حضارة المستقبل!!
أضافه الحوار اليوم في
حضارة المستقبل!!
- أ. أحمد إسماعيل
- صحفي و كاتب سوداني
- المفارقة العجيبة في عالم اليوم، هي أن المجتمعات المسلمة تعيش أضعف حالتها، العقدية والثقافية والسلوكية، وحتى المادية..وهي حالة لم تمر بها من قبل..وفي المقابل، تعيش المجتمعات الأخرى (الغربية على وجه الخصوص) أشد حالات الرعب من التمدد الإسلامي!!..
بالأمس القريب انضمت بلجيكا إلى مجموعة الدول الأوروبية التي قررت مواجهة مظاهر التمدد الإسلامي في مجتمعاتها!!..فأقرت – في المراحل الأولى- تشريعاً يقضي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة!!..وينص مشروع القانون بمعاقبة من يرتدي هذا اللباس بالغرامة أو السجن أو الاثنتين معاً!!.
هذه هي أوروبا..المآذن تشكل هاجساً..والحجاب يشكل رعباً لديها..وكل مظاهرالسلوك الإسلامي توتر أعصابها بشكل تتساقط معه كل مظاهر الحضارة التي كانت تتباهى بها، (الحرية، والعدالة، والمساواة)!!..تلك الشعارات التي دفعت كثيراً من أبناء الجالية المسلمة، حين لم يجدوها في بلادهم، إلى الفرار إلى أوروبا، لعلهم يستردون بعض كرامتهم التي سفكها الجلادون الذين يسيطرون على أزِمّة الحكم في بلاد المسلمين!!.
والمجتمع المسلم يقوم على قاعدة الربانية، بمعنى أن الثقافة التي تشكل وجوده، والأخلاق الأساسية التي تصبع حركته وسلوك أفراده وجماعاته، والتشريعات التي تحكم مؤسساته وقيادته، وتفصل نزاعاته، كل تلك مصاغة من تعاليم الكتاب العزيز الذي أنزله رب العزة جل وعلا..
وحين كان المجتمع المسلم ملتزماً بتلك المعالم التي شكلت شخصيته، كان منارة للحضارة، وساحة لحرية الفكر، وقبلة لأنظار الدنيا..
ومن العجيب حقاً أن يتمدد الخوف منا بذلك الشكل الهستيري في العالم الغربي، في الوقت الذي تصر فيه مجتمعاتنا على طمس كل معالم شخصيتها الإسلامية..وتجتهد في التبلس بالقناع الغربي..حفل تنكري لا مثيل له..
ضحكت كثيراً عندما قرأت في أحد مواقع الويب، خبراً يقول (إسرائيل تصف السينما المصرية بالإغراق في موجة الجنس والدعارة)!!..
أليس هذا مذهلاً..حين يتحدث اليهود الذي أسسوا لثقافة الجنس، ووضعوا قواعد العهر في العالم اليوم، عن إغراقنا في موجة الدعارة!!..
وفي نفس الوقت يقوم مؤتمر – سُمي علمياً- في تركيا، بمراجعة التراث الفقهي المتصل بالرؤية الإسلامية للمجتمعات غير المسلمة..ويقرر إلغاء المصطلحات التي توافق عليها الفقهاء السابقون مثل (دار الإسلام) و(دار الكفر)!!..
وينتصب كل يوم منا إمام، أو فقيه، يصرخ ضد النقاب، والحجاب..مناصراً للرؤى الغربية!!..
ومع كل ذلك..ترتعب أوروبا منا!!..وترتجف أوصالها من كل مظهر ضعيف مضطهد يظهر عندها، بعد أن فرّ بدينه من ظلم ذوي القربى!!..
ليست القضية في أوروبا هي إرهاب القاعدة، ولا سيوف المحاربين المسلمين، كما يحلوا للبسطاء السذج أن يصوروا!!..بل ولا حتى مجرد (تمييز ضد الجالية المسلمة) كما يبدو من ظاهر الأفعال.. إن القضية أكبر من ذلك بكثير..
لقد كانت بلجيكا الذي أقرت تشريع حظر النقاب، كانت من اكثر بلدان أوروبا – على الأقل من ناحية الرسمية- محاربة للتمييز الذي يمارسه بعض أصحاب العمل ضد العاملين المسلمين، إلى درجة أن الملك نفسه يتدخل في قضية عاملة مسلمة طردها صاحب عملها!!..
القضية في أروربا، أن الرعب من الفيضان الإسلامي، الذي يتزايد، بحساب المواليد فقط، يقول بصورة واضحة، إن الحضارة الغربية لم يبق أمامها سوى سنوات قليلة حتى تحرر لها شهادة وفاة في عقر دارها!!..
ولما كانت أوروبا عاجزة تماماً عن السيطرة على أرقام المواليد، فلم يعد أمامها إلا أن تخوض صراع الحضارة مع الجاليات المسلمة..هذا الصراع بدأ بما يسمى بسياسات (دمج المسلمين في المجتمعات الأوروبية).. ولكن الزمن ليس في صالح أوروبا حتى تنتظر النتائج البطيئة لتلك السياسة..فقررت أن تخوض حرباً تشريعية ضد سيادة الحضارة الإسلامية، بمحاربة مظاهرها..وتصدر قيادة هذه المعركة اليمينيون المسيحيون، وانساق وراءهم الآخرون!!..وأروربا لا تحفل بالمسيحية حقيقة ولا بعقائدها، وإنما تعتبرها عنوان لحضارتها، ولهذا هي تدافع عنها ضد ما تراه حضارة وافدة..
أليس مخجلاً أن يا مجتمعات المسلمين، أن تكافح حضارة (محتضرة) كل هذا الكفاح للبقاء، بينما نحن الذين نمتلك حضارة المستقبل، نتجتهد هذا الاجتهاد في التنكر لها، ورميها خلف ظهورنا، ونتلبس بحضارة في طريقها إلى القبر!!. - المصدر: http://www.meshkat.net/node/13578
الحوار الخارجي: