الإساءة للأديان.. رؤية في كيفية الخروج من نفق الدمار

الإساءة للأديان.. رؤية في كيفية الخروج من نفق الدمار

طارق رمضان

 

هناك ثلاثة اشياء يجب ان نضعها في الاعتبار ونحن نحاول تشخيص الرسومات الكارتونية التي تهجمت على النبي محمد وتقييمها.. أولها، رسم النبي محمد والأنبياء الآخرين أمر مخالف لتعاليم الإسلام، وثانيها، نحن في العالم الاسلامي لسنا معتادين على الاستهزاء بالدين، سواء كان ديننا او أديان الآخرين. ولهذا السبب، تعتبر هذه الرسومات الكاريكاتيرية في نظر، حتى المسلمين العاديين، وليس فقط المتشددين، اعتداء على شيء مقدس واستفزاز ضد الاسلام، وثالثها، يجب ان يفهم المسلمون ان الاستهزاء بالدين يعتبر جزءا من ثقافة واسعة يعيشون وسطها في اوروبا، ويعود تاريخها الى الفترة التي عاش خلالها الفيلسوف والكاتب الفرنسي فولتير. فالسخرية والاستخفاف والزندقة جزء من هذه الثقافة.

 

 

فعندما يعيش الشخص كمسلم في بيئة مثل هذه، من الضروري له أن يتخذ موقعا مناسبا ولا يأتي برد فعل عاطفي. لا بد من التمسك بالتعاليم الإسلامية مع التحلي بحكمة كافية تمنع الشخص من ان يأتي برد فعل تجاه الاستفزاز.

 

فرد الفعل العاطفي لغالبية الدول المسلمة تجاه هذه الرسوم الكاريكاتيرية (بالمقاطعة الاقتصادية)، سيكون له رد فعله على المتطرفين في الجانب الآخر، إذ سيقول المتطرفون انهم ظلوا يؤكدون مرارا ان الغرب ضد الإسلام، مؤكدين انه لا يمكن اندماج المسلمين في اوروبا، وإن بوسعهم تدمير قيم الغرب من خلال عدم قبولهم لقيم هذا الغرب. الجدل القائم على اساس عاطفي لا يعني سوى قفل الباب أمام الخطاب العقلاني.

 

ومن هنا، فكلا الطرفين في حاجة لإدراك ان هذه القضية ليست قضية قانونية وليست قضية حقوق. حرية التعبير حق في اوروبا ويحميه القانون، وهذا واقع لا جدال حوله. وفي نفس الوقت يجب ان يكون هناك إدراك وفهم لحقيقة ان تركيبة المجتمع الاوروبي تغيرت بفعل المهاجرين الذين ينتمون الى ثقافات متنوعة. ولهذا السبب يجب ان تكون هناك حساسية تجاه المسلمين وغيرهم ممن يعيشون في اوروبا.

 

وغني عن القول هنا أيضا إنه لا يوجد حد قانوني لحرية التعبير، ولكن توجد حدود مدنية. في أي مجتمع يوجد تفاهم مدني بضرورة استخدام حرية التعبير بطريقة حكيمة لا تثير الحساسيات، ولا سيما في المجتمعات المختلطة متعددة الثقافات في جميع انحاء العالم. ان القضية هي مسؤولية مدنية وحكمة، وليس سؤالا حول القانونية والحقوق. في هذا الاطار، اعتقد انه من غير الحكمة نشر مثل هذه الرسوم الكارتونية، لأنها ليست الطريقة الصحيحة لطرح جدل ونقاش حول الاندماج، فهي تثير المشاعر، ولا تشجع على العقلانية. وهي استفزاز بلا معنى.

 

ولنا أن نتساءل هنا عن رد فعل المسلم العادي في اوروبا الذي يعارض الارهاب، اذا ما شاهد الرسول يُصور واضعا قنبلة في عمامته؟ فنشر مثل هذه الرسوم الكاريكاتورية طريقة غبية لمواجهة قضية حرية التعبير.

 

اصبح الموضوع الآن موضوع صراع قوة. من يملك الكلمة الاخيرة؟ من صاحب الحق؟ من يملي الأمر؟ كان من الغباء نشر هذه الرسومات الكاريكاتورية أولا في الدنمارك، والأكثر غباء نشره مرة اخرى الآن.

 

ومن هنا أيضا يصبح من الضرورة بمكان أن نجري حوارا حقيقيا حول مستقبل مجتمعنا، وفي إطاره نثبت بعض المحاور الضرورية؛ وبينها أنه يجب على المسلمين ان يفهموا وجود حرية للتعبير في اوروبا، ببساطة وبلا مواربة. من الناحية الأخرى، توجد الحاجة لكي نفهم ضرورة التعامل مع القضايا الحساسة بحكمة وفطنة، وليس عن طريق الاستفزاز، لأن امتلاكك الحق القانوني للقيام بأشياء لا يعني ضرورة القيام بها. يجب ان تفهم فكر الناس المحيطين بك، وتسأل نفسك: هل أتعمد إهانة الآخرين لأنني حر في القيام بذلك؟ الإجابة لا، وهذا ما يعرف باسم المسؤولية المدنية.

 

أما أن تقول صحيفة «دي فيليت» الألمانية إن مظاهرات العالم الإسلامي كان من الممكن لها أن تؤخذ بجدية إذا كانت أقل نفاقا، مستشهدة بعرض التلفزيون السوري لبرامج درامية وثائقية تصور حاخامات اليهود كأكلة للحوم البشر، في حين لاقى كل ذلك الصمت من أئمة المسلمين، فتقديري أن «دي فيليت» ليست مخطئة في ذلك، إذ يجب علينا نحن المسلمين ممارسة النقد الذاتي، ولكن وفي نفس الوقت، فوجود النفاق في العالم العربي يجب ألاَّ يمتد ليصبح مبررا لإهانة المسلمين لأن مسلك المرء لكسب قيمه وممارستها يجب أن لا يكون من بوابة اخطاء الآخرين، ولكن من صميم مبادئه. * د. طارق رمضان: مفكر إسلامي.. والمقال مأخوذ من حوار له مع خدمة «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الاوسط»

 

المصدر: جريدة الشرق الأوسط 06-02-2006

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك