حوار أم دوار
حوار أم دوار
- د عبد الرحمن صالح العشماوي
- الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة سابقاً
الحوار الهادف مطلب لكل عاقل لأن فيه من ايضاح الأفكار، ومناقشة القضايا في وضح النهار ما يمكن أن يزيل كثيرا من الغبش الذي ينتج عنه سوء الفهم، ويولد منه سوء الظن، حتى يصل الأمر الى المواجهة والعداء.
الحوار الهادف أسلوبٌ حضاريٌّ يقوم على التفاهم على أسس ثابتة ينطلق منها المتحاورون، ومرجعية صحيحة واضحة يرجعون إليها لتقرير الحق الذي يظهره الحوار الهادف النزيه.
والحوار يُعَدُّ أسلوباً جميلاً، إذا ظلَّ حواراً هادفاً قائماً على أسس ثابتة، مرتبطاً بالمرجعية التي تهيمن علينا نحن المسلمين مرجعية ديننا الاسلامي الحنيف قرآناً وسنة صحيحة، وعلماً وفقهاً ودراية بأحوال العباد والبلاد، ولن يكون الحوار نافعاً للوطن ولا للأمة إذا أصبح ميداناً لاستعراض الآراء المتباينة، وساحة لإبراز ما يحمله كل قبيل من المتحاورين من الأفكار والقناعات، لا من أجل الوصول الى معرفة الحق المنبثق من منهج الله وشرعه، والسعي الى الالتزام بذلك الحق حينما يظهر، وإنما من أجل تسجيل تقدّم في تحقيق ما يصبو اليه كل قبيل من الأهداف والمرامي الخاصة بهذا القبيل أو ذاك.
الحوار الهادف يجلّي الحقائق، ويزيل الشُّبهة من عقولٍ تشبَّعت بها، ويمسح الغبار عن قلوب لعبت بها الشُّبهات والشهوات، حوار يقوم على أسس ثابتة من الرغبة في الوصول الى الحق، والحرص على تطبيق ما تتحقق به مصالح الناس وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الذي يدعونا الى هذه الاشارة هو ما نقرؤه ونسمعه من بعض المنتمين الى مذاهب بشرية «غربية» من آراء وأقوال يحاولون أن يحوِّلوا بها مسارات الحوار الهادف، ويعلنوا ما كانوا يكتمون من آراءٍ يتضح فيها الخلل في التصوُّر وتفوح منها روائح غير طيبة من الرغبة في التغيير وفق التصورات الغربية للحرية، والعدالة، والديمقراطية، دون التفكير في موافقة تلك الآراء والأقوال لشرع الله الذي اختاره الله لعباده، وأكمل به الدين، وأتمَّ به النعمة.
إنَّ ما يطرحه البعض يوحي بأنَّ نظرتهم الى الحوار نظرةٌ ضيقة قائمة على تصفية الحسابات وإقصاء الآخر تحت شعار محاربة الإقصاء، ومصادرته تحت شعار محاربة المصادرة.
ولذلك كثرت هذه الأيام الكتابات التي تؤذي مشاعر المسلم، وتعكِّر صفو الحوار الهادف، وتنال بالتعريض أو التصريح من بعض علماء الاسلام ودعاته ومفكِّريه، وكأن كلمة «حوار» تعني الانتقام، وإحداث الاضطراب والبلبلة، وهذا - بلا شك - يجعل أي حوار يجري عقيماً لا فائدة منه.
مرحباً بالحوار الهادف الذي يسعى أصحابه الى الحق ويحرصون عليه، الحوار الذي لا يعني - بحال من الأحوال - الدعوة الى تنحية حرفٍ واحدٍ من نصوص كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، الحوار الذي تناقش فيه الحقوق والواجبات على ضوء من القرآن والسنة، لا على نظريات غربية أو شرقية، أو مذاهب بشرية فانية لم يتحقق بها الخير لأهلها وبلادها فكيف يتحقق بها خير لغيرهم؟
إن الأحداث التي تجري في العالم اليوم بما فيها من خطورة على أمتنا الإسلامية وعالمنا الإسلامي، وعلى ديننا وقيمنا ومبادئنا وأخلاقنا، جديرة بأن تعيدنا الى مصدر قوَّتنا، وأساس عزّتنا دون تردُّد ولا خوفٍ من أحد ولا اضطراب.
وإنَّ المتابع لهذه الموجات المتلاطمة من الآراء المخالفة لشرع الله، والأقوال الخارجة على ثوابت الاسلام التي تحمل الصلاح والإصلاح لحياة الناس، هذه الموجات التي تنطلق من أفواه رجالٍ ونساءٍ ينتمون الى الاسلام بهوياتهم، وإلى المسلمين ببطاقاتهم، وينتمون الى الغرب ومذاهبه بقلوبهم وعقولهم، إن المتابع لها يعجب عجباً ممزوجاً بالحسرة لهذه البصائر العمياء عن الحق، المضطربة في موقفها من الباطل، مع أن كل الوقائع والأحداث تؤكد انهيار مذاهب البشر أخلاقياً وحضارياً، وأن ديننا الإسلامي هو المنهج المتكامل الذي يعالج كل هذه الأمراض.
إشارة:
شتان بين الماء يُشرَبُ صافياً ** والماءِ يُشرب بالقذى والطُّحْلُبِ