دور الوحدة التربوية في وحدة العالم الإسلامي
دور الوحدة التربوية في وحدة العالم الإسلامي
عبد الرحيم الخليفي
ما التربية؟
التربية هي الالية المرنة التي عن طريقها يمكن تغيير السلوك، أو تعديله أو الاحجام عنه أو الحث عليه أو الحفاظ عليه كما هو. وهي أي التربية عملية هادفة لاتخاذ موقف معيّن تجاه حدث مُعيّن وتجاه الحياة عامة. كما تُعنى بتشكيل الإنسان في أبعاده: شخصيته، قدراته، أفكاره، ومنهجه، بحيث يصبح فرداً فاعلاً في المجتمع. فموضوع التربية هو الإنسان الفردية المتفرّدة التي لا تتكرر بتعبير علي عزت بيغوفيتش والجماعة المجتمعة التي هي بدورها ميدان التربية.
إن التربية قد تبدو مرادفة للتعلّم والتعليم، لكنها في الحقيقة أشمل، لأن التعلّم غالباً ما يفهم على أنه عملية نظامية مقصودة تتمّ في مؤسسة معينة كالمدرسة والجامعة، أما هي (التربية) فميدانها البيئة الاجتماعية كما سبق الذكر والأسرة إضافة إلى المدرسة كما يذكر محمد الشعبيني في كتابه علم الاجتماع التربوي. وكل هذه الفضاءات تتطلب حوافز جوانية مُهيّئة لاستقبال الفعل التربوي لدى الفرد. فالتربية في عمقها هي القوّة المؤثِّرة والمكتسبة عن طريق التنشئة التي هي، كما يقول دوركهايم: «عملٌ تمارسه الأجيال الراشدة على من لم ينضجوا، لتفهّم الحياة المجتمعية» سواء أكان ذلك بطريقة نظامية أو غير نظامية، مقصودة أم غير مقصودة، وهي (التنشئة) تختلف عن التدريب، وكما يقول بيغوفيتش: «التنشئة تحدث تأثيراً لطيفاً على نفس الإنسان لا يمكن قياسه. إن للتنشئة فاعلية غير مباشرة تدخل إلى القلب عن طريق الحب والقدوة والتسامح والعقاب، بقصد إحداث نشاط جوّاني في نفس الإنسان. أما التدريب، باعتباره حيوانياً في جوهره، فهو نظام من الاجراءات والأعمال تُتخذ لفرض سلوك معيَّن على الكائن البشري يزعمون أنه السلوك الصحيح. التنشئة تنتمي إلى الإنسان، أما التدريب فإنه مصمم من أجل الحيوانات» لأنّ غرسه يتمّ «خارج إرادة الإنسان حتى لو كان يفرض السلوك الصحيح، فهو لا أخلاقي ولا إنساني».
ليست المهمة الوحيدة للتربية هي نقل الثقافة من جيل إلى اخر، أو المحافظة على التراث، بل مهمتها أيضاً التطبيع الاجتماعي الواعي، والتغيير الاجتماعي نحو الأفضل. فكيف يمكن تفعيل التربية وتوظيفها في اتجاه أهداف الأمة؟
نحسب أن: النظر في واقع الأمة (كحال مستهدف بالنقد والتحليل والبناء) والنظر في علاقة مقاصد الشريعة بالتربية (كهدف مستهدف بالتنسيق) يجيبان عن هذا السؤال.
الواقع التربوي في العالم الإسلامي:
إن طرق الحياة التي كان يعتقد أنها صالحة، والأفراد الذين حاولت التربية تكوينهم، قد أصبحت في تاريخ الأمة الإسلامية المعاصر متنوعة تنوّعاً كبيراً بسبب اتباع نظم مدرسية وجامعية متنوعة ومختلفة. وبالتالي فإن مؤشرات الاختلاف على أساس النظم التعليمية والتربوية توسعت دوائرها على مستوى الاتجاهات الفكرية والعلمية وحتى الفقهية (بقطع النظر عن نسب التمدرس والعائد التربوي). وهذه الاختلافات منشؤها تنوع الأنظمة السياسية، والارتباطات الخارجية لكل قُطر إسلامي، ولغات التدريس، والتخطيط القاصر (إن وُجد أصلاً بالمفهوم العلمي للتخطيط). فأصبحت كل دولة تخطط على أساس أنها أُمّة، ولا تنظر إلى التعاون في المجال التربوي وما يتبعه، إلاّ في إطار التعاون الفنّي والاتفاقيات الثنائية وفي أحسن الأحوال الاقليمية، وهذا أيضاً لا يتمّ إلاّ من منطلق التخلّص من عبء كُتَل البطالة التي قد تشكّل خطراً على الدولة ذلك الكيان «المقدّس»!
خلال العقود الماصية كنّا «نتّهم» الاستعمار الاستخراب بأنه حال دون تخطيطنا المشترك ودون وحدتنا ودون تفكيرنا ودون الرابطة الإسلامية ودون... وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، وقد بيّن الكاتب الأفريقي علي مازوري في إحدى دراساته بأن الجامعة (المؤسسة التربوية) اعتُبرت في المجال الثقافي قمّة التبعيّة تلك المؤسسة التي احتكرت تخريج الجيل الأوّل من صفوة السياسيين ورجال الحكومة في أفريقيا المستعمرة (وكذلك اسيا وأمريكا) الذين كان تأثيرهم على أقدار بلادهم يبدو في ذلك الوقت تأثيراً قوياً لا يُمكن قياس مداه.
وقال المازوري أيضاً: لقد كانت الجامعة مثل هيئة الإذاعة البريطانية، تعتبر هيئة ثقافية ذات تأثيرات سياسية واقتصادية. وتعتبر الشركة التجارية المتعددة الجنسيات هيئة اقتصادية ذات تأثيرات سياسية وثقافية. ولقد كانت هناك عملية متبادلة للوظائف التي تؤديها تلك المؤسسات المتحدة، إن الأمر الذي يجب التأكيد عليه هو أن الجامعة تقع على قمّة التبعية الثقافية، كما تقع الشركات التجارية على قمة التبعية الاقتصادية، هكذا كانت سياسة الاستخراب الذي يدعى الاستعمار، حيث كل شيء يسيّره (طاقات أولية، إقتصاد، مناهج تربوية، عقول،...) لكن للأسف بعد مرور ما يقارب نصف قرن أو يزيد من استقلال البلدان الإسلامية، ما زال هناك من يُردّد هذا «الموّال» والبعض وجد في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في مناهج الدول الإسلامية والعربية فُرصة للحفاظ على «وطنيته» الهزيلة ليؤكد مرة أخرى على الخصائص السلبية باعتبارها مجرد خصائص، ولم يستفق هؤلاء «الوطنيون» بل تماروا في التأكيد على الخصائص «الوطنية»، ومن جهة أخرى وبلسان اخر يتحدثون عن وحدة إسلامية وعربية ويؤكدون بأن الدينار الذهبي الإسلامي يزداد تداوله يوماً بعد يوم أو الدينار الخليجي سيتم تداوله خلال بضع سنين، وفي كل هذا وذاك تقليد للاتحاد الأوروبي (ويا ليت كان مثله) باعتبار أن اليورو هو الذي سيزيد من لُحمة أوروبا، وأصبح الحديث عن الاتحاد النقدي والاقتصادي حديث فلاسفة السياسة الوحدوية، لكن كيف يمكن لهؤلاء الذين يتحدثون عن العملة الإسلامية أو العربية الموحَّدة أن يؤكدوا للنّاس الموعودين بفردوس الدرهم والدينار الموحَّد أن الفوائد العائدة من هذا الاتحاد النقدي لن تُخصص للأقلية وسيمتد إلى الجميع؟ كيف يمكن البناء (اقتصادي، تجاري، سياسي، ثقافي،...) دون تأسيس أساسٍ (التربية)؟ وإذا كان العالم الإسلامي يكثّف (نقولها من باب التفاؤل وليس الواقع) العمل السياسي فإن هذا يعني شيئاً واحداً: وهو أن هناك خطأً لا زلنا نكرّره، إذ أن الوحدة السياسية سرعان ما تنفرط ولنا عبرة في الخلافة العثمانية والاتحاد السوفياتي والاتحاد اليوغسلافي والتشيكوسلوفاكي... وكذلك الوحدة الاقتصادية (تحديداً وحدة العملة) فإنها سريعة التشظي ولا نطمئن لتجربة الاتحاد الأوروبي التي لا زالت في البداية، ونحسب أنها لن تستمر ولن تتجاوز نصف قرن على أقصى تقدير وسترتدّ بعد ذلك إلى حالتها الأولى ويدخل اليورو المتاحف. ليس هذا من باب التمنّي أو المناوأة للأوروبيين، لكن هذا ما يؤكد الواقع والعديد من الدراسات.
وبالمقابل، فحسب أن الوحدة التربوية هي الأكثر استمرارية لأنها أكثر ترسّخاً في ذهن الأفراد، فإذا ذهب فرد أو جماعة يأتي من يُحيي تلك الفكرة من بعدهم. في المناهج التربوية للدول الإسلامية والعربية تعبيرات شتى تؤكد عن الانتماء إلى المحيط العربي والإسلامي إضافة إلى التأكيد على البعد العالمي الإنساني، لكن لا تعدو تلك «البنود» مجرّد شعارات لا تخرج عن دائرة «الشعارية»، إذ أننا لا نلمس في المؤسسات التربوية شيئاً من ذلك الكلام الذي نقرؤه في مقدمات الكتب المدرسية في الدول الإسلامية.
مقاصد الشريعة والتربية:
إتّفق فقهاء مقاصد الشريعة على أن الضروريات هي أصل لما سواها من الحاجيات والتحسينيات وأن هاتين المصلحتين الأخيرتين مكملتان للضروريات الواجب حفظها وصيانتها. وقد بيّن الإمام الشاطبي أن حفظ هذه الكليّات «يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ويقيم قواعدها، ذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقّع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم». وفي مقال سابق بعنوان «الجهاد ومقاصد الشريعة» بيّنت كيفية الحفاظ على هذه الكليات ودرء الاختلال الواقع والمتوقع فيها عن طريق الجهاد الذي هو الوسيلة العظمى لحفظ النفس، والدين، والعقل، والنسل، والمال. وقد تبيّن لي بعد ذلك أن حفظ الضروريات وتحقيق الحاجيات والتحسينات يتمّ أيضاً عن طريق العلوم بأنواعها (علوم الفقه، العلوم العسكرية، العلوم الاقتصادية، علوم التربية والتعليم، العلوم الاجتماعية، العلوم الطبية،...) وهذا المبحث هو مبحث كبير الفائدة إذا توسعنا فيه وضبطنا أهدافه.
وبما أن الأمة تشترك في هذه المقاصد فالواجب عليها أن تراعي ما يحفظ مقاصدها كالجهاد والعلوم ونحو ذلك. وقد أشار العلاّمة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه «مقاصد الشريعة الإسلامية» إلى أن من مصالح الأمة هو حفظ الجماعة من التفرّق، وبيّن أن «مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال». ولا أحسب أن الأمة تكون كذلك إلا عندما تكون موحّدة، وهل رأينا أمة متشرذمة مرهوبة الجانب ومطمئنة البال، ولنا في أنفسنا عبرة، فلم تضعف الأندلس إلا عندما دخلت عصر ملوك الطوائف (الأندلسي) وعندها تداعى عليها الإسبان، واليوم في عصر ملوك الطوائف الثاني (في المغرب والمشرق والعربيين) حدّث ولا حرج، من نكبة فلسطين إلى الشيشان إلى الصومال، فالسودان فالعراق. وقد أدرك العدو الأمريكي وحلفاؤه أنه لا يمكن الحفاظ على هذا التشرذم إلاّ من خلال التربية، ورأى الأعداء أن التربية الإسلامية هي باب جهنّم الذي يفتح عليهم من حيث لا يعلمون، وأن التربية على المنهج الإسلامي تخرّج مجاهدين لا يتقيدون بالوطنيات الضيقية وتخرّج مجاهدين يمكنهم أن تنسف قواعد العدو في تل أبيب وفي نيويورك وروسيا.
إنه ليس هناك من وسيلة أفضل للوحدة الإسلامية من توحيد المناهج التربوية. وقد أشار العلامة الشيخ ابن عاشور إلى أن الوسيلة المؤدية إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، وإذا سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة، لكن لا نحسب أن مقصد توحيد الأمة سقط بل هو مأمور به. وقد جاء في الذِّكر الحكيم (واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرّقوا).
التخطيط والوحدة الإسلامية:
التخطيط التربوي في العالم الإسلامي والعربي يرتكز إلى نقطتين: وضع مناهج بطريقة غير شوروية وغير نابعة من واقعنا الاجتماعي أصلاً. والنقطة الثانية: تخصيص قسط يطلقون عليها اسم «ميزانية» لتنفيذ هذه المناهج (مع غياب اقتصاد تربوي بالمفهوم العلمي). وهذه المناهج يُبدأ بتجريبها في بعض المدارس وأحياناً يتم تنفيذها دون تجريب ودون اختبار قدرة المدرسين على استيعابها وتنفيذها، وهكذا بعد عدد من السنوات أو بمجرّد تغيير وزير التربية يتمّ تغيير المناهج، وكأن التخطيط هو فكرة عابرة استحسنها شخص أو مجموعة فتم تنفيذها.
إن مفهوم التخطيط ليس غريباً على التربية والقيّمين على التربية ذلك أنه لا يمكن وضع نظام تربوي دون تخطيط، لكن درجة الغرابة تكمن في أسلوب التخطيط وكيفية وضع الأسس التي تبنى عليها المناهج: هل تنبثق هذه الخطط من الواقع؟ هل تراعي المعطيات الواقعية؟ هل هي في مستوى الامال؟
إن غياب معهد إسلامي وعربي للتخطيط التربوي شيء مخيف في ظل هذا الواقع لما سيضاعفه هذا الغياب من فوضى في المناهج وبالتالي يؤدي إلى اختلاف في الاتجاهات الفكرية اختلافاً سلبياً وليس ايجابياً ويكرّس وجود دُول أُمَم بدل من دول أمّة على الأقل (إن لم نقل دولة أمّة). لا يُخيف الاختلاف بذاته إذ هو سُنّة كونيّة لكنه يُصبح خطراً عندما يتحوّل إلى شيء مقدَّس ولعلّ ما نرصده من تناحر على الحدود بين دولتين إسلاميتين أو ما يكيله إعلام «دولة» إلى أخرى من شتائم إلا نتيجة تلك الاختلافات التي تشبّعنا منها في المؤسسات التربوية حيث تعلَّمنا أن «النشيد الوطني» و«العَلَم» (بفتح اللام) و«خارطة الوطن» هي أشياء مقدَّسة غير قابلة للتحوير أو التغيير، والكلّ يقف لها خشوعاً وإجلالاً.
إنه عندما نتحدث عن التخطيط التربوي لا نتحدث فقط عن الكفاية الاقتصادية للتربية، أو التنمية البشرية، أو القيمة الاستهلاكية للتربية، أو الصحة التربوية، أو الفاقد في التعليم، أو العائد التربوي،... إنما نتحدث أيضاً عما يترتّب عن التربية من اتجاهات فكرية وثقافية أي العائد المعنوي للتربية الذي يرفد الحضارة. فالهدف من التخطيط التربوي هو انجاح المناهج التي ينتظر منها أن تعود على المجال الاقتصادي والاجتماعي بالفائدة، لكن لا بد للأمة الإسلامية أن تتميز وتجعل الأخلاق من العائدات المنتظرة وكذلك الوحدة كهدف وتنمية اتجاه التضامن والتكافل لدى الفرد المسلم، وهذا لا يتم إلاّ عبر المناهج الموحّدة بدل تكرارها بطريقة عشوائية في كل قطر ممّا يولّد عبئاً لا وظيفياً. كما أن أخلاقيات الوحدة الإسلامية هي أخلاقيات التخطيط المشترك للنظر في واقع الأمة واستشراف مستقبلها. والتخطيط الجيّد للوحدة الإسلامية هو تخطيط تربوي بالأساس يدعمه تخطيط سياسي، أو تخطيط سياسي بالأساس يدعمه تخطيط تربوي وكلاهما يتمحور حول رغبتنا في أن نكون أحراراً، وهذه الرغبة نفسها تتوقف على قدرتنا على الاختيار ودقّة التخطيط باعتباره (التخطيط) أسلوب للنظر إلى المستقبل من خلال المعطيات المتاحة والطموح لتجاوزها نحو الأفضل. كما أن الوحدة الإسلامية التي لا نربّي عليها أجيالنا ولا نمارسها في مناهجنا التربوية ما هي إلا نوع من المزايدات السياسية الخدّاعة. علينا أن نواجه واقع أنفسنا بامال أنفسنا لتحقق أهدافنا. إنه من خلال النظر في الواقع يمكن أن نسأل عن دور المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم أو اللجنة التربوية (إن وُجدت) في منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وماذا قدمت المؤتمرات التي تتمحور حول هذا الاتجاه؟
علينا أن نتجاوز المؤتمرات التي يمثلها عادة الإداريون إلى مؤتمرات المدرّسين والمربين والاباء أولياء التلاميذ والطلاب ممن له رأي أو خطة تربوية. ومن جهة أخرى، كما قال أحد التربويين الغربيين: «يجب أن نكون حذرين من أن نُصبح بصفة مطلقة خُدّاماً للأنظمة التي استكشفت فجأة علاقة التربية باهتماماتها وأهدافها الخاصّة المحدّدة. إن التقبّل، والانفتاحية على الأنظمة والحاجات الأخرى التي ترتبط بها النظرية التربوية، شيء، ولكن النظرية التربوية يجب أن تكون أكثر من مجرّد خليج فارغ يُملأ كلّما حدث المدّ».
نحو نظرية تربوية إسلامية:
ربّما ليس من النزاهة في شيء بأن نقول بأننا على عتبة وضع نظرية تربوية تحقق أهداف الوحدة الإسلامية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لها، لكن بالامكان الإشارة إلى بعض مقومات هذه النظرية. إنه لم يَعُد كافياً توجيه النصائح والتحليل المفرط بقدر ما نحن في حاجة إلى «نظرية إنجازية» (أي إنجاز ما نقول).
فالأمة الإسلامية في حاجة إلى مناهج تربوية وتعليمية منبعثة من واقعها وتقوم على تجارب المسلمين لتكون هذه النظرية متّسقة مع الطموحات وقادرة (هذه المناهج) على تبليغ الرسالة المنوطة بعهدتها. فالمناهج التربوية المستوردة لا تحقق امال المسلمين لأنها غير منبثقة من واقعهم كما سبقت الإشارة وبالتالي لا تحمل همومهم وتطلعاتهم.
مهما يكن الاطار المحدد الذي ستأخذه النظرية التربوية الإسلامية، فإنه يجب أن تحقق المتطلبات التالية:
1 نظرية إسلامية المعرفة هي جزء من النظرية التربوية الإسلامية.
2 يجب أن توضّح مفاهيم الوحدة والتنمية وأن تشكّل الأهداف بوضوح حتى تتمكّن من وضع الخطط بمرونة.
3 التدقيق في أدقّ الجزئيات في المعلومات التي تقدّم في التعليم ويتم تأصيلها وإعادة بنائها إذا كان ذلك ضرورياً بناءً واضحاً وبأسلوب سلس، وتحديد المتغيرات الهامة دون أن تُحبس في تصنيفات معينة.
4 تحقيق العدالة في التعليم، وجعله إجباريّاً حتى المرحلة الثانوية على الأقل.
5 الفسح في المجال للإيداع في البحث وتطوير المناهج.
6 تحقيق الشورى التربوية بحيث يُنقل التوجيه التربوي والاشراف التربوي والتخطيط إلى ذوي الاختصاص والخبرة وليس ذوي الخبرة فقط.
7 توحيد الكتاب المدرسي مع إمكانية الحفاظ على اللغة المحلية الأصلية أو استخدام اللغة العربية إن أمكن بالنسبة للشعوب غير الناطقة بها.
8 جعل اللغة العربية الفصحى إجبارية في جميع الصفوف على اعتبار أنها لغة القران واجب الحفاظ عليها، وبالتالي تصبح هذه اللغة أداة تواصل بين الشعوب الإسلامية. وتدريس لغات الشعوب الإسلامية (وفتح اختصاصات الاداب لكل لغة من لغات الشعوب الإسلامية في كافة أنحاء العالم الإسلامي) مع الانفتاح على كل لغات شعوب العالم الأخرى.
9 دراسة مشكلات واحتياجات الأمة وصياغة الأهداف وفق واقع الأمة وتطلعاتها.
10 إحياء الجامعات الإسلامية العريقة كجامعة الزيتونة والقرويين والأزهر...
11 جمع المعلومات بدقة عن أحوال المسلمين في جميع أنحاء العالم لمساعدتهم على تلقي أبنائهم للتعليم الإسلامي، ودعوة الحكومات غير الإسلامية التي يوجد بها مواطنون مسلمون تسهيل تدريس اللغة العربية والقران الكريم، وعدم إجبارهم عن تلقي عقيدة تخالف عقيدتهم.
مقاصد التربية الإسلامية وبرنامجها:
* المناهج:
تُعد المناهج التربوية محور عملية التخطيط التربوي باعتبار أن الخطط التربوية تعتمد على الأثر الناتج عن التعليم. فالمنهج هو أكثر من مجموعة المواد والحقائق التي تُدرّس، فهو عملية نحت لعقول وتمرين على التفكير الايجابي والتأمل ومجابهة مشكلات الواقع والتفكير في تحسين ظروف المستقبل.
* دراسة احتياجات الأمة يمكن استخدام طرق متعددة كالدراسات الميدانية (إحصاء، تنسيق،...) ويمكن أن تشمل هذه الدراسات: الامكانات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ودراسة المشكلات العديدة التي تواجه الأمة في حياتها اليومية.
* الأهداف القيمية والعلمية للأمة:
التربية الأخلاقية (القيم): تكافل أخوّة تضامن احترام متبادل جدّية حريّة عدالة شجاعة كرم رصانة ...
المعرفة الدينية بكافة فروعها: العقيدة أصول الفقه القران وعلومه الحديث وعلومه.
* المعرفة التقنية والعلمية: علوم الصناعات الثقيلة والخفيفة والمتوسطة في جميع القطاعات صناعة الأسلحة بكافة أنواعها دون استثناء الصناعات الالكترونية (إعلام واتصال) علوم الحيل (ميكانيك) علوم هندسية معمارية علوم طبية ....
* بناء الشخصية الإسلامية: تطلعاتها توازنها ثقافتها ...
* الوعي الإسلامي ب: أهداف الرسالة الإسلامية في الميادين كافة المهمات الإنسانية للرسالة الخصائص الإسلامي مقومات الثقافة الإسلامية المستقبل (لتجاوز التحديات) الحاضر (مجابهة التحديات) الماضي (التراث والتجارب) الخصائص الحضارية والثقافية.
* النظام التربوي لتحقيق الوحدة:
استقراء الواقع.
وجود أجهزة سياسية متخصصة لوضع الأهداف.
إطار تربوي كفوء لتنفيذ الخطط التربوية.
أجهزة تربوية للمراقبة والتقييم من أجل التقويم والتحديث بما يتساوى والواقع.
وحدات سلوكية: التربية الإنتاج التربوي التقييم التفكير العلمي الإتقان التواصل الاستدامة ...
* التشريع التربوي:
اعتماد العربية الفصحى في تدريس المواد الدينية، واعتماد اللغات القومية في تدريس المواد العلمية والتخلي عن اللغات الأجنبية دون التخلّي عن دراسة اللغات الأجنبية كنافذة ثقافية على العالم من أجل التواصل ومواكبة التغيرات على جميع المستويات.
العدالة التربوية للصغار والكبار واعتبار ذلك حقّاً مشروعاً كالطعام والسكن.
تشريع قانون شامل ومتكامل يبني ويحمي ويطوّر النظام التربوي الإسلامي الموحد ويضمن حقوق المعلّم والمتعلم.
* التخطيط والإدارة:
اعتماد الكفاية والمهارة والثقة والتنسيق في التخطيط.
متابعة المخططين لاخر المستجدات التربوية في العالم للاستفادة من التجارب المتنوعة.
اعتماد الإحصاء الدقيق والمعلومات الدقيقة والواقعية.
التنسيق بين كافة الاختصاصات للاستفادة من كل اختصاص إلى أقصى مدى.
إعداد خطط وافية لجعل الطرائق الإسلامية للتربية ميسّرة لكافة الشعوب للاستفادة منها وتبادل الخبرات بين العالم الإسلامي وبين غيره من الشعوب.
تيسير الالتحاق لكل الطلاب والتلاميذ بأي كلية أو مدرسة يختارونها في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
استثمار الوسائل التقنية الحديثة في ميدان التربية والتعليم.
المصدر: مجلة الوحدة الإسلامية العدد 21 - أغسطس 2003