ترويع الآمنين بين انحراف الفكر وكيد الأعداء

ترويع الآمنين بين انحراف الفكر وكيد الأعداء

محمد داود

الإسلام دعوة إلى الله، إلى الإيمان والأمن والسلام والتعايش بين الناس على اختلاف ألوانـهم وأعراقهم وأديانـهم وثقافاتـهم .. والتاريخ خير شاهد على هذا، فلقد دخلت أمم شتى فى دين الله عن اقتناع ورضا؛ لما رأوه من تسامح الإسلام والمسلمين، وكان من بين صحابة النبى صلى الله عليه وسلم - وهم أعمدة هذا الدين- الفارسى والرومى والحبشى.

 

وقد ضمت حضارة الإسلام بين أعطافها جميع ثقافات العالم وشعوبه، وعاش الناس فى ظل دولة الإسلام آمنين من البطش والعنف والترويع والتفرقة العنصريَّة..

 

وما يحدث فى واقعنا المعاصر من أحداث العنف والإرهاب إنما هو نتاج عقول منحرفة عن منهج الله، وأيدٍ خفيَّةٍ تريد أن تلصق بإسلامنا تهمًا هو منها براء؛ فلقد جاء دين الإسلام إنقاذًا للإنسان من كل ألوان الظلم والإفساد، وجاءت هداياته تحقق الأمن للفرد والمجتمع، فالإسلام يأمر أتباعه ألا يتعرضوا بسوء لأموال الناس وأعراضهم ودمائهم، وأن يحافظوا عليها، أخرج الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

 

«إن المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» الترمذى، ك الإيمان/2551.

 

وجعل الإسلام مقياس الخيرية للإنسان عند الله بقدر عطائه من الخير لمجتمعه وأمان الناس من شره، أخرج الترمذى أيضًا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره» الترمذى، ك الفتن/2189.

 

بل إن الأمن فى الإسلام يمتد ليشمل جوانب الأخلاق والمعاملات، فقد جاءت آيات القرآن الكريم صريحة فى النهى عن الغيبة والنميمة وسوء الظن والكبر والتعالى والغش... إلى آخر الأخلاق السيئة، وكل هذا لتحقيق الأمن الأخلاقى فى مجتمع المسلمين.

 

ودعا الإسلام إلى تأمين الناس فى طرقاتهم ومساجدهم وأسواقهم، حتى لا يتعرضوا لأذى، بل وأوجب حقوقًا للمجالس بالطرقات؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات» فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» . قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غَض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». مسلم، ك: اللباس والزينة/3566.

 

فدل هذا الحديث على منع الجلوس في الطريق إلا لمن قام بحقها من هذه الأمور.

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الإيمان بضع وستون - أو سبعون - شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». رواه مسلم والبخاري وغيرهما.

 

وكذلك حث النبى صلى الله عليه وسلم على تنحية الأذى ودفع الضرر عن طريق الناس، فقال:

 

«إماطة الأذى عن الطريق صدقة» أخرجه مسلم، ك:الإيمان/51.

 

وقال صلى الله عليه وسلم : «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه، فشكر الله له فغفر الله له». رواه البخارى، ك: المظالم/2292.

 

بل إن من وجد من نفسه رائحة كريهة فينبغى أن يعتزل جماعات الناس واجتماعاهم حتى يعالج هذه الرائحة التى تؤذى جاره فى المجلس، قال صلى الله عليه وسلم : « من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا » أخرجه البخارى، ك: الأذان/ 808.

 

* والأمن الذى يدعو إليه الإسلام ليس للمسلمين وحدهم، بل لهم ولغيرهم.

 

أخرج البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» رواه البخاري، ك:الجزية والموادعة/269.

 

وأخرج أبو داود قول النبى صلى الله عليه وسلم : «ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة» رواه أبو داود، ك:الخراج والإمارة/2654.

 

* ولقد وضَّح القرآن أنه ينبغى: العدل مع غير المسلمين وعدم التعدي عليهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، بل ولا يجوز ترويعهم وإخافتهم، ويعاملون بالعدل والقسط.

 

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب التقوى، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون) المائدة / 8.

 

والمعنى كما قال البيضاوىُّ: "لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيًا مما في قلوبكم: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أي: العدل أقرب للتقوى، صرَّح لهم بالأمر بالعدل، وبيَّن أنَّه بمكانٍ من التقوى بعدما نَهاهم عن الجور، وبيَّن أنَّه مقتضى الهوى، وإذا كان هذا العدل مع غير المسلمين فما ظنك بالعدل مع المؤمنين".

 

وقال ابن كثير: "ومن هذا قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بِهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحبِّ الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبِّي إيّاه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بِهذا قامت السموات والأرض".

 

وقد أجمل العلماء مقاصد الشريعة السمحة، شريعة الإسلام فى خمسة محاور رئيسة، أطلق عليها الضرورات الخمس، وهى: (حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال).

 

هذا ما يغرسه الإسلام من فكر يقوم على العدالة والرحمة ومن سلوكيات حميدة تقوم على الخلق العظيم.

 

لكن لا يسلم المجتمع من أشقياء ينحرفون عن صراط الله المستقيم، ومثل هؤلاء يحدثون اضطرابات وأذى وإفسادًا فى الأرض، وهم أحد شخصين:

 

- إما شخص أصابه خلل فى فكرة من خلال بعض التيارات المتشددة التى ترى فى التشدد والتزمت بطولة وقربة إلى الله تعالى، وهؤلاء واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن شبابًا تذاكروا عبادتـهم، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُم: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه البخارى ك: النكاح/ 4675.

 

- وإما شخص باع نفسه لأعداء الوطن والدين ووافق أن يستخدموه فى هذه الأعمال الإجرامية، وهؤلاء واجههم الإسلام ووضع لهم الحدود الرادعة من خلال حد الحرابة، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)المائدة/33.

 

إن ترويع الآمنين لا يمكن أن يكون دينًا ولا خُلقًا .. وقد عَدَّه الإسلام جريمه شنعاء وإفسادًا فى الأرض، وأوجب على ولى الأمر أن يأخذ بقوة على يد فاعليه .

 

ففى موت شقى واحد حياة وأمن لمجتمع المسلمين ومن يعيشون معهم، وقد وجهت السنة النبوية المطهرة جمهور السلمين إلى أن يكون لهم موقف إيجابى تجاه الفكر المغالى المتشدد وأن لا يكتفوا بالسلبية؛ لأن فى ترك الفكر المتشدد دون مواجهة خطورة على المجتمع وعلى تماسكه وأمنه؛ وفى الحديث النبوى، قَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا. فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» أخرجه البخارى، ك: الشركة/3213 .

 

والله يقول الحق وهو يهدى السبيل * د. محمد داود : أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس.

 

المصدر: خاص - الوحدة الإسلامية

الأكثر مشاركة في الفيس بوك