الإنصاف في معاملة غير المسلمين

الإنصاف في معاملة غير المسلمين

أصبح من بدهيات عصرنا أننا نعيش اليوم في عالم تشابكت فيه مصالح الأمم ؛ فلم يعد من الممكن لواحدة منها بلغت من القوة ما بلغت أن تنعزل مستقلة عن غيرها مستغنية بنفسها . فنحن إذن محتاجون إلى معالم نهتدي بها في تعاملنا مع غيرنا معاملة نحقق بها مصالحنا ولا نساوم بها على ديننا . أول معلم يهدينا إليه كتاب ربنا هو أن معاملتنا لغيرنا يجب أن تؤسس على الحقائق ، حقائق الدين المتلوة ، وحقائق الواقع المشهودة . من أمثلة الحقائق الواقعية التي يخبرنا بها ربنا ويأمرنا أن نبني عليها تعاملنا قوله - تعالى - : ] إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ . بل إن في واقعنا اليوم ما هو أغرب من هذا ، فهنالك اليوم آلاف مؤلفة ممن ينتسبون إلى النصرانية في أمريكا لكنهم لا يؤمنون بأن عيسى ابن الله !
أسوق كل هذا لأقول إننا يجب أن نعامل الناس بحسب الحقائق التي نعرفها عنهم ، ولا نلزمهم باعتقاد ينكرونه مستدلين على ذلك بالقرآن الكريم . كيف أفعل مع إنسان يزعم أنه نصراني لكنه يصرح بأنه لا يعتقد بأن المسيح ابن الله ؟ هل أقول له ما دمت نصرانياً فلا بد أن تؤمن بأنه ابن الله ؛ لأنه هكذا أخبرنا كتاب ربنا ؟ في مقابل هذا إذا وجدت من يزعم أنه يهودي أو نصراني لكنه لا يؤمن بضرورة الذبح مثلاً فلن آكل طعامه ؛ لأن طعامه إنما أحل لنا بسبب أنهم يذبحون . أما الذي نعلم أنه لا يذبح فطعامه حرام حتى لو كان مسلماً ؛ فكيف إذا كان يهودياً أو نصرانياً ؟ وبمثل هذا السبب لم يعامل المسلمون نصارى بنى تغلب معاملة النصارى ؛ لأنهم
كما قال عنهم أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - : ( لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر ) .
نعم إذا وجدت فرداً أو جماعة من اليهود أو النصارى يتصفون بمثل صفات اليهود والنصارى الذين قال الله - تعالى - عنهم إنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، أو أنهم شديدو العدواة لنا ، فلن أصدق إنكارهم لهذا ؛ لأن هذه حالات قلبية يمكن أن يكونوا فيها كاذبين . بل لا بد أن يكونوا كاذبين إذا كان حالهم الظاهري يشبه حال الذين تحدث عنهم القرآن الكريم . إذا أردنا أن نعامل غيرنا معاملة منصفة ، والمعاملة المنصفة هي دائماً في مصلحتنا ، فلا بد لنا من معرفة مثل هذه الحقائق وتذكرها والالتزام بها في معاملتنا لهم ولا سيما في القضايا الكبيرة مثل قضية فلسطين . إن بعض اليهود وإن كانوا قلة هم معنا في عداوتهم للحركة الصهيونية ، بل وفي إنكارهم لقيام دولة إسرائيل ؛ فهل من الإنصاف لهم ، وهل من مصلحتنا أن نقول لهم إننا لا نفرق بين يهودي وصهيوني في حربهم لنا ؟ إن من الأمريكان ومن الأوروبيين من يهودهم ونصاراهم ومشركيهم من هم مع الحق الفلسطيني وضد الاعتداء الصهيوني ، وهم
لا يستخفون باعتقادهم هذا بل يستعلنون به كلاماً وكتابة ومواقف عملية ، أفليس من حقهم علينا أن نشكرهم على هذا ، بل ونكافئهم إن استطعنا ؟ ثم أليس من مصلحتنا أن تنشق صفوف المعتدين ويكثر عدد المنصفين ؟ كيف إذا سمع أمثال هؤلاء أن بعض المتدينين منا هم الذين لا يقدرون لهم هذا المعروف ، وهم الذين لا يميزون بين معتد ومنكر للاعتداء ومحايد لا هو معنا ولا ضدنا . أليس في هذا فتنة لهم ؟ ما هكذا كان يفعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم . ألم يقل يوم بدر عن أسارى المشركين : ( لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له )
كان سيفعل هذا مكافأة له لأنه كما قال الحافظ ابن حجر : ( كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ) .
إن الذي ينبغي أن نتذكره نحن المسلمين أن ديننا يخبرنا بأن كل إنسان يولد حين يولد على الفطرة ، وأن الشر الذي يتلبسه طارئ عليه . والشر الطارئ يختلف قوة وضعفاً من إنسان لإنسان . وقل أن تجد إنساناً فقد كل الخير الذي فطره الله عليه ، فعاد لا يرى المعروف إلا منكراً والمنكر إلا معروفاً . كلاَّ ؛ فعامة الناس فيهم شيء من نبض الفطرة ؛ ولذلك يسلم بعضهم حين تتبين له الحقيقة . ولذلك تجد فيهم الكريم والمنصف والشجاع في قول الحق . فعلينا أن نستثمر هذه الصفات الحسنة في الناس ونجازيهم عليها ؛ فذلك خير لنا ، وهو من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم .
________________________
(1) الجواب الصحيح ، ج 2 ، ص 295 .
(2) تفسير الطبري .
(3) الفتح ، ج 7 ، ص 325 .

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13564

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك