القوة الناعمة للحضارة الإسلامية

القوة الناعمة للحضارة الإسلامية

أ. محمد سليمان الزواوي*

 

العالم الإسلامي مقبل حتمًا على مواجهة قريبة مع الغرب..إن لم تكن مواجهة عسكرية فهي مواجهة حضارية وثقافية، وهذا ما تؤكده العديد من الكتابات التي ترصد المد الإسلامي في أوروبا وزيادة عدد المهاجرين إليها من المسلمين، بل وكذلك التزايد الديموجرافي لعدد سكان جنوب وشرق المتوسط بنسب تفوق أربعة أضعاف نظيرتها في الشمال الأوروبي، وهذا يشير إلى أن تلك المواجهة الحضارية بين الجانبين أصبحت حتمية، لذلك بدأت كتابات غربية كثيرة تحضّر لمثل تلك المواجهة.. بعضهم كان يحضر بقصف مدفعي إعلامي وسياسي كثيف يهدف إلى طرد المسلمين من أوروبا بالكلية ومنع الهجرة إليها، والبعض الآخر أراد أن يقوم بعملية الفوز بالعقول والقلوب واحتواء ذلك المد الإسلامي، عن طريق استيعاب المسلمين في أوروبا بـ "تطويع" ثقافتهم وحضارتهم وبالتالي ضمنًا دينهم، ليتم صهرهم في البوتقة الأوروبية لتلافي ذلك الصدام، بأن يتحول المسلمون إلى أوروبيين حضارة وثقافة ويتعايشون بسلام مع الجانب الأوروبي بدون تهديد هويتهم الحضارية.

 

وهنا تكمن أهمية وخطورة الدراسات التي تتحدث عن الإسلام الأوروبي والإسلام الحضاري، والذي يجمع ما بين الإسلام والديموقراطية والتعايش السلمي، وتبرز أهمية القضية برمتها في حقبة ما اصطلح على تسميته بـ "صراع الحضارات"، فتلك المقولة التي أطلقها صمويل هنتنجتون في التسعينيات بعد زوال الاتحاد السوفيتي تفتش في أصول الحضارات وتقول أن العالم سينقسم من جديد على الخطوط الفاصلة ما بين تلك الحضارات، وسيتمركز ويتمحور حول سبع حضارات كبرى، وأن المواجهة حتمية مع الإسلام في السنوات القادمة، وهذا يتطلب من المسلمين أن يستعدوا لتلك المواجهة، التي قد تبدأ مواجهة ثقافية، ولكنها قد تنتهي دموية.

 

ومن أجل ألا تتحول تلك المواجهات والنقاشات الكلامية والفكرية إلى مواجهات دموية، يجب على المسلمين أن يعوا حقيقة هامة ومحورية في تلك القضية، وهي أن الحضارة الإسلامية تظل هي الحضارة الأعلى بمكوناتها الدينية والثقافية والإنسانية، بالرغم من الاضمحلال الذي يشهده العالم الإسلامي اليوم الذي هو في ذيل القائمة وفي التبعية في كل شيء، إلا شيء واحد وهو حضارتهم الإسلامية، والتي هي مكمن "قوتهم الناعمة" التي لا يقف أمامها شيء بالرغم من التخلف المادي للمسلمين، الذين باتوا يستوردون كل شيء من الشمال والغرب والشرق، وباتوا عالة على المجتمع الدولي في القضايا السياسية، والشيء الوحيد الذي يصدرونه للعالم هو المهاجرين والإرهاب والجريمة.

 

والقوة الناعمة هو مصطلح كان أول من أطلقه هو المفكر والعالم السياسي الأمريكي جوزيف ناي، الذي ألف كتابًا بهذا الاسم، والقوة الناعمة تعني قوة الإقناع والحجة وكل شيء معنوي وليس ماديًا، فباختصار القوة الناعمة تعني أن "تجبر" الآخر على أن تحب ما يحبه وتفعل ما يحبك أن تفعله، وذلك بدون استخدام القوة، ولكن بالانقياد ثقافيًا وحضاريًا، بإقناع الآخر بثقافتك وحضارتك وبقوتك المعنوية التي تؤثر في الآخر وتجعله يسير خلفك بلا هدى، وهو المعنى ذاته الذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأننا سوف نتبع اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلنا وراءهم، وهو ما قاله المفكر الإسلامي ابن خلدون في مقدمته بأن المغلوب يتبع الغالب دائمًا في حركاته وأخلاقه وطريقة لبسه وسائر أموره، وكل ذلك هو القوة الناعمة لأي حضارة وقوة تأثيرها على الآخر.

 

وبنظرة فاحصة لمكامن قوة الحضارة الإسلامية سنجد أن المكون الديني لتلك الحضارة استطاع أن يعلو على الحضارات الأخرى حتى اليوم؛ بالرغم من كل تلك الانتكاسات المادية الظاهرة والواضحة، والمتمثلة في أننا أصبحنا في ذيل الأمم وتكالبت علينا تكالب الأكلة على قصعتها، فإن عدد المسلمين في ازدياد، وبخاصة في الغرب، وهذا شيء يدعو للدهشة وللإعجاب في آن؛ حيث إن المنطق يقول أن التخلف المادي والتخلف المعنوي يؤديان بالضرورة إلى اضمحلال بريق النموذج، وإلى لفظ ورفض الكيان بكامله، لكننا اليوم نجد أن الآلاف من الغربيين يدخلون في دين الله أفواجًا من الشرق والغرب، لذا فإن تلك التجربة تدعو إلى التأمل والدراسة من أجل الحفاظ عليها ومن أجل تفادي المواجهة العسكرية التي قد تؤدي إلى انعكاس ذلك المد وإلى حدوث انتكاسة يرغب فيها المفكرون المتطرفون من الغرب، والذين يرون بأعينهم القادم، ويؤمنون بأنه ليس في صالح حضارتهم الغربية.

 

لذلك فإن مصطلح "التعايش" يظل هو كلمة السر لتلك المواجهة الإسلامية الغربية، فالمواجهة العسكرية ليست في صالح المسلمين بحال من الأحوال، وذلك لتأخرنا في جميع النواحي المادية والمعنوية، وتأخرنا في تصنيع السلاح وإعداد بلاد المسلمين لمواجهات مع الغرب، وتثبت الأيام أنهم يتقدمون علينا بسنوات طوال، ولا نستطيع أن نجسر تلك الهوة العسكرية والمادية في الأمد المنظور، ولكننا نستطيع أن نجسر الهوة الثقافية، وذلك عن طريق ذلك التعايش الذي يحفظ هويتنا ويمنحنا جسورًا في الوقت ذاته من التواصل مع الآخر، وذلك في النهاية يصب في مصلحة الحضارة الإسلامية والمنظومة القيمية التي تمتلكها، بل والمنظومة العقدية النقية الفطرية التي تجنح إليها النفوس السليمة، في ظل ضعف نظيرتها لدى الحضارة الغربية، والتي لفظتها بالكلية منذ عصر النهضة، وسجنت الدين داخل الكنائس، وظلت محتفظة بعناوينه الرمزية مثل الصلبان على الإعلام، والحكايات والقصص الدينية، والأعياد والأكلات التي تقدم فيها، بخواء روحي ملحوظ لدى الغربيين، وهنا تكمن القوة الناعمة الحضارة الإسلامية.

 

ومع عصر الثورات العربية فإن المسلمين اليوم انتقلوا خطوة إلى الأمام من أجل جسر تلك الهوة مع الغرب؛ فكان النموذج الأكثر تخلفًا في المنظومة الإسلامية هو الحكم، وهو الذي حدثنا عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم وقال أنه أولى عرى الإسلام نقضًا، في حين أن آخرها نقضًا هو الصلاة، فقد ظلت أنظمة الحكم في طوال التاريخ الإسلامي تشهد تراجعًا وتخبطًا منذ انتهاء الخلافة الراشدة، ودخول المسلمين في عصر الملك العضوض، وبالرغم من أن المسلمين حققوا نجاحات وفتوحات وإنجازات ثقافية وحضارية وعسكرية في ظل تلك المنظومة، إلا أن الحكم الرشيد ظل غائبًا عن المسلمين طوال تاريخهم، وكانت مراحل الخلافة الراشدة هي الاستثناء طوال التاريخ الإسلامي، فكان يأتي خليفة بين كل مائة يصلحون أمور المسلمين ويجددون أمر الدين، بالرغم من أن المسلمين ظلوا فيما بينهم يحتفظون بقيم الدين الأصيلة مثل العدل والبر والإحسان والصلة والتكافل، بعيدًا عن إصلاح الحكم، وهو ما كان يحتفظ بنقاء المجتمع الإسلامي في كثير من العصور.

 

ولكن ظل الحكم الرشيد هو الاستثناء، بالرغم من تفوق المسلمين طوال تاريخهم على نظرائهم من الغرب في ذلك المجال أيضًا، حتى بدأ الغرب يأخذون منا أسس حضارتنا الإسلامية مثل الفصل بين السلطات والعدل والمساواة وغيرها، ووضعوها أهدافًا لثوراتهم مثل الثورة الفرنسية وغيرها، وبدأ مفكرو الغرب في صياغة تلك الأفكار قبلها بعقود، ليصلوا إلى صيغ مستقاة بالأساس من الإسلام، ليتفوقوا على المسلمين في ذلك المضمار ويبدأون في التقدم ونتأخر نحن، ثم قاموا باحتلال بلداننا الإسلامية بعد ذلك مع بداية الثورة الصناعية ومع وصولها إلى ذروتها في نهاية القرن الثامن عشر.

 

ولكن ذلك بدأ في التغير اليوم، حيث بدأ المسلمون في النهوض والتفتيش في مكامن قوتهم والبناء عليها مما توصل إليه عقلاء العالم من وضع أسس للحكم الرشيد، وتلك الصحوة في نظام الحكم يعد خطوة أخرى إلى الأمام نحو تقوية وتمكين الحضارة الإسلامية وترسيخ تفوقها في قوتها الناعمة.

 

والحديث عن القوة الناعمة للإسلام يعني الحديث عن أنه منظومة متكاملة من العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات التي تقف حائطًا منيعًا وعاليًا أمام منتقديه، وأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وأنه ينتصر دائمًا أمام الحضارات الأخرى إذا ما أحسن طرح حجته ونموذجه ناصع البياض، فإذا ما استطاع المسلمون شرقًا وغربًا تحقيق الحكم الرشيد، الذي يُستقى من أحكام الشريعة الإسلامية، فإننا بذلك نكون قد أكملنا ترسانة الحضارة الإسلامية، ويكون الإسلام حينئذ فقط قادرًا على غزو الآخر حضاريًا، وحينئذ فقط يستطيع المسلمون أن يقضوا على التشوهات التي حدثت في منظومتهم الأخلاقية والسياسية، وأن يقضوا على كافة أشكال المخدرات السياسية والفنية والخلاعية التي قوضت حضارتهم عقودًا من الزمان، وأن ينتج العرب والمسلمون منظومة حضارية جديدة تستطيع أن تقدم مخترعات ومنتجات جديدة للإنسانية، ثقافية وصناعية وحضارية، بعد أن ظللنا عقودًا لا نخترع فيها شيئًا سوى النرجيلة والحشيش والقات وكافة أشكال المخدرات التي تذهب العقل وتؤدي إلى الهروب من واقعنا الأليم.

 

·        معالم القوة الناعمة للحضارة الإسلامية:

 

إن أهم معالم الحضارة الإسلامية هي تلك المأخوذة من الإسلام، فالمسلمون أول من اخترعوا قواعد الحكم الرشيد والفصل بين السلطات، عندما جلس الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمام قاض مسلم يفصل بينه وبين يهودي، فيحكم القاضي لليهودي بعد أن أجلس الاثنان أمامه في مساواة، وقال للإمام قدم حجتك مثلما قال لليهودي، وهذا ما أدى إلى تلك الصدمة الحضارية لدى اليهودي الذي أعلن إسلامه على الفور وقال أن هذه هي أخلاق الأنبياء.

 

ومساءلة الحاكم هي من أولى ما أرساه الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عندما قال في خطبته الأولى لقد وليت عليكم ولست بخيركم، إن أطعت الله فأطيعوني وإن أسأت فقوموني، وهذا خطاب لم يعهده الناس من قبل في التاريخ؛ حيث كانت الملوك تؤمر وتطاع ولا تريهم إلا ما ترى وتهديهم سبيل الرشاد، وذلك كان في كل عصر ومصر، وتلك الأدبيات الإسلامية الرفيعة بعد أن ترجمت إلى اللغات الغربية هي التي أدت إلى أن قام مفكرو عصر النهضة بإعادة صياغة افكارهم، بل إن معظم أفكار الفلاسفة والمفكرين في تلك الحقبة حتى كارل ماركس نفسه، كانت لأفكارهم جذورًا إسلامية، وذلك بعد أن تناقلتها أقلام المترجمين وأدت إلى تلك الصدمة الحضارية التي قدحت زناد المفكرين ودفعتهم إلى التفكير.

 

بل إن من عناصر تباهي الغرب هو محاسبة الرؤساء والمسئولين أيًا كان موقعهم، ويتفاخرون اليوم بأشياء كان الإسلام أول من دعا إليها، مثل منع تلقي المسئول الحكومي هدية أثناء فترة عمله، وأنه إذا تلقى رئيس هدية مثلاً فإنها تكون ملكًا لمؤسسة الرئاسة وبالتالي للدولة، ولم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أرسى تلك الفضيلة بين المسلمين، وذهبت إلى الغرب واعتبروها من أساس حضارتهم ويتفاخرون بها علينا اليوم، جهلاً منهم بحضارة الإسلام، وينبهر بها المسلمون اليوم؛ جهلاً منهم بأن ذلك من أصول حضارتهم التي نسوها في غياهب التأخر الحضاري.

 

كما أن حرية التعبير عن الرأي كانت من أولى دعائم الإسلام عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يصدحوا بالحق وأن يقولوا للظالم في وجهه يا ظالم، وأنهم إن لم يفعلوا فقد تودع منهم، وأن أفضل "جهاد" هو "كلمة" ـ انظر التعبير النبوي ـ كلمة حق عند سلطان جائر، وتلك الحرية في التعبير هي التي جعلت امرأة تصدح برأيها في حضور أكابر الصحابة عندما كان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ وهو من هو ـ يخطب على المنبر، فصححت له فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر؛ حتى لم يقل أخطأ الخليفة، أو نسي الخليفة، لكنه اعترف بخطئه وساوى بين نفسه وبين المرأة الشجاعة التي تربت في بيئة الإسلام ذي الحضارة الأرقى في التاريخ.

 

كما أن مبدأ الشورى هو من أرساه النبي صلى الله عليه وسلم، فتاريخيًا كان الملوك يستشيرون ولكنهم في النهاية ينزلون على رأيهم ورأي مستشاريهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، نزل على رأي الصحابة في أحد، وخرج لملاقاة العدو بالرغم من أن التحصن في المدينة كان الأضمن والأكثر أمانًا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وليعلي من قيمة الشورى أخذ برأيهم ولم يضع لأمته حتى قاتل نزولاً على رأي الأغلبية، صلوات الله وسلامه عليه.

 

فالفصل بين السلطات ومساءلة الحاكم وحرية التعبير والشورى ـ أو ما بات يعرف بالديموقراطية اليوم ـ هي كلها من مكونات الحكم الرشيد في الإسلام، وهي التي أخذها عنا الغرب ليصيغها في بوتقة يسميها بالديموقراطية، والمسلمون أول من اخترعوها، وهم قادرون على تنقيحها وعلى مناسبتها للعصر ببعض التفكير والاجتهاد، وهم قادرون على إفراز منتجًا سياسيًا أفضل من الديموقراطية، مستقىً من مكونات الحضارة الإسلامية الراشدة، وهذا هو التحدي الأكبر اليوم أمام المسلمين ليحدثوا صدمة حضارية جديدة للغرب تفكك بنيتهم الثقافية والحضارية وتجعل من الإسلام منارة للعالم مرة ثانية.

 

فالتلاقح الحضاري أو التلاقي الحضاري كما يسميه علماء الحضارات هو ذلك الشيء الذي يؤدي إلى تنقيح الحضارات وإلى علو بعضها على بعض، فالغرب في السابق كان في الظلمات قبل أن يتلاقى حضاريًا مع المسلمين، وانبهروا بما اخترعه العلماء المسلمون من مخترعات في الطب والهندسة والفلك وحتى في الحروب، فكان المسلمون هم أول من اخترعوا الحديد الدمشقي الذي يتميز بالصلابة والمرونة في آن؛ حيث كان الأنسب لتشكيل الدروع، وهو عبارة عن مخترع إسلامي بإضافة بعض المواد للحديد لتحسين صفاته الصناعية، فأخذه الغرب عنا، كما كان المسلمون هم من اخترعوا الطوربيد البحري، وكلها أدت إلى قدح زناد عقول الغرب ليستفيقوا من أجل ألا تضيع حضارتهم، فأخذوا حضارتنا وصاغوها في نسخة غربية، حتى علوا اليوم مرة ثانية.

 

ونحن تلاقينا حضاريًا مع الغرب منذ عصور الاستعمار، وهذا أدى بلا شك إلى تحضر العرب والمسلمين من تلك التجارب مع الغرب، منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، فانتقلت إلينا الكثير من المخترعات الغربية بعد أن دخلنا في غيبوبة الصراعات الداخلية والتنافس على الدنيا والتناحر والتحول إلى ممالك وإمارات وكل مملكة لها مماليكها وجنودها الذين يتقاتلون بين بعضهم البعض، حتى دخل الصليبيون بلادنا وحرشوا بعضنا على بعض، فكان بعض الأمراء ينحاز لهم ضد المسلمين، وحدثت كل تلك الانتكاسات في تاريخ المسلمين، ولم يستفق المسلمون إلا اليوم بإصلاح أنظمتنا للحكم بعد أن كنا نرى الغرب يعقد مناظرات بين المرشحين للرئاسة ويختارون الأفضل في النهاية في ظل مؤسسات وفصل بين سلطات وإرساء للعدل، ونحن نكاد نسجد لحكامنا الذين أوردونا الموارد، وأدخلوا بلادنا في عصور الذل والاستعباد للغرب.

 

فاليوم ينهض المسلمون من جديد، ويعملون مرة ثانية على بناء مكونات حضارتهم وإصلاح بيتهم الداخلي، فاليوم الملايين هي التي تصنع الحضارة والمستقبل وتتحكم في مصيرها في الدول العربية، وما نستطيع أن نصدره لهم هو تلك المنظومة الحضارية التي تستطيع أن تفكك بنية مجتمعاتهم التي نشأت على هدم الأسرة والفساد، بل إن العقل الجمعي الغربي يتميز بالتشكك في الدين من الأساس، ولديهم إحساس عميق بفقدان اليقين وإحساس بالقلق، وهو ما عبر عنه بعض الفلاسفة الغربيين بمصطلح مثل "الأنوميا" Anomai أي تشوش القيم والفكر ومصطلح العقل الشريد الذي لا وطن له، فبالرغم من تقدم الغرب ماديًا إلا أنهم متخلفون روحيًا ولا يوجد لديهم في الغرب ما يشبع تلك النزع الأصيلة والفطرية نحو الدين.

 

إن المستقبل لهذا الدين لأن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك، وأنه لن يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله هذا الدين، وهذا هو التحدي الذي يجب على أبناء الجيل الحالي من المسلمين أن يعوه جيدًا، وأن جيلنا الحالي قد يكون الجيل الذي يعد المسرح لتفوق الإسلام في المستقبل، فالإسلام لن يغزو الآخر فكريًا إلا بعد أن ينظم بيته الداخلي أولاً، لذا يجب علينا أن نساهم جميعًا بوضع ولو لبنة واحدة في ذلك البناء الذي يتشكل الآن بالانتصار على أهم مكونات تخلف حضارتنا في السابق، ألا وهو الحكم العضوض الذي أدى إلى تأخر المسلمين، فإصلاح أنظمة الحكم في الدول الإسلامية سيكون بمثابة منصة الإنطلاق نحو مستقبل يغزو فيه الإسلامُ الآخرَ حضاريًا وروحيًا، حتى تشرق على الأرض شمس الإسلام من جديد.

 

·        كاتب وباحث إسلامي مصري.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=598

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك