حوارات ونقاشات ساخنة ترنو إلى تقارب بين الحضـارات والأديان في أسبوع التقارب والوئام الإنساني

حوارات ونقاشات ساخنة ترنو إلى

تقارب بين الحضـارات والأديان في أسبوع التقارب والوئام الإنساني

بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثـين والمستشرقين من مختلف دول العالم
وزير الأوقاف: التركيز على الخصوصية وصولا إلى العنف هو ردة فعل الفاشلين
ميكلوش موراني: ابن خلدون الأول في تاريخ الحضارة الإسلامية الذي سأل لماذا يحدث هـــذا.. ولم يكتف برواية ما حدث
متابعة : عاصم الشيدي
تجاوزت مدينة مسقط أمس برودة الطقس وقسوته، عندما دثرت نفسها بدفء "التقارب والوئام الإنساني" الذي رعته السلطنة وتبنته منذ مرحلة مبكرة. وبارك جلالة السلطان تنفيذ أسبوع التقارب والوئام الإنساني والذي انطلقت فعالياته صباح أمس في فندق قصر البستان برعاية معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف الذي ألقى كلمة افتتاحية قبيل بدء أعمال الأسبوع، كانت أقرب إلى القراءة العميقة، لكل تفاصيل مشهد التقارب بين الحضارات وحواراتها، وتشظياتها التاريخية.
وعلى مدى جلستين صباحية ومسائية طرح مفكرون وباحثون ومثقفون من مختلف أنحاء العالم أطروحات نظرية حول ثيمات الحوار بين الحضارات وأساليبه وطرائقه والصعوبات التي تقف أمامه، إضافة إلى تجارب عالمية أثبتت نجاعتها. وكان الأسبوع منتظما وفق رؤية جلالة السلطان في سياق خدمة التفاهم والوئام الديني والحضاري ومشاركة من قبل السلطنة في مبادرة جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية؛ وذلك بجعل الأسبوع الأول من شهر فبراير من كل عام أسبوعا للوئام بين الأديان.
ودار خلال أعمال الأسبوع أمس حوار ثري هدف إلى الخروج برؤى وأفكار ومقترحات تعزز مبدأ الوئام الإنساني، وترتكز على المشترك الإنساني في القيم الإنسانية العامة لإيجاد السبل التي تكفل تجاوز التحديات الماثلة أمام البشرية.
وبدا أن الكثير من ذلك قد تحقق من خلال عشر أوراق عمل قدمها صفوة من المفكرين، إلا أن السؤال الذي طرحه الجميع وتساءلوا عنه، هو ماذا بعد كل هذا، مشيرين أن فترة التشخيص قد طالت وأن الأوان قد حان إلى انتقال العالم إلى مرحلة العمل بأطروحات حوار الحضارات والأديان.. وفي غير مداخلة أكد المناقشون والباحثون على حد سواء على أهمية طرح آليات عمل وبرامج تحقق عمليا الأطروحات النظرية.
ولقيت الكلمة/ الورقة، التي قدمها معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية أمام أعمال أسبوع التقارب والوئام الإنساني، الكثير من الإعجاب من قبل حضور المؤتمر. وأكد السالمي في كلمته على أن ما تقوم به الدول والمؤسسات خلال العقدين الأخيرين في سياق ما يعرف بحوار الحضارات أو ائتلافها وحوار الأديان والثقافات لا يمكن أن يكون نشاط عبثيا أو فضولا، بل يدل على وجود مشكلة يقبل ذوو الإرادات الحسنة في العالم ليبحثوا لها عن حل.
وقال معاليه "من المهم التأكيد هنا على أن الحوار الثقافي أو الحوار الحضاري أو حوار الثقافات والحضارات يعنى في مضامينه بعلاقات المسلمين المضطربة بالعالم المعاصر. فالثقافة في نظر علماء الأنثروبولوجيا وبعض الاستراتيجيين تتضمن الدين أيضا، أو أنه عنصر محوري فيها، ولا أريد العود إلى أسباب نشوء الاضطراب أو الصراع، فقد كتب عنها الكثير، وللأستاذ أسبوزيتو أكثر من كتاب في ذلك، وما دام ثمة إصرار على تأصيل هذا النزاع ووضعه في خانة الثقافة؛ فإن معنى ذلك أنه متصل بالمصطلح الفلسفي المعروف باسم : (رؤية العالم). فهناك من يذهب إلى أن أساس التنافر الحاصل هو أن رؤية المسلمين لأنفسهم وللعالم من حولهم لا تتلاءم مع قيم الحضارة العالمية السائدة ومعطياتها".
وقال معاليه "في العالم كما هو معروف ديانات كثيرة كبرى وصغرى، وثقافات لا حصر لها، ولا ينكر أحد أن هنالك تنافرات بين الحضارة الغربية وبعض الأديان والثقافات ناجمة عن السطوة على تلك الثقافات باسم الدين في السابق وباسم الامبريالية لاحقا. والملاحظ أن كل هذه النوافر لا تصل إلى أن تكون مشكلة عالمية تعقد لها المؤتمرات والندوات مثلما هو الحال في العلائق مع المسلمين والإسلام، ومرد ذلك بالدرجة الأولى ضخامة أعداد المسلمين وهم خمس سكان العالم ، وإلى إصرار أعداد منهم في مواطنهم الأصلية وفي المهاجر على خصوصيات دينية وثقافية يعتبرها الآخرون منافية لتقاليدهم وقيمهم وقوانينهم، وأخيرا إلى ممارسة فئات منهم العنف ضد الآخرين باسم الإسلام".
مشيرا إلى أن "إزاء ذلك، انقسم الجو العالمي والاستراتيجي إلى قسمين: قسم قال بصراع الحضارات، أي أن الإسلام من طبيعته ضد الأديان والثقافات والأمم الأخرى، ولذلك ينبغي التصدي له بالقوة، وهو الذي حصل في العقد الأخير من السنين، والقسم الأكبر من الباحثين والمهتمين -ومنهم الذين نجتمع معهم اليوم- اعتنق مقولة (حوار الحضارات والثقافات) بغية الوصول إلى تعايش سلمي وتحاور ودود مع المسلمين، وفي كل الأحوال إبعاد شبح العنف والإرهاب عن المجال الدولي والعلاقات بين البشر".
وأكد في كلمته "اتخذ الحوار الثقافي والديني هذا أحد مسارين: الأول: رفع مقولة القواسم المشتركة الدينية والثقافية، وبحسب هذه المقولة فإن المسلمين يملكون من الناحية الدينية قواسم مشتركة في الاعتقاد والممارسة، والنسب الإبراهيمي مع اليهود والنصارى، واستطرادا مع الحضارة الغربية التي تؤسس أصولها على اليونان والرومان تارة وعلى اليهودية والنصرانية تارة أخرى، أما الاشتراك الثقافي فيتمثل في التجارب الحضارية الكبرى التي تشارك فيها الغربيون والمسلمون في الأندلس وصقلية وعُمان وغيرها، والتجربة الزاخرة في بغداد والتي نشأت فيها نهضة الترجمة عن سائر اللغات العالمية ومن ضمنها اليونانية والسريانية والفارسية الوسيطة والهندية، وقد كان من ثمرات هذه النهضة انتقالها إلى أوروبا ونشوء شراكة حضارية بين ثقافات ثلاث هي الإسلامية والأوروبية والصينية.. أما المسار الثاني فهو براجماتي ومركزي في الوقت نفسه، ذلك أن الحضارة الغربية صارت هي حضارة العالم، والقيم الكبرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنها صارت عالمية، وينبغي دفع العرب والمسلمين إلى المشاركة فيها والتخلي عن التقليد الجامد وعن الأصولية العنيفة، لأن في ذلك مصلحة لهم في عصر العولمة هذا، إذ التركيز على الخصوصية وصولا إلى العنف إنما هو ردة فعل من جانب المسلمين على الفشل، وعدم النجاح في التأسيس لحياة جديدة تندمج في أزمنة التقدم".
وأضاف "نرى أن مقاربة أصدقاء المسلمين حول حوار الحضارات تعتبر أن التأزم في العلائق يتحمل الطرفان مسؤولياته، وعليهم أن يعملوا معا على تجاوزه بالحوار من أجل التقارب والوئام.
التقارب أولوية لا بد منها

من جانبه قال سعادة حبيب الريامي أمين عام مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية غن التقارب والوئام الإنساني بين بني البشرية، كانت وما زالت من أولويات مقتضيات الحياة بشكل عام، بل إن الحاجة إليها أصبحت متنامية من جيل إلى جيل، مؤكدا في الوقت نفسه أن الاختلاف بين الناس في شؤون حياتهم قديم وسيبقى بينهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقال إن التعاطي مع مجريات الحوار، والتواصل مع مختلف الأمم والشعوب، والحرص على اجتماع بني الإنسانية على كلمة سواء، ترأب الصدع وتقرب الشقة، كان وما زال الواجب المنوط بكل إنسان حريص على تحري الفهم الصحيح لماهية التقارب والتعايش، والوئام.
حوار حضارات أم حوار أديان

بدأت الجلسة الأولى التي أدارها سعادة سالم بن محمد المحروقي وكيل وزارة التراث والثقافة لشؤون التراث بقراءة ورقة البروفيسور جون إسبوزيتو مدير ومؤسس مركز التفاهم الإسلامي المسيحي، ورئيس موسوعة أكسفورد عن العالم العربي والتي قرأها بالنيابة عنه الدكتور خالد البلوشي، تحدثت الورقة عن العولمة التي أدت هي والهجرات البشرية إلى زيادة مستوى وفعالية الحوار بين شعوب العالم بمختلف عاداتهم ودياناتهم؛ بحكم التواصل اليومي والمباشر. حيث أصبحت الحاجة إلى التفاهم والتسامح أكثر إلحاحا من النقد الذاتي؛ حيث تفاعل الإسلام وتداخل مع الديانات الأخرى على مر العصور.
ويمكن بكل بساطة الخروج بمفهوم أراد البروفيسور قوله من مجمل ورقته أن تسليط الضوء على الصراعات التي حدثت قديما بين الإسلام وغيره من الديانات ليس غاية أو هدفا، وإنما الهدف التركيز على إيجابيات التعامل وموجباته التسامح والتعاون والتعايش بين الإسلام والديانات الأخرى.. فكما يجب الاعتراف بالاختلاف، فلا بد من إقرار وتأكيد التسامح؛ تحقيقا للمصالح المشتركة، وإبرازا لأوجه الالتقاء بين الإسلام وغيره من الديانات بالماضي والحاضر.. ودعت الورقة بشكل جلي إلى غد مبني على أساس من التعاون يسوده التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب.
أما المستشرق الألماني الدكتور ميكلوش موراني استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بون فقدم ورقة بعنوان " حوار الثقافات والحضارات .. إشكالية الحاضر وتحديات المستقبل". وتناولت ورقته مسألة التفريق بين حوار الحضارات وحوار الأديان؛ لأن الأخير يحتل من وجه نظره غالبا محل حوار الحضارات، وهو يرى في ورقته أن الحوار إما أن يكون مرتكزا على مكونات الحضارة مثل العلم أو الفنون، أو أن يشمل القواعد الدينية في الحضارة.. فإن كانت المعايير الدينية والاعتقادية عند كلا الطرفين موضوعا في الحوار، فلا بد من أن يتناول هذا الحوار مسألة التسامح وعدم التسامح داخل حضارة ما من ناحية، وبين الحضارات، شرقية كانت ام غربية، من ناحية أخرى. تتألف الحضارة حسب ما ذهب إليه أستاذ الدراسات الإسلامية من عدة عناصر، منها النظم السياسية، والعناية بالعلوم والفنون بمختلف اتجاهاتها. ويمكن تعريف الحضارة حسب الورقة على أنها الميراث الثقافي والتاريخي في حقبة من التاريخ، وهي تتغير حسب التأثيرات السلبية والايجابية من الداخل والخارج.. الحضارة هي عبارة عامة، وبها تتميز أمة عن أمة أخرى، ومن هنا يمكن القول إن الحضارة بذاتها لا وجود لها، بل هناك حضارات بميزاتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها الخاصة بها. إن الاختلاف بين الحضارات البشرية وارد عبر التاريخ وإلى عصرنا هذا، مما حدى بالمفكرين بين حين وآخر إلى طرح أهمية قضية التقارب والتفاهم بين الحضارات. وخاضت الورقة في الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تطرح في مثل هذا السياق .. هل هناك مجال إلى الحوار، وما اهدافه، وهل سيتمكن أصحاب الحوار أن يتفقوا على الأسس والمبادئ المشتركة التي سينطلق منها الحوار. واتكأت الورقة في شيء منها على مقدمة ابن خلدون، عند وصفه للعلوم، التي تعتبر من أهم مكونات الحضارة البشرية؛ حيث يفرق ابن خلدون بين الصنف الطبيعي للعلوم، الذي يهتدي إليه الإنسان بفكره، والصنف النقلي الذي أخذه الإنسان عمن وضعه وسبق عليه بعلمه.
وفي ورقة ثالثة طرح الدكتور مسعود ضاهر استاذ تاريخ العرب الحديث في الجامعة اللبنانية التجربة اليابانية في مجال تطوير الثقافة الإنسانية والحفاظ على أصالة الموروث الثقافي والحضاري. وذهب ضاهر إلى القول ان اليابان حرصت منذ مطلع نهضتها في عصر الإمبراطور مايجي على نقل الكثير من المعارف العلمية والثقافية إلى اللغة اليابانية، وإيفاد بعثات لا حصر لها من الطلاب المجيدين لتحصيل علوم الغرب المتقدم، والاستفادة منها في نهضة اليابان؛ فبنت مجتمع المعرفة فيها على أساس الانفتاح على الثقافات الإنسانية، مع الحفاظ على أصالة موروثها الثقافي والحضاري.
ولعبت الثقافة اليابانية كما ذهب ضاهر، الدور الأساسي في تنشيط المؤسسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمالية اليابانية، بصورة تكاملية. وقدمت اليابان أنموذجا متقدما للدول التنموية التي ترعى الثقافة والإبداع. وذهب مسعود ضاهر إلى القول ان اليابانيين نقلوا العلوم العصرية لتوطين التكنولوجيا الغربية؛ بناء لنصيحة الإمبراطور المتنور مايجي، الذي خاطبهم بقوله "الحقوا بالغرب وتجاوزوه"، ثم دعاهم إلى تحصين تجربتهم النهضوية من مخاطر السقوط في دائرة التغريب؛ "فالتكنولوجيا غربية أما الروح فيابانية". وكان الهدف من هذا الشعار تجنب السلبيات التي تضر بالتقاليد الموروثة، التي يفتخر بها اليابانيون ويعتبرونها من أبرز خصائص مجتمعهم؛ فنجحوا بالتالي، في بناء نهضة غير قابلة للارتداد، تجمع بين الحداثة والمعاصرة، وتحولت إلى أنموذج يحتذى لدول النمور الآسيوية.
وأكد الباحث في ورقته ان اليابان تبنت منذ بداية نهضتها شعار " التعليم حق مقدس لجميع اليابانيين"، على أن تتحمل نفقاته الدولة أو الأهل أو الشركات الخاصة؛ فقدمت العائلة اليابانية أقصى ما تستطيع لتعليم أبنائها، ولم تتقاعس الشركات الخاصة، أو مؤسسات الدولة عن مساندة الطلبة اليابانيين لتحصيل أعلى الدرجات العلمية، وتأمين العمل لهم، ومدهم بقروض مالية ميسرة لإتمام دراساتهم.. تصرف اليابانيون بسخاء لدعم التعليم، ومساندة الباحثين الشباب، وتأمين موازنة كبيرة ومستمرة لمراكز الأبحاث والتطور التكنولوجي. ويؤكد ضاهر أن المتنورين اليابانيين أدركوا منذ البداية أن الثقافة العقلانية تساهم في تطوير مختلف جوانب المجتمع، ولا تتعارض مع قيم المجتمع الأصيلة الموروثة، بل تحميها من التشويه، وأن من واجب المثقفين اليابانيين إنتاج تراث ثقافي جديد يضاف إلى الماضي الذهبي، ويغنيه بثقافة عصرية يحتاج إليها المجتمع في تبدلاته المستمرة في عصر العولمة. ودعم النظام السياسي في اليابان القوى الحية الجديدة داخل المجتمع الياباني؛ بهدف الحد من تأثير قوى تقليدية، كانت أسيرة تراث قديم، لم ينجح في تجديده، فحاولت منع حركة التحديث من تحقيق غايتها بالتحول إلى حداثة مكتملة، عبر ثقافة عصرية متطورة، تلبي حاجات المجتمع المتزايدة باستمرار، لكنها ساندت في الوقت عينه الدعوة للحفاظ على التراث والأصالة؛ من أجل منع حركة التحديث من التحول إلى تغريب واستلاب.
وفي ورقة أخرى قدمها البروفيسور فيتالي نومكين، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والسياسية في موسكو، ورئيس تحرير مجلة الشرق ورئيس معهد العالم العربي، ورقة بعنوان "ملتقيات التقريب بين الثقافات والحضارات: قراءة في بعض القضايا والاتجاهات المتابعة لها" ويذهب نومكين في ورقته إلى القول ان عملية العولمة تكشف عن مرحلة جديدة؛ من حيث النوع في التنمية الحضارية للعالم، والتي تكون السمة البارزة لها إضفاء الطابع الدولي على جميع مجالات النشاط البشري، ونمو الاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات البشرية، إلى جانب مجموعة كبيرة من الاحتمالات الجديدة؛ من أنها توجد الكثير من التحديات الجديدة، وباستخدام المجهود المشترك ينبغي على الفرد أن يقلل من العواقب السلبية لهذه العملية؛ بإضفاء الطابع الإنساني على العولمة.
وقدم الدكتور مهدي جعفر نائب رئيس جمعية البيئة العمانية ورقة بعنوان قضايا البيئة والتفاهم الإنساني. وحسب ما يذهب إليه الباحث فإن البيئة شكلت بمفهومها الأشمل وبأبعادها الاجتماعية والاقتصادية المختلفة إطارا جامعا اتفقت على الالتقاء عنده، سائر الديانات السماوية منها وغير السماوية، وحض أتباعها على العمل على صونها وضرورة التدبر للمستقبل واحترام الحياة، وحق الحياة ليس للإنسان فحسب؛ بل لكل الكائنات الحية، وبكل أشكالها، كما حثت سائر الأديان على نبذ الإسراف.
المشهد يحتاج إلى مقولات ثقافية

دار عقب الجلسة الكثير من النقاشات التي أكدت في مجملها على أهمية أن يتحول المشهد من مشهد تنظيري إلى مشهد يتجه ناحية تطبيق الجانب التنظيري، عن طريق برامج وآليات عمل.
وردا على سؤال حول ولع العرب بأطروحات ابن خلدون الذي قالت عنه طاهرة اللواتية إنه كان يقصي الكثير من المذاهب الإسلامية فكيف يمكن الاستشهاد به في مسألة الحوار، رد المستشرق الألماني ميكلوش موراني بالقول ان ابن خلدون الأول في تاريخ الحضارة الإسلامية الذي سأل لماذا يحدث هذا، ولم يكتف برواية ما حدث، والشرق والغرب يعتبر ما فعله ابن خلدون لا مثيل له في ميدان العلوم الاجتماعية.. وهو عموما كان يتحدث عن الإسلام وظواهر ولم يتحدث عن الأديان الأخرى.
وردا على سؤال حول ظواهر التطرف والعنف في المجتمع الروسي قال البروفيسور فيتالي نومكين إن المجتمع الروسي يرفض كل أنواع التطرف، لكنه لم ينف أن هناك تطرفاً من قبل العلمانيين، وهناك تأثيرات خارجية، والصراع بين الطوائف الإسلامية موجود. وأيد الباحثون ما طرحه طالب السالمي، عندما ذهب إلى القول أنه من الحكمة ان نبدأ كمسلمين إلى حوار بين المذاهب الإسلامية قبل أن نبدأ حواراً مع الأديان الأخرى.
الشباب وحوار الثقافات

في الجلسة المسائية التي أدارها الدكتور محمد المعمري تحدث خمسة من الباحثين في سياق الموضوع. حيث قدم البروفيسور بنامين بوبوف مدير العلاقات الخارجية بصندوق دعم الثقافة الإسلامية والعلوم والتعليم بجمهورية روسيا الاتحادية ورقة بعنوان " الوسائل التطبيقية الناجحة للتقريب بين الشباب في حوار الثقافات والحضارات". وقال بوبوف:" بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ادعى الغرب بأن الإسلام هو العدو الأول؛ ففي عام 1993 قال الأمين العام للناتو:" إن اكبر تهديد للدول الغربية يأتي من العالم الإسلامي"، وفي نفس العام ظهرت نظرية مماثلة لصمويل هنتنجتون، قال فيها " إن المواجهة بين العالمين الغربي والإسلامي أساس لمستقبل الصدام بين الحضارات". وفي نهاية التسعينات تبنت الأمم المتحدة مفهوم حوار الحضارات؛ بناء على اقتراح من الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كما تم إنشاء بنية عالمية جديدة تحت مسمى "تحالف الحضارات"، في عامي 2004 و2005، إلا أنها باءت بالفشل بسبب مواقف واشنطن من خلال العديد من الندوات والمؤتمرات التي غالبا ما تنتهي بالرفض بالإجماع؛ وذلك لفرض طريقة في الحياة لتعليم المسلمين الديمقراطية. وقال الباحث إن الاتحاد الروسي سيعمل جاهدا من اجل اقتراح مبادرة جديدة للشراكة بين الحضارات؛ لإيجاد أساس مشترك للقيم الغربية والشرقية، مشيرا في ورقته إلى أن مشاركة ممثلين من الولايات المتحدة الأمريكية في البداية سيكون له بالغ الأثر في نجاح مثل هذه الشراكات. وكشف الباحث أنه من المؤمل القيام بتنظيم مؤتمر عالمي في مايو من العام الجاري في سانت بطرسبرج؛ من اجل إعلان المبادئ الرئيسية للحركة الجديدة والتي قال إنها تتمثل في استيعاب الحرب كوسيلة لحل القضايا الخلافية، وقبول فكرة حل كل النزاعات القومية والدينية والعرقية في القرن الحادي والعشرين، بالطرق السلمية، والترويج لها على أساس أنها قانون دولي، والاعتراف بوجود نزاعات عالمية ويجب التعامل معها من خلال حوار مشترك بين ممثلين من مختلف الحضارات والثقافات والأديان، وبالتالي التأكيد على ضرورة العمل الجماعي؛ مبنيا على أساس من التفاهم والمساواة. وأكد الباحث على أهمية اشراك الشباب في عمليات صنع القرار، وهو امر يعود بالفائدة على المجتمع ككل؛ حيث ان الشباب كما يذهب الباحث هم مصدر الأفكار المبتكرة، والطاقة، لإحداث تغيير إيجابي.
وفي ورقة أخرى قدم الدكتور عبدالله بن خميس الكندي عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس ورقة بعنوان " دور الإعلام في التقريب بين الثقافات والحضارات"
وقال الكندي في ورقته "اسهمت وسائل الاعلام الجماهيرية في تاريخها الممتد الذي يربو على ستة قرون ولا تزال في اختصار مسافات التواصل البشري بين الامم والحضارات من مختلف الجوانب كما استطاعت هذه الوسائل تسهيل نقل وتبادل انماط التفاعل الثقافي المختلفة."
وأكد الباحث "بدأت اسهامات وسائل الاعلام الجماهيرية في التقارب الثقافي والحضاري تتضح بشكل اكبر اكثر وضوحا وتأثيرا في القرن العشرين الذي اطلق عليه بعض الباحثين قرن «الثورة التكنولوجية» وفي منتصف ذلك القرن ايضا ظهر مصطلح «القرية الكونية» على يد عالم الاتصال مارشال مكلوهان: في اشارة لقدرة وسائل الاعلام على تحقيق تقارب بشري غير مسبوق. اما التطبيقات الفعلية لقرن الثورة التكنولوجية والقرية الكونية فقد تجلت بشكل اكبر في القرن الحادي والعشرين عندما اصبحت وسائل الاعلام الجماهيرية عابرة للحدود بكل معنى الكلمة، وقادرة على التأثير المباشر بشكل متقارب على مجتمعات متفاوتة واصبح العالم اكثر تقبلا لخطاب عابر للحدود. يتحدث عن قضايا مشتركة لكن على الرغم من كل القدرات الكامنة والفعلية لوسائل الاعلام الجماهيرية في التقارب الثقافي والحضاري و«نهاية التاريخ» و«التدفق غير المتوازن للمعلومات». «والصور النمطية السلبية».
أما الورقة الثامنة والتي قدمتها البروفيسورة سلمى الخضراء الجيوشي الشاعرة والناقدة والمؤرخة، وحملت عنوان "الترجمة واسهاماتها في الحوار الثقافي والفكري بين الشعوب".
وتحدثت الباحثة عن تجربتها في مجال الترجمة ومشروع "بروتا" فقالت "لقد تم دعوتي بصفتي استاذة في الادب العربي للسفر الى امريكا في عام 1976م وهناك اكتشفت الوجود الضعيف جدا للثقافة العربية وندرة الكتب حولها. وقد مثل هذا بالنسبة لي حقيقة محرجة: نظرا للغياب غير المبرر للتراث العربي الادبي والفكري الغني من جهة وللإسهام العربي الادبي المعاصر المزدهر من جهة اخرى. وسرعان ما اتضح لي انه يمكن القيام بشيء ما لتغيير هذا الوضع. وقد اتخذت في عام 1979م قرارا بترك التدريس وتكريس نفسي تماما لمهمة نشر المعرفة حول الثقافة العربية الاسلامية: وباللغة الانجليزية". وقالت الباحثة أن مشروعها بني على أفكار أساسية، فكرتها الأولى هي أن العالم ليس عدونا، لكننا نحن الذين قد اهملنا قيمتنا الثقافية الخاصة. وانجازاتها التاريخية، أما الفكرة الثانية فهي ان هناك وحدة اساسية في جميع الثقافات. وفي سعينا للاحتفال بإنجازاتها الثقافية العربية الاسلامية لن نبرز الاختلاف.. بل سنثري التراث الشامل للإبداع البشري، واستمراريته وقيمه الخالدة.
وأضافت "فقط عندما يتم التعرف على الجهود اللامعة التي تقدمها شعوب العالم من اجل تدعيم الاهداف الجمالية، والفلسفة والروحية داخل الطبيعة البشرية - عندها فقط يمكن ان تتحقق نظرة ثقافية بصدق، وهي النظرة التي من شأنها ان تؤدي الى تحقيق السلام واقامة علاقات ودية بين الشعوب.. الترجمة هو سبيل رئيسي لتحقيق التعارف المتبادل في جميع انحاء العالم، وهذا يتحقق من خلال القراءة والفهم، والاحترام والتعاطف مع بعضنا البعض".
أما الورقة التاسعة فقدمها البروفيسور تشيه تشي رونغ - استاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين – الصين، وكانت بعنوان "دور الكراسي الجامعية في تعزيز أهداف التقارب بين الثقافات والشعوب"
وتحدث الباحث في ورقته فقال "هناك افكار يروج لها منذ السنوات القليلة الماضية حول صراع الحضارات صحيح ان هناك كثيرا من الاشياء التي تفرقنا، وتجعلنا نبدو كأننا في اختلافنا هذا لا محالة في ان نلتقي على نقاط متفقة. من هذه الاشياء اللغة والدين والتاريخ وغير ذلك من اوجه الثقافة وعلى الرغم من كل هذه الاشياء التي قد تباعد ما بيننا الا ان هناك عاملا مشتركا بين كل الاجناس - برغم كل هذه الاختلافات - الا وهو عامل الانسانية: فكلنا بلا شك ننتمي الى الانسانية، فهي دين لا نختلف عليه، ولغة نفهمها جميعا، وجنسية نحملها وكوكب واحد يجمعنا.
وكلنا نعلم ان الكثير من الثقافات التي تعيش على سطح الكرة الارضية تهدف كلها كفاية مشتركة وفقا لقيمها واهدافها. الرامية الى نشر السلام والمحبة والتسامح والعدالة والمساواة والتعاون فيما بين بني البشر.
أما الورقة العاشرة فحملت عنوان "تعزيز الحوار لمواجهة التحديات الراهنة من أجل التضامن لصون كوكبنا" قدمها سعادة الدكتور موسى بن جعفر بن حسن - مستشار وفد السلطنة لدى اليونسكو. قال خلالها " ان الحديث عن مستقبل كوكبنا لا يزال في رحم الغيب فهو امر ليس من السهل في الوقت الذي تتضارب فيه المصالح وتكون معرضة دائما لتجاهل ما قد تحمله المفاجآت غير المنتظرة. فلا يمكن ان تقوم حضارة على دماء حضارة اخرى ولا يمكن ان ينشأ بنيان انساني في ركام بنيان متهدم، ان العمارة الانسانية تنشأ بالتعاون بين الحضارات. وفي اطار التكامل بين معارفها وخبراتها، وتحضرني هنا فكرة تشغل ذهني في كل مرة اتطرق فيها الى مسألة حوار الحضارات وهي هل يمكن ان يكون ثمة لقاء بين الحضارات من دون ان يكون ثمة حوار كيف يمكن للحضارات ان تلتقي من دون ان يتلاحم بعضها ببعض ومن دون ان تتكامل فيما بينها في بناء صرح للإنسانية، ولا اعتقد ان الحروب والجرائم الجماعية وانتهاك الحرمات يمكن ان نسميها صراع الحضارات، انها تسمية غير صحيحة فحيث هناك صراع هناك غياب للحضارة.
موسى جعفر: هدف اليونسكو السلام..
لكن أصحاب المال يضغطون كما يريدون

قال موسى جعفر مستشار بعثة السلطنة في منظمة اليونسكو ردا على سؤال وجهته له عمان حول دور منظمة اليونسكو في ترسيخ ثقافة الحوار والتقارب بين الحضارات، إن منظمة اليونسكو قامت أساسا على مبدأ نشر ثقافة السلام، وهو لا يأتي إلا بالتقارب بين الشعوب، وكان هدف المنظمة دائما ينطلق من استخدام الثقافة والتربية لغرب السلام في عقول الشباب. ويضيف جعفر إن مقولة المنظمة “إذا كانت الحروب تتولد في عقول البشر، فعلينا ان نغرس غصون السلام في عقول الشباب” فكانت كل برامجها تأتي من هذا المنطلق”. وردا حول سؤال ما إذا كانت المنظمة قد حققت أهدافها، قال جعفر إن النجاح صعب، وسوف تستمر هذه الصعوبة، ولا أقول إلى الأبد، ولكن الموضوع يعتمد على التربية التي تتم في البيت فإن نشأ الشباب على ثقافة العنف والحرب كيف للمنظمة ان تغير من ذلك، المنظمة تحاول ما وسعها ذلك.
وحول ما إذا كانت الدول العظمى تسيطر على قرار المنظمة قال موسى جعفر إن الأمر أقل وطأة في اليونسكو لعدم وجود “فيتو”، لكن الأمر يعود إلى المال، وصاحب المال هو الذي يضغط لصالح المصلحة التي يريدها أو التي يرها تتوافق معه

المصدر: http://main.omandaily.om/node/83799

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك