حوار اهتداء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد

حوار اهتداء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد

 

عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يُحلّون الشهر الحرام، فخرجتُ أنا وأخي أنيس وأمّنا، فنزلنا على خالٍ لنا، فأكرمنا وأحسن، فحسدنا قومه، فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهل يُخالفك إليهم أنيس، فجاء خالنا، فذكر لنا ما قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك، فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقدّمنا صِرمتنا، فاحتملنا عليها، وجعل خالنا يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخيّر أنيساً، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.

قال: وقد صليتُ يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: أين توجّه؟ قال: حيث وجّهني الله، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.

فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء. فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيتُ رجلاً بمكة على دينك، يزعم أنه مرسلٌ. قلتُ: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، قال: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وما هو بقولهم، ولقد وضعتُ قوله على أقوال الشعراء، فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر!.

فأتيت مكة، فتضعّفت رجلاً منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة، وعظم، حتى خررت مغشياً علي. فارتفعت حين ارتفعت كأني نصُبٌ أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها.

ولقد لبثت ـ يا ابن أخي ـ ثلاثين، بين ليلة ويوم، مالي طعامٌ إلا ماء زمزم. فسمنت حتى تكسرت عُكُني، وما وجدت على كبدي سخفةَ جوع.

فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، جاءت امرأتان تطوفان، وتدعوان إسافاً ونائلة، فأتتا عليّ في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الآخر. فما تناهتا عن قولهما، فأتتا علي. فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان هاهنا أحدٌ من أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.

قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجرَ، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلّى، وكنت أولَ من حياه بتحية الإسلام. قال: عليك ورحمةُ الله! من أين أنت؟ قلتُ: من غِفار. فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته.

فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار، فذهبتُ آخذُ بيده، فدفعني صاحبه، وكان أعلم به مني.

قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يُطعمكَ؟ قلت: مات كان لي طعامٌ إلا ماء زمزم، فسمنتُ، وما أجد على بطني سخفة جوعٍ. قال: إنّها مُبَارَكَة، إنّها طعام طعم».

فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلقنا ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان أول طعام أكلته بها.

وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إني قد وجّهت لي أرضٌ ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلّغٌ عني قومك، لعلّ الله أن ينفعهم بك ويأجركَ فيهم؟».

قال: فانطلقت، فلقيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعتُ أني أسلمتُ وصدّقت. قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقتُ. فأسلمت أمّنا، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماءُ بن رحضةَ، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي.

وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله! إخواننا، تُسلمُ على الذي أسلموا عليه، فأسلموا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غفار، غفر الله لها! وأسلم، سالمها الله».

المصدر: صحيح مسلم (2473) ومسند أحمد (5/174).

الأكثر مشاركة في الفيس بوك