الدور الحضاري للأمة المسلمة في عالم الغد

الدور الحضاري للأمة المسلمة في عالم الغد

أبو الحسن الندوي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين، وبعد:

 

فـإنـني كلـما مـر بـي قولـه تـعـالـى وقــرأتـه: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} (الأنفال:73)، وقفت حائرًا مشدوهًا أمام هذه الآية القرآنية، بصفتي -والحمد لله تبارك وتعالى- أؤمن بالقرآن بفصه ونصه، عقائد وأحكامًا وأخبارًا، وكدارس للتاريخ، وباحث في التاريخ كذلك، خصوصًا تاريخ القرن السادس المسيحي، الذي كانت فيه البعثة المحمدية، وبصلتي بالسيرة النبوية دراسة واسعة متنوعة اللغات.

 

أحار عند قراءة هذه الآية، ذلك أن الجاهلية قد كانت مخيمة على العالم كله، ضاربة أطنابها على السهول والجبال، وعلى القفار والبراري.. على البلاد المتمدنة، وعلى البلاد المتخلفة، كما اتفق المؤرخون.. كانت الجاهلية هي بمثابة الديانة الوحيدة التي تؤمن وتعمل بها شعوب العالم كلها، فكان الجزء المتمدن المعمور الراقي ينقسم إلى جزأين: الجزء الشمالي الغربي، والجزء الشرقي.. كانا خاضعين لإمبراطوريتين جاهليتين، إن لم أقل وثنيتين، لكن تحريًا للصدق والدقة، أقول: إمبراطوريتين جاهليتين.

 

الجزء الكبـير والمتمدن والمعـمــور كان خــاضـعًا للإمبراطــورية الرومــانيـة التي كانت تسمى بالإمبراطورية المسيــحية، والجزء الثاني، وهو الجـزء الشـرقي، كــان خاضعًا للإمبراطورية الفارسية الإيرانية المجوسية الساسانية، وكان باقي أجزاء العالم المعمورة المتمدنة الراقيـة وغير الراقية كلها خاضعة لوثنية فاحشة..وثنية سافرة.. وثنية عارية.

 

حتى الهند التي كانت تملك فلسفات عميقة، وكانت تملك مدارس فكرية كبيرة في بعض الأزمان، كانت خاضعة للوثنية الفاحشة، يقول أستاذ كبير -صاحب اختصاص في التاريخ، بروفيسور في جامعة دلهي- يقول: قد وصل عدد المعبودات والمعبودين في الهند إلى مائة مليون في بعض الأحيان، والبوذية أخفقت في إصلاح الحال وفي توجيه البلاد -كما يدعي مؤرخوها وكما يدعي دعاتها- إلى التوحيد.. قد أخفقت تمامًا، كما اعترف بذلك المؤرخون في الهند.

 

كذلك كانت الدولة المجوسية الإيرانية، وكانت فارس كذلك، وكانت كل أصقاع العالم، وكل قطع العالم، وكل النواحي، خاضعة للوثنية، وخاضعة للأوهام والخرافات، وخاضعة للاضطهاد، ولكن كانوا هم الذين يملأون العالم، وكان عددهم لا يحصى، ولا يمكن إحصاؤه، ولا أعرف مؤرخًا أحصى عدد الموجودين في ذلك الزمان قبل البعثة المحمدية، أو عند البعثة المحمدية في العالم.. ما كان هناك إحصاء دقيق عالمي.. ففي جانب كان أوسع عالم، وأكثر وأملك للطاقات البشرية، وأملك للقوى الحربية، وأملك للمكتبات العلمية، وأملك لكل القيم، ولكل الخصائص التي تتصف بها الأمم، ولكنهم في جانب كانوا قد اتخذوا جبهة وثنية، جبهة للدعوة الوثنية، والإغراء بالوثنية، والخضوع للخرافات والأساطير والاستبداد، وقهر الملوك.. هكذا كان وضع العالم في ذلك الحين.

 

وكان مقابل ذلك المسلمون.. وهم حفنة بشرية، وهذا تعبير غير مبالغ فيه، حفنة بشرية تملأ الكف، إذا قيسوا في العدد والعُدد، وفي القوة والطاقات والآلات.. إذا قيسوا بهذا العالم المتمدن المعمور، المالك لأَزِمّةِ الأمور، والموجه للعالم كله توجيهًا كما يشاء.. إذا قوبل بينهم وبين هذه الحفنة البشرية كانوا -في الحقيقة- ملء الكف.

 

فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في صحيح البخاري(1)- أنه كان هنالك ثلاثة إحصاءات، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإحصاء المسلمين في المدينة المنورة، ما عدد المهاجرين، والذين آمنوا بالإسلام في المدينة المنورة، فكان الإحصاء الأخير لا يتجاوز ألفًا وخمسمائة، وكان ذلك عند غزوة أحد، ويقول بعضهم عند حفر الخندق.. كان عددهم لا يتجاوز ألفًا وخمسمائة.

 

وهؤلاء الألف وخمسمائة يُخاطَبون في القرآن الكريم بقوله تعالى: {الذين كفروا بعضهم أولياء بعض} ، هم جبهة {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ، أي: إن لم تكونوا معسكرًا، إن لم تُكَوِّنوا اتجاهًا سافرًا معلنًا به واضحًا للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، والدعوة إلى التوحيد الخالص، والدعوة إلى احترام الإنسانية والإخاء الإنساني، والأخوة البشرية، والدعوة إلى الإنصاف والمساواة، والدعوة إلى خشية الله تبارك وتعالى، والعطف على الإنسانية، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

 

كيف يفهم الإنسان ذلك بسهولة إذا لم يكن عنده إيمان عميق بالقرآن، ودراسة دقيقة، وتحر للصواب ولواقع العالم البشري ?

 

فقد كان هناك ملايين من البشر، من الناس، عدد كبير منهم مثقف، وعدد آخر غير مثقف، كلهم يخضعون للوثنية خضوعًا سافرًا فاحشًا دائمًا، ولهم خرافات وأساطير ومفروضات وعادات وتقاليد جاهلية فاحشة ظالمة جائرة للإنسانية والشرف الإنساني.. وهناك حفنة من البشر لا يتخطى عددهم ولا يتجاوز ألفًا وخمسمائة.. فمن غير الله تبارك وتعالى يستطيع أن يقول هذا ?!

 

هناك ملايين من البشر يملكون كل طاقة ووسيلة، ويملكون كل عدة وسلاح، ويملكون كل تصرف في البشرية.. وهناك حفنة بشرية قد تجوع.. قد يجوع مئات منها، ولا يستطيع كثير منهم أن يستر جسمه سترًا كافيًا وافيًا، ولا يستطيع أن يقوت عياله.. هناك حفنة بشرية قليلة العدد والعتاد والأسلحة، وقليــلة القوى والطــاقات، وهنــاك بحــر خضــم لا يُـعـرف قعره ولا عمقه، بحر مستفيض فائض على الصعيد كله، وعلى الأرض كلها، وعلى قارات وأبالات ومدن وقرى، وكذلك محلات صغيرة وكبيرة، وعمارات، وحكومات، وفقر مدقع، وعري وفاقة.

 

هكذا كان العالم موزعًا في ذلك الحين بين هذه الأكثرية الساحقة الغالبة، الماحقة، المعاندة، المتشبثة، الملحة، المصرة على الوثنية، وكانت هناك حفنة بشرية لا تستطيع أن تعول نفسها.. ومعلوم أن كل مهمة كبيرة تحتاج إلى أن يكون الذي يضطلع بها، والذي يقبل مسؤوليتها، أن يكون صاحب كفاف وكفاية وقوة.. هذه حفنة بشرية قليلة، وهذا العالم الممتد، عالم كالبحر مائج هائج.. فمن غير الله تبارك وتعالى يستطيع أن يقول: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ?!

 

إن العبرة بالقيمة لا بالقامة.. كان المسلمون صغارًا في القامة، ولكنهم كانوا كبارًا في القيمة.. والعبرة بالقيمة لا بالقامة، يدل عليه التاريخ ويثبته من أوله إلى آخره.. إن القيمة تغلبت دائمًا على القامة وهزمتها مهما كانت كبيرة وشامخة.. لولا هذا، لما كان لهذا العالم المتمدن المعمور بقاء ولا كيان أبدًا.. لولا أن القيمة استطاعت أن تتغلب وتهزم القامة، مهما كانت كبيرة وشامخة، لما بقيت هناك عقيدة صحيحة، ولا دين صحيح، ولا دعوة صحيحة، ولا كرامة بشرية.

 

والعالم البشري الآن، يعاني عللاً وأسقامًا، وموبقات وأخطارًا، لا يوجد لها نظير في كثير من القرون الماضية.. والعــالم الإســلامـي نفسه يعاني أهوالاً ومحنًا، فريدة طريفة، أنواعًا لم تخطر ببال، ولم تكن تسنح للخيال.

 

إنه يعاني مــؤامـرات ومعارضــات، تختلف في الأشكـال ولكنــها تلــتقي على نقــطة واحدة، وهي إبادة الأثر الإسلامي، وأثر التعليمات الإسلامية على العالم الإسلامي، وإفقاد الثقة بصلاحية الإسلام للبقاء في هذا العهد الراقي المتطور، وعن صلاحيته لقيادة قُطر، فضلاً عن صلاحيته لقيادة البشرية والمدنية.

 

وقد التقى في هذا المشروع المدمر والمخطَّط المبيد، ذكاء إسرائيل (وبالأصح شطارة إسرائيل) مع وسائل أمريكا وطاقاتها. التقى هذان العنصران القويان المبيدان على محو الأثر الإسلامي، حتى في العالم الإسلامي وفي الأقطار الإسلامية، العريقة في الإيمان بالإسلام، والتضلع بالدعوة الإسلامية ونشرها في العالم، ذات الحمية الإسلامية، والغيرة الدينية، والنضال الإسلامي، وذوات الثروات الواسعة.. الغنية في العلوم الإسلامية، الدينية والعلمية، السنية والفقهية والأدبية، والتي قامت في بعض الفترات التاريخية بمقاومة الهجمات والزحفات المتحدية لبقاء الإسلام والمسلمين، كالهجوم الصليبي الفاتك والزحف التتاري المبيد.

 

وكان ذكاء إسرائيل واستعراض أمريكا للـواقع -رغم وجود تنــاقض من أشد التنــاقضات في العقيدة في ما يتصل بنبي الله عيسي بن مريم عليهما السلام- مصيبين في اختيار هذا العنصر الوحيد الذي يهدد الاستعمار الأجنبي والتخطيط الأجنبي المدمر.

 

وقد جاء تقرير المصير للأمم والشعوب في أيدي حكومة عالمية، ذات وسائل تجارية، ووسائل سياسية، ووسائل مدمرة، مع أن مستقبل الإنسانية متوقف على بقاء المسلمين، هم يوجهون العــالم إلى ما فيــه الســـداد، وإلى ما فيـه الرشاد، وإلى ما فيه السعادة، وإلى ما فيه النجاة الأخروية، والسلامة الدنيوية، وإلى ما فيه التآلف والتعاطف والتعاون على البر والتقوى.

 

ثم هناك معركة أخرى حامية غير طبيعية وغير معقولة، وهي التي استنزفت جهود القادة والساسة، وولاة الأمور والمفكرين في البلاد الإسلامية، وهي المعركة الحامية بين الشعوب والجماهير والحكومات.

 

فالحكومات تتجه إلى العلمانية والقومية وتنفيذ الحضارة والقيم الغربية، والثقافة الحرة الخاضعة للقيم الغربية، أو المستوردة من الأقطار الغربية إلى الأقطار الإسلامية، والإشفاق والحذر من كل ما يتصل بمطالبة تنفيذ الشريعة المحمدية والفكر الإسلامي، والحضارة الإسلامية، في البلد الإسلامي والمجتمع الإسلامي.

 

ونشأت عند قادة الأقطار الإسلامية حساسية زائدة في هذه القضية، فالحكومات -كما أسلفنا- تتجه الاتجــاه الغــربي العلماني أو القومي، والشعوب تتجه الاتجاه القديم الإســلامي، فلا الحكــومات نجحت في جر هــذه الشعــوب والجماهير المسلمة إلى الابتعاد عن جادة الإسلام، ولا الجماهير نجحت في إقناع هؤلاء الحكام والمشرعين باستــخدام الطاقــة الذرية الهائلــة، التي هـي كامــنة فـي نـفـوس الجـماهير المسلمة، وهي قـوة الإيمـان والشـوق إلـى الشهادة وطلـب الأجـــر مــن اللــه والفـوز بالجـنـة.. القــوة الكامـنة التي لا بديل لها، والـتي يرجــع إليها فضـل البطـولات الخارقــة للعـادة، المحــــيرة للألــباب، الــتي أشــار إليهـا اللــه تعالـى بقـولــه: {ولا تهن وا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا} (النساء:104).

 

فالمطلوب من القيادات الإسلامية، الدعوية والفكرية والثقافية، مهما صغر حجمها ومهما اعترضت لها عوائق ومشكلات ومطاردات ومعوقات، أن تخلص بلادها ومجتمعها من هذا الصدام القيادي والتشريعي والتنفيذي، والحضاري والسياسي، الذي هو في غير أوانه ومكانه، وتجــمع الكــلمة والعزيمة على مقاومة النفوذ الغربي ومخططاته السلبية المشفقة من النفوذ الإسلامي، الكارهة له، وتجمع الكلمة والطاقات الكامنة في نفوس الجماهير المسلمة وتوقد الشرارة الإيمانية الكامنة التي صنعت العجائب، وجــاءت بخــوارق في التـــاريخ الإســلامي، بل التــاريخ البشــري الطــويل، ولا تقابلها الطاقة الذرية المبيدة السلبية، ولا تنظر في ذلك إلى حجمها ونطاق وسائلها، وكثرة العوائق والمؤامرات، واختلاف الزمان والمكان، وليكن نصب عينها ومثير عزمها وغيرتها قوله تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ..

 

ينبغي أن نتأمل، وأن نؤمل، وأن نتفكر في هذه الآية، في هذه المقارنة، لإلقاء التبعة، تبعة الدعوة والإنسانية، والمسؤولية الإنسانية على هذا العدد القليل، وعلى هذه الحفنة البشرية.

 

لقد أثبت التاريخ أن هذه الحفنة البشرية لما قامت واضطلعت وقبلت بمسؤوليتها، غلبت هذا البحر الخضم الممتد على صعيد الأرض كلها وتغلبت عليه، وهزمت هذا العدد والعُدد والعتاد، والمملكات الشامخة، والطاقات الباذخة كلها.. تغلبت الفئة القليلة على الكثرة.

 

إن التأمل في هذه الآية تبصير لنا، وإثارة لعواطفنا وإيماننا وعزيمتنا ونخوتنا، وإثارة لإبائنا وعزتنا أن نقوم أمام هذه الكثرة الشامخة الفاشية التي نراها اليوم، نقوم أمامها بقيمنا لا بقامتنا.. بدعوتنا لا بما عندنا من إمكانيات، ومن فرص وعتاد.

 

نقوم بالدعوة بقوة الإخلاص، وبقوة الإيمان.

 

نقــوم بالميــزة الخلقية. نقــوم بالإخــلاص التـام.

 

لا نكون خاضعين لعَــدَد ولا عُدَد، نكون خاضعين لله تبارك وتعالى، ولإرادته، ولنصرته، فالله سبحانه وتعالى قد وعد بالنصر.. وعد المسلمين والقائمين بالحق وبالدعوة الصحيحة بالنصر المبين.. والتاريخ من أوله إلى آخره يشهد بذلك.

 

يشهد بأن فئات قليلة العدد تغلبت على فئات كثيرة، ولا أقول فئات، بل تغلبت على بحار من العدد والعُدد، بقوة الإيمان وبالإخلاص في الدعوة، وبالرثاء للإنسانية وبالتضحية والزهد.

 

هذه هي الأسلـحة التي تستطيــع بها هـذه الأمــة أن تتــغلب وتنــقذ العــالم المـــادي الخـاضــع للشهـوات والمصالـح السياسيـة، والخـاضع للأهــواء، والخـاضع للازدهار والاستعمار.

 

إن المسلــمين -وإن قــل عــددهــم- تغــلبـوا على فئــات كثيرة العدد، وعلى طاقات كبيرة.

 

والآن أقول بصراحة:

 

إن هناك فراغًا ليس مثله فراغ، يمثل خطورة ضد الإنسانية وضد رحمة الله تبارك وتعالى بالإنسانية، ضد ما أراده الله تبارك وتعالى، وما جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو فراغ الدعوة العالمية، فراغ الاعتماد على الله تبارك وتعالى بالنصر المبين، ثم على القوة الإيمانية، وقد شوهد وجُرب مرارًا وتكرارًا في التاريخ الإنساني -كما أسلفت- أن تغلبت الفئة القليلة الضعيفة على فئة كثيرة قوية: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} (البقرة:249).

 

وانتهز هذه الفرصة التي تسنح قليلاً لمثلي فيما عندي من أشغال وأسفار ومن تبعات ومسؤوليات، انتهز هذه الفرصة وأقول لإخواني المسلمين وللعرب: أن تجعلوا قوله تبارك وتعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} نصب أعينكم، وتؤمنوا بهذا، وإذا لم تقوموا لله تبارك وتعالى بالدعوة الإسلامية الصحيحة الصادقة، والمخلصة، الراحمة والرائفة بالإنسانية، فالعالم في خطر، بما عنده من عتاد وأسلحة مادية ومعنوية وثقافية وإعلامية.

 

العالم في خطر إذا لم تكن هناك دعوة إلى الإيمان، إذا لم يكن هناك اتجاه عالمي بالأصح، اتجاه الطاقات الكبرى والبلاد المتمدنة الراقية إلى دراسة الإسلام، إذا وفق الله تبارك وتعالى إلى قبوله واعتناقه.. لذلك فإن هذا الفراغ يجب أن يملأ.

 

والعرب -سامحوني- هم أحق بذلك، لأنهم هم الذين أكرمهم الله تبارك وتعالى بتوجيه الدعوة إليهم، وهم الذين قاموا ونهضوا بالعالم وأنقذوه من الانهيار والدمار والخراب ومن الهلاك والإبادة.

 

فيجب على إخواننا العرب -وهم السادة والأساتذة والرعيل الأول، والطليعة في ميدان ومجال الدعوة، وفي مجال الرثاء للإنسانية- أن يقوموا قبل غيرهم بالدعوة في أمريكا، وأوروبا، واليابان، وفي الصين، وفي مناطق أخرى.. يقوموا بالدعوة للإسلام، وتوضيحه للناس هناك، خصوصًا المثقفين.. يشرحون لهم الإسلام، ويعرضونه عليهم في قالب علمي مقنع، مراعٍ للنفس البشرية والأوضاع هناك..

 

هذا واجب المسلـمـين جمـيعًا من غير تمييز ومن غير استثــناء، وللعــرب أوجــب أن يقـــوموا بهـذه الدعــوة، لأن العـالم إنما خرج من المأزق والهــاوية التي كان فيها عن طريق العرب الأولين، المسلمين الدعاة.. عن طريق الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، الذين اقتبسوا منهم النور والعلم الصحيح والرحمة والرثاء للإنسانية، وكذلك الشجاعة الأدبيــة والبيانـية.. والآن -وهذا وقــت أكيد، ربما لا تسنح فرص بعده- هناك فرص كثيرة.

 

يجب علينا أن نقوم بالدعوة الإسلامية الصحيحة المقتبسة من القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، وشمائل وسير الصحابة، ونملأ هذا الفراغ الذي ليس هناك أغور وأخطر منه.. وهذا في صالح الإنسانية جميعًا وليس في صالح المسلمين فقط، حتى يمتد سلطانهم ونفوذهم، أو حتى يكتسبوا ويحرزوا الفوائد الاقتصادية والسياسية.

 

من صالح ومصلحة الإنسانية كلها أن توجه إليها الدعوة الإسلامية، وإلا فإنني أخاف على الإنسانية والبشرية كـــلها، وحتــى أجزاء العــالم الراقيــة والمتمــدنة، القـائدة والرائدة للعــالم، فإذا لم تكن هناك دعوة فإنه لا يؤمن على البشرية التائهة الضالة الظالمة البقاء لمدة أطول.

 

فهذا في صالح الإنسانية، وفي صالح المسلمين، وفي صالح العرب أولاً، وللعرب حق وواجب أكبر ورئيس في توجيه هذه الدعوة، والاضطلاع بهذه الدعوة بصدق وإخلاص، وشجاعة وجرأة، وصراحة.

 

وأقول أخيرًا:

 

أيها المسلمون! أيتها الحفنة البشرية الضئيلة العدد، إذا لم تقوموا بواجب الاضطلاع بهذه الدعوة الإنسانية الكريمة الواسعة المنقذة للبشرية، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.. هذا ما نشاهده بأم عيوننا.. نشاهد كيف أن البلاد التي يضرب بها المثل في المدنية والحضارة والثقافة، البلاد التي توجه العالم توجيهًا فكريًا وثقـافيًا ومدنيًا وحضاريًا وسياسيًا، كلها في خطر.. إذا فهم قادتها هذا -ومنهم من يفهم- خافوا على بلادهم وأنفسهم، وبدأوا يطلعون على هذا الدين الأخير الخاتم الصحيح.. الدين المنقذ للبشرية.. وكان هناك دور آخر للتاريخ، وليس ذلك على الله بعزيز.

 

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا، ويوفق إخواننا، ويوفق العالم المتمدن للتعرف على هذا الخطر الداهم والقاصم والمبيد، ليس لبـلاد دون أخــرى، بل للإنسانية كلها.

 

المصدر: جريدة الشعب المصرية

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك