الترجمة والتواصل الحضاري
الترجمة والتواصل الحضاري
لا شك أن الترجمة جسر للتواصل الحضاري والثقافي بين البشر، كانت ولا تزال كذلك وبخاصة في هذه الأيام التي أضحى العالم فيها قرية صغيرة يتأثر أقصاها بأي كلمة أو تصريح يصدر عن سياسي أو إعلامي أو مفكر في أقصاها. نعم، فلا يخفى على ذي لب ما أتاحته الثورة الهائلة في وسائل الاتصال من إمكانات لا يكاد يحيط بها أحد من وفرتها وشدة تعقيدها. ومن الذي يضطلع بهذه المسئولية؟ إنه المترجم الذي يتلقى النص أو القول الأصلي ومن ثم يعمل على نقله إلى اللغة أو اللغات الأخرى كي يصل إلى الجمهور المستهدف. وعليه، فإننا نلقى على كتف المترجم مهمة جد شاقة تنوء بها الجبال إن هي وعت ما لهذه المهمة من خطر. فالخطأ يمكن أن يكون قاتلا أو داعيا إلى القتل حيث أجد نفسي دائما أكرر عند الحديث عن الترجمة وأهميتها أن منها ما قد يقتل.
فالمترجم وسيط بين الثقافات حيث يقرر الشاعر المكسيكي أوكتافيو باز أن "كل لغة هي طريقة لرؤية العالم وتفسيره بصورة نوعية خاصة بها. وذلك على الرغم من أن أشكال الظواهر الطبيعية لا تتغير من بلد لآخر. أما طريقة تفاعلنا أو تعاطينا مع هذه الظواهر فهي التي تختلف اختلافا بينا من لغة إلى لغة".[i] فالمترجم هو الوسيط بين كل تلك الثقافات والرؤى المختلفة للعالم فهو الذي يجعل أمر اطلاعنا عليها ممكنا في ظل وجود ذلك الحاجز اللغوي بيننا وبينها.
بناء على ما سبق، فإنه يجدر بجميع المنخرطين في العملية الترجمية من المتدرب إلى من يقوم على تدريبه وتعليمه إلى الموقف الرسمي للدولة، يجدر بالجميع أن تتضافر جهودهم في سبيل إعداد ذلك المترجم الذي سيضطلع بمهمة هي غاية في الأهمية ألا وهي المساهمة في حالة المثاقفة والتي من شأنها تعزيز التواصل الحضاري والثقافي والعلمي بين شعوب المعمورة.
ولنبدأ حديثنا بنواة العملية الترجمية أو بالشخص الذي من أجله يتم بذل الجهد في سبيل وضع إطار نظري وعملي للتدريب عليها ألا وهو الطالب أو المترجم المتدرب.
- واجب الطالب أو المترجم المتدرب
على الطالب أو المترجم المتدرب أن يدرك من أول يوم يقرر فيه خوض غمار هذا العمل المضني كم هو شاق هذا العمل وكم هي غالية الثمرة المرجوة من وراءه وكم عليه أن يبذل من الجهد كي يحقق مراده منه أو كي تتحقق على يديه آمال الأمة أو بعضها.
أولا: عليه أن يقرر منذ يومه الأول أي من مجالات العمل سيكون مجاله ولأية مرتبة ينتوي أن يرتقي فيها. فإن كان قراره كمتعلم لأية لغة أجنبية أن يصبح معلما لهذا اللغة لبني جلدته فهنيئا له ولمن سيتعلم على يديه، فهو شخص يعرف ما يريد وعليه بعد ذلك أن يدرك ما يتطلبه ذلك من جهد ونوعية ذلك الجهد المنتظر منه أن يبذله. أما وقد اختار أن يكون مترجما، فلذلك متطلبات تختلف كثيرا عما تتطلبه مهنة التدريس على عظيم خطرها. فيمكن للمترجم أن يوصف باختصار بأنه مثقف رغم أنفه وأنه المتعلم دائما. فمهنة الترجمة تحتاج لإنفاق الكثير والكثير من الجهد والوقت والمال للوصول فيها إلى مرتبة سامقة تعجب الآخرين وتحوز تقديرهم.
ثانيا: على المترجم المتدرب أن يدرك أن الترجمة علم وفن في ذات الوقت، فهي فن يحتاج لموهبة ولكن الموهبة لا تحيا وحدها فهي تحتاج لصقل ولحسن تعهد وإلا ضاعت كما تضيع آلاف المواهب في بلادنا بسبب الإغفال أو الإهمال أو اللامبالاة.
ثالثا: عليه أن يدرك أن الجامعة أو المؤسسة التعليمية أو التدريبية مهما بلغت درجة الإتقان بها لن تمنحه أكثر من عشرين بالمائة مما يحتاجه كمترجم، أما الثمانين بالمائة الباقية فهي متروكة له ولجهده في سبيل تحقيق حلمه وصقل موهبته.
رابعا: عليه أن يزيد من معرفته باللغة الأجنبية التي يدرسها جنبا إلى جنب مع لغته الأم حيث أن المترجم كي يكون مترجما محترفا عليه أن يكون ثنائي اللغة، ثنائي الثقافة، فلا يكفي أن يتقن اللغة الأجنبية ويترك نفسه فريسة الجهل بلغته الأم وطرقها المختلفة في التعبير عن الأشياء بصورة طبيعية ودقيقة.
خامسا: عليه أيضا أن يختار لنفسه مجالا يتخصص فيه، فلا يمكن للمترجم أن يبرع في أداء مهامه الترجمية في كل مجالات أو فروع المعرفة والعلوم بنفس القدر من المهارة والإتقان دون أن يطغى جانب على جوانب أخر. لذا، وجب على المترجم أن ينظر في ملكات نفسه ليرى ما هو قادر على أداءه بصورة أفضل وأكثر اتقانا فيزيد من معرفته به وينمي قدراته المعرفية والتدريبية في كل ما من شأنه أن يعينه على أداء وظائفه الترجمية في هذا المجال المختار بصورة أقرب ما تكون إلى الدقة والإتقان.
سادسا: وعليه أخيرا أن يجد لنفسه – إن استطاع إلى ذلك سبيلا – أبا روحيا ومرشدا من ذوي الخبرة من المترجمين أو أعضاء هيئة التدريس الذين يبذلون من وقتهم وجهدهم الكثير بما يعود بالنفع على طلابهم وبما يهديهم على طريق الترجمة فهي ولا شك طريق وعرة تحتاج لهاد مخلص يهدي كل متدرب طريقه.
- واجب عضو هيئة التدريس
لن أكون مبالغا إن قلت إن عضو هيئة التدريس هو العمود الفقري بل حجر الزاوية في عملية التدريب على الترجمة، فبدونه لن يجد الطالب من يهديه الطريق ولن تجد المؤسسة التعليمية أو التدريبية أو حتى الدولة من يقوم على أمر تعليم الترجمة والتدريب عليها ونقل الخبرات بما يضمن التواصل المعرفي بين الأجيال. وإن كان الأمر كذلك في الحقيقة إلا أن على عضو هيئة التدريس أو معلم الترجمة واجبات ومسئوليات جسام عليه أن يضطلع بها كي تحقق العملية التدريبية المرجو منها.
أولا: على عضو هيئة التدريس الذي يقوم بتعليم الترجمة بأنواعها المختلفة للطلاب في أية مؤسسة تعليمية أو تدريبية، عليه أن يكون هو نفسه مترجما على درجة عالية من المهارة الحرفية إلى كونه معلما كفؤا كي يستطيع أن يعلم طلابه خفايا هذا الفرع المشكل من العلوم والمعارف وهو يقف على أرضية صلبة قد صقلتها الخبرة وحنكتها كثرة النصوص التي تعرض لها على اختلاف مجالاتها ودرجات صعوبتها.
ثانيا: نظرا للسرعة الكبيرة التي يتغير بها العالم ومن ثم مهنة الترجمة، فإنه لا يمكن بحال أن يقبل أن يتم تدريب الطلاب باستخدام نصوص قديمة قد عفا عليها الزمن ومرت سنوات على استخدامها لأن ذلك من شأنه أن يحرم الطلاب الاطلاع على المستجدات من الأحداث بما تحمله بين طياتها من مصطلحات مستحدثة وأساليب مبتكرة في التعبير واستراتيجيات مخترعة في الكتابة والتأليف مما يجعلهم أسرى لماضي المعلم الذي قد يجده نوعا من العرفان بالجميل لأساتذته أن يقوم هو بتدريس نفس النماذج والنصوص التي تدرب هو عليها لطلابه حتى بعد مرور سنوات وسنوات عليها! وبالتالي، فإنني أرى أنه لا ينبغي أبدا أن يقوم المعلم بتدريس النماذج الترجمية أو النصوص المستخدمة للتدريب لأكثر من عامين متتاليين ويجب عليه بعدها أن يقوم بتحديث قاعدة بياناته وأن يختار نصوصا تكون أكثر ملائمة للعصر في سرعته وشدة تنوعه.
ثالثا: ينبغي عليه أيضا أن يكون لديه متسع من الوقت وكثير من الجهد كي ينفقهما في سبيل تعليم طلابه على أن تحدو كل ذلك الحماسة التي تشعل همته وتدفعه لأن يتعرف على كل ما يجري في سوق الترجمة وصناعتها.
رابعا: أخيرا وليس آخرا، على عضو هيئة التدريس أن يبذل جهدا وافرا في تصحيح الواجبات الترجمية التي تعطى للطلاب وتقويمها بأقصى درجة من التفصيل والدقة بما يسهم في تطوير أدائهم وتحسين قدرتهم التعبيرية والترجمية. حيث عليه أن يستثمر أخطائهم في بيان ما يصح وما ينبغي عليهم أن يتعلموه بصورة عملية بما يساعد على تعلمهم اللغة بصفة عامة والترجمة واستراتيجياتها بصفة خاصة.
- واجب المؤسسة التعليمية/التدريبية
يعد لزاما على المؤسسة التعليمية أو تلك التي تضطلع بمهمة تدريب المترجمين أن تدقق بادئ ذي بدء في إعداد المقررات الدراسية وتوصيفاتها الخاصة بحيث تراعي في ذلك عدة أمور :
أولا: ينبغي قبل قبول الطلاب للالتحاق ببرامج تعليم الترجمة أن تقوم المؤسسة باختبارهم للوقوف على مدى استعدادهم اللغوي والثقافي لخوض غمار هذه المهنة الشاقة ولا ينبغي أبدا التساهل في اختيار هؤلاء الطلاب بأي صورة من الصور. فمن المسلمات أن تتوافر للمترجم المتدرب دراسة مكثفة ومنتظمة للغة التي يود العمل بها مع إجادته التامة للقراءة بها والكتابة. ومن البديهي أيضا أن يجيد الطالب المتدرب الكتابة بلغته الأصلية فالمترجم في الأصل "كاتب" ومبدع وليس "بناقل لأفكار الغير" كما يقرر عناني في كتابه فن الترجمة.[ii]
ثانيا: ينبغي على المؤسسة التعليمية أو التدريبية أن تقوم برسم الخطوط الفاصلة - وبدقة - بين توصيفات المقررات الدراسية لأنواع الترجمة المختلفة كما الفرق بين الترجمة الشفهية والمنظورة والتحريرية والتتبعية والفورية وترجمة المؤتمرات، إلى غير ذلك من أنواع الترجمة المختلفة ضمانا لعدم التداخل أو حتى التضارب كما يحدث أحيانا في بعض مؤسساتنا التعليمية.
ثالثا: الحرص على مراعاة التدرج في انتقاء نوعية النصوص التي يتم تدريب الطلاب عليها وكذا درجة صعوبتها حيث يملي المنطق البدء بالأيسر ثم يتم الانتقال تدريجيا للأكثر صعوبة لتأهيل الطلاب للقيام بمهام ترجمية عبر نصوص تتفاوت درجة صعوبتها ونوعية المشكلات التي تطرحها.
رابعا: الحرص على اختيار مجالات التدريب تأسيسا على دراسة رفع واقع سوق الترجمة وما تتطلبه تلك السوق من المترجمين توفيرا للموارد البشرية والمالية لكل الأطراف المعنية بالعملية التدريبية بدءا بالمؤسسة نفسها، مرورا بالمعلم، ووصولا للطالب ذاته.
خامسا: ينبغي على المؤسسة التدريبية أيضا أن تعنى بالجوانب التقنية للعملية التعليمية والتدريبية مما يمكن الطلاب من القيام بمهامهم دونما عقبات تذكر. ومن ذلك، على سبيل المثال، توفير أجهزة الحاسب الآلي وبرامج معالجة الكلمات وقواعد البيانات وبنوك أو معاجم المصطلحات وشبكة الانترنت وحق الولوج إلى مواقع الذخائر النصية (Corpora) وكذا المجلات والدوريات المتخصصة والتي تعنى بمهنة الترجمة لتلبية حاجة الطلاب عند قيامهم بأداء المهام الموكلة إليهم. فمما لا شك فيه أن كل هذه الأدوات والتسهيلات ستشكل في القريب العاجل - بعد انتهاء فترة التدريب - الأدوات التي لا غنى عنها لأي مترجم محترف. فهي ليست علامات ترف وإنما الواجب على المؤسسة التعليمية أن تجعلها جزءا من ثقافتها وثقافة المترجم المتدرب ليصبح قادرا على تلبية احتياجات السوق منه.
سادسا: ينبغي على المؤسسة التعليمية كالجامعة وغيرها أن تقوم بتنظيم المؤتمرات واللقاءات حول الترجمة وكذا السماح لبعض النابهين من الطلاب المتدربين بالمشاركة في عملية التنظيم كنوع من التدريب وإن أمكن أن يقدم بعضهم أوراقا بحثية أو عروضا توضيحية أو حتى كلمات قصيرة تتعلق بالموضوع لتعويدهم ليس فقط على حضور مثل هذه المنتديات، بل والمشاركة الفعلية فيها.
سابعا: ينبغي على المؤسسة التعليمية أيضا أن تعمل على تحفيز طلابها ومتدربيها من خلال تنظيم المسابقات في مجالات الترجمة المختلفة بحيث يمنح الفائزون جوائز مالية وعينية، بل يمكن أن تحتسب جهودهم بطريقة أو بأخرى في بيان الدرجات التي يحصلون عليها تحت بند الأنشطة مثلا.
- واجب مكاتب ومؤسسات الترجمة ودور النشر
مكاتب ومؤسسات الترجمة ودور النشر هي المستفيد الأعظم من عملية تدريب وتعليم المترجمين ولذا فإن عليها أن تتحمل جزءا من التكلفة أو بمعنى آخر أن تسهم بدور ما في العملية التدريبية لمتدربي الترجمة. ويمكن ذلك عن طريق ما يلي :
أولا: التبرع بما يفيض عن حاجتها من أجهزة ومعدات أو تلك التي يتم استبدالها بأخرى حديثة للمؤسسات التي تقوم بتدريب وتعليم المترجمين أو حتى بيعها لها بأسعار رمزية مما يساعد الأخيرة في تدريب الطلاب بصورة عملية على أجهزة حقيقية وبرامج تستخدم بالفعل في السوق الترجمية مما يؤهلهم بصورة كبيرة للعمل بالسوق فيما بعد.
ثانيا: يمكن لهذه المؤسسات ودور النشر أن تقوم بإنشاء وحدات لتصحيح التجارب (البروفات) الطباعية من الطلاب بالمؤسسات التعليمية وللقيام كذلك بمراجعة تحرير المواد التي تزمع نشرها وذلك قبل عرضها على مدققيها اللغويين المحترفين توفيرا لوقتهم ولجهدهم إضافة إلى توفير أموال تلكم المؤسسات أو دور النشر وإعادة توجيهها إلى مجالات أخرى. وبهذه الطريقة، يفيد الطلاب من الممارسة العملية بما يتضمنه ذلك من الاطلاع على هذه المنشورات وتقديم المساعدة الفعلية في سبيل إخراجها بما يعدهم إعدادا جيدا لما يمكن أن يواجهوه إن هم عملوا مستقبلا في مجال الترجمة بدور النشر أو حتى التحرير بها. وبالطبع يمكن القيام بذلك كله بعد الاتفاق على وجوب احترام حقوق الملكية الفكرية وعدم إفشاء الأسرار أو تسريب الوثائق الخاصة بتلك المؤسسات أو دور النشر إلى أي طرف ثالث.
ثالثا: يمكن لهذه المؤسسات ودور النشر أن تسهم بإبتعاث مترجميها المحترفين ومراجعيها للقيام بإلقاء محاضرات ودورات تدريبية مكثفة لهؤلاء الطلاب بما ينقل إليهم جزءا من خبرة هؤلاء الخبراء بصورة كبيرة.
رابعا: يمكنها كذلك تقديم بعض منح التدريب أثناء العمل لبعض الطلاب النابهين مع تقديم وعد لهم بالتعيين بعد تخرجهم واجتيازهم الاختبارات اللازمة للالتحاق بالعمل بها مما يعد حافزا كبيرا لعدد غير قليل من الطلاب ومتدربي الترجمة كما لا يخفى على حصيف.
- واجب المؤسسات الإعلامية
يمكن كذلك للمؤسسات الإعلامية، الإقليمية منها والدولية، أن تسهم في هذه العملية بما يلي:
أولا: توفير التدريب لهؤلاء المترجمين المبتدئين عن طريق خبراءها الإعلاميين على التعاطي مع الأنواع المختلفة للخطاب في ضوء الترجمة بحيث يتم تدريبهم على ترجمة كل نوع منها والتعاطي مع مصطلحاته الخاصة وكذا أساليبه المتبعة والمتداولة.
ثانيا: تقديم المنح التدريبية أثناء العمل تماما كما هو مقترح على مكاتب الترجمة ومؤسساتها إضافة إلى دور النشر مع تحفيز الطلاب عن طريق تقديم الوعود لهم بمنحهم الأفضلية أو الأولوية عند التعيين ما أمكن ذلك.
ثالثا: التبرع بما يفيض عن حاجتها من معدات كالحاسبات الآلية ومعدات التصوير والطباعة لمؤسسات تدريب المترجمين وتأهيلهم.
رابعا: تنظيم ندوات متخصصة لبيان أهمية الترجمة في النهوض الحضاري للأمة على أن يدعى إليها المتخصصون والمترجمون من ذوي الخبرات الكبيرة والمتنوعة.
خامسا: إفساح المجال لبعض هؤلاء المتدربين عن طريق نشر الجيد من أعمالهم على صفحات تلكم المؤسسات الإعلامية سواء الورقية منها أو الإليكترونية حتى لو كان المقابل أو المكافأة هي عملية النشر في حد ذاتها فهي في الأول والأخير مكسب كبير للمترجم المتدرب.
- الواجب الرسمي أو واجب الدولة
على الدولة أن تتخذ من التدابير والإجراءات ما يحقق الهدف القومي من وراء تدريب المترجمين وتعليمهم بما يعود بالنفع على الجميع كما يلي :
أولا: الاعتراف بأهمية الترجمة كنقطة محورية في بناء جسور التواصل الحضاري بين البشر ذوي الثقافات المختلفة والمتنوعة.
ثانيا: تقديم الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات التي تقوم على تدريب هؤلاء المترجمين بما يلبي احتياجاتها واحتياجات أعضاء هيئات التدريس بها صونا للأخيرة من اللهث وراء فرص عمل أخرى بجانب التدريس لزيادة الدخل مما يساعد على التركيز التام على تعليم الطلاب وتدريبهم ومنحهم ما يستحقونه من رعاية وعناية.
ثالثا: العمل على تغيير الثقافة المجتمعية السائدة بأن المترجم هو أدنى درجة من الكاتب حيث أنه ناقل لأفكار غيره وبيان أنه لولا المترجم ما وصلت أفكار الكاتب إلى الغير.
رابعا: إعادة إحياء تجربة "بيت الحكمة" في بغداد والتي ساهمت بشكل كبير في إرساء الأسس لنهضة علمية عربية إسلامية عمقت المعارف البشرية ووسعت نطاقها وأضفت على الحضارة الإنسانية عمقا لم تشهده من قبل.
خامسا: إنشاء نقابة للمترجمين تقوم على شئونهم وشئون مهنة الترجمة وتقوم كذلك بالتنسيق بين أعضاءها وأعضاء النقابات المماثلة في الدول العربية والإسلامية الأخرى ضمانا لعدم تكرار الجهود ومن ثم تضييع الموارد التي هي في الأصل محدودة للغاية.
سادسا: الإعلان عن جائزة سنوية تمنح لأفضل مترجم أو معلم ترجمة كحافز لهما ولغيرهما للاستمرار في العطاء والبذل في مجال الترجمة وتعليمها.[iii]
الخاتمة
وفي الختام، فإن هذه محاولة للفت نظر جميع الأطراف المعنية بالعملية الترجمية إلى أهميتها وإلى مغبة التقصير في اضطلاع كل بدوره بدءا من المترجم المتدرب ومرورا بالمعلم وبالمؤسسة التعليمية ومكاتب الترجمة ودور النشر والمؤسسات الإعلامية ووصولا إلى الدور الرسمي المتمثل في الدولة بما لها من يد طولى تستطيع بها أن تغير فقط إن هي شعرت بأهمية هذا التغيير وشعرت بمسيس الحاجة [iv]إليه. فإن الله يذع بالسلطان ما لا يذع بالقرآن. اللهم ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد !
[i] الخضري ، إبراهيم السيد (2010). مدخل إلى احتراف الترجمة. صص (24-25). مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع. الطبعة الأولى. مصر.
[ii] عناني ، محمد (2003). فن الترجمة. صص 5-10. الشركة المصرية للنشر – لونجمان. مصر.
[iii] اقترح علي أحد الأصدقاء من الباحثين في اللغة الفرنسية وهو الباحث أسامة عبد الجليل بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وأنا أحدثه عن فكرة هذا المقال قبيل إعداده للنشر أن يكون اسم الجائزة "شيخ المترجمين" ، إلا أن هذا الاسم يصلح فقط للقدامى من المترجمين ونحن هنا بصدد تشجيع الجيل الجديد من المترجمين وتحفيزهم لخوض غمار هذه المهنة الشاقة كما أسلفت في غير موضع.