مشنقة السياسة

مشنقة السياسة

للكاتب عبد الحميد

دائماً يتشدق الساسة بأن للنفس طموحاً خانقاً، بل بهرجة تضيء قلب عاشقها، بل المتسلط عليها، والمنتسب إليها.

ولا يعلم أنه راعٍ على الذين أصبحوا تحت يديه.

ولهذا كان ربيع العرب، شعارهم هو تحرير العرب، بل حريتهم، واسترداد كرامتهم، والقبض على مقدرات أممهم بما يعطي لكل ذي حقّ حقه.

ونذكر قديماً شعار الثورة الفرنسية التي كانت قائمة على الدين: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.

ولعل ربيع العرب يحمل نفس الشعار ولكن بعبارة: اشنقوا آخر السياسيين بأمعاء آخر فقهاء السلاطين.

نعم.

حق للربيع العربي أن يحمل هذا الشعار، الذي من خلاله تغربل الساسة والعلماء، بل الجميع، حتى ماز الله بين الخبيث والطيب.

فهو شعار حُقَّ له أن يقف عنده كل مغنٍّ للحرية، عازف لأوتارها، لأنها تنتج لحناً عذباً لحنته حناجر الثوار قديماً وحديثاً.

لماذا؟.

لأنهم قديماً طالبو بالقضاء على النظام الاستبدادي، الذي خلط الناس في حمأته، وأوزعهم نار جحيمه، ليصبح ناراً مستعرةً بهم.

قديماً وحديثاً الأنظمة الشمولية القائمة على حب الذات تقوم على التنكيل بشعوبها، بادعائها عدم الخروج على السلطان أو ولي الأمر، مستندين بأحكامهم ومشروعيتهم على الكنيسة أو علماء المال والجاه.

نعم دفع الفرنسيون قديماً ثمن حريتهم ثمناً باهظاً، إذ قتل منهم خلق كثير في معركة الملك والشعب. ولكن كما يقال لا يصح إلا الصحيح. حصلوا في النهاية على الحرية والنعيم المقيم في الدنيا بعد القضاء على نظام الكنيسة الجائر.

وها نحن اليوم نرى خير أمة على وجه المعمورة التي سادت الناس قروناً طويلة بعدلها، وتقواها، وإنصافها للمظلوم، والأخذ على يد الظالم، تعيش ثائرةً على أنظمة ظنت شعوبها رعاعاً أو قطيعاً من الغنم يسوسونهم، بل أتعدى هذا قائلاً: حسبوا البلاد الذي ولاهم الله أمرها مزارع شخصية يتحكمون في عباد الله وأرزاقهم.

نعم.

هاهي رياح التغيير تطيح بقائمة سوداء من طغاتها الحكام، والسائرين في فلكهم، والمسبحين بحمدهم من رجال الدين والسياسة.

تحررت بعض الشعوب العربية، ولكن استبدلوا طاغيتهم القديمة بطاغية حديث، لكنه يلبس غير لباسهم.

وهناك شعوب لا تزال تعيش تحت ظلم ساسة مستبدين يستمدون شرعيتهم من علماء السلطة المنافقين، الذين لا يرعون في مؤمنٍ إلاّ ولا ذمة.

وها هي بلاد الشام وخصوصاً دمشق الفيحاء تعاني ما تعاني من استلام أسرة ظالمة لشعب حرٍّ إلى يومنا هذا.

شعب يرزح تحت خط الفقر، أبناؤهم غسلت أدمغتهم بحجة المؤامرة، أثرياء يعبّدون الناس لخدمتهم.

ومع كل هذا وغيره من الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد تبقى الساحة السياسية أهدأ بكثير من قبور الأموات، ويبقى فقهاء القصر الجمهوري ينافقون بل ينامون، وفي كلتا الحالتين فإنهم عاجزون عن الإصلاح.

إن الساسة في عوالم الأرض قاطبة هم سرطان الشعوب، بل فيروسه الخبيث الذي ينخر عموده وأساسه، مما يزيد من اتساع انتشار هذا المرض به.

نعم.

لا الساسة متعطشون للفهم وأخذ العبر، ولا الشعوب أخذت تتفهم الدرس الذي علمتهم إياه الحياة.

فهاهم السياسيون يتلونون كل يومٍ بلونٍ جديد تحت مفاهيم لا علاقة للشعوب بها.

فهم يبحثون عن مصالحهم، بل على من يتشدق ليل نهارٍ بالإصلاح ومحاربة الفساد، وهم بالفساد وللفساد قائمون.

الأولى بهم فعل معروف للشعوب لا لمصالحهم وجيوبهم المتورمة بل المتخمة.

أما الشعب المسكين، فضاع بين القيل والقال، فبعضهم ينادي بالتغيير ما استطاع لذلك سبيلاً، مترفعاً عن أطماع الدنيا مستلهماً للحرية وللعبودية لله فقط, مستعيناً بسياسة الحرب خدعة وطرد القاموس الشخصي الذي يتحدث عن سياسات الخبث والحوار العديم الفائدة ومغازلة الآخرين الذين يعيشون على بحر المال العام والتنقل من هنا وهناك دون الركون إلى الوسط.

فأهل السياسة في بلادنا هم أصحاب مطامع ذاتية ولا خير في كثير من نجواهم ألبتة.

أليس من العار أن يدفع الشعب ثمن إجرام إنسانٍ لا يرعى فيهم إلاًّ ولا ذمة.

بل أليس من العار أن تسخر جميع وسائل الدولة وأموالها وموظفيها للإشادة بحياته، مع أنهم ضمنياً لا يريدونه.

ولكن للأسف ويا للعار أن علماء السلطة هم أصحاب التأثير الكبير في بعض العوام.

بل أقول لا يحق لنا أن نحترم أهل العلم إذا منحوا علمهم إجازة من أجل إرضاء من لا طاعة له من قبل الناس.

لقد آن الأوان لشباب علموا أن الحرية مقصدهم، وباب الله مطلبهم، والشهادة أغلى أمانيهم.

وحق للعلماء والساسة أن يشنقوا بأمعاء آخر فقهاء السلاطين. الذين كان شعارهم: دينهم دنانيرهم.

وأخيراً: لا بد لأهل هذا البلد أن يعيشوا حياة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية بعدما انتشر الظلم والفساد والاستبداد؟ بلى إنه لحق مشروع وقد آن الأوان فغداً تشرق شمس الحرية على شعب مضطهد مظلوم تعرض للويل والتجويع والتنكيل من قبل نظام دكتاتوري فاشل وفاسد.

الحوار الداخلي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك