التسامح: اختلاف مع الآخر، واختلاف مع..الذات

التسامح: اختلاف مع الآخر، واختلاف مع..الذات

بقلم عبد السلام بن عبد العالي

كان التسامح قبولا بالاختلاف، فإننا نستطيع أن نميز بين مفهومين عن التسامح يقابلان مفهومين عن الاختلاف:        
           

  • هناك التسامح الذي يتقبل الآخر لأنه لا يبالي به، ويقبل الاختلاف بعدم أخذه بعين الاعتبار.     
  • وهناك التسامح كانفتاح على الآخر في اختلافه، واقتراب منه في ابتعاده.

       يكرس المفهوم الأول مفهوما عن التسامح أقرب إلى اللامبالاة، ومفهوما عن الاختلاف كمجرد تميّز و تمايز، بينما يسعى الثاني إلى أن يجعل من التسامح انشغالا بالآخر، ومن الاختلاف اقترابا منه وانفتاحا عليه. ذلك أن التميّز يعرض أمامنا متغايرين في تباعد وانفصال وتدرج، أما الاختلاف فيضعنا أمام متخالفين مبعدا أحدهما عن الآخر، مقربا بينهما في الوقت ذاته. في التميّز تنتظم الأطراف وفق سلم عمودي متمايزة متفاضلة، أما في الاختلاف فهي تمتد في خط أفقي متباينة متصالحة. التميّز يتم بين هويات متباعدة وكيانات منفصلة، أما الاختلاف فينخر الكائن ذاته ليضع الآخر في صميمه.
  في الاختلاف "يتحدد" الكائن كزمان و حركة، ويصبح بفضله التعدد خاصية الهوية، والانتقال
 والترحال سمة الكائن، والانفتاح صفة الوجود. فهو إذ يبعد الأطراف فيما بينها، يبعد كلا منها عن نفسه.
   
       ليس التسامح إذن عدم اكتراث بالآخر و"لامبالاة" به Indifférence   ، لكنه ليس كذلك، وكما يقال، تقبلا لكيفيات مغايرة في التفكير والسلوك دون ضرورة المصادقة عليها، أو بغض الطرف عما يجعلها تخالفنا. إذ أن من شأن ذلك أن يوقعنا في نسبية ثقافية تصدر أساسا ، لا عن عدم إقرار برأي الآخر، وإنما عن الانطلاق من أن الأنا تضع نفسها جهة الحقيقة والخير، مبدية نوعا من التساهل
 و"التسامح"،كي لا نقول "التغاضي"،إزاء الآخر،متحملة(كما يقول الاشتقاق اللاتيني للكلمة tolérer :supporter ) انزلاقاته وفروقه.
      لن نتخلص من هذه "النسبية" الثقافية إلا إن نحن سلمنا بأن الاختلاف، قبل أن يتوجه نحو الآخر، فهو يتجه صوب الذات. على هذا النحو لن يعود التسامح إقرارا بالاختلاف كابتعاد عن الآخر، وإنما أساسا كابتعاد عن الذات. ومن ثمة سيتنافى التسامح مع كل وثوقية وتعصب و"انشغال" بالذات.
     لا يتعلق الأمر بطبيعة الحال بنوع من الدعوة الأخلاقية إلى نكران الذات وإلغائها، كما لا يتعلق بموقف انطلوجي ينفي الهوية. فليس الهدف الوصول إلى حد لا نقول عنده أنا أو نحن، ليست الغاية أن يدفعنا قبول الاختلاف إلى محو الهوية، ليس الهدف نفي الوعي بالذات والشعور بالتمايز، وإنما الوصول إلى حيث لا تبقى قيمة كبرى للجهر بالأنا و إشهار الهوية و إبرازها في مقابل التنوع الذي نكون عليه.
 
 ذلك أن التسامح يجعل التفرد ضعيفا أمام قوة التعدد، والتوحد ضيقا أمام شساعة التنوع، والاقتصار على الأنا فقرا أمام غنى الآخر، والانطواء على الذات سدا أمام لانهائية الأبعاد الممكنة، والاستقرار عند مقام بعينه ضياعا أمام رحابة التنقل، والاقتصار على الحاضر المتحرك هزالا أمام كثافة الزمن.
 
   ليس التسامح إذن نسبية ثقافية، ولا هو مجرد "تحمل" للآخر. انه ما عن طريقه نبتعد، أنا والآخر، عن أنفسنا بهدف التقائنا معا وتقبل كل منا لاختلافه.

المصدر: http://ar.tolerancy.org/index.php?option=com_content&view=category&layout=blog&id=42&Itemid=84&limitstart=60

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك