تعليم الموسيقى.. ورؤية لمواكبة العولمة

تعليم الموسيقى.. ورؤية لمواكبة العولمة

تعليم الموسيقى.. ورؤية لمواكبة العولمة

في الإسلام مراحٌ لا يتعارض مع الفنون وتقنيات التربية الحديثة القائمة على التنشئة الموسيقية، رغم كل ادعاءات الإجماع المصطنع على التحريم، وقبل الحديث عن أثر الموسيقى في تكوين النفس وتربيتها، لنضع هذا الإجماع على تحريم الموسيقى والغناء تحت المجهر؛ فغالباً ما تستخدم حكاية الإجماع من أجل إرهاب العامة وأنصاف المتعلمين، ليجلبوا بخيلهم ورجلهم على الحقيقة، فلا ينفع إذ ذاك منطقٌ ولا حوار، ولو فتشت عن هذا الإجماع لما وجدت له أصلاً.ومن المسائل التي حكي فيها هذا الإجماع المصطنع الذي زور لنا الحق سنين مسألة تحريم الغناء والمعازف، وقد ألف الإمام الشوكاني كتاباً نقض وأبطل فيه هذه الدعوى أسماه: إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع وأورد العديد من النقولات عن الصحابة والتابعين في سماعهم، كما نقل ذلك عن غيرهم من العلماء، وقال بعد تلك الإيرادات : (إن السماع بآلةٍ وغيرها من مواطن الخلاف بين أئمة العلم، وإني لأورد قول الإمام وأنا أتذكر الكثير من الوعاظ وهم يعدون الغناء وسماعه من الكبائر ويتهمون صاحبه بالنفاق، وحدث أن قال أحدهم يوماً بالقول بكفر المتلذذ بسماع الغناء؟! والإمام الشافعي - رحمه الله- يصف الغناء في كتابه الأم بأنه ليس بحرامٍ بيّن .

ويقول العلامة المحدث عبدالله الجديع : ( المعازف آلات العزف، وقد تأملت ما ورد فيها من الأخبار التي استدل بها المحرمون فوجدتها لا يصح بها القول بحرمتها كآلات، ووجدت الأحكام تتصل بها لأجل أصواتها، وبسبب هذا المعنى سمي المغني عازفاً ، والغناء هو الصوت عزفاً، والأصوات لا يتصل بها حكمٌ شرعي بها لمجرد كونها أصواتاً، والأصوات حقٌ وباطل، ومنكرٌ ومعروف، والحق والباطل والمنكر والمعروف إنما يكون كل منها بقرينة فيها غير كونها صوتاً، فأصوات المعازف إن استخدمت في طاعةٍ كانت مستحبة كما هو الشأن في ضرب الدف والمزمار والطبل في العرس، وهي أشهر معازف العرب).

فسبحان الله كيف عميت علينا الأنباء وهذا الإمام المحدث يصف المعازف بالمستحبة متى استخدمت في طاعة، ويا لسعادته إذ مات قبل أن يخرج أحد أولئك الذين يدعون حماية الأخلاق وحراسة الفضيلة في هذا الزمن فيكفره ويتهمه بالعلمانية والإباحية!وعلى هذا يحمل تفسير الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود للهو الحديث المذكور في الآية بأنه الغناء، رغم أن لهو الحديث يشمل الغناء وغيره، وآخر الآية يفسر أولها فإن تحقق في لهو الحديث( سواءٌ أكان الغناء أو غيره ) الإضلال عن سبيل الله والاستهزاء بدينه فهو محرم بلا شك ، وجميع الأحاديث الواردة في ذم الغناء ، إن صح منها شيء ، فتحمل على ذلك ، وهذا الجمع هو ما تقتضيه العقول والفطر السليمة..وقد قيل الكثير في أهمية الموسيقى وفي ضرورة استخدامها في التربية والتعليم. ولا يكاد يخلو كتاب فلسفي تربوي من ذكر فوائد التدريب الموسيقي وضرورته لتنمية شخصية الفرد وتطويرها. وبعد هذا الطرح المقتضب والذي لم يف بما تؤثر به الموسيقى في تكوين النفسية وصبغ الهوية الإسلامية والعربية صبغةً مميزة ألا يجدر بالجهات القائمة على التعليم أن تقيم دراساتٍ موسعةً على تجارب الدول التي سبقتنا في مجال التعليم الموسيقي لتكون المنهج الدقيق الذي يتواءم ومجتمعنا وثقافتنا، ومن ثم طرح هذا التوجه في مادةٍ موسيقية اختيارية بالمناهج الدراسية، أو إقامة دورات التربية الموسيقية بالتنسيق ما بين المدارس وجمعيات الثقافة والفنون بالمملكة والتي لم تقدم للمجتمع ما ينتظره منها في هذا الجانب حتى هذه اللحظة .

وكم كانت خطوةً رائعةً تلك التي أقدمت عليها إدارة التعليم بأبها من خلال حفلها الرائع الذي قدم أوبريت ( من قلب الصحراء ) للأستاذ أحمد عسيري تحت التأثيرات الموسيقية، وقد تفجرت به إبداعات الطلاب وقدراتهم، وكم نأمل أن يكون هذا فتحاً مبيناً لتربيةٍ حديثةٍ مشرقة.

أيها السادة إننا لنشعر بالتقازم ونحن ندرك أنه تكاد تكون كل شعوب العالم قد سبقتنا إلى هذا العلم، وساهمت في تربية شعوبها التربية السوية المتزنة في كل جوانبها، ولقد رأينا حجم انكماشنا وقصر قامتنا في التربية، فلنقل بعد أن تبين لنا أن المسألة لا حرج بها من الزاوية الشرعية، بل لقد عدها بعض العلماء من المستحبات في الفضائل كما سبق وأوردنا، لنقل إننا نحتاج للتعليم والتربية الموسيقية التي أخرجتنا من دوائر المنافسة أزمنةً طويلة، ولنتعامل مع العصرانية بما تقتضيه دون التوقف عند الآراء الشاذة أو المخالفة لإجماع الأمة، ولنبتسم جميعاً إذا تبين لنا أن الموصلي كان من أوائل من اشتغل بصناعة الموسيقى وكان من كبار المحدثين الذين رجحهم الذهبي، فمتى نكف عن قذف الصحابة والتابعين والمحدثين والعلماء بالجهل وارتكاب الكبائر من الذنوب، ومتى نواكب هذا الانفجار التعليمي والتربوي في كل مكان!

حكم الاسلام فى الموسيقى

“الأصل في الأشياء الإباحة” ولا يصبح الشيء حراماً إلا بنص صريح صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو”، ولا نجد في نصوص الشريعة ما يحرم الغناء والموسيقى صراحة.

لأننا عندما نبحث في نصوص الشريعة نجد أن الذين قالوا بحرمة الموسيقى استدلوا بآية واحدة؛ وجملة من الأحاديث لا يرتقي إلى درجة الصحة فيها إلا حديث واحد.

أما الآية فقوله تعالى: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين” قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما “لهو الحديث” هو الغناء، وقد صرح ابن حزم أنَّ رأيهما يخالف رأي عدد من الصحابة، فضلاً عن أن الآية غير صريحة في تحريم الموسيقى، وإنما تتحدث عن لهو الحديث، فلا يمكن أن نتخذها دليلاً على تحريم الموسيقى!! وقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلَّى عند تعرضه لهذه الآية: “إن من يشتري مصحفاً ليضلَّ به عن سبيل الله ويتخذه هزواً كان كافراً، أما من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروِّح عن نفسه دون ذمِّ الله عز وجل، فلا بأس في فعله، إلا أن يضيع بلهوه صلاة أو فريضة”.

واستدلوا على التحريم بحديث أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف” والمعازف هي آلات الموسيقى والعزف.

وهذا الحديث في صحيح البخاري، إلا أن من المفيد أن نشير هنا إلى أن الحديث وإن كان في البخاري إلا أنه من معلقاته لا من أحاديثه المسندة المتصلة، ورغم أن الجمهور على أن الحديث صحيح إلا أن سنده لم يسلم من الطعن في بعض رواته، حيث إن الحديث قد ورد من طرق متعددة كلها تدور على راوٍ اسمه”هشام بن عمار”، وهو عالم محدث ومقرئ، إلا أن أبا دواد قال عنه: “حدَّث بأربعمائة حديث لا أصل لها”، وقال الإمام أحمد : “طيَّاش خفيف” ورغم دفاع الإمام الذهبي عنه إلا أنه قال: “صدوق مكثر له ما يُنْكَر” وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدِّث إلا بأجر. ومن كان هذا شأنه لزم أن لا نحكِّم حديثه في مواطن النـزاع والخلاف، خاصة في أمر تعمُّ به البلوى مثل الموسيقى.

وعلى افتراض صحة الحديث فإنه قد ورد في رواية أخرى عن أبي مالك الأشعري ايضاً دون أن يكون في سندها “هشام بن عمار” بلفظ: “ليشربنَّ أناس من أمتي الخمر يسمُّونها بغير اسـمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير” وهو حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه، والبخاري في تاريخه. ويتبين من هذا الحديث أن المعازف ليست محرمة لذاتها وإنما تحريمها لما يرافقها من شرب الخمر.

وأما غير ذلك من الأحاديث التي يتداولها الناس في تحريم الموسيقى والمعازف فلم يثبت منها حديث واحد..

والخلاصة التي يمكن أن نخلص إليها هي أن الموسيقى تكون حراماً إذا كانت مثيرة للغرائز مشجعةً على الحرام، كأن تترافق مع صوت امرأة تخضع بقولها فتفتن الرجال، أو مع حركات مثيرة وكلام فاحش بذيء يدعو إلى الرذيلة ويشجع الخنا ويتغنى بالمنكر، أو يقترن بشرب الخمر أو التبرج والاختلاط الماجن بين النساء والرجال.

أما أن تكون الموسيقى مترافقة مع كلام عادي ( مثل الأغانى الوطنية و حتى الرومانسية العاطفية المتزنة مثل أغانى عبد الوهاب و أم كلثوم و فريد الأطرش و نجاة الصغيرة و فيروز و غيرهم )لا يصادم قيم الإسلام و آدابه، أو كان كلاماً طيباً ودعوة إلى فضائل الأخلاق كالأناشيد الإسلامية للشيخ طوبار أو الفيومى أو الطوخى أو البهتيمى التي نسمعها اليوم، فلا بأس بها إن شاء الله، بل ربما يكون وجودها أفضل إذا كان ذلك مما يزيد من تأثير الكلمة في النفس.
المصدر:
http://www.new7ob.com/vb/pro57199.htm

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك