ثورات الربيع العربي نصر رباني سيعيد للمسلمين مجدهم
د. عبد الحليم عويس: ثورات الربيع العربي نصر رباني سيعيد للمسلمين مجدهم
أكد الدكتور عبد الحليم عويس المفكر الإسلامي الكبير أن الثورات العربية هي نعمة من الله تعالى، امتنَّ الله علينا بها؛ لتكون سببًا في نصرة الإسلام وعلو شأنه، وطريقًا للمسلمين لاستعادة دورهم الحضاري والعالمي الذي فقدوه؛ بسبب أنظمة الحكم الفاسدة المتجبرة، التي حاربت الإسلام وأهله لحساب الغرب.
وإليكم نص المقابلة..
** ما رأيكم في الثورات العربية التي يطلق عليها البعض الربيع العربي؟
- هذه الثورات العربية نعمة من الله، وبادرات خير وإقلاع من عهود الظلم والجبروت والاستبداد في دول مثل تونس ومصر وليبيا، وستنتصر في اليمن وسوريا بإذن الله، وستعزز من مكانة الحركة الإسلامية، وستعيد الناس إلى دينهم بعدما عكفت تلك النظم الاستبدادية، وخاصة النظام التونسي العلماني المتطرف في علمانيته على إبعاد الناس عن دينهم ومراقبة من يواظب على الصلاة والنشاط الدعوي وسجن الكثير منهم، إلى جانب منع المحجبات من العمل والتعليم.
** هناك من يرى أن تدخل الناتو عسكريًّا في ليبيا كان أمرًا غير جائز شرعًا؛ لأنه استعانة بغير المسلم على المسلم، كما أنه غير مقبول على المستوى السياسي.. فما تعليقكم؟
- بالطبع الناتو لا يعمل لوجه الله أو العدالة، ولكن لمصلحة حكومات دوله، وبالطبع ستدفع ليبيا فواتير طائلة في نهاية الأمر لهذا التحالف. ولكن ماذا كان سيحدث في المقابل إذا لم يتدخل الناتو؟ كانت ستُباد مدينة بأكملها وهي بني غازي، والتي هي معقل الثورة على يد الطاغية معمر القذافي، كما هدد بذلك ونفذ تهديده في مدن أخرى منها مصراتة.
ولم يكن القذافي بعدها سيتورع عن ذبح شعبه الثائر على ظلمه وطغيانه وغبائه وأبنائه فردًا فردًا، ليستورد شعبًا آخر من الخارج ليحكمه! ورأينا ماذا فعل بهم وكيف أنه استأجر عليهم كتائب من المرتزقة من الخارج ليقتلهم وينتهك أعراضهم ويمثِّل بجثثهم. إذن تدخُّل الناتو كان من باب الضرورات لإنقاذ الشعب الليبي من الإبادة من القذافي الفرعون الذي طغى وتجبر.
أداء الواجبات أولا
** الثورة في مصر انتصرت، لكن هناك مزاعم ممن يسمون أنفسهم الليبراليين من أن يختطف الإسلاميون الثورة ويقفزون عليها؟
- الثورة المصرية أعظم من الثورة الفرنسية، ومن الطبيعى جدًّا أن يحدث مثل هذا الاختلاف والتنازع في الثورات، لكن يجب على الجميع أن يعي أن الواجبات ينبغي أن تكون مقدمة على طلب الحقوق وجني الثمار، وألاَّ ينسوا أن مصر جريحة مسروقة تحتاج لكل الجهود للبناء؛ حتى تستطيع الوقوف على قدميها ولا تنهار.
والخطأ أن كلا الجانبين ينسون أمرين مهمين؛ أن جزءًا كبيرًا من ثروة مصر تم نهبها وتهربيها للخارج، وهناك أنباء تتحدث عن أن ثروة الرئيس المخلوع مبارك والموجودة في الخارج بلغت 300 مليار دولار والدولة تعمل على استردادها، ولكن الإجراءات بطيئة، وعلى الناس ألا يستعجلوا.
والأمر الثاني أن الشعب المصري عليه أن يتذكر أن الواجبات قبل الحقوق.. ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استقبله الأنصار بالواجبات، ثم جاءت الحقوق بعد ذلك في شكل وثيقة المدينة أو دستور المؤاخاة.
** ما رأيكم في المظاهرات والاعتصامات الفئوية التي يطالب أصحابها بحقوق خاصة بهم؟
- هؤلاء ينسون أن بلدهم مسروق، وأن مطالبهم لن يحصلوا عليها إلا باسترداد تلك الأموال الكفيلة بتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، وتلبية كل المطالب التي يطالبون بها. ومن هنا ينبغي عليهم الصبر حتى تستقر الأمور وتعود الأموال المنهوبة التي يقدرها البعض بستة تريليونات من الجنيهات، وتعود عجلة الإنتاج لتتوافر الموارد اللازمة لتحقيق احتياجاتهم، وجني ثمار الثورة التي على رأسها العدالة الاجتماعية.. ولو أعدنا في هذه السنة تريليونًا واحدًا فقط، لكنا أغنى من السعودية.
** البعض يشكك في عودة الأموال المنهوبة بسبب إجراءات القضاء وثغرات القوانين التي وضعها نظام مبارك؛ مما أدى على سبيل المثال لتبرئة سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع وغيرها؟
- يجب أن نثق في القضاء المصري بشكل عام، وهناك رأي عام يراقب ويقف بالمرصاد لمحاولات التهرب والتستر على اللصوص، إلى جانب العلماء الذين يحثون الناس على اليقظة حتى تتم عودة كل هذه الأموال المنهوبة.
وعلينا أن نتذكر أنه في الحرب العالمية الثانية دمرت ألمانيا بريطانيا بالكامل، وسأل القائد البريطاني من حوله: هل لدينا قضاة؟ قالوا له: نعم. فردَّ عليهم قائلاً: إذن فنحن دولة لم تُهزم، ما دام لدينا نظام قضائي قوي فسنعيد بناء بريطانيا من جديد.
وسوزان امرأة ولم تكن هي الدولة، ولا ننسى أن القصور والأرصدة المسروقة كلها كانت باسم المخلوع مبارك وابنيه علاء وجمال وباقي العصابة الحاكمة ورجال أعمال الحزب اللاوطني.
غياب القيادة نعمة !
** بماذا تفسرون انتصار الثورة المصرية رغم عدم وجود قيادة؟
- هذا من فضل الله تعالى؛ لأنه لو كانت هناك قيادة لتمكن النظام البوليسي المصري من القضاء عليها قبل أن تكتمل الثورة، ولطلبت تلك القيادة ثمن النصر واستبدت.
وكان الثوار كتلاً مليونية من البشر اجتمعوا في ميدان التحرير وغيره من الميادين على مستوى مصر، وصمدوا أمام قذف النيران من أجهزة القمع الأمنية، وسرعان ما هوى مبارك أمام صمودهم بمسلميهم ومسيحييهم يساعد بعضهم بعضًا.
لقد رأيت شابًّا مسيحيًّا يعين شابًّا مسلمًا على الوضوء، بما يؤكد أن هذا التجمع والتكتل إذا اجتمعا في شعب استطاع أن يفعل الكثير، ولو كانت هناك قيادة ودراسات وتخطيطات ربما ما نجحت الثورة.
** هل انهيار النظم الفاسدة والمستبدة في المنطقة العربية يفتح باب عودة الإسلام من جديد؟
- بالتأكيد نعم، فالناشط الإسلامي محمد الأحمري عاش في أمريكا 12 سنة، ثم عاد لبلده السعودية وكتب كتابًا يؤكد بالإحصاءات أن انتشار الإسلام في أمريكا أسرع مما تنتشر الشمس، وهذا يؤكد أن المستقبل لهذا الدين في الشرق والغرب على السواء.
الغرب يخطو نحو الانهيار
** ما تفسيركم للانهيارات الاقتصادية المتتالية التي يشهدها الغرب، هل هي مؤشر على قرب انهيار الحضارة الغربية الاستعمارية والأمريكية على الأخص؟
- الأزمات الاقتصادية ومحاولات سداد فوائد الديون هي إرهاصات انهيار حضارة الغرب الاستعماري، وأنا هنا أعزي القراء والمسلمين في العالم في تلك الحضارة المادية التي أضرت وظلمت وقتلت ملايين البشر، وآخرهم في العراق على يد الأمريكان، وأرى أن أمريكا وأوربا في خلال 20 سنة سينهار نظامهم الذي كان يعبد المادة، ولا يعرف الله أو القيم.
** النظام النصيري السوري ينتقم من الشعب، مع أنه لم يطلق رصاصة واحدة على الجولان المحتل بينما يطلق جميع أنواع الأسلحة على شعبه، وإيران وحزب الله يدعمونه.. فما رأيكم في هذا المشهد المأساوي؟
- النصيريون (العلويون) فرقة ضالة حسبت نفسها من الشيعة وليسوا من الشيعة، كانوا في جبل الدروز يصلون مرتين فقط في اليوم، والدروز كانوا عملاء فرنسا وساعدوها في احتلال بلاد المسلمين، ولم تنس لهم فرنسا ذلك وساعدتهم. ومن الطبيعي أن تقف إيران وحزب الله الشيعيان لنصرة نظام بشار العلوي النصيري.
** الشيعة يزعمون أنهم من أنصار الحسين رضي الله عنه وشيعته، فهل هذا الزعم صحيح من الناحية التاريخية؟
- الشيعة هم من قتلوا الحسين وآل بيته عندما تخلوا عنه في معركة كربلاء وتركوه وحيدًا أمام جنود يزيد بن معاوية بعد أن وعدوه بالنصرة، وانفرد به جنود يزيد وقتلوه وأجهزوا عليه، ويقال: إن السيدة زينب هي الوحيدة التي أفلتت من القتل، وجاءت إلى مصر وتزوجت.
المصدر: مجلة التبيان، العدد (91)، صفر 1433هـ.