المبادئ العادلة والمقاصد السامية في الاقتصاد الإسلامي
المبادئ العادلة والمقاصد السامية في الاقتصاد الإسلامي
منذ وجود الإنسان على هذه البسيطة وهو يكافح من أجل البقاء وتعمير الأرض التي استخلف فيها، مستعينا بذلك بكل ما حباه الخالق من موارد ومقومات.
فلتأمين حاجته من الغذاء والكساء والمسكن والأمان ولتحسين وضعه المعيشي والاقتصادي عمل الإنسان على تطوير أساليب الإنتاج والتبادل، كما حسن من مستوى الأداء الإداري وتبنى السياسات الاقتصادية، واخترع النقود، وأحدث ثورة في عالم الاتصالات والمعلومات.
ولقد صاحب هذا التطور ظهور كثير من الآراء والأفكار الاقتصادية.. إضافة إلى ما أتت به الأديان السماوية من قواعد وأحكام وتشريعات تهتم بالجانب الاقتصادي.
وجربت البشرية – في تاريخها - الكثير من المبادئ والمذاهب والنظريات الاقتصادية، حتى وصل بها المطاف في هذا العصر إلى اعتماد المذهب الاقتصادي الرأسمالي في شتى بقاع العالم.
ولكن يبدو أن هذا المذهب في طريقه إلى الزوال بعد أن جرع العالم الكثير من الأزمات الاقتصادية على الفرد والمجتمع.. وبعد صبر طويل أو جهل عميق استمر أكثر من قرن من الزمان بدأت المجتمعات الغربية تشعر بأنها ضحية لهذا النظام الاقتصادي، وأدركت أنه نظام ظالم لم يحقق التوازن والاستقرار الاقتصادي داخل تلك المجتمعات.
ففي 17 سبتمبر الماضي ومن (وول ستريت) بنيويورك – مقر عرش الرأسمالية - انطلقت التحركات الشعبية المناهضة لهذا النظام، وتحت شعار (احتلوا وول ستريت) أعلنت الجموع الشعبية نيتها مواجهة هذا الظلم..ورفعوا لافتات تتعلق بعدم توفر العدالة الاقتصادية في الولايات المتحدة، ودعوا إلى اقتصاد عادل في وول ستريت.
وفي 15 أكتوبر الجاري شهد العالم تحركات شعبية واسعة احتجاجاً على السياسات الاقتصادية العالمية التي تكرس الاستغلال والجشع ضد ملايين البشر.
وتحت شعار: "يا شعوب العالم انهضوا"، و"انزل إلى الشارع"، و"اصنع عالماً جديداً"، دعا الغاضبون إلى التظاهر في 951 مدينة في 82 دولة احتجاجاً على الوضع الاقتصادي الهش الناشئ عن الأزمة الاقتصادية العالمية وسلطة رؤوس الأموال.
والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو: ما هو البديل؟ أو ما هو الحل؟.
هذا السؤال مطروح أمام كل مسلم يرى شعوب الغرب والشرق تنتفض ضد الرأسمالية، وتبحث عن بديل لها.
فهل سيبحث هو أيضاً عن بديل اقتصادي؟، وما هي مرجعيته التي سينطلق منها؟، وهل سيستمر العالم الإسلامي أسير التبعية وينتظر نتائج تلك الشعوب ليؤمن بما ستأتي به، أم أنه سيتحرر ويعود إلى عقيدته الإسلامية ليبني نظامه الاقتصادي الخاص به، ويتثبت للعالم أن الإسلام هو السبيل الوحيد المؤدي إلى العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا التقرير ملخص للنظام الاقتصادي الإسلامي وأسسه وحقائقه وأهدافه ودوره في تحقيق الاستقرار للحياة الإنسانية.
تعريف الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد في اللغة: مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق والعدل، والقصد في الشيء خلاف الإفراط ، وهو ما بين الإسراف والتقتير.
أما في الاصطلاح: فهو "الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته".
فمفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي: هو مجموعة الأحكام والقواعد والوسائل التي تطبق على النشاط الاقتصادي في المجتمع المسلم لحل مشاكله الاقتصادية في النواحي الإنتاجية والتوزيعية والتبادلية.
كما يتضمن هذا النظام ما يتعلق بتوزيع الثروة وتملكها والتصرف فيها. فقد جاء الإسلام بمبادئ وأصول معينة تنطوي على سياسة اقتصادية متميزة، وقد جرى تطبيق هذه المبادئ وتلك السياسة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بدقة، والتزم بها بعده الخلفاء الراشدون، كما ارتبط بها حكام وأئمة المسلمين خلال التاريخ الإسلامي بدرجات متفاوتة.
ويعرف البعض الاقتصاد بأنه: العلم الذي يبحث في كيفية إدارة واستغلال الموارد الاقتصادية النادرة لإنتاج أمثل ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانية من متطلباتها المادية التي تتسم بالوفرة والتنوع في ظل إطار معين من القيم والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع، كما يبحث في الطريقة التي توزع بها هذا الناتج الاقتصادي بين المشتركين في العملية الإنتاجية بصورة مباشرة، وغير المشتركين بصورة غير مباشرة، في ظل الإطار الحضاري نفسه.
ويرى الباحثون أن كل بناء اقتصادي يقوم على شقين رئيسين:
الأول: مادي تقني، والثاني: معنوي مذهبي.
فهناك أولاً الجانب المادي والتقني من العملية الإنتاجية، وهو الجانب الذي يتناوله علم الاقتصاد والعلوم الطبيعية الأخرى بالدراسة، وهذا الجانب يعرف بالاقتصاد الأساسي أو الأصلي، وهو لا يختلف من بلد إلى آخر، مهما اختلف المذهب، ومهما اختلف النظام الاقتصادي المعمول به في كل منها.
وهناك ثانياً الجانب المذهبي، وهو الذي يستهدف ضبط السلوك البشرى على هذا الاقتصاد الأساسي أو الأصلي. وهذا الجانب ينطوي على تصور عقائدي يحدد الهدف ويعين القيم ويرسم قواعد السلوك التي يلتزم الفرد والجماعة باتباعها.
ويمكن القول إن للاقتصاد الإسلامي جانبان:
- جانب ثابت:
وهو عبارة عن مجموعة المبادئ أو الأصول السياسية والاقتصادية التي جاءت بها نصوص القرآن والسنة ليلتزم بها المسلمون في كل زمان ومكان.
كما في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275 ]، وكون الرجل له مثل حظ الأنثيين من الميراث كما في قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ} [النساء:11]، وحرمة دم ومال المسلم للحديث: ((إن الله قد حرم دماءكم وأموالكم)) [رواه البخاري].
إلى غيرها من وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وأحكام الحدود والمقدرات.
وتمتاز هذه الأحكام بأنها لا تتغير ولا تتبدل مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة، كما أنها تتصف بصفة العموم والمرونة؛ لتطبق على جميع الناس من غير عسر ولا مشقة، فهي حاكمة لتصرفات الناس لا محكومة بهم.
- جانب متغير:
وهو عن الأساليب والخطوط العملية والحلول الاقتصادية التي تتبناها السلطة الحاكمة في كل مجتمع إسلامي لوضع أصول الإسلام وسياسته الاقتصادية في واقع مادي يعمل المجتمع في إطاره، ومن ذلك بيان العمليات التي توصف بأنها ربا أو صور الفائدة المحرمة ومدى تدخل الدولة.
ويستند إلى أدلة قد تتغير أحكامها باختلاف أحوال النظر فيها. فهي خاضعة لاجتهاد العلماء وتغيرها بحسب المصلحة يختلف أحياناً بحسب الأشخاص والأزمان والأمكنة، فيجوز لولي الأمر المجتهد أو العلماء المجتهدين أن يختاروا من الأحكام ما يرونه مناسباً لمستجدات الحياة وفق مقاصد الشريعة المعتبرة، ومن أمثلتها:
- تضمن الأجير المشترك - كما فعل علي بن أبى طالب - ما لم تقم بيّنة على أنه لم يتعد، وقد كان الحكم قبل
ذلك بعدم تضمينهم؛ لأن يدهم يد أمانة ويد الأمان غير ضامنة، فلما جاء عهد علي – رضي الله عنه – ضمّنهم لاختلاف أحوال الناس وضياع الأمانة بينهم وقال: "لا يصلح للناس إلاّ ذلك".
- إيقاف عمر صرف سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة معللاً ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يعطيهم ليتألف قلوبهم والإسلام ضعيف، أما وقد أعزّ الله دينه فلا حاجة لتأليفهم، وقد أقرّه الصحابة على ذلك، فكان إجماعاً.
- والخراج على الأراضي المفتوحة عنوة. وما عدا ذلك من الأحكام مما لا يرجع إلى أصل قطعي أو ظني فهو باطل؛ لأنه سيكون من الهوى واستحسان البشر، كتحليل الربا، وإباحة الرشوة وبيع الخمور ولحوم الخنزير كما يفعل للسياحة وغيرها .
ويؤكد الدكتور رفعت السيد العوضي أن ما ورد في الكتاب والسنّة حول المسألة الاقتصادية بشكل عام، أو ما يمكن أن وصفه بنظرة الإسلام إلى المال، إنما هو قيم وسياسيات ومبادئ عامة لضبط السيرة الاقتصادية، ورسم اتجاهها وحمايتها من الانحراف، أكثر من كونها برامج تفصيلية، وأوعية لحركة الأمة الاقتصادية، وأن العقل المسلم هو الذي يجتهد في ضوء هذه القيم والسياسيات العامة في إيجاد البرامج والأوعية الشرعية للمسألة الاقتصادية في كل زمان ومكان.
وأشار إلى أن كثيراً من العلوم الإنسانية ومنها علم الاقتصاد، قد توقفت في حياة الأمة على المستوى العام إلاّ من بعض محاولات، وملاحظات لم يكتب لها أن تشكل مجرى إسلامياً في حمأة الاقتصاد الربوي، وقال: لابد لنا اليوم من النزول إلى الساحة لاستئناف المسيرة الاقتصادية الإسلامية، ومجاوزة عقدة الخوف من الخطأ التي يتولد عنها استسهال عملية التقليد والمحاكاة سواء كانت داخلية أم خارجية.
وأضاف موضحاُ أن بالإمكان الإفادة من الكسب البشري للأمم الأخرى، وما أنجزته في مجال التقنية الاقتصادية وآلات الفهم والتفسير في كل الجوانب التي ليس لها علاقة بالجانب القيمي، مع الحذر الشديد أن كثيراً من هذه التقنيات ليست محايدة، بل هي إفراز لحضارة وثقافة.. وظروف وشروط قد تختلف جزئياً أو كلياً عن ظروفنا.
وقال: إن إصرارنا على تمييز الاقتصاد الإسلامي من غيره، تأكيد لهذا الحذر، وإبراز للأهداف والقيم التي تحكمه من دون سائر الأنماط الاقتصادية الأخرى.
نشأة علم الاقتصاد الإسلامي
من المقرر أن الإسلام نظم حياة الأفراد بما يحقق لهم مهمة الاستخلاف، وعبودية الله عز وجل في الأرض، ولم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا وبيّن ما يحتاجه الإنسان من أحكام وتصورات تحقق الكثير من المصالح الدنيوية والأخروية، ومن ذلك تنظيم احتياج الناس لكسب المال وتوفير الاحتياجات الحياتية الخاصة بهم.
وقد كانت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الأنموذج الأمثل لتطبيق هذا التشريع الاقتصادي وكذلك حياة الخلفاء الراشدين.
إلا أن الحياة والمشكلات الاقتصادية في الصدر الأول كانت محدودة لأمرين:
- فقر البيئة وتواضع الأنشطة الاقتصادية كالرعي والتجارة المحدودة والزراعة القليلة.
- قوة الوازع الديني في النفوس فلا تجد غشاً ولا تدليساً ولا غبناً ولا احتكاراً.
ولكن مع توسع المعاملات بين الناس وازدهار التجارة والصناعة، وانفتاح المجتمعات والدول على بعضها البعض، وضعف الوازع الديني والإيمان بالله، وظهور الحيل والخديعة في معاملات الناس؛ استجدت قضايا اقتصادية تختلف تماماً عما عاشه سلف الأمة؛ كالشركات الحديثة وبيوع الأسهم والبورصات والمعاملات المصرفية وغيرها، إضافة إلى الحاجة لضبط معاملات الناس وعقودهم لكي لا تفضي إلى النزاع والخلاف؛ مما أدى إلى اهتمام العلماء بدراسة هذا العلم وبحث قضاياه ومعالجة مشكلاته.
مذاهب أخرى
وفي بداية القرن العشرين ظهرت مذاهب اقتصادية تبنتها دول عظمى تريد الثروة واستعمار خيرات الشعوب، أشهرها النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي.
يقوم النظام الرأسمالي على الأسس التالية:
أ - الفرد هو المالك الوحيد لما يكتسب سواء اكتسبه بالطرق المشروعة، أم غير المشروعة، إذ لا فرق في النظام الرأسمالي بين البيع والربا.
ب - للفرد أن يتصرف فيما يملكه وفق ما يشاء دون قيد أو شرط.
ج - للفرد أن يحتكر ما تصل إليه يده من وسائل الإنتاج مهما كثرت وتنوعت.
د - للفرد أن يصرفها في الوجوه التي تعود عليه بالمنفعة، ولا يلزم بصرفها في وجوه لا تعود عليه بالمنفعة أو تكون المنفعة فيها قليلة. ويقول الشيخ عبد الله الطيار: وإذا نظرنا إلى هذه النظرية من وجهة النظر الاقتصادية رأيناها تستلزم اختلال التوازن بين الأفراد، وتجمع وسائل الإنتاج عند طائفة تكون بأيديها الأموال الطائلة التي تحتكرها، وذلك على حساب الطائفة الأخرى. وهنا يظهر في المجتمع طبقتان لا ثالثة لها: طبقة المتمولين أصحاب الثراء والجاه، والطبقة الثانية طبقة الفقراء. وبناء على هذه النظرية تنعدم في المجتمع روح التعاطف والتعاون، وتسود الأنانية في طبقة المرابين وملاك المصانع الذين يتحكمون في الأموال الطائلة، وذلك كله على حساب طبقة الفلاحين والعمال الذين لا حول لهم ولا طول، وليس لهم أمام أصحاب الثراء إلا الخشوع والخضوع والعيشة النكدة في مجتمع يزعم أنه بلغ القمة في الرقى والمدنية.
وفي هذه الحالة لا مفر للمعوزين من إحدى طريقين:
إما ملء بطونهم عن طريق ارتكاب الجرائم من قتل وسرقة وربا.
أو الخلاص من هذه الحياة بالانتحار بأي وسيلة من وسائله الشائعة لدى الغرب.
أما النظام الشيوعي فيقوم على الأمور التالية:
أ - وسائل الإنتاج حق مشترك بين أفراد المجتمع ولا حق للأفراد بصفتهم الفردية أن يملكوا شيئاً منها ويتصرفوا فيها حسب رغباتهم.
ب - المجتمع يهيأ للأفراد مرافق العمل، وهم يقومون بأعمالهم على الوجه المطلوب منهم.
ج - لا وجود في هذا النظام للملكية الشخصية فضلاً عن أنه لا يحق للفرد جمع الأموال وتوظيفها في المجالات التي عليه الارتزاق منها.
د - لا وجود في النظام الشيوعي للربا ولا تستسيغ المبادئ الشيوعية أي شكل من أشكاله، إذ هي تستأصل جمع الأموال الذي هو أصل للربا.
ولكن الشيوعية تراجعت عن هذه المبادئ وسارت في ركب الرأسمالية وخصوصاً في إباحة الربا، إذ أجازت الأنظمة الشيوعية للفرد الذي يزيد راتبه عن حاجته أن يوظف أمواله في المصارف لتدر عليه الأرباح.
وبهذا العرض لهذين النظامين نجد أنهما على طرفي نقيض، فالنظام الرأسمالي يجعل الفرد المتملك هو كل شيء في المجتمع، ويهمل الأغلبية الساحقة الذين لا يملكون رءوس المال، ويوجد الضغائن بين هذين الصنفين. ولا يوجب بأي حال من الأحوال ومهما بلغت درجة الفقر والعوز على أصحاب رؤوس المال شيئاً في أموالهم، بل لا يحبب عليهم الإنفاق، وإنَّما يذكي في نفوسهم حب الذات وتكديس المال.
وعلى النقيض من هذا النظام يأتي النظام الشيوعي الذي يلغي جانب الفرد نهائياً ويحاول أن ينعش جانب المجتمع، ولكن بوسيلة فاسدة تقضي على روح العمل عند الأفراد وتجعلهم كالآلات يسخرهم الحكام الشيوعيون لنيل مقاصدهم في جمع الأموال الطائلة.
وكلا هذين النظامين لا يتفق مع فطرة البشر؛ لأنهما يقومان على الظلم والعسف والإرهاب وتحكم بعض الأفراد على حساب الأكثرية المحرومة.
وما زال النظام الرأسمالي يحتل السيطرة على اقتصاد أكثر دول العالم، ويسيطر عليها تحت غطاء (العولمة).
وأخذ يُنادى بها ويروّج على أنها المخرج من الواقع المظلم الذي تعيشه كثير من الأمم؛ ليخرجها من انحطاطها إلى مدارج النهضة، حسب زعم أنصار العولمة.
ومن الإجراءات التي اتبعها الفكر الرأسمالي لعولمة الاقتصاد تأسيسه لمنظمة التجارة العالمية، التي تعتبر امتداداً لاتفاقية (الجات)، وهي: الاتفاقية العامة على الرسوم الجمركية والتجارة.
وتهدف إلى تحرير تجارة السلع الزراعية والصناعية والمنسوجات والخدمات، وتحرير التبادلات التجارية والتدفقات المالية الناتجة عن العقود الحكومية الضخمة.
ولما أخفقت (الجات) في تحقيق ما أرادته الدول الرأسمالية، وذلك أن الاتفاقيات والتوصيات التي تقوم بها (الجات) لا تعتبر ملزمة للأعضاء، فاستعاضت عنها بـ (منظمة التجارة العالمية) التي رأت النور في مراكش عام 1994م وبدأ العمل بها 1995م.
ومن أهم سلبياتها:
1- إن فتح الأسواق وحرية التجارة ستؤدي إلى غلبة الاستثمار الأجنبي وسيطرة الشركات المتعددة الجنسية التي تنتج أكثر من 87% من واردات العالم و94% من صادراته؛ وبالتالي سيضعف الإنتاج الحكومي ويعاني من الركود لعدم قدرته على المنافسة مما سيشل اقتصاد كثير من الدول النامية.
2- سيؤدي الدخول في منطقة التجارة العالمية إلى توقف الدعم الحكومي للمنتج الوطني وبالتالي إلى ارتفاع أسعار تلك المنتجات وبالأخص الزراعية؛ فينعكس على زيادة الاستيراد والشراء من المنتجات العالمية الأرخص؛ فتضعف بالتالي المنتجات الوطنية وتخسر شركاتها.
3- زيادة معدل البطالة والتضخم في كثير من الدول نتيجة ارتفاع الأسعار المتوقع.
4- اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء؛ لأن العولمة الاقتصادية تؤكد مبدأ المصلحة الفردية فقط، كذلك ستصاب الشعوب بحمى الاستهلاك والشراء نتيجة إغراق الأسواق بالمنتجات الكمالية وطغيان الدعاية والإعلان على عقول الناس؛ مما يحقق ثراءً أكبر للأغنياء وفقراً للبقية من الأفراد؛ والسبب الأخير هو المحرك الأساسي للاحتجاجات الشعبية العالمية التي انطلقت من حي وول استريت في نيويورك، وشمل أكثر من ثمانين دولة حول العالم، خصوصاً العالم الرأسمالي.
ومن هنا كان من المهم بيان الدور الذي يمكن أن يقوم به الاقتصاد الإسلامي لحل مشكلات العالم الاقتصادية، وكيف يحقق للأفراد النماء والاستقرار والكفاية دون الوقوع في منزلق الحاجة والعوز.
أما النظام الإسلامي فالجانب التطبيقي فيه ضعيف؛ بسبب هيمنة الدول الأجنبية على بلاد المسلمين، وإقصائهم للشريعة الإسلامية من التطبيق والتحكيم في شؤون الحياة.
وتأتي الحاجة للنظام الاقتصادي الإسلامي في عصرنا الحاضر أكبر وأشد من أي عصر آخر لأسباب، منها:
1- أنه يعالج باطن الإنسان وكيانه الداخلي، ويطّهر نفسه بالمراقبة المستمرة لله عز وجل، ويربطه بالإيمان بالله واليوم الآخر. ويظهر ذلك من خلال صور الإنفاق للأقربين والمحتاجين، وأداء الزكاة، والتكافل والبر بالأيتام المحتاجين، وعدم الغش وأكل أموال الناس بالباطل والخوف من الإضرار بالآخرين.
2- تحقيق العدالة والتوازن بين حاجات الفرد والمجتمع. ومصلحة الفرد والجماعة.
3- دوره الكبير في علاج الأزمة المعاصرة التي بدأت في السبعينات من خلال المظاهر التالية:
أ - فقدان آلية الأسعار لفعاليتها في مواجهة الأزمات فالأسعار فيما مضى تتجه نحو الانخفاض في وقت الأزمة أما الآن فتتجه نحو الارتفاع وهو ما يسمى بالتضخم الركودي.
ب - أزمة الديون الخارجية التي تحكم أكثر الدول في العالم.
ج - النهب المستمر للدول الفقيرة من خلال استنزاف الفائض الاقتصادي فيها.
وبحسب الدكتور رفعت السيد العوضي فإن الاقتصاد الوضعي له أسسه الفلسفية والاقتصادية، التي يبنى عليها، وله فروضه التي يقوم عليها التحليل فيه، وحيث تحكم سلوك وحداته الاقتصادية.
وعندما يدرس الاقتصاد الوضعي فإنه يكون محكوماً بهذه الأسس، سواءً أعلن هذا، أو لم يعلن.
ولا شك أن للاقتصاد الإسلامي أسسه وفروضه، سواء تناقضت كلية مع أسس الاقتصاد الوضعي، أو جاء اتفاق في بعض الجزئيات.
ووضع الدكتور العوضي تعريفاً لبعض أسس الاقتصاد الوضعي وموقف الإسلام منها:
1- الاقتصاد الوضعي مؤسس على أن مصدر المعرفة هو الإنسان، فهو قادر بإمكانياته الذاتية أن يكتشف القوانين التي تحكم الظواهر، ومنها الظاهرة الاقتصادية، وأنه قادر على هذا الاكتشاف بعقله، وليس بمساعدة قوى خارجية غيبية، ثم قادر أن يسيطر على الظواهر، ومنها الظاهرة الاقتصادية بواسطة القوانين التي تحكم حركتها.
مصدر المعرفة على هذا النحو الذي يؤمن به الاقتصاد الوضعي ليس مقبولاً إسلامياً. إن مصدر المعرفة في الاقتصاد الإسلامي فيما هو محكوم بفقه هو الله، وفيما دون ذلك فالإنسان يعمل عقله وفق ضوابط شرعية.
2- في الاقتصاد الوضعي المستهدف هو اكتشاف القوانين، التي تحكم الظواهر الاقتصادية، بل إن ذلك يعتبر هو موضوع علم الاقتصاد، في مقابل ذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يهتم أولاً بتحديد طبيعة وشكل العلاقات بين أفراد وفئات المجتمع كما يهتم باستهداف تحقيق غايات معينة.
والمقابلة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي توضح ما يلي:
إن الاقتصاد الإسلامي يبدأ بتحديد الغايات المستهدفة، ويشكل العلاقات، ولا يبدأ باكتشاف القوانين؛ لأنها في حقيقة الأمر معطاة لما سبق تقريره من غايات وعلاقات.
3- الاقتصاد الوضعي من حيث محرك الاقتصاد تتنازعه فلسفتان: الفلسفة الفردية، والفلسفة الجماعية، في الفلسفة الفردية باعث الاقتصاد المصلحة الخاصة، ولذلك فإن الحرية الاقتصادية هي الوعاء الملائم للاقتصاد، وإن أكفأ دور اقتصادي للدولة هو ألا يكون لها دور.
بينما الفلسفة الجماعية تقوم على النقيض من ذلك في الاقتصاد الإسلامي فإن الفرد أحد أشخاص الاقتصاد، ولذلك فإن المصلحة الخاصة معتبرةٍ، والدولة أيضاً أحد الأشخاص، ولذا فإن المصلحة العامة معتبرة اعتباراً مباشراً.
4- الفكر الوضعي قائم على أن أحسن اسم لعلم الاقتصاد هو أن ندعوه علم التبادل، ولذلك فإن السوق، هو ما يبدأ به وينتهي إليه الاقتصاد.
السوق، وكيف يصل إلى التوازن، وكيف يمكن أن يحدث الاختلال، وما الذي يسببه، وكيف يمكن العودة إلى التوازن. إن هذا هو شاغل الفكر الاقتصادي الوضعي.
في مقابل ذلك، فإنه قد يمكن القول: إن من أحسن ما يسمى به الاقتصاد في الإسلام هو أن ندعوه علم الاعمار، كيف يحقق الإنسان الاعمار، والاعمار المقبول، وما الذي يعمل عليه، إن هذا كله هو شاغل الفكر الاقتصادي الإسلامي.
ونقل الشيخ الطيار عن المودودي قوله: ".. فنظرية الإسلام الاقتصادية بكلمات مختصرة هي أن الرابطة بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة وثيقة من حيث فطرتهما، فمن الواجب أن تكون بينهما الموافقة والمعاونة لا المزاحمة والمصارعة".
أركان الاقتصاد الإسلامي
يقوم الاقتصاد الإسلامي على ثلاثة أركان:
الركن الأول: الملكية المزدوجة:
وهي الملكية الخاصة التي يختص الفرد بتملكها دون غيره، والملكية العامة هي الملك المشاع لأفراد المجتمع.
والاقتصاد الإسلامي يقوم على تلك الملكيتين في آن واحد، ويحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، ويدعم هاتين المصلحتين طالما لم يكن ثمة تعارض بينهما، وكان التوفيق بينهما ممكناً.
أما لو حصل التعارض فإن الإسلام يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، ومن الأدلة على ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبيع حاضر لباد)) [رواه البخاري]، يعني أن يكون له سمساراً فيرفع السعر على الناس بأعلى مما لو باع البادي بنفسه.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلقوا الركبان)) [رواه البخاري]، فالمتلقي سيشتري بسعر أقل، وسيبيع الناس بسعر أعلى، وهو فرد قد حرم الناس من الشراء من الركبان أنفسهم بسعر أقل.
- أجاز بعض الفقهاء إخراج الطعام من يد محتكره قهراً وبيعه على الناس.
- الملكية الجماعية:
مجالات الملكية الجماعية ومصادرها:
1- الأوقاف الخيرية:
والوقف معناه: "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة"، والتسبيل هو إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلّة وثمرة وغيرها للجهة المعينة، وهذه المنفعة لا يختص فرد بملكيتها بل هي عامة لكل من يستحق الوقف. واشترط الفقهاء أن يكون على فعل معروف كبناء المساجد ورعاية العلم وأهله، وعمل المستشفيات، والنفقة على المحتاجين وما ينفع الناس.
2- الحمى:
وهو أن يحمي الإمام جزءاً من الأرض الموات المباحة لمصلحة المسلمين دون أن تختص بفرد معين منهم. فالحمى ينقل الأرض الموات لأن تكون ملكاً للمسلمين تخدم مصالحهم. ودليله: حمى النبي - صلى الله عليه وسلم - أرض النقيع في المدينة وجعلها لخيل المسلمين. ومن الأدلة أيضاً: أن أبا بكر حمى أرض الربذة، وكذا عمر.
3- الحاجات الأساسية كالماء والكلأ والنار:
فهذه الأمور مملوكة لجميع الناس لا يجوز لفرد أن يمتلكها دونهم؛ لأنها حاجات ضرورية وجدت دون مجهود يقدمه الفرد لاستخراجها، فلا يستأثر بها أحد دون الآخرين.
فإذا نزل المسلمون بأرض فلهم أن يرعوا أنعامهم من النبات الذي أخرجه الله عز وجل، وكذا يردوا الماء الذي فيه والذي لا دخل للإنسان في استخراجه والعمل على إنشائه.
ودليله: حديث أبيض بن حمال لما وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - استقطعه الملح فقطع له. فلما ولى قال رجل من المجلس أتدري ما اقتطعت له إنما اقتطعته الماء العدّ. قال: فانتزعه منه.
4- المعادن:
هي ما أودعه الله في هذه الأرض من مواد برية وبحرية ظاهرة أو باطنة لينتفع بها الناس من حديد ونحاس وبترول وذهب وفضه وملح وغير ذلك.
ولا خلاف بين الفقهاء في أن المعادن إذا ظهرت في أرض ليست مملوكة لأحد تكون ملكاً للدولة، أي تدخل في ملكية الأمة العامة.
5- الزكاة:
وهي: "الحق المالي الواجب لطائفة مخصوصة في زمن مخصوص". وهي من المصادر الأساسية للملكية العامة، حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك، فقال: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم))، فهو يدخل في نطاق الملكية العامة وبالأخص لأهل الحاجات المنصوص ذكرهم في الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60].
6- الجزية:
وهي الأموال التي تؤخذ من البالغين من رجال أهل الذمة والمجوس مقابل ما يتمتعون به من حقوق. وهي في مقابل عدم أخذ الزكاة من مالهم. وهي لا تجب إلا مرة في السنة، ويراعى فيها العدل والرحمة وعدم تكليفهم فوق طاقتهم.
7- الخراج:
وهو المال الذي يُجبى ويؤتى به لأوقات محددة من الأراضي التي ظهر عليها المسلمون من الكفار، أو تركوها في أيديهم بعد مصالحهتم عليها. والأراضي المملوكة لغير المسلمين لا يؤخذ منها زكاة فاكتفي بالخراج بدلاً من ذلك.
8- خمس الغنائم:
تقسم الأموال التي تغنم من الكفار إلى خمسة أقسام. واحد من هذه الأقسام يقسّم على من في الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، وهو ما يسمى بخمس الغنائم. يدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أخذ وبرة من جنب بعير -: ((أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس. والخمس مردود عليكم)).
9- الأموال التي لا مالك لها:
الأموال التي لا يعرف أصحابها كتركة من لا وارث له، أو لا يرثه إلا أحد الزوجين، فإن ما يتبقى يكون لبيت مال المسلمين. وكذلك الودائع والأموال السائبة التي لا يعرف مالكها. ويلحق بها أموال الرشوة فإنها تخرج عن ملك الراشي وترد إلى بيت المال، ولا يأخذها المرتشي كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن اللتبية فإنه لم يأمره برد الهدايا إلى أهلها.
10- العشور المأخوذة من مال الحربيين:
إذا دخل إلينا تاجر حربي بأمان أُخذَ منه العُشر عن كل مال للتجارة، وجعل في بيت مال المسلمين.
دليله أن عمر كُتِبَ إليه في أناس من أهل الحرب يدخلون أرض الإسلام فيقيمون. فكتب إليهم: إن أقاموا ستة أشهر فخذ منهم العشر وإن أقاموا سنة فخذ منهم نصف العشر. وكذلك أهل منبج لما أرادوا أن يدخلوا أرض العرب للتجارة كتبوا إلى عمر يعرضون عليه الدخول فشاور الصحابة فأجمعوا على أن يأخذوا منهم العشر.
من أهداف الملكية الجماعية:
1- استحقاق جميع الناس الثروة العامة ذات المنافع المشتركة سواء من الحاجات الضرورية أم غيرها، والتوسعة على عامة المسلمين. فالماء والكلأ والنار من الأشياء التي تقوم حياة البشر عليها، فإذا احتكرها أي أحد استطاع أن يتحكم في مصير الناس.
2- تأمين نفقات الدولة: فالدولة ترعى الحقوق وتقوم بالواجبات وتسد الثغور وتجهز الجيوش، وتقوم بما يسد حاجات الضعفاء واليتامى والمساكين، وكذلك الأمن والتعليم والعلاج، وكافة الخدمات العامة، ولا يمكن أن تقوم الدولة بهذه الجهود المباركة إلاّ من خلال هذه الأموال العامة.
3- تشجيع الأعمال الخيرية والتوسعة على المحتاجين من المسلمين.
4- استغلال الثروات على أحسن وجه لصالح البشرية، ولاسيما المشروعات التي يعجز الأفراد أو الشركات عن القيام بها إما لعدم تحقق الإمكانيات أو تكاليفها الباهظة، كبناء المواني وإقامة المدن الصناعية واستغلال الأراضي الشاسعة للزراعة وغيرها، ولكن عندما يكون لبيت مال الدولة مصادر تثريه تجعله قادراً على القيام بهذه المشاريع العظيمة.
ثانياً: الملكية الخاصة:
قرر الإسلام مبدأ التملك الفردي بشروطه الشرعية، استجابة لدواعي الفطرة وحافزاً لزيادة الإنتاج.
من مجالات الملكية الخاصة ومصادرها:
1- البيع والشراء:
ودليله قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
2- العمل بأجر للآخرين:
فقد جاءت النصوص المرغبة بالعمل الخاص والكسب المباح كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))، ونهيه عن استئجار الأجير حتى يتبين له أجره.
3- الزراعة:
وهي من مصادر الملكية الخاصة وقد رغب الشرع فيها كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : 15]، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)). وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)). قال الإمام الماوردي: "أصول المكاسب الزراعة والتجارة .. والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة لعموم نفعها وتحقيقها التوكل على الله".
4- إحياء الموات:
وهي الأرض الميتة الداثرة المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك معصوم. ودليلها حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)).
ومن شروط إحياء الموات:
أ - أن لا تكون الأرض ملكاً لأحد من المسلمين أو غيرهم.
ب - أن لا تكون داخل البلد.
ج - أن لا تكون من المرافق العامة كالمنتزهات أو المسايل.
د - أهلية المُحي بأن يكون قادراً على إحياء الأرض.
هـ - إذن الإمام، وهذا شرط عند أبى حنيفة، واشترطه مالك إذا كانت الأرض قريبة من البلد.
5- الصناعة والاحتراف:
حث الإسلام على الصناعة وأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - أن ((زكريا كان نجاراً))، وقد ثبت أن أصحاب رسول الله -صلى عليه وسلم - كانوا عمال أنفسهم، أي أنهم أهل حرفة وعمل.
6- إقطاع السلطان وجوائزه.
7- الجعل على عمل معلوم والسبق.
8- قبول الهبة والعطية والهدية.
9- اللقطة.
10- الوصايا والإرث.
11- المهر والصداق.
12- ما يأخذه المحتاج من أموال الزكاة والصدقة.
13- ما يؤخذ من النفقة الواجبة كالزوجة تأخذ من زوجها والولد من والده.
من أهداف الملكية الخاصة:
1- إثراء التعاون عن طريق الأفراد، والمؤسسات غير الحكومية، وذلك بتعبئة الأفراد للعمل على تنمية البلاد زراعياً وصناعياً، وإشعارهم بدورهم المهم في عمارة الأرض، وفي ذلك مصالح عظيمة للفرد والمجتمع.
2- تحقيق الخير والرفاهية للأفراد والنفع العام للمجتمع عن طريق المنافسة العادلة بين المنتجين.
3- عدم إشغال الدولة بأمور إنتاجية يتمكن الأفراد من تحقيقها.
4- إشباع غريزة حب المال وتوظيفها في المجال الذي فطره الله عليه.
الركن الثاني: الحرية الاقتصادية المقيدة:
تقييد الحرية الاقتصادية في الإسلام يعني إيجاد الضوابط الشرعية في كسب المال وإنفاقه لتحقيق الكسب الحلال والنفع العام لأفراد المجتمع.
وخالف النظام الإسلامي النظام الرأسمالي الذي أطلق حرية الكسب من غير قيود أو ضوابط، وخالف النظام الاشتراكي الذي صادر الحرية فمنع الناس من التملك.
فقد جعل الإسلام هناك حرية اقتصادية، ولكنها مضبوطة بشروط، ومن ذلك:
أن يكون النشاط الاقتصادي مشروعاً، والقاعدة الشرعية أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه، فمساحة الحلال في الاقتصاد واسعة، ولكن بشرط أن لا تخرم نصاً يقتضي حرمة هذا النشاط الاقتصادي.
وأن تتدخل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها بالحد من حريات الأفراد إذا أضرت أو أساءت لبقية المجتمع.
سبب تقييد الإسلام للحرية الاقتصادية:
1- أن المالك الحقيقي للمال هو الله عز وجل، وله الحق سبحانه أن يحدد تصرفاتهم وفق ما يعلمه من حالهم وما يصلح شؤونهم .
2- عدم الإضرار بحقوق الآخرين أو المصلحة العامة.
3- حماية مصالح بعض الفئات المحتاجة من منافسة الغير لهم كما هو الحال في مصارف الزكاة والإلزام بالنفقة على الأقارب.
الركن الثالث: التكافل الاجتماعي:
من الحقائق الثابتة أن أفراد النوع البشري يتفاوتون في الصفات الجسدية والنفسية والفكرية، وبناء على هذا التفاوت في المواهب والإمكانيات ومقدار التحمل والبذل؛ فإن هناك تفاوتاً سيكون في إيجاد نوعية العمل، وبالتالي مقدار الحصول على المال. وبالتالي سيكون هناك أفراد في المجتمع معوزين، لا يجدون كفايتهم من المال الذي ينفقونه على حاجياتهم الضرورية.
ولهذا جاءت عدة تشريعات إسلامية لتحقيق التكافل والتعاون وسد النقص لدى أهل الاحتياج من أفراد المجتمع، منها:
- الزكاة لسد حاجات المعوزين.
- إعطاء بيت المال لأهل الحاجات.
- الإنفاق الواجب على الأقارب ومن تلزمه نفقته.
- النهي عن الإسراف والبذخ تحقيقاً للتوازن الاجتماعي ومراعاة لنفوس المحتاجين.
- شرعت الكفارات والصدقات والقروض والهبات وصدقة الفطر والأضاحي والعقيقة وغيرها لتحقيق مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع.
منطلقات أساسية للتنمية الاقتصادية:
أولاً: الاعتماد على الذات:
يحرص الإسلام في توجهاته وأدبياته على غرس الشعور بالمسؤولية الفردية في كل صعيد، فالمسلم مسؤول عن توظيف طاقاته، وحفظ جوارحه، ورعاية عياله ومحاولة حل مشكلاته.. وهو يلقي في روع المسلم أن عليه قبل أن يطلب مساعدة الآخرين أن يستنفد طاقته في نفع نفسه وعليه قبل أن يحاسب الآخرين أن يحاسب نفسه، وقبل أن يقرأ تاريخ الأمم الأخرى أن يقرأ تاريخ أمته.
هذه التعاليم والتوجهات ساعدت المسلم على الإقلاع حضارياً مستعيناً على ذلك بانتمائه الديني وطاقاته الذاتية.
إن من المؤسف حقاً في عصورنا الأخيرة تأسيس تنميتنا الاقتصادية على تبعية الأنظمة الاقتصادية الشرقية أو الغربية، والمشي في ركاب مشاريعهم التنموية التي تستنفذ خيرات الدول الفقيرة والضعيفة مقابل إعطائها الخبرات والحلول الاقتصادية.
فبعد سقوط الشيوعية، وكف الغرب عن تقديم مساعداته، بدأت كثير من الدول الإسلامية صحوة متأخرة من هول صدمة الواقع الاقتصادي الذي تعيشه.
ومن أسس الاعتماد على الذات:
1- الاعتماد على الكفاءات الوطنية، وحفظ رأس المال الوطني من التسرب إلى الاستثمارات الخارجية، وإنقاذ أكبر عدد من الناس من الوقوع في العوز والحاجة، من خلال الاستفادة من العناصر المحلية الموجودة والموارد المتاحة في بيئتهم.
2- تدخل الدولة الخدمي والإرشادي والتنظيمي عند اعتمادها على مشاركة الجمهور في تنمية الاقتصاد بالإمكانيات المتاحة.
3- الاعتماد على التعليم والتدريب للشباب:
وهو سبب رئيسي في تفوق كثير من الشعوب اقتصاديا،ً ففي اليابان الشركات والمصانع لا تسرح الموظفين نتيجة تقليص الإنتاج وإغلاق بعض خطوطه، ولكنها تعيد تأهيلهم في فروع إنتاج جديدة، وهذا نتيجة حكمة تقول: "إعطاء الفرد سمكة واحدة يوفر له الغذاء مرة واحدة. أما تعليم الإنسان كيف يصطاد السمك فإنه يؤمن له غذاءً متجدداً ودائماَ".
ثانياً: التصنيع عصب التنمية الحديثة:
إن توفير الدخول الجيدة للأفراد لا يكون بعيداً عن التصنيع. والتصنيع المؤثر على الاقتصاد المحلي والدولي هو القائم على التقنية المعاصرة.
إن التقنية التي نريدها هي: كل تقنية تستفيد إلى أقصى درجة من الموارد الطبيعية المتاحة ومن الحجم المناسب من رأس المال والعمال والمهارات والتي تعزز الأهداف العليا والوطنية للأمة.
ومن سمات التقنية المناسبة:
- أنها تلبي حاجات الناس وتوظف الطاقات والإمكانيات، ولا تصبح لها تبعية تؤثر على هذه السمة.
- أن التقنية المناسبة هي التي توظف أكبر عدد من الأيدي العاملة.
- أن التقنية المناسبة هي التي تعتمد على استثمار المعطيات المحلية وتوظيف الخبرات والطاقات المتوفرة.
ثالثاً: الحد من الهدر والاستهلاك:
وهذا تحقيقاً لقوله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [لأعراف: 31]، وكذلك وصفه سبحانه للمبذرين بأشنع الأوصاف فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
فالمجتمع يعيش مظاهر من الإسراف والتبذير بالإنفاق بصورة بذخية فائضة عن الحاجة، وبالتالي يفقد المستهلك قدر كبير من دخله وأمواله على كماليات تفيض عن حاجاته وتُضيع مدخراته نتيجة لعادات خاطئة أو محاكاة للآخرين من دون اعتبار الفروقات المالية والاجتماعية.
أسباب ظاهرة الإسراف في المجتمع المسلم:
1- ضعف الشعور الديني لدى المسلم جعله يستسلم لأهوائه وشهواته؛ فيفرط في الإنفاق على متعه ولذاته.
2- فقر الحياة الثقافية والاجتماعية جعل مجال التفاضل هو كسب المال وإنفاقه وهدره.
3- ضعف الوعي بقيمة المال وحاجة الأمة إليه، فالمال قد يصبح أقوى سلاح للأمة إذا سخر في خدمة أهداف الدولة وبنائها الحضاري.
4- الافتتان بالنموذج الغربي الغني في طريقة العيش والحياة، ومحاولة التقليد لهم في العادات والتصورات؛ مما زاد من نسبة النفقات على الكماليات الباهظة، فيرغم في كثير من الأحيان ذووا الدخول المحددة على مضاعفة العمل أو الاقتراض.
5- تكديس الأشكال الكثيرة من البضائع في الأسواق إلى جانب استثارت الناس إلى الاستهلاك من خلال الدعايات والإعلانات.
رابعاً: التخطيط الشمولي التكاملي للتنمية:
وهذا التخطيط هو الذي ينظر إلى التنمية من أعلى باعتبارها كل لا يتجزأ دون قصر النظر على الخطط الجزئية أو المرحلية أو المؤقتة فقط ، أو التخطيط نتيجة ردة فعل مبنية على أمر طارئ أو خلل عارض ربما يزول وينقطع.
و لا يخفى على أحد ما يطرأ على تلك الخطط من تناقض وتعارض عند البدء بأول خطوة نحو التنفيذ، فالتنمية الصحيحة لابد أن تسير وفق مخطط شمولي يسعى إلى التكامل في البناء والأعمال، وعندها نكون قد قضينا على النتوءات والفروقات التي يمكن أن تحدث بعد ذلك بين خدمات المرافق المتنوعة وقابليتها للتطوير أو الزيادة السكانية المتوقعة حيث يتضاعف عدد سكان الدول وبالأخص الدول النامية.
دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي
من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي مبدأ التوجيه الإداري للنشاط الاقتصادي، وهذا المبدأ مؤسس في أصوله على نظرية التوازن الاجتماعي التي يعتمدها الإسلام أسلوباً وهدفاً؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وبمقتضى هذا النظر يخضع النشاط الاقتصادي في حركته وتوجهه لإرادة الدولة بوصفها الممثل الشرعي للمجتمع، غير أن هذا الخضوع مقيد بتحقيق الغاية الكبرى التي يستهدفها الإسلام وهي العدالة الاجتماعية من خلال فكرة التوازن الاجتماعي.
ومتى كانت العدالة الاجتماعية هي الغاية الكبرى التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها؛ فإن كل الأساليب والوسائل التي من شأنها إدراك هذه الغاية تعتبر من قبيل إدراك المصلحة العامة التي يجب على ولي الأمر أو من يمثله العمل على تحقيقها. وقد منحت الشريعة الإسلامية لولي الأمر سلطات تقديرية واسعة لتمكينه من إدراك العدالة الاجتماعية على الوجه الذي رسمه الشارع.
التدخل غير المباشر للدولة:
مظاهر التدخل غير المباشر عديدة ومتنوعة، منها ما هو تنظيمي ورقابي، ومن ذلك:
تدخل الدولة لتنظيم العمل ومراقبة ومنع الوسطاء الذين يستمدون كسبهم من جهل الجمهور لثمن السلعة فيحققون أرباحاً غير مبررة من فروق الأسعار. ويبدو تدخل الدولة أيضاً في منع الاحتكار وتسعيرة السلع التي تقوم حاجة جمهور الناس لها، وقد تقتضي المصلحة العامة إزالة ملكية عقار أو منقول أو إكراه صاحبه على تقديمه للاستثمار.
النوع الثاني من التدخل غير المباشر فتبدو أهم مظاهره في السياسة المالية للدولة الإسلامية. وقد احتلت مالية الدولة الإسلامية موضعاً رئيسياً من الاقتصاد الإسلامي، وظلت إلى زمن بعيد محركاً لهذا الاقتصاد ومصدراً لقوته. فقد شرع الإسلام في تنظيم مالية الدولة أسساً ومبادئ تجاوزت أحدث النظم الوضعية في الجباية والإنفاق.
التدخل المباشر للدولة:
تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في عدة حالات، منها:
- تدخل الدولة إذا ثبت أن الأفراد عاجزين عن القيام بالنشاط الاقتصادي أو يقصرون فيه أو معرضون عنه كمد السكك الحديدية أو إقامة الصناعات الثقيلة، وكل ما تتعلق به حاجة الناس من الصناعات والمهن، فإن للدولة عند الضرورة إجبار من يحسن ذلك إن امتنع عن القيام به.
- إذا انحرف النشاط الاقتصادي عن الأصول الشرعية أو أضر بالصالح العام للمجتمع كإنتاج الخمور وإقامة المؤسسات والبنوك الربوية.
- إذا أرادت الدولة أن تحقق قدراً من التنمية الاقتصادية لرفع مستوى المعيشة والرفاهية العامة لأفراد المجتمع.
- في الحالات الاستثنائية كالحروب والمجاعات والحوائج.
من هنا فتدخل الدولة له مدى محدد، فلا يطلق للدولة العنان بالتدخل لمجرد شهوة، فالتدخل ليس مصادرة أو منافسة الأفراد، وإنما من أجل المصالح العامة دون مساس بحقوق الأفراد الشرعية، إلا إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة.
وحتى يكون تدخل الدولة مشروعاً، فقد وضع الشرع الضمانات الكافية التي تكفل عدم تجاوز التدخل لأهدافه المشروعة، ومن أهم هذه الضمانات: شرعية الحاكم، وهي عقد البيعة الذي يبرم بين الحاكم والأمة، وعدالة الحكم، وخضوع الدولة لأحكام الشريعة الإسلامية خضوعاً مطلقاً لا استثناء فيه.
مجالات تدخل الدولة:
1- في مجال التصرفات الفردية: فالدولة لا تدخل في التصرفات الفردية إلا إذا انحرفت هذه التصرفات عن الجادة أو عندما تشعر الدولة بأن الفرد لا يحترم الجماعة، أو أنه يعمل ويتصرف بما يلحق الضرر بالجماعة، وفي هذه الحالة تتدخل الدولة لمنع الضرر عن الناس، فهناك بعض التصرفات التي تعتبر في نظر الإسلام من الأعمال الضارة بالمجتمع كالربا والغش والاحتكار والإسراف والاستغلال ومجموعة من البيوع المحرمة المنهي عنها.
2- في مجال العمل: تتدخل الدولة بمنع العمل المحرم شرعاً كالبغاء والفجور والقمار وصناعة الخمر، وأعمال الشعوذة والسحر، وغير ذلك مما هو محرم في الشريعة الإسلامية.
كما تقوم الدولة بمراقبة الأعمال الجائزة شرعاً عن طريق ولاية الحسبة التي تهدف إلى مراقبة الأسواق وسير العمل فيها وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.
ويجوز للدولة ـ إذا دعت الضرورة إلى ذلك - أن تجبر بعض أهل الصناعات على القيام بما يحتاجه الناس من صناعتهم مقابل أجر المثل.
3- في مجال الملكية: تمنع الدولة الطرق غير المشروعة في الكسب كالربا والقمار والرشوة والعقود الباطلة المشتملة على الغرر والغبن الفاحش.
كما تقوم الدولة بمنع الأعمال الضارة بالمجتمع بشكل عام كالاحتكار ونحوه. ويجوز للدولة ـ عند الحاجة - أن تتدخل في فرض الأسعار وتحديد مقدار الربح، وذلك عندما تستدعيه الضرورة العامة وحماية مصالح الجماعة.
وقد تقتضي المصلحة المحققة إزالة ملكية إنسان في مقابل ثمنها العادل. وبصفة عامة يجوز للدولة التدخل في الحياة الاقتصادية واتخاذ ما تحقق به مصالح الناس في أمور معاشهم كتنظيم بعض المهن ووضع اللوائح المنظمة لبعض القطاعات كالزراعة والصناعة ووضع القواعد العامة للتصدير والاستيراد والمراقبة عليها وغير ذلك.
الخلاصة
النظام الاقتصادي الإسلامي نظام شامل؛ لأن دين الإسلام دين شامل ينظم علاقة العبد بربه وعلاقته بإخوانه في المجتمع، فقد قدم النظام الاقتصادي الإسلامي القواعد لكل أنواع العلاقات والمعاملات الاقتصادية في مجالات الملكية والحرية والعدالة والضمان الاجتماعي وتدخل الحكومة وتوازن المصالح ونظم شؤون الفرد والجماعة والدولة، في مختلف النواحي الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في السلم والحرب، وكل ذلك على قواعد ثابتة وأحوال مستقرة تخدم أغراضاً محددة وتحقق أهدافاً معروفة بتنظيم دقيق ومنطق راق.
وكما نظم الإسلام للمسلمين شؤون دينهم نظم لهم شؤون دنياهم ومعاشهم، ومن ذلك المال والمعاملات التي تعتبر محور الجانب المعيشي في حياة الإنسان، والممارسة السلوكية في شؤون المعاشر والمعاملات لصيقة الصلة بالجانب العبادي، وهي تتبادل معه التأثير والتأثر؛ ولهذا أولى الإسلام هذا الجانب عناية فائقة ورسم الخطوط العريضة لنظام إسلامي متكامل في شؤون المال والمعاملات، وعلى طلاب العلم وقادة الفكر أن يطوعوا ما يسد من قضايا ومشكلات لهذا النظام، وهم واجدون فيه الحل الأمثل لكل ما يريدون، حسب تأكيد الشيخ الطيار الذي نقل عن الشيخ مناع القطان قوله: إن مهمة المسلمين إزاء ما يجدُّ من مشكلات أن يطوعوا الحياة للإسلام لا أن يطوعوا الإسلام لمشكلات الحياة. والاقتصاد الإسلامي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الإسلامية ومفاهيم الإسلام عن الكون والحياة والإنسان، وهو جزء من الإسلام الذي ينظم شتى نواحي الحياة في المجتمع، فلا يجوز لنا أن نفصل الاقتصاد الإسلامي عن جوانب الإسلام الأخرى، ولا تستطيع الأمة الإسلامية أن تحقق أسباب السعادة والرفاهية إلاَّ إذا أخذت الإسلام كلاً لا يتجزأ، واحتكمت إليه في مختلف شعب الحياة، ولا ننتظر أن يحقق علاج شعبة منها أهداف الإسلام حتى نعالجها جميعاً، ويوم أن يطبق الإسلام في بيئة إسلامية تصوغ حياتها على أساس الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة، وجوداً وفكراً وكياناً، ويوم أن نقتطف من هذا أعظم الثمار".
ــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (النظام الاقتصادي في الإسلام)، د. مسفر بن علي القحطاني.
- (المرتكزات في الاقتصاد الإسلامي)، د. رفعت السيد العوضي.
- (البنوك الإسلامية)، عبد الله الطيار.
- (الاقتصاد الإسلامي)، موقع (الإسلام).
- (الجزيرة نت).
المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=6340