نحن وإسرائيل.. المشكلة في ضعفنا لا في قوتها
نحن وإسرائيل.. المشكلة في ضعفنا لا في قوتها
أحمد الشجاع
[إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] في الآية الكريمة قاعدة عامة لكل من يسعى لتغيير حاله نحو الأفضل..
ويقول علماء التفسير إن الله تعالى لا يغير نعمة أو بؤسى، ولا يغير عزاً أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة.. إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم. وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون. ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقاً له في الزمان بالقياس إليهم.
وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم.
وترتبط هذه القاعدة بحقيقة الاختيار التي وضعها الله تعالى في الإنسان وميزه بها عن غيره من الخلق.. ففي النفس والعقل والقلب يقع مناط تحديد مسار الاختيار الذي سيتضح جانبه العملي عبر جوارحه.
ونية الفرد وإرادته وسلوكه يؤثر على نفسه وعلى ما حوله بشكل تصاعدي بدأً من حالته الشخصية (روحاً وجسداً) مرواً بأمته وصولاً إلى الناس جميعاً، وحتى الكائنات الحية الأخرى والجمادات.
والصلاح والفساد والقوة والضعف صفات لها نفس المصدر في داخل الإنسان، وما يحد الاختلاف بين هذه الصفات هي عملية الإعداد الداخلي الذاتي بناءً على المقاصد التي يريدها الإنسان. وعلى ضوء واقع النتائج يتحدد المسار التطبيقي في هذه الحياة وأثره ومصيره.
فالإفساد في الأرض سلوك مبني على سوء مقصد، وتجري وقائعه في مسار الضرر العام الشامل، لينتهي إلى نتائج عكسية لا تحقق مقاصده، ولا تحمي صاحبه مهما بلغت قوته.. وعلى عكس ذلك يكون الإصلاح في الأرض.
وفي تقريرنا هذا نموذج من الإفساد في الأرض ذكره الله تعالى في كتابه الكريم، ألا وهو فساد بني إسرائيل من حيث نوعه ومداه ومصيره والأسباب التي حددت أوصلته إلى ذلك المصير.. ثم عوامل النجاح المطلوبة في الذين يواجهون الإفساد ويقاومونه..
بيان القرآن
قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} [الإسراء: 1-10].
جاء في تفسير ابن كثير: "لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد، صلوات الله وسلامه عليه، عطف بذكر موسى عبده وكليمه عليه السلام أيضاً، فإنه تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما السلام وبين ذكر التوراة والقرآن؛ ولهذا قال بعد ذكر الإسراء: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} يعني التوراة {وَجَعَلْنَاهُ} أي الكتاب {هُدًى} أي هاديًا {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا} أي لئلا تتخذوا {مِنْ دُونِي وَكِيلا} أي وليًا ولا نصيرًا ولا معبودًا دوني..".
وعند قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} قال ابن كثير: "تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمدًا صلى الله عليه وسلم"..
ثم قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}.. إلى آخر هذه القصة، وهنا
اختلف المفسرون في معنى "قضينا" في هذه الآية هل بمعنى الإعلام والإخبار أو أنه حكم مضى عليهم، وفي "الإفسادتين" متى كانتا، وفي المقصود بـ"عباد لنا" هل هم من المؤمنين أو من الكفار.
والذي عليه أغلب المفسرين أن معنى "قضينا" في هذه الآية هو الإخبار، يقول الإمام ابن كثير: "يقول تعالى: إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب، أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين"، واستدل على هذا المعنى بقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر: 66] أي: تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به.
وهذا الذي اختاره الإمام الطبري في تفسيره مستنداً إلى إجماع القراء على قراءة قوله تعالى (لتفسدن) بالتاء دون الياء، مبيناً أنه لو كان معنى الكلام: وقضينا عليهم في الكتاب، لكانت القراءة بالياء أولى منها بالتاء، ولكن معناه - لما كان أعلمناهم وأخبرناهم وقلنا لهم-: كانت التاء أشبه وأولى للمخاطبة.
أما الإفسادتان في قول الله تعالى: [لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ] فيرى بعض أئمة التفسير أن الأُولى كانت في قتل زكريا عليه السلام، فبعث الله عليهم ملك النبط، وبعضهم قال إن الله بعث عليهم جالوت في الإفسادة الأولى قبل أن يقتله داوود عليه السلام. وفي الثانية يُروى أن الله سلط عليهم الملك بختنصر ملك بابل، ويُروى أنه سنحاريب ملك الموصل.
ورغم أن الطبري نقل إجماع أهل العلم على أن الإفسادة الثانية كانت بقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام، إلا البعض يرى أن الثانية وقعت في عهد رسول الله، وقد روى ابن كثير عن قتادة قوله: "إن بني إسرائيل عادوا، فسلط الله عليهم هذا الحي، محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يأخذون منهم الجزية عن يد وهم صاغرون".
ومن المتأخرين يرى سيد قطب – في تفسيره (الظِلال) - أن الإفسادتين قد وقعتا قبل الإسلام، لكنه لم يحدد زماناً معيناً؛ إذ يرى أن ما حصل لهم على يد رسول الله والصحابة - ومن بعدهم إلى زماننا - هذا هو تحقيق لوعيده تعالى: {وإن عدتم عدنا} بعد أن عادوا للإفساد من جديد، حيث يقول: "ولقد عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها. ثم عادوا إلى الإفساد فسلط عليهم عباداً آخرين، حتى كان العصر الحديث فسلط عليهم (هتلر). ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة (إسرائيل) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات. وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، تصديقاً لوعد الله القاطع، وفاقاً لسنته التي لا تتخلف..".
أما الشيخ الشعراوي فيرى أن الإفسادة الأولى كانت على عهد رسول الله فسلط الله عليهم رسول الله وصحابته، والإفسادة الثانية هي الحالة التي عليها إسرائيل الآن واليهود في العالم، حيث تمكنوا من بسط نفوذهم السياسي والمالي في العالم. وبالتالي يرى أن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى مرة أخرى كما دخلوه أول مرة أثناء الفتح الإسلامي لبيت المقدس في عهد الفاروق عمر بن الخطاب. وقوله هذا مبني على رأيه بأن المقصود في قول الله تعالى: "عباداً لنا" هم المؤمنون به وليس الكفار، وتوسع في طرح أدلته المؤيدة لاعتقاده.
أما الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي فقد ذكر - في تفسيره لكلمة "عباداً لنا" - اختلاف المفسرين في تعيين هؤلاء المسلطين، إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار.
وقول السعدي هنا قد يكون مبنياً على اعتقاده بوقوع الإفسادتين قبل الإسلام - حيث لم يرجح أي من الأقوال - لأنه مر معنا أعلاه رواية قتادة بأن الإفسادة الثانية كانت في عهد رسول الله وصحابته حيث سلطهم الله على بني إسرائيل.
إفساد لم يتوقف
عموماً لقد ذكر المفسرون تفاصيل وأدلة كثيرة حول معاني ومقاصد الآيات السابقة.. والذي يهمنا - هنا - هو أن فساد اليهود لم يتوقف منذ أن انحرفوا عن دينهم وحرفوا كتابهم، وقد ذكر القرآن تفاصيل ذلك، وكشفهم لنا؛ لنتمكن من التعامل معهم على بصيرة.
وسواء كان احتلال اليهود لفلسطين ونفوذهم العالمي هو الإفساد الثاني أو غيره فإن الله قد ربط دمارهم بفسادهم: [وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا]، وبيّن أن هلاكهم سيكون على يد عباد أولي بأس شديد.
وكُتب التاريخ تشهد على كثرة فساد اليهود ونقمة الأمم عليهم ونبذها لهم على مر العصور، وهم حالياً يعيثون في الأرض فساداً، أسوأه في بلاد المسلمين (فلسطين).
والعبرة هنا هي صفات الذين سيواجهون فساد وبطش اليهود في فلسطين، فالقرآن لم يذكر من صفاتهم إلا القوة والبأس الشديد، ولم يحدد صفتهم الدينية؛ ومن هنا كان اختلاف المفسرين حولهم.
وبما أن فلسطين أرض إسلامية فالمعني بتحريرها هم المسلمون، وبالتالي فلابد من أن تتوفر فيهم صفات القوة والبأس الشديد التي ذكرها القرآن.. إلى جانب الصفات التي جاء بها الشرع وكل التوجيهات التي تعين على بناء القوة، بدأً بالقوة الروحية وانتهاء بالقوة المادية.. وأفضل من عمل وفهم هذه التوجيهات وعمل بها وطبقها ونجح في ذلك هم الصحابة ومن بعدهم من خيرة هذه الأمة الذين نشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
قوتهم في ضعفنا
أثبتت الأحداث منذ احتلال اليهود لفلسطين وإلى اليوم أن ضعفنا هو السبب الرئيس في عجزنا عن تحرير فلسطين وليس ما لصق في أذهان الناس بأن إسرائيل دولة لا تقهر.
وفيما يلي بعض ملامح فساد إسرائيل والمؤشرات على أن قوة إسرائيل وهْمٌ، وأن المشكلة في ضعف المسلمين.
مؤشرات زوال إسرائيل
في الآيات السابقة وغيرها من أدلة الشرع بيان كافي بأن زوال إسرائيل أمر لاشك فيه، ومن منطلق الشرع يمكن أن ننظر في واقع الحال ووقائع الأحداث في كل زمان ومكان، ومن ذلك واقع القضية الفلسطينية وحقيقة الاحتلال الإسرائيلي، منهجاً وسلوكاً..
ومن أهم مؤشرات زوال إسرائيل الإفسادُ في الأرض (احتلال وظلم وبطش.. إلى آخره)، فلم يأت من اليهود منذ احتلالهم فلسطين إلا الشر كله، وهذا أمر لا يخفى على أحد، ويسمعه ويشاهده الجميع كل يوم، وفي هذا التقرير نذكر بعض الشواهد على ذلك مع التركيز على شهادات يهودية وغربية، أما واقع القتل والاضطهاد اليومي الذي تمارسه إسرائيل فغني عن الذكر ولا يسع الإنسان جهله.
إسرائيل طفل لقيط
وصف مؤرخ إسرائيلي بارز إسرائيل بالطفل اللقيط مطالباً الإسرائيليين بالاعتراف بأن تأسيس دولتهم بني على اغتصاب الحقوق العربية وتسبب في نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده.
واعتبر شلومو زانت أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة تل أبيب - في مقابلة أجرتها معه صحيفة (فرانكفورتر روند شاو) الألمانية ونشر موقع الجزيرة نصها في يونيو العام الماضي - "أن إصرار إسرائيل على مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية يمثل تطوراً خطيراً في بلد ربع سكانه من غير اليهود".
ونفى زانت وجود ما يسمى بالشعب اليهودي معتبراً اليهودية ديانة وليست أمة، وقال: "إن مصطلح الشعب اليهودي ليس إلا مصطلحاً مختلقاً اخترعه المؤرخون الصهاينة الذين استغلوا الإنجيل وحولوه من كتاب ديني وأدبي يمثل تحفة فنية إلى كتاب للقصص بهدف الترويج لأسطورة الشعب اليهودي".
وأشار زانت - الذي أثار كتابه (الشعب اليهودي المختلق) جدلاً حاداً داخل المجتمع الإسرائيلي - إلى أن "ما يشاع عن تهجير اليهود من فلسطين وتشتتهم في القرن الأول الميلادي هو أيضاً مجرد أسطورة مختلقة".
وأوضح المؤرخ أن وجود اليهود في أماكن مختلفة بالعالم خلال العصور الوسطى حدث نتيجة لاعتناق سكان هذه الأماكن اليهودية وليس بسبب هجرة اليهود إليها.
وأشار إلى أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على التمسك بمصطلح الدولة اليهودية يرتبط بالمخاوف التاريخية العميقة الموجودة في المجتمع الإسرائيلي بشأن الهوية ولا يستند إلى حقوق تاريخية...
وقال المؤرخ الإسرائيلي: "إن إسرائيل طفل لقيط ولد نتيجة عملية اغتصاب لحقوق المواطنين العرب..".
وأضاف زانت أن تزايد إحساس اليهود في كل مكان - بعد المحرقة (الهولوكست) - بارتباطهم المشترك لا يعني أنهم شعب مختار.
وذكر أنه يشعر على المستوى الشخصي برباط مع زميله العربي أكثر من ارتباطه مع يهودي يعيش في نيويورك، ونفى وجود ثقافة موحدة لليهود في العالم، مشيراً إلى أن الاعتقاد الديني الواحد هو ما يجمعهم.
وقال زانت إن عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم حق مشروع من الناحية الأخلاقية إلا أنه غير قابل للتحقيق من الناحية السياسية، مشيراً إلى أن حلم الفلسطينيين بالعودة ربما يتحول حال تطبيقه إلى حلم مزعج لكثير من الإسرائيليين.
واعتبر أن الوقت قد حان لإسرائيل للاعتراف رسمياً بأن تأسيسها أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده، وخلص إلى أن اليهود مطالبون أخلاقياً وسياسياً بتحمل المسؤولية الكاملة عن ما تعرض ويتعرض له الفلسطينيون من معاناة.
دولة عنصرية
أكدت وزيرة التعليم الإسرائيلية السابقة والناشطة من أجل حقوق الإنسان شولميت ألوني - في كتاب لها صدر عام 2008م بعنوان (ديمقراطية مقيدة بالأصفاد) – أن إسرائيل لم تعد ديمقراطية بعد تحولها لإثنوقراطية، يسودها الأبرتهايد وتفوح منها روائح العنصرية على أنواعها.
وأشارت إلى أن النظام الديمقراطي في إسرائيل شهد تراجعاً متواصلاً إذ تحولت رسمياً لإثنوقراطية بعد إقرار قانون كرامة الإنسان وحريته عام 1992م والذي عرف إسرائيل بأنها "يهودية وديمقراطية" وأنها تراجعت عن تعريفها الوارد في "وثيقة الاستقلال" لإسرائيل كدولة لكل مواطنيها.
واستعرضت الوزيرة مظاهر نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في إسرائيل وإصرارها على رفض السلام منذ عقود وتكشف فظاعات وجرائم ارتكبتها تباعاً.
وتطرقت الكاتبة لتشبث الإسرائيليين بخطاب الضحية تارة وخطاب القوة والقدسية والبطولة تارة أخرى "على غرار موسيليني مؤسس إيطاليا الفاشية"، وقالت إنها بالمقارنة مع فترة التأسيس تستغرب كيف تحول الإسرائيليون اليوم لمجتمع "طماع ومادي وفاسد".
وتقول إن اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحق رابين عام 1995م جاء على خلفية انفلات العنصرية منذ الثمانينيات التي شهدت محاولات تشريع قوانين أسوء من "قوانين نيرنبرغ"، ولا تستبعد قتله تآمراً من قبل الشاباك.
كما ترى أن إيهود براك - عندما كان رئيس الوزراء - قتل اتفاقية (أوسلو) بعدما كال التُهم للفلسطينيين واستخدم "فرية اللاشريك" في الطرف الآخر لمنع أي تقدم في المفاوضات، وتفيد بأن إسرائيل تسعى دوماً لبناء ذاتها على شعور أوروبا بالندم بعد الكارثة، وتدأب على تكرار موالها المضحك "حقها في العيش بأمن بدون تهديدات بقذف اليهود في البحر".
وتشير الوزيرة السابقة إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ذرٌ للرماد في العيون واحتيال ومحاولة تجميل، وتقول: "المواطنون الدروز المقيمون بيننا والذين يخدمون في جيشنا ونصفهم بـ"الإخوة بالدم"، هل هم متساوو الحقوق مع اليهود"؟.
وتذكر أن إسرائيل ما فتئت تستخدم أنظمة الطوارئ الانتدابية بما يفوق ما استخدمه البريطانيون طيلة فترة الانتداب، وتشير إلى أن المستوطنين وبمساعدة الحكومات وجيشها يسعون لتحقيق فرائض توراتية بقتل وتدمير وتهجير الفلسطينيين وتضيف "فرائض ترانسفير تماماً".
وتروي ألوني ما قام به الإسرائيليون خلال العدوان الثلاثي عام 1956م فتقول إنها سمعت حديث ضباط عن عمليات السلب والنهب في غزة، وتقدم ألوني شهادتها حول قتل الأسرى المصريين فتضيف "سمعت أحاديث سرية كثيرة رويت خلف الكواليس عن معارك وعن تصفية الأسرى من خلال التدرب على إطلاق النار عليهم فضلاً عن مجزرة كفر قاسم".
وفي معرض تلخيصها تؤكد ألوني بمرارة أن إسرائيل ورغم امتلاء خزينتها تهمل جهاز التعليم والمؤسسة الأكاديمية والثقافة فيما يتفاقم الفساد فيها، وتشدد على أن المجتمع المثالي الذي حلم به جيل المؤسسين آخذ في التبخر، وتقول إنهم يتلاشون تاركين خلفهم دولة غير ديمقراطية بل صارت "غيتو يهودي" بكل أفكاره المسبقة تضاف لها القوة العسكرية وقوة المال والسيطرة.
عنصرية التعليم
وقبل أشهر قليلة صدرت دراسة إسرائيلية تؤكد نتائجها أن كتب التعليم الإسرائيلية حالت دون تحقيق السلام مع العرب. وحسب الدراسة - التي أعدها الباحث الإسرائيلي إيلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا - فإن كتب التدريس الإسرائيلية أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصراع الإسرائيلي العربي، وكرست حالة الحرب، وحالت دون التوصل للسلام.
وفي سياق عرضها للدراسة نقلت صحيفة الشرق الأوسط – في سبتمبر الماضي- وصف بوديا لمناهج التدريس اليهودية بالمنحرفة، مشيراً إلى أنها تتميز بطغيان الصورة النمطية والأفكار المقولبة حيال العرب، وزرع كراهيتهم في نفوس التلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأن ما يجري داخل جدران المدارس يؤثر إلى مدى بعيد في قرار الحرب والسلام لدى قادة إسرائيل.
وأشار البحث - الذي جاء تحت اسم (الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية العبرية) - إلى أن الكتب المدرسية رعت نوعاً من الصراع الصامت بين الطرفين وحافظت عليه، وقادت بطريق غير مباشر إلى إثارة الصراع المسلح.
وأكد بوديا، أن جهاز التعليم الإسرائيلي اختار النهج القومي الذي يخضع الماضي لاحتياجات الراهن والمستقبل على حساب الحقيقة والموضوعية في كتابة التاريخ بهدف خلق ذاكرة جماعية متميزة، موضحاً أن ثلاثة أرباع الكتب المدرسية ليست مجازة مما يعني تعرض التلاميذ إلى مواد أكثر خطورة. وأكد أن كتب التاريخ الإسرائيلية التي أخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير والتمجيد بأبطالها ضمن صهر المهاجرين في بوتقة وذاكرة جماعية واحدة.
ولفت الباحث إلى أن تلك الكتب وصفت الصراع بطريقة تبسيطية أحادية الأبعاد ومشبعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم؛ مما أدى إلى ترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائماً بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير".
وحول تناول هذه الكتب لأول مواجهة مع المسلمين التي حدثت في المدينة المنورة، فإن هذه الكتب تصف القبائل اليهودية في تلك الفترة بأنها "شريفة ومحترمة وشجاعة"، بينما وُصِف العربُ بأنهم "ماكرون وخونة"، وبأنهم هزموا اليهود "بالخدعة والمؤامرة".
وأشار الكاتب إلى أن تعابير مثل متوحش ومحتال ومخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيراً ما تستخدم في وصف العربي بينما ما يرتكب ضد اليهود يسمى عداوات ومذابح ومجازر بغية خلق صلة بين العرب وبين اللاسامية المتأصلة في تجارب التاريخ اليهودي في أوروبا، مشيراً إلى أن العرب يوصفون بأنهم النسخة الحديثة من العماليق، ألد أعداء الإسرائيليين في التوراة.
ويقتبس بوديا قول الباحث اليهودي سيغريد ليحمان، الذي قال: "نحن كيهود نميل إلى رؤية العربي كغير اليهودي كأحد الأغيار، نحن كأوروبيين نراه آسيوياً خصماً لتطلعاتنا القومية وكاشتراكيين نحن نراه كممثل لأشد أنماط الرجعية سواداً".. واقتبس من كلام وزير التعليم السابق زبولون هامر قوله: "هناك زعماء عرب يظنون أنهم إن لم يكونوا قادرين على القضاء علينا في ميدان المعركة، فإنهم سينجحون في فعل ذلك عن طريق عملية السلام".
ويؤكد الباحث أن كتب التدريس الإسرائيلية تحاول أن تكرس قناعة مفادها أن السلام مع العرب، "يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين الناشئة بتقوية الوعي الصهيوني"..
ومن بين نصوص الكراهية والحقد والعنصرية التي تشبعت بها المناهج الإسرائيلية، بحسب ما نقله موقع (إسلام اون لاين):
- "يا أطفال صور وصيدا.. أيها الإرهابيون الصغار.. إني أتهمكم وألعنكم.. ستنامون محطمي العظام.. في الحقول والطرقات.. لا تسألوا لماذا.. إنه العقاب.. والآن حان عقابكم".
- "أما الجنود المصريون الجبناء فيدهشون من بطولة جنود جيش إسرائيل الذي لا يقهر متسائلين في شحوب وخوف: كيف لنا أن ننتصر على شعب من الأبطال كهؤلاء؟!، ويجيبهم أسير إسرائيلي في ثبات: هل سمعتم في حياتكم عن إسرائيليين يستسلمون؟!".
وتأتي هذه النصوص لتدل على مدى الحقد الصهيوني، بل والغدر ونقض العهود والمواثيق مع أن ما تسمى اتفاقية السلام مع مصر قد نصت على أن "يعمل الطرفان على تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح، ويمتنع كل طرف عن الدعاية المعادية تجاه الطرف الآخر"، وتضمنت اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية الموقعة عام 1994م نصوصاً مماثلة.
أما الجانب المصري من تطبيق الاتفاقية المعروفة باسم "كامب ديفيد" والتي من المفترض أنها وضعت حدا لحالة العداء والكراهية بين الشعبين
وفي السياق ذاته، حملت نصوص شعرية مقررة على طلاب إسرائيل في مختلف المراحل الدراسية معاني تتعلق بزرع الروح العنصرية والكراهية تجاه العرب أطفالاً وكباراً، وتدعو لاستمرار الحرب ضدهم.
ومن بين هذه النصوص نص بعنوان (انهضوا أيها التائهون في الصحراء) للشاعر القومي اليهودي الأبرز داخل إسرائيل "حاييم نحمان بياليك" الذي تقرر معظم قصائده على المرحلة الأساسية من التعليم العبري ويحفظها معظم التلاميذ اليهود، جاء فيه:
اخرجوا
فما زال الطريق طويلاً
وما زالت الحرب طويلة
وها نحن ننهض
إلى السلاح إلى السلاح
إني أعرف قدر إسرائيل
فلسوف تقهر الأمة المنبعثة (إسرائيل) العمالقة.
سياسة فاشية
وقبل أيام أكد سياسيون ومثقفون في إسرائيل أن الفاشية فيها تتفاقم وتهدد بتفكيكها، ويتهمون حكومة بنيامين نتنياهو بتأجيج الظاهرة لدوافع الكراهية والشعبوية.
وضمن مؤتمر شعاره (طوارئ من أجل حماية الديمقراطية) عُقد في الكنيست اجتمع 30 نائباً وناشطون ومثقفون يهود وعرب للتصدي لتعديل قانون المواطنة الذي يرهن التجنس بالولاء لإسرائيل "دولة يهودية ديمقراطية"، ولمناهضة ما أسموه موجة الفاشية الجديدة، بحسب ما أوردته الجزيرة نت.
وحذر رئيس الرابطة البرلمانية لمكافحة العنصرية عضو الكنيست شلومو مولا (عن كاديما) مما أسماه طوفان القوانين غير الديمقراطية.
وقال مولا: "جئنا اليوم لنصرخ: كفى للفاشية الليبرمانية".
وقال رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة النائب محمد بركة إن أهالي قرية العراقيب - التي هدمت ست مرات - أبرز ضحايا سياسة التمييز العنصري.
وقال النائب عفو إغبارية إن تفشي العنصرية في إسرائيل غير مفاجئ، ولفت إلى المد اليميني الفاشي الذي يصل الليل بالنهار في تشريع قوانين ضد المواطنين العرب.
وشدد مندوب قرية العراقيب الشيخ صياح الطوري على همجية" إسرائيل المتجلية في هدم القرى العربية في النقب وإلقاء نسائها وأطفالها إلى العراء بلا ماء ولا غذاء.
وتساءل "هل هناك دولة أخرى في العالم تشن حملات عسكرية على مواطنيها كما تفعل إسرائيل، رغم أنهم لم يهاجروا إليها بل العكس؟".
النائب العمالي دانئيل بن سيمون أوضح أنه قدم لإسرائيل في الخمسينيات للمشاركة في "الثورة" التي حولت اليهود إلى مجتمع إسرائيلي.
لكنه قال إن القوانين الجديدة "يهودية ظلامية اضطهادية على نسق حركة طالبان وتعيده إلى فترة المغرب والغيتو"، وتجر إسرائيل إلى الوراء وتؤدي لاضمحلالها "بل تعيدني .. لليهودية التي هربت منها".
وأشار إلى أن إسرائيل تخلق بهذه القوانين واقعا يذكّر بدولة أوروبية عنصرية، في إشارة إلى ألمانيا النازية.
وتحدث المحاضر الجامعي مردخاي كريمنتسر عن خطورة قوانين الولاء، وقال إنها ستدفع للتخوين ولارتكاب جرائم قتل، كما يدلل على ذلك اغتيال رابين، وحذر من أن الفاشية ستطول اليهود لا العرب فقط.
وأوضح البروفسور يارون إزراحي أن إسرائيل قلبت الأمور رأساً على عقب وجعلت السلطة فوق الشعب، وشدد على أن التشريعات العنصرية ستفكك الدولة من داخلها.
وأكد زميله البروفيسور يهودا شنهاف أن مصطلح عنصرية لم يعد ملائماً إزاء تفشي الفاشية في إسرائيل، وقال إن التشريعات العنصرية تخرج اليهود من التاريخ وتعيدهم إلى غربة أسوأ.
كما دعا إلى تعريف ما تشهده إسرائيل اليوم بأنه لاسامية ضد العرب.
ويقول عامير ربابورت المعلّق العسكري في صحيفة (معاريف) الإسرائيلية: "لسنا في دولة سليمة، ولو أننا كنا كذلك لكانت الحكومة هي التي ترسم المبادئ التي يسير عليها الجيش، والتي يفترض أن يعتمدها على المدى الطويل. وما تقوم به القيادة الإسرائيلية حالياً من أجل إيجاد حلّ سلمي في المنطقة هو إفك وليس أفقاً سياسياً كما يتصوّر بعضهم".
متغطرسة
وعلى خلفية جريمة اغتيال المبحوح وصفت صحيفة (ذي غارديان) البريطانية – في مارس الماضي - إسرائيل بالدولة المتغطرسة.
واعتبرت الصحيفة تصرفات إسرائيل بتزوير الجوازات البريطانية وما أحدثت من هوة بينها وبين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، بأنها مؤشرات على الدولة المتغطرسة التي تجاوزت نفسها.
وقالت: "فتزوير الجوازات البريطانية ما هو إلا عمل بلد يعتقد أن بوسعه أن يفلت من العقاب عندما يخطط لاغتيال أعدائه، في الوقت الذي يدعي فيه بأنه يشارك في قيم الدولة التي تقوم على أساس القانون".
يصنعون أعداءهم
ثارت ضجة كبيرة في لندن – أوائل عام 2007م - حول وجهات نظر رئيس وزراء بريطانيا – خلال الحرب العالمية الثانية (ونستون تشرشل) – تجاه اليهود، وذلك بعد الكشف عن وثيقة عمرها 70 عاماً يوجه فيها اللوم إلى اليهود إزاء العداوة التي يتعرضون لها.
وكان تشرشل قد كتب مقالاً في عام 1937م ولم ينشر حتى الآن، ولخص فيه رأيه حول اليهود قبل ثلاثة أعوام فقط من توليه رئاسة الوزراء في بريطانيا.
وكان مؤرخ معروف في جامعة (كمبريدج) هو الدكتور ريتشارد توي قد اكتشف هذه الوثيقة ضمن المستندات المودعة في مركز (أرشيف تشرشل) في الجامعة.
ونقلت صحيفة (الخليج) الإماراتية – يوم 12 مارس 2007م – عن الصحف البريطانية أن هذا المقال ظل مودعاً في أرشيف ووثائق تشرشل في الجامعة من دون أن يلاحظ أحد ذلك.
ويشير تشرشل في مقاله إلى اضطهاد النازي لليهود والعمل على تصفيتهم، فيقول: “إن الشر الذي ارتكبه الذين اضطهدوا اليهود لم يكن هو السبب الوحيد لسوء معاملة اليهود عبر العصور المختلفة”.
وانتقد تشرشل “انعزال اليهود عن المجتمع على نطاق واسع”.
وينتقد تشرشل أيضاً عمليات إقراض الأموال التي يقوم بها بعض اليهود على نحو يتم فيه استغلال المحتاجين إلى هذه الأموال من خلال فوائد باهظة تفرض عليهم وتتراوح مثلاً ما بين 40 إلى 50 في المائة من قيمة الأموال المقترضة، إلا أن تشرشل يبدي تعاطفاً مع اليهود في بعض الأجزاء الأخرى من المقال ويعارض على نحو واضح تعرضهم للاضطهاد.
وهذا النهج الصهيوني في صناعة الأعداء قد بيّنه - بالتفصيل - الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله في موسوعته (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية).
ومن الناحية العملية لم تتوقف إسرائيل عن المضي قدماً في طريق صناعة الأعداء، وتعد قوانين العنصرية التي شرعتها مؤخراً جزءاً من عملية صناعة العدو.
وهذا ما أكده الكاتب الإسرائيلي (زئيف شتيرنهل) – في مقال لصحيفة (هآرتس) منتصف أكتوبر الماضي ونشرته صحيفة (القدس العربي) – عندما قال إن قانون الجنسية الجديد يهدف إلى إنشاء عداوة دائمة بين اليهود والآخرين.
وأشار أيضاً إلى تصريح لوزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان أعلن فيه أن حربهم مع الفلسطينيين حرب أبدية. ويعلق الكاتب على هذا التصريح قائلاً: "أجل الهدف واضح: إسرائيل محتاجة إلى عدو خارجي وداخلي معاً، والى شعور دائم بوضع طوارئ، وأن السلام - سواء مع الفلسطينيين في الداخل أو مع الفلسطينيين الإسرائيليين - قد يُضعفها فيبلغ بها خطراً وجودياً".
إلى أن قال: "بحسب هذا التوجه، هنا بالضبط تكمن المشكلة: فالتفاوض في تقاسم البلاد خطر وجودي؛ لأنه يعترف بحقوق الفلسطينيين المساوية، وبهذا يسعى إلى تقويض مكانة اليهود المتميزة في أرضهم. ولهذا من أجل تهيئة القلوب إلى سيطرة اليهود وحدهم على سكان البلاد جميعاً يجب أن نتمسك بمبدأ يقول إن الأصل في حياة البشر ليس المشترك بل المميِّز. وما هو الشيء الأكثر تمييزاً من التاريخ والدين؟".
ورغم أن الكاتب يتهم التيار اليميني المتطرف في السلطة بتبني هذا النهج العدائي إلا أننا لم نجد – منذ قيام إسرائيل – وإلى اليوم فارقاً كبيراً في عملية صناعة الأعداء، فالاحتلال باق والقتل مستمر، والتشريعات العنصرية لم تتوقف عن الصدور، والتلاعب بما يسمى "عملية السلام" تتوارثه الحكومات الإسرائيلية سواء اليسارية أو اليمينية.. أما الفارق الوحيد هو أن الحكومات الإسرائيلية المتطرفة تكون أكثر صراحة وجرأة في إعلان عداوتها بخلاف الحكومات اليسارية التي تنتج كل أنواع العداوة بطرق أكثر هدوءاً وأقل صخباً.
العالم يتغير
والملاحظ أن العالم - خصوصاً الغربي - بدأ يفيق من سباته ويدرك بشاعة ما تقوم به إسرائيل، وكان ذلك نتيجة زيادة الإفساد الإسرائيلي فلم يعد يتحمل كثيراً ما تفعله، ولم يكن ذلك معهوداً من قبل، ولم تعد إسرائيل تملك تلك الصورة المحسنة في الغرب.
فقد كشفت صحيفة (الأوبزورفر) البريطانية – في يونيو 2007م - عن تزايد الضغوط لمقاطعة البضائع الإسرائيلية.
وأوضحت الصحيفة أن عدداً من النقابات العمالية والأكاديميين والصحفيين والكنائس يجرون مناقشات بشأن التكتيكات اللازمة لذلك مع حلول الذكرى الأربعين لحرب يونيو 1967م.
وأرجعت سبب تنامي فكرة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل سواء بين البريطانيين أو على المستوى الدولي إلى إخفاقات مبادرات السلام واحدة تلو الأخرى.
أضف إلى ذلك الصور اليومية للعنف الذي يتعرض له الفلسطينيون وما نجم عنه من تمزيق لمجتمعهم، فضلاً عن التباين الصارخ في عدد الضحايا بين الإسرائيليين (27 قتيلاً فقط خلال العام 2006م) والفلسطينيين (650 شهيداً بينهم 120 طفلاً) في نفس العام.
كما جرى نقاش هذه المسألة من طرف مجموعات في بلدان مثل أيرلندا والنرويج والسويد وهولندا.
وقد تزايدت دعوات مقاطعة إسرائيل بين الكنائس البريطانية، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مجلة (تابليت) الأسبوعية الكاثوليكية أن 70% ممن شاركوا في استفتائها عام 2006م يؤيدون سحب الاستثمارات من إسرائيل.
وفي أغسطس الماضي أكدت استطلاعات جديدة للرأي في الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا - أجريت لحساب المنظمة (اليهودية – الأمريكية) "المشروع الإسرائيلي" التي تختص بترويج سياسة إسرائيل والدفاع عنها في الولايات المتحدة ودول شمال أمريكا - أن مكانة إسرائيل خصوصاً في الولايات المتحدة وألمانيا تراجعت في شكل ملحوظ في العام الأخير بسبب سياسة الحكومة الحالية.
وأشار الاستطلاع إلى هبوط حاد في أوساط الأمريكيين المؤيدين للسياسة الإسرائيلية، إذ جاء أن 45 في المائة فقط منهم يعتقدون أن حكومة بنيامين نتانياهو ملتزمة حقاً السلام مع الفلسطينيين في مقابل 39 في المائة قالوا إنها ليست كذلك. وكان استطلاع مماثل عقد أواخر العام 2007م في أعقاب مؤتمر (أنابوليس) أشار إلى أن 66 في المائة من الأمريكيين يثقون بالتزام الحكومة الإسرائيلية تحقيق السلام.
وأشار (المشروع الإسرائيلي) إلى "النتائج المقلقة" التي أظهرها استطلاع مماثل في ألمانيا، حيث تبين أن الفلسطينيين يحظون بتأييد أكبر من الإسرائيليين. وقال 19 في المائة فقط من الألمان إنهم يكنون مشاعر دافئة تجاه إسرائيل في مقابل 50 في المائة قالوا إنهم يشعرون بفتور وبرود تجاه إسرائيل.
في المقابل قال 26 في المائة من المستطلعين إنهم يكنون مشاعر دافئة تجاه الفلسطينيين في مقابل 39 في المائة وصفوا مشاعرهم بالباردة.
وقال مُعد الاستطلاع إن هذه النتائج السلبية هي الأسوأ منذ العام 2008م.
وأظهرت نتائج استطلاع مماثل في السويد نتائج مطابقة للنتائج في ألمانيا، فيما أشارت نتائج الاستطلاع في الرأي العام الفرنسي إلى أن الوضع لم يتغير وأن 24 في المائة من الفرنسيين يشعرون بدفء نحو إسرائيل في مقابل 39 في المائة قالوا إنهم لا يكنون مشاعر دافئة تجاه إسرائيل.
وقد زادت جريمة اغتيال المبحوح من كشف صورة إسرائيل الإجرامية أمام العالم؛ مما اضطر إسرائيل إلى إطلاق حملة دبلوماسية في أوروبا لتحسين صورتها، والتقليل من الانعكاسات السلبية.
ونقل موقع (إسلام أون لاين) عن مصادر في الخارجية الفرنسية - في فبراير الماضي - قولها: إن "ما جرى في دبي شكل ضربة قوية لصورة إسرائيل، وخاصة بعد فضيحة استعمال الجوازات الأوروبية" في جريمة اغتيال المبحوح.
ومن الناحية الرسمية زاد الاستنكار العالمي من تصرفات إسرائيل، وأصبح العالم أكثر جرأة في مواجهة إسرائيل، خصوصاً بعد اغتيال المبحوح ومذبحة (أسطول الحرية).
فقد أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية ووصفه بالوحشي وقرر تشكيل بعثة تقصي حقائق مستقلة للوقوف على انتهاكات القانون الدولي الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية.
ونص القرار - الصادر عن المجلس خلال اجتماعه بمقره في جنيف في يونيو الماضي - على الدعوة إلى رفع الحصار عن غزة وضمان تعويض الضحايا الذين سقطوا على يد جنود البحرية الإسرائيلية.
وبعد أن كانت مسألة السلاح النووي الإسرائيلي خطاً أحمر لا يجرأ أحد على الاقتراب منه، ها هي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) - قبل أشهر - تقوم بإدراج مناقشة القدرات النووية الإسرائيلية في مسودة جدول أعمال مجلس إدارتها، وهي المرة الأولى في عمر الوكالة البالغ 52 عاماً التي يطلب فيها من الهيئة القيادية مناقشة هذه القضية.
وهْمُ القوة
حرصت إسرائيل منذ احتلالها فلسطين على تصوير نفسها بالأمة التي لا تُهزم وجيشها الجيش الذي لا يقهر، وبالفعل تمكنت من غرس هذا التصور في عقول المسلمين طوال ستة عقود، وساعدها على ذلك هزائم العرب أمامها في حروب 1948م و1956م و1962م.. لدرجة أن الانتصار النسبي الذي حققته مصر على إسرائيل عام 1973م لم يكن له أثر في إعادة شيء من الأمل لدى الشعوب المسلمة بإمكانية دحر إسرائيل. مع أن الإسلام واضح في هذا الجانب من بيان عوامل الضعف والقوة لدى الناس وطرق الاستفادة منها.
ثم جاءت أحداث أظهرت أن إسرائيل أضعف بكثير مما نعتقد، وما عدوانها على غزة عنا ببعيد، وما كان يتصور أحد أن مجموعة من المجاهدين - بإمكانياتهم المادية الضعيفة - تمكنت من إركاع إسرائيل ودحر جيشها الجبار.
بل إن المبحوح - رحمه الله - أرعب إسرائيل في موته أكثر مما أرعبها في حياته باعتراف الإسرائيليين أنفسهم.
وفي أسطول الحرية دروس لمن أراد أن يعرف إسرائيل، ليس في جرائمها فقط بل في مدى ضعفها.. فمن كان يتصور أن هذا البلد المتغطرس - الذي أخضع العالم لإرادته سنين طوال - سيعتذر عن جرائمه وهو صاغر ذليل، بل ولبلد مسلم.
لم يكن ذلك ليحدث لولا أن تركيا أظهرت - وهي لوحدها - قليلاً من القوة في وجه إسرائيل، ولم تخضع أو تستكين.. فكيف سيكون حال إسرائيل لو أظهر العالم الإسلامي بأكمله موقفاً واحداً قوياً؟، ولو في مثل هذه الأحداث الجزئية.
رعب داخلي
عندما رأى رسول كسرى الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نائماً تحت شجرة قال: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".. فالعدل أساس الأمن والصلاح في النفس وبين الناس.
أما الفساد والظلم فأمر يلازمه الخوف دائماً ومصير صاحبه الهلاك الحتمي مهما كانت قوة الظالم والمفسد، ومن علامات ذلك المبالغة الشديدة في توفير الأمن لنفسه وضعف الثقة بنفسه وبمن حوله، مع عدم القدرة على الخروج من دائرة الخوف.
وفي الحالة الإسرائيلية الوضع أسوأ، حيث اجتمع فيها صفة الخوف التي جبل عليها بشهادة القرآن الكريم، والإفساد والظلم الذي على أساسهما نشأ كيانها في فلسطين.
وبالتالي فكل جرائمها مشبعة بكل معاني الإفساد ومقاصد البحث عن الأمن، وأصبح الجيش العمود الفقري لوجودها وليس المجتمع أو الشعب، وحاولت زرع الخوف في نفوس الآخرين، وقد حققت كثيراً من النجاح في هذا الجانب، لكن جرائمها لم تحقق لها الأمن الذي تبحث عنه.
كذلك لجأت إلى محاولة عزل نفسها عن الآخرين، مستعيدة بذلك مسلك الانطواء والانعزال اليهودي التاريخي. ومع هذا لا زال الإسرائيليون يشعرون بعدم الثقة ببقاء دولتهم.
وقد لخص الله تعالى هذه الحالة وأسبابها بأبلغ وصف وأدق معنى: }ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ{ [آل عمران: 112].
وفي آية أخرى: }وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ{ [البقرة: 61].
ففي الآيتين ربط الله تعالى بين السبب والعقوبة - وهي من سنن الله الشرعية - والسبب هنا الكفر بآيات الله والاعتداء.
وإلى يومنا هذا لا زالوا يمارسون الاعتداء والقتل، وبذلك استحقوا حياة الذل والخوف والمسكنة.
ويعد جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل مثلاً بارزاً لحالة الظلم والرعب الذي تعيشه إسرائيل، ويعد اعترافاً بالفشل حسب ما نقله الكاتب البريطاني دافيد هير عن أحد أصدقائه الإسرائيليين، في مقال له نشرته مجلة وجهات نظر.
وعن الشعور الإسرائيلي الداخلي ينقل الكاتب البريطاني أيضاً عن مفكر إسرائيلي - لم يسمه - وصفه للتناقض الذي تتسم به إسرائيل: "إنها أمام العالم قوية وعدوانية، لكنها تبدو من الداخل ضعيفة وهشة".
كما ذكر أن إسرائيل ليست لديها ثقة فعلية في بقائها، حيث قال: "إن لإسرائيليين لديهم إحساس واه جداً بالمستقبل. إنه أمر لا يصدق ولكن إسرائيل نفسها تشعر أنها مؤقتة".. إلى أن قال: "إننا نشعر أن بقاءنا ليس مضموناً. من الممكن القول إننا استوردنا المرض اليهودي من الشتات، الإحساس بأننا بلا جذور قادرون على التكيف وعلى تدبر أمرنا، ولكن عاجزون عن الاستقرار. وبعد ستين عاماً لم تصبح إسرائيل وطناً بعد".
بعد ذلك شرح الكاتب البريطاني حالة الخوف وعدم الأمن عند الإسرائيليين بقوله: "رؤساء الوزارة الإسرائيليين يأتون كصقور ويعدون بإجراءات أمنية صارمة وحشد عسكري، ولكنهم يتركون مناصبهم وهم مقتنعون بأنه لا يمكن بقاء الاحتلال، وأن تكلفة احتلال شعب آخر إلى الأبد لا يمكن تحملها".
أما الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان فقد تحدث عن إحساس الإسرائيليين - وقت تأسيس دولتهم - بوجود غاية وبناء شيء لهم.. ثم ذكر حالات الانتكاسة التي أصابتهم منذ حرب 1967م وحتى اليوم.
ومما قاله: ".. كانت الفكرة وراء قيام إسرائيل أنه يجب أن لا نستمر ضحايا، وبدلاً من ذلك فقد سلمنا مقاديرنا إلى رجال الأمن، إننا نسمح للجيش بإدارة البلاد؛ لأنه تنقصنا طبقة سياسية ذات رؤية تتجاوز القوة العسكرية. إن البقاء هو هدفنا الوحيد".
وختم كلامه بعبارة بليغة: "إننا نعيش لننجو لا لنحيا"، فهذه العبارة تلخص طبيعة الشعور الذي يحس به المجتمع الإسرائيلي، وهو شعور يدل على انعدام الأمن النفسي؛ لأن هاجس (النجاة) لا يسيطر على تفكير الإنسان إلا إذا كان في بيئة تهدد وجوده وحياته.
ونقل موقع (الجزيرة نت) عن الجنرال الإسرائيلي إيفي إيتام - زعيم حزب (المفدال) الديني - قوله: "إن من يريد إثبات انتصار الحركة الوطنية الفلسطينية على الحكومة الإسرائيلية عليه أن ينظر إلى هذا الجدار الذي يعكف الجيش على إقامته حولنا. أيُّ إنجاز يريده الفلسطينيون أكثر مما حققوه بإجبارنا على الانغلاق خلف الجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة".
توقعات بزوال إسرائيل
في عام 2008م احتفلت إسرائيل بالذكرى الستين لتأسيسها، وفي نفس الوقت كان مفكرون إسرائيليون يتحدثون عن نهاية دولتهم، بحسب ما نقلته الكاتبة رندة عو الطيب في موقع (مأرب برس).
فهذا البروفيسور أمنون روبنشطاين - الذي شغل في الماضي منصبي وزير العدل والتعليم في حكومتين سابقتين، والذي تفرغ للكتابة حول مستقبل دولة الكيان، بالإضافة إلى عمله كمحاضر للقانون في جامعة تل أبيب - يرى أن إسرائيل لا يمكنها البقاء مطلقًا بسبب نوعين من التهديد، خارجي يمثله فشل إسرائيل في ردع العرب عن مواصلة تهديدها والتربص بها، والتهديد الداخلي المتمثل في الفساد وتآكل منظومة القيم الصهيونية التي استند إليها الصهاينة في إقامة كيانهم البغيض.
وقال لصحيفة (هآرتس): "إنه على الرغم من أن انتصارات إسرائيل في حروبها الكبيرة مع الدول العربية، فإن هذه الانتصارات فشلت في اجتثاث الرغبة العربية في محاربة إسرائيل.. ويرى أن أكثر ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا في وجه إسرائيل هو "أسلمة الصراع "، واتخاذه بُعدًا دينيًا، الأمر الذي لا يزيد فقط رقعة العداء لإسرائيل، بل يجعله أكثر حدةً".
ويعتبر أنه من الحمق الانطلاق من افتراض مفاده أن الأنظمة العربية الحالية ستبقى للأبد، مؤكدًا أن إسرائيل قد تستيقظ في يومٍ ما وقد أحيطت بأنظمة حكم ذات توجه إسلامي، لا ترفض وجود إسرائيل فحسب، بل تتجند من أجل إزالتها.
ويسخر روبنشطاين من أولئك الذين يراهنون على التفوق الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا الحربية، محذرًا من أنه بإمكان العالم العربي تطوير مثل هذه التقنيات عندما تتوفر فيه الإرادة السياسية لذلك.
ورصد مظاهر تحلل منظومة "القيم الصهيونية"، مثل ميل الشباب الإسرائيلي لعدم التضحية من أجل "الدولة العبرية " والذي يعكسه تهاوي الدافعية في صفوفهم للتجند في صفوف الوحدات المقاتلة في الجيش الإسرائيلي؛ الأمر الذي جعل عبء العمل العسكري يقع في الواقع على كاهل نسبة قليلة من المجتمع.
من ناحيته قال إيرز آيشل - مدير مدرسة (إعداد القادة) في تل أبيب -: "إن قادة الدولة العبرية لم يعودوا مثالاً يقتدي به الشباب الإسرائيلي.. ويؤكد أنه في الوقت الذي يصرخ قادة إسرائيل مهددين بشن مزيد من الحروب، كانوا يستثنون أبناءهم من تحمل عبء هذه الحروب".
أما الجنرال الصهيوني شلومو غازيت - الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) - فيرى أن رفض إسرائيل للتجاوب مع الرغبة العربية لحل الصراع يحمل في طياته دمار إسرائيل.
من جهتها أعدت المخابرات المركزية الأمريكية الـ(سي آي إيه) - هذا العام - تقريراً سرّياً، اطّلع عليه بعضُ أعضاء الكونغرس، حول مستقبل وجود إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط.
وعرضت مجلة (المشاهد السياسي) – في يوليو الماضي – ملخصاً له، جاء فيه: أنه من دون عودة لاجئي ١٩٤٧م ـ ١٩٤٨م إلى فلسطين، وكذلك عودة لاجئي ١٩٦٧م، لن يكون هناك حلّ دائم ومستقرّ في المنطقة. ولأن مشروع الدولتين غير قابل للتطبيق بفعل إجراءات التهويد الإسرائيلية المتمادية، فإن التوجّه يتركّز اليوم على مشروع الدولة الديمقراطية الموحّدة التي يتمتّع فيها كلّ مواطني الدولة الجديدة، (الفلسطينية ـ الإسرائيلية) بحقوق متساوية، بصرف النظر عن عرقه أو قوميّته، الأمر الذي يسمح بعودة اللاجئين، وهذه العودة، إذا حصلت، سوف تؤدّي إلى هجرة ما يقارب مليوني إسرائيلي عن المنطقة في السنوات الخمس عشرة المقبلة.
والمخابرات الأمريكية سبق أن توقّعت سقوط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وتفكّك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين في العام ١٩٩٠م، وهي اليوم تتوقّع انهيار كلّ العنصريات في العالم بدءاً بالعنصرية الإسرائيلية.
وعلقت المجلة على هذا التقرير بأنه لم يعد السؤال في الأوساط الأمريكية يدور حول انهيار القضية الفلسطينية وسقوط مشروع الدولتين، بفعل التشرذم الفلسطيني وتراجع الالتزام العربي بالقضية كقضية محورية في الصراع. السؤال بات يدور حول احتمالات سقوط إسرائيل نفسها أو انهيارها بعد عقدين من الزمن.
والتنبّؤ بزوال إسرائيل ليس بدعة سياسية أو دينية – تقول المجلة - بقدر ما هو قراءة تاريخية لمصير كلّ المحرّكات العنصرية في العالم، ومراجعة للفشل المتراكم في العقيدة الأمنيّة الإسرائيلية من حرب ١٩٧٣م حتى اليوم.
وفي تقدير الباحث الفلسطيني الدكتور مسعود إغبارية، أن الكيان الإسرائيلي الحالي، منذ إنشائه في العام ١٩٤٨م، قام على استعمال القوّة المسلّحة على معتقدات قديمة لا تنسجم مع القيم الإنسانية.
وقد كان واضحاً منذ البداية عند معظم زعماء الحركة اليهودية العنصرية، أنه لا يمكن إقامة دولة إسرائيلية من دون التخلّص من الفلسطينيين، وذلك عن طريق السلاح، وقد تعاونوا مع قوى خارجية من أجل تشريد الشعب الفلسطيني، لكنهم، ومنذ العام ١٩٤٨م، لم يحصلوا ولم يضمنوا دقيقة واحدة من الأمن والأمان في الدولة التي أقاموها؛ لأن من يعمل على حرمان الآخرين من العيش في أرض آبائهم وأجدادهم لن ينعم بالاستقرار مهما بلغت قوّته.
ويبيّـن الباحث الفلسطيني أن ديفيد بن غوريون حاول ترسيخ ثقافة أمنيّة شكّلت أساساً فكرياً وبنيوياً للدولة الإسرائيلية، ومع الوقت يتبيّـن أن مشروعه يتعثّر ويحقّق الفشل تلو الآخر؛ لأن تأسيسه قام على إلغاء الحقوق الأساسية للآخرين، أي للفلسطينيين، وما حقّقه بن غوريون ورفاقه من بعده يبقى ضعيفاً ومتأرجحاً. ومن الواضح أن الزعماء الذين أتوا بعده فشلوا في إرساء الدولة القويّة على أسس آمنة.
وقد كان لدى الصهاينة مسلّمات آمنوا بها، لكنها – كما يقول الدكتور المسيري – اهتزت بسبب الواقع المقاوم على المستوطنين الصهاينة، ومن هذه المسلمات:
- اليهود شعب واحد، طليعته هم المستوطنون الصهاينة، وفلسطين هي أرض الميعاد أو (إرتس يسرائيل) (وطن اليهود القومي) وليست فلسطين وطن أهلها. وحدود إرتس يسرائيل مراوغة مطاطة لا يمكن تحديدها في الوقت الحاضر، إذ لابد أن تتوسع إسرائيل لتصل لحدودها "التاريخية" (التي ورد ذكرها في التوراة!). وعلى يهود العالم أن يهاجروا إلى إرتس يسرائيل وأن يلتفوا حول دولتهم الصهيونية القومية. وهذه الدولة يجب أن تكون دولة يهودية خالصة تجسِّد الرؤى اليهودية.
ولكن الدولة الصهيونية بدأت تدرك أن اليهود ليسوا شعباً واحداً (كما كان يدَّعي الصهاينة قبل عام 1948م). وسؤال من هو اليهودي لا يزال سؤالاً ملحاً، يطرح نفسه على الدولة الصهيونية وعلى قاطنيها من المستوطنين الصهاينة. كما أدرك الصهاينة أن فلسطين، من خلال مقاومة أهلها، لم تعد لقمة مستساغة أو مطية سهلة أو مجالاً مفتوحاً للتوسع الصهيوني.. ومن هنا كف الحديث عن الشعارات القديمة مثل "جمع المنفيين" و"غزو الجاليات" و"تصفية الدياسبورا" و"إسرائيل الكبرى حدودياً".
- كذلك كان وجود الفلسطينيين في وطنهم فلسـطين - حسـب التصوُّر الصهيوني - أمراً عرضياً زائلاً، ومن ثم لابد من التخلص منهم بشكل ما (لتأسيس الدولة اليهودية المقصورة على اليهود).
ثم أدرك الصهاينة صعوبة التخلص من الفلسطينيين ومن وجودهم "العرضي الزائل". ولذا يحاول الصهاينة الآن قبول الأمر السكاني الواقع مع الاتجاه نحو تقليل الاحتكاك بالفلسطينيين ومحاصرتهم عبر إقامة كيان خاص بهم؛ لأنهم يهددون شرعية الوجود الصهيوني ذاته. ولكن الحديث عن "محاصرة السكان" هو نفسه دليل على الفشل الصهيوني في إنشاء الدولة الصهيونية الخالصة، وفي حماية المزاعم الصهيونية التي تحدتها الانتفاضة.
- سياسة الأمر الواقع هي السياسة الوحيدة التي يمكن اتباعها مع العرب، فالأمر الواقع هو الذي يغيِّر الواقع العربي ويفرض واقعاً صهيونياً جديداً عليه ويمكن تحقيق السلام وبالشروط الصهيونية من خلاله.
وقد أثبتت الانتفاضة و"الحزام الأمني" في لبنان عدم جدوى الأمر الواقع وعبثيته واستحالة فرض السلام بالشروط الصهيونية؛ ولذا نجد أن الإجماع الصهيوني قد اهتز بشأن غزوات إسرائيل العسكرية "دفاعاً" عن نفسها كما تدعي، (والتي تفرض الأمر الواقع والسلام بالشروط الصهيونية من خلالها).
ولعل العنصر الوحيد الذي لم يهتز – في رأي المسيري - هو إدراك الصهاينة أن الدعم الأمريكي أمر حيوي وأساسي للبقاء والاستمرار الصهيونيين، أي أن كل الثوابت قد اهتزت وظهرت عليها التشققات والتغيرات إلا هذا العنصر.
وهذا واقع أكده القرآن الكريم: } إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ{.
الخلاصة
من خلال هذا التقرير نصل إلى نتيجة تنبؤنا أن القوة والضعف مرتبطان بالاعتقاد والسلوك المبني على هذا الاعتقاد.. وفي قصص بني إسرائيل في القرآن والتاريخ ومجريات الواقع دروس وعبر، وما جرى عليهم يمكن أن يجري على غيرهم بأسباب أفعالهم.
وخلص التقرير إلى بيان سلبية لدى المسلمين زادتهم وهناً إلى وهن، وتتمثل هذه السلبية بنظرتنا إلى ظاهر قوة العدو دون النظر في مداخل ومكامن الضعف فيه، ومقارنة ذلك بمظاهر الضعف لدينا دون النظر في مصادر القوة عندنا.. مما أورث في نفوسنا يأساً من القدرة على مواجهة هذا العدو، ووهماً بالخوف منه..
ومما لاشك فيه أن ما تظهره إسرائيل أمام العالم (القوة والجبروت) يخفي في باطنه نقائضه (الضعف والخوف)، ومعرفة ذلك أمر ممكن إذا توفرت وسائل النظر السليم، وفي ديننا الإسلامي أهم وسيلة تعطينا القدرة الكافية لمعرفة حقيقة الإسرائيليين، وكيفية التعامل معهم.
ومما لاشك فيه هو أن الضعف والهزيمة النفسية والتفكك وغياب الوعي الصحيح عوامل تحرم الإنسان من دفع الضرر عن نفسه وقومه وأرضه وعرضه، وتعيق في طريق أخذ الحق وصد الباطل، بل قد تدفعه إلى الاستسلام وترك القيام بواجباته. وهذا هو حال المسلمين الآن خصوصاً منذ أن ابتغوا العزة في غير دينهم.
مقابل ذلك استطاع اليهود على معالجة حالة الخوف والذلة التي فيهم بالأخذ بأسباب النهوض والبناء والقوة المادية. وقد نجحوا في هذا الجانب؛ لأنها سنة كونية يشترك فيها جميع البشر.
لكن هذا النجاح لن يدوم مع وجود الانحراف والإفساد فيهم، وأخذهم بالباطل. وبالتالي سيكون زوال باطلهم على يد أصحاب الحق، وذلك عندما يدرك صاحب الحق أنه أمام كيان أوهن من بيت العنكبوت، ويدرك أن وجود الحق لا يكفي في إبطال الباطل إن لم تصاحبه قوة الإرادة وقوة العمل والأداء.
ولا ننسى أن أكثر ما يخشاه الصهاينة هو دخول الإسلام مصدراً لإدارة الصراع معهم؛ لأنهم يدركون تماماً أنه خاسرون لا محالة.. وبالتالي يظل حرصهم ومعهم قوى الغرب مركزاً على إخراج الصراع مع المسلمين من إطاره الإسلامي، وإبقائه في الإطار السياسي العلماني الذي لم يأت منه إلى الآن إلا الفشل والبلاء..
ــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (تفسير القرآن العظيم)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير.
- (جامع البيان في تأويل القرآن)، الإمام محمد بن جرير الطبري.
- (في ظِلال القرآن)، سيد قطب.
- (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
- تفسير الشعراوي.
- (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)، الدكتور عبد الوهاب المسيري.
- (الجدار.. حوار من طرف واحد)، دافيد هير - مجلة (وجهات نظر) - العدد 125 - يونيو 2009م.
- (مفكرون ووزراء صهاينة: إسرائيل تحتضر في الذكرى الستين لإقامتها)، رندة عو الطيب- مأرب برس.
- صحيفة (الخليج) الإماراتية.
- صحيفة (القدس العربي).
- الجزيرة نت.
- موقع مركز الزيتونة.
المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=1255