الإعلام الدعوي أفكار ومساحات للتطوير
الإعلام الدعوي أفكار ومساحات للتطوير
مع انتشار الفضائيات ومواقع الإنترنت هرع الدعاة إلى تلك الوسائل الأكثر انتشارًا وحضورًا، كلٌّ يقدم ما عنده من رؤى وأفكار، مستهدفًا بذلك ملء مساحة كبيرة من ساعات البث والمشاهدة تفيد جمهورهم ومشاهديهم. كل ذلك جيد وحسن ومطلوب، ولكن هذا الإقبال والحضور لم يواكبه تجديد في الخطاب والأفكار، وابتكار طرائق جديدة في التشويق أو ما يسمى في أدبياتنا التراثية بالترغيب، بل كان خطاب الترهيب هو الغالب على أداء كثير من الدعاة باستثناءات قليلة.
- مع تعدد الفضائيات وانتشارها والحضور الملحوظ للدعاة عبر برامجها الدينية، يظل خطاب الترهيب هو الخطاب السائد باستثناءات قليلة.
- المنبر بالنسبة للداعية هو الوسيلة الأهم في توصيل خطابه الدعوي والتأثير في واقع المسلمين، مع ضرورة اقتحام الأبواب المغلقة وغشيان كل المجالس والمنتديات.
- على الدعاة تقديم المضامين الدعوية من خلال وسائل الإعلام طوال أيام العام، وربط ذلك بواقع الناس ومقاصد الشرع، وتجاوز الخطاب الوعظي المباشر إلى الخطاب الاجتماعي الواقعي.
لا تخطئ عين المراقب الحضور الملحوظ للدعاة في وسائل الإعلام، فمع انتشار الفضائيات ومواقع الإنترنت هرع الدعاة إلى تلك الوسائل الأكثر انتشارًا وحضورًا، كلٌّ يقدم ما عنده من رؤى وأفكار، مستهدفًا بذلك ملء مساحة كبيرة من ساعات البث والمشاهدة تفيد جمهورهم ومشاهديهم.
كل ذلك جيد وحسن ومطلوب، ولكن هذا الإقبال والحضور لم يواكبه تجديد في الخطاب والأفكار، وابتكار طرائق جديدة في التشويق أو ما يسمى في أدبياتنا التراثية بالترغيب، بل كان خطاب الترهيب هو الغالب على أداء كثير من الدعاة باستثناءات قليلة، فكل الذي حدث أن الشيخ انتقل من المسجد أو المنبر إلى الأستوديو، وانتقل من الكتاب إلى موقع الإنترنت، ولكنه لم يراعِ اختلاف الوسائط والجماهير وما يستدعيه هذا الاختلاف من تطوير في الخطاب والأفكار والموضوعات والمضامين، وهو ما لم يحدث في الأغلب الأعم، فقد انتقل الخطاب المسجدي الوعظي المباشر بكل محاسنه وعيوبه من المنبر إلى الأستوديو، ومن ثم فقد الدعاة التواصل المباشر مع جمهورهم، وكانت كل مواعظهم على الهواء من حيث أسلوب البث، أو في الهواء من حيث التأثير في الجمهور المستهدف.
ومن الملاحظ أن البعض هجر مسجده ومنبره بدعوى أن ساحة الإعلام أرحب وأكثر انتشارًا وتأثيرا، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضًا أن العبرة بالتأثير وإيقاظ الوعي وتصحيح المفاهيم أيًا كانت وسيلة الاتصال التي ينتقل عبرها الخطاب الدعوي.
ومن ثم، فإن علينا أن نعترف بوجود مظاهر خلل في خطابنا الدعوي، سواءً في وسائل الإعلام أو في وسائل الدعوة الأصيلة، كالمنبر الذي ينبغي أن يظل هو الوسيلة الأهم والأبرز في التأثير، مع أهمية حرص الدعاة على اقتحام الأبواب المغلقة وغشيان كل المجالس والمنتديات، وتحقيق حضور مؤثر في واقع المسلمين، وهو ما يستدعي إعادة تعريف الإعلام الإسلامي، حيث لا ينبغي حصره في قضايا العبادات الفردية والموضوعات الفقهية، بل علينا أن ندرك أن كل ما ينفع الناس في معاشهم ومعادهم هو إعلام إسلامي، وإن خلا من الاستشهاد بآية قرآنية أو حديث نبوي؛ فحلقات العلم والإيمان التي قدمها المرحوم الدكتور مصطفى محمود لجماهير المسلمين والتي بلغت 400 حلقة لم تتعمد الوعظ المباشر، ولكنها اتخذت من مجال الإعجاز العلمي وسيلة لتعميق الإيمان في نفوس المتلقين، وهو ما ينبغي مراعاته في البرامج الدعوية التي تقدم لجموع المسلمين بتنويع الخطاب والأسلوب والشكل للفكرة الواحدة من خلال مداخل متنوعة تعمق المعنى في نفس المشاهد.
خطاب موسمي
ومما يستدعي التأمل في واقعنا الدعوي تركيز الدعاة على استثمار المواسم والمناسبات الإسلامية - خصوصًا رمضان والحج - في تقديم العديد من البرامج والموضوعات والفتاوى، وهو ما حَوَّلَ التذكير بالمعاني الإسلامية إلى مناسبات سنوية لا عملٍ يومي يتواصل مع المشاهدين في كل أحوالهم وهمومهم.
ومع عدم التقليل من أهمية استثمار شرف المناسبة الإسلامية في الدعوة، علينا أن نلحظ أن تكرار الموضوعات والوجوه والأسئلة والفتاوى والبرامج يعني أن هذه البرامج لم تحدث تأثيرًا تراكميًا ووعيًا متجددًا لدى المشاهدين، ولذلك فمع كثرة الدعاة والبرامج الدعوية ما زالت أسئلة المشاهدين متشابهة ووعيهم الديني منخفضًا، حتى في قضايا العبادات والشؤون الفقهية الصغيرة، كما نلحظ غياب الحديث في الشأن العام، مقابل الإسهاب في الشأن الخاص، مع التركيز على قضايا دون أخرى قد تكون أكثر إلحاحًا وأكثر حاجة إلى بث الوعي بشأنها.
إن موسمية تقديم المضامين الدعوية من خلال وسائل الإعلام، مع جاذبيتها وأهميتها، ينبغي ألا تجعل القائمين على الشأن الدعوي بعيدين عن الساحة وقتًا طويلاً يستغله دعاة الفتنة والرذيلة في بث سمومهم وأباطيلهم بخطاب مشوق ووسائل متنوعة.
فحتى في المناسبات الإسلامية على الدعاة تجديد خطابهم وتنويع قضاياهم وربطها بواقع الناس ومقاصد الشريعة وتجاوز الخطاب الوعظي المباشر إلى الخطاب الاجتماعي والواقعي الذي يعالج قضايا الناس الحقيقية، ولا يبعدهم عن مشاكلهم وأزماتهم، فالناس ليسوا في أزمة في علاقاتهم بخالقهم فقط، بل في علاقاتهم بأنفسهم وعلاقاتهم الاجتماعية والمالية والوظيفية؛ مما يستدعي من الدعاة المساهمة في بناء السلم الأهلي والعالمي، في ظل شيوع خطاب الصراع والحروب؛ فالإسلام هو رسالة السلم الحقيقية التي ينبغي أن يروجها الدعاة ويبتعدوا عن خطاب التكفير والتفجير والتخوين والتفسيق.
رمزية الدعوة لا الدعاة
بهرت وسائل الإعلام العديد من فئات المجتمع وشرائحه، ولم يشذ الدعاة عن هذا المنحى؛ فللإعلام جاذبيته وللكاميرا والأضواء بريقها، وقد استغل البعض من تجار الإعلام ذلك لعمل "بيزنس" دعوي إذا جازت التسمية، فاختلط صوت الدعوة بحملات التسويق، ومع أن الرموز الدعوية الموجودة على وسائل الإعلام هي نفسها الرموز المعروفة، فإن الساحة خلت من رموز كثيرة كانت ستضيف الكثير والكثير، ولكن هذا لم يحدث إما بسبب عدم حرص وسائل الإعلام نفسها على إبراز رموز جديدة، أو عزوف بعض الدعاة والرموز عن الإعلام؛ لانشغالهم، أو زهدًا في الإعلام ووسائله؛ مما أدى إلى فراغ حقيقي في الساحة الإعلامية والدعوية من فرسانها ورموزها الحقيقيين.
وينبغي في هذا الصدد على القائمين على شأن الإعلام الدعوي الاهتمام بتقديم رمزية الدعوة على رمزية الدعاة، وهو ما يتحقق من خلال إبراز الدعاة الذين لهم بصمات وجهود ملحوظة على مستوى الفكر، حتى لو لم يكونوا مشهورين على الساحة الدعوية، ولكنهم يضعون نصب أعينهم أن تكون كلمة الله هي العليا لا كلمتهم هم، وأن يرتفع صوت الإسلام كما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) وكما ارتضاه المصلحون على مر العصور، لا كما نسمعه من خطابات وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، وإن ارتدت عباءة الإسلام وتكلمت بلسانه.
يبقى القول: إن أمام الدعاة والإعلام مساحات تحتاج إلى تجويد وأخرى تحتاج إلى مراجعة وثالثة تحتاج إلى تدريب وتأهيل وإعداد، وهو ما يحتاج لحديث آخر بحول الله.
المصدر: إسلاميات