مذهب الآباء

مذهب الآباء

خالص جلبي

الفكر الآبائي نهانا الله عن اتباعه فقال القرآن "أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون". و(التحرر) منه هو التحرر مما نسجه الآباء بكل حرص وحب. ونحن بقينا في رحم الآباء ونرفض الولادة إلى العالم الجديد. ومعروف في الطب أن الجنين الذي يبقى في الرحم أكثر من أجله يقضي على الأم والجنين معاً.

 

وهناك من يظن أن الآباء هم لقريش وأن فرعون هو بيبي الثاني الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد. ولكن لكل ثقافة آباء. وهذا يعني أن لنا آباء يجب التخلص منهم بحرص واحترام. وكما كان لكل قرية مقبرة كذلك الحال مع الأفكار الميتة فيجب أن تدفن كما تدفن الجثث بكل إجلال. وموقفنا من الآباء يتحدد بآية أننا نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم. فهذا هو الانفكاك السليم من مشيمتهم بدون نزف قاتل.

 

ويجب أن نعذر الآباء فهم نتاج بيئتهم ويمكن رؤيتهم على صورة بشرية وليس إلهية فهم غير معصومين. ولكن (من هم آباؤنا)؟؟؟ والجواب على هذا صعب وحساس ومزعج ولكن لا مفر من الإجابة عليه، ويمكن القول باختصار إنه ذلك المخزون الثقافي من تراثنا الفكري الذي لم يعد يؤدي دورا ويؤذي مثل الجثث التي تؤذي رائحتها ويجب أن تدفن وبسرعة على السنة. وتراثنا الفكري يعادل وضعنا. والاستمرار في إنتاج هذه الأفكار يعني أن أوضاعنا المزرية سوف تستمر في الوجود. ونظرا لأن أوضاعنا مريضة فأفكارنا مريضة مثل مريض التيفوئيد حامل جراثيم السالمونيلا. وهذا يعني أنه لا بد من تشريح الذات لمريض يهذي من الحمى ويرفض الاعتراف أنه مريض! فليس هناك أبغض على النفس من الانتقاد ولا تسكر النفس بخمر كالثناء. ونحن نثني على أنفسنا وزعمائنا في كل محفل ونزعق بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم!

 

ولعل كتابي (في النقد الذاتي) الذي صدر عام 1982م كان الأول في هذا الاتجاه وكان أكثر من مزعج وقليل من تابع هذا الاتجاه. ويفترضون أن مشكلتنا هي أمريكا وإسرائيل. ولكن لو خسف الله الأرض بإسرائيل ما انحلت مشاكلنا. ولم يأت النسر الأمريكي إلى أرض نينوى وأوروك لولا أنه رأى جيفة! وفلسفة ظلم النفس هي فلسفة قرآنية ولكن فكر السلف يتهم الكافرين والمارقين أنهم خلف انحطاطنا. مثل من يتهم الجراثيم أنها خلف المرض وينسى انهيار الجهاز المناعي. ونحن بهذا نعطي عقولنا إجازة مفتوحة. وانهيار جهاز المناعة الداخلي أدى إلى انفجار أكثر من مرض ومنها تورط الفكر السلفي بالعنف واعتباره جهاداً فأعادوا إحياء مذهب الخوارج وهو ما حذرنا منه قبل أكثر من ثلاثين سنة. ولكننا لم نتصور أن فكر الخوارج الجدد سيرتطم في النهاية بأبراج نيويورك ويبرمج العالم الإسلامي كله إلى مواجهة لم يطلبها وليست في مصلحته واليوم ضاقت الأرض على الناس بما رحبت. وكل من بن لادن وبوش يرى أن القتل خير سبيل لحل المشكلات. ويشربان من نفس العين الحمئة. فيكرران قول ابن آدم القاتل الأول: لأقتلنك.

 

المصدر: الوطن السعودية

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك