قيـــم حضـارية
قيـــم حضـارية
محمد مسعد ياقوت
إهداء ..
إلى الهادي الأمين ....
النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
الذي سبه من جهله .. وأحبه من عرفه ..
يا رسول الله : أرجو أن تقبل هديتي يا حبيب الله !
محمد ياقوت
"إن محمداً () هذا الرجل الملهم ،
الذي أقام الإسلام ،
ولد في قبيلة عربية تعبد الأصنام،
ولد يتيماً محباً للفقراء والمحتاجين والأرامل واليتامى والأرقاء والمستضعفين .
وقد أحدث محمد() بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه الجزيرة العربية وفى الشرق كله .
فقد حطم الأصنام بيديه ،
وأقام ديناً يدعو إلى الله وحده ،
ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء ،
و نادى بالعدالة الاجتماعية وقد عرض عليه في آخر أيامه أن يكون حاكماً بأمره ، أو قديساً ،
ولكنه أصر على أنه ليس إلا عبداً من عباد الله أرسله إلى العالم منذراً وبشيراً"
(جيمس متشنر(
ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى إظهار أهم الأعمال الحضارية في سيرة النبي محمد ، بإسلوب سهل وبلغة يفهما الغرب ..
فيعرض الباحث إلى دور النبي محمد في الارتقاء بمستوى الإنسان من عصور الجاهلية والتخلف إلى حياة التحضر والتمدن، من خلال ما قام به النبي من القضاء على الوثنية، ونشر قيم العدالة والمساوة والحب والإخاء والتسامح والحوار، ودوره في تحرير المرأة من الوأد ورق الجاهلية والمتاجرة بجسدها إلى الحياة الإسلامية الكريمة التي تعلي من شأن المرأة . هذا إلى جانب دور النبي محمد في إعلاء حقوق الإنسان بصفة عامة، و نشر ثقافة السلام في مجتمع الجزيرة العربية الغارق في براثن الحروب والمعارك القبلية ..
ويتوصل الباحث إلى عدة نتائج أهمها، أن النبي أعاد للإنسان اعتباراته وحقوقه، وأن لمحمد الفضل الأكبر في مكافحة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القائمة على الطبقية والتمييز العرقي ..
ويوصي الباحث ـ ضمن ما يوصي ـ بضرورة الاهتمام بترجمة سيرة محمد إلى اللغات الحية بصورة جديدة وعصرية تناسب عقلية الغرب .و الدفاع عن النبي محمد ممن يشوهون صورته، فالنبي محمد قيمة إنسانية ضخمة، وإهانتها إهانة للبشرية جمعاء .
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
عندما ظهرت الحملة الإعلامية المغرضة التي قامت بها إحدى الصحف في دولة الدنمرك، حين عمدوا إلى رسم النبي برسومات كاريكاتورية سيئة، وكان غرضهم من ذلك محاولة تشويه صورته .. فكرتُ ، كيف أنصر النبي لاسيما وأنا باحث وداعية إسلامي أمارس الكتابة والخطابة ..
لم أستغرق وقتاً كبيراً في التفكير في اختيار أفضل وسيلة يمكنني أن أنصر بها النبي الحبيب فقد ذهب فكري سريعاً في كتابة بحث أو دراسة علمية عن النبي
وقلت في نفسي لما لا أعرض لأهم أعمال النبي بشكل مبسط وبأسلوب يتفق مع لغة الغرب الذي يتشدق بالحديث في قيم ضخمة كالمساواة والعدالة والإخاء ..
فلما لا أحصى أهم الأعمال الإنسانية الكبيرة التي أفاد بها النبي محمد بني البشر، والقيم الحضارية التي نشرها في ربوع العالم ؟
نحن نحتاج إلى عرض سيرة النبي محمد بشكل جديد تعرّف بالنبي وبدعوته تعريفاً بسيطاً و صحيحاً ، وتدحض المزاعم والشبهات التي تثار حوله، بشكل مختصر ومباشر، وكل ذلك بلغة يسيرة وعصرية مناسبة، تصلح للنشر في ديار الغرب وتفتح لهم آفاق الحقيقة ..
ولقد كان كثير من الصحابة ـ رضي الله عنهم ، أيام جاهليتهم يسرفون في سب وشتم النبي نظراً للتعتيم الإعلامي الذي كانت تمارسه قريش على الرأي العام في الجزيرة ضد دعوة النبي ، فضلاًَ عن الصورة المشوهة التي كان ينشرها صناديد قريش عن شخص الرسول ، حتى أصبح القاصي والداني يسمع فقط عن غلام قريش الكذاب الذي يدعي النبوة، وأن من الواجب اللغو والتشويش على دعوته ...
لكن بمجرد أن يتعرف هؤلاء الناس على شخص النبي ويحدثونه ويحدثهم ، سرعان ما تنكشف الحقيقة .. وتتجلى الشمس الجميلة في خدرها..
وأأمل من الله ـ تعالى ـ أن يهدي هؤلاء الذين أساؤا إلى محمد لصبحوا لساناً يدعو إلى دين محمد .. كما كان سهيل بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ لساناً ضد النبي ، ثم هداه الله تعالى، فأصبح سهيل خطيب النبي .
أهمية البحث :
تنبع أهمية هذا البحث ؛ من كونه رسالة تعريف مبسطة لنبي الإسلام في وقت تكالبت فيه الأقلام المسمومة والألسنة الحاقدة للنيل من مكانة رسول الله ..
والدراسة إذ تُّسْهم بمحاولة توضيح صورة نبي الإسلام للعالم، تنطلق من الإيمان بأهمية شهادات العلماء الغربيين المنصفين لنبي الإسلام.
فرب شهادة باحث غربي أوقع في قلوب الغربيين من نصوص إسلامية كثيرة ! أسباب اختيار موضوع البحث :
من أسباب اختيار موضوع البحث، أنه يأتي في سياق إظهار الجانب الحضاري والإنساني في شخص النبي الكريم محمد، والذي يغفله أو يجهله الكثير من الغربيين .. نرى هذا واضحاً في كتابتهم ووسائل إعلامهم .
ومما دفعني أيضاً للكتابة في هذا الموضوع أيضاً؛ قلة الكتابات والأبحاث التي تتحدث عن الجوانب الإنسانية والحضارية في سيرة الرسول .
مشكلة البحث :
يمكن صياغة مشكلة البحث في عدة أسئلة، يقوم البحث بالإجابة عنها، وتتمثل في :
2 هل للنبي محمد دور في تحضر الإنسانية، والقضاء على عصور الظلام والتخلف ؟
3 ما هو دور النبي محمد في نشر قيم العدالة المساواة والحب والإخاء والتسامح الديني بين الناس ؟
4 كيف حرر النبي محمد المرأة من رق الجاهلية إلى كرامة الإسلام ؟
5 ما هو دور النبي محمد في نشر رسالة السلام بين الشعوب ؟
6 ما هو الدور الذي قام به النبي محمد لدعم ورعاية حقوق الإنسان ؟
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى تحقيق عدة أهداف أهمها :
2 الوقوف على شمائل الرسول الإنسانية، وإيصالها إلى شعوب الغرب .
3 بيان دور النبي في الارتقاء بمستوى الكائن البشري.
حدود البحث :
يدور هذا البحث حول شمائل وفضائل الرسول من خلال التركيز على مواقف السيرة النبوية وأحاديث النبي الكريم محمد وأقوال المفكرين والباحثين من غير المسلمين، والتي تظهر الأعمال الحضارية للنبي محمد .
منهج البحث :
استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، من خلال تناول النصوص المتعلقة بوضوع الدراسة، واستخرج ما فيها من مضامين، والعمل على تصنيفها، ومن ثم إدراجها تحت العناوين الخاصة بها، والمعبر عنها في أسئلة الدراسة.
الدراسات السابقة :
لم يعثر الباحث على دراسة علمية قائمة بذاتها، تتعرض لكشف الجوانب الحضارية والإنسانية في سيرة النبي محمد ، باستثناء الكتابات التي تتناول شمائل الرسول بصفة عامة، والكتابات التي تأصل لمبادىء حقوق الإنسان في الإسلام ..
خطة البحث :
يتكون البحث من مقدمة وتمهيد وعشرة مباحث وخاتمة وقائمة المصادر والمراجع
مقدمة البحث : وتتكون من أهمية البحث وأسباب اختياره، ومشكلة البحث، وأهدافه وحدوده ومنهجه..
تمهيد: تحت عنوان : محمد وأهم أعماله الحضارية، وفيه تعريف موجز بالنبي محمد وأهم أعماله الحضارية ..
المبحث الأول: نشر عقيدة التوحيد في ربوع العالم.
المبحث الثاني : الارتقاء بالعرب من مستوى القبيلة إلى مستوى الأمة.
المبحث الثالث : نشر قيم العدالة والمساواة
المبحث الرابع : نشر قيم الحب والإخاء
المبحث الخامس: نشر التسامح الديني
المبحث السادس : مبادرة النبي محمد للحوار بين الحضارات
المبحث السابع: تكريم المرأة وتحريرها من رق الجاهلية
المبحث الثامن : مكافحة الفقر
المبحث التاسع :المعاهدات الداعمة للسلام
المبحث العاشر : خدمة الإنسانية ورعاية حقوق الإنسان
الخاتمة : تشتمل على نتائج البحث وتوصياته ومقترحاته ..
محمد مسعد ياقوت – بلطيم، مصر
yakut.blogspot.com
yakoote@gmail.com
+20104420539
تمهيد
محمد وأهم أعماله الحضارية
محل وتاريخ الميلاد :
"في مكة . . أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمة، ساعة ولادته، أنه سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقًا.."(1).
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، القرشي والذي يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ ..
وولد النبي محمد في مكة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل.
يقول جون وليام دريبر :
"ولد في مكة بجزيرة العرب عام 569م، بعد أربع سنوات من موت "جوستنيان الأول"، الرجل الذي كان له ـ من دون جميع الرجال ـ أعظم تأثير على الجنس البشري.. وهو محمد"(2).
حال العالم قبل بعثة النبي محمد :
"بينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله []، نور وضاء؛ أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام"(3).
فقد وُلد النبي محمد والبشرية تُعاني الأمرّين من صنوف الجهل والتخلف والانحطاط الخلقي والحضاري .. العرب في الجزيرة العربية كانوا يعبدون الأصنام ويقتلون البنات ويتكسبون من وراء الزنى والدعارة .. أما الشعب الفارسي فقد أدمن عبادة النار كما أدمن عبادة الطاغية كسرى الذي كرث الطبقية والكراهية بين صفوف الشعب الفارسي .. وهذا هرقل أجج الخلاف الطائفي بين الرومان فأخذ يذّبح من يخالفه في المذهب، فضلاً عن فساد السلطة الرومانية الحاكمة مالياً وإدارياً وسياسياً .. حتى وصل بهم الحد أن فرضوا ضريبة على الشعوب تسمى " ضريبة الرأس" .. وهي ضريبة يدفعها المواطن نظير ترك رأسه دون ذبح !
وهكذا كان العالم يموج بالظلم والتخلف .. إلى أن أرسل الله ـ تبارك وتعالى ـ هذا الصادق الأمين محمد .
ويبين هنري ماسيه(4) أن "بفضل إصلاحات محمد [] الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"(5)..
نشأته وشبابه :
نشأ النبي محمد في بيت جده عبد المطلب زعيم مكة، ومن ثم نال محمد حظاً وافراً من الفطنة والفكر السديد، ومعايشة قضايا العالم ومشكلاته ونزاعاته .. فطالع النبي محمد صحائف البشرية وأحوال القبائل والجماعات والأحلاف، وقد كان النبي في ذروة الإيجابية مع قضايا أمته ، فهو عضو في " حلف الفضول " للدفاع عن حقوق الإنسان ورفض كل صور الظلم وأكل الحقوق بالباطل .. كما إنه حكم عدل في فض النزاعات والمشكلات التي تحدث بين القبائل والعائلات .. كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا، وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه: [الأمين] لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال الطيبة .. إنه ـ ببساطة شديدة ـ كما وصفته زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ ، يصل الرحم، ويحمل الكل، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويُعين على نوائب الدهر(6) .. وبقدر ما كان من إيجابية النبي محمد في شبابه بقدر ما كان ينفر من مظاهر الجاهلية السائدة في المجتمع .. فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح قرباناً للأصنام، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالاً، ولا يشارك في أي طقوس دينية لهذه الأصنام ، بل كان من أول نشأته نافراً من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف بهذه الأصنام ..!
ويتحدث توماس كارلايل (7)عن شباب محمد قائلاً:
"لوحظ على محمد [] منذ [صباه] أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء"(8).
ويقول الباحث والمستشرق البلجيكي ألفرد الفانز ، في كتابه علم النفس : عن أخلاقه وأمانته وزواجه من خديجة :
"شب محمد [] حتى بلغ ، فكان أعظم الناس مروءة وحلماً وأمانة ، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً ، وأبعدهم عن الفحش حتى عرف في قومه بالأمين ، وبلغت أمانته وأخلاقه المرضية خديجة بنت خويلد القرشية ، وكانت ذات مال ، فعرضت عليه خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة ، فخرج وربح كثيراً ، وعاد إلى مكة وأخبرها ميسرة بكراماته ، فعرضت نفسها عليه وهي أيم ، ولها أربعون سنة ، فأصدقها عشرين بكرة، وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة، ثم بقيت معه حتى ماتت "(9).
و"صدع الرسول [] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام] ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا.."(10).
النبوة والوحي
من المعروف أن محمداً قدم نفسه للعالم على أنه نبي مرسل من قبل الله عز وجل، فما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، ومن ثم لسنا كالذين يتحدثون عن شخصية محمد على أنه عبقري وفقط، أو مصلح وفقط .. بل نتحدث عن محمد على أنه نبي من عند الله بالأساس، قد جمع الله فيه صفات العباقرة وأخلاق المصلحين وذكاء المفكرين ..
ولقد اختار الله محمداً ليكون خاتم الأنبياء ـ عليهم السلام ـ، فلما بلغ النبي محمد سن الأربعين، نزل المَلَك جبريل ـ عليه السلام ـ على محمد وهو في الغار بأول آيات القرآن الكريم، وكانت أول كلمة وأول تكليف من الله لمحمد بكلمة "أقرأ"، لأهمية القراءة والعلم في بناء ونهضة الأمم والإنسانية ..
ولقد أخبرت التوراة والإنجيل عن بعثة محمد بشكل صريح تارة وبشكل فيه تعريض تارة أخرى :
ففي بشارة سفر العدد: ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال: "انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل، وعضده سبط من العرب، ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها". . قال المهتدي الإسكندراني: "ولم يظهر من نسل إسماعيل إلا محمد ، وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره صلى الله عليه وسلم. حقا إنه كوكب آل إسماعيل، وهو الذي تغير الكون لمبعثه ، فقد حرست السماء من استراق السمع، وانطفأت نيران فارس، وسقطت أصنام بابل، ودكت عروش الظلم على أيدي أتباعه.".
وقد حُرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى: "يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم موآب، ويهلك من الوغى".
وفي سفر التثنية لما هُزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعاً بمحمد قائلاً: "اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر جيوش المؤمنين، فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على العمالقة ببركات محمد " وقد استبدل هذا النص بالعبارات التالية: "اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تلتفت إلى غلاظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته" ولا يمكن أن يكون هذا الدعاء – الذي في النص الأول – قد صدر من موسى عليه السلام، لأنه ينافي كمال التوحيد.
وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن المسيح ـ عليه السلام ـ قال: "إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شيء" وقال – أيضا – في الفصل السادس عشر: "إن الفارقليط لن يجيئكم مالم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، لكنه يسوسكم بالحق كله، ويخبركم بالحوادث والغيوب"(11).
ويقول إنجيل برنابا: "سيأتي مسيا (أي الرسول) المرسل من الله لكل العالم،.. وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة.."(12)
ويقول عيسى ـ عليه السلام ـ في إنجيل برنابا ـ أيضاً ـ : "لأن الله سيصعِّدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاي. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمنًا طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة" (13).
هذا، وقد شهد بنبوة محمد رجلات اليهودية، كأمثال الحبر عبد الله بن سلام، ورجلات النصرانية كورقة بن نوفل ..
ليكونا حجة على كل يهودي أو نصراني إلى قيام الساعة !
كما شهد بنبوة محمد كبار المفكرين والباحثين في العصر الحديث ..
فيقول واشنجتون إيرفنج :
"كان محمد [] خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله"(14)..
ويثبت مارسيل بوازار نبوة محمد بإسلوب عقلاني وعلمي بكلمات بليغة رشيقة .. فيقول :
"منذ استقر النبي محمد [] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول [] قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(15).
وبتلقائية شديدة، يثبت أميل درمنغم نبوة محمد ، فيقول :
".. ولد لمحمد []،[من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [] كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..". فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."(16) .
وبنفس المنطق يقول لايتنر (17) :
" بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد [] ليس اقتباسًا بل قد أوحي إليه به ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [] وأنه قد أوحي إليه"(18).
أما لورافيشيا فاغليري فيقول :
"حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله [] ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد [] على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك [وحاشاه] رجلاً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه، وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة، حثًا موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا ، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد [] كان عميقًا وأكيدًا"(19).
ويكشف روم لاندو زيف المكذبين لنبوة محمد بقوله :
"كانت مهمة محمد [] هائلة. كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية، وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي [] أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد [] في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام، أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً"(20).
أهم أعماله الحضارية:
يقول فيليب حتي : "
إذا نحن نظرنا إلى محمد [] من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر"(21).
و الحق ـ كما يقول إميل درمنغم (22) ـ "أن النبي لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحس ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"(23).
ونستطيع أن ونوجز أهم الأعمال الحضارية التي قدمها النبي محمد للبشرية في عدة نقاط، على النحو التالي :
1- نشر عقيدة التوحيد في ربوع العالم.
2- الارتقاء بالعرب من مستوى القبيلة إلى مستوى الأمة.
3- نشر قيم العدالة والمساواة
4- نشر قيم الحب والإخاء
5- نشر ثقافة التسامح الديني
6- مبادرة النبي محمد للحوار بين الحضارات!
7- تكريم المرأة وتحريرها من رق الجاهلية
8- مكافحة الفقر
9-المعاهدات الداعمة للسلام
10- خدمة الإنسانية ورعاية حقوق الإنسان.
وهذه الأعمال هي ما سنفصل فيها القول في هذا البحث ـ إن شاء الله ـ ..
هوامش التمهيد :
2 جوستنيان الأول جوستنيان الأول: في خطى محمد ، ص 42.
3 جون وليام دريبر : تاريخ التطور الفكري الأوروبي، المجلد الأول، ص 229، 230 . ( و جوستنيان الأول هو جوستنيان أويوستنيانوس (483 – 565م)، الإمبراطور البيزنطي الشهير، الذي جمع الشرائع الرومانية ودونها )
4 إبراهيم خليل أحمد: محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 47.
5 هنري ماسيه : ولد عام 1886، عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعين أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في مجمع الكتابات والآداب وفي المجمع العلمي العربي بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين.من آثاره: نشر كتابًا عن الشاعر (سعدي) (1919)، وصنف كتابًا بعنوان: (الإسلام) (1957)، كما ترجم وحقق العديد من النصوص العربية، ونشر العديد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة.
6 هنري ماسيه : الإسلام ، ص 55.
7 انظر: صحيح البخاري، باب بدء الوحي، ج 1، ص 5 ، وصحيح مسلم، باب بدء الوحي إلى رسول الله ،ص 381.
8 توماس كارلايل( 1795 – 1881 ) الكاتب الإنجليزي الشهير، من أعماله (الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً رائعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، (الثورة الفرنسية) ..الخ.
9 توماس كارلايل : الأبطال ، ص50، 51.
10 انظر:الفرد فانز : علم النفس، نقلاً عن : محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة،ص 17.
10-جورج سارتون : الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 29، 30 ،31.
11-انظر: محمد بن عبد الله السحيم: أعظم إنسان في الكتب السماوية.
12-إنجيل برنابا ،( 82 : 16 – 18) ..نقلاًعن : محمد في التوراة، ص 105.
13-إنجيل برنابا ،(80: 112 - 16 ) نقلاًعن : محمد في التوراة ، ص 141.
14- إميل درمنغم: حياة محمد ، ص 72.
15-مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام ، ص 46.
16- إميل درمنغم :حياة محمد ، ص318.
17-لايتنر : باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.
18-لايتنر : دين الإسلام ، ص 4 ، 5 .
19-فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ترجمة: منير بعلبكي، ص37، 38.
20-أرنولد توينبي: الإسلام والعرب والمستقبل، ترجمة: نبيل صبحي الطويل ص33، 34.
21-فيليب حتى :الإسلام منهج حياة ، ص56.
22-إميل درمنغم E.Dermenghem مستشرق فرنسي، عمل مديرا لمكتبة الجزائر، من آثاره: "حياة محمد"، و"باريس 1929"، وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم، و"محمد والسنة الإسلامية"، "باريس 1955"..
23-إميل درمنغم :حياة محمد، ترجمة : محمد عادلزُعَيْتِر.
المبحث الأول : نشر عقيدة التوحيد في ربوع العالم
يقول نظمي لوقا (1) :
"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من "أبي القاسم" [] الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام"(2).
فبعدما كانت عبادة الأصنام والأشخاص والنار والأبقار هي العبادة الأساسية المسيطرة على الشعوب، أصبحت عبادة الله ـ تبارك وتعالى ـ هي العبادة السائدة وأكثر انتشاراً، وبذلك يكون النبي محمد قد أعاد دين إبراهيم وموسى والمسيح عيسى ـ ابن مريم ـ عليهم السلام، إلى الحياة مرة أخرى، بعدما حُرف الدين الحق (دين الأنبياء) من قبل الأنظمة الغابرة المستبدة، التي استعبدت الشعوب ومحقت هوية الإنسان، ومسخت فطرته ..
إن عظمة الرسول محمد البارزة للعيان ، تكمن في أنه كان حامل رسالة سماوية توحيدية ، تهدف أساساً إلى إصلاح حياة البشرية عامة، و نقلها من البربرية والوثنية إلى الحضارة التوحيدية اليقينية .. يقول مؤلف "قصة الحضارة" ـ الباحث الأمريكي وول ديوارنت ـ :
" كان محمد نبياً كبيرا، و توحيدياً كاملاً و لم يكن له نظير جاء لإصلاح البشر "(3) .
ولقد بذل النبي محمد مجهوداً ضخماً في سبيل نشر التوحيد ودحر الوثنية وعبادة البشر.. يبين ذلك واشنجتون إيرفنج بقوله :
"لقي الرسول [] من أجل نشر الإسلام كثيرًا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير في صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحًا كبيرًا، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة"(4).
ويؤكد ذلك هنري دي فاستري بقوله : ".. ولقد نعلم أن محمدًا [] مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [] ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات "الله أحد الله أحد". كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.."(5).
ودخل الرسول في صراع مع أصحاب النزعات الرجعية كما يبين لورافيشيا فاغليري بقوله : "دعا الرسول العربي [] بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعًا مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى.."(6).
وإن المبهر في سيرة النبي محمد أنه هدّم الأصنام بأيد من صنعوها وعبدوها .. وهذا لاشك من دلائل نبوة النبي محمد .
فلما دخل النبي مكة ـ في يوم فتحها ـ متجهاً إلى البيت، وحوله ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها الواحدة تلو الأخرى بعود في يده ، وهو يقول:
" جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد" (7) .
وكان في جوف الكعبة أيضا أصناماً فأبى أن يدخل وفيها الآلهة ، وأمر بها فأخرجت وأخرجت صور لإبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام ، فقال النبي :
"قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط ."ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت (8).
إنه لا يكسر الأصنام بيديه بل يكسرها بيد من عبدوها !
ولا يطمس صور البهتان على الأنبياء بل يطمسها الذين رسموها ..!
وفيما يلي نذكر مجموعة من المشاهد التي تؤكد أن النبي نجح في تحطيم أصنام الجاهلية، حتى حطمها في قلوب من عبدوها !
1ـ لما اطمأن رسول الله بعد الفتح؛ بعث خالد بن الوليد إلى صنم العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان ـ سنة 8 هـ ـ ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها(9).
2ـ ثم بعث الرسول عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى الصنم سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط، على قرابة 150 كيلوا مترا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله أن أهدمه قال: لا تقدر على ذلك قال: لم ؟ قال تمنع قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.!! (10).
3ـ وفي الشهر نفسه بعث سعد بن زيد بن الأشهلي في عشرين فارسًا إلى الصنم مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها: ما تريد؟ قال: هدم مناة، قال: أنت وذاك(11).
أرأيت كيف تحول حال هؤلاء الصحابة من أناس يقدسون الأصنام والأوثان إلى رجال موحدين، وقادة فاتحين، وعلماء ومفكرين .. ؟ !
وهكذا كان محمد بن عبد الله [] كما وصفه جورج حنا بإنه " كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة"(12)
وهكذا، كان لمحمد الفضل الأعظم في دحر الوثنية التي طالما سقطت بمستوى الإنسان إلى دركات الحيوانية، حيث عبادة الأصنام والأبقار والفروج .. !
هوامش المبحث الأول :
3 نظمي لوقا :مسيحي من مصر. يتميز بنظرته الموضوعية وإخلاصه العميق للحق. ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبيًا، فإنه كثيرًا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول عليه السلام. بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره. ألف عددًا من الكتب أبرزها (محمد الرسالة والرسول)، و(محمد في حياته الخاصة).
4 نظمي لوقا: محمد في حياته الخاصة ، ص 12.
5 وول ديورانت : قصة الحضارة، نقلا عن: الإسلام مبدأ و عقيدة ص 48.
6 إميل درمنغم: حياة محمد، ص 300.
7 هنري دي فاستري: الإسلام: خواطر وسوانح ، ص16، 17
8 فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ترجمة: منير بعلبكي، ، ص 43.
9 انظر: ابن كثير: السيرة النبوية، 3\ 573، والبداية والنهاية 4\ 346 ، محمد سعيد رمضان البوطي : فقه السيرة، 266.
10 المصدر السابق.
11 انظر : صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم ، 471.
12 انظر : المصدر السابق.
13 انظر : المصدر السابق
12-جورج حنا : قصة الإنسان ، ص 25.
المبحث الثاني : الارتقاء بالعرب من مستوى القبيلة إلى مستوى الأمة
تقول ايقلين كوبولد:
"كان العرب قبل محمد [] أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد [] بعث هذه الأمة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً.... لقد استطاع النبي [] القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفّق إلى خلق العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(1).
ولقد كانت الحياة العربية قبل الإسلام تقوم أساساً على نمطية خاصة، فالقبيلة هي التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي يضمم حياة الفرد في القبيلة ، فكان انتماء العربي الجاهلي انتماء قبلياً ، وليس هناك أية رابطة عملية توحد القبائل وتجمعها ، بل على العكس كانت القبائل متناحرة متحاربة ، وإذا ما قامت أحلاف قبلية ، فلمناصرة قبيلة على أخرى ، وبالتحديد كانت القبيلة العربية تشكل وحدة سياسية مستقلة . .
ومن هنا كان الانقلاب الذي أحدثه الرسول محمد عميقاً في حياة الجزيرة العربية إذ استطاع بسياسته الكفاحية التي تمليها روح الإسلام أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة ويرتقى بها لتظهر في إطار الأمة الإسلامية (2)
هذا، ويناقش المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار فكرة « الأمة الإسلامية » ومغايرتها المفهوم الغربي، فيقول :
"ليس لفكرة " الأمة " الإسلامية مقابل في فكر الغرب ولا في تجربته التاريخية . فالجماعة الإسلامية، وهى تجّمع من المؤمنين يؤلف بينهم رباط سياسي وديني في آن واحد، ويتمحورون حول كلام الله القدسي ... و الفرد يندمج في الإسلام بالجماعة المؤمنة بالتساوي عن طريق شهادته، الفردية واستبطان إرادته وصفاته الخاصة كمؤمن، فالنية المعلنة والجهر بالكلام شرطان من شروط الانتماء إلى المجتمع . وبصورة تلازمية يحدد الامتثال لمشيئة الله البنية الاجتماعية . وهكذا تكون النظم التأسيسية للجماعة مشروطة بالعبادة الواجبة عليها نحو الله "(3).
وهكذا، فإن " الإمة الإسلامية" ـ القائمة على الإيمان ـ التي أسسها النبي محمد كانت ولا زالت أقوى رباطاً وأوثق عرى من فكرة القبلية التي سادت في القرون الغابرة ..
ويؤكد ذلك المفكر الألماني رودي بارت(4) بقوله :
"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد [] ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس"(5).
ويقول رودي بارت ، في موضع آخر:
"جاء محمد بن عبد الله []، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبي العربي []، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."(6).
هذا، ولقد أثار موضوع فضل الرسول محمد على العرب، اهتمام المنصفين، فهو الذي وحد الجزيرة العربية أول مرة في التاريخ في ظل حكم إسلامي ، متنور نقل العرب من الجاهلية إلى الحضارة والمدنية.. يقول الباحث الروسي آرلونوف في مجلة الثقافة الروسية ، في مقالة "النبي محمد []" جاء فيها :
"في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة أساسها الاعتراف بوحدانية الله ، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية أو كما يسميها أتباعها الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، و مؤسس هذه الديانة هو العربي محمد []، وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ولين طباعهم وقلوبهم وجعلها مستعدة، للرقي والتقدم، ومنعهم من سفك الدماء ووأد البنات، وهذه الأعمال العظيمة التي قام بها محمد[] تدل على أنه من المصلحين العظام، وعلى أن في نفسه قوة فوق قوة البشر، فكان ذا فكر نير ، وبصيرة وقيادة، واشتهر بدماثة الأخلاق، ولين العريكة، والتواضع وحسن المعاملة مع الناس، قضى محمد [] أربعين سنة مع الناس بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه حباً جماً، وأهل مدينته يحترمونه احتراماً عظيماً، لما عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف النفس، والنزاهة " (7)
وهكذا فإن فضل الرسول محمد على العرب لا حد له، إذ أخرجهم من الجاهلية إلى نور الإسلام، يقول المستشرق الأيرلندي المستر هربرت وايل في كتابه : "المعلم الكبير" :
"بعد ستمئة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد [] فأزال كل الأوهام ، وحرم عبادة الأوهام ، وكان يلقبه الناس بالأمين ، لما كان عليه من الصدق والأمانة وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى الصراط المستقيم " (8)
ويضيف هنري سيروي أن "محمداً [] لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب"(9).
ويتحدث الباحث الأمريكي جورج دي تولدز( 1815-1897) ، عن فضل الرسول محمد على العرب حين نقلهم من الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية ، حين عمر ضياء الحق والإيمان قلوبهم ، فيقول :
" إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد []، و العرب على ما علمناهم من التوحش قبل بعثته، ثم كيف تبدلت الحالة بعد إعلان نبوته ، وما أورته الديانة الإسلامية من النور في قلوب الملايين من الذين اعتنقوها بكل شوق وإعجاب من الفضائل ، لذا فإن الشك في بعثة محمد[]إنما هو شك في القدرة الإلهية التي تشمل الكائنات جمعاء"(10) .
ويؤكد ذلك م. ج. دُرّاني (11) بقوله:
".. وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد [: ] فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التي لم تنجب رجلاً عظيمًا واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(12).
وتقول الشاعرة الإنكليزية اللايدي إيفلين كوبرلد في كتابها : " الأخلاق " :
"لعمري لقد استطاع محمد[]القيام بالمعجزات والعجائب، لما تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام، وقبول الوحدانية الإلهية ، ولقد كان محمد[] شاكراً حامداً إذ وفق إلى خلق العرب خلقاً جديداً ، ونقلهم من الظلمات إلى النور ، ومع ذلك كان محمد[] سيد جزيرة العرب، وزعيم قبائلهم ، فإنه لم يفكر في هذه ، ولا راح يعمل لاستثمارها ، بل ظل على حاله ، مكتفياً بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه، ويصلح حذاءه بيده، كريماً باراً كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وكان يعمل في سبيل الله والإنسانية " (13).
كان فضل النبي محمد على العرب من العمق وبُعد الأثر لا يحصره زمان أو يحده مكان ، عاشته أمة الإسلام وما زالت وسيظل باقياً خالداً. يقول الباحث قسطاكي حمصي (1858-1941) :
"إذا كان سيد قريش نبي المسلمين ومؤسس دينهم ، فهو أيضا نبي العرب ومؤسس جامعتهم القومية ، وكما أنه من الحمق والمكابرة أن ننكر أن ما لسيد قريش من بعيد الأثر في توحيد اللهجات العربية ، وقتل العصبيات الفرعية في نفوس القبائل ، بعد أن أنهكها القتال في قتال الصحراء ، و تناحر ملوكها في الشام والعراق تناحراً أطال أمد الحماية الرومانية والفارسية في البلدين الشقيقين حتى الفتح الإسلامي . فمن الخطأ أن ننكر ما للرسول العربي الكريم وخلفائه من يد على أن الشرق ، في إثارة تلك الحماسة والبطولة النادرة المتدفقة في صدور أولئك الصحب الميامين، الذين كانوا قابعين في حزون الجزيرة وبطاحها، في سبيل الفتح، والمنافحة لتحرير الشرق من رق الرومان وأسر الفرس .إن سيد قريش هو المنقذ الأكبر للعرب من فوضى الجاهلية ، وواضع حجر الزاوية في صرح نهضتهم الجبارة المتأصلة في تربة الخلود " (14) .
ويبين آرنولد توينبي(15) أن النبي محمداً قد كرّس حياته لتحقيق رسالته في كفالة مظهرين أساسيين في البيئة الاجتماعية العربية؛ هما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم. "وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة.. بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي " (16) .
وصدق رسول الله عندما قال:" يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي" .. كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ (17) .
كيف حول النبي محمد العرب من قبائل متناحرة إلى أمة محترمة؟
بهذا الإيمان الواسع العميق والتعليم النبوي المتقن ، وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته ، بعث النبي محمد في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة !
عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها ، ولا يعرف محلها وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض فأوجد فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة وبعث فيها الروح الجديدة ، وأثار من دفائنها وأشعل مواهبها ، ثم وضع كل واحد في محله فكأنما خلق له ، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظره ويتطلع إليه، وكأنما كان جماداً فتحول جسماً نامياً وإنساناً متصرفاً وكأنما كان ميتاً لا يتحرك فعاد حياً يملي على العالم إرادته وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق فأصبح قائداً بصيراً يقود الأمم .
عمد إلى الأمة العربية الضائعة وإلى أناس من غيرها فما لبث العالم أن رأى منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ ، فأصبح عمر الذي كان يرعى الإبل لأبيه الخطاب وينهره وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة ، ولا يتبوأ منها المكانة العليا ، ولا يحسب له أقرانه حساباً كبيراً، إذا به يفجأ العالم بعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما ويؤسس دولة إسلامية تجمع بين ممتلكاتهما وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام فضلاً عن الورع والتقوى والعدل الذي لا يزال فيه المثل السائر(18).
ويبين المستر سنكس أن لمحمد الفضل الأكبر ليس فقط في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم ، فيقول سنكس :
"ظهر محمد []بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة ....
إلى أن قال:
إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة" (19).
وهكذا، ارتقى العرب والعالم، نقلة حضارية ضخمة من عصور الجاهلية والظلام على عصور التحضر ، بفضل دعوة النبي محمد.
هوامش المبحث الثاني :
4 إفلين كوبلد : البحث عن الله، ص51، 66، 67
5 انظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق، ص 68 وما بعدها.
6 مارسيل بوزار : إنسانية الإسلامية ، ص 182-183، وانظر: محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة،68 وما بعدها
7 مفكر وباحث ألماني ،عكف على الدراسات الشرقية والعربية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة الإسلام، وصنف عددًا كبيرًا من الكتب والأبحاث، منها ترجمته للقرآن الكريم ، التي أصدرها في عامي 1964 و1965، وله كتاب عن النبي محمد .
8 رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 20.
9 رودي بارت : تاريخ الحضارات العام ، 3 / 112.
10 مجلة الثقافة الروسية ، ج 7 ، عدد 9
11 هربرت وايل : المعلم الأكبر ، ص 17
12 هنري سيروي : فلسفة الفكر الإسلامي ، ص 8
13 جورج دي تولدز : الحياة .
14 سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 ، ثم عاد إلى دين الإسلام.
15 رجال ونساء أسلموا، 4 / 28 – 29
16 ايفلين كوبرلد : الأخلاق ص 66
17 مجلة الفتح القاهرية، عام 1930
18 المؤرخ البريطاني، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ.
19 سومر فيل وإشراف: آرنولد توينبي : مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381
20 صحيح البخاري ،ج 13 / ص 224
21 انظر: أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص 155 وما بعدها.
22 آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد ، ص5.
المبحث الثالث : نشر قيم العدالة والمساواة ..
يقول العلامة برتلي سانت هيلر :
"كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة." (1) .
كان الرسول كقائد سياسي ورجل حكم وإدارة بالغ الحرص على تطبيق المساواة على الجميع ، خاصة وقد وضع نفسه على قدم المساواة مع سائر المسلمين، يقول مولانا محمد علي :
"وفي إقامة العدالة كان الرسول منصفاً حتى التوسوس . كان المسلمون وغير المسلمين ، والأصدقاء والأعداء ، كلهم سواء في نظره . وحتى قبل أن يبعث إلى الناس كانت أمانته وتجرده واستقامته معروفة لدى الخاص والعام، وكان الناس يرفعون منازعاتهم إليه حتى يحكم فيما . وفي المدينة رضي الوثنيون واليهود به حكماً في منازعاتهم كلها . وعلى الرغم من حقد اليهود العميق الجذور على الإسلام فإن الرسول حكم - عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم - لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر ، بذلك ، من الإسلام بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من الإسلام . ولا حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى الإسلام في أيام ضعفه ومحنته تلك ، فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان . و باختصار ، فقد كان تجسيداً للآية القرآنية التي تقـــول : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعـــمـلون ( المائدة : 8). ولقد نبه ابنته فاطمة، إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع لها يوم القيامة . وقال أيضاً : « لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها »(2). وفيما كان على فراش الاحتضار ، قبيل وفاته بقليل ، سأل كل من له عليه دين أن يتقاضاه ذلك الدين ، ولكل من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه "(3).
وفي معاملات النبي محمد مع الآخرين لم يكن يضع نفسه على مستوى أرفع من غيره البتة . كان يضع نفسه على قدم المساواة مع سائر الناس . وذات يوم، وكان قد احتل في «المدينة» مقاماً أشبه بمقام الملك، وفد عليه يهودي يقتضيه ديناً ما ، وخاطبه في جلافة وخشنونه قائلاً : إن بني هاشم لا يردون أيما مال اقترضوه من شخص آخر . فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي ، ولكن الرسول عنفه ذاهباً إلى أن الواجب كان يقتضي عمر أن ينصح كلاً من المدين والدائن : أن ينصح المدين - الرسول - برد الدين مع الشكر ، وأن ينصح الدائن بالمطالبة به بطريقة أليق . ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة ، فتأثر هذا الأخير تأثراً عظيماً بروح العدل والإنصاف عند الرسول ، ودخل في الإسلام .
وفي مناسبة أخرى وكان مع أصحابه في أجمة من الآجام ، حان وقت إعداد الطعام ، فمهد إلى كل امرئ في القيام بجانب من العمل، وانصرف هو نفسه إلى جمع الوقود . لقد كان برغم سلطانه الروحي والزمني يؤدي قسطه من العمل مثل رجل عادي . وكان يراعي ، في معاملته خدمه ، مبدأ المساواة نفسه، وقال أنس : " خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته ، ولا لشيء تركته لم تركته(4) .
« ولم يبق أيما عبد على عبوديته . فما إن يؤل إليه عبد رقيق حتى يسارع إلى إعتاقه. وطوال حياته كلها لم يضرب قط خادماً أو امرأة »" (5).
هذا، و يقول المستشرق والمؤرخ بودلي :" و ليس هناك أي عائق لوني للمسلم فلا يهم أكان المؤمن أبيض أو أسود أو أصفر، فالجميع يعاملون على قدم المساواة" (6).
فلقد ساوى الإسلام بين المكلفين في إيجاب العبادات وتحريم المحرمات ، وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب أعمالهم مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل : 97 ] ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ إلى قوله أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًاعَظِيمًا [الأحزاب: 35 ] .
وساوى بينهم في التملكات المالية بجميع طرقها ووجوهها، وفي صحة التصرفات كلها وإطلاقها حيث اشتركوا في العقل والرشد .
وساوى بينهم بأن الرضا في المعاملات العوضية ، والتبرعات والإحسان شرط لصحتها ونفوذها ، وأن من أكره منهم لا ينفذ له معاملة ولا يستقيم له تبرع .
وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي ، ولم يجعل لأحد منهم ميزة في نسب أو حسب أو مال أو حسن صورة ، إنما الميزة والتفضيل بالمعاني العالية في التقوى وتوابعها : يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات : 13 ] (7).
ولقد كان رسول الله من مؤسسي حلف الفضول، الذي ما أُوسس إلا لنصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس، فقال رسول الله في هذا الحلف :
قَالَ " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - و أنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم و أني أنكثه "(8).
وقال : "لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت " (9) .
إنه يُعلي منطق العدل، ويساهم في كل باب يخدم قيمة العدل..
ولقد رسخ الرسول قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه وأتباعه ، فكان يقول ـ محذراً من استعباد الناس ـ : " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله . ولكن ليقل : غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي . ولا يقل العبد : ربي ولكن ليقل : سيدي "(10) ..
ويقول : " كلكم بنو آدم و آدم خلق من تراب لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان "(11).
لقد حدث أن عبدالله بن رواحة ـ رضي الله عنه ـ لما بعثه رسول الله يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة حسب عهد رسول الله بعد فتح خيبر أن حاول اليهود رشوته ليرفق بهم، فقال لهم : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ، ولأنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم !!
فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض(12) ..!
لقد كان رضي الله عنه قد تخرج في مدرسة الرسول على المنهج الرباني المنفرد القائم على العدل والمساواة .
هذا، وتعد خطبة الوداع دستوراً عظيما في إقامة العدالة والمساواة في ربوع العالم .. ويعلق هربرت جورج ولز (13) على هذه الخطبة بقوله :
" حجّ محمد [] حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها"(14) .
هوامش المبحث الثالث :
2 العلامة برتلي سانت هيلر الألماني ( 1793 ـ 1884 )مستشرق ألماني ولد في درسدن، وقال هذه الكلمة في كتابه (الشرقيون وعقائدهم).
3 صحيح – البخاري ( 11\ 294 )ومسلم( 9\ 54).
4 مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، نقلاً عن : محمد شريف الشيباني : مرجع سابق، ص 120
5 المصدر السابق.
6 المصدر السابق.
7 بودلي: حياة محمد ، نقلا عن: عماد الدين خليل: قالوا في الإسلام ص 137.
8 عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله : كمال الدين الإسلامي وحقيقته ومزاياه ، ص90، 91.
9 صحيح - أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 567 ) و ابن حبان ( 2062).
10 صحيح - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 367)، وصححه الألباني في تحقيق كتاب فقه السيرة للغزالي، ص 67.
10-صحيح - رواه مسلم وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح ، ج 3 / ص 31
11-صحيح – صححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ،ج 18 / ص 344
12-ابن القيم (محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي) : زاد المعاد، ج 2، ص 11.
13-هربرت جورج ولز (1866 – 1946) الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن) و(الرجل الخفي)، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكا فيللي الجديد) و(الزواج). ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (1944). ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان: (تجربة في كتابة السيرة الذاتية.
14-هربرت جورج ولز :معالم تاريخ الإنسانية ، 3 /640 ، 641.
المبحث الرابع : نشر قيم الحب والإخاء
يقول اينين دينيه:
"لقد دعا عيسى [عليه السلام] إلى المساواة والأخوة، أما محمد [] فوفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته"(1).
فليس من الطبيعي ـ في اعتقاد النبي محمد ـ أن يعيش الناس على هذا الكوكب في تشتت و تمزق، و لا من العقل والمنطق أن يتنافر البشر ويتناطحوا، و قد أوجدهم الله تعالى من مصدر واحد،وأصل واحد، خلقهم جميعا من آدم و حواء، أبيضهم و أسودهم، عربيهم و عجميهم، سيدهم و مسودهم غنيهم و فقيرهم ، بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة ،و يتعارض مع العقل، أن يوحد الله عباده في المنشأ و المصدر، ثم يتفرقون في المرجع و المصير . ولأجل هذا اتخذ الإسلام كل أساس و قاعدة تحمي هذا الكيان من الانشقاق والتصدع، وتمكنه من أداء مهمته على الوجه الأمثل ومن بين تلك القواعد : "الإخاء"الذي امحي أمامه جميع فوارق أفراد هذا الكيان ،و امتيازاتهم من نسب عريق ،و مال غفير، وجاه عريض، و كل ما درج الناس على اعتباره مميزا بعضهم عن بعض ..
ويبين المفكر برج :" أن مبدأ الإخاء الإنساني هو أساس فلسفة الأخلاق الاجتماعية في الإسلام " (2) .
ويشير فيليب حتي إلى " أن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان في الحقيقة عملاً جريئًا جديدًا قام به النبي العربي [].."(3).
و تأسيساً على مبدأ الأخوة الإنسانية بين الأجناس والشعوب، حقق النبي محمد واقعياً لا نظرياً عملية توحيد مختلف الأجناس في ظل المساواة والعدل الإسلاميين ، يقول برج مؤكداً :
"إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للإسلام في توحيد الأجناس الإنسانية المختلفة ، مع التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح في هذه الحياة" (4).
ويتحدث المفكر الإنكليزي موير عن الرسالة المحمدية وفق عقيدتها ، فيقول :
"ومن عقيدة الإسلام أن الإنسان أخو الإنسان " (5).
إن النبي محمداً قدم الإسلام كعقيدة دينية وشريعة ظهرت في إطار تنظيم اجتماعي تبلور في الدولة الإسلامية عبر سائر المراحل التاريخية السابقة واللاحقة ، سابقاً إلى تحقيق فكرة التعايش بين الشعوب والأجناس والأديان ، وإن نظرة واحدة لأول دستور مكتوب في تاريخ البشرية، ونقصد به دستور المدينة ـ الذي وضعه الرسول ـ؛ فإن هذا الدستوريقدم لنا القوانين السائدة في أول دولة إسلامية قامت بعد الهجرة وحققت التعايش بين المسلمين واليهود والقبائل العربية التي لم تكن تعتنق الإسلام، ومن ثم تطورت جوانب هذا التعايش مع قيام الدولة الإسلامية التي ضمت شعوباً وأمماً مختلفة ، حققت بينها الانسجام والعدل والمساواة، بعيداً عن العصبية العرقية أو الاستعلاء الديني .
يقول مارسيل بوازار(6) :
" وقد فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب ، وجعل المسلمين منحدرين من نسل مشترك هم اليهود والنصارى عبر إبراهيم . لكنه بدا أنه يرفض الحوار في الوقت ذاته على الصعيد اللاهوتي حين ربط التنزيل القرآني بما جاء في الكتاب المقاس وأزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفاً مخالفاً للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة. وأتاح منطق تعاليمه القوي وبساطة عقيدته، وما يرافقها من تسامح أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية تفوق بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية نفسها ، ولا سيما في حوض المتوسط الشرقي ، حيث كانت تحارب بقسوة الهرطقات التي غالباً ما كانت تتخذ شكل المطالبة القومية . وبهذا لا تغطي "الجماعة الإسلامية" رقعة « دار الإسلام ، » فالفكرة الأولى تتخذ طابع الموافقة الدينية ، و تضمن الثانية بنية سياسية ودينية معاً تضم غير المسلمين تبعاً لإجراء محدد .ويتيح التوحيد لكل إنسان شرف الاندماج في الجنس البشري دون حصر ولا مراعاة خاصة . و تستتبع وحدة الرسالات احترام معتنقي التنزيلات السابقة ، في حين أن اعتناق الإسلام يحقق للفرد في موازاة ذلك ، مكان بلوغ الدرجة القصوى من الكمال بالانخراط في مجتمع المؤمنين . وبالفعل فإن شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " التي ينخرط بها الفرد ، ويشارك مشاركة تامة في الأمة الإسلامية تتضمن اعترافاً مزدوجاً : الاعتراف بوحدانية الله ، والاعتراف بأن النبي محمداً رسول من الله. و تبقى القيمة الجوهرية هي هي لجميع الناس بوصفهم أناساً . ومع هذا فإن شعور المسلم بالدعوة الربانية أهي موضوعياً من شعور أي إنسان آخر لأنه يتبع أمر الله : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير الحجرات13"( 7).
هذا، ويبين توماس آرنولد السبب في نجاح النبي محمد في نشر قيم الحب والإخاء، هو حسن الخلق والمعاملة الحسنة والجاذبية التي كان يتمتع بها النبي محمد ، فيقول آرنولد :
".. إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي [] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي [] بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه.."(8) .
ولقد "كانت تصرفات الرسول [] في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"(9).
ولقد كانت أخلاق العفو والرحمة هي السلاح الأكبر الذي استعمله الرسول في غزو القلوب الصماء.
يؤكد ذلك ديوان شند شرمة بقوله :
"لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة، وكان الذين حوله يلمسون تأثيره ولم يغب عنهم أبدًا"(10).
ولعل إدوار مونته يبين السبب الأساس في قدرة النبي الكريم في نشر الحب والإخاء بين العالمين، و هو ما عرف عن النبي محمد " بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم" (11).
هوامش المبحث الرابع :
2 آتين دينيه وسليمان بن إبراهيم: محمد رسول الله ، ص 323.
3 برج : نقلا عن التكامل في الإسلام ، ج 2، ص 101.
4 فيليب حتى : الإسلام منهج حياة ، ص 19 ، 20.
5 المصدر السابق .
6 وليم موير : نقلا عن مجلة الهلال المجلد 4 ، الجزء 7.
7 مارسيل بوزار : إنسانية الإسلام ، 184-185.
8 المصدر السابق.
9 توماس آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ص 55 عن: Muir (Sir Wiliam): Life of Mahomet, PP.107-8 (London, 1858-,1) .)
10 واشنجتون إيرفنج :حياة محمد ، ص 72.
10-ديوان شند شرمة: أنبياء الشرق ،ص 122.
11-كلمة للفيلسوف الفرنسي إدوار مونته الذي ولد في بلدته لوكادا( 1817 ـ 1894 )، وقال هذه الكلمة في آخر كتابه (العرب).
المبحث الخامس : نشر التسامح الديني
تجلت سياسة التسامح الديني في عهد الرسول محمد عام الوفود حين استقبل وفوداً مسيحية وبعث برسالة إلى أسقف نجران . .
ويتحدث الباحث الروماني ك. جيورجيو عن أوضاع أصحاب الديانات السماوية في ظل الحكم الإسلامي فيقول :
" مع أن الإسلام عم الجزيرة كلها في السنة التاسعة فإن محمداً [] لم يكره اليهود و لا النصارى على قبول دينه، لأنهم أهل الكتاب . و قد جاء في رسالة محمد [] إلى أبي الحارث أسقف نجران أن وضع المسيحيين في الجزيرة بعد الإسلام تحسن كثيراً، يقول في الرسالة :
"بسم الله الرحمن الرحيم ، من رسول الله إلى أبي الحارث أسقف نجران الأكبر وقساوسته وأساقفه .. أما بعد ، فليعلم الأسقف الأكبر وقساوسته وأساقفته أن كنائسكم ومعابدكم وصومعاتكم ستبقى كما هي ، وأنكم أحرار في عباداتكم . ولن يزاح أحد منكم عن منصبه ومقامه، ولن يبدل شيء . كما لم يبدل في مراسم دينكم ، ما دام الأساقفة صادقين ، ويعملون حسب تعاليم الدين . فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسول ، ومن منعه فإنه عدو الله ولرسوله" (1).
تشير هذه الرسالة إلى أن المسيحيين ( وكذلك اليهود ) في الجزيرة أحرار في أداء شعائرهم ، ولن يزاحمهم من المسلمين مزاحم . وقد قدم في السنة التاسعة وفد من مسيحي نجران يرأسهم أبو الحارث الأسقف الأكبر، وعبد المسيح الأسقف ، والأيهم رئيس القافلة ، وحين أرادوا الدخول على النبي ارتادوا ألبستهم الدينية الرسمية الكاملة، فأخذ سكان المدينة بهذه الثياب . وبعد أن زاروا النبي سألوه أن يسمح لهم بأداء شعائرهم فطلب منهم أن يؤدوا صلواتهم في مسجد المدينة، فدخلوا واتجهوا نحو بيت المقدس، و تعبدوا هناك . . ولا شك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحترم النصارى احتراماً خاصاً ، لأن القرآن ذكرهم وأكرمهم . وقد أشار الله تعالى إلى هذه النقطة في محكم كتابه في سورة المائدة (الخامسة) في الآية ( 82 ) : لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا : إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون و يقول في الآية التي بعدها : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعنهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون : ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ، ويقول بعدها كذلك: وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ويقول بعدها: فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وذلك جزاء المحسنين (2).
ويتحدث لورافيشيا فاغليري عن منهج التسامح الديني عند النبي ، ويقول :
"كان محمد [] المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري"(3) .
هذا ويجدر القول إن سياسة التسامح الديني التي اتبعها النبي محمد تجاه أصحاب الديانات الأخرى استلهاماً لروح الإسلام ، غدت - فيما بعد- قاعدة لخلفاء الرسول، في ظل الدولة الإسلامية العظمى التي ضمت أُمما مختلفة وأصحاب ديانات ظلوا يمارسون شعائرهم في ظل الحماية الإسلامية ، وكان لسياسة هذه التسامح أن حظيت باحترام وتقدير المفكرين والمستشرقين المنصفين فعقدوا المقارنة بن تسامح الإسلام وتعصب الصليبيين.. يقول المستشرق ميشون في كتابه : « تاريخ الحروب الصليبية» :
"إن الإسلام الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى ، وهو الذي أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب وحرم قتل الرهبان _على الخصوص _ لعكوفهم على العبادات ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس ..و قد ذبح الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها " (4).
ويزيد الباحث نفسه في كتابه ، "سياحة دينية في الشرق" ،، متحدثاً عن تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية ، وكيف أن المسيحيين تعلموا الكثير من المسلمين في التسامح وحسن المعاملة ، يقول :
"وإنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التعامل وفضائل حسن المعاملة ، وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم ، كل ذلك بفضل تعاليم نبيهم محمد "(5).
وكان لهذا التسامح أثره في أن يصبح الدين الإسلامي ديناً عالمياً ، بدءاً من مراحله الأولى أيام الرسول في جزيرة العرب إلى أن عم أماكن شاسعة، يقول المستشرق جولد تسهير :
"سار الإسلام لكي يصبح قوة عالمية على سياسة بارعة ، ففي العصور الأولى لم يكن اعتناقه أمراً محتوماً فإن المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس ( الجزية ) أن يمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية ، ولم يكن واجب الإسلام أن ينفذ إلى أعماق أرواحهم إنما كان يقصد إلى سيادتهم الخارجية . بل لقد ذهب الإسلام في هذه السياسة إلى حدود بعيدة ، ففي الهند مثلاً كانت الشعائر القديمة تقام في الهياكل و المعابد في ظل الحكم الإسلامي " (6).
لقد أثارت مبادئ الحرية الدينية في الإسلام فيما أثارته احترام المستشرقين المنصفين وكذلك الباحثين العرب المسيحيين الذين قدروا الأخوة المسيحية الإسلامية حق قدرها، وتطرق يوسف نعيم عرافة في خطبة له في عيد المولد النبوي عام 1346هـ 1927 م إلى معاهدة الرسول مع أصحاب الديانات الأخرى ، لاسيما المسيحيين منهم، فيقول :
" إن محمدا ً ()هو باني أساس المحبة والإخاء بيننا ، فقد كان يحب المسيحيين ويحميهم، من ذلك ما قام به في السنة السادسة بعد الهجرة ، حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين عامة ، على أن يدفع عنهم الأذى ، ويحمي كنائسهم وعلى أن لا يتعدى على أحد من أساقفتهم ولا يجبر أحداً على ترك دينه ، وان يمدوا بالمساعدة لإصلاح دينهم وأديرتهم ، كما أن القرآن نطق بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ، وإن الآية الشريفة : و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ( المائدة : 82) ، لتبعث على شد أواصر الصداقة بين الطرفين ، بل حتى مع الشعب الإسرائيلي في أكثر الأوقات ، إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل موسى وعيسى ومحمد( عليهم الصلاة والسلام) ما هو إلا لإصلاح العالم لا لإفساده وخرابه ، وما الكتب الثلاثة المنزلة إلا نور صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلاثة أشعة ، كل منها للبشر" (7).
هوامش المبحث الخامس :
2 انظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق،68
3 انظر: ك. جيورجيو : ص 371-372،و انظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق،68
4 فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص73.
5 ميشون : تاريخ الحروب الصليبية، نقلا عن كتاب روح الدين الإسلامي ، ص 383
6 ميشون : سياحة دينية في الشرق ، ص 31.
7 جولد تسهير ، نقلا عن كتاب النظام السياسي في الاسلام ، ص 21، وانظر: محمد شريف الشيباني: مرجع سابق،87.
8 يوسف نعيم عرافة، نقلا عن كتاب محمد عند علماء الغرب ص 110 ، و انظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق،110.
المبحث السادس : مبادرة النبي محمد للحوار بين الحضارات
بعدما عقد النبي هدنة بينه وبين مشركي مكة الذين حاربوه على مدار ثمانية عشر عاماً ـ أو أكثر ـ، استغل النبي محمد هذه الهدنة في مراسلة زعماء وأمراء وملوك العالم .. لتعريف بدعوة الإسلام وغايته .. مركزاً في خطاباته على قيم السلام وحرية الاعتقاد، نرى ذلك جلياً في محتوى هذه الرسائل ..
هذا، ولنتأمل أحد هذه النماذج المشرقة، ولتكن رسالة النبي محمد إلى الملك المقوقس ..
فكتــب النبــي إلى جُرَيْج بـن مَتَّي الملقب بالمُقَوْقِس ملك مصر والإسكندرية:
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (1).
واختار لحمل هذا الخطاب حاطب بن أبي بَلْتَعَة - رضي الله عنه ـ .
وجدير بنا أن نذكر كلام حاطب ـ رضي الله عنه ـ للمقوقس حتى يعرف الغرب أن هذه البعوث كانت تعرف هدفها جيداً كما أنها بلغت حداً من الفقه والحصافة يستحق الإعجاب البالغ.
قال حاطب: إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ..وكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكننا نأمرك به.
فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه. ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوي، وسأنظر.
وأخذ كتاب النبي محمد ، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله محمد :
"بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد:
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك" (2)..
ولم يزد على هذا ولم يسلم، فتزوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مارية، فأنجبت له طفل ـ سماه إبراهيم، تقديراً وتشريفاً لأبي الأنبياء ـ عليه السلام ـ ، أما سيرين، فقد تزوجها الشاعر حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ ..
"تلك مُثلٌ لرسائله إلى رجالات النصرانية ومواقفهم منها. وقد ساق النبي كذلك مبعوثيه إلى رؤساء المجوسية يدعونهم إلى الله، ويحدثونهم عن الدين الذي لو تبعوه نقلهم من الغي إلى الرشاد .. وقد تفاوتت ردودهم، بين العنف واللطف والإيمان والكفر" (3)..
والنبي محمد بذلك أول من نادى بالحوار بين الحضارات والحوار بين الأديان .. ومارس هذا الحوار كما رأيت بمستوى عال من الأدب وحسن الخلق واحترام الرأي الآخر .
ولقد أرسل الرسول الكثير من الرسل لتحقيق مثل هذا الحوار بينه وبين الأمم والحضارات الأخرى وملوك وزعماء العالم..
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الفتح وبعد الحديبية، رسله إلى الملوك:
(1) فبعث دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر ملك الروم، واسمه هرقل.
(2) وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ابرويز بن هرمز، ملك الفرس.
(3) وبعث عمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك الحبشة.
(4) وبعث عمرو بن العاصي؛ إلى جيفر وعياذ ابني الجلندي الأزديين، ملكي عمان.
(5) وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي، الملك على اليمامة، وإلى ثمامة بن أثال، الحنفيين.
(6) وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين.
(7) وبعث شجاع بن وهب الأسدي، من أسد خزيمة، إلى الحارث
ابن أبي شمر الغساني، وابن عمه جبلة بن الأيهم، ملكي البلقاء من عمل دمشق.
(8) وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي، إلى الحارث بن عبد الملك أحد مقاولة اليمن.
(9) وبعث معاذ بن جبل إلى جملة اليمن، داعياً إلى الإسلام، فأسلم جميع ملوكهم، كذى الكلاع وذي ظليم وذي زرود وذي مران وغيرهم(4).
وأسلم سائر الملوك الذين ذكرنا قبل أنهم أرسل إليهم عليه السلام، وأسلم قومهم، حاشا قيصر والقومقس وهذوة وكسرى والحارث بن أبي شمر والنجاشي، وهو غير الذي هاجر إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته، فنعاه إلى المسلمين، وخرج بهم إلى البقيع، وصف أصحابه صفوفاً، وصلى عليه، وكبر عليه أربعاً، وكان يكتم قومه إسلامه خوفاً منهم.
وتأخر إسلام ثمامة بن أثال، ثم أسلم مختاراً بعد ذلك.
وهكذا، أحدث الرسول هذا الحوار البناء بين أمة الإسلام والأمم الأخرى في شتى بقاع العالم .. وتواصل مع قيادات ورموز العالم آن ذاك .. فمنهم من تجاوب ، وتناقش ، وأفاض .. ومنهم من تعامل مع رسل النبي بوقاحة، كما فعل كسرى ..
لكن يبقى للنبي محمد فضل السبق في مبادرة الحوار مع الحضارات الأخرى ..
هوامش المبحث السادس :
5 انظر:البيهقي : دلائل النبوة، ج 5، ص 4، وما بعدها ، باب ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس.
6 انظر: المصدر السابق.
7 محمد الغزالي : فقه السيرة، ص 274.
8 انظر: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم :جوامع السيرة ، ص 29، 30
البحث السابع : تكريم المرأة وتحريرها من رق الجاهلية
يقول هـ. أ. ر. جب :
" إنه من المسلم به عالمياً بصفة عامة أن إصلاحاته ( أي محمد ) رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الإجتماعي والشرعي "(1) ..
ويرى ول ديورانت(2) أن الإسلام قد رفع "من مقام المرأة في بلاد العرب ... وقضى على عادة وأد البنات وسوى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال ، وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها، وأن ترث،وتتصرف في مالها كما تشاء، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع ، وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن"(3).
ويوضح إميل درمنغم (4) كيف حرر محمد المرأة ويفصل في ذلك.. قائلاً :" مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب و حسن حالها، قال عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] : "مافتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينا لهن " ، وقال النبي : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم" .. أجل، إن النبي أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن، ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرهاً وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق .... ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية ... فأنزلت الآية التي تورث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعد ,ونهى محمد صلى الله عليه وسلم عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء وأباح تعدد الزوجات..ولم يوصي الناس به، ولم يأذن فيه إلا بشرط العدل بين الزوجات فيهب لإحداهن إبرة دون الأخرى...وأباح الطلاق أيضاً مع قوله: "ابغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق". وليس مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة من الحقوق الطبيعية مع ذلك، ولم يفرضه كتاب العهد القديم على الآباء، وإذا كان هذا قد أصبح سنة في النصرانية فذلك لسابق انتشاره في بلاد الغرب ، وذلك من غير أن يحمله رعايا نيرون إلى بلاد إبراهيم ويعقوب [عليهما السلام] ...وأيهما أفضل : تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات السري ؟...إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر......" (5) ..
إن " تحرير المرأة" الذي قام به النبي محمد ، كان تحريراً شاملاً وكاملاً بمعنى الكلمة .. فقد كان النبي ـ محمد هو العامل الأساس في إيقاف الجريمة الكبرى التي كانت تمارس في حق المرأة، ألا وهي جريمة " قتل البنات خشية العار" .. إن ثقافة وأد البنات كانت هي الثقافة السائدة في تصور المجتمع نحو المرأة .. ولم يجرأ أحد المصلحين قبل محمد التصدي لهذه العادة القبيحة .. بل كانت تزداد فحشاً وانتشاراً في أنحاء الجزيرة ..
هذا، وقد كانت المرأة تباع وتُشترى وتُورث .. فلما بعثَ الله محمداً أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة، فمنحها حق الحرية، وأن تبيع وتَشتري لا أن تُباع وتُشترى، وأن ترث كما يرث الرجل، لا أن تَورث كما كان الرجل يرثها مع مال أبيه .. إن العالم عن بكرة أبيه لم يعترف بالذمة المالية للمرأة .. وجاء النبي محمد وقرر هذا الحق للمرأة .. فأصبحت تستطيع أن تعقد كبرى الصفقات التجارية، وتتعاقد مع من تشاء وتوكل من تشاء ..
و"في سور القرآن أشار إلى المساواة عند الله بين الذكر والأنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء ، وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات الأعمال و الجهود .. وفي بعض الأمم القديمة ، والحديثة , كانت المرأة تحرم غالبا من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش...." (6) .
أما عن الاستقلال الفكري والأدبي للمرأة ، فيقول الله تعالى في القرآن : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ(الممتحنة10)
"والآية تشير -بجانب ما فيها من أحكام- إلى ما كانت تستمتع به المرأة من استقلال فكري وكيان أدبي محترم"(7)..
و"لم تكن النساء (المسلمات) متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشا منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة" (8)..
وتبين ماكلوسكي (9) " أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحيانا خارج المنزل، فبعض النساء المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة ..في الحرب والتجارة. ولكن ذلك
كله كان في إطار الخلق الكريم" (10).
وعن حق المرأة في العمل تقول روز ماري(11):
" إن الإسلام قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة ، وكامرأة ، وعلى عكس ما يظن الناس من أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها ... فالمرأة الغربية لا تستطيع مثلا أن تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة . فقد أصبح واجبا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب العيش . أما المرأة المسلمة فلها حق الاختيار , ومن حقها ان يقوم الرجل بكسب القوت لها ولبقية أفراد الأسرة . فحين جعل الله سبحانه وتعالى للرجال القوامة على النساء كان المقصود هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته وقوت عائلته . فالمرأة في الإسلام لها دور أهم واكبر مجرد الوظيفة , وهو الإنجاب وتربية الأبناء , ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة الحق في العمل إذا رغبت هي في ذلك , وإذا اقتضت ظروفها ذلك " (12).
ومما يدل على احترام الإسلام للمرأة ورعاية حقوقها مسألة نكاح المرأة واختيارها في ذلك: فقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه وقال: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ثم أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"(13)
وتقديراً لدور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي، فقد بايع رسول الله النساء في موقعة مشهودة للقاصي والداني، فكانت بيعة النساء ثانى يوم الفتح ـ في العام الثامن من الهجرة ـ على جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال ..
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهََ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الممتحنة12( .
واشتراك المرأة مع الرجل ، على أساس المساواة التامة ، في جميع المسؤوليات التي ينبغي أن ينهض بها المسلم ، ولذلك كان على الخليفة أو الحاكم المسلم أن يأخذ عليهنّ العهد بالعمل على إقامة المجتمع المسلم بكل الوسائل المشروعة الممكنة ، كما يأخذ العهد فى ذلك على الرجال ’ ليس بينهما فرق ولا تفاوت .
ومن هنا كان على المرأة المسلمة أن تتعلم شئون دينها ودنياها ، كما يتعلم الرجل، وأن تسلك كل السبل المشروعة الممكنة إلي التسلح بسلاح العلم والوعي و التنبه إلي مكامن الكيد و أساليبه لدى أعداء الإسلام الذين يتربصون به، حتى تستطيع أن تنهض بالعهد الذي قطعته على نفسها وتنفذ عقد البيعة الذي في عنقها، وواضح أن المرأة لا تستطيع أن تنهض بشيء من هذا إذا كانت جاهلة بحقائق دينها غير منتبهة إلي أساليب الكيد الأجنبي من حولها(14).
ولقد احترم الرسول جوار المرأة ، فكان محمد أول من اعترف بجوار المرأة في الجزيرة العربية بعد عهود الظلام .
ومثال أم هانىء واضح وجلي .. فقد أدخلت أحد المجرمين في جوارها يوم فتح مكة وقبل وعفا الرسول عن هذا المجرم ..
فلقد ذهبت أم هانئ بنت أبى طالب إلى رسول الله عام الفتح فقالت : يا رسول الله زعم ابن أمي علىّ أنه قاتل رجل أجرته : فلان ابن هبيرة ، فقال رسول الله : "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" (15)
"وتستطيع أن تتأمل هذا، فتعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى الإسلام وظله، وكيف أنها نالت كل حقوقها الإنسانية و الاجتماعية كما نالها الرجل سواء بسواء، مما لم يحدث نظيره في أمة من الأمم غير أن المهم أن تعلم الفرق بين هذه المساواة الإنسانية الرائعة التي أرستها شريعة الإسلام، والمظاهر التقليدية لها مما ينادى به عشاق المدنية الحديثة اليوم، تلك شريعة من المساواة الدقيقة القائمة على الفطرة الإنسانية الأصيلة، يتوخى منها سعادة الناس كلهم نساءً ورجالاً، أفراداً وجماعات، وهذه نزوات حيوانية أصيلة يتوخى من ورائها اتخاذ المرأة مادة تسلية ورفاهية للرجل على أوسع نطاق ممكن، دون أى نظر إلى شئ آخر ."(16).
إن النبي محمد لم يعتبر المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها، وهي أن المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اختص به من صفة الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة واتساع الحيلة، أن يلي رعايتها، فهو بذلك وليها، يحوطها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده، ذلك ما قرره الله تعالى بقوله،: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة: 228).
هوامش المبحث السابع :
2 هـ. أ. ر. جب : المحمدية ، طبعة لندن ( 1953 ) ص 33.
3 مؤلف أمريكي معاصر، يعد كتابه ( قصة الحضارة) ذو ثلاثين مجلدا ، واحد من أشهر الكتب الني تؤرخ للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة , عكف على تأليفه السنين الطوال , وأصدر جزأه الأول عام 1935، ثم تلته بقية الأجزاء ومن كتبه ( قصة الفلسفة ) .
4 ول ديورانت: نقلاً عن : عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام.
5 مستشرق فرنسي ، عمل مديرا لمكتبة الجزائر، من آثاره : ( حياة محمد) (باريس 1929) وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم , و ( محمد والسنة الإسلامية ) (باريس 1955) ، ونشر عددا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل : (المجلة الأفريقية ) ، و ( حوليات معهد الدراسات الشرقية) ، و ( نشرة الدراسات العربية) ... الخ).
6 نقلاً عن : عماد الدين خليل : قالوا عن الإسلام..
7 نظمي لوقا: نقلاً عن : عماد الدين خليل : مرجع سابق.
8 محمد الغزالي : فقه السيرة، ص 260.
9 ايفلين كوبولد: نظمي لوقا: نقلاً عن : عماد الدين خليل : مرجع سابق.
10 منى عبدالله ماكلوسكي ، ألمانية، تعمل قنصلا لبلادها ، ألمانيا الاتحادية ، في بنغلاديش، اهتدت إلى الإسلام في مطلع عام 1976 ، على يد شيخ الجامع الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود –رحمة الله – وشعرت يومها (وكأنها ولدت من جديد.).
10-نقلاً عن : عماد الدين خليل : مرجع سابق.
11-روز ماري ( مريم هاو) صحفية إنكليزية، نشأت في عائلة نصرانية متدينة , ولكنها مع بلوغها مرحلة الوعي بدأت تفقد قناعاتها الدينية السابقة وتتطلع إلى دين يمنحها الجواب المقبول . وفي عام 1977 أعلنت إسلامها , وهي تعمل الآن في صحيفة (الاراب تايمز ) اليومية الكويتية التي تصدر بالإنكليزية.
12-نقلاً عن : عماد الدين خليل : مرجع سابق.
13-صحيح – البخاري، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، برقم ( 4843)، ومسلم، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، برقم( 1419 ) .
14-انظر: محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة، 283
15-صحيح - البخاري ( 1\ 469)، ومسلم (4\ 45).
16-انظر: محمد سعيد رمضان البوطي: مرجع سابق ، 154
المبحث الثامن : مكافحة الفقر :
بعدما عاشت الجزيرة العربية حياة الطبقية .. الغني يأكل الفقير، والقوي يبتذ الضعيف، ظهر النبي محمد بدعوته التي حققت العدالة الاجتماعية متمثلة في دولة المدينة المنورة من ناحية، وفي منهج الإسلام في مكافحة الفقر والمرض من ناحية أخرى ..
فالحكومة الإسلامية تحصل زكاة المال من الأغنياء لتردها إلى فقراء الشعب، فلما بعث النبي معاذ بن جبل إلى اليمن ، أوصاه الرسول قائلاً : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (1) ..
وفي هذا يقول ول ديورانت :
".. لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد [] لإعانة الفقراء.."(2).
من ناحية أخرى ، فقد حذر الرسول من مغبة منع الزكاة وتوعد مانع الزكاة بالعذاب الشنيع يوم القيامة، فقال :
"من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ( نوع من الثعابين ) له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ( يعني شدقيه ) ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ".. ثم تلا النبي [] ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة آل عمران180" (3) .
وقال : " ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه " (4) .
وقال مرغباً في مكافحة الفقر : " أطعموا الجائع وفكوا العاني " (5) .
هذا، وقد كان النبي محمد أسخى الناس كفاً وعطاءاً، ما سُئل شيئا فقال لا !
وأعطى صفوان بن أمية غنماً ملأت وادياً بين جبلين فقال صفوان: أرى محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفقر !
ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلاف، وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله!
وحُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير !! فقام إليها يقسمها، فمارد سائلاً حتى فرغ منها! (6) .
وفي يوم ازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى شجرة، فانتزعت رداءه فقال : "أيها الناس، ردوا علي ردائي، فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً " (7).
ويلخص واشنجتون إيرفنج السلوك المالي للنبي محمد بقوله :
"كان الرسول [] ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة"(8).
وهكذا، جعل الرسول من مكافحة الفقر، سلوكاً وخلقاً وفرضاً إسلامياً على كافة المسلمين ..
هوامش المبحث الثامن:
3 صحيح ـ وهو في الإرواء، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، ص 36.
4 ول ديورانت : قصة الحضارة ، 13 / 59.
5 صحيح ـ أخرجه البخاري والنسائي وأحمد عن أبي هريرة.
6 صحيح –رواه البخاري في الأدب المفرد ( 112 ) و الحاكم ( 4 / 167 ) والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 10 / 392) .
7 صحيح - أخرجه البخاري والدارمي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري.
8 انظر: ابن سيد الناس: عيون الأثر، ج 2 / ص 421، 422.
9 صحيح ـ صححه الألباني في تخريجح كتاب فقه السيرة لمحمد الغزالي ص 392.
10 واشنجتون إيرفنج : حياة محمد ، ص303
المبحث التاسع : المعاهدات الداعمة للسلام
للنبي محمد الفضل الأعظم في نشر السلام في ربوع الجزيرة العربية، التي عاشت عدة قرون في حروب طاحنة ومعارك على أتفه الأسباب، وكثرت حروب "الفجار" التي انتهك أصحابها حرمة مكة وحرمة الأشهر الحرم ..
ولأول مرة تشهد الجزيرة العربية تلك المعاهدة المحمدية التي نادى بها رسول الله في العام السادس من الهجرة، وهي المعاهدة المشهورة بـ " صلح الحديبية " ..
رغم ما كان من بنود مجحفة بالمسلمين في هذا الصلح ..
وإن المتأمل لأحداث صلح الحديبية يتبين له حرص النبي محمد الشديد على تحقيق السلام وأنه كان دائماً يجنح للسلم إن هيئت له أسباب إقامة السلام في أي زمان وفي أي مكان ..
فعندما قصد رسول العمرة مع أصحابه، في العام السادس من الهجرة، أبت قريش أن تسمح للنبي وأصحابه بإداء عبادة العمرة، وهذا الفعل من القريشيين يعد جريمة كبرى في عرف العرب، إذ كيف يُصد عن البيت من جاء معظماً له !!
وعرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه قال: "قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل"(1)، فجاء سهيل فتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح، وهي هذه (2) :
1. الرسول يرجع من عامه هذا، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض.
2. وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.
3. من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق.
4. من أتي محمداً من قريش من غير إذن وليه ـ أي هارباً منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد ـ أي هارباً منه ـ لم يرد عليه.
ثم ُدعي علي بن أبي طالب ليكتب مسودة الصلح، وكره سهيل بن عمرو ـ مبعوث القريشيين ـ أن يكتب في صدر الصحيفة " محمد رسول الله " وأبى عليّ بن أبي طالب، وهو كاتب الصحيفة، أن يمحو بيده " رسول الله " ، فمحا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفة بيده، وأمر الكاتب أن يكتب " محمد بن عبد الله "(3) . ثم تمت كتابة الصحيفة، ولما تم الصلح دخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب، ، فكان دخولهم في هذا العهد تأكيداً لذلك الحلف القديم ـ ودخلت قبيلة بنو بكر في عهد قريش(4) .
ومن المواقف التي تدل على حرص الرسول على السلام، ما حدث في معركة الخندق ( الأحزاب) في العام الخامس من الهجرة، حيث حصار المشركون المدينة المنورة، فلما اشتد على المسلمين الحصار و البلاء بعث رسول الله ، إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المرى، وهما قائدا غطفان ـ في جيش الأحزاب ـ وعرض عليهما رسول الله ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما، وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله ، مقنع في الحديد، فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الرمح، ولا يدري بما كان من الكلام حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة.فلما أراد رسول الله أن يفعل ذلك بعث إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه (5).
فرفضا هذه الفكرة..
ونزل النبي محمد على رأي الجماعة، فلم يتم هذا الصلح، لأن فيه إهانة لكرامة المسلمين، وتفريط في ثرواتهم !
وفي فتح مكة في العام الثامن من الهجرة أعلن الرسول الأمان العام لكن الناس، فقال : "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه عليه فهوآ من ومن دخل المسجد فهو آمن" (6). وعهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم (7)..
وعفا رسول الله عن أهل مكة، ونتيجة لذلك ؛ دخلت أعداد كبيرة منهم في الإسلام..!
هوامش المبحث التاسع:
1- صحيح ـ رواه البيهقي في السنن الكبرى ( 9\ 220)، وهو في الإرواء(1\ 57).
2- انظر: السهيلي : الروض الأنف 4\ 48،وابن هشام: السيرة النبوية 2\ 316، وابن كثير : السيرة النبوية 3\ 320، وصفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم، 298، وعلي محمد الصلابي : السيرة النبوية، 2\284.
3- انظر: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: جوامع السيرة 1 / 209 .
4- انظر: محمد بن يوسف الصالحي الشامي :سبل الهدى والرشاد 5\ 52.
5- ابن كثير : السيرة النبوية 3 / 201، محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 4 / 376
6- ابن سيد الناس :عيون الأثر ، 2 / 188.
7- المصدر السابق: 2 / 194.
المبحث العاشر : خدمة الإنسانية ورعاية حقوق الإنسان
لقد كان الهدف من بعثة النبي محمد ورسالته، وكل الغاية من حياته ومنتهاها هو أن يخدم الإنسان وأن يهذب الإنسان وأن يزكي الإنسان وأن يعلم الإنسان، وباختصار أن يجعل من الإنسان إنسانًا متمدنًا متحضرًا.
لقد كان مصدر إلهامه الوحيد والقاعدة الهادية الوحيدة له في أفكاره وأقواله وأفعاله هو المصلحة البشرية ..
لقد كان إنسانًا بكل ما في الكلمة من معان. وكانت سعادة نفسه ورضاها في التعاطف والتواد والمحبة الإنسانية.
تقول ايقلين كوبولد :
".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر محمد [] روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية"(1).
إن مسيرة الرسول محمد ، الكفاحية ونضاله العظيم لنشر رسالة الإسلام قد أدت إلى نتائج عظيمة، أهمها : خدمة وحدانية الله بإسقاط الوثنية، ومن ثم خدمة الإنسانية كنتيجة منطقية بانتشار رسالة الإسلام بين الشعوب العربية من جهة ، ولكونها رسالة عالمية من جهة أخرى، فكان أن عم خيرها البشرية جمعاء، وقدمت الحلول المنطقية لخلاص الأمم من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والروحية .
ويؤكد القس دافيد بنجامين كلدانى في مؤلفه : " محمد في الكتاب المقدس " هذه الحقيقة بأن الرسول خادم الله والإنسانية بقوله :
"إن الخدمة الجليلة العظيمة المدهشة التي قدمها محمد لله ، ولصالح البشر، لم يقدمها أي مخلوق من عباد الله ملكاً كان أو نبياً، خدمته لله فإنه اقلع جذور الوثنية من جزء كبير من الأرض، وأما خدمته للإنسان فقد قدم له أكمل دين وأفضل شريعة لإرشاده وأمنه "(2).
ويتابع القس دافيد بنجامين كلدانى القول :
" أقام دين الإسلام الذي وحد في أخوة حقيقية ، جميع الأمم والشعوب التي لا تشرك بالله شيئاً . إن جميع الشعوب الإسلامية تطيع رسول الله وتحبه تحترمه ؟ لأنه مؤسس دعائم دينها ، ولكنها لا تعبده أبداً ولا ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه"(3)..
ويقارن عبد الله لويليام حال العالم بعد عهد محمد وبين عصر الجاهلية فيقول : "لما شرف محمد [] ساحة عالم الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلاء النوع الإنساني وترقيه في درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة. ومن نظر بعين البصيرة في حال الأنام قبله عليه الصلاة والسلام وما كانوا عليه من الضلالة.. ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظيمًا كما بين الثريا والثرى"(4).
إن عالمية الرسالة الإسلامية وإنسانيتها جعلت من النبي محمد ، رسول البشرية جمعاء وزعيم مريدي الخير للإنسانية، وذلك كما يرى المستشرق السويسري ماكس فان برشم ( 1863 _ 1921 ) بمعرض حديثه عن دور النبي محمد التاريخي العظيم في حياة العرب والشعوب التي دخلت في الإسلام ، فارتقت من وهاد الضلالة إلى معارج النور والحضارة ، يقول في كتابه : « العرب في آسية »:
" إن محمداً [] نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، وإن ظهور محمد[] للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ، وإن افتخرت آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم ، إن من الظلم الفادح ، أن نغمط حق محمد [] الذي جاء من بلاد العرب وإليهم، وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبل بعثه، ثم كيف تبدلت أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بعد إعلانه النبوة ، وبالجملة مهما ازداد المرء إطلاعاً على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من مستوى الإنسان ، إنه لا يجوز أن ينسب إلى محمد[] ما ينقصه ، ويدرك أسباب إعجاب الملايين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم إياه و تعظيمهم له" (5) ..
إلى جانب هذا، يبين فيليب حتي أن " صفات محمد [] مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالاً للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة"(6) .
و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول محمد واجتهاده في رفع راية التوحيد وعظمته عربياً وإسلاميا وعالمياً فتقول :
"إن محمداً () اجتهد في الله وفي نجاة أمته ، وبالأصح اجتهد في سبيل الإنسانية جمعاء" ..
و".. امتدت أنوار المدنية بعد محمد [] في قليل من الزمان ساطعة في أقطار الأرض من المشرق إلى المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي الألباب. وما السبب في ذلك إلا كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى الحكمة"(7).
و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم ( محمد ): الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله " (8).
إن الإسلام اعتنى بالإنسان أكثر من أي من الأنظمة الأخرى وكرم الإنسان من الأشكال بحيث ان الانتحار نجد ما يبرره إذا إنسان عمله. بينما الإسلام يمنع الانتحار لأن الإنسان له الكرامة العليا فهناك حديث عن الرسول : سئل رسول الله من قتل هذا الشخص فقالوا لا ندري فقال القتيل بين المسلمين ولا تدري من قتله. والذي بعثني بالحق لو ان أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مسلم ورضوا به لأكبهم الله على وجوههم في النار. فلو ان كل المسلمين قبلوا على قتل واحد ظلماً لوضعهم الله جميعهم في النار نتيجة هذا(9).
وهناك آيات كثيرة في هذا الصدد ، تبين كيف رفع الإسلام من شأن الإنسان وصان حقوقه، بفضل دعوة محمد :
قال الله تعالى في القرآن: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء:70)، هذه كلها تعكس ان نظرة الإسلام نظرة عالية ويهتم بالإنسان ويهتم بحقوقه، حتى جعل قتل نفس واحدة بغير حق كقتل البشرية كلها منذ أن خلق الله آدم وحتى قيام الساعة .. :
مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً(المائدة: 32)..
هوامش المبحث العاشر:
7 إفلين كوبلد : البحث عن الله ، ص52.( إفلين كوبلد (بريطانية)، أسلمت عام (1352هـ/1933م)، وتسمت باسم (نبيلة)، أدت فريضة الحج، ثم كتبت كتابًا بعنوان (البحث عن الله)، وهو يوميات أودعت فيه انطباعاتها عن الإسلام)
8 دايفد بنجامين كلداني (عبد الأحد داوود ) : محمد في الكتاب المقدس ، 82. وانظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق،112
9 المصدر السابق.
10 عبد الله لويليام : أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 21 ، 22.
11 ماكس فانبرشم : العرب في آسية.
12 فيليب حتى: الإسلام منهج حياة ، ص54.
13 عبد الله لويليام : أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 22 ، 23.
14 جان ليك : العرب ، ص 43 و انظر: محمد شريف الشيباني : مرجع سابق،145.
15 عبد الحسين شعبان :ثقافة حقوق الإنسان، ص 140.
خـــــــــاتــمة
وهكذا ، يتجلى نور محمد ..!
فتنكشف الحقيقة .. !
تلك الحقيقة التي يستحي من ذكرها كثير من المسلمين ويخفيها كثير من الحاقدين .. إنها الحقيقة الأبدية السرمدية القائلة بأن النبي محمد هو أعظم إنسان مشى على سطح الكرة الأرضية على الإطلاق، وأعظم من قدم وضحى لخدمة هذه البشرية، فهو أعظم موحد، وأعظم مصلح، وأعظم محرر.. وفوق هذا كله فهو خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، وأن دعوته لابد أن يؤمن بها ويذعن لها القاصي والداني، إذا أراد السعادة في الدنيا والآخرة، والنجاة من عذاب الله..
نعم ..!
إن المعبر الوحيد للسعادة هو منهاج محمد !
ونستطيع نجمل أهم نتائج وتوصيات هذا البحث على النحو التالي :
أولاً : نتائج البحث :
1- للنبي محمد الفضل الأكبر في نهضة البشرية ـ بعد عصور الظلام في القرون الوسطى ـ من وحل الوثنية إلى ظلال التوحيد .
2- إن العرب لم يتمتعوا بالاستقلال أو التحرر إلا في عهد النبي محمد وعهد أتباعه ..
3- للنبي محمد الفضل الأكبر في نشر قيم العدالة والمساواة والحب والإخاء في أنحاء العالم في الوقت الذي كان العالم يعاني من ظلم الفرس واستبداد الرومان وخرافات الهند .
4- عاش أصحاب الديانات والعقائد المختلفة في ظل حكم النبي حياة آمنة ، قد حفظ النبي لهم فيها حق حرية الاعتقاد، لم يهدم النبي معبداً أو كنيسة قط !
5- النبي محمد هو أول من أعلن وطبق مبدأ الحوار بين الأديان والحوار بين الحضارات، وكان ذلك في العام الذي راسل فيه قادة وملوك العالم وأرسل إليهم الرسل والسفراء.
6- حرر النبي المرأة من رق الجاهلية على عدل الإسلام، وأنقذها من مأساة الوأد، ورد لها اعتبارها الفكري والاجتماعي والاقتصادي .
7- أعاد النبي محمد للإنسان اعتباراته وحقوقه، فأسقط النبي نعرات الجاهلية ورجس التمييز والعنصرية، وأعلن أن دم الإنسان أشد حرمة من الكعبة !
8- للنبي محمد الفضل الأكبر في مكافحة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القائمة على الطبقية والتمييز العرقي..
ثانياً : توصيات البحث :
1- على البشرية أن تعتز برجل كالنبي محمد وأن تكرّم منهجه وتدرسه للأجيال .
2- ضرورة الاهتمام بترجمة السيرة النبوية إلى اللغات الحية بصورة جديدة وعصرية تناسب عقلية الغرب .
3- ضرورة الدفاع عن النبي محمد ممن يشوهون صورته فالنبي محمد قيمة إنسانية ضخمة، وإهانتها إهانة للبشرية جمعاء .
4- ضرورة وضع قانون يجرم ازدراء النبي محمد والأنبياء ـ عليهم السلام ـ ، لأن في ازدراء الأنبياء مسخ لفطرة الإنسان، وهتك لمثله العليا.
ثالثاً: مقترحات البحث :
يقترح الباحث إجراء الدراسات التالية :
1 فضل النبي محمد على أوربا .
2 دور النبي محمد في تحضر البشرية .
3 الرسول والذوق.
4 الرسول وفن التفاوض.
محمد مسعد ياقوت، مصر
yakoote@gmail.com
yakoutey@yahoo.com
yakut.blogspot.com
+20104420539
1 المصادر والمراجع
2 القرآن الكريم.
3 أ. س. تريتون : الإسلام ، طبعة لندن ، 1951 م.
4 إبراهيم خليل أحمد : محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، مكة المكرمة : المكتبة التجارية، 1409هـ.
5 أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، القاهرة : مكتبة السنة، 1410هـ - 1990م.
6 آتين دينيه وسليمان بن إبراهيم: محمد رسول الله، ترجمة: د.عبد الحليم محمود، ود.محمد عبد الحليم محمود.
7 أحمد ديدات: ماذا يقول الكتاب المقدس و الغرب عن محمد، الطبعة الأولى ، القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع ، 1404هـ.
8 أكرم العمري ، موقف الاستشراق من السنة والسيرة ، بحث منشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة ، 1995م .
9 إميل درمنغم :حياة محمد، ترجمة : محمد عادلزُعَيْتِر، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثانية، 1988،
10 آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد، دار مادرس للنشر، 1932م.
11 ابن سيد الناس (أبي الفتح محمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن يحيى))ت 734هـ(: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، بيروت : دار الآفاق ، 1977م.
12 ابن القيم (محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي) : زاد المعاد في هدي خير العباد ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط، بيروت – الكويت: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية -الطبعة الرابعة عشر ، 1407 هـ- 1986م،
13 ابن كثير(إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية، بيروت:مكتبة المعارف،د. ت.
14 ابن كثير(إسماعيل بن عمر): السيرة النبوية، بيروت: مكتبة المعارف،د. ت.
15 البخاري (محمد بن إسماعيل ): صحيح البخاري، بيروت: دار ابن كثير، الطبعة الثالثة ، 1407هـ – 1987م.
16 البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي بن موسى): سنن البيهقي الكبرى ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا،- مكة المكرمة: مكتبة دار الباز ، 1414هـ - 1994م.
17 التبريزي (محمد بن عبد الله الخطيب): مشكاة المصابيح، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني بيروت : المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة - 1405 هـ- 1985م.
18 السهيلي: الروض الأنف، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل ، القاهرة: 1967 م.
19 الألباني (محمد ناصر الدين) : مختصر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ – 1985م.
20 الألباني (محمد ناصر الدين): إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل(8 مجلدات)، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية ، 1405هـ – 1985م.
21 الألباني (محمد ناصر الدين): السلسلة الصحيحة ،الرياض: مكتبة المعارف، د.ت.
22 الألباني (محمد ناصر الدين): صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، بيروت : المكتب الإسلامي، د. ت.
23 الكتاب المقدس . طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
24 الكولونيل بودلي: حياة محمد، لندن، 1946م.
25 برهان غليون، ومحمد سليم العوا : النظام السياسي في الإسلام، دمشق: دار الفكر، د. ت.
26 توماس كارلايل : الأبطال وعبادة البطل والبطولات في التاريخ ، ترجمة : محمد السباعي. كتاب الهلال، القاهرة: العدد 326 صفر 1398
27 جورج حنا : قصة الإنسان، طبعة بيروت، 1959م.
28 جورج سارتون : الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط
29 جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثانية، 1988جون وليام دريبر : تاريخ التطور الفكري الأوروبي، المجلد الأول، طبعة لندن 1875م.
30 خالد محمد خالد : رجال حول الرسول، القاهرة : دار المقطم، الطبعة الأولى، 1415هـ-1994م.
31 ديفيد بنجامين (عبد الأحد داود): محمد في الكتاب المقدس، ترجمة : فهمي شما . مراجعة : أحمد محمد الصديق . مطابع الدوحة الحديثة ، د. ت.
32 ديوان شند شرمة: أنبياء الشرق، طبعة كلكتا ،1935م.
33 رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة : مصطفى ماهر – القاهرة 1967م.
34 ستيفن ونسيمان : تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة: السيد الباز العريني ، بيروت: مكتبة الحياة، 1413هـ -1993م.
35 صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم، المنصورة : دار الوفاء : 1426هـ-2005م.
36 عبد الحسين شعبان :ثقافة حقوق الإنسان، رابطة كأوا للثقافة الكردية، بيروت ، الطبعة الأولى،2001
37 عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله : كمال الدين الإسلامي وحقيقته ومزاياه ، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، الطبعة الأولى ، 1418هـ
38 علي بن أحمد بن سعيد بن حزم :جوامع السيرة ، تحقيق : إحسان عباس، القاهرة: دار المعارف ، الطبعة الأولى ، 1900 م
39 علي محمد الصلابي : السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث، القاهرة : مؤسسة اقرأ، الطبعة الأولى ، 1426هـ-2005م
40 عماد الدين خليل : قالوا عن الإسلام ، بيروت :مؤسسة الرسالة، 2000م .
41 فيليب حتي : تاريخ العرب ، ترجمة : ادوارد جرجي وجبرائيل جبور، بيروت 1965 م
42 مجلة الثقافة الروسية ، ج 7 ، عدد 9
43 مجلة الفتح القاهرية، عام 1930
44 محمد الغزالي : فقه السيرة، القاهرة: دار الشروق، الطبعة الثانية، 1424هـ 2003م
45 محمد بن عبد الله السحيم: أعظم إنسان في الكتب السماوية ، القاهرة: منشورات مكتبة الخانجي ،د.ت.
46 محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 943هـ)،: سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد، تحقيق :مصطفى عبدالواحد. مصر:المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي ، عام 1392هـ / 1972م.
47 محمد سعيد رمضان البوطي : فقه السيرة، القاهرة : دار السلام 1419هـ- 1999م
48 محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة،. نسخة ألكترونية.
49 محمد عزت الطهطاوي: محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن ، القاهرة : مكتبة النور، د. ت.
50 محمد ناصر الدين الألباني : تخريج أحاديث كتاب مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى ،1405 هـ- 1984 م.
51 مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم، بيروت : دار إحياء التراث العربي.
52 موسوعة تاريخ الحضارات العام، ترجمة: فريد م. داغر، فؤاد ج. أبو ريحان، إشراف: موريس كروزيه، عويدات للطباعة والنشر، الطبعة الأولى ، 2003 م.
53 مونتجمري وات : محمد في المدينة، ترجمة : شعبان بركات ، بيروت: منشورات المكتبة العصرية ، د. ت
54 مونتجمري وات : محمد في مكة ، ترجمة: شعبان بركات ، بيروت: منشورات المكتبة العصرية ، د. ت
55 مونتجمري وات:الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ترجمة : عبد الرحمن عبد الله، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م
56 مونتجمري وات :تأثير الإسلام في أوربا في العصر الوسيط. ترجمة: حسين أحمد أمين، بعنوان "فضل الإسلام على الحضارة الغربية" دار الشروق. بيروت. 1983.
57 نصري سلهب: في خطى محمد، بيروت: دار الكتاب العربي، 1970م
58 نظمي لوقا: محمد في حياته الخاصة، القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1969 م.
59 هــ. أ. ر. جب : المحمدية ، طبعة لندن ، 1953 م.
60 هربرت جورج ولز :معالم تاريخ الإنسانية، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد ، القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1967م
61 هنري ماسيه : الإسلام، بيروت: منشورات عويدات، 1988م.
62 ول ديورانت :قصة الحضارة ، بيروت : مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى، 2003م.
تم بحمد الله ..
وصلى الله على نبينا محمد، عدد ما أحاط به الله !
تعريف بالكاتب
محمد ياقوت
المعلومات الشخصية :
محمد مسعد ياقوت – باحث وداعية إسلامي مقيم في مصر .
جوال: 0104420539(002)
البريد الإلكتروني : yakoote@gmail.com
yakoutey@yahoo.com
الصفحة الإلكترونية : yakut.blogspot.com
الأعمال التي قام بها:
- باحث متفرغ لإعداد مشروع علمي في مؤسسة أحمد بهاء الدين.
- باحث متفرغ لإعداد مشروع علمي في وزارة الثقافة المصرية .
- باحث ومحرر بموقع خير أون لاين
- يكتب في العديد من المجلات كمجلة المجتمع الكويتية، ومجلة المعرفة السعودية، ومجلة الرسالة المصرية ..
- كاتب مشارك في موقع إسلام أون لاين.
- كاتب مشارك بموقع لبيا المستقبل
- قدم سلسلة حلقات عن الثقافة العلمية وأزمة البحث العلمي ،في القناة السادسة المصرية
- قدم في قناة الأمة الفضائية – سلسلة حلقات عن أخلاقيات الحرب في الإسلام. ( لم تكتمل) .
المؤلفات :
- الاختلاط وأثره على التحصيل العلمي والابتكار- رؤية شرعية - ، البحث الفائز بجائزة موقع المرأة " لها أون لاين" للثقافة و الإبداع ، عام 2004
- حوار الحضارات : الموجود والمفقود والمنشود، بحث مقدم إلى منظمة الكتاب الأفريقيين والأسيويين ، أغسطس 2005م ـ مسابقة مبارك العالمية للسلام والتنمية .
- هروب النخب العلمية ، بين واقع النزيف وسبل العلاج : بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي العاشر للندوة العالمية للشباب الإسلامي، " الشباب وبناء المستقبل" .
- تجديد الدين :مفهومه وضوابطه وآثاره : بحث مقدم إلى جائزة نايف بن عبد العزيز العالمية .
- الفصل بين الجنسين في التعليم بين الشريعة الإسلامية والدراسات الإنسانية، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، بدولة الكويت.
-صنائع المعروف، ثلاثون بابًا من أبواب الخير، منشور.
- أزمة البحث العلمي في مصر والوطن العربي، القاهرة : دار النشر للجامعات، الطبعة الأولى، يناير 2007م