صفحــــات تاريخية من روائع حضارتنا (نطق بها الغرب)

صفحــــات تاريخية من روائع حضارتنا (نطق بها الغرب)

د سعود بن حمد الخثلان

أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز

 

في السلسة التي أصدرتها جامعة كيمرج البريطانية , باللغة الإنجليزية بعنوان " مقدمة كيمرج لتاريخ الجنس البشري" تحدث معدوها في بعض أجزئها عن المسلمين وحضارتهم , وحسب علمي فإن هذه السلسة لم تترجم إلى اللغة العربية, وفي الوقفات التالية نلقي الضوء على ما ورد في أحد إصدارتها , وهو الرابع بعنوان " العصور الوسطى", فالقارئ لهذا الكتاب يلاحظ تميز بعض من الفقرات فيه بالعلمية والموضوعية. إلا أنه قبل ذلك لابد من التأكيد على نقطة مهمة وهي أننا كلنا نعلم أن الإسلام وهو الدين الحق ليس في حاجة إلى شهادة أو ثناء من أحد , ولكنه أمر مؤلم حقاً أن نجد من غير المسلمين من أعداء وغيرهم أناساً وصلوا إلى فهمٍ قيمٍ في هذا الدين وإدراك  لتفوقه وقوته, بينما هناك من المسلمين من لا يُلقي بالاً لشي من ذلك, بل ويعمل جاهداً للتفلُّت من الإسلام. وعليه فإنه يوجد منا نحن المسلمين من يحتاج إلى مثل هذه الشهادات من الآخرين لعلة يتذكر.

تمتد العصور الوسطى وحسب وجهة النظر الغربية من حوالي منتصف القرن الخامس الميلادي إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ( منتصف القرن التاسع الهجري ) تقريباً ,  وقد أُشير في مقدمة الكتاب إلى أنه في تلك الحقبة لم يكن في تاريخ أوروبا شي يُذكر , وخاصة في شطرها الأول , أي من بداية الحقبة إلى بُعيد الألفية الأولى حيث أُطلق عليها عصور الظلام فقد كانت تتسم بالتخلف .

ومن أمثلة ذلك التخلف , مما ذكر في الكتاب (ص24) أن شعوب السلاف slav وهي مجموعة مهمة في أوروبا , ومنهم على سبيل المثال الصرب والكروات والبولنديين والبلغار , وكذلك مجموعة أخرى وهم النورمانديون Normans ومنهم الدنمركيين والسويديين والفنلنديين, كان كل هؤلاء إلى حوالي القرن الحادي عشر الميلادي ( الخامس الهجري) وثنيون برابرة.

ومن أمثلتة أيضاً,(ص47) ,أن كثيراً من الفرسان والنبلاء (البارون) الصليبين الذين استقروا في أرض الشام بعد سلبها من المسلمين بدؤوا يتعودون على الإستحمام, وهو الشيء الذي لم يعرفوه في الحياة الخشنة في أوروبا.

ونجد في الكتاب (نفس الصفحة) إشارة لها دلالتها الواضحة في إثبات التخلف الذي كان يعيشه الأوروبيون في تلك الحقبة. فقد جاء أن الصليبيين الذين استقروا في الشام واندمجوا في الحضارة الإسلامية كانوا ينظرون إلى إخوانهم الصليبيين الجدد القادمين من تَوِّهِم من أوروبا نظرة ازدراء ويصفونهم بالجفاة والقساة والأغبياء.

أما عندما يأتي الحديث عن العرب(يُقصد بهم المسلمون), فإنهم يُوصفون بأنهم أصحاب حضارة وأن الصليبيين بُهروا بها, فاتجه العديد من فرسانهم ونبلائهم إلى تعلم اللغة العربية واتخاذ بعض أنواع اللباس الإسلامي واستقطاب الأطباء المسلمين المهرة. فاستفاد الصليبيون من الحضارة الإسلامية وهم في الشام, بل ونقلوها إلى أوروبا(ص42-46).

****

ولو انتقلنا إلى الجانب الآخر من الحضارة وهو ما يسمى بالجانب الروحي بما فيه من القيم والمثل, لرأينا في الكتاب ما هو أعجب.
ونبدأ بالجانب الصليبي لنقرأ في الكتاب(ص45) عن ما فعله الصليبيون لما استولوا على بيت المقدس سنة 492هـ/1099م, في وصف دقيق ومعبر يفوق بكثير ما كتبه بعض المسلمين عن تلك الحادثة المؤلمة. فيكفي أن عباراته تجعل الأبدان تقشعر والأعين تدمع والأنفس تشعر في نفس الوقت بالاشمئزاز من أقوام نزلوا إلى إلى أقل من درجة البهائم في الوحشية:
"" ... ثم اندفع الجنود المسيحيون في شوارع وبيوت القدس واخذوا يقتلون ويقتلون ويقتلون. ولم يستثنوا أحداً أبداً, لا النساء ولا الأطفال ولا كبار السن. وبعد تلك المجزرة أخذ أولئك الجنود الصليبيون وقد غطتهم دماء المسلمين يبكون فرحاً ويشكرون الله على ذلك"".

وأود من القارئ الكريم أن يتأمل معي هذا النص الواضح الصريح في مصدر اوروبي موثوق كيف صور لنا هذه الوحشية المتناهية. أقول ذلك حتى لا يكون لدى أحدٍ أياً كان شك وهو يقرأ عن مذبحة صبرا وشاتيلا والعدوان الأخير على غزة وقبلها كثير, فالوحشية هي الوحشية مع أن الزمن من الحروب الصليبية إلى وقتنا الحاضر امتد على مدى قرون عديدة وليس مجرد عقود. وهذا التامل يجب أن نربطه بديننا فنعود إلى قوله تعالى((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) " سورة البقرة آية 120". والله عز وجل يقول(ما فرطنا في الكتاب من شيء)"سورة الأنعام آية 38".

أما عن الجانب الإسلامي فقد جاء في الكتاب أن المسلمين لما فتحوا بيت المقدس في القرن السابع الميلادي(القرن الأول الهجري) كانوا متسامحين جداً مع اليهود والنصارى. ثم أشير إلى تكرر ذلك التسامح الرائع في عهد صلاح الدين الأيوبي. ففي هذا السياق يورد الكتاب(ص48) معلومة بليغة في صميم القيم والمثل العالية. فقد ورد أنه بعد انتصار صلاح الدين قرر إطلاق سراح الأسرى الصليبيين الذين يتمكنون من دفع الفدية, فبقي هناك الكثير من المسيحيين الفقراء ممن عجزوا عن ذلك فاستمروا في العبودية بالرغم من انه كان في القدس آنذاك من المسحيين الأغنياء بما فيهم المطران ممن استطاعوا أن يفدوا أنفسهم ويخرجوا ومعهم أموالاً طائلة, فعلوا ذلك دون أن يتحرك في نفوسهم أي ساكن تجاه إخوانهم الفقراء. أما صلاح الدين والعديد من رجاله فقد أخذتهم الشفقة على أولئك المسيحيين الفقراء البائسين فأطلقوهم بدون فدية.

بل والأغرب أن معدوا الكتاب أشاروا وبنظرة ثاقبة إلى احد الأسباب التي أدت إلى تلك الفاجعة والهزائم التي مُنِي بها المسلمون على أيدي الصليبيين وبقاء هؤلاء في بلاد المسلمين ردحا من الزمان, وهو سبب يهمنا نحن المسلمين في ديننا ودنيانا أهمية قصوى, طالما تحدث عنه العلماء والخطباء وكل غيور على الإسلام. جاء في الكتاب(ص48), أن السبب في ذلك لم يكن لقوة الصليبيين وبراعتهم بل للخلاف والفرقة التي كانت مستمرة بين المسلمين أنفسهم. وكلنا يعلم أن مَرَدُّ ذلك مرتبط دائما بالابتعاد عن الدين.
هكذا يكتب عن الإسلام بعض ممن ليسوا مسلمين!.

المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=1032

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك