ديمقراطية فرعون بين الماضي والحاضر
ديمقراطية فرعون بين الماضي والحاضر
بقلم : واثق زبيبة
قد يستغرب ويتسائل البعض من هذا العنوان. هل فرعون نهجه ديمقراطي؟ أليس فرعون طاغية وظالم ومتجبر؟
نعم، فرعون طاغية من الطغاة، لكنه ديمقراطي بمقياس الديمقراطيةألآن التي نعيشها في الدول الاسلامية وغيرها من الدول صاحبة الثروات الكبيرة.
وأذكرمقولة لاستاذنا الكبير في كلية الفقه جامعة الكوفة الدكتور نبيل الخاقاني بأن الطغاة والمتجبرين دائما ينادون بالديمقراطية المزيفة للتغطية جرائمهم وسرقاتهم البشعة من القتل والتشريد والتجويع والارصدة في كل دول العالم وأرتباطاتهم المشبوهة وغيرها كثير 0وخير مصداق لها هو فرعون موسى الطاغية حيث كان له مجلس شعب ( برلمان) ديمقراطي، ويحتاج لتأيٍد هذا المجلس على قراراته لينفذها.
بل يأتمر بأمره {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (الشعراء:من35). قال فرعون عن موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (غافر:26). فهو يطلب من المجلس إعطاءه الصلاحيات لقتل موسى عليه السلام. وكان المؤمن الذي يخفي إيمانه (المعارضة) يدافع عن موسى في هذا المجلس. وبعد صراع ونقاش(ونقاط نظام)، قام المجلس (بالتصويت) بالأغلبية(الساحقة) الديمقراطية بإعطاء فرعون الصلاحيات للحرب(والقتل). {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف:54).
قد يسأل سائل: ألم يدع فرعون الألوهية؟ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:من الآية 38) {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات:24). ونقول نعم، لكن الذي يسأل هذا السؤال لم يفهم معنى ادعاء فرعون للألوهية. فهو يريده ( أنه المشرع الأعلى)، وأنه( وحده الذي يطاع)، وأن أوامره فوق كل أمر(القوانين والدساتير). أي تماماً كما يفعل طغاة اليوم. وليس مقصوده أنه (خالق الكون)، فهذا لو ادعاه لا يصدقه عليه أحد.
بل إن فرعون وقومهم كانوا من الوثنيين المشركين عبدة الأصنام، وكان ( البرلمان الفرعوني) يطالب فرعون بحماية دينهم. {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف:127). ونلاحظ كلمة {آلهتك}في الاية . فهو يعبد الأصنام مثل قومه.
لقد كان فرعون يتظاهر بالديمقراطية أول الأمر. نعم، كان ديمقراطيا يناقش الحجج ويقول {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف:106)، ويطلب من خصمه (المناظرة) أمام سائر الناس {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنتَ مَكَانًا سُوًى} (طه:من58) ولكن حين بدأ التغير يطال نظامه (الشعب يريد أسقاط النظام), تغير منطقه وتبدلت أفعاله.
فليس هناك نظام يرضى الانقلاب عليه, فقط لأن الشعب أراد ذلك. هذه حقيقة لا يغفل عنها إلا السذج.
إن فرعون لا يقبل الحوار إلا إذا كان في صالحه، فإذا أحس بالهزيمة استعمل لغة البطش والتنكيل (الناروالسجن). فالفراعنة( القيادات) لا يعرفون غير هذه اللغة: {قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ} (الشعراء:29). ومع ادعاءه (الديمقراطية والحرية)، فهو يسيطر على أجهزة( الإعلام والصحافة)، فلا يسمح لها أن تبث شيء يهدد وجوده {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر:من29).
ومن هنا فقد قام فرعون بدعوة جميع السحرة(عبدة الاصنام المتحجرين) كي يقارعوا موسى الحجة بالحجة، ولكن على طريقتهم؛ فهم الكثير أمام موسى.
ومن خلال هذه النهاية التي انتهت بإيمان السحرة(عرفوا الحقيقة وتركوا الصنمية والتحجر) الذين جيء بهم ليكونوا عونًا لفرعون، فجُنَّ جنونه، فاتهمهم (بالعمالة والتبعية) لموسى، وتوعَّدهم بعقاب شديد {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ؟؟} (الأعراف: من123)، فتحدوه بإيمانهم (المظاهرات والاحتجاج) وقبلوا أن يلقوا ربهم شهداء.
أليست ديمقراطية اليوم تشبه ديمقراطية فرعون؟ {أَتَوَاصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (الذاريات:53).
المصدر: http://tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=32563