سبل إصلاح القضاء في مشروع النهضة
سبل إصلاح القضاء في مشروع النهضة
أنا المسلم أرى أن أحكام الشريعة واجبة ولا يجب الحياد عنها، وأرى أنها سبيل النجاة الوحيد لهذه البشرية.
ولكني أرى نماذج سلبية في بعض الدول التي تدعي تطبيق الشريعة بسبب أخطاء يجب التعرض لها ومعالجتها بمنتهى الأمانة والوضوح، وإلا فسنعرض النموذج الإسلامي المشرق للتشويه على أيدينا. وبنظرة سريعة على واقع تلك الدول أرى أن مشكلتها الحقيقية في غياب نظام قضائي مستقل ونزيه، وهو ما يجب أن يتم معالجته بجدية وحسم.
وهنا يجب التفريق بين الأحكام التشريعية حيث يجب اللجوء في التشريع للأحكام الإلهية، و التنظيم الإداري للقضاء حيث يجب الاستعانة بأفضل النظم و أكثرها نزاهة، لضمان استقلال ونزاهة وتطوير القضاء، وسرعة البت والفصل في الأحكام.
ولذلك سأضع بين يدي الجميع عدة أسئلة أتصور أن الإجابة عليها قد تحدد إلى حد كبير رؤيتنا لإصلاح القضاء في مشروع النهضة.
· ما معيار اختيار النائب العام؟
· وما المعيار الذي سيتم اتخاذه لضمان نزاهته واستقلاليته؟ نريد نائبا عاما مستقلا يملك الجرأة على محاسبة الحكومة والرئيس في حالة وجود فساد.
· وكذلك بالنسبة للقضاة عن معيار اختيارهم و ترقيتهم؟ ومراقبة نزاهة أحكامهم؟
· ما التدابير التي اتخذتموها لضمان استقلالية أحكام القضاء عن ضغوط السلطة التنفيذية؟
· وما هي الخطة التدريبية للنائب العام، وللنواب والقضاة للارتفاع بمستوى القضاء؟
· هل ستعتمدون التخصص في القضاء؟ بمعنى هل سيتخصص قضاة في مجال الجرائم المنظمة، والمنافسات غير النزيهة، ومعاملات العملات الأجنبية، وغسيل الأموال، والجرائم المتعلقة بأسواق رأس المال، وغير ذلك. أم ستجعلون الأمر مشاعا بغير تخصصات محددة؟؟
· ما هي المعايير التي ستقيسون بها نزاهة القضاء، وسرعة تنفيذ العدالة، ومعدل تأجيل القضايا، وكيف ستعملون على حل كل هذه المعضلات.
ودعني أعرض لكم مثالا أوضح فيه كيف تم اختيار وإعداد رئيس المحكمة العليا في سنغافورة، وكيف استطاع تطوير النظام القضائي، لعلنا أن نستفيد به.
· متى تم الاختيار؟
بدأت عملية اختيار المسئول قبل توليه المسئولية بعامين كاملين، فقد بدأت العملية في عام 1988 ليتولى المسئولية عام 1990. أذكر أنني مررت بهذه التجربة من خلال شركة عالمية حيث تم اختيار رئيس مجلس الإدارة الجديد و تم تعيينه في موقع قيادي لمدة عام قبل أن يتولى منصبه الجديد.
· كيف تم الاختيار؟
قابل رئيس الوزراء كافة القضاة على انفراد وطلبت من كل واحد منهم أن يحدد بالترتيب ثلاثة أشخاص، تبعا للجدارة و الأهلية، يعتبرهم مؤهلين للمنصب، باستثنائه هو ذاته. بالإضافة إلى ذلك درس مع كل قاض القائمة التي تضم الأعضاء الممارسين لمهنة المحاماة. وللعجب تم اختيار رجلا قد ابتعد عن المحاماة منذ فترة وأصبح رئيسا لمؤسسة مالية كبرى في سنغافورة.
· السب الذي رجح اختياره؟
السبب الرئيسي هنا أن المحامي السابق كان رجلا ضليعا ذو خبرة إدارية عالية و تنقل بين مؤسسات عملاقة و وصل إلى أعلى منصب إداري فزادت خبراته جدا و توسعت مداركه، وحين يشغل منصب رئيس المحكمة العليا سوف يحدّث إدارة القضاء ويقدم فوائد و مكاسب لا توصف إلى المجتمع برمته و بالتالي ينعكس هذا على الاقتصاد.
وهكذا تم اختيار الكفاءة الإدارية المناسبة لهذا المنصب، ولكن ماذا يمكن فعله ليستعيد خبرته في القضاء وليتعرف على مشاكل النظام القضائي قبل تولي المنصب الجديد؟؟
تم حل هذه المعضلة عن طريق تعيينه قاضيا في المحكمة العليا لمدة سنة قبل تعيينه رئيسا لها.
فهل نجح في مهمته الجديدة؟؟
في خلال بضع سنين أعاد إصلاح المحاكم وحدّث إجراءاتها، كما قلص عدد القضايا المتراكمة وخفض مدة التأخير في نظر الدعاوي، وعدل القواعد والأنظمة التي يستفيد منها المحامون للمماطلة في قضاياهم وتأجيلها.
كما أدخل ثورة المعلومات إلى المحاكم لتسريع عملها، بحيث يمكن للمحامين تصنيف و تنظيم وثائقهم القضائية وإجراء عمليات البحث بواسطة الكمبيوتر.
ووضع معايير قوية لاختيار القضاة تتعلق بالأمانة و النزاهة والاستقامة و الكفاءة من خلال تقييم لجنة من أكبر المتميزين في هذا المجال.
ثم كانت النتيجة المنطقية أن احتلت سنغافورة أعلى الدرجات في المعايير الدولية لقياس كفاءة القضاة مثل "ثقة المجتمع بعدالة المؤسسة القضائية"، وتم اعتباره النظام القضائي الأفضل في قارة آسيا.
وللتأكيد على ما سبق أن ذكرته، أتحدث هنا عن النظام القضائي الإداري، أما عن التشريع فلا بديل عن الإسلام فليس هناك مجال للمقارنة أصلا!!
· كاتب مصري.
المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1645