تكنولوجيا الاتصال عبر الانترنت وأثرها على اتجاه العولمة

تكنولوجيا الاتصال عبر الانترنت وأثرها على اتجاه العولمة

أ. بلال الشوبكي*

 

في كل عصر هناك القوي والضعيف، والقوي يعتقد أن قوته ستدوم ويعمل من أجل ذلك، والضعيف يبقى على حاله إلى أن يمتلك أحد مفاتيح القوة، وفي عصرنا الحالي يبدو أن تكنولوجيا الاتصال هي أحد أهم هذه المفاتيح، وامتلاكها يعني القوة، ومن ينعم بالقوة هو الأقدر على تحديد اتجاه العولمة.

 

وفي الوقت الذي تعتبر فيه تكنولوجيا الاتصال مقوّما أساسيا للعولمة، فإن سيطرة الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الوسائل، تحدد اتجاه العولمة من هذه الدول إلى الدول النامية. وبناء عليه فإن أي امتلاك لهذه التكنولوجيا من قبل الدول النامية، سيحدث تغييرا في المفهوم التقليدي للعولمة، بحيث تستخدم هذه التكنولوجيا في عولمة من اتجاه آخر، يكون المرسل فيها الدول النامية، والمستقبل هو الدول المتقدمة.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لم يعد من الصعب امتلاك هذه التكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت، واستخدامها من قبل الدول النامية، وذلك بسبب التسارع في تقديم تكنولوجيا اتصال جديدة من قبل الدول المتقدمة، وتقلص الفجوة الزمنية بين الإختراع والآخر، ومع كل اختراع جديد يصبح السابق سهل المنال للدول النامية، وطيِّع الاستخدام لمن أراد ذلك. كما تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد فارق كبير بين المنتج والذي يليه من نفس الصنف.

 

 وهنا تصبح العولمة بمفهومها التقليدي، والتي تعتبر السبب الرئيسي في وصول تكنولوجيا الاتصال إلى الدول النامية، السبب الرئيسي أيضا في تغيير مفهومها التقليدي، من خلال التغير في طبيعة أدوار طرفي العولمة، ففي الوقت الذي كان ينفرد فيه كل طرف بدور واحد فقط، وهو إما التأثر أو التأثير، سيصبح من الممكن بعد هذا التقدم في تكنولوجيا الاتصال، وسهولة استخدامها من قبل الجميع، -وخاصة عبر الإنترنت- أن يمتلك طرفي العولمة القدرة على التأثر والتأثير.

 

وتتضح أهمية هذا البحث في محاولته الإستفادة من المعادلة الحالية للعلاقة بين التقدم في تكنولوجيا الاتصال والعولمة، في طرح نفس المعادلة لكن بنتائج مختلفة، فالمعادلة الحالية تقول: أنه مع كل اختراع جديد تقدمه الدول المتقدمة في مجال تكنولوجيا الاتصال، تزداد قدرة هذه الدول على لعب دور المتحكم في العالم، من خلال رفد باقي الدول بما لديها في كافة المجالات، صابغة العالم بلون واحد، تكون فيها نتيجة المعادلة دائما لصالح الدول المتقدمة.

 

 لكن في هذا البحث تطرح نفس المعادلة لتعطي نتائج لصالح الدول النامية أيضا، وهذا يبدو ممكنا إذا اتضح لنا أن تكنولوجيا الاتصال التي تعد العامل الأهم في إيصال مخرجات الدول المتقدمة للدول النامية، هي في نفس الوقت جزء من هذه المخرجات التي تصل إلى الدول النامية، وهنا يسهل على هذه الدول تطبيق نفس المعادلة لكن بمخرجات ونتائج جديدة تتواءم ومصالحها، وذلك من خلال استغلال تكنولوجيا الاتصال التي وصلت إليها عن طريق العولمة في رفد الدول المتقدمة بما لديها وفق نفس المبدأ.

 

صحيح أن هناك الكثير من التطورات في عالم تكنولوجيا الاتصالات لم تصل بعد إلى الدول النامية، لكن ما وصل إلى هذه الدول، وخاصة في مجال الاتصال عبر الإنترنت، قد يؤدي الغرض المطلوب في تحقيق توازن في علاقات التأثر والتأثير بين الدول المتقدمة والدول النامية.

 

 كما أن الفترة التي تنقضي بين الإعلان عن المنتج الجديد في مجال تكنولوجيا الاتصال ووصوله للدول النامية ليست طويلة؛ نتيجة لكثرة هذه المنتجات وتتابعها، إضافة إلى أن الشركات التي تقدم هذه المنتجات هي شركات استثمارية، تسعى لجني الأرباح وهذا يمهد الطريق أمام الدول النامية لامتلاكها، وخاصة الدول الغنية مثل الدول النفطية.

 

سيرتكز هذا البحث على محور واحد، وهو إيضاح التطورات في كيفية استخدام الإنترنت كوسيلة اتصال، -بعد إعطاء لمحة عن مفهومي تكنولوجيا الاتصال والعولمة والترابط بينهما- وأثر هذه التطورات في إحداث تغيير في المفهوم الحالي للعولمة بما يخدم مصالح الدول النامية.

 

 ولتفصيل ذلك، يطرح الباحث بعض الأمثلة التوضيحية - مستخدما المنهج الوصفي التحليلي- على إمكانية استخدام الإنترنت دون أي معوقات مالية أو رقابية، فبالنسبة للمعوقات المالية تأثيرها سيتضاءل بسبب انتشار ما بات يعرف بمقاهي الإنترنت، ومختبرات الحاسب، والتي من خلالها يستطيع الشخص استخدام خدمات الإنترنت مقابل رسوم الخدمة فقط، وليس مضطرا لدفع تكاليف امتلاك جهاز الحاسب، مما يسهل استخدامها من قبل الجميع، وليس من قبل نخبة الأكاديميين وصناع القرار الذين لم يسعوا حتى الآن لصياغة جهد منظم، لاستغلال هذه التكنولوجيا في نقل رسالة مجتمعاتهم إلى الدول المتقدمة، كما سيشير البحث إلى خدمات الإستضافة المجانية للمواقع على الإنترنت وأهميتها، والتطور النوعي في أجهزة الحاسب وأثر كل ذلك على اتجاه العولمة.

 

 أما بالنسبة للمعوقات الرقابية، فإن تأثيرها تضاءل أيضا مع ظهور خدمات الإنترنت، فمع استخدام وسائل الاتصال الأخرى، كالفضائيات، والهواتف الأرضية، والنقالة، كان من السهل على أنظمة الحكم في الدول النامية أن تفرض سيطرتها على هذه الوسائل، مساهمة بذلك في تكريس العولمة بمفهومها الحالي، أما الآن فإن خدمات الإنترنت كوسيلة اتصال تعد نسبيا خارج نطاق سيطرة أنظمة الحكم، وعلى سبيل المثال لا الحصر يستطيع أي شخص أن ينشئ مجلة إلكترونية، وينشر فيها ما يشاء، في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن ينشر نفس المواضيع بشكل مطبوع في بلده.

 

·        في مفهومي الاتصال والعولمة:

 

قبل الخوض في طرح التطورات العديدة في عالم الإنترنت، والخدمات التي يقدمها في مجال الاتصالات، وأثر كل ذلك في خلق تصور جديد لمفهوم العولمة مستقبلا. فإنه من المجدي البدء في إعطاء تصور موجز حول مفهوم العولمة، و بالرغم من أن هذا ليس جزءا من البحث، إلا أن إعطاء لمحة توضيحية عن العولمة قد يجدي نفعا في الجزء اللاحق من هذا البحث، وذلك للتعرف على الأهمية التي تشكلها وسائل الاتصال للعولمة.

 

بداية، بالرغم من أن العولمة كمفهوم تبلورت في بداياتها في الأبعاد الإقتصادية، والمالية فقط، ومنذ أكثر من قرن، إلا انها مع الوقت امتدت لتشمل مختلف جوانب الحياة، شاغلة بذلك المساحة الأوسع من تفكير الحكومات، والمنظمات، والنخب، والشعوب، وقاسمة أولئك بين مؤيد ومعارض، مساند ومناهض. وهذا الإنقسام ليس إلا نتيجة طبيعية للتصنيفات الثنائية التي أفرزتها العولمة في كافة المجالات.

 

ففي الإقتصاد تقع الرأسمالية والتنافسية والإحتكارية ضمن التصنيف الأول، وما عداها هو الثاني، لتكون العولمة في شقها الإقتصادي هي تبني مختلف الدول نظما رأسمالية يتبعها بذلك تبنيا تلقائيا لنظم اجتماعية، وثقافية، وسياسية، لتصبح العولمة ظاهرة شمولية تعبر عن انسياب طبيعي لكل ما لدى الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وضمن هذا الإطار ظهرت تعريفات كثيرة للعولمة لا مجال لطرحها في هذا البحث.

 

لكن في ظل زحمة هذه التعاريف، واختلافها باختلاف المشارب، والأيدولوجيات، والمصالح، للباحث هنا كلمة: فالعولمة أو كما شئت سمها ليست سوى تعبير عن شيء طبيعي يشبه إلى حد كبير انسياب الماء من المرتفعات إلى المنخفضات. ففي كل العصور وعلى مر الزمان هناك القوي والضعيف، وهناك أمم سادت العالم بحضارتها واستحوذت قمته، في حين كانت بقية الأمم كمن يعيش في المنخفضات، لتواجه شلالا مما أنتجته حضارة من يعتلي العالم، بطيبها وخبيثها، وفي كافة المجالات علمية كانت أم إنسانية، دون أن تمتلك القدرة على الرفض أو القبول.

 

ولتقريب الصورة أكثر، فلننظر إلى التجمعات الأصغر، فحتى داخل الأمة الواحدة المتجانسة هناك من هم على مقدرة بان يلعبوا دور المؤثر، ويصبغوا أبناء أمتهم بالصبغة التي يريدون، لينطبق الحال على التجمعات الأصغر فالأصغر، حتى الأسرة الواحدة فيها القوي المؤثر، وفيها الضعيف المتأثر.

 

لكن هذا الانسياب الطبيعي من القوي إلى الضعيف لم يبق على طبيعته، ولم يسر بالتلقائية المعهودة عنه. فمع تقدم الإنسان وتراكم مصالحه، وارتباط مصالح الأمم القوية ببقاء باقي الأمم على ضعفها، لم يعد يجدي نفعا هذا الانسياب الطبيعي من الأعلى إلى الأسفل، إذ أن من سمات الطبيعة التوازن، وإذا كان من الطبيعي أن ينساب الماء من المرتفعات إلى المنخفضات، فإنه من الطبيعي أيضا أن لا يدوم هذا الانسياب إلا بتبخر مياه المنخفضات لتنساب مرة أخرى إليها من المرتفعات. وهذا ما لم ترتضيه الأمم القوية لنفسها، فعملت جاهدة بمختلف الطرق على كسر هذا التوازن، من خلال التدرج في أساليب الإبقاء على أمم العالم ضعيفة، لا يتعدى دورها دور المتلقي من الأعلى.

 

وفي بداية هذه الأساليب، كان العمل على إضعاف الأمم من الداخل -حتى لا تصمد أمام حضارة الأمم الأقوى- هو السائد، فكان الإستعمار بكافة أشكاله وأطيافه. أما الآن فقد اتبعت الدول المتقدمة أسلوبا أكثر حكمة، فبدلاً من إضعاف الدول من أجل أن لا تقاوم ما يقدم إليها، عملت على ابتكار أساليب جديدة –كان التقدم العلمي أساسها- تزيد من قوة الانسياب الطبيعي السابق الذكر، والذي لم يعد من المجدي الآن أن نسميه انسيابا، فهو أشبه بعملية ضخ الدول المتقدمة بما تريد نحو الدول النامية، ليصل إلى هذه الدول أضعاف ما كان قد وصلها عبر الانسياب الطبيعي.

 

هنا بدأت تظهر أهمية وسائل الاتصال للدول المتقدمة، كونها هي أداة ضخ مخرجاتها إلى الدول النامية، فكان لزاما عليها أن تطور هذه الوسائل بما يضمن لها أفضل النتائج. فأصبح كل اختراع جديد تصل إليه الدول المتقدمة هو بمثابة ارتفاع في درجة الأمان لدى هذه الدول لتبقى على عرش العالم.

 

من هنا بدأت فكرة هذا البحث، ففي الوقت الذي لم يكن فيه مقبولا أن تطرح فكرة انسياب الماء من المنخفضات إلى المرتفعات، لم يعد اليوم بالشيء المستحيل ضخ هذا الماء من المنخفضات إلى المرتفعات، وربما يكون الضخ أسرع من الانسياب بفعل ما وصل إليه الإنسان من أدوات وآليات تسهل عملية الضخ هذه. وما ينطبق على ضخ الماء من أسفل إلى أعلى، يمكن أن ينطبق أيضا على ضخ ما لدى الدول النامية إلى الدول المتقدمة عبر وسائل الاتصال المتاحة.

 

الآن لم تعد وسيلة الاتصال مطمعا للدول المتقدمة فقط، بل هي للدول النامية كذلك، ومع ذلك؛ فإن هذه الوسائل كانت لفترة طويلة حكراً على الدول المتقدمة، إلى أن ظهرت عوامل عديدة ساهمت في وصول هذه الوسائل إلى الدول النامية، والتي من أهمها تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت.

 

تطور وسائل الاتصال:

أشير سابقاً إلى أهمية الاتصال لتبادل الحضارات ما لديها، فالاتصال موجود بوجود التجمعات الإنسانية، وفي تعريف "تشارلز كولي" للإتصال "يرى أن الاتصال يعني ذلك الميكانيزم الذي من خلاله توجد العلاقات الإنسانية، وتنمو وتتطور الرموز العقلية بواسطة نشر هذه الرموز عبر المكان، واستمرارها عبر الزمان"[1]

 

وببساطة يمكن القول: أن الاتصال هو عملية نقل من جهة إلى أخرى، ويكون في كل عملية نقل من هو مرسل، ومن هو مستقبل. وعملية النقل هذه تحتاج إلى واسطة لتسهيلها، فقد كان الاتصال الشفوي هو السائد بداية، ومن ثم المكتوب بمختلف أشكاله، سواء على أوراق البردى، أو بالطباعة المتحركة والتي كانت مفترقا واضحا في الاتصال المكتوب عام 1455م.[2] وسارت وسائل الاتصال في تطور مستمر، إلى أن وصلنا إلى الاتصال الصوتي عبر الهاتف والمذياع، ومن ثم الاتصال بالصوت والصورة عبر التلفاز، والآن إلى الاتصال الإلكتروني الذي يضمن للمستخدم اتصالا بالصوت والصورة والكتابة أيضا في آن واحد، تضمن للمستخدم اتصالا أكثر تفاعلية.

 

وكما ورد في البحث سابقا، من أن الاتصال بحاجة إلى واسطة ووسيلة، فإن من يمتلك هذه الوسيلة هو الأقدر على إجراء الاتصال، وتحديد زمانه، ومكانه، وماذا ينقل فيه؟ وهذا ما أدركه الغرب، وعمل على تحقيقه، فسعى جاهدا لتطوير وسائل الاتصال إلى أن ضمن كفاءة عالية في نقل ما يريد إلى باقي أنحاء العالم، محافظا على مصالحه ومحققا لها، وهذا ما عبر عنه الدكتورة لقاء مكي بأنه تطور في تكنولوجيا الاتصال من أجل الهيمنة.[3]

 

لكن هذا التطور في تكنولوجيا الاتصال، الذي أشار إليه لقاء مكي لم يعد صعب المنال بالنسبة للدول النامية، حتى أن الكثير من الدول النامية تمتلك وباستطاعتها أن تمتلك تكنولوجيا الاتصال الحديثة وأكثرها شعبية الإنترنت، فكيف ستستخدم هذه الدول تلك التكنولوجيا؟ وهل يمكن أن تكون البداية لتحقق عملية اتصال يكون المرسل فيها من الدول النامية، وتسهم في تغير اتجاه العولمة؟.

 

تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت والتغير في اتجاه العولمة:

 

الإنترنت بداية، عبارة عن توليفة تربط حاسب إليكتروني بآخر عبر وسائط مختلفة، فبالإضافة للحاسوب هناك كوابل محورية، وأسلاك ميكروويف، ومودم، وأقماراً صناعية.[4] وبالإضافة إلى الإنترنت، ظهرت كلمة أخرى يرددها الكثير، وربما يجهلوا ما هو المقصود بها، وهي الشبكة Net Work والتي تعبر عن نظام لنقل المعلومات يعمل على ربط نظم الحواسب الآلية في مواقع مختلفة.[5]

 

بعد هذه التعريفات المبسطة لكل من الإنترنت والشبكة، وقبل البدء في استعراض الإمكانيات التي توفرها شبكة الإنترنت للدول النامية، في إيصال ما لديها إلى باقي دول العالم، محاولة بذلك كسر القاعدة التقليدية لسير مخرجات الدول من الغرب إلى الشرق. تجدر الإشارة هنا، إلى أن امتلاك هذه التكنولوجيا، والإستفادة منها بالشكل المطروح في هذا البحث، لن يكتب له النجاح إلا بتوافر شروط عديدة، أهمها وعي أمم العالم النامي بكافة شرائحه لأهمية هذه التكنولوجيا، وبالدور المنوط بهم لتنسيق الجهود والعمل بكفاءة لاستغلال هذه التكنولوجيا.

 

 وإذا كان بيل جيتس يرى أن دخول الحاسب والإنترنت إلى شركة تتمتع بالكفاءة سيزيدها ذلك كفاءة وفاعلية،[6] فإن دخول الإنترنت لدول واعية وكفؤة سيزيدها ذلك وعياً وكفاءة، ودخول الإنترنت لدول لا تعي دورها بين الأمم، لن يزيدها ذلك إلا تخلفاً وخمولاً، وتصبح الإنترنت بذلك عبئاً على هذه الدول لا عوناً لها.

 

لذلك فإن هذا البحث يفترض مسبقاً، أن وعياً بأهمية وميزات هذه التكنولوجيا في الدول النامية قد تحقق، وهو ما يمكن أن يكون مجالا لبحث آخر في كيفية خلق الوعي العام للإستخدام الصحيح والفعال للتكنولوجيا.

 

وضمن هذا الإفتراض، ينطلق الباحث لتوضيح كيفية امتلاك تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت من قبل الدول النامية، ولماذا لم تبق هذه التكنولوجيا كسابقاتها حكرا على الدول المتقدمة أو على من يرعى مصالحها؟

 

الإجابة عن هذا التساؤل تكمن في نقطتين أساسيتين:

أولا: القفزات السريعة في عالم الإنترنت والتكنولوجيا بشكل عام.

ثانيا: سعي الشركات المنتجة لهذه التكنولوجيا لجني الأرباح.

 

أولاً: القفزات السريعة في عالم الإنترنت:-

من البديهي القول أن الإنترنت لا يشكل قمة ما وصل إليه العلم، وإلا لما وصلت هذه التكنولوجيا للدول النامية، وبقيت حكراً على الدول المتقدمة بل على أجهزتها العسكرية بالذات، فلم يعد خفياً أن كل ما وصل إلى عامة الناس من تكنولوجيا اتصال حديثة، قد قضى سنوات عديدة كأحد أهم الأدوات العسكرية قبل أن يصل إليهم.

 

وبما أن هذه الأجهزة العسكرية تسعى دوماً لتطور من قوتها وقدراتها، فإنها تسعى لأن تكون تكنولوجيا الاتصال على رأس أولوياتها. ومع كل إنجاز جديد في هذا المجال تصبح معه التكنولوجيا الحالية لا قيمة لها عسكرياً، وبذلك يمكن أن ترسل إلى مختلف الدول، محققة بذلك مكاسب هائلة على المستوى التجاري، بعد أن تكون حققت أضعافه على المستوى العسكري.

 

وما كان يميز هذا التحول لتكنولوجيا الاتصال من المجال العسكري إلى التجاري، هي الفترة الطويلة التي تقضيها هذه التكنولوجيا في الخدمة العسكرية، وهذا يعني أن هناك فجوة كبيرة بين ما تمتلكه الدول المتقدمة من تكنولوجيا اتصال، وبين ما وصل للدول النامية منها، والسبب في طول الفترة هذه هو التطور البطيء نسبياً في هذه التكنولوجيا، مما قلّل من كفاءة التكنولوجيا التي تمتلكها الدول النامية، مقابل كفاءة ما تمتلكه الدول المتقدمة.

 

بقي الأمر على حاله إلى أن بدأت تكنولوجيا الاتصال تتقدم بسرعة غير معهودة، مشكلة بذلك تحولاً مهماً، وذلك يتضح في الآتي:

1-   في ظل التقدم المتسارع لتكنولوجيا الاتصال، تضاءَلت الفترة الزمنية بين المنتج والآخر في مجال الاتصالات، نسبة إلى الفترة الزمنية التي كانت تنقضي بين وسيلة الاتصال والوسيلة التي تأتي بعدها. ومع كل إنجاز جديد في هذا المجال يصبح الوصول إلى إنجاز آخر هو أمرا أسهل وأسرع.

هذا بدوره سرَّع في وصول التكنولوجيا للدول النامية، وخاصة تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت بسبب ما يميزها عن غيرها من وسائل الاتصال الأخرى، التي تحتكرها شركات كبرى، أو أنظمة حكم في دول مختلفة.

 

2-   الأمر الثاني في هذه الجزئية، هو أنه بالرغم من أن الفترة كانت طويلة سابقاً بين الإختراع والآخر، أو المنتج والآخر، في مجال التكنولوجيا بشكل عام، إلا أن الفارق بين المنتج والآخر كان كبيراً جداً، إلى حد الإختلاف في الوظائف، وهذا يتضح في الفارق بين الراديو والتلفاز، أو التلفاز والإنترنت.

 

لكن الآن ومع قصر الفترة بين المنتج والآخر لم يعد الفارق أيضاً كبيراً، بحيث أنه يعد تطويراً لصفات وميزات موجودة أصلاً في المنتج السابق، ولنأخذ مثالاً على ذلك في الفارق بين الخدمات التي يقدمها الراديو والتلفاز، نجد أن الراديو ينقل الصوت فقط، والتلفاز ينقل الصوت والصورة مما يشكل فارقاً كبيراً بينهما.

 

بينما الآن لو أخذنا الفارق بين الخدمات السابقة في مجال الإنترنت، والخدمات الحالية، والخدمات المتوقعة مستقبلاً، نجد أنها فوارق تتعلق في جودة الصوت والصورة مثلاً، أي بمثابة تحسينات على الخدمات الموجودة أصلاً وليست جديدة، وبذلك فإن الجديد في مجال الإنترنت وإن كان يزيد من سهولة الاتصال وجودته، إلا أنه لا يشكل تغييراً جذرياً في طبيعة الخدمات التي تقدمها الإنترنت.

 

وفي هذا ما يشكل ميزة بالنسبة للدول النامية بناء على ما ذكر سابقاً، فإذا كان الفارق ليس كبيراً فيما تقدمه التكنولوجيا المتوفرة لدى الدول النامية والتكنولوجيا المتوفرة لدى الدول المتقدمة، فإن ذلك سيقلص من الفجوة بين كفاءة ما يمتلكه الطرفان من وسائل الاتصال. مشكلة بذلك فرصة للدول النامية لتخلق نوعاً من التوازن فيما يمكن أن ينقل عبر الإنترنت للدول المتقدمة.

 

3-   تردد منذ بداية البحث تصنيف لدول العالم على أنها متقدمة ونامية، لكن في هذه الجزئية بالذات يجدر التوضيح أن الدول المتقدمة ليست واحدة، وكذلك النامية، وهذا ما يقودنا إلى الإعتقاد بأن الدول المتقدمة والتي كانت وما زالت المصدر الوحيد لهذه التكنولوجيا، تشهد تنافساً ملحوظا في تقديم الجديد في مجال خدمات الاتصال بشكل عام، والإنترنت الذي هو موضوع هذا البحث خصوصا، ففي الوقت الذي كانت تشكل فيه الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الوحيد الذي يصدر التكنولوجيا التي يريد إلى باقي العالم، دخلت إلى هذا المجال دولاً أخرى من آسيا وأوروبا، شكلت منافساً لأمريكا في مجال الاتصالات.

 

وهذه المنافسة بين تلك الدول، أسهمت بشكل كبير في زيادة حدة التسارع في تقديم الكثير من التطورات في عالم الإنترنت، مساهمة بذلك في منح فرصة أكبر للدول النامية لامتلاك كل جديد في هذا المجال، ومشكلة بذلك – أي الدول النامية – ساحة مفتوحة لعرض ما توصلت له الدول المتقدمة. بل إن هذا التنافس بين الدول، إضافة إلى التنافس بين الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات جعل من وصول أحدث وسائل الاتصال، ومن بينها خدمات الإنترنت هدفاً تجارياً لها، وهذا ما يقودنا إلى السبب الثاني لوصول تكنولوجيا الاتصال عبر الإنترنت إلى الدول النامية.

 

ثانياً: سعي الشركات المنتجة لتكنولوجيا الاتصال لجني الأرباح:

 

بالرغم من أن بداية ظهور الإنترنت واستخدامها كان جزءاً من المنافسة الحادة بين الشرق والغرب، وخاصة في مجال التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي أغراضاً عسكرية أو أمنية، إلا أن

الأمر تغير كما تغير من قبل، فمع ظهور شيء أحدث وأكثر تطوراً في مجال التكنولوجيا يفقد سابقه أهميته العسكرية والأمنية ليتحول به الأمر إلى مجالات أخرى.

 

فقد كانت بداية الإنترنت عام 1969م، كأحد منجزات وكالة مشروعات الأبحاث المتطورة (اربانت) Advanced Research Project Agency Net Work التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية،[7] والتي أسهمت بشكل كبير في تسهيل تبادل المعلومات بين أجهزة وزارة الدفاع والمتعاونين معها.

 

وبقي استخدام الإنترنت حكراً على وزارة الدفاع وبعض الجامعات ومراكز الأبحاث لمدة عشرين عاماً، إلى أن ظهرت أهمية إستخدام شبكة الإنترنت لأغراض تجارية،  مما دفع بالشركات وجماعات المصالح أن تلقي بثقلها على صناع القرار في الحكومة،  حتى تسمح باستخدام شبكة الإنترنت تجارياً على المستوى العالمي، وكانت بداية هذا الاستخدام عام 1993م.[8]

 

ومنذ ذلك الوقت ظهرت شركات عديدة في مجال تقديم خدمة الإنترنت، تطورت مع الوقت لتشكل شركات ضخمة ومتنافسة في مجال توفير الخدمة، وتطوير أجهزة الحاسب، وأنظمة الاتصال، والبرمجيات المتعلقة بتقديم خدمة الإنترنت.

 

وبما أن تطوير خدمات الإنترنت وتوفيرها أصبح من اختصاص الشركات الإستثمارية، بعدما كان أداة بيد العسكريين، فإن وصول هذه الخدمات إلى الدول النامية أصبح أكثر سهولة. إذ أن العامل الرئيسي الذي يحكم عمل هذه الشركات هو الربح، وإذا كان تقديم هذه الخدمة للدول النامية سيجلب معه الربح، فإنه لن يكون هناك مبرر للتردد حيال ذلك. وما يشكل حافزاً لهذه الشركات حتى توفر خدمات الإنترنت والتكنولوجيا المتعلقة بها للدول النامية، هو وجود العديد من الدول الغنية من بين هذه الدول مثل الدول النفطية، والتي تشكل مطمعاً لهذه الشركات.

 

مع كل هذه العوامل مجتمعة أصبح وصول هذه الخدمة إلى شريحة واسعة من الدول النامية أمراً طبيعياً، لكن كيف ستستغل هذه الدول تلك التكنولوجيا؟ في الواقع، إلى الآن لم تظهر الدول النامية ما يؤشر على أنها أتقنت استغلال ما هو متوفر لديها من خدمات الإنترنت في تحقيق فرضية هذا البحث، وهذا لا يعود إلى خطأ في فرضية البحث، بقدر ما هو ناجم عن مشاكل داخلية في الدول النامية كغياب الوعي والمسؤولية.

 

ما هي الميزات والخدمات التي تقدمها الإنترنت للدول النامية؟ وكيف يمكن أن تساهم في التأثير على اتجاه العولمة؟

 

1- جمـاهيريـة الاستخدام:

 

قد يكون القول صحيحاً أن هناك وسائل اتصال أخرى غير الإنترنت، قد حققت شعبية كبيرة في الاستخدام وما زالت كالتلفاز والراديو، وضمن هذه الرؤية لن تكون الإنترنت هي الأكثر استخداما، أو الأوسع انتشارا نسبة إلى هذه الوسائل.

 

لكن هذا الطرح لن يكون منطقياً، إلا إذا حصرنا مفهوم الاستخدام في وظيفة الإستقبال فقط، أي أنه بالرغم من أن التلفاز هو أوسع انتشارا، وأكثر استخداما من الإنترنت، إلا أن من يمتلك التلفاز من الجماهير ليس بوسعه إلا أن يلعب دور المستقبل والمتلقي لما يبث في التلفاز، وفي أفضل الحالات، يكون لمستخدم التلفاز القدرة على اختيار ما سيشاهده من بين القنوات التلفزيونية، والفضائية المختلفة، وهذا ينسحب أيضاً على الراديو والصحف.

 

بينما لو جئنا إلى الشق الثاني من مفهوم الاستخدام لوسائل الاتصال والإعلام، سنجد أن وظيفة الإرسال مغيبة تماماً عن جماهير المستخدمين في وسائل الاتصال الأكثر شعبية، كالتلفاز والراديو، إذ أن الإرسال هنا مقتصر على فئة محدودة تمتلك قنوات التلفاز أو محطات الراديو.

 

أما الإنترنت كوسيلة اتصال وإعلام، تفتح المجال أمام جماهير المستخدمين للعب دور المرسل والمستقبل، كيفما ومتى شاءوا. وهذا ما ميزها عن باقي الوسائل، وأعطاها مجالاً أوسع لتلعب وظائف متعددة، قد تساهم في أن تمنح عامة الناس في مختلف الدول فرصة لأن يكون لهم صوت مسموع في كافة أنحاء العالم، وليس مقتصراً على دولة بعينها، أو منطقة جغرافية محددة، كما هو الحال في الوسائل التكنولوجية الأخرى.

 

وقد ازدادت شعبية وجماهيرية الإنترنت مع الخدمات الجديدة في مجال استخدامها، مثل مقاهي الإنترنت، ومواقع الإستضافة، وتطور الحاسب الشخصي، والتي ساهمت بشكل كبير في تغييب دور عوامل مهمة، كانت في السابق تشكل عائقاً أمام امتلاك واستخدام التكنولوجيا، كالمشاكل المادية والمالية والفنية.

  

     أ- مقــاهي الإنترنت:

كانت البدايات الأولى لظهور مقاهي الإنترنت عام 1995م في بريطانيا، عبر سلسلة من هذه المقاهي التي تقدم خدمة الإنترنت للزبائن، إضافة إلى خدمة المقاهي التقليدية.[9] أخذت بعد ذلك هذه المقاهي في الإنتشار في كافة الدول بفعل عدة عوامل، يمكن إيجاز أبرزها في الآتي:

 

1- في الوقت الذي لا يستطيع فيه أي شخص الإستفادة من خدمات الإنترنت، إلا بتوفر جهاز حاسب، ووسيلة اتصال كالهاتف لديه، جعل من هذه الخدمة شيئاً صعب المنال بالنسبة للعديد من الناس، الذين ليس لديهم إمكانية شراء أجهزة الحاسب، أو لا تتوفر لديهم وسيلة اتصال.

لكن وبعد ظهور مقاهي الإنترنت، أصبح بإمكان هؤلاء الناس استخدام الإنترنت مقابل تكاليف الخدمة فقط، دون الحاجة إلى شراء جهاز حاسب أو حتى توفر خط هاتفي.

 

2- وجود الدعم الفني المستمر، من قبل الفني الذي يدير المقهى، فبالرغم من أن هناك من لديه القدرة على الاستفادة من خدمات الإنترنت، من حيث مكوناتها المادية، إلا أنه يجد صعوبة في ذلك بسبب عدم قدرته على التعامل مع جهاز الحاسب، وبرمجياته المحدثة باستمرار، مما يجعل من مقاهي الإنترنت حلا لهذه المشكلة.[10]

 

3- توفير مقاهي الإنترنت للعديد من الأجهزة المكملة لخدمة الإنترنت والحاسب والتي يجد البعض صعوبة في توفيرها في البيوت مثل أجهزة دعم الصوت والصورة كآلات التصوير الخاصة بالحاسب والميكرفونات والطابعة والماسح إضافة إلى تقنيات السرعة الفائقة (إيه دي أس أل) وغيرها. كل ذلك إضافة إلى توفير هامش من الحرية في استخدام الإنترنت للأغراض التي يريدها المستخدم دون تدخل من أحد.

 

ليس من الغريب هنا القول: بأن الميزات والخدمات التي توفرها مقاهي الإنترنت قد جعلت من شريحة مستخدمي الإنترنت تتسع مع ارتفاع عدد هذه المقاهي، وقد أجريت عدة دراسات

وإحصائيات في الدول النامية، حول مقاهي الإنترنت وأعدادها وميزاتها ومساوئها. فعلى سبيل المثال ارتفع عدد مقاهي الإنترنت في الجزائر إلى خمسة آلاف مقهى في عام 2004، بينما لم يتجاوز عددها 100 في عام 2000 م،[11]  وما حصل في الجزائر ينسحب على كثير من الدول النامية.

 

هذا الارتفاع الهائل في عدد مقاهي الإنترنت، وما أدى إليه من زيادة عدد المستخدمين للإنترنت بسبب الخدمات المميزة التي تقدمها هذه المقاهي، جعل من الإنترنت وسيلة اتصال وإعلام ذات أفضلية لدى الكثيرين، وما هو على صلة وثيقة بموضوع هذا البحث؛ هو أن أي شخص طبيعي أو معنوي سيكون بمقدوره أن ينشر ويبث للعالم ما يشاء، مقابل تكلفة زهيدة وجهد بسيط.

 

لذلك، فإن بإمكان الدول النامية أفراداً ومؤسسات أن تستغل هذه الخدمة في إيصال رسالتها

للعالم، دون أن تواجه المعيقات التقليدية لوسائل الاتصال والإعلام المختلفة. لكن الدول النامية إلى الآن لم تصل إلى درجة من الوعي لاستغلال الإنترنت في خدمة قضاياها، بل إن استخدام الإنترنت في هذه الدول في معظم أحيانه هو مضرٌ بمصالحها. وبما أن الإنترنت متعدد الاستخدام، فإن الأمور الأقل أهمية وأكثر ضرراً من بين استعمالاته هي الأكثر استخداماً من قبل الدول النامية.

لكن هذا على أي حال ليس من مساويء الحاسب أو الإنترنت، وإنما هو من مساوئ من يستخدم الحاسب والإنترنت، وإذا تمتع المستخدم بوعي يمكّنه من حسن الاستخدام الفعّال للإنترنت، فإن ذلك سيكون عاملاً مساعداً في تحقيق فرضية البحث لتغيير المفهوم التقليدي للعولمة، والذي يعبر عن اتجاه واحد فقط.

ب-  مـواقــع الاستضـافة (التسكين):

 

مواقع الإستضافة أو مواقع التسكين: هي مواقع تقدم خدمة توفير مساحة بأحجام مختلفة على

 الإنترنت للأشخاص، والمؤسسات، وذلك بالتعاون مع شركات استضافة متخصصة، ويتم توفير هذه المساحة، إما عن طريق تأجير المؤسسة أو الأشخاص لجزء من موقع ضخم، أو شراء اسم موقع على الشبكة.[12]  يأتي دور مواقع الإستضافة، والتسكين بعد عملية تصميم الموقع المراد افتتاحه على الشبكة، عبر برامج وتقنيات مختلفة، ولهذه المواقع ميزات عديدة منها:

1)   جزء من هذه المواقع يقدم خدمات الإستضافة المجانية، وإن كانت المساحة التي تمنح للمستخدم ليست كبيرة مقارنة بالمدفوعة الثمن، إلا أنها قد تساهم في إزاحة المعيق المادي من أمام الأشخاص، وغالباً ما يلجأ لهذه المواقع المجانية طلبة، ومؤسسات صغيرة، من الأمثلة على هذه المواقع:            www.jeeran.com

2)     معظم هذه المواقع مستعدة لتقديم تصميم جاهز لمواقع مختلفة، بحيث لا يتكلف الزبون لديها عناء التصميم.

3)  هذه المواقع تقدم خدمات مميزة، في مجال الإعلان عن الموقع الجديد، وإدراجه في الأدلة الإلكترونية مثل:  http://dmoz.com ، وبعض محركات البحث وأشهرها www.google.com ، وترتفع تكلفة إنشاء موقع على شبكة الإنترنت كلما زادت الميزات والخدمات التي يقدمها الموقع.

 

ج- تطـور الحاسب الشـخصــي:

 

بالإضافة إلى الخدمات العديدة التي أصبحت متوفرة، ومنها مقاهي الإنترنت، ومواقع الاستضافة، والتي ساهمت بشكل كبير في اتساع دائرة مستخدمي الإنترنت حتى في الدول النامية، فإن التطورات الجديدة في الحاسب الشخصي قد ساهمت في ذلك أيضاً.

 

فقد عملت شركات الحاسب والإنترنت منذ البداية، على أن تطور أجهزة حاسب يمكن أن توصل بالإنترنت دون الحاجة إلى أسلاك، وكوابل، وخطوط هاتفية، أي أن توجِد أجهزة لديها المقدرة على الاتصال اللاسلكي بالإنترنت، وهذا ما حدث فعلاً، فقد تم التوصل إلى تقنية الإنترنت اللاسلكية واسعة النطاق (ويماكس)، والتي بموجبها يستطيع من يمتلك جهاز الحاسب النقال أن يتصل بالإنترنت متى وأينما شاء، دون تقييد من عدم وجود هاتف أو أسلاك إلخ.[13] إضافة إلى هذه التقنية، فقد ظهرت عدة محاولات أخرى للعمل في نفس المجال - أي الإنترنت اللاسلكي- مثل تقنية (واي فاي)، لكنها كانت أقل كفاءة بسبب النطاق الضيق الذي تغطيه. ولم يقتصر الأمر على برمجيات الحاسب وتقنياته اللاسلكية، فقد ظهر جيل جديد من أجهزة الحاسب بجم راحة اليد،[14]مساهما بذلك في توسيع هامش الحرية في استخدام الإنترنت دون معيق مكاني أو زماني.

 

 كما أدى التعاون بين بعض شركات الهاتف النقال وشركات مزودي خدمة الإنترنت، إلى توفير خدمات إنترنت جزئية عبر الهاتف النقال، مثل خدمات البريد الإلكتروني، والإعلانات.  وبالنسبة للمناطق التي تعاني من عدم توفر خطوط هاتفية وهي كثيرة في الدول النامية، فيمكنها اللجوء الآن إضافة للتقنيات السابقة الذكر إلى الصحون اللاقطة، التي توفر خدمة الإنترنت دون الحاجة إلى توفر خطوط هاتفية.

 

د- غياب سيطرة الحكومات:

 

التطورات المتعددة في أجهزة الحاسب، والإنترنت، والخدمات والميزات التي تقدمها مقاهي الإنترنت، ومواقع الاستضافة، ليست هي فقط العوامل التي ساهمت في ارتفاع جماهيرية استخدام الإنترنت، فعلى عكس وسائل الإعلام والاتصال الأخرى، والتي تعاني من سيطرة أنظمة الحكم عليها، وخاصة في الدول النامية، تأتي الإنترنت شاذة عن هذه القاعدة ولو نسبياً، حيث تعد في كثير من الأحيان خارج نطاق السيطرة الحكومية.

 

وفي ظل المتغيرات الواضحة التي أحدثتها ثورة الإنترنت، في شكل ونمط وسرعة الاتصال، نسفت معها معظم القيود التقليدية تقنية كانت أو قانونية،[15] ففي كثير من الحالات التي تقوم فيها أنظمة الحكم، أو قوى خارجية- وهي الأهم في هذا الإطار- بتقييد حرية الرأي والنشر، تلاقي نجاحاً في ذلك بسبب قدرتها في السيطرة على وسائل الإعلام التي باتت تقليدية، لكن اليوم مع توفر خدمة الإنترنت، لم تعد هذه القيود ذات فعالية في كثير من الأحيان.

 

كما لم يعد الإعلام حكراً على الوسائل التقليدية، فقد دخل إلى هذا المجال أناس ليسوا على علاقة وثيقة بالإعلام من حيث الخبرة،[16] وبذلك فتحت هذه الوسيلة المجال أمام الجميع ليدلي بدلوه في هذه الساحة المفتوحة، والتي تغلبت بفعل التقدم الهائل في التكنولوجيا على القيود التقليدية، وربما إذا كان هناك ضرورة لدى البعض بتقييدها، فإنها ستكون مكلفة جداً، وغير مجدية في أحيان كثيرة.

 

2- الإنترنت وتحقيـق التــوازن:

 

بالرغم من أن الإنترنت كأداة اتصال جماهيرية، حققت شعبية واسعة لعوامل السرعة والأمان والمرونة، إلا أنها في الوقت نفسه شكلت هاجساً للعديد، فمع ظهور كل أداة اتصال جديدة يزداد التخوف لدى الدول النامية، كون الوسيلة الجديدة قد تحمل في طياتها طريقاً جديداً لفرض ما يريده الغرب عليها في كافة المجالات، والإنترنت لم تكن مستثناة من هذا التخوف، والذي برأي الباحث ليس إلا تخوفاً مبنياً على عدم القدرة على التعامل مع هذه الوسيلة الجديدة.

 

ومن ينظر إلى الإنترنت كأداة لترويج الغرب ما لديه لدى باقي دول العالم، ليس إلا كمن لا ينظر إلا لذلك الجزء الفارغ من الكأس، فالإنترنت تحمل في طياتها مجالاً مفتوحاً للجميع، وهي فرصة حقيقية للأمم المستضعفة لعرض ما لديها في كافة المجالات إلى باقي الأمم.[17]

 

وإذا كان مقبولاً من الدول النامية في السابق ما تقدمه من احتجاجات، وانتقادات على وسائل الإعلام المختلفة؛ بسبب هيمنة دول، أو جهات معينة عليها، لم يعد مقبولاً منها ذلك بعد ظهور الإنترنت. والأجدر بهذه الدول، بدلاً من أن تنشغل في طرح عيوب ومخاطر الإنترنت، وتفرد لها الدراسات والأبحاث العديدة لتوضيحها، أن تنشغل بخلق الوعي لدى شعوبها بأهمية الإنترنت، كساحة مفتوحة للجميع لعرض ما لديهم في السياسة، والثقافة، والفنون، وغيرها.

 

فعلى المستوى السياسي يمكن أن تحقق الإنترنت حالة من التوازن في نشر كافة الأطراف ما لديها، وتوضيح آرائها، وبث الحقائق فيما يتعلق بالنزاعات والصراعات الدولية المختلفة، فإذا كانت أغلب دول الإحتلال في العالم تمتلك وسائل الإعلام التقليدية، لتجيّر بها الرأي العام العالمي لصالحها، فإن بإمكان الدول المحتلة اليوم أن تستخدم الإنترنت لتوصيل رسالتها إلى العالم، وتنشر الحقائق التي غالباً ما ستكون ضد الإحتلال.

 

وإذا كانت البعض قد فشل في تسخير الإنترنت لخدمة قضاياه، كالفلسطينيين مثلاً في محاولاتهم لإبراز قضية الجدار الفاصل، وإهمالهم للإنترنت في ذلك. فإن دولة مثل كوبا استطاعت أن تغير من الرأي العام الأمريكي، والأوروبي، والعالمي أيضاً في قضية إسقاطها للطائرات المدنية الأمريكية، بعد أن كان الرأي العام العالمي يقف إلى جانب الولايات المتحدة، التي تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية.[18]أضف إلى ذلك اليهود منظمات وأفراد الذين يتخذوا من مواقع الانترنت العديدة بنية تحتية لنشاطاتهم على ساحة العولمة.[19]

 

وإذا كان التباعد الواضح بين الدول النامية، وخاصة بين الدول التي تنتمي إلى أمة واحدة كالدول العربية، هو أحد العوامل المساعدة في جعل الدول النامية لقمة سائغة أمام الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الانترنت اليوم يشكل أحد الفرص الأكثر إتاحةً للمساهمة في التقارب بين الدول المستضعفة، وخاصة على مستوى الشعوب التي ابتعدت عن بعضها البعض بتباعد أنظمة الحكم، كما هو الحال في الوطن العربي.

 

والأمر لا يقتصر على الجوانب السياسية، بل إن الإنترنت فتحت مجالات واسعة للدول النامية في النشاطات الاقتصادية، والتجارية، والسياحية، وإن كانت إلى الآن مستغلة بشكل قليل، فكما يرى بيل جيتس: أنه بفضل الخدمات الجديدة في عالم الحاسب والإنترنت، فإن بإمكان الشركات الصغيرة أن تنافس الشركات الكبرى، لما توفره هذه التكنولوجيا على أصحاب الشركات من تكاليف مادية، وفنيّة تعيق قدرتها على المنافسة.[20]كما أنه يمكن استغلال الانترنت كأداة للترويج السياحي، وهذا سيلقي بظلاله على النشاط التجاري في الدول النامية المليئة بالمناطق السياحية، إضافة إلى أن السياحة لها دور بارز تاريخيا في انتشار الثقافات، والمعارف إذا ما استغلت بالشكل المناسب.

 

إضافة لذلك فإن تحقيق التوازن على مستوى السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والفنون، بين الدول، أو تغيّره على أقل تقدير لصالح الدول النامية ليس مقتصراً فقط على المستويات السابقة، فبإمكان الدول النامية أن تسهم أيضاً في أن يكون لها دورٌ في التقدم التكنولوجي، مستفيدة من إمكانية التطوير الذاتي لبرامج الحاسب والإنترنت، فلم تعد القدرة التطويرية بحاجة إلى الإمكانيات المالية الضخمة، بل هي بحاجة إلى العقول النيّرة في هذا المجال لتطوّر من البرمجيات الحالية، مساهمة بذلك في تطور وسائل الاتصال.

 

خلاصة القول: إن العولمة ستبقى وستستمر بشقيها الموضوعي والذاتي، وهذا لا يعود لرغبة مؤيدي العولمة، ولا لضعف مناهضيها. وإنما لوجود بعض من يصر على أن تكون له الريادة في الجانب الموضوعي، مسيطرا بذلك تلقائيا على الجانب الذاتي، وإذا كانت التكنولوجيا وعلى رأسها الانترنت هي الشق الموضوعي للعولمة في هذا العصر، فإن امتلاكها يعني القدرة على التأثير في الشق الذاتي.

 

وبما أن الإنترنت قد أصبحت طوعا بيد الدول النامية، فإن على هذه الدول أن تسائل نفسها، عن سبب فشلها في استغلال هذه الوسيلة لعولمة ما لديها في الشق الذاتي، وإعادة الحياة للشق الموضوعي. فهل هو سوء استخدام متعلق بغياب الوعي وانعدام الحس بالمسؤولية؟ أم أنه عدم فعالية الاستخدام، نتيجة لانعدام المهارات الاتصالية،[21] وغياب اللياقة الأدبية في فن الحوار والاتصال؟[22]

 

هذا الفشل في استغلال الإنترنت من قبل الدول النامية لا يدلل على خطأ في فرضية البحث، وإنما على خلل في الأرضية والبيئة التي احتضنت هذه التكنولوجيا. وهذا يدعو إلى عمل منظم من قبل المختصين؛ لإصلاح مواضع الخلل في الدول النامية حتى تكون أهلا لاستخدام التكنولوجيا بما فيها الإنترنت فيما يخدم مصالحها.

 

 

المصادر والمراجع:

 

1-   أحمد أنور بدر، الجديد في الاتصال العلمي، دار الثقافة العلمية، الإسكندرية، 2003م.

2-  بيل جيتس، المعلوماتية بعد الانترنت(طريق المستقبل)، شارك في التأليف: ناثان مايرفولد و بيتر رينرسون، ترجمة:  عبد السلام رضوان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م.

3-   خيري خليل الجميلي، الاتصال ووسائله في المجتمع الحديث،المكتب الجامعي الحديث، إسكندرية، 1997م.

4-   سيّار الجميل، العولمة والمستقبل: استراتيجية تفكير، ط1، الأهلية، الأردن، 2000م.

5-   علي محمد شمو، الاتصال الدولي والتكنولوجيا الحديثة، ط1، مطبعة ومكتبة الإشعاع، الإسكندرية، 2004م.

6-  فرانك كيلش، ثورة الإنفوميديا: الوسائط المعلوماتية وكيف تغيّر عالمنا وحياتك؟، ترجمة: حسام الدين زكريا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000م.

7-   محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، ط2، عالم الكتب، القاهرة، 200م.

8-   نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2001م.

9-   بول بندرن، مقاهي الانترنت تزدهر في الجزائر مع تراجع أعمال العنف،26/4/2005، من الموقع الاليكتروني: http://www.masrawy.com/News/2005/Technology/Reuters/April/26/OEGIN-INTERNET-ALGERIA-MT31941625.aspx

10-                      قفزة الانترنت القادمة كبيرة، مجلة العالم الرقمي، العدد 106، 13/3/2005، من الموقع الاليكتروني: http://www.aljazirah.com.sa/digimag/13032005/tn.htm

11-                      لقاء مكي العزاوي، تكنولوجيا الاتصال وظاهرة العولمة: التطور من أجل الهيمنة، من الموقع الالكتروني: http://www.t1t.net/book/pafiledb.php?action=file&id=110&idP=

12-           ماسترويب لتصميم مواقع الانترنت، لماذا يجب أن يكون لك موقعا على الانترنت؟، من الموقع الاليكتروني: www.masterweb-ps.com/faq.htm

13-                      نصرالدين العياضي، إشكاليات الإعلام في عصر العولمـة، مـن الموقـع الاليكتروني: http://www.t1t.net/book/pafiledb.php?action=file&id=104&idP=

 

14-                      يسرى شاهين، مقاهـي الإنترنت تخطف الشباب، 26/04/2005، مـن الموقــع الإليكتروني: http://www.islamweb.net/ver2/Archive/printarticle.php?id=86034

 

 

 

 

[1] خيري خليل الجميلي، الاتصال ووسائله في المجتمع الحديث،المكتب الجامعي الحديث، إسكندرية، 1997م، ص9.

[2] أحمد أنور بدر، الجديد في الاتصال العلمي، دار الثقافة العلمية، الإسكندرية، 2003م، ص5.

[3] لقاء مكي العزاوي، تكنولوجيا الاتصال وظاهرة العولمة: التطور من أجل الهيمنة، من الموقع الالكتروني:

http://www.t1t.net/book/pafiledb.php?action=file&id=110&idP=

[4] علي محمد شمو، الاتصال الدولي والتكنولوجيا الحديثة، ط1، مطبعة ومكتبة الاشعاع، الاسكندرية، 2004م، ص ص 234-235.

[5] نفس المصدر السابق، ص240.

[6] بيل جيتس، المعلوماتية بعد الإنترنت(طريق المستقبل)، شارك في التأليف: ناثان مايرفولد و بيتر رينرسون، ترجمة:  عبد السلام رضوان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م، ص 222.

[7] على محمد شمو، مصدر سبق ذكره، ص ص 229-232.

[8] نفس المصدر السابق، ص ص 230-232.

[9]  يسرى شاهين، مقاهي الإنترنت تخطف الشباب، 26/04/2005، من الموقع الإليكتروني: http://www.islamweb.net/ver2/Archive/printarticle.php?id=86034

[10] نفس المصدر السابق.

[11] بول بندرن، مقاهي الإنترنت تزدهر في الجزائر مع تراجع أعمال العنف،26/4/2005، من الموقع الاليكتروني: http://www.masrawy.com/News/2005/Technology/Reuters/April/26/OEGIN-INTERNET-ALGERIA-MT31941625.aspx

 

[12] ماسترويب لتصميم مواقع الإنترنت، لماذا يجب أن يكون لك موقعا على الإنترنت؟، من الموقع الاليكتروني:

www.masterweb-ps.com/faq.htm

[13] قفزة الإنترنت القادمة كبيرة، مجلة العالم الرقمي، العدد 106، 13/3/2005، من الموقع الاليكتروني:

http://www.al-jazirah.com.sa/digimag/13032005/tn.htm

[14] فرانك كيلش، ثورة الإنفوميديا: الوسائط المعلوماتية وكيف تغيّر عالمنا وحياتك؟، ترجمة: حسام الدين زكريا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000م، ص187.

[15] لقاء مكي العزاوي، مصدر سبق ذكره.

[16] نصر الدين العياضي، إشكاليات الإعلام في عصر العولمة، من الموقع الاليكتروني:

http://www.t1t.net/book/pafiledb.php?action=file&id=104&idP=

[17] علي محمد شمو، مصدر سبق ذكره، ص 249.

[18] نفس المصدر السابق، ص251.

[19] نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2001م، ص409.

[20] بيل جيتس، مصدر سبق ذكره، ص252.

[21]  محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، ط2، عالم الكتب، القاهرة، 200م، ص 66.

[22]  سيّار الجميل، العولمة والمستقبل: استراتيجية تفكير،ط1، الأهلية، الأردن،2000م، ص419.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1473

 

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك