة وحقائق معينة لابد أن تكون واضحة بناء على مقومات كل حضارة بما تحمله من فكر هو أساس إنتشارها والدعوة إليها...
في هذه القضية عندنا في مجتمعاتنا طرفات ووسط , طرفان فيهما غلو كبير في موقفهما من الحضارة الغربية , فهناك من يراها أصل كل بلاء وكل شر في الدنيا ولا يقتنع بأي خيرية قد تكون منهم , فإذا رأى عملا منهم إنسانيا اعتبره تغليفا لأمر آخر شر دبر بليل , وكأنهم شياطين يمشون على الأرض ليس لهم هدف إلا الإفساد وقلوبهم حجارة لا يشعرون بها , فلا يبكون ولا يفرحون إلا لأنفسهم فقط , وهذا رأي فيه غلو شديد وظلم لهم ولو كانوا على غير ملة الإسلام , وغالبا ما يتكون هذا الرأي من الإنطباعات الموجودة لديه من أفعال الغرب الوحشية تجاه المجتمعات الإسلامية لاسيما في الدول الفقيرة بدءا من القتل واستباحة دماء الناس إلى العلمانية الوحشية والرأسمالية المفترسة التي تضرب الفقراء هنا وهناك.
وهناك طرف آخر يذوب في الحضارة الغربية ذوبانا عظيما , ويعتبر أنه لا فرق بين الصنعة والصانع , فإذا امتلك لعبة حديثة اقترن في ذهنه بأن صاحبها جميل ونظيف باطنا وظاهرا طالما أنه تمكن من صنع هذه اللعبة , وإذا أعجب ب تلفون محمول " موبيل " أو سيارة جميلة ارتبط ذلك في ذهنه بحسن أخلاق صاحبها , ثم يكبر هذا الشعور بداخله فيعتقد أن الغرب ما هو إلا لجان خيرية ليس لهم هم إلا نشر الثقافة والعلم بين الناس , فهو قوم يلبسون البالطو الأبيض ويتعبون أنفسهم في سبيل الإنسانية المعذبة , يعني هم رسل التقدم إلى البشر كالشمعة التي تحترق في سبيل الآخرين.
ومنشأ هذا الرأي المتطرف أيضا هو ضعف الشخصية لدى هذه الأفراد مع تشربها لما تنشره هذه الثقافة بغير حاجز " يفلتر " لها الصحيح من الفاسد والسليم من السقيم , فدخل الجميع في قلبه وأورثه اعجابا بهم وصل حد الرق , فكأنه عبد لهم ولما يفعلون أو يأمرون , وتستطيع أن ترى ذلك في عينه إذا وقف مع رجل غربي كيف تكون عيونه ساكنة خانعة ذليلة يقبل كل شيء بسلامة قلب وحسن نية , ثم انظر إليه مرة أخرى عندما ير ملتحي !!
وفي الحقيقة أن الصواب في الوسط بين هذين الفكرين , فلا الغرب كله شر وفساد , ولا أيضا المصلحة في الذوبان في أفكاره وأعرافه لاسيما إذا عرفنا أنه قد وصل إلى مرحلة الحضيض في مجموع الأخلاق والتأخر الروحي وهو أصل الحضارات وجوهرها التي تقوم عليها , مع حقيقة أخرى هامة جدا وهي كون الحضارة الغربية تربط بين التقدم العلمي من جهة وبين المناهج الفكرية الفاسدة التي تنتهجها من جهة أخرى...
وإذا كان الله سبحانه قد ميز الإنسان عن الحيوان بالوحي والعقل , فإن عليه أن ينظر في تلك الحضارة ويرى بعقله وعينه ويبحث عن إمكانية أخذ المفيد وإهمال الفاسد أم يلزم التاربط بينهما فيتركهما جميعا ويتلمس حاجته من جهة أخرى أو من نفسه ؟! وبهذان النوران الوحي والعقل الصحيح يستطيع أن يحكم على المناهج والأفكار بناء على نتائجها الواضحة للبيان , فالإنحلال والتفسخ الأخلاقي والضعف الخلقي ليس هو سبب التقدم وإنما سببه العلم والجد والمنافسة , وأما هذه المناهج الفكرية الخاطئة فما هي إلا معول هدم في كل ما بنوه , وإنما الأخلاق أساس الحضارات والعلو فإذا اختل هذا الأساس اختلت الحضارات وانهدمت , وكلما كان البناء عاليا كلما كان السقوط مفزعا وخطيرا ومدمرا لنفسه ولكل من يرتبط به , ولعل الأزمات الأخيرة المالية لتمثل مثال بسيط على المستقبل...
في هذا الموضوع نريد أن ننظر إلى جوهر الحضارة الغربية وإمكانية الإتصال والحوار الصحي مع الحضارة الإسلامية في الشرق والغرب , فهل ثمة أبواب مفتوحة أم أن الحرب سجال بيننا وبينهم , وليس هناك من مجال إلا الإستعداد بتقوية المجتمعات الإسلامية من الداخل وبناء الأصول الصحيحة التي تحمي المسلمين من التضرر بالأفكار الهادمة الآتية من الغرب مقارنة مع غيرها من حضارات الأرض العديدة؟!!هذا ما سنحاول أن نتناوله في هذه الصفحة إن شاء الله تعالى , مع المشاركات النافعة من زملاءنا المتعلمين والله الموفق