الإسلام وتحديات التخلف الحضاري في الوطن العربيِ

الإسلام وتحديات التخلف الحضاري في الوطن العربيِ

 

محمد سالم عمر

 

في أواخر القرن التّاسع عشر الميلادي كانت حركات الاستعمار الكبرى للعالم الإسلامي تركز قواعدها في الهند ومصر والجزائر وتونس والسودان ... كحلقة أخيرة من حلقات تطويق العالم الإسلامي والانقضاض على ثرواته وأراضيه وكل خيراته.. ونهبها..! وكان قد مهّد لاستعمار بلاد الإسلام بغزو حضاري وثقافي نشيط، ابتدأه وألهب شرارته الأولى في ديار الإسلام مَنْ يسمون عندنا "بزعماء الإصلاح العرب"!؟ وهكذا تراجعت الرّابطة الإسلامية كشكل من أشكال البناء السّياسي القائم.. أمام ضربات الاستعمار الموجعة.. وقد توّج ذلك بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م على يد كمال أتاتورك..

لقد تمزقت الرابطة الإسلامية - التي وحدت المسلمين سياسيا وجغرافيا لقرون عديدة - خلال القرن العشرين وتنازعت الدّول الاستعمارية الكبرى ميراث المسلمين وثرواتهم وأراضيهم... وسيطرت على أضخم قواعدهم وقدراتهم.. واندفعت الحركة الصّهيونية العالميّة بدعم مباشر من الاستعمار الغربي..!! تسيطر على فلسطين وتجعل من احتلال بريطانيا للقدس مقدمة لسيطرتها عليها بعد خمسين عاما...!!

ولقد قاوم "ورثة الإسلام" في معارك حاسمة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي في أفغانستان والقرم ومصر وسورية والجزائر والعراق وباكستان.. وحققوا بعض الانتصارات.. وتحرّرت ديار الإسلام من نفوذ الاستعمار العسكري الغربي المباشر وانبعثت من قلبه "حركة تحرّرية وتنويرية" بعد طول سبات.

غير أن حركة التنوير والتحرر الفكري/ الحضاري لم تلبث أن واجهت عقبات كأداء في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن الجديد، فقد تحالف الاستعمار الغربي والاستكبار العالمي والصّهيونية و(أزلامهم).. من أجل ضرب حركة التنوير والتحرر الإسلامية ودفعها دفعا للانحراف عن ثوابتها الإسلامية وبصائرها القرآنيّة الأزلية المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. "لتحرير البشرية من عبادة العباد لعبادة رب العباد وفك أسرها من الظلم والطواغيت والأغلال المختلفة...!؟.." ومن ثم فانّ أخطر التحدّيات التي تواجه "ورثة الأنبياء" - عليهم السلام - في السّنوات الأخيرة تتمثل أساسا في الحفاظ والاستمساك الواعي بالهوية الإسلاميّة والثوابت القرآنية وحماية الهوية الثقافية والحضارية للشعوب الإسلامية، وتطوير هياكلها وتحرير الفكر الإسلامي من الجمود والتقليد والعمى الفكري/الحضاري وفكر الدروشة..! ومن الأخطار الفكرية الشاذة والمفاهيم الثقافية المغلوطة والمنحرفة عن هداية الله وبصائره الأزلية وقوانينه الأبدية المنظمة للأسرة والمجتمع والحياة عامة.. ورعاية شؤون المسلمين في العصر الحديث طبقا للثوابت الإسلامية.. داخل أرض الإسلام وخارجها..! وتحصين "أمة الإسلام" ضد المخاطر الثقافية والحضارية التي تلقى إليها عن طريق وسائل الإعلام والاتصال المختلفة.. وعبر التنصير.. والاستشراق المنحاز لضلالات رجال الدين اليهودي والمسيحي.. وضد الشعوبية المتطرفة.. والقوميات المتعصبة.. وهي آليات ومفاهيم منحرفة تلتقي جميعا على هدف: إذابة الهوية الحضارية والتشكيك في الثوابت الإلهية لأمتنا الإسلامية.. بدعوى "الحداثة" و"العولمة" و"العلمانية" و"اللائكية" والاجتهاد ومواكبة العصر..! وغيرها من بدع جاهلية الإنسان الغربي الحديث وحيوانيته وتخلف الإنسان العربي/ المسلم وتبعيته وانهزامه الحضاري وانبتاته عن ثوابته القيمية الإسلامية وهجره للقرآن منذ أمد بعيد!!؟... وهي دعاوى وإن اختلفت مسمياتها وتنوعت مصادرها واختلفت.. إلا أنّها تتّفق على أن يترك المسلمون ثوابت دينهم الإسلامي ومفاهيم قرآنهم وقوانينه الأزلية المطابقة لحقائق الكون والحياة والإنسان وفطرته التي فطره الله عليها منذ خلقه للكون.. واستبدالها بفلسفات مريضة وتيّارات جانحة منحرفة من الفكر والثقافة والاعتقاد ونظرة خاطئة لحقيقة الألوهية والقدر وتأويل خاطئ للنصوص المقدسة "التوراة والإنجيل والقرآن" حتى يسهل للغرب الاستعماري والاستكبار العالمي من الأقوام التبع وورثته من بني جلدتنا بعد ذلك السّيطرة على شعوبنا الإسلامية واستغلالها وإذلالها فكريا وحضاريا وسياسيا.. ونهب ثرواتنا.. واستغلال شعوبنا وتركيعها لسيادة الغرب الموهومة وربوبيته المزعومة للعالم وإخضاعها لأطروحاته المعادية لكل مصالحنا وكل مصالح الشعوب المستضعفة..!!؟ هذا هوالتحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون/ "ورثة القرآن" في بداية هذا القرن 21!؟ فالقضاء على أصالة هذه الأمة وكيانها الفكري والروحي والحضاري .. هومقدمة الغرب الاستكباري/ الاستعماري لتحقيق مآربه ومآرب الصهيونية اللقيطة في الاستيلاء على ما تبقى من أرض الإسلام وخيرات أراضيه الممتدة شرقا وغربا!!؟

ويمكن حوصلة الهجمة الغربية – الصهيونية وأتباعهما على الإسلام في النقاط التالية:

محاربة الإسلام عن طريق نخبه المتغربة/المنبتة عن هوية أمتنا الإسلامية... بنظريات زائفة كالتي تزعم "أن الدين ليس سوى الانعكاس الواهم في دماغ البشر للقوى الطبيعية التي تسيطر على وجودهم اليومي": (نظرية كارل ماركس) ماركس محق إذا كان يقصد الدين اليهودي والدين المسيحي المحرف وليس دين التوحيد لموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام المفصل في التوراة والإنجيل والقرآن) المنزل ﴿من لدن عزيز حكيم﴾..!

الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها من مخلفات المجتمعات الإقطاعية وعصور الانحطاط !!؟ والتشجيع على العلاقات المنحرفة والشاذة كاللواط والسحاق -العلاقات المثلية... والإجهاض... كحل للمشكلات الأسرية والاجتماعية والشبابية، وهي دعوة شيطانية لتغيير خلق الله وفطرته التي فطر الناس عليها.. وبسبب ذلك تحولت حياة الناس شرقا وغربا إلى جحيم لا يطاق وفقد الرجل والمرأة دورهما الطبيعي المحدد لهما في الحياة .. فاستشرت الأمراض المزمنة نتيجة لذلك وانتشر العجز الجنسي والأمراض العصبية والذهانية وغيرها انتشارا مرعبا بين الناس كما نلاحظ اليوم بل طالت الأمراض المرعبة حتى الحيوانات بسبب فساد الإنسان وسوء تقديره لعواقب تغيير خلق الله :(جنون البقر وأنفلونزا الطيور والخنازير )...!!؟

الدعوة إلى قيام العلاقات البشرية على أساس المصالح المادية والعرقية والاثنية وإثارة العصبيات الطائفية والعرقية كما يروج الأمريكان و(أزلامهم) في العراق منذ احتلاله عام 2003..!!؟ هذه الدعوة تتناقض حتى مع دعوتهم للديمقراطية ودولة القانون! لأن القانون لا يفرق بين الناس عند تطبيقه: إنهم عميان البصيرة كالأنعام لا يعقلون بل هم أضل ويحسبون أنهم مهتدون!؟

إيجاد الأحزاب السياسية – علمانية وإسلامية - التي تتبنى مفاهيم الغرب ومعاييره المزدوجة في ديارنا ورعايتها ماديا ولوجستيا..!!

محاربة اللغة العربية الفصحى، لغة الإسلام الأولى ولغة القرآن الكريم/ الكتاب الذي تحدى الجن والإنس على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.. لإدراكهم الارتباط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي ومجد ووحدة المسلمين، وقد عملوا جاهدين على ترويج الدعاوى التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم والبداوة وألقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري للمسلمين ورفعوا شعار: "من أراد التقدم والرقي فلا يتكلم اللغة العربية"! زاعمين بعدم استجابة اللغة العربية الفصحى للحضارة الحديثة وأنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها؟ (راجع كتاب: اللسان العربي وتحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي لمحمد بن سالم بن عمر الصادر بتونس 1995).

 

اعتماد مناهج تربوية من قبل الحكومات "العربية والإسلامية" بعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي في تربية الإنسان المسلم المثبت من الله بالقول الثابت والقوانين الأزلية والتنويرية في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والمستضيء بنور الله وبصائره التي لا تخبوأبدا ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾.

خلق مفهوم صراع الأجيال حتى يسهل بعد ذلك دفع الشباب إلى الانهيار والتمزق في ظل فراغ نفسي وفكري وثقافي وعطش روحي

ودفعه للانحراف والشذوذ وتقديس الجنس والمخدرات والاعتقاد الخاطئ في عبثية الحياة..!!؟

وقد تخفى هؤلاء المستكبرون عميان البصيرة.. وراء مذاهب ونظريات منحرفة مغرضة أثبت العلماء المحايدون جهالتها وتفاهتها

وتضاربها مع حقائق الوجود وعدم ارتكازها على حقائق علمية ثابتة وانبناؤها على الظن والتخمين.. وليس لها أية صلة بالواقع البشري.

وحقائق العلم والمعرفة، بل وقدرة هذه النظريات الفائقة على تخريب عقول الناشئة وصنع "الرجال الجوف "حسب تعبير أحد شعرائهم!!؟

كل هذه الوقائع قد ساهمت بدورها في تبعية مجتمعاتنا الإسلامية وتأبيد تخلفها حتى بدا للعيان أن شفاءها قد صار متعذرا..؟!

 

إن مجابهة كل هذه التحديات الخطيرة وغيرها على مستقبل أمتنا الإسلامية: تبدأ بتجديد الثقافة الإسلامية التصحيحية المبنية على الثوابت الإلهية الحقة... مستمسكين بثوابتنا القيمية والحضارية ومفاهيمنا الإسلامية المبثوثة في ثنايا "الذكر الحكيم" ميزان المسلمين الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي اتخذه المسلمون ﴿مهجورا﴾ منذ أمد بعيد..!

لقد حد "بديع السماوات والأرض" حدودا معلومة وقوانين راقية وضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته منذ خلقه للكون والإنسان

والحياة.. تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات الحية وتضمن بها لنفسها صيرورة سالكة وحياة طبيعية هانئة.. وإن خروج أيٍّ من هذه الكائنات عن حدود الله وقوانينه ونظامه البديع وسننه الدقيقة في الكون والحياة ، الذي أبدعه الله بقدرته الفائقة وحكمته الأزلية.. يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها لتوازنها الحيوي واندثارها أو موتها وهلاكها.. فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له يعني حتمية احتراق الكون برمته .. كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته.. أو تحطم السيارة أو الشاحنة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها ..!؟ كذا تضطرب حياة بني آدم وتنتابهم شتى الأمراض والمهالك والعلل – كما هو حالهم اليوم في مختلف أنحاء العالم - إن هم حادوا قليلا أو كثيرا عن الصراط المستقيم المعبد لهم للسير فيه منذ الأزل، وقد فصلت لهم معالمه ودقائقه تفصيلا بينا في كل الكتب الإلهية التي لم تطلها يد التحريف أو التأويل أو التشويه - كما هو شأن القرآن الكريم - .. وقد عمل كل الأنبياء عليهم السلام على تذكير أقوامهم بمختلف معالم هذا الصراط المستقيم منذ نوح عليه السلام وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم.

إن الزيغ عن قوانين الله الأزلية وسننه الفطرية التي فطر الناس عليها يعني حتمية نيلهم الخزي والشقاء في الدنيا (من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) بحكم موت أرواحهم التي فصلوها عن خالقها – الذي نفخها فيهم - بكامل إرادتهم ... وخلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين. فالله عز وجل قد أبان للإنسان المنهج الحق والشريعة الحق منذ خلق آدم عليه السلام، لذلك نجده عز وجل يخاطب عبده آدم عليه السلام منذ البداية قائلا: ﴿اهبطوا منها جميعا فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (سورة البقرة الآيتين 38 و39 ). كما نجد الله عز وجل يذكر المسلمين دائما بأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكل الكتب الإلهية السابقة له: ﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾ (سورة الأعلى الآيتين 18و19) وعندما يخاطب الله بني إسرائيل يقول لهم: ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون﴾ (سورة البقرة الآيتين 40 و41). كما أن عقيدة المؤمن مبنية أساسا على الإيمان بالله وجميع كتبه ورسله لأنها في النهاية كتاب واحد وإن تعددت لغاته واختلف حاملوه ... يقول الله عز وجل: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (سورة البقرة الآية 285 ). وعندما يأمر الله عز وجل المؤمنين بصيام شهر رمضان يذكرهم بأن فريضة الصيام قد فرضت على المؤمنين من أتباع الرسل السابقين أيضا: يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ (سورة البقرة الآية 183). وكثيرا ما ذكر القرآن المؤمنين أنه يريد أن يهديهم سنن الذين من قبلهم من عباد الله الصالحين.. والحاصل أن شريعة الله ومنهجه في الحياة مكتملة منذ خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وقرر أن يجعله خليفة في الأرض، فأوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان، وكانت المهمة الأساسية لرسل الله عليهم السلام تذكير أقوامهم بها ليسير على هديها من شاء ويكفر بها من شاء، والمتبعون لها يسميهم الله:"المؤمنون والمهتدون وأولو الألباب وأولو العلم..." وغير المتبعين لتعاليم الله يسميهم الله :" المشركين والكفار والمنافقين والعصاة والظالمين والذين لا يعقلون والجاهلين والمفتقدين للعقل والعقلانية" على عكس ما يتوهم إخواننا العلمانيون واليساريون .. كما يشبههم الله عز وجل بالأنعام بل هم أضل... وبالتالي لم يترك الله إمكانية للاجتهاد البشري في الدين إلاَّ للعلماء الربانيين.

إن مبادئ الله وثوابته في الكون والإنسان والحياة والمجتمع هي مبادئ عامة لكل البشر منذ خلق آدم عليه السلام وهي مفصلة تفصيلا دقيقا في كل الكتب السماوية قبل أن ينالها التحريف والتأويل والتشويه من قبل بعض أتباع الرسل السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم.. لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ﴿القرآن﴾ معجزا وغير قابل للتحريف أو التأويل أو التشويه... متحديا الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله لأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر المرسلين لبني البشر ، وكتابه ﴿القرآن﴾ هو آخر الكتب السماوية المنزلة على بني آدم .. من اتبعها فقد هدي إلى الصراط المستقيم ومن زاغ عنها بدعوى الحداثة والاجتهاد والتأويل فقد ضل ضلالا مبينا..!!

إن قراءة متبصرة لآيات القرآن العظيم .. لا تلفها الأهواء والتأويلات المغرضة.. تكشف لنا عن كل القوانين والسنن الفطرية التي تتحكم في جميع العوالم التي خلقها الله والخاضعة طوعا أوكرها لمشيئته عز وجل لا تحيد عنها منذ الأزل .. كما تحتوي هذه الآيات وخاصة الآيات المدنية منها على كل سنن وقوانين أمة الإسلام الأبدية في الأسرة والمجتمع .. والتي قد سار على هديها الصالحون من عباد الله منذ أقدم العصور، وملخصها: ﴿اعبدوا الله مالكم من إلاه غيره﴾ فتوحيد الله وخضوع الإنسان السوي المؤمن لشرع الله في الأسرة والمجتمع وكل علاقات الإنسان بنفسه وبربه وبأخيه الإنسان وبالطبيعة واستشعار الله وخشيته سرا وجهرا – على عكس خضوع الإنسان للقوانين الوضعية المفتقدة لكل وسائل الردع والرقابة.. كانت ولا تزال جوهر كل الرسالات السماوية.. ولذلك جعل الله الأمة المستمسكة بهذه القوانين الأزلية المستشعرة لخشية الله في الخضوع لتعاليمها.. أمة الشهادة على الناس أجمعين: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (سورة البقرة الآية 143). إن تشبث أمة الإسلام بقوانين الله وسننه الأزلية يخضع في التطبيق والتجسيد للنسبية التي يخضع لها سائر عمل بني آدم الذين يحيون في إطار زماني ومكاني محدودين.. فما ارتآه الرسول الكريم وصحابته استجابة لأوامر الله ونواهيه في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي الحرب وفي السلم وتنزيل شرع الله في الحياة المدنية وتشكيل مختلف الأجهزة التنفيذية في المجال الأمني والعسكري والاجتماعي والسياسي وغيره: أي في ميدان المعاملات وليس في ميدان العبادات- قد يختلف اختلافا كليا عن ذلك الذي يرتئيه المسلمون في العصر الحديث لبعث دولة الإسلام *دولة التوحيد* القادرة لم شعث المسلمين وتوحيدهم في كيان قوي.. نصرة لدين الله وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. إن تغير العصر وتطور نوعية الحياة فيه وتقدم منتجات الحضارة الإنسانية.. لا يعني مطلقا تغيير المسلمين صراط الله المستقيم وأحكامه وسننه الأزلية المفصلة في الذكر الحكيم.. بل يعني فقط الأخذ بأسباب الحداثة المادية والتقنية في الخضوع لكل قوانين الله وأحكامه في القرآن والاجتهاد في تنفيذ الأحكام الشرعية المستمدة من القرآن بالأساليب والوسائل الملائمة لحضارتنا في العصر الحديث قدر المستطاع..

** المصدر: المنهل، العدد 623.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك