حتى يغيروا ما بأنفسهم
حتى يغيروا ما بأنفسهم
للكاتب عبد الحميد
يقول الله سبحانه وتعالى: ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (.
إلى جميع الساسة أقول:
لا تدوم الدنيا لأحد أبداً، ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك.
يقول الله تبارك وتعالى: ) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(.
وقال أيضاً: ) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (.
كما أن التغيير للإصلاح هو فريضة إسلامية لقوله تعالى: ) إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ (.
كثيراً ما نمر بهذه الآيات الكريمة ونتجاوزها مسرعين، دون العلم بأنها مفتاح اللغز الذي لا نتفكر في حله لصعوبته، بل لعجزٍ عن تطبيقه على ذواتنا، وأركان حياتنا.
والمتتبع له، والمتفكر فيه، يرى أنه الحل الوحيد الذي لا يستخدم فيه الذكاء الذهني، ولا القرطاس والقلم، بل أتعدّى هذا لأقول: إنّ حله يحتاج لكثيرٍ من الإيمان الداخلي، وجهاد للنفس الأمارة، وتغيير للسلوك والمواقف المعاشة.
ولعلي أقف هنا لأمتثل ما قال الشاعر:
الوعد حق إن نغير ما بنا |
|
|
||
|
|
والنصر للأواب للفرقان |
||
المتتبع للحوادث التي تمر بها الأمة، يجد أن هناك شيئاً غير طبيعي في حياتنا من:
ـ فقر؛
ـ بطالة؛
ـ غلاءٍ في كل شيءٍ إلا الإنسان في نظر الساسة؛
ـ فساد الأخلاق؛
ـ سرقات الأموال العامة؛
ـ جرائم القتل والخطف وإزهاق الأرواح؛
ـ إرهاب الدول للشعوب. الخ.
وها نحن اليوم نعيش زمن التحولات، التي أيقظت النفوس من ثباتها، وأخذت تتوق الروح إلى علياءها، حتى باتت الحكومات تؤرق حاضرنا وترسم ملامح مخيفة لمستقبلنا.
والأرض كلها تأن ليل نهار من المستبدّ الظالم، الذي لا يعرف للرحمة ضميراً، ولا للدين مستقراً، بل انقلبت الرحمة إلى فجور وعصيان وكفرٍ بالرحمن، وأصبح الدين عنده هراءً لأنه ظنّ نفسه ) أنا ربكم الأعلى (.
حتى غزاها شر من فوق الثّرى |
|
|
||
|
|
فلهم على أبنائها استعلاء |
||
خاب وخسر، وهاهي الأمم تتداعى علينا، والعرب في ثباتٍ دائم، إذا لم يكونوا متآمرين على خير شعوب الأرض.
ألم يعلموا أنّ:
الشام باب الشرق من يفتح يلج |
|
|
||
|
|
وهي الهواء لأرضنا والماء |
||
من رامها بالسوء يرجع خائباً |
|
|
||
|
|
سل من طوتهم أرضها الفيحاء |
||
ها نحن ننظر للواقع المعاش فنجده قد امتلأَ بالتناقضات العجيبة.
المهل تلو المهل لإبادة كل من نطق بالتوحيد لله رب العالمين.
فهل تواطؤا معه أو مع إبليس لأنه آخذ عليهم مستمسكات ضدهم تدينهم؟.
أم أنهم بالأصل معه يريدونه إبادة شاملة لكل القيم والمبادئ؟!.
ألم يسمع العرب ما استنهضهم به الشاعر:
بالله يا قومي |
|
|
||
|
|
هبّوا من النوم |
||
واستبدلوا الإقدام |
|
|
||
|
|
بالنوم والأحلام |
||
فالدين ناداكم |
|
|
||
|
|
والله يرعاكم |
||
والحق بالقوة |
|
|
||
|
|
والبغي للهوّة |
||
والمجد أعباء |
|
|
||
|
|
والحزم إمضاء |
||
ما خاب من يسعى |
|
|
||
|
|
في صالح المسعى |
||
فالجهد مشكورٌ |
|
|
||
|
|
والأجر مذخور |
||
والله ذو المنة |
|
|
||
|
|
يدعو إلى الجنة |
||
ونحن اليوم أمامَ يأس الطغاة من تحقيق أحلامهم بوأد ثورة شعوبهم.
بل أعطوا الثورة جرعةً زائدة من الإصرار على المواصلة في إسقاط أنظمتهم الرعناء.
فماتت أحلامهم التي لم يستطيعوا تحقيقها بإخماد صوت الشعب، بعد أن أسقط في أيديهم، وكانت المهل المعطاة غير مساعدة في تحقيق أحلامهم وذهبت أدراج الرياح أمام إرادة شعوب لا تقهر عزيمتهم وإرادتهم، ووقف بعضهم بكل حزم وأناة أمام أبشع أدواته الإجرامية من آلته العسكرية، ولعله أراد بذلك أن يصدق قول أحدهم:
قف على الأطلال نندب دولةً |
|
|
||
|
|
حطّمت أركانها الأهواء |
||
نعم. يقوم بتحطيم وهدم ما بناه الأجداد بعرق جبينهم، لأنه لا يعرف قيمة ما خلفوه لنا.
ولكنه مسكين لا يعلم أن:
الأرض طوع بنانها إن أومأت |
|
|
||
|
|
خرّت لعزة حكمها الأرجاء |
||
نعم الشعوب، أرضها وسماؤها طوع بنانها؛ إذا كانت أرض الرباط، وسماء الدعاء والخضوع لله، ألا يكفي أن رب الأرباب معهم، ينصرهم إذا نصروا دينه، ويعزهم إذا أعزوه.
لأن العزيز يريد العزة لأهلها، والذل لأعداها.
الذل والعز يختصمان |
|
|
||
|
|
لا يرتضي بالذّل غير جبان |
||
وأهلنا أهل الإباء، والكرامة، صبروا صبروا، حتى كاد صبرهم يلفظ بنصرهم.
وكل الطغاة يقولون لطلابهم المتحلقين حولهم: نعيش حالة حرب حقيقية بكل جوانبها، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.
مضيفين:
عندما نكون في حالة حرب فكل سياساتنا وكل توجهاتنا وكل القطاعات تكون موجهة من أجل الانتصار في هذه الحرب.
نعم. صدقك وهو كذوب.
صدقوا عندما قالوا كل موارد الدولة مسخرة لنا ولمن يخصّنا، ليبقوا على عروشهم التي من أجلها أبادوا الألوف.
نعم. إن الله لا يغير ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا.
امتحانٌ حقيقي عجزنا عن اجتيازه؛ لأننا في كل عام نكذب على أنفسنا ونتناسى أن الله هو الذي يعلم السر وما نجهر به.
حتى نغير ما بأنفسنا، سيغير الله ما بنا، إن نحن بدأنا بأنفسنا فإن صلح فسادها صلح ما حولنا، ولو اجتمع أهل الأرض ليضرونا بشيء ما استطاعوا إلا أن يشاء الله، ولو اجتمعوا لينفعونا لم ينفعونا إلا بإذنه، هو من بيده صلاح الحال.
ألا ترى أن أقسى شيء تطعن فيه الأمة هو من رجالها وأبناء جلدتها، فما أشدها من طعنة، وما أبشعها من نكسة، وما أقساها من محنة..
إنها خيانة قبيحة بجميع صورها التي لعنتها جميع الشرائع السماوية والقوانين الأرضية والإنسانية، وكفى بالخائن إثماً أنه باع دنياه بسوء السيرة، وآخرته بغضب الرحمن عز وجل.
إن الشرائع عندما تكره الخيانة، تحتقر الخائنين والمنافقين؛ لأن النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، ومتى أحلت لنفسها داء الخيانة وسوء الأمانة، عدم عندها المحافظة على غاية شريفة.
يقولون: ليس إنساناً من يبرر الوسيلة بالغاية.
نعم.
هذا مبدأ أرساه إبليس على الحس الإنساني وشفافية الفطرة.
قال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور .
إذاً صرح رب الخلائق أجمع أنه لا يحب الخيانة بكل وسائلها.
وهذا نبي الرحمة يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئس البطانة».
نافذة من التاريخ:
دائماً وأبداً كانت الخيانة خنجراً مسموماً يغرس في ظهر الأمة، فقديماً عانت من الذين باعوها وخانوها فضلاً عن أعدائها.
وحادثة خيانة سقوط بغداد ودخول التتار على يد ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله.
وما أشبه اليوم بالبارحة، و الجزاء من جنس العمل.
قال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا».
فخيانة ابن العلقمي أدت به إلى ذل الدارين، ونرجو من الله تعالى أن ينال الطغاة في العالم والخونة المجرمون من الإهانة والذل والصَّغار في الدنيا والآخرة ما يستحقون، وكل من لفّ لفّهم، وسار في طريقهم.
وقلوبنا تردد مع الشاعر:
أنت المجيب إلهنا ورجاءنا |
|
|
||
|
|
ما خاب راجٍ راغب دعَّاء |
||
ما لهذا الكرب إلاَّ ربنا |
|
|
||
|
|
في يديه القبض والإعطاء |
||
ربنا اكشف غمّنا أنت الرجا |
|
|
||
|
|
ربنا ضاقت بنا الأرجاء |