الديون الخارجية والاقتصاد الاسلامي
الديون الخارجية والاقتصاد الاسلامي
! الاقتصاد العالمي مؤخرا بهزات اقتصادية وتداعى علماء الاقتصاد الى دراستها وتقديم الحلول ، فمنهم من صرّح علانية بأن الحل هو الرجوع الى النظام الاسلامي القائم على تحريم الفائدة " الربا " والقسم الآخر تحاشى هذا الطرح وقال بأن الحل هو أن تكون الفائدة صفر وسبق ذلك أن كانت نتيجة المصارف الربوية في دول العالم الثالث الوصول الى نقطة حرجة أدت الى قيام أزمة الديون الدولية حتى أن بعض البلدان تدخلت للحيلولة دون انهيار بعض المصارف الكبرى وما ينطوي عليه ذلك من عواقب لايمكن التنبؤ بها للنظام المالي الدولي
1: تراجع النمو الاقتصادي وتعاظمت الديون الخارجية في العديد من دول العالم وخاصة الدول الفقيرة وعلى رأسها الدول العربية والاسلامية نتيجة تنفيذ مخططات أجنبية تحت مسميات عدة تتظاهر بالرحمة والمساعدة ومد يد العون والنصح والارشاد ولكنها في الحقيقة تعمل على تنفيذ مخططات واستراتيجيات لصرف الدول الفقيرة عن الصناعات والفعاليات الاقتصادية المنتجة والناهضة بمستوى الدخل ألى أساليب أخرى لهدم اقتصاديات هذه البلدان وفرض املاءات سياسية لخدمة مصالح الغرب ، لتحطيم الشعوب واشغال حكومات هذه الدول بالانفاق الباهظ من ميزانياتها على أمور جانبية ماكان لها أن تكون ، لذا نشأت وتعاظمت مشكلة الديون وتبعها هيمنة أجنبية على مقدرات وقرارات هذه الدول تحت مسميات منها " المساعدات الخارجية " والاستدانة بالفائدة المحرمة شرعا التي ضاعفت مقدار الديون أضعافا مضاعفة ، وصاحب هذه المساعدات والديون شروط وتدخلات في السياسات الداخلية فتبقى هذه الدول تدور في مشاكلها وتشغل بالها في تسديد هذه الديون فقط ، وخيراتها ومقدراتها مستنزفة ، وبالتالي رضيت بوضعها القائم وانشغلت بالفتن التي تظهر كل يوم في ثوب جديد .
2: أدى الانغماس بالديون الخارجية وما رافقه من تدخلات في الامور الداخلية تارة بحجة الاصلاح وتقديم المشورة وتارة أخرى بحجة حماية مصالحهم والحفاظ على حقوقهم كدائنين الى تدهر اقتصاد الدول الفقيرة والهبوط الحاد للعملات النقدية وقيمتها الشرائية ، وازداد التضخم وارتفعت اسعار السلع والخدمات ، واستشرى معدل الديون ، حتى وصل الامر ببعض الدول التي كانت تصدّر القمح مثلا لدول العالم ان تستورد القمح لقاء نزيف العملة الصعبة من البلد ، ولو استعرضنا هذه الدول الفقيرة لوجدناها غنية بأراضيها ومعادنها ومزروعاتها ووفرة الايدي العاملة وكثرة مفكريها وعلمائها وخبرائها في شتى الميادين الذين منهم من هو حجر الاساس لنجاح اقتصاديات الغرب ، ولكنهم لم يجدوا في بلدانهم من يحتضنهم ويستغل أفكارهم وقدراتهم .
3: ولو أمعنا النظر في أحد شروط المؤسسات الدولية القيّمة على المساعدات والقروض وهو فرض تحديد النسل على الدول الفقيرة المستفيدة من المساعدات والديون تحت مظلة الانفجار السكاني وما تبع ذلك من هبوط مستوى المواليد وتفكك الاسر وانتشار المخدرات واستفحال الامراض وغير ذلك من العوامل المدمرة للمجتمعات .
4: يرى الغرب ان هذه الدول الفقيرة غير مؤهلة لإنشاء مشاريع استثمار في بلدانهم دون رقابة واشراف مباشر منهم تحت مسمى المعونات ، وهم بذلك يسعون الى السيطرة الكاملة على جميع مناحي الحياة وليحكموا قبضتهم ويمنعوا قيام ونهوض هذه الدول ولتبقى سوق استهلاكي لمنتجاتهم فقط ، علما بأن الشريعة الاسلامية تحفل بالنصوص القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة واجتهادات الفقهاء التي لايسع المجال لذكرها تحث وتشجع على الانتاج والاستثمار بما يحقق الكفاية في جميع جوانب الحياة .
5: أصيب الاقتصاد العالمي مؤخرا بهزات اقتصادية وتداعى علماء الاقتصاد الى دراستها وتقديم الحلول ، فمنهم من صرّح علانية بأن الحل هو الرجوع الى النظام الاسلامي القائم على تحريم الفائدة " الربا " والقسم الآخر تحاشى هذا الطرح وقال بأن الحل هو أن تكون الفائدة صفر! وسبق ذلك أن كانت نتيجة المصارف الربوية في دول العالم الثالث الوصول الى نقطة حرجة أدت الى قيام أزمة الديون الدولية حتى أن بعض البلدان تدخلت للحيلولة دون انهيار بعض المصارف الكبرى وما ينطوي عليه ذلك من عواقب لايمكن التنبؤ بها للنظام المالي الدولي ، وتعرضت سياسة الاقراض التي انتهجتها المصارف الربوية للنقد وثارت التساؤلات حول امكانية تجنب أزمة الديون وما أعقبها من أعباء تصحيحية وخاصة للقطاعات الفقيرة من شعوب البلدان النامية .
6: وعند الاجابة على تساؤل هل من الممكن أن يؤدي الالتزام بالمبادئ المصرفية الاسلامية في عمليات التمويل الدولية الى منع ظهور أزمات الديون ؟ فإن التقييم المتفائل يعتمد على أن سياسة الاقراض في المصارف الربوية قائمة على حماية مصالحها لذلك إذا توفر الدخل الثابت المضمون الذي يغطي القسط المطلوب وتوفر الرهن المطلوب فإن المصرف الربوي عندها لايهمه جدوى المشروع أو امكانية نجاحه طالما القرض مضمون ، أما المصرف الاسلامي ومن منطلق أنه شريك في الربح والخسارة فإنه يحرص على دراسة جدوى المشروع والتأكد من نجاحه وتحقيق الربح ، عندها سيتم تسديد القرض ولا يحصل تراكم ديوان وبيع اصول لمشاريع فشلت ، أما الربوية فإنها اذا خسر المشروع يقوموا ببيع الرهن وأخذ رأسمالهم ويترك صاحب المشروع غارقا في ديون تتراكم عليه .
7: ولكي يتسنى منع قيام مشاكل تتعلق بخدمة الديون للاقتصاد الكلي بالمعنى الاعم يجب مراعاة معيار آخر اضافي في تقييم مشاريع الاقتصاد الجزئي ، أي قدرة المشروع على كسب النقد الاجنبي ، وهذه المقدرة يجب أن تكون أكبر من التحويلات المتوقعة لممولي المشروع الخارجيين ، وهنا من الأهمية بمكان معرفة الأساس الذي عليه تقدم الأموال الخارجية ، هل هو أساس الفائدة " الربا " أم المشاركة في الارباح والخسائر ، وهذا له تأثير في حالة عدم قيام المشروع بالاداء المتوقع ، عندئذ سيؤدي التمويل على أساس المشاركة في الارباح والخسائر إلى خفض المطالب الخارجية كون المشاركة في الخطر لها ثمن .
ويجب التنبيه الى أن الالتزام بالمبادئ المصرفية الاسلامية وحدها لا يمكن أن يحول دون قيام مشاكل تتعلق بالديون الخارجية ، كما أنها لا تقلل حتى من احتمال حدوث هذه المشاكل ، إذ لابد من تشكل قدرة توليد للنقد الاجنبي لمشروع ما حتى يمنع قيام مشاكل تتعلق بخدمة الديون والسيولة الجدولية ، والالتزام بالمبادئ المصرفية الاسلامية يمكنه في حالة واحدة التخفيف من وطأة الالتزامات التحويلية والتقليل من خطر نشوب أزمات الديون ، وخاصة إذا تسبب حدث خارجي مثل خفض حاد في أسعار بند التصدير الرئيسي في تقليل ربحية الاستثمارات الاجنبية محسوبة بالعملة المحلية ، وليس في تقليل الإيرادات من النقد الاجنبي للدولة فقط ، وإذا كانت الاستثمارات الأجنبية يجري تمويلها بقروض ذات فائدة ربوية ، فإن إلتزامات التحويل ستستمر وقد تتسبب في حدوث أزمات في النقد الأجنبي ، أما إذا كانت الاستثمارات الاجنبية تمول على أساس المشاركة في الارباح والخسائر ، فإن الربحية المخفضة في النقد المحلي ستؤدي الى خفض متناسب مع التزامات التحويل ، وفي هذه الحالة يقل احتمال حدوث أزمة في النقد الاجنبي ، ولكن إذا تسبب العامل الخارجي في حدوث انكماش عام ، وإذا كانت غالبية الاستثمارات الاجنبية تمول على أساس المشاركة في الارباح والخسائر ، فإن أثر تخفيف حدة الحالة سيكون كبيرا ، وإلا فإنه لن تكون هنالك صلة ذات بال بين نمط تمويل المشاريع وربحية مشروع بعينه في النقد المحلي ، والوفرة العامة للنقد الاجنبي ، ولا يستبعد حدوث إعانة أو إغاثة وخفض في احتمال قيام أزمة ديون إذا كانت الاستثمارات الاجنبية تمول على أساس المشاركة في الارباح والخسائر ، ولكن الأثر الكمي مرهون بصفة أساسية بعدد ونوع المشاريع الممولة على أساس المشاركة في الارباح والخسائر ، وإذ أخذ هذا بعين الاعتبار إضافة إلى أن المصارف الاسلامية قد أبدت أفضلية للأنماط الخاصة بتمويل المشاريع على أساس عدم المشاركة في الارباح والخسائر فإن مما لاشك فيه أن المبادئ المصرفية الاسلامية لن تكون نوعا من العلاج التام لمشاكل ديون العالم الثالث .
8: وللمساهمة في التخفيف من وطأة الديون الخارجية وأثارها السلبية يجب التنبه والتركيز على الجوانب التالية :
أولا : العودة الى تطبيق الاقتصاد الاسلامي في الدول الاسلامية الذي سيسهم في حل العديد من المشكلات الاقتصادية ، وبذلك تتخلص هذه الدول من التبعية الاقتصادية لدول الغرب التي يقوم اقتصادها على الاقتصاد الرأسمالي .
ثانيا : البعد عن التعامل بالفائدة " الربا " الذي حرّمه الله سبحانه وتعالى لما له من أضرار وخيمة ، يقول تعالى "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ "[1] ، والتحول الى طرق التمويل الاسلامية كالمشاركة والمضاربة وبيع السلم القائمة على المشاركة في الارباح والخسائر ، وبالتالي تضطر مؤسسات التمويل الى دراسة جدوى أي مشروع مقدم كونها مشاركة في الربح والخسارة .
ثالثا : الاهتمام بفريضة الزكاة لتقوم بدورها الفعّال في التنمية الاقتصادية ، وتفعيل مصرف " الغارمين " الوارد في مصارف الزكاة التي حددها الله سبحانه وتعالى في قوله " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "[2].
رابعا : الاهتمام بمؤسسات التمويل الاسلامية ، والتوسع في انشاء المصارف الاسلامية ، ودعم ومساندة وتشجيع القائم منها ، وتطوير أساليبها وطرق استثماراتها وفق الشريعة الاسلامية ، وتقديم التسهيلات وإزالة العقبات أمام المقترضين ، وإزالة ماعلق بها من اجراءات ومعاملات جعلت البعض يشكك فيها والبعض الآخر يحجم عن التعامل من خلالها ، وتوجيهها لمشروعات التنمية التي تساهم في الحد من التبعية الاقتصادية .
خامسا : دراسة امكانيات تكتل الدول الاسلامية ضمن اطار سوق اسلامية مشتركة إسوة بالتكتلات الاقتصادية المنتشرة في العالم ، مما يساعد ويعمل على التحرر من التبعية الاقتصادية للغرب .
سادسا : تشجيع التبادل التجاري بين الدول الاسلامية من خلال الغاء القيود ، وتحسين شروط التبادل التجاري بينها ، وتخفيض الرسوم الجمركية والضرائب الاخرى على السلع ، وحمايتها من منافسة السلع الاجنبية التي تستنزف العملة الصعبة من البلدان الاسلامية .
سابعا : تقدير وتنمية وتطوير القدرات والكفاءات والعقول الاسلامية ، والاهتمام بالعمالة الاسلامية وتأهيلها وتدريبها .
ثامنا : الاهتمام بالمناطق الريفية والبادية وتحسين البنية التحتية والخدمات فيها لتشجيع أبنائها على العودة اليها والاهتمام بالانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني مما يحقق الكفاية في مجال الزراعة ، وتحقيق الامن الغذائي في الدول الاسلامية ، وكسر احتكار دول الغرب للغذاء ، والتعويض عن استيراد المنتوجات الزراعية والحيوانية التي تهدر احتياطات البلد من العملة الصعبة .
تاسعا : التوسع في اقامة المشاريع العربية المشتركة التي يشترك فيها المال المتوفر في بعض الدول مع الايدي العاملة في دول أخرى ، والبيئة المناسبة في غيرها ، والكفاءات والعقول المبدعة عند الاخر .
عاشرا : تهيئة وتحسين ظروف الاستثمار في الدول الاسلامية لجذب رأس المال والمستثمرين ، من خلال توفير الأمن والأمان وتسهيل الاجراءت وتبسيطها وعدم تعقيدها ، عندها ستعود رؤوس الاموال الكبيرة التي تستثمر في الغرب الى الدول الاسلامية التي هي بأمس الحاجة اليها ، والحرص على إعادة النظر في نمط التوظيفات المالية العربية في الخارج والعمل على تحويلها إلى أصول إنتاجية في الدول العربية نفسها.
حادي عشر : البعد عن البذخ والتبذير والاسراف الاستهلاكي الشخصي والحكومي تطبيقا لقوله تعالى " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "[3] وقال سبحانه وتعالى "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا "[4] واعتماد سلم الاولويات في الاستهلاك : الضروريات ثم الحاجيات والتحسينيات ، والتقليل قدر الامكان من الكماليات .
[1] ـ سورة البقرة الآية 275-276
[2] ـ سورة التوبة الآية 60
[3] ـ سورة الاعراف الآية 31
[4] ـ سورة الاسراء الآية 26-27
المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1714