غرائز التطرف

غرائز التطرف

 

أ. أحمد دعدوش*

 

قبل نحو ألفي عام، تساءل القائد الروماني "سلا" بعد انتصاره على "ميثراديتس": لم يعد لدينا الآن أعداء في هذا العالم؛ فما هو مصير جمهورية روما؟

وكانت الإجابة سيئة بالفعل كما توقع، إذ سرعان ما انهارت روما فور اعتيادها حياة الدعة والترف، وهذا بالضبط ما تخشاه اليوم إمبراطورية واشنطن منذ نبّه الرئيس السابق بيل كلنتون الأمريكيين في خطابه المشهور عام 1999 إلى ضرورة الاستعداد للعيش في عالم لن يتربعوا طويلاً على قمته

 

 

·        فضيلة الحرب الباردة :

مع بزوغ الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية؛ أبدع السفير الأمريكي في موسكو "جورج كينان" نظرية الاحتواء التي أصبحت المرجع الرئيس لصياغة سياسات واشنطن تجاه الاتحاد السوفييتي، وبالرغم مما لقيته من نقد فقد أعيدت صياغتها في نظريات أخرى كسياسة حافة الهاوية لوزير خارجية آيزنهاور "جون فورستر دالس" وسياسة الردع النووي، إلى أن قام كيسنجر بتلطيفها في عهد نيكسون تحت اسم “الوفاق” لتبدو أكثر ملاءمة مع توسع الصراع تجاه الكتلة الشيوعية الآخذة بالتوسع، والتي خرجت عن إطار "الستار الحديدي" لتمتد من حدود كوريا الشمالية شرقًا إلى كوبا المتاخمة لشواطئ أمريكا في الغرب.

وخلال أربعة عقود؛ لم تتردد واشنطن في تبرير جميع تدخلاتها السياسية حول العالم بواجبها تجاه تحقيق الحرية، بدءاً من برامج الدعم العسكري والنووي (إسرائيل)، وإقامة الأحلاف (النيتو، بغداد، السياتو، واليابان)، وخوض الحروب بالوكالة (فييتنام، وكوريا)، ودعم "مقاتلي الحرية" (أفغانستان، وأمريكا الجنوبية)، ومروراً بالمعونات الأجنبية الاقتصادية والعسكرية (تركيا، اليونان، مصر، وخطة مارشال) واستخدام الوسائل غير النظيفة (بيع السلاح لإيران والعراق، وتجارة الأفيون)، وانتهاءً بالانقلاب على صدام حسين وإعلان قيام النظام العالمي الجديد.

في الستينيات حققت قوى الليبراليين واليسار ومناهضي الحرب انتشاراً شعبياً كبيراً بعد الفشل الذريع في فييتنام، وكادت حركات التحرر والانحلال الأخلاقي والهيبيز أن تدمر كل مكتسبات الحضارة وتؤول بالجيل الصاعد إلى العدمية والعبث، لذا نشأت قوة أخلاقية مضادة أدى نموها إلى التحالف العفوي في الثمانينيات بين الأصوليين والرأسماليين الكبار والعنصريين والجمهوريين ليشكلوا بمجموعهم قوى اليمين بالرغم من تفاوت بعض رؤى هذه الأطياف حول القضايا الأخلاقية والتدخل الحكومي في الاقتصاد، وذلك حسب مؤرخي المحافظين الجدد مثل موري فريدمان ودوجلاس مايسي.

وسواء كانت الغلبة لليمين أو لليسار؛ استمتع الشعب الأمريكي بحيازته لنصف ثروات العالم -وهو لا يشكل أكثر من 6.3% من تعداد سكانه- إلى جانب استمتاعه أيضاً بخطب السياسيين المخدرة للضمائر تحت مبررات حماية الحرية وراء البحار، وكان الحفاظ على هذا التوازن -حسب نصيحة كينان- هو الشغل الشاغل للإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي ورثت عن أبراهام لنكولن مخاوفه بعد الحرب مع بريطانيا من عودة مشاعر الكراهية بين الأمريكيين أنفسهم بدلاً من انشغالهم بالعدو الخارجي، وهو ما أكده مستشار غورباتشوف صراحة عندما خاطب نظراءه في واشنطن معلقاً على انهيار الاتحاد السوفييتي بالقول: نحن نقوم بأمر مرعب لكم، فنحن نحرمكم من وجود العدو!

·        البحث عن عدو جديد :

في بداية التسعينيات؛ حبس العالم أنفاسه مترقباً أبعاد "النظام العالمي الجديد" الذي أعلن بوش الأب عن قيامه بعد سقوط العدو الشيوعي. وبالتزامن مع نشوة الانتصار على الممثل "العربي- الإسلامي" للاشتراكية وطرده من الكويت؛ استهل عالم المستقبليات "آلفين توفلر" المرحلة بمباركة السلاح فوق الحداثي (الأمريكي) الذي لم يعد اللحاق به ممكناً، ليضم إلى مشروعه الفكري القائم على "صدمة المستقبل" و"الموجة الثالثة" قوةَ السلاح الذي لا يقهر، حيث تتضافر أيديولوجيا الحرية ورخاء الرأسمالية مع قوة التكنولوجيا لتقدم المثال الأسمى للتطور البشري. وفي الوقت نفسه؛ عرض فرانسيس فوكوياما -الأمريكي من أصل ياباني- نظريته حول "نهاية التاريخ"، زاعماً وصول التطور الحضاري البشري إلى غايته مع نضوج الديمقراطية الرأسمالية وفقاً للنموذج الأمريكي، ولم تكن هذه النظرية لتلقى حظها من الرواج لو ظهرت في الستينيات لجرأتها على استعارة الأطر الفلسفية الجدلية للماركسية بل وظهورها في هيئة تبشيرية دينية.

بيد أن الاحتفاء اليميني بهذه النظرية مهّد الطريق أمام صموئيل هنتنجتون لنشر مقاله الشهير حول "الإطار الأمني المتغير والمصالح الأمريكية" في مجلة "فورن أفيرز" عام 1993، وهو المقال الذي عدّه كيسنجر أفضل ما صدر منذ مقال كينان حول نظرية الاحتواء في المجلة نفسها عام 1947، ثم أعاد هنتنجتون التنظير لفكرته في كتابه الشهير "صراع الحضارات"، والتي تتلخص في تقسيم العالم إلى حضارات سبع، تتقدمها الحضارة الغربية سياسياً واقتصادياً وفكرياً، وتسعى كل من حضارتي الإسلام والكونفوشيوسية الصينية للصراع معها على الصدارة، مع التنبيه إلى خطورة استحالة تهجين الإسلام دون غيره وحتمية الصراع معه في النهاية.

 في أكتوبر 1997؛ أتبع هنتنجتون نظريته بمقال مهم في المجلة نفسها حول "تآكل المصالح القومية الأمريكية"، يقر فيه بما أعلنته لجنة المصالح القومية الأمريكية من تهديد لسيادة أمريكا على العالم، إذ يتحسر على تراجع بلاده عن مرحلة "الدفع إلى الخارج" عبر الاستثمار والإقراض والمعونات لشراء ولاء الحلفاء حول العالم إلى مرحلة "السحب نحو الداخل" والاكتفاء بالاستثمار المحلي وتحويلات المهاجرين، ويبحث عن عدو جديد يعيد الحياة إلى القطاع العسكري الذي كان يدرّ على الحكومة الكثير خلال الحرب الباردة قبل أن تنخفض حصتها إلى 19% من مجمل الناتج القومي.

في تلك الأثناء؛ كان المد اليميني يتوسع عالمياً أكثر من أي وقت مضى، فحركة طالبان تحوّل أفغانستان إلى غرفة عمليات "القاعدة" ذات الطموح العالمي، وأسطورة السلام تُجهض على يد حكومة الليكود، واليمين الإنجيلي الأمريكي -الذي بدأ بتنظيم صفوفه منذ الأربعينيات حسب دوجلاس مايسي- بات أكثر نفوذاً على الساحة الإعلامية، فظهرت قناة فوكس نيوز -التي انطلقت عام 1996- كمنافس قوي لقناة CNN، وانتشرت موجة الإذاعات اليمينية التي تحول مقدمو برامجها الحوارية إلى خطباء حماسيين دون أن تجد منافسة كبيرة من مثيلاتها الليبرالية، كما أتقنت هوليود دور بث الرعب في نفوس الأمريكيين، وتولت القنوات المحلية مهمة شيطنة العرب والمسلمين عبر إعادة عرض أفلام الإرهاب أسبوعياً، مثل فيلم "الحصار" الذي أقنع الشعب بسهولة تجاوز الدستور ومحاصرة آلاف المسلمين من سكان نيويورك في معسكرات جماعية إثر تهديد إرهابي، وفيلم "أكاذيب حقيقية" الذي يكاد العرب يسيطرون فيه على البلاد بتحريض الخلايا الإرهابية النائمة، وهو الذي لعب بطولته "شوارزنيغر" الحاكم الحالي لولاية كالفورنيا الأغنى بين جميع الولايات.

على الجانب السياسي؛ قدّم منظرو اليمين المتطرف سنة 1993 إلى إدارة كلينتون "مشروع القرن الأمريكي"، والذي يتضمن توصياتهم للحفاظ على سيادة أمريكا للعالم قرناً آخر، وبالرغم من حرص كلينتون على إرضاء جميع الأطراف إلا أن جذور نشأته في الجنوب الأمريكي المتشدد لم تشفع له، بل تحوّل إلى موضوع للسخرية في الإعلام المحافظ لعجزه عن تجاوز ما دُبر له من فضائح جنسية، وكانت النهاية مع فشله في احتواء "القاعدة" التي رشحت نفسها للقيام بدور العدو في انفجارات كينيا وتنزانيا عام 1998، وعجزه عن إقحام بلاده في مهزلة إسقاط حكومة صدام حسين المُحاصرة ومنزوعة السلاح.

·        عقد التطرف العالمي :

مع مطلع الألفية الجديدة؛ كان الطريق ممهداً بسهولة لوصول أكثر الرؤساء هوساً في تاريخ الولايات المتحدة إلى البيت الأبيض، في الوقت الذي استشعر فيه عقلاء العالم بوادر الخطر المقبل، ولكن تحركهم جاء متأخراً، فلم يفلح الرئيس الإيراني محمد خاتمي في إقناع العالم بفكرة الحوار بين الحضارات، ولم يكترث أحد لإعلان الأمم المتحدة عام 2001 عاماً لحوار الحضارات، بل ملأت أنباء هجمات الحادي عشر من أيلول -التي ما زال يلفها الغموض- سمع وبصر العالم أكثر من أي شيء آخر، وربما لم يسمع أحد بمحاولة تركيا سنة 2002 لإقامة لقاء حواري بين العالم الإسلامي والاتحاد الأوربي، إذ كان دويّ الطائرات في سماء أفغانستان أعلى من كل دعوات السلام، كما كانت أصوات المنددين بعمليات القتل والهدم اليومي لقمع الانتفاضة على يد شارون الدموي أضعف من أن تصل إلى مسامع الغرب، ولم يعد لدى أنصار السلام والحوار ودعاة الديمقراطية من حجة أمام سقوط كل حركات الاحتجاج العالمي لمنع بوش وبلير من احتلال دولة مستقلة وإسقاط حكومتها، ولم يجد الكاتب الفرنسي "جان كلود موريس" عنواناً أفضل لكتابه من "لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه" والذي نقل فيه عن الرئيس جاك شيراك تفاصيل الاتصال الهاتفي مع بوش الابن، حيث حاول الأخير إقناع الرئيس الفرنسي العلماني بأنه تلقى إشارات من الإله لتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج" بالقرب من مدينة بابل القديمة!

·        التطرف بين صعود وهبوط :

احتاج الشعب الأمريكي لثمان سنوات كي يَعي نتائج سوء اختياره لحكومة يمينية متطرفة لم توفر الوقت منذ يومها الأول لتنفيذ "مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي أعيدت صياغته لتلائم تطلعات بوش وتشيني، إذ كلّفهم هذا التطرف الوقوع في أخطر أزمة اقتصادية في تاريخهم بعد فترة رخاء باتت في حكم الماضي، وفي 2009 هلل العالم كله لوصول أوباما -الديمقراطي ومن أب أفريقي مسلم- إلى البيت الأبيض بعد نجاح زميلته نانسي بيلوسي في رئاسة مجلس النواب في الكونغرس عام 2007، كما هلّل الليبراليون العرب لإنقاذ ماء وجوههم بعد أن خذلتهم أمريكا، وشهد لهم توماس فريدمان بأن فوز أوباما ليس نهاية للحرب الأهلية الأميركية فحسب، بل هزيمة للتطرف الأميركي في الداخل وبداية للمواجهة الجادة مع التطرف في الخارج.

ولكن هذه البشائر سرعان ما تبددت، فتراجع أوباما في استفتاء مجلة Ask Men حول أكثر الرجال الأمريكيين نفوذاً من المركز الرابع في تصنيف العام 2009 إلى المركز الواحد والعشرين في أكتوبر 2010، إذ لم ينجح في تحقيق الكثير من وعود الإنعاش الاقتصادي، كما لم يحقق نجاحاً يُذكر في السياسة الخارجية مع حرص وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على استرضاء اليمين. وفي المقابل يزداد تعنت اليمين "الإسرائيلي" الذي حقق أغلبية في الكنيست مطلع عام 2009، ويستمر نجاح أحمدي نجاد في قمع المعارضة والإخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط على حساب حلفاء الولايات المتحدة، وينتهز الإعلام اليميني هذه الأوضاع لحشد آلاف المتظاهرين في واشنطن لإقناع الجماهير بأن ثمة رئيس مسلم يدير البلاد، إذ تكفي هذه التهمة للانشغال بها عن عرقه الأسود حتى لدى أكثرهم عنصرية، ويستعيد الجمهوريين أغلبية مقاعد مجلس النواب مجددا، فيما يشير بعض المحللين إلى أن انتخاب أوباما لم يكن سوى حالة اندفاع عاطفي استغلها الرئيس الشاب بشخصيته الساحرة وفداحة أخطاء الإدارة السابقة.

وفي أوربا التي طالما فاخرت بإرثها الليبرالي حتى في أكثر دولها انفتاحاً؛ تحقق أحزاب اليمين نسباً غير مسبوقة من أصوات الناخبين، تتراوح بين 8.3% في إيطاليا و11.9% في فرنسا و15.5% في هولندا و 22.9% في النرويج، وصولاً إلى 28.9% في سويسرا(!) وقد يضطر مؤلفا كتاب "أمة اليمين.. قوة المحافظين في أمريكا" الصادر سنة 2005 إلى مراجعة ملاحظتهما لمحافظة الشعب الأمريكي مقارنة بأوربا "المنفتحة".

أما في المحيط العربي والإسلامي، فقد سقطعت جهود عقود ماضية للتقريب بين المذاهب والطوائف ونشر ثقافة اللاعنف، وبات من الممكن لبضع عمليات اغتيال -ما زالت مجهولة المصدر- في لبنان أن تستحضر شبح الحرب الأهلية، والأمر نفسه تجسد على أرض الواقع في العراق، وكان لا بد للعقلاء في جميع الأطراف من الانتظار بضع شهور أو سنين لتعي الجماهير رجحان كفة التدخل الخارجي في معظم ما يجري في الداخل من فتن، ويبدو أن الأمور ستبقى على كف عفريت إلى أجل غير منظور طالما ظل العقلاء مغيبين عن الساحة التي تستعد الجماهير للنزول إليها بكامل أسلحتهم بعد وقائع حاسمة من قبيل: مباراة لكرة القدم بين مصر والجزائر، أو إعلان "شيخ" طائفي في سن الثلاثين لم يسمع به أحد للشماتة من أم المؤمنين!

·        هل نعيد الأمل؟

بالرغم من تزايد نفوذ اليمين في أمريكا وأوربا في الأوساط الإعلامية ومواقع اتخاذ القرار خلال العقدين الأخيرين؛ فقد ظلت الغلبة دائماً لليسار والأفكار الليبرالية المعتدلة في الأوساط الثقافية والأكاديمية، ومن المهم أن نتذكر مشروع المفكر الفرنسي روجيه جارودي المبكر للحوار منذ أصدر كتابه "البديل" سنة 1972، ثم تأسيسه للمعهد الدولي للحوار بين الحضارات في جنيف سنة 1976 أي قبل نظرية هنتنجتون بنحو سبع عشرة سنة. ومن الملفت أيضاً أن المفكر الأمريكي اليهودي "ناوم تشومسكي" -المعروف بنقده لليمين- قد حصل بين عامي 1980-1992 على المركز الأول في عدد الاقتباسات به كمصدر بين الأكاديميين الأحياء، وعلى المركز الثامن على مستوى العالم في عدد الاقتباسات المصدرية عمومًا، وقد نستنتج من ذلك أن الوسط الأكاديمي أكثر ميلاً للسلم والحوار، ولكن ماذا عن الجماهير؟

تميل الجماهير عادة إلى الإيمان الفطري بالمبادئ الأخلاقية للسلام والتفاهم ونبذ الحروب والعنف، ولكن علينا ألا ننسى أيضاً أن خطاب اليمين -سواء في الغرب أو الشرق- يركز على حاجات غريزية مهمة كالمصلحة الوطنية (حاجة الانتماء) والقضاء على العدو (حاجة الأمن) والفخر بالتراث ومآثر الأجداد (حاجة احترام الذات)، فمن السهل جداً على المتلقي استنهاض كافة غرائزه لتحقيق هذه الحاجات الأساسية عند سماعه لخطبة سياسية تحريضية بدلاً من إعمال عقله لتفهم موقف الآخر والتحقق من صحة ما يصله من أخبار، ولن يشفع حينئذ إرث النهضة الفلورنسية التي نوّرت أوربا لدى الشعب الإيطالي عندما يستبدل بها موسولوني إرث روما الفاشي، كما لن يلتفت الألمان إلى أشعار جوته الصوفية عندما يضرب "ألفوهرر" على وتر الحق الأزلي لسيادة العرق الآري على العالم والواجب انتزاعه عنوة من الأعراق الأدنى، ولن نعجب أيضاً عندما ينفضّ الأمريكيون الذين صفقوا طويلاً لحديث أوباما عن ضرورة الانفتاح والحوار مع شعوب العالم لمجرد سماع خبر تجدد الخطر الإرهابي العابر للقارات عبر سلسلة من الطرود البريدية القادمة من اليمن، فلن يرهق رجل الشارع البسيط نفسه في التحقق من صحة الخبر وحجم خطورته، وربما سينسى التزاماته السابقة بالحوار عندما يطلب منه المرشح اليميني المتشدد التصويت له عندما يذكره مجدداً بأنه الأقدر على تحقيق حاجته للأمن والانتماء والفخر، وهذه المواقف تحدث في الشرق كما في الغرب دون اختلاف يذكر.

يبقى التساؤل هنا عن دور المثقف في النهوض بوعي الشارع، والعمل الدؤوب والمستمر على تذكير العوام بالتزاماتهم الأخلاقية والعقلانية مهما تعارضت "ظاهرياً" مع حاجاتهم الغرائزية، وأستشهد هنا بمقولات تشومسكي عن دور المثقف الأمريكي: “لم ينته العمل في سبيل الحرية.. يحتاج العالم الثالث إلى تعاطفنا وفهمنا، وأكثر من ذلك إلى مساعدتنا، يتوقف تحملهم ووقوفهم أمام وحشيتنا على ما نستطيع أن نفعله في الداخل هنا.. الشجاعة التي أبدَوها مذهلة، فقد سنحت لي الفرصة لأن أرى بعض ومضات الشجاعة، في جنوب شرق آسيا، وفي أمريكا الوسطى، وفي الضفة الغربية المحتلة، لقد كانت تجربة ملهمة ومؤثرة إلى حدٍ كبير".

هذه الرسالة النبيلة حملها الكثير من المثقفين الأحرار أمثال تشومسكي، ومنهم جارودي وإدوارد سعيد وإيمانويل تود، بل يجب أن يحدونا الأمل أيضاً عندما نرى فرانسيس فوكوياما نفسه ينقلب على بعض مواقفه السابقة ويرفض الحرب على العراق، ويقارن في مقال نشرته نيويورك تايمز سنة 2006 بين حركة المحافظين الجدد واللينينية، وينتقد اللجوء إلى القوة للقضاء على الإرهاب، مشيراً إلى أن المعركة الحقيقية هي كسب عقول وقلوب المسلمين حول العالم عبر دعم الديمقراطية وإصلاح التعليم ودعم التنمية.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=455

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك